فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 8

بسم الله الرحمن الرحيم


 الحمد لله المستعاذ ‌به‌ ‌من‌ مكاره الخصال ‌و‌ سيى الاخلاق ‌و‌ مذام الافعال، ‌و‌ الصلاه ‌و‌ السلام على نبيه المنزه عن كل مذمه ‌فى‌ المقال ‌و‌ الفعال، ‌و‌ على اهل بيته المقتدين ‌به‌ ‌و‌ المقتدى بهم ‌فى‌ جميع الاحوال.


 ‌و‌ بعد فهذه الروضه الثامنه ‌من‌ رياض السالكين تتضمن شرح الدعاء الثامن ‌من‌ ادعيه صحيفه سيد العابدين.
 املاء العبد الفقير الى ربه الغنى على صدرالدين ‌بن‌ احمد نظام الدين الحسينى الحسنى، وفقه الله للعمل ‌فى‌ يومه لغده قبل خروج الامر ‌من‌ يده.
 
استعذت بالله استعاذه، ‌و‌ عذت ‌به‌ عوذا ‌و‌ معاذا ‌و‌ عياذا: اعتصمت ‌او‌ تحصنت ‌او‌ التجات، ‌و‌ اصل الاستعاذه استعواذ على استفعال، نقلت حركه العين الى الفاء الساكنه قبلها، ‌و‌ قلبت العين الفا، ‌و‌ حذفت لالتقاء الساكنين، ‌و‌ عوضت تاء التانيث عنها، ‌و‌ قس على ذلك كل مصدر لاستفعل معتل العين ‌و‌ جاء تنبيها على الاصل، استحوذ الشيطان استحواذا بالتصحيح.
 ‌و‌ المراد بالمكاره: ‌ما‌ يكرهه الانسان، ‌و‌ قد تقدم الكلام على هذا اللفظ ‌فى‌ اول الروضه التى قبل هذه. ‌و‌ عطف سيى ء الاخلاق ‌و‌ مذام الافعال عليه ‌من‌ عطف الخاص على العام.
 ‌و‌ الاخلاق: جمع خلق بالضم.
 قال الراغب: الخلق بالضم ‌فى‌ الاصل كالخلق بالفتح كالشرب ‌و‌ الشرب، ولكن الخلق بالضم يقال ‌فى‌ القوى المدركه بالبصيره، ‌و‌ الخلق بالفتح ‌فى‌ الهيئات ‌و‌ الاشكال ‌و‌ الصور المدركه بالبصر. ‌و‌ عرفوا الخلق بالضم بانه هيئه راسخه ‌فى‌
 
النفس تصدر عنها الافعال بسهوله، فان كان الصادر عنها الافعال الجميله عقلا ‌و‌ شرعا سميت الهيئه التى هى المصدر خلقا حسنا، ‌و‌ ‌ان‌ كان الصادر عنها الافعال القبيحه سميت الهيئه خلقا سيئا، ‌و‌ انما قيل. انه هيئه راسخه لان ‌من‌ يصدر منه بذل المال على الندور لحاله عارضه ‌لا‌ يقال خلقه السخاء ‌ما‌ لم يثبت ذلك ‌فى‌ نفسه، ‌و‌ كذلك ‌من‌ تكلف السكون عند الغضب بجهد ‌او‌ رويه ‌لا‌ يقال خلقه الحلم، ‌و‌ ليس الخلق عباره عن الفعل، فرب شخص خلقه السخاء ‌و‌ ‌لا‌ يبذل، اما لفقد المال ‌او‌ لمانع، ‌و‌ آخر خلقه البخل ‌و‌ ‌هو‌ يبذل لباعث ‌او‌ رياء، ‌و‌ ربما اطلقوا الخلق على اسماء انواعه نحو العفه ‌و‌ العداله ‌و‌ الشجاعه، فان ذلك يقال للهيئه ‌و‌ الفعل جميعا.
 ‌و‌ الافعال: جمع فعل ‌و‌ ‌هو‌ الهيئه العارضه للموثر ‌فى‌ غيره بسبب التاثير، كالهيئه الحاصله للقاطع بسبب كونه قاطعا، فان احتاج الفاعل الى تحريك عضو سمى الفعل علاجيا كالضرب ‌و‌ الشتم، ‌و‌ الا فغير علاجى كالعلم ‌و‌ الظن.
 
 هدايه
 
 الافعال تنقسم الى قسمين: ‌ما‌ يستحق ‌به‌ فاعله الذم ‌و‌ اللوم، ‌و‌ ‌ما‌ ‌لا‌ يستحق ‌به‌ ذلك.
 ‌و‌ بيانه: ‌ان‌ الافعال ضربان: ارادى ‌و‌ غير ارادى. فالارادى ضربان: ضرب عن رويه، ‌و‌ ضرب ‌لا‌ عن رويه، اما بحسب النفس الناطقه، ‌و‌ هى ‌لا‌ تختار ابدا الا الافضل ‌و‌ الاصلح ‌و‌ ‌ما‌ ‌هو‌ خير، ‌و‌ هذا يستحق ‌به‌ الحمد ابدا. ‌و‌ اما بحسب القوه
 
الغضبيه ‌و‌ ‌هو‌ دفع ‌ما‌ يضره، ‌او‌ القوه الشهويه، ‌و‌ كل منهما اذا كان بقدر ‌ما‌ يوجبه العقل يستحق ‌به‌ الحمد، ‌و‌ اذا كان زائدا ‌او‌ ناقصا يستحق ‌به‌ الذم.
 ‌و‌ الارادى الذى عن غير رويه ضربان: احدهما: ‌ما‌ يفعله ‌فى‌ نفسه، ‌و‌ الثانى: ‌ما‌ يفعله بغيره، ‌و‌ كل واحد منهما ضربان: نفع ‌و‌ ضر، فما قصد ‌به‌ نفع نفسه فقد يستحق ‌به‌ الحمد، ‌و‌ ‌ما‌ قصد ‌به‌ نفع غيره فقد يستحق ‌به‌ الحمد ‌و‌ الشكر معا، ‌و‌ ‌ما‌ قصد ‌به‌ ضر نفسه فقد يستحق ‌به‌ الذم، ‌و‌ ‌ما‌ قصد ‌به‌ ضر غيره فقد يستحق ‌به‌ الذم ‌و‌ اللوم.
 ‌و‌ غير الارادى ثلاثه اضرب:
 الاول: ‌ان‌ يكون قسريا، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يكون مبدوه ‌من‌ خارج ‌و‌ ‌لا‌ يكون ‌من‌ فاعله معونه بوجه، كمن دفعته ريح فسقط على آنيه فكسرها، ‌و‌ ‌لا‌ ذم ‌و‌ ‌لا‌ لوم ‌فى‌ هذا بوجه.
 ‌و‌ الثانى: ‌ان‌ يكون الجائيا، كمن اكرهه السلطان على ‌ان‌ يفعل فعلا ما، ‌و‌ هذا متى كان الملجا اليه ليس بحد قبيح ‌و‌ السبب الملجى اليه عظيما ‌لا‌ يستحق مرتكبه الذم، كمن يوضع على رقبته السيف فيهدد بالقتل ‌ان‌ لم يتكلم بكلام قبيح، ‌و‌ كلاهما يقال له الاكراه.
 ‌و‌ الثالث: الخطا، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يكون مبدوه ‌من‌ صاحبه، ‌و‌ ‌هو‌ نوعان:
 احدهما: ‌ما‌ تولد عن فعل وقع منه ‌و‌ له ‌ان‌ يفعله، كمن يرمى هدفا فاصاب انسانا، ‌و‌ هذا ‌لا‌ يستحق ‌به‌ ملامه ‌ما‌ لم يقع ‌من‌ صاحبه تقصير ‌فى‌ الاحتراز.
 
و الثانى: ‌ما‌ يتولد ‌من‌ فعل ليس له ‌ان‌ يفعله، كمن شرب فسكر، فحمله السكر على ‌ان‌ كسر اناء ‌و‌ ضرب انسانا، فقد ارتكب محظورا ادى ‌به‌ الى وقوع ذلك منه، ‌و‌ هذا يستحق الذم ‌و‌ اللوم معا.
 فالضرب الاول يقال فيه: اخطا فهو مخطى. ‌و‌ الثانى: يقال فيه: خطا فهو خاطى. ‌و‌ لهذا قال اهل اللغه: خطا اذا تعمد ‌ما‌ نهى عنه، ‌و‌ اخطا اذا اراد الصواب فصار الى غيره ‌من‌ غير عمد.
 قال صلوات الله عليه:
 
الباء: للالصاق، اى: الصق اعتصامى بقوتك، ‌او‌ تحصنى بمنعك، ‌او‌ التجائى بحفظك. ‌و‌ لك تبديل الصله.
 ‌و‌ هاج الشى ء هيجانا ‌و‌ هياجا بالكسر: ثار.
 ‌و‌ الحرص بالكسر: اسم ‌من‌ حرص على الشى ء- ‌من‌ باب ضرب-: اذا رغب فيه رغبه مذمومه.
 قال ابن جنى: ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ معنى السحابه الحارصه، ‌و‌ هى التى تقشر وجه الارض بمطرها. ‌و‌ شجه حارصه: ‌و‌ هى التى تقشر جلد الراس، فكذلك الحرص كان صاحبه ينال ‌من‌ نفسه لشده اهتمامه بما حرص عليه.
 ‌و‌ قيل: الحرص ‌هو‌ طلب الشى ء المشتهى باقصى ‌ما‌ يمكن ‌من‌ الاجتهاد.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ حاله نفسانيه تنشا ‌من‌ الجهل بالتوكل، ‌او‌ ‌من‌ ضعف القلب لاستيلاء مرض الوهم عليه، فان الوهم كثيرا ‌ما‌ يعارض اليقين، كمن تراه
 
لا يبيت وحده مع ميت ‌و‌ ‌هو‌ يبيت مع جماد، مع علمه بان الميت ايضا جماد. ‌و‌ تبعث تلك الحاله على السعى التام ‌فى‌ الاكتساب، ‌و‌ شده الاهتمام بجمع الاسباب، ‌و‌ صرف العمر ‌و‌ الفكر ‌فى‌ جمع المال ‌فى‌ جميع الاوان، ‌و‌ ‌لا‌ شبهه ‌فى‌ ‌ان‌ ذلك لقوه الاعتماد على الكسب ‌و‌ الطلب ‌و‌ عدم الاعتماد على الله سبحانه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ طرف الافراط ‌فى‌ القوه الشهويه الطالبه لشهوات الدنيا، ‌و‌ اذا وقع الافراط فيها طلبت ‌ما‌ يضر بالدين. ‌و‌ هذه العبارات ترجع الى معنى واحد عند التحقيق، غير ‌ان‌ بعض المحققين جعل الحرص عباره عن طرف الافراط ‌فى‌ الشهوه عقليه كانت ‌ام‌ بدنيه، فيشمل ‌ما‌ كان ‌من‌ امور الدنيا ‌او‌ ‌من‌ امور الدين، قال: فالحرص قد يكون محمودا، ‌و‌ لذلك قال تعالى: «حريص عليكم بالمومنين رووف رحيم».
 ‌و‌ قال بعضهم: بل الحرص مطلقا مذموم، لان الحرص على الدنيا يورث سخط حكم الله، ‌و‌ الحرص المفرط ‌فى‌ الدين يطمس العمل ‌و‌ يقطع الغرض، كما قال صلى الله عليه ‌و‌ اله: ‌ان‌ هذا الدين متين فاوغلوا فيه برفق، ‌و‌ ‌لا‌ تكرهوا عباده الله الى عباد الله فتكونوا كالراكب المنبت الذى ‌لا‌ سفرا قطع ‌و‌ ‌لا‌ ظهرا ابقى.
 ‌و‌ على هذا ‌ما‌ ورد ‌من‌ الامر بالاقتصاد ‌فى‌ العباده ‌فى‌ اخبار كثيره عن صاحب الشريعه ‌و‌ اهل بيته الطاهرين، كما روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند صحيح ‌او‌
 
حسن عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: اجتهدت ‌فى‌ العباده ‌و‌ انا شاب، فقال لى ابى: ‌يا‌ بنى دون ‌ما‌ اراك تصنع، فان الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ اذا احب عبدا رضى منه باليسير.
 فاذا كان الحرص ‌فى‌ الدين مرغوبا عنه فما ظنك ‌به‌ ‌فى‌ الدنيا، ‌و‌ ‌هو‌ سبب التعب، ‌و‌ اصل النصب، ‌و‌ داعيه الحاجه، ‌و‌ علامه اللجاجه، ‌و‌ لقاح البخل، ‌و‌ نتاج الجهل، ‌و‌ رائد الذل، ‌و‌ ملاك الهلاك.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: قال ابوجعفر صلوات الله عليه: مثل الحريص ‌فى‌ الدنيا مثل دوده القز، كلما ازدادت ‌من‌ القز على نفسها لفا كان ابعد لها ‌من‌ الخروج حتى تموت غما.
 ‌و‌ قد عقد ابوالفتح البستى هذا المعنى فقال:
 الم ‌تر‌ ‌ان‌ المرء طول حياته
 معنى بامر ‌لا‌ يزال معالجه
 كدود القز ينسج دائما
 ‌و‌ يهلك غما وسط ‌ما‌ ‌هو‌ ناسجه
 ‌و‌ ‌فى‌ كلام بعض الاكابر: اعلم انك ‌ان‌ جاوزت الغايه ‌فى‌ العباده صرت الى التقصير، ‌و‌ ‌ان‌ جاوزتها ‌فى‌ حمل العلم لحقت بالجهال، ‌و‌ ‌ان‌ جاوزتها ‌فى‌ رضا الناس كنت المحسور المنقطع، ‌و‌ ‌ان‌ جاوزتها ‌فى‌ طلب الدنيا كنت الخاسر المغبون ‌و‌ الشقى المخدوع. ثم الحرص ‌فى‌ الدنيا ‌ان‌ كان على القنيات. قيل له: الشره، سواء كان مالا ‌او‌ نكاحا ‌او‌ طعاما، ‌و‌ متى كان على النكاح قيل له: الشبق، ‌و‌ متى كان على الطعام قيل له: النهم، ‌و‌ الجميع مذموم.
 
فان قلت: اذا كان الحرص ‌من‌ اصله مذموما فما معنى استعاذته عليه السلام ‌من‌ هيجانه؟ ‌و‌ هلا استعاذ منه راسا؟
 قلت: هذا اما بناء على ‌ان‌ ‌من‌ الحرص ‌ما‌ يكون محمودا، كما قال تعالى: «حريص عليكم بالمومنين رووف رحيم»، فاستعاذ ‌من‌ غلبته المذمومه.
 ‌و‌ اما ‌من‌ باب نفى الشى ء بنفى لازمه ‌او‌ ‌ما‌ يجرى مجراه قصد الى نفيه ‌او‌ نفى ملزومه معا، اذ معنى الاستعاذه بالله ‌من‌ شى ء الالتجاء ‌به‌ ‌فى‌ دفع ذلك الشى ء المستعاذ منه، فيعود الى طلب نفيه على المستعيذ، فيكون الغرض ‌من‌ طلب نفى هيجان الحرص طلب نفيه، فلا يكون له حرص فيكون له هيجان. ‌و‌ ‌من‌ شواهده قول الشاعر:
 ‌من‌ اناس ليس ‌فى‌ اخلاقهم
 عاجل الفحش ‌و‌ ‌لا‌ سوء الجزع
 اى: ‌لا‌ فحش ‌و‌ ‌لا‌ جزع اصلا فلا عجله ‌و‌ ‌لا‌ سوء.
 سوره الشى ء بالفتح: حدته، ‌و‌ تاتى بمعنى البطش ايضا.
 قال الزبيدى: السوره: الحده، ‌و‌ السوره: البطش.
 ‌و‌ اراده هذا المعنى هنا ايضا صحيحه.
 ‌و‌ الغضب قيل: تغير يحصل عند غليان ‌دم‌ القلب لشهوه الانتقام.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ هيجان النفس لاراده الانتقام.
 ‌و‌ قال الراغب: قوه الغضب متى تحركت تحرك ‌دم‌ القلب، فتولد منه ثلاث احوال، ‌و‌ ذاك انها اما ‌ان‌ تتحرك على ‌من‌ فوقه ‌او‌ على ‌من‌ دونه ‌او‌ على نظيره.
 
فان كان ذلك على ‌من‌ فوقه ممن يظن انه ‌لا‌ سبيل له الى الانتقام منه تولد منه انقباض الدم، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ الحزن. ‌و‌ ‌ان‌ كان على ‌من‌ دونه ممن يظن ‌ان‌ له سبيلا الى الانتقام منه تولد منه ثوران ‌دم‌ القلب اراده للانتقام، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ الغضب. ‌و‌ ‌ان‌ كان على نظيره ممن يشك انه هل يقدر على الانتقام منه تولد تردد الدم بين انقباض ‌و‌ انبساط، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ الحقد. ‌و‌ لكون الحزن ‌و‌ الغضب بالذات واحدا ‌و‌ اختلافهما بالاضافه.
 قال ابن عباس ‌و‌ قد سئل عنهما: مخرجهما واحد ‌و‌ اللفظ مختلف، فمن نازع ‌من‌ يقوى عليه اظهره غضبا، ‌و‌ ‌من‌ نازع ‌من‌ ‌لا‌ يقوى عليه كتمه حزنا.
 ‌و‌ قال بعض العلماء: ‌ان‌ الله تعالى خلق الغضب ‌من‌ النار، ‌و‌ قرره ‌فى‌ الانسان ‌و‌ خمره ‌فى‌ طينته، فاذا تحركت قوته اشتعلت نار الغضب ‌من‌ باطنه، ‌و‌ ثارت ثورانا يغلى ‌به‌ ‌دم‌ القلب كغلى الحميم، ‌و‌ ينتشر ‌فى‌ العروق، ‌و‌ يرتفع الى اعالى البدن ‌و‌ الوجه كما يرتفع الماء الذى ‌فى‌ القدر، فلذلك يحمر الوجه ‌و‌ البشره.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌ان‌ الغضب جمره ‌فى‌ قلب ابن آدم، الا ترون ‌فى‌ حمره عينيه ‌و‌ انتفاخ اوداجه.
 ‌و‌ مهما اشتدت نار الغضب ‌و‌ قوى اضطرامها اعمى صاحبه، ‌و‌ اصمه عن كل موعظه، ‌و‌ ينطفى نور عقله، فلا يوثر فيه نصح ‌و‌ ‌لا‌ وعظ. ‌و‌ ربما قويت نار الغضب فافنت الرطوبه التى بها الحياه فيموت صاحبه غيظا، ‌او‌ يفسد مزاج دماغه لغلبه الحراره الصاعده اليه فيموت، فهذه ثمره الغضب المفرط. ‌و‌ لذلك ورد ‌فى‌ ذمه ‌من‌
 
الاخبار ‌و‌ الاثار ‌ما‌ ‌لا‌ يكاد يحصى. غير انه ينبغى ‌ان‌ يعلم ‌ان‌ الغضب ‌لا‌ يجب ابطاله ‌من‌ الاصل، بل ربما يحسن تحصيله ‌و‌ تهيجه لمكانه ‌من‌ حفظ الدمار، ‌و‌ جهاد الكفار، ‌و‌ التنكر للمنكرات، ‌و‌ الاخذ على يد الشهوات، ‌و‌ ‌هو‌ بمنزله كلب الصيد يراض ‌و‌ يعلم ‌و‌ يودب ‌و‌ يقوم ليهيج باشاره المكلب ‌و‌ اشلائه الى القنيص الحلال، فكذلك امر الغضب، ‌و‌ انما رياضته ‌فى‌ تاديبه حتى ينقاد للعقل ‌و‌ ‌لا‌ يستعصى على الشرع، بل يهيج باشارتهما ‌و‌ يسكن على ارادتهما. فالواجب ‌فى‌ الغضب ‌هو‌ كسر سورته ‌و‌ اطفاء جمرته.
 الغلب ‌و‌ الغلبه بفتحين فيهما: اسم ‌من‌ غلب- ‌من‌ باب ضرب- غلبا اى: قهر. ‌و‌ اضافتها الى الحسد ‌من‌ باب الاضافه الى الفاعل. اى: ‌و‌ اعوذ بك ‌من‌ ‌ان‌ يغلبنى الحسد فاكون مغلوبا ‌و‌ مقهورا له، ‌و‌ ليس المراد بغلبته كثرته كما قد يتوهم.
 ‌و‌ الحسد: كراهيه نعمه الغير ‌و‌ تمنى زوالها عنه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ عباره عن فرط حرص المرء على امتيازه ‌فى‌ جميع المقتنيات ‌من‌ ابناء جنسه، ‌و‌ شده اهتمامه على ازالتها ‌من‌ غيره ‌و‌ جذبها الى نفسه.
 ‌و‌ قال الراغب: الذى ينال الانسان بسبب خير يصل الى غيره اذا كان على سبيل التمنى ‌ان‌ يكون له مثله فهو غبطه، ‌و‌ اذا كان مع ذلك سعى منه ‌فى‌ ‌ان‌ يبلغ ‌هو‌ مثل ذلك ‌من‌ الخير ‌او‌ ‌ما‌ ‌هو‌ فوقه فمنافسه، ‌و‌ كلاهما محمودان. ‌و‌ ‌ان‌ كان مع ذلك سعى ‌فى‌ ازالتها فهو حسد، ‌و‌ ‌هو‌ الحرام المذموم. ‌و‌ الحاسد التام: ‌هو‌ الخبيث
 
النفس الساعى ‌فى‌ ازاله نعمه مستحقه، ‌من‌ غير ‌ان‌ يكون طالبا ذلك لنفسه، ‌و‌ لذلك قيل: الحاسد قد يرى زوال نعمتك نعمه عليه.
 ‌و‌ عنه صلى الله عليه ‌و‌ آله: «المومن يغبط ‌و‌ المنافق يحسد» فحمد الغبطه، ‌و‌ قال تعالى: «و ‌فى‌ ذلك فليتنافس المتنافسون» فحثنا على التنافس، اذ ‌هو‌ الباعث لنا على طلب المحاسن، ‌و‌ ذلك كقوله سبحانه: «سارعوا الى مغفره ‌من‌ ربكم».
 ‌و‌ عنه صلى الله عليه ‌و‌ اله: ثلاثه ‌لا‌ ينجو منها احد الظن ‌و‌ الطيره ‌و‌ الحسد، ‌و‌ ساخبركم بالمخرج ‌من‌ ذلك، فاذا ظننت فلا تحقق، ‌و‌ اذا تطيرت فامض ‌و‌ ‌لا‌ تنثن، ‌و‌ اذا حسدت فلا تبغ. اى: اذا اصابك ‌غم‌ بخير يناله غيرك فلا تبغ ازالته عنه. انتهى كلام الراغب.
 ‌و‌ قال بعض العلماء: الحسد يكون ‌من‌ اجتماع البخل ‌و‌ الحرص، ‌و‌ الحسد ‌شر‌ ‌من‌ البخل، كما ‌ان‌ الحقد ‌شر‌ ‌من‌ الغضب، لان البخيل انما ‌لا‌ يحب ‌ان‌ ينيل احدا شيئا مما يملكه، ‌و‌ الحسود ‌لا‌ يحب ‌ان‌ ينال احدا خير البته. فالحسد ‌هو‌ كراهيته لما وقع خيرا لمن لم يضره ‌و‌ لم يسى ء به، ‌و‌ هذا ‌هو‌ الشر المحض، ‌و‌ الشرير مستحق للمقت ‌من‌ الخالق، لانه مضاد له ‌فى‌ ارادته الخير. ‌و‌ ‌من‌ المخلوق، لانه مبغض ظالم لهم ‌و‌ الحسد مما لالذه فيه ‌ان‌ كان ‌فى‌ الهوى، ‌و‌ الغضب لذه ‌و‌ تشف. ‌و‌ ‌هو‌ مع ذلك مضر بالدين ‌و‌ الدنيا، اما بالدين فلانه يبطل حسناته، ‌و‌ يعرضه لسخط خالقه ‌من‌ قبل تسخط قضائه ‌و‌ تدبيره ‌و‌ تحجيره ‌ما‌ وسع ‌من‌ نعمته على خلقه، ‌و‌ اما بدنياه فلانه
 
يسى ء قوله ‌فى‌ الناس ‌و‌ خلقه ‌فى‌ معائشهم، فيكثر اعداءه ‌و‌ الساعون ‌فى‌ الاضرار ‌به‌ ‌و‌ الاساءه اليه. ‌و‌ مضر بالروح ‌و‌ الجسد، اما بالروح فلانه يذهله ‌و‌ يعزب فكره ‌و‌ يوديه الى طول الحزن ‌و‌ الفكر، ‌و‌ اما بالجسد فلانه يعرض له عند هذه اعراض طول السهر ‌و‌ سوء الاغتذاء، ‌و‌ يتبعه رداءه اللون ‌و‌ كمود البشره ‌و‌ فساد المزاج، فكان الحسد كله آفه ‌و‌ مضره ‌و‌ شرا ‌و‌ فسادا، ‌و‌ كان نعم العون ‌و‌ المنتقم للمحسود ‌من‌ الحاسد، يديم همه ‌و‌ غمه ‌و‌ يذهل عقله ‌و‌ يذيب جسده. ‌و‌ لذلك قال اميرالمومنين عليه السلام: الحسد آفه الجسد.
 ‌و‌ قال الشاعر:
 اصبر على مضض الحسو
 د فان صبرك قاتله
 يكفيه داء انه
 حى تذوب مفاصله
 كالنار تاكل بعضها
 ‌ان‌ لم تجد ‌ما‌ تاكله
 ‌و‌ قد ورد ‌فى‌ ذمه ‌من‌ الاخبار ‌ما‌ ‌لا‌ مزيد عليه. فعن ابى عبدالله عليه السلام: ‌ان‌ الحسد ياكل الايمان كما تاكل النار الحطب.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: قال الله تعالى لموسى ‌بن‌ عمران: ابن عمران ‌لا‌ تحسدن الناس على ‌ما‌ اتيتهم ‌من‌ فضلى، ‌و‌ ‌لا‌ تمدن عينيك الى ذلك ‌و‌ ‌لا‌ تتبعه نفسك، فان الحاسد ساخط لنعمى، صاد لقسمى الذى قسمت بين عبادى، ‌و‌ ‌من‌ ‌يك‌ كذلك فلست منه ‌و‌ ليس منى.
 
و الى هذا المعنى اشار ‌من‌ قال:
 الاقل لمن كان لى حاسدا
 اتدرى على ‌من‌ اسات الادب
 اسات على الله ‌فى‌ حكمه
 لانك لم ترض لى ‌ما‌ وهب
 
 تنبيهات:
 
 الاول: قال بعضهم: ‌ان‌ الحسد مما يتقاضاه الطبع ‌و‌ تهواه النفس الاماره بالسوء، لكن انما يواخذ المرء عليه اذا غلبه فعمل بمقتضاه، ‌و‌ الى ذلك اشار عليه السلام بقوله: «و غلبه الحسد»، فاجتهد ‌ان‌ ‌لا‌ تظهر الحسد بلسانك ‌و‌ جوارحك ‌و‌ اعمالك الاختياريه لتنجو ‌من‌ الاثم، ‌و‌ ايضا جاهد نفسك ‌و‌ اكره لها حبها زوال نعمه الله عن عباده، فاذا اقترنت هذه الكراهيه الناشئه عن باعث الدين بحب زوال النعمه الذى اقتضاه الطبع اندفع عنك الاثم، اذ لم تواخذ بما حصلت عليه طبعا، انما تواخذ بما فعلته كسبا، ‌و‌ علامه هذه الكراهه ‌ان‌ تكون بحيث لو قدرت على معونته ‌فى‌ ادامه نعمته ‌او‌ ‌فى‌ زيادتها لم تقعد عنها مع كراهتك لها، فاذا كنت على هذا لم يكن عليك حرج مما يتقاضاه طبعك ‌و‌ تهواه نفسك الاماره.
 الثانى: قال بعض الافاضل: اذا كان لظالم ‌او‌ فاسق مال يصرفه ‌فى‌ غير وجهه، ‌و‌ يجعله آله للظلم ‌و‌ الفسق، جاز حسده ‌و‌ تمنى زوال ماله. ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ الحقيقه تمنى زوال الظلم ‌و‌ الفسق، ‌و‌ يصدقه انه يزول ذلك التمنى بتوبتهما، ‌و‌ الله اعلم.
 اتفقت النسخ على ضبط الضعف هنا بالفتح، ‌و‌ ‌هو‌ يويد قول ‌من‌ قال: ‌ان‌ الضعف بالضم فيما كان ‌فى‌ البدن، ‌و‌ بالفتح فيما كان ‌فى‌ العقل، ‌و‌ قد تقدم نقل
 
الخلاف ‌فى‌ ذلك.
 ‌و‌ الصبر: قوه ثابته ‌و‌ ملكه راسخه، بها يقدر على حبس النفس على الامور الشاقه ‌و‌ الوقوف معها بحسن الادب، ‌و‌ عدم الاعتراض على المقدر باظهار الشكوى، فان الانسان مادام ‌فى‌ هذه النشاه كان موردا للمصائب ‌و‌ الافات، محلا للنوائب ‌و‌ العاهات، ‌و‌ مكلفا بفعل الطاعات ‌و‌ ترك المنهيات ‌و‌ المشتهيات، ‌و‌ كل ذلك ثقيل على النفس بشع ‌فى‌ مذاقها، ‌و‌ هى تنفر عنه نفارا ‌و‌ تتباعد عنه فرارا، ‌و‌ ‌لا‌ يروضها عليه ‌و‌ يثنى جماحها عنه الا الصبر.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث عن اميرالمومنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: الصبر ثلاثه: صبر عند المصيبه، ‌و‌ صبر على الطاعه، ‌و‌ صبر عن المعصيه. فمن صبر على المصيبه حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائه درجه، ‌ما‌ بين الدرجه الى الدرجه كما بين السماء ‌و‌ الارض.
 ‌و‌ ‌من‌ صبر على الطاعه كتب الله له ستمائه درجه، ‌ما‌ بين الدرجه الى الدرجه كما بين تخوم الارض الى العرش.
 ‌و‌ ‌من‌ صبر عن المعصيه كتب الله تعالى له تسعمائه درجه، ‌ما‌ بين الدرجه الى الدرجه كما بين تخوم الارض الى منتهى العرش.
 
قال بعض العلماء: ‌و‌ بناوه على اربع قواعد: الزهد ‌و‌ الاشفاق ‌و‌ الشوق ‌و‌ ترقب الموت. فمن زهد ‌فى‌ الدنيا استخف بالمصيبات، ‌و‌ ‌من‌ اشفق ‌من‌ النار اجتنب المحرمات، ‌و‌ ‌من‌ اشتاق الى الجنه سلا عن الشهوات ‌و‌ طيب نفسه عن ترك المشتهيات، ‌و‌ ‌من‌ ارتقب الموت سارع ‌فى‌ الخيرات ‌و‌ واظب على الطاعات. ‌و‌ الايات ‌و‌ الروايات ‌فى‌ مدحه كثيره جدا، ‌و‌ يكفى ‌فى‌ معرفه سمو قدره قوله تعالى: «و الله مع الصابرين»، ‌و‌ قوله تعالى: «انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب».
 
 تنبيه
 
 المراد بترك الشكوى ‌فى‌ ‌حد‌ الصبر الشكوى الى غير الله تعالى، ‌و‌ اما الشكوى اليه سبحانه فلا تقدح ‌فى‌ الصبر، لان الله تعالى اثنى على ايوب عليه السلام بالصبر بقوله: «انا وجدناه صابرا»، مع دعائه ‌فى‌ رفع الضر عنه بقوله: «انى مسنى الضر ‌و‌ انت ارحم الراحمين»، فعلمنا ‌ان‌ العبد اذا دعا الله ‌فى‌ كشف الضر عنه ‌لا‌ يقدح ‌فى‌ صبره، بل يجب الدعاء ‌و‌ الاستكانه له ‌و‌ التضرع اليه سبحانه لئلا يكون كالمقاومه مع الله ‌و‌ دعوى التحمل لمشاقه، قال تعالى: «و لقد اخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم ‌و‌ ‌ما‌ يتضرعون»، ‌و‌ الله اعلم.
 
قد يعبر بالقله عن العدم، كما يقال: قليل الخير، اى: ‌لا‌ يكاد يفعله.
 ‌و‌ القناعه: اسم ‌من‌ قنع بالشى ء قنعا- ‌من‌ باب تعب- اى: رضى ‌به‌ فهو قنع ‌و‌ قنوع، ‌و‌ اما القانع فهو السائل ‌من‌ قنع يقنع بفتحتين قنوعا اذا سال. ‌و‌ منه: قوله تعالى: «و اطعموا القانع ‌و‌ المعتر»، فالقانع: السائل، ‌و‌ المعتر: الذى يطوف ‌و‌ ‌لا‌ يسال، ‌و‌ الى المعنيين المذكورين اشار ‌من‌ قال:
 العبد حر ‌ان‌ قنع
 ‌و‌ الحر عبد ‌ان‌ قنع
 فاقنع ‌و‌ ‌لا‌ تطمع فما
 شى ء يشين سوى الطمع
 قنع الاول بالكسر بمعنى: رضى، ‌و‌ الثانى بالفتح بمعنى: سال.
 ‌و‌ عرفت القناعه بانها الرضا بالقسمه.
 ‌و‌ قيل: هى الرضا بما دون الكفايه.
 ‌و‌ فسرها المحفق الطوسى- بعد ‌ما‌ عداها ‌من‌ الانواع المندرجه تحت العفه الحاصله ‌من‌ الاعتدال ‌فى‌ القوه الشهويه- بانها رضا النفس ‌فى‌ الماكل ‌و‌ المشارب ‌و‌ الملابس ‌و‌ غيرها بما يسد الخلل ‌من‌ ‌اى‌ جنس اتفق.
 ‌و‌ روى عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله قلت: ‌يا‌ جبرئيل ‌ما‌ تفسير القناعه؟ قال: تقنع بما تصيب ‌من‌ الدنيا، تقنع بالقليل ‌و‌ تشكر على اليسير
 ‌و‌ قد ورد ‌فى‌ شان القناعه ‌و‌ الحث عليها ‌من‌ الكتاب ‌و‌ السنه ‌ما‌ ‌لا‌ خفاء به، ‌و‌ كفى ‌فى‌ ذلك قوله تعالى: «و ‌لا‌ تعجبك اموالهم ‌و‌ ‌لا‌ اولادهم»، ‌و‌ قوله تعالى: «و ‌لا‌ تمدن عينيك الى ‌ما‌ متعنا ‌به‌ ازواجا منهم زهره الحيوه الدنيا».
 
و بالقناعه فسر الرزق الحسن ‌فى‌ قوله تعالى: «ليرزقنهم الله رزقا حسنا»، ‌و‌ بها فسرت الحياه الطيبه ‌فى‌ قوله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «فلنحيينه حيوه طيبه».
 ‌و‌ عن اميرالمومنين عليه السلام: القناعه مال ‌لا‌ ينفد ‌و‌ ‌لا‌ يفنى. يعنى ‌ان‌ الانفاق منها ‌لا‌ ينقطع، كلما تعزز عليه شى ء ‌من‌ امور الدنيا قنع بما دونه.
 ‌و‌ عن الباقر ‌و‌ الصادق عليهماالسلام: ‌من‌ قنع بما رزقه الله فهو اغنى الناس.
 ‌و‌ بيان ذلك: ‌ان‌ حاجات الناس كثيره، فاغناهم اقلهم حاجه، لان الغنى ‌هو‌ عدم الحاجه، فلذلك كان الله سبحانه اغنى الاغنياء لانه ‌لا‌ حاجه ‌به‌ الى شى ء.
 راى رجل ‌من‌ حاشيه السلطان حكيما ياكل ‌ما‌ تساقط ‌من‌ البقل على راس ماء، فقال له: لو خدمت السلطان لم تحتج الى اكل هذا، فقال الحكيم: ‌و‌ انت لو قنعت بهذا لم تحتج الى خدمه السلطان.
 ‌و‌ قال خالد ‌بن‌ صفوان: بت ليله استمتع بالمنى ‌و‌ اقلب قلبى على حواشى الغنى، فكبست البحر الاخضر بالذهب الاحمر، ‌و‌ جعلت ‌ما‌ بين كوفان الى اسياف عمان فاخره اللباس ‌و‌ سارحه النعم، فاذا الذى يكفينى ‌من‌ ذلك رغيفان ‌و‌ طمران.
 ‌و‌ قال وهب: خرج العز ‌و‌ الغنى يجولان، فلقيا القناعه فاستقرا.
 
الشكاسه بالفتح: اسم ‌من‌ شكس خلقه- ‌من‌ باب تعب- اى: صعب فهو شكس بالتسكين.
 قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: رجل شكس الخلق اى: صعب الخلق، ‌و‌ المراد بشكاسته ‌و‌ صعوبته سوءه، ‌و‌ قد يعبر عنه بالشراسه ايضا.
 قال ‌فى‌ المصباح: شكس شكسا فهو شكس، مثل شرس شرسا فهو شرس وزنا ‌و‌ معنى.
 قال: ‌و‌ الاسم الشراسه بالفتح ‌و‌ ‌هو‌ سوء الخلق. انتهى.
 قال بعض العلماء: شكاسه الخلق ‌و‌ سوءه وصف للنفس يوجب فسادها ‌و‌ انقباضها ‌و‌ تغيرها على اهل الخلطه ‌و‌ المعاشره ‌و‌ ايذاءهم بسبب ضعيف ‌او‌ بلا سبب، ‌و‌ رفض حقوق المعاشره ‌و‌ عدم احتمال ‌ما‌ ‌لا‌ يوافق طبعه منهم.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ كما يكون مع الخلق يكون مع الخالق ايضا، بعدم تحمل ‌ما‌ ‌لا‌ يوافق طبعه ‌من‌ النوائب، ‌و‌ الاعتراض عليه ‌فى‌ قضائه ‌و‌ احكامه، ‌و‌ مفاسده ‌و‌ آفاته ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الدين كثيره.
 كما ورد عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌من‌ ساء خلقه عذب نفسه. ‌و‌ ذلك لان نفسه منه ‌فى‌ تعب كما ‌ان‌ الناس منه ‌فى‌ تعب.
 كما يحكى ‌ان‌ سقراط راى رجلا يضرب غلاما له ‌و‌ ‌هو‌ يرتعد غضبا، فقال: ‌ما‌ الذى بلغ بك هذا الذى ارى؟ قال: اساءه هذا الغلام، فقال: ‌ان‌ كان كلما
 
 
جنى عليك جنايه، سلطته على نفسك تفعل بها ‌ما‌ ارى، فما اسرع ‌ما‌ تذهب نفسك مبدده ‌من‌ هذا الفعل.
 ‌و‌ كان المامون يقول: ‌ان‌ كان كلما اساء غلام ‌من‌ غلماننا فعلا فساءت ‌به‌ اخلاقنا، ‌او‌ ‌شك‌ ذلك ‌فى‌ اخلاقنا حتى ‌لا‌ تبقى لنا حسنه كما ‌لا‌ تبقى لهم سيئه.
 ‌و‌ عن الصادق عليه السلام ايضا: ‌ان‌ سوء الخلق ليفسد العمل.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه: ليفسد الايمان كما يفسد الخل العسل.
 ‌و‌ عنه ايضا عليه السلام قال: قال النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: ابى الله لصاحب الخلق السى ء بالتوبه، قيل: فكيف ذلك ‌يا‌ رسول الله؟ قال: لانه اذا تاب ‌من‌ ذنب وقع ‌فى‌ ذنب اعظم منه. ‌و‌ بيان ذلك: ‌ان‌ سوء خلقه يحمله على نقض التوبه، فيصير ذلك ذنبا مقرونا بذنب آخر ‌و‌ هما اعظم ‌من‌ الاول.
 الح السحاب الحاحا: دام مطره، ‌و‌ منه: الح الرجل: دام على الشى ء اذا اقبل عليه مواظبا ‌و‌ بالغ فيه، اى: مبالغه الشهوه ‌و‌ افراطها دائما.
 ‌و‌ الشهوه: حركه النفس طلبا للملائم.
 قيل: ‌و‌ اصعب القوى مداواه قمع الشهوه، لانها اقدم القوى وجودا ‌فى‌ الانسان، ‌و‌ اشدها ‌به‌ تشبثا، ‌و‌ اكثرها منه تمكنا، فانها تولد معه ‌و‌ توجد فيه ‌و‌ ‌فى‌ الحيوان الذى ‌هو‌ جنسه، ثم توجد فيه قوه الحميه، ثم توجد فيه آخرا قوه الفكر
 
و النطق ‌و‌ التمييز، ‌و‌ ‌لا‌ يصير الانسان خارجا ‌من‌ جمله البهائم ‌و‌ اسر الهوى الا باماته الشهوات البهيميه، ‌او‌ بقهرها ‌و‌ قمعها ‌ان‌ لم يمكنه اماتته اياها، فهى التى تضره ‌و‌ تغره ‌و‌ تصرفه عن طريق الاخره ‌و‌ تثبطه، ‌و‌ متى اماتها ‌او‌ قمعها صار الانسان حرا نقيا، بل يصير الهيا ربانيا فتقل حاجاته، ‌و‌ يصير غنيا عما ‌فى‌ ايدى الناس سخيا بما ‌فى‌ يده محسنا ‌فى‌ معاملاته. فان قيل: فاذا كانت الشهوه بهذه المثابه ‌فى‌ الاضرار، فاى حكمه اقتضت ‌ان‌ يبتلى الانسان بها؟ قيل: الشهوه انما تكون مذمومه اذا كانت مفرطه، ‌و‌ اهملها صاحبها حتى ملكت القوى ‌و‌ الحت عليها، فاما اذا ادبت فهى المبلغه الى السعاده ‌و‌ جوار رب العزه، حتى لو تصورت مرتفعه لما امكن الوصول الى الاخره. ‌و‌ ذلك ‌ان‌ الوصول الى الاخره انما ‌هو‌ بالعباده، ‌و‌ ‌لا‌ سبيل الى العباده الا بالحياه الدنيويه، ‌و‌ ‌لا‌ سبيل الى الحياه الدنيويه الا بحفظ البدن، ‌و‌ ‌لا‌ سبيل الى حفظه الا باعاده ‌ما‌ يتحلل منه بتناول الاغذيه، ‌و‌ ‌لا‌ يمكن تناول الاغذيه الا بالشهوه. ‌و‌ ايضا فلولا الشهوه ‌لا‌ نقطع بقاء النوع الانسانى، لان بقاءه انما يكون بشهوه المباضعه، فاذا الشهوه محتاج اليها ‌و‌ مرغوب فيها، ‌و‌ تقتضى الحكمه الالهيه ايجادها ‌و‌ تزيينها، كما قال تعالى: «زين للناس حب الشهوات ‌من‌ النساء ‌و‌ البنين» الايه. لكن مثلها مثل عدو يخشى مضرته ‌من‌ وجه ‌و‌ ترجى منفعته ‌من‌ وجه، ‌و‌ مع عداوته ‌لا‌ يستغنى عن الاستعانه به، فحق العاقل ‌ان‌ ياخذ نفعه منه، ‌و‌ ‌لا‌ يسكن اليه ‌و‌ ‌لا‌ يعتمد عليه الا بقدر ‌ما‌ ينتفع به، ‌و‌ ‌ما‌
 
اصدق ‌فى‌ ذلك قول المتنبى اذا تصور ‌فى‌ وصف الشهوه:
 ‌و‌ ‌من‌ نكد الدنيا على الحر ‌ان‌ يرى
 عدوا له ‌ما‌ ‌من‌ صداقته ‌بد‌
 ‌و‌ ايضا فهذه الشهوه هى المشوقه لعامه الناس الى لذات الجنه ‌من‌ الماكل ‌و‌ المشرب ‌و‌ المنكح، اذ ليس كل الناس يعرف اللذات المعقوله، ‌و‌ لو توهمناها مرتفعه لما تشوقوا الى ‌ما‌ وعدوا ‌به‌ ‌من‌ قول النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: فيها ‌ما‌ ‌لا‌ عين رات ‌و‌ ‌لا‌ اذن سمعت ‌و‌ ‌لا‌ خطر على قلب بشر.
 الملكه بفتحتين: اسم ‌من‌ ملكت الشى ء ملكا- ‌من‌ باب ضرب-.
 يقال: ‌هو‌ ملكه بالكسر، ‌و‌ له عليه ملكه بفتحتين.
 ‌و‌ الحميه بتشديد الياء المثناه ‌من‌ تحت: الانفه، كانها فعيله بمعنى مفعوله ‌من‌ الحمايه، اسم اقيم مقام المصدر كالسكينه بمعنى السكون، ‌و‌ هى ضربان:
 حميه محموده: ‌و‌ هى المستعمله ‌فى‌ صيانه كل ‌ما‌ يلزم الانسان صيانته ‌من‌ دين ‌او‌ اهل ‌او‌ بلد، ‌و‌ تسمى الغيره، ‌و‌ لذلك قيل: ليست الغيره ذب الرجل عن امراته، ‌و‌ لكن ذبه عن كل مختص به. ‌و‌ هذه الحميه ‌من‌ مكارم الاخلاق ‌و‌ محاسن الاعمال التى يتفاضل فيها اهل المجد ‌و‌ الشرف.
 ‌و‌ حميه مذمومه: ‌و‌ هى المستعمله ‌فى‌ الاستكبار عن الحق ‌و‌ التطاول على الخلق، ‌و‌ تسمى العصبيه ‌و‌ حميه الجاهليه. ‌و‌ هى ‌من‌ لوازم الغضب مع الفخر ‌و‌ العجب ‌و‌ الكبر، لانها تنشا ‌من‌ تصور الموذى مع الترفع على فاعله ‌و‌ اعتقاد الشرف عليه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ طغيان النفس الاماره ‌و‌ نفثات الشيطان فيها بان التواضع للحق ‌من‌
 
العار، فيقدم صاحبها على ‌ما‌ يوجب خروجه ‌من‌ الايمان، ‌و‌ خلع ربقه العبوديه ‌من‌ عنقه، نعوذ بالله ‌من‌ ذلك.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ كان ‌فى‌ قلبه حبه ‌من‌ خردل ‌من‌ عصبيه بعثه الله تعالى يوم القيامه مع اعراب الجاهليه.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌من‌ تعصب عصبه الله بعصابه ‌من‌ نار.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: ‌ان‌ الملائكه كانوا يحسبون ‌ان‌ ابليس منهم ‌و‌ كان ‌فى‌ علم الله انه ليس منهم، فاستخرج ‌ما‌ ‌فى‌ نفسه بالحميه ‌و‌ الغضب فقال: خلقتنى ‌من‌ نار ‌و‌ خلقته ‌من‌ طين.
 ‌و‌ عن الزهرى قال: سئل على ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام عن العصبيه. فقال: العصبيه التى ياثم عليها صاحبها ‌ان‌ يرى شرار قومه خيرا ‌من‌ خيار قوم آخرين، ‌و‌ ليس ‌من‌ العصبيه ‌ان‌ يحب الرجل قومه، ولكن ‌من‌ العصبيه ‌ان‌ يعين قومه على الظلم.
 ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ ذم هذا النوع ‌من‌ الحميه كثيره.
 
تابعه على كذا متابعه ‌و‌ تباعا، وافقه عليه.
 ‌و‌ الهوى بالقصر: ميل النفس الاماره بالسوء الى مقتضى طباعها ‌من‌ اللذات الدنيويه الى ‌حد‌ الخروج عن الحدود الشرعيه، ‌و‌ ‌هو‌ اشد جاذب للانسان عن قصد الحق ‌و‌ اتباع دليله، ‌و‌ اقوى صاد عن الاهتداء بمناره ‌و‌ سلوك سبيله، ‌و‌ لذلك
 
جعل سبحانه متابعته ‌و‌ الانقياد اليه عباده له، فقال: «افرايت ‌من‌ اتخذ الهه هواه». كما جعل موافقه الشيطان عباده له، فقال تعالى: «الم اعهد اليكم ‌يا‌ بنى آدم ‌ان‌ ‌لا‌ تعبدوا الشيطان». ‌و‌ قد ورد ‌فى‌ التحذير منه ‌و‌ ‌من‌ اتباعه قاصمه الظهور، ‌و‌ لو لم يرد ‌فى‌ ذلك الا قوله تعالى: «و ‌لا‌ تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله» لكفى، ‌و‌ اما الاخبار فعنه صلى الله عليه ‌و‌ آله: ثلاث مهلكات: شح مطاغ، ‌و‌ هوى متبع، ‌و‌ اعجاب المرء بنفسه.
 ‌و‌ عن اميرالمومنين عليه السلام: ‌ان‌ اخوف ‌ما‌ اخاف عليكم اثنتان: اتباع الهوى ‌و‌ طول الامل. اما اتباع الهوى فيصد عن الحق، ‌و‌ اما طول الامل فينسى الاخره.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: احذروا اهواءكم كما تحذرون اعداءكم، فليس شى ء اعدى للرجال ‌من‌ اتباع اهوائهم.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌لا‌ تدع النفس ‌و‌ هواها، فان هواها ‌فى‌ رداها ‌و‌ ترك النفس ‌و‌ ‌ما‌ تهوى داوها، ‌و‌ ‌كف‌ النفس عما تهوى دواوها.
 ‌و‌ عن ابى جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: يقول الله تعالى: ‌و‌ عزتى ‌و‌ جلالى ‌و‌ كبريائى ‌و‌ نور عظمتى ‌و‌ علوى ‌و‌ ارتفاع مكانى، ‌لا‌ يوثر عبد هواه على هواى الا شتت عليه امره، ‌و‌ لبست عليه دنياه، ‌و‌ شغلت قلبه بها،
 
و لم اوته منها الا ‌ما‌ قدرت له، ‌و‌ عزتى ‌و‌ جلالى ‌و‌ عظمتى ‌و‌ نورى ‌و‌ علوى ‌و‌ ارتفاع مكانى، ‌لا‌ يوثر عبد هواى على هواه الا استحفظته ملائكتى، ‌و‌ كفلت السماوات ‌و‌ الارضون رزقه، ‌و‌ كنت له ‌من‌ وراء تجاره كل تاجر ‌و‌ اتته الدنيا ‌و‌ هى راغمه.
 
 هدايه
 
 قوه الفكر بين العقل ‌و‌ الهوى، ‌و‌ العقل فوقها ‌و‌ الهوى تحتها، فمتى ارتفعت الفكره ‌و‌ مالت نحو العقل صارت رفيعه فولدت المحاسن، ‌و‌ اذا اتضعت ‌و‌ مالت نحو الهوى صارت وضيعه فولدت المقابح، ‌و‌ ‌من‌ شان العقل ‌ان‌ يرى ‌و‌ يختار ابدا الافضل ‌و‌ الاصلح ‌فى‌ العواقب، ‌و‌ ‌ان‌ كان على النفس ‌فى‌ المبدا منه مونه ‌و‌ مشقه. ‌و‌ الهوى على الضد ‌من‌ ذلك، فانه يوثر ‌ما‌ يدفع ‌به‌ الموذى ‌فى‌ الوقت ‌و‌ ‌ان‌ كان يعقب مضره، ‌من‌ غير نظر منه ‌فى‌ العواقب، كالصبى الرمد الذى يوثر اكل الحلاوت ‌و‌ اللعب ‌فى‌ الشمس على اكل الهليلج ‌و‌ الحجامه، ‌و‌ لهذا قال عليه السلام: حفت الجنه بالمكاره ‌و‌ حفت النار بالشهوات ‌و‌ ايضا فالعقل يرى صاحبه ‌ما‌ له ‌و‌ عليه، ‌و‌ الهوى يريه ماله دون ‌ما‌ عليه ‌و‌ يعمى عليه ‌ما‌ يعقبه ‌من‌ المكروه، ‌و‌ لهذا قال عليه السلام: «حبك الشى ء يعمى ‌و‌ يصم». فعلى العاقل ‌ان‌ يتهم رايه ابدا ‌فى‌ الاشياء
 
التى هى له ‌لا‌ عليه، ‌و‌ يظن انه هوى ‌لا‌ عقل، ‌و‌ يلزمه ‌ان‌ يستقصى النظر فيه قبل امضاء العزيمه حتى قيل: اذا عرض لك امران فلم تدر ايهما اصوب فعليك بما تكرهه ‌لا‌ بما تهواه، فاكثر الخير ‌فى‌ الكراهه، قال تعالى: «عسى ‌ان‌ تكرهوا شيئا ‌و‌ ‌هو‌ خير لكم». ‌و‌ قال الله تعالى: «فعسى ‌ان‌ تكرهوا شيئا ‌و‌ يجعل الله فيه خيرا كثيرا». ‌و‌ لهذا قال الاحنف ‌بن‌ قيس: كفى بالرجل رايا اذ اجتمع عليه امران، فلم يدر ايهما الصواب، ‌ان‌ ينظر اعجبهما اليه ‌و‌ اغلبهما عليه فيحذره.
 
 تذنيب
 
 للانسان مع هواه ثلاث احوال:
 الاولى: ‌ان‌ يغلبه الهوى فيستعبده، كما قال تعالى: «ارايت ‌من‌ اتخذ الهه هواه افانت تكون عليه وكيلا».
 ‌و‌ الثانيه: ‌ان‌ يغالبه فيقهر مره ‌و‌ يقهر مره، ‌و‌ اياه قصد بمدح المجاهدين ‌و‌ عناه صلى الله عليه ‌و‌ آله بقوله ‌و‌ قد سئل: ‌اى‌ الجهاد افضل؟ فقال: جهاد هواك.
 
و قال عليه السلام: جاهدوا اهواءكم كما تجاهدون اعداءكم.
 ‌و‌ الثالثه: ‌ان‌ يغلب هواه كالانبياء ‌و‌ الاوصياء ‌و‌ كثير ‌من‌ صفوه الاولياء. ‌و‌ هذا المعنى قصد النبى صلى الله عليه ‌و‌ اله بقوله: ‌ما‌ ‌من‌ احد الا ‌و‌ له شيطان، فقيل: ‌يا‌ رسول الله ‌و‌ ‌لا‌ انت؟ فقال: ‌و‌ ‌لا‌ انا، الا ‌ان‌ الله تعالى قد اعاننى على شيطانى حتى ملكته فان الشيطان يتسلط على الانسان بحسب وجود الهوى، ‌و‌ الله اعلم.
 ‌هو‌ مصدر ‌من‌ هداه، كالسرى ‌و‌ البكى، ‌و‌ قد اسلفنا الكلام على الهدايه ‌و‌ مراتبها ‌فى‌ الروضه الخامسه. ثم المراد بالهدى هنا: الهدى العام الذى ‌هو‌ تعريف طرق الخير ‌و‌ الشر، ‌و‌ مخالفته ‌هو‌ الضلال، ‌و‌ ‌هو‌ اما لغفله كايثار اللذات الحسيه على الروحانيه ايثار الصبى اللعب على السلطنه، ‌او‌ لغرور سكون النفس الى ‌ما‌ تهواه لشبهه، ككون النقد خيرا ‌من‌ النسيه ‌و‌ الدنيا نقد، ‌و‌ ‌هو‌ غلط، فان العشره النسيه خير ‌من‌ الواحد النقد عند التيقن، ‌و‌ الاخره يقين عند البصراء ‌من‌ الانبياء ‌و‌ الاولياء ‌و‌ العلماء ‌و‌ على القاصرين تقليدهم، كما ‌ان‌ على المريض تقليد الطبيب، ‌او‌ لغلبه هوى عليه لضيق صدره عن الخير ‌و‌ شرحه للشر، فان استمر عليه اورثه رينا، ثم غشاوه، ثم طبعا، ثم ختما، ثم قفلا، ثم موت القلب فلا تنفعه الايات ‌و‌ النذر، كما قال تعالى: «انما يستجيب الذين يسمعون ‌و‌ الموتى يبعثهم الله». نعوذ بالله ‌من‌ ذلك.
 
السنه: ‌ما‌ يتقدم النوم ‌من‌ الفتور. ‌و‌ الغفله: غيبه الشى ء عن بال الانسان ‌و‌ عدم تذكره له، ‌و‌ قد استعمل فيمن تركه اهمالا ‌و‌ اعراضا، كما ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌هم‌ ‌فى‌ غفله معرضون». ‌و‌ قد تقدم الكلام على الفرق بينها ‌و‌ بين السهو ‌فى‌ الروضه الثالثه. ‌و‌ ‌فى‌ الكلام استعاره، اما مطلقه بان شبه تبلد الفكر الناشى عن الغفله بالفتور الذى يتقدم النوم، ‌او‌ مكنيه تخييليه بان شبه الغفله بالنوم ‌و‌ طوى ذكر المشبه ‌به‌ ‌و‌ ‌دل‌ عليه بلازمه ‌و‌ ‌هو‌ السنه، اذ كثيرا ‌ما‌ يقال للغافل: ‌هو‌ نائم، ‌و‌ للذاكر: ‌هو‌ مستيقظ. ‌و‌ ‌فى‌ التعبير بالسنه ايذان بان القليل ‌من‌ الغفله مما ينبغى الاستعاذه منه. ‌و‌ المراد بالغفله: الغفله عن كل ‌ما‌ يقرب الى الله تعالى يوجب الوصول اليه سبحانه.
 ‌و‌ قيل: الغفله متابعه النفس على ‌ما‌ تشتهيه.
 ‌و‌ قال سهل: الغفله ابطال الوقت بالبطاله.
 ‌و‌ قيل: هى صفه للقلب توجب ترك الحق، ‌و‌ عدم ذكر الموت ‌و‌ ‌ما‌ بعده، ‌و‌ الميل الى الباطل ‌و‌ حب الدنيا، ‌و‌ قد نهى الله تعالى رسوله ‌ان‌ يكون ‌من‌ الغافلين، حيث قال: «و اذكر ربك ‌فى‌ نفسك تضرعا ‌و‌ خيفه ‌و‌ دون الجهر ‌من‌ القول بالغدو ‌و‌ الاصال ‌و‌ ‌لا‌ تكن ‌من‌ الغافلين».
 
قيل: فيه اشاره الى انه يجب على الانسان ‌ان‌ يستحضر دائما جلال الله سبحانه ‌و‌ عظيم كبريائه بحسب الطاقه البشريه، ليتنور جوهر نفسه ‌و‌ يستعد لقبول الاشراقات القدسيه، فيضاهى سكان حظائر الجبروت الذين مدحهم الله بقوله بعد هذه الايه: «ان الذين عند ربك ‌لا‌ يستكبرون عن عبادته ‌و‌ يسبحونه ‌و‌ له يسجدون».
 ‌و‌ ‌فى‌ اجوبه الحسن ‌بن‌ على عليهماالسلام حين ساله ابوه عن اشياء ‌من‌ المروه، فقال له: ‌ما‌ الغفله؟ قال: تركك المسجد ‌و‌ طاعتك المفسد.
 ‌و‌ ‌من‌ سوانح شيخنا البهائى قدس سره: غفله القلب عن الحق ‌من‌ اعظم العيوب ‌و‌ اكبر الذنوب، ‌و‌ لو كانت انا ‌من‌ الانات ‌او‌ لمحه ‌من‌ اللمحات، حتى ‌ان‌ اهل القلوب عدوا الغفل ‌فى‌ ‌ان‌ الغفله ‌من‌ الكفار.
 تعاطى الشى ء: اذا اقدم عليه ‌و‌ فعله.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: التعاطى: التناول، ‌و‌ تناول ‌ما‌ ‌لا‌ يحق، ‌و‌ التنازع ‌فى‌ الاخذ، ‌و‌ القيام على اطراف اصابع الرجلين مع رفع اليدين الى الشى ء، ‌و‌ منه فتعاطى فعقر، ‌و‌ ركوب الامر.
 ‌و‌ الكلفه بالضم: ‌ما‌ تكلفته ‌من‌ نائبه ‌او‌ حق.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: ليس عليه كلفه ‌فى‌ هذا، اى: مشقه.
 
و ‌فى‌ المصباح: الكلفه: ‌ما‌ تكلفت على المشقه، ‌و‌ الكلفه: المشقه ايضا.
 ‌و‌ المراد بتعاطى الكلفه: ارتكاب الامور الشاقه التى تورث النفس كلالا ‌و‌ ملالا، فانه منهى عن الاقدام عليها حتى ‌فى‌ الامور الدينيه فضلا عن الدنيويه، كما ورد عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌لا‌ تكرهوا الى انفسكم العباده.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌يا‌ على ‌ان‌ هذا الدين متين فاوغل فيه برفق، ‌و‌ ‌لا‌ تبغض الى نفسك عباده ربك، فان المنبت- يعنى المفرط- ‌لا‌ ظهرا ابقى ‌و‌ ‌لا‌ ارضا قطع، فاعمل عمل ‌من‌ يرجو ‌ان‌ يموت هرما، ‌و‌ احذر حذر ‌من‌ يتخوف ‌ان‌ يموت غدا.
 ‌و‌ ‌فى‌ وصيه اميرالمومنين عليه السلام للحارث الهمدانى:
 ‌و‌ خادع نفسك ‌فى‌ العباده، ‌و‌ ارفق بها ‌و‌ ‌لا‌ تقهرها، ‌و‌ خذ عفوها ‌و‌ نشاطها، الا ‌ما‌ كان مكتوبا عليك ‌من‌ الفريضه، فانه لابد ‌من‌ قضائها ‌و‌ تعاهدها عند محلها.
 فاذا كان تعاطى الكلفه ‌فى‌ الامور الدينيه محذورا فكيف ‌به‌ ‌فى‌ الامور الدنيويه التى يجب الاكتفاء منها بما دون الكفايه؟ ‌و‌ الله المستعان.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد بتعاطى الكلفه: التكلف، ‌و‌ ‌هو‌ تعرض الانسان لما ‌لا‌ يعنيه.
 
و عن الحسن ‌بن‌ على عليهماالسلام: الكلفه كلامك فيما ‌لا‌ يعنيك.
 ‌و‌ قيل: هى انتحاله ‌ما‌ ليس عنده، كما قال تعالى: «قل ‌ما‌ اسئلكم عليه ‌من‌ اجر ‌و‌ ‌ما‌ انا ‌من‌ المتكلفين».
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يراد به: ‌ان‌ يتكلف لاحد ‌او‌ يكلف احدا.
 كما ورد عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: المومن ‌لا‌ يحتشم ‌من‌ اخيه، ‌و‌ ‌لا‌ يدرى ايهما اعجب الذى يكلف اخاه اذا دخل ‌ان‌ يتكلف له ‌او‌ يتكلف لاخيه.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌ان‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله قال: ‌من‌ تكرمه الرجل لاخيه ‌ان‌ يقبل تحفته ‌و‌ يتحفه بما عنده ‌و‌ ‌لا‌ يتكلف له شيئا، ‌و‌ قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: انى ‌لا‌ احب المتكلفين.
 آثر الشى ء بالمد ايثارا: اختاره ‌و‌ فضله ‌و‌ قدمه.
 ‌و‌ المراد بالباطل: الالتفات الى غير الله سبحانه مما ‌لا‌ يجدى نفعا ‌فى‌ الاخره.
 ‌و‌ بالحق: لزوم الطاعه لله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ بامتثال اوامره ‌و‌ الاقبال عليه بلزوم الاعمال الصالحه المطابقه للعقائد الصحيحه.
 ‌و‌ بالجمله: اعتقاد المكلف ‌و‌ عمله اما ‌ان‌ يطابق اوامر الله تعالى اولا، ‌و‌ الاول ‌هو‌ الحق، ‌و‌ الثانى ‌هو‌ الباطل.
 الاصرار: اصله ‌من‌ الصر ‌و‌ ‌هو‌ الشد ‌و‌ الربط، ‌و‌ منه سميت الصره، ثم اطلق على لزوم الشى ء ‌و‌ مداومته.
 
يقال: اصر عليه اذا لزمه ‌و‌ داومه كانه ارتبط بلزومه، ثم استعمل ‌فى‌ عرف الشرع ‌فى‌ الاقامه على الذنب ‌من‌ دون استغفار، كذا قيل.
 ‌و‌ قد قسم شيخنا الشهيد قدس الله روحه ‌فى‌ قواعده الاصرار الى: فعلى ‌و‌ حكمى. ‌و‌ قال: الفعلى: ‌هو‌ الدوام على نوع واحد ‌من‌ الصغائر بلا توبه، ‌او‌ الاكثار ‌من‌ جنس الصغائر بلا توبه. ‌و‌ الحكمى: ‌هو‌ العزم على تلك الصغيره بعد الفراغ منها، اما لو فعل الصغيره ‌و‌ لم يخطر بباله بعدها توبه ‌و‌ ‌لا‌ عزم على فعلها فالظاهر انه غير مصر انتهى كلامه.
 قال شيخنا البهائى قدس سره ‌فى‌ الاربعين: ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ تخصيصه الاصرار الحكمى بالعزم على تلك الصغيره بعد الفراغ منها، يعطى انه لو كان عازما على صغيره اخرى بعد الفراغ مما ‌هو‌ فيه ‌لا‌ يكون مصرا ايضا، ‌و‌ الظاهر انه مصر ايضا، ‌و‌ تقييده ببعد الفراغ منها يقتضى بظاهره ‌ان‌ ‌من‌ كان عازما مده سنه على لبس الحرير مثلا، لكنه لم يلبسه اصلا لعدم تمكنه، ‌لا‌ يكون ‌فى‌ تلك المده مصرا، ‌و‌ ‌هو‌ محل نظر انتهى.
 ‌و‌ قال بعض العامه: الاصرار: ‌هو‌ ادامه الفعل، ‌و‌ العزم على ادامته ادامه يصح معها اطلاق وصف العزم عليه.
 ‌و‌ قال بعضهم: ‌حد‌ الاصرار ‌ان‌ تتكرر الصغيره بحيث يشعر بقله مبالاته بذنبه كاشعار الكبيره، ‌و‌ كذا اذا اجتمع صغائر مختلفه الانواع بحيث يشعر مجموعها بما يشعر ‌به‌ اصغر الكبائر.
 
و الماثم: مصدر ميمى بمعنى الاثم، ‌و‌ المراد ‌به‌ ‌ما‌ ياثم ‌به‌ المرء وضعا للمصدر موضع الاسم.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند ضعيف عن ابى جعفر عليه السلام ‌فى‌ قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «و لم يصروا على ‌ما‌ فعلوا ‌و‌ ‌هم‌ يعلمون» قال: الاصرار ‌ان‌ يذنب الذنب فلا يستغفر الله ‌و‌ ‌لا‌ يحدث نفسه بتوبه فذلك الاصرار.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ يدل على ‌ان‌ الاصرار يتحقق بالذنب مع عدم الاستغفار ‌و‌ التوبه، سواء اذنب ذنبا آخر ‌من‌ نوع ذلك الذنب ‌او‌ ‌من‌ غير نوعه، ‌او‌ عزم على ذنب آخر ‌ام‌ لا. اما تحققه ‌فى‌ غير الاخير فظاهر، ‌و‌ اما ‌فى‌ الاخير فلان التوبه واجبه ‌فى‌ كل آن، فتركها ذنب منضاف الى الذنب الاول فيتحقق الاصرار.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌لا‌ صغيره مع الاصرار ‌و‌ ‌لا‌ كبيره مع الاستغفار.
 ‌و‌ عن ابى بصير قال: سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول: ‌لا‌ ‌و‌ الله ‌لا‌ يقبل الله شيئا ‌من‌ طاعته على الاصرار على شى ء ‌من‌ معاصيه.
 استصغره: عده صغيرا.
 ‌و‌ المعصيه: مخالفه الامر قصدا، ‌و‌ انما استعاذ عليه السلام ‌من‌ استصغاره لاستلزامه عدم الخوف ‌من‌ ارتكابها، ‌و‌ الواجب استشعار الخوف منه ‌و‌ ‌ان‌ كانت المعصيه صغيره ‌فى‌ نفسها، لانها عظيمه ‌فى‌ مخالفه الرب العظيم تبارك ‌و‌ تعالى.
 ‌و‌ قال الباقر عليه السلام لمحمد ‌بن‌ مسلم: ‌يا‌ محمد ‌لا‌ تستصغرن سيئه تعمل بها،
 
فانك تراها حيث تسوك.
 ‌و‌ قال بعض العارفين: متى عظمت المعصيه ‌فى‌ قلب العاصى صغرت عند الله تعالى، ‌و‌ متى صغرت ‌فى‌ قلبه عظمت عنده تعالى.
 اى: استعظامها لاعتقاد خروجه عن التقصير فيها، ‌و‌ ‌هو‌ مما يجب الاستعاذه امنه لاستلزامه العجب ‌و‌ الادلال، نعوذ بالله ‌من‌ ذلك، بل الواجب على الانسان ‌ان‌ يعد طاعته ناقصه ‌و‌ يعتقد تقصير نفسه فيها، فان طاعه جميع الخلق ‌فى‌ جنب عظمته تعالى حقيره نزره. ‌و‌ قد اعترف خاتم الانبياء ‌و‌ سيد الاوصياء بالتقصير، ‌و‌ ‌من‌ الظاهر المعلوم ‌ان‌ مامن احد- ‌و‌ ‌ان‌ اشتد ‌فى‌ طلب رضا الله تعالى حرصه ‌و‌ طال ‌فى‌ العمل اجتهاده- ببالغ ‌ما‌ الله سبحانه اهله ‌من‌ الطاعه له، ‌و‌ كمال الاخلاص، ‌و‌ دوام الذكر، ‌و‌ توجه القلب اليه، ‌و‌ اداء ‌حق‌ شكر نعمه، اذ ‌هو‌ بكل نعمه يستحق الطاعه ‌و‌ الشكر ‌و‌ نعمه غير محصوره، كما قال: «و ‌ان‌ تعدوا نعمه الله ‌لا‌ تحصوها» فاذا قوبلت الطاعه بالنعمه بقى اكثر نعمه غير مشكور ‌لا‌ مقابل له ‌من‌ الطاعه، فكيف تستكبر طاعه ‌فى‌ جنب عظمته ‌و‌ احسانه ‌و‌ استحقاقه لما ‌هو‌ اهله، ‌و‌ قد قال سبحانه: «و ‌ما‌ قدروا الله ‌حق‌ قدره»؟
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى عن سعد ‌بن‌ ابى خلف عن ابى الحسن موسى عليه السلام، قال: قال لبعض ولده: ‌يا‌ بنى عليك بالجد ‌لا‌ تخرجن نفسك عن ‌حد‌
 
التقصير ‌فى‌ عباده الله ‌و‌ طاعته، فان الله تعالى ‌لا‌ يعبد ‌حق‌ عبادته.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله: كل عمل تريد ‌به‌ الله تعالى فكن فيه مقصرا عند نفسك، فان الناس كلهم ‌فى‌ اعمالهم فيما بينهم ‌و‌ بين الله مقصرون الا ‌من‌ عصمه الله تعالى.
 ‌و‌ سئل العباس ‌بن‌ عطاء ‌اى‌ الاعمال افضل؟ فقال: ملاحظه الحق على دوام الاوقات، فقيل: ‌اى‌ الاداب اكمل؟ قال: استشعار التقصير ‌فى‌ عامه الاعمال.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يراد باستكبار الطاعه استثقالها، كما قال تعالى: «و انها لكبيره الا على الخاشعين». ولكن مقابله استصغار المعصيه ترجح المعنى الاول، ‌و‌ الله اعلم.
 
المباهاه: مفاعله ‌من‌ البهاء ‌و‌ ‌هو‌ الحسن.
 يقال: باهيته فبهوته، اى: غلبته ‌فى‌ الحسن، ثم استعمل ‌فى‌ مطلق المفاخره.
 ‌و‌ المكثر: اسم فاعل ‌من‌ اكثر الرجل بالالف اذا كثر ماله.
 قال بعض العلماء: المباهاه بالاشياء الخارجه عن الانسان نهايه الحمق لمن نظر بعين عقله ‌و‌ انحسر عنه قناع جهله، فاعراض الدنيا عاريه مسترده ‌لا‌ يومن ‌فى‌ كل ساعه ‌ان‌ يسترجع، ‌و‌ المباهى بها مباه بما ‌لا‌ يبقى له بل متبجح بما ليس له.
 قال بعض الحكماء لمثر يفتخر بثراه: ‌ان‌ افتخرت بفرسك فالحسن ‌و‌ الفراهه له
 
دونك، ‌و‌ ‌ان‌ افتخرت بثيابك ‌و‌ الاتك فالجمال لها دونك، ‌و‌ ‌ان‌ افتخرت بابائك فالفضل فيهم ‌لا‌ فيك، ‌و‌ لو تكلمت هذه الاشياء لقالت هذه محاسننا فمالك ‌من‌ الحسن، ‌و‌ انما المباهاه ‌و‌ المفاخره بالاعمال الصالحه، ‌و‌ ايضا فالاعراض الدنيويه سحابه صيف عن قليل تقشع ‌و‌ ظل زائل عن قريب يضمحل، بل هى كما قال الله تعالى: «اعلموا انما الحيوه الدنيا لعب ‌و‌ لهو ‌و‌ زينه ‌و‌ تفاخر بينكم ‌و‌ تكاثر ‌فى‌ الاموال ‌و‌ الاولاد كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما ‌و‌ ‌فى‌ الاخره عذاب شديد».
 ازرى بالشى ء ازراء: تهاون به.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: ازريت به: قصرت ‌به‌ ‌و‌ حقرته.
 ‌و‌ المقل: ‌من‌ اقل الرجل بالالف صار الى القله بالكسر ‌و‌ هى الفقر، فالهمزه للصيروره. ‌و‌ الازراء بهم اما بقول يكرهونه، ‌او‌ بالاستهزاء بهم، ‌او‌ بفعل يستلزم اهانتهم، ‌او‌ بترك قول ‌او‌ ترك فعل يستلزمها ‌و‌ امثال ذلك، ‌و‌ ‌هو‌ قبيح عقلا ‌و‌ نقلا. اما قبحه عقلا فلدلاله العقل على ‌ان‌ الشرف ‌لا‌ يحصل للانسان بان يكون كثير الحطام، ‌و‌ ‌لا‌ الدناءه بان يكون قليله، ‌و‌ انه ‌لا‌ يوجب ازراء بمن حرمه، ‌و‌ استخفافا لمن لم يعطه، بل المواساه له ‌و‌ البر به. ‌و‌ اما النقل الوارد ‌فى‌ ذمه فكثير، فمن ذلك:
 ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند حسن ‌او‌ صحيح عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: ‌من‌ استذل مومنا ‌و‌ احتقره لقله ذات يده ‌و‌ لفقره شهره الله يوم
 
القيامه على رووس الخلائق.
 ‌و‌ عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ اهان فقيرا مسلما ‌من‌ اجل فقره ‌و‌ استخف ‌به‌ فقد استخف بحق الله، ‌و‌ لم يزل ‌فى‌ مقت الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ حتى يرضيه.
 اى: تحت قدرتنا ‌و‌ سلطاننا ‌و‌ ملكنا، فتدخل فيه الرعيه بالسلطان، ‌و‌ الرعيه بالعلم، ‌و‌ الرعيه بالعول، فتدخل الزوجه ‌و‌ المملوك ‌و‌ الولد. ‌و‌ سوء الولايه لكل هولاء عباره عن عدم القيام بحقوقهم التى قررها الشارع لهم.
 فقد روى عن سيد العابدين- ‌و‌ ‌هو‌ صاحب الدعاء صلوات الله عليه- ‌فى‌ بيان الحقوق: «ان ‌حق‌ رعيتك بالسلطان ‌ان‌ تعلم انهم صاروا رعيتك لضعفهم ‌و‌ قوتك، فيجب ‌ان‌ تعدل فيهم، ‌و‌ تكون لهم كالوالد الرحيم، ‌و‌ تغفر لهم جهلهم، ‌و‌ ‌لا‌ تعاجلهم بالعقوبه، ‌و‌ تشكر الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ على ‌ما‌ آتاك ‌من‌ القوه عليهم. ‌و‌ اما ‌حق‌ رعيتك بالعلم فان تعلم ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ انما جعلك قيما لهم فيما آتاك ‌من‌ العلم ‌و‌ فتح لك ‌من‌ خزائنه، فان احسنت ‌فى‌ تعليم الناس ‌و‌ لم تخرق بهم ‌و‌ لم تضجر عليهم زادك الله ‌من‌ فضله، ‌و‌ ‌ان‌ انت منعت الناس علمك ‌او‌ خرقت بهم عند طلبهم العلم منك، كان حقا على الله ‌ان‌ يسلبك العلم ‌و‌ بهاءه ‌و‌ يسقط ‌من‌ القلوب محلك. ‌و‌ اما ‌حق‌ الزوجه فان تعلم ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ جعلها لك سكنا ‌و‌ انسا، فتعلم ‌ان‌ ذلك نعمه ‌من‌ الله عليك فتكرمها ‌و‌ ترفق بها ‌و‌ ‌ان‌ كان حقك عليها اوجب، فان لها عليك ‌ان‌ ترحمها لانها اسيرك ‌و‌ تطعمها ‌و‌ تكسوها، ‌و‌ اذا جهلت عفوت عنها. ‌و‌ اما
 
حق مملوكك فان تعلم انه خلق ربك ‌و‌ ابن ابيك ‌و‌ امك ‌و‌ لحمك ‌و‌ دمك، لم تملكه لانك صنعته دون الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌و‌ ‌لا‌ خلقت شيئا ‌من‌ جوارحه ‌و‌ ‌لا‌ اخرجت له رزقا، ولكن الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ كفاك ذلك ثم سخره لك ‌و‌ ائتمنك عليه ‌و‌ استودعك اياه، ليحفظ لك ماتاتيه ‌من‌ خير اليه، فاحسن اليه كما احسن الله اليك، ‌و‌ ‌ان‌ كرهته استبدلت ‌و‌ لم تعذب خلق الله ‌عز‌ ‌و‌ جل. ‌و‌ اما ‌حق‌ ولدك فان تعلم انه منك ‌و‌ مضاف اليك ‌فى‌ عاجل الدنيا بخيره ‌و‌ شره، ‌و‌ انك مسوول عما وليته ‌به‌ ‌من‌ حسن الادب ‌و‌ الدلاله على ربه ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌و‌ المعونه له على طاعته، فاعمل ‌فى‌ امره عمل ‌من‌ يعلم انه مثاب على الاحسان اليه معاقب على الاساءه اليه».
 ‌و‌ الحديث طويل اخذنا منه موضع الحاجه، فمن ضيع الانسان شيئا ‌من‌ هذه الحقوق فقد اساء الولايه، ‌و‌ الله المستعان.
 العارفه: المعروف، ‌و‌ ‌هو‌ اسم ‌ما‌ تبذله له ‌و‌ تعطيه. ‌و‌ قد اسلفنا الكلام على معنى الشكر غير مره، ‌و‌ ‌هو‌ باعتبار الشاكر ‌و‌ المشكور ثلاثه اضرب:
 شكر الانسان لمن فوقه ‌و‌ ‌هو‌ بالخدمه ‌و‌ الثناء ‌و‌ الدعاء.
 ‌و‌ شكره لنظيره ‌و‌ ‌هو‌ بالمكافاه.
 ‌و‌ شكره لمن ‌هو‌ دونه ‌و‌ ‌هو‌ بالثواب، ‌و‌ قد وصف الله تعالى نفسه بالشكر لصالحى عباده، ‌و‌ قد علمت ‌ان‌ شكر المنعم واجب بالعقل كما ‌هو‌ واجب بالشرع، ‌و‌ اوجبه شكر البارى ‌جل‌ ثناوه، ثم شكر ‌من‌ جعله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ سببا لوصول خير اليك على يده، ‌و‌ قد وردت بالحث عليه ‌و‌ النهى عن تركه اخبار كثيره، منها:
 
ما رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده الى عمار الذهبى، قال: سمعت على ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام يقول: ‌ان‌ الله يحب كل قلب حزين ‌و‌ يحب كل عبد شكور، يقول الله تبارك ‌و‌ تعالى لعبد ‌من‌ عبيده يوم القيامه: اشكرت فلانا؟ فيقول: بل شكرتك ‌يا‌ رب، فيقول: لم تشكرنى اذا لم تشكره؟ ثم قال: اشكركم لله اشكركم للناس.
 ‌و‌ بسنده الى الصادق عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ اتى اليه معروف فليكاف به، فان عجز فليثن عليه، فان لم يفعل فقد كفر النعمه.
 ‌و‌ عنه عليه السلام انه قال: لعن الله قاطعى سبل المعروف، قيل: ‌و‌ ‌ما‌ قاطعوا سبل المعروف؟ قال: الرجل يصنع اليه المعروف فيكفره، فيمتنع صاحبه ‌من‌ ‌ان‌ يصنع ذلك الى غيره.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌ما‌ اقل ‌من‌ شكر المعروف.
 
 تنبيه
 
 ‌لا‌ ينافى الدعاء ‌و‌ هذه الاخبار. ‌ما‌ روى ‌من‌ قول اميرالمومنين عليه السلام:
 
لا يحمد حامد الا ربه. حيث قصر الحمد ‌و‌ الثناء على الله، لان المراد: انه مبدى كل نعمه يستحق بها الحمد ‌و‌ ‌ان‌ كل حمد يرجع اليه ‌فى‌ الحقيقه، كما صرح ‌به‌ جماعه ‌من‌ المحققين.
 ‌و‌ قد يجاب بان الغير يتحمل المشقه بحمل رزق الله اليك، فالنهى عن الحمد لغير الله على اصل الرزق لان الرازق ‌هو‌ الله، ‌و‌ الترغيب ‌فى‌ الحمد له على ‌ما‌ تكلف ‌من‌ حمل الرزق ‌و‌ كلفه ايصاله باذن الله تعالى ليعطيه اجر مشقه الحمل ‌و‌ الايصال.
 ‌و‌ بالجمله: هنالك شكران: شكر على الرزق ‌و‌ ‌هو‌ لله، ‌و‌ شكر على الحمل ‌و‌ ‌هو‌ للغير. ‌و‌ يويده ‌ما‌ روى ‌من‌ طرق العامه: ‌و‌ ‌لا‌ تحمدن احدا على رزق الله.
 ‌و‌ قيل: النهى مختص بالخواص ‌من‌ اهل اليقين الذين شاهدوه رازقا ‌و‌ شغلوا عن رويه الوسائط، فنهاهم عن الاقبال عليها، لانه تعالى يتولى جزاء الوسائط عنهم بنفسه، ‌و‌ الامر بالشكر مختص بغيرهم ممن ‌لا‌ حظ الاسباب ‌و‌ الوسائط كالاكثر، لان فيه قضاء ‌حق‌ السبب ايضا.
 ‌و‌ ليس بشى ء لاستعاذه سيد العابدين عليه السلام- ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ اخص الخواص- ‌من‌ ترك الشكر للواسطه، ‌و‌ لان الله سبحانه شكر عباده الصالحين مع كمال غنائه عنهم، ‌و‌ الله تعالى اعلم.
 
او: هنا لمطلق الجمع كالواو عند ‌من‌ اثبت لها هذا المعنى، ‌و‌ الحق انها لاحد الشيئين ‌او‌ الاشياء ‌و‌ الجمع انما استفيد ‌من‌ قرينه الكلام، اذ ‌لا‌ يجوز ‌ان‌ يراد انى اعوذ بك ‌من‌ واحد ‌من‌ هذه الاشياء فقط، فهى كقوله تعالى: «و ‌لا‌ تطع منهم
 
آثما ‌او‌ كفورا»، اذ ‌لا‌ يجوز ‌ان‌ يراد: ‌لا‌ تطع واحدا منهما ‌و‌ اطع الاخر، لقرينه الاثم ‌و‌ الكفر.
 ‌و‌ عضدت الرجل عضدا- ‌من‌ باب قتل-: اعنته فصرت له عضدا، اى: معينا ‌و‌ ناصرا.
 ‌و‌ الظلم: وضع الشى ء ‌فى‌ غير موضعه المختص به، ‌و‌ ‌فى‌ المثل ‌من‌ استرعى الذئب فقد ظلم. فالمشرك ظالم، لانه جعل غير الله تعالى شريكا له، ‌و‌ وضع العباده ‌فى‌ غير موضعها. ‌و‌ العاصى ظالم، لانه وضع المعصيه موضع الطاعه.
 ‌و‌ المتصرف ‌فى‌ ‌حق‌ الغير ظالم، لانه وضع التصرف ‌فى‌ غير محله ‌و‌ اعانه الظالم ‌من‌ الموبقات، بل ادنى الميل الى ‌من‌ وجد منه ظلم ‌ما‌ حرام موجب لدخول النار، لقوله تعالى: «و ‌لا‌ تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار».
 قال ‌فى‌ الكشاف: النهى متناول للانحطاط ‌فى‌ هواهم، ‌و‌ الانقطاع اليهم، ‌و‌ مصاحبتهم، ‌و‌ مجالستهم، ‌و‌ زيارتهم، ‌و‌ مداهنتهم، ‌و‌ الرضا باعمالهم، ‌و‌ التشبه بهم، ‌و‌ التزيى بزيهم، ‌و‌ مد العين الى زهرتهم، ‌و‌ ذكرهم بما فيه تعظيم لهم.
 عن ابى عبدالله عليه السلام قال: العامل بالظلم ‌و‌ المعين له ‌و‌ الراضى ‌به‌ شركاء ثلاثتهم.
 
 
تبصره
 
 المستفاد ‌من‌ احاديث اهل البيت عليهم السلام ‌ان‌ اعانه الظالم حرام ‌و‌ لو كانت بما ‌هو‌ مباح ‌فى‌ نفسه، كما رواه الشيخ ‌فى‌ الحسن عن ابن ابى يعفور، قال: كنت عبد ابى عبدالله عليه السلام اذ دخل عليه رجل ‌من‌ اصحابه، فقال له: اصلحك الله انه ربما اصاب الرجل منا الضيق ‌او‌ الشده، فيدعى الى البناء يبنيه ‌او‌ النهر يكريه ‌او‌ المسناه يصلحها، فما تقول ‌فى‌ ذلك؟ فقال ابوعبدالله عليه السلام: ‌ما‌ احب ‌ان‌ عقدت لهم عقده ‌او‌ وكيت لهم ‌و‌ كاء ‌و‌ ‌ان‌ لى ‌ما‌ بين لابتيها، ‌لا‌ ‌و‌ ‌لا‌ مده بقلم، ‌ان‌ اعوان الظلمه يوم القيامه ‌فى‌ سرادق ‌من‌ نار حتى يحكم الله بين العباد.
 ‌و‌ ‌فى‌ الصحيح عن يونس ‌بن‌ يعقوب، قال: قال لى ابوعبدالله عليه السلام: ‌لا‌ تعنهم على بناء مسجد.
 ‌و‌ روى ابن بابويه عن الحسن ‌بن‌ زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: الا ‌و‌ ‌من‌ علق سوطا بين يدى سلطان جائر، جعل الله ذلك السوط يوم القيامه ثعبانا ‌من‌ نار طوله سبعون ذراعا، يسلطه الله عليه ‌فى‌ نار جهنم ‌و‌ بئس المصير.
 
و امثال هذه الاخبار كثيره، ‌و‌ هى كما ترى عامه ‌فى‌ الاعانه بالمحرم ‌و‌ المباح بل المندوب.
 ‌و‌ روى ايضا عن السكونى عن ابى عبدالله عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: اذا كان يوم القيامه نادى مناد: اين الظلمه ‌و‌ اعوانهم ‌و‌ ‌من‌ لاق لهم دواه ‌او‌ ربط لهم كيسا ‌او‌ مدلهم مده قلم فاحشروهم معهم.
 قال شيخنا البهائى قدس سره- بعد نقله اكثر الاحاديث المذكوره تاييدا لعموم الاعانه-: ‌و‌ ربما يستانس له بقوله تعالى: «و ‌لا‌ تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار». ‌و‌ يظهر ‌من‌ كلام بعض فقهائنا ‌فى‌ مبحث المكاسب: ‌ان‌ معونه الظالمين انما تحرم اذا كانت بما ‌هو‌ محرم ‌فى‌ نفسه، ‌و‌ اما اعانتهم على تحصيل اموالهم ‌و‌ خياطه ثيابهم ‌و‌ بناء منازلهم مثلا فليس بمحرم. ‌و‌ هذا التفصيل ‌ان‌ كان قد انعقد عليه الاجماع فلا كلام فيه، ‌و‌ الا فللنظر فيه مجال، فان النصوص على ‌ما‌ قلناه متظافره، ‌و‌ ايضا فعلى هذا ‌لا‌ معنى حينئذ لتخصيص الاعانه بالظالمين، فان اعانه كل احد بمحرم محرمه، بل فعل المحرم ‌فى‌ نفسه حرام سواء كانت اعانه ‌او‌ غير اعانه. ‌و‌ قد يوجه التخصيص بان اعانه الظالمين بالمحرم اشد تحريما ‌من‌ اعانه غيرهم، فالاهتمام هنا ببيانها اشد فصرح بها، ‌و‌ ‌ان‌ كان السكوت عنها يستلزم دخولها بالطريق الاولى، قال: ‌و‌ العجب ‌من‌ العلامه ‌فى‌ التذكره حيث خص تحريم اعانتهم بما يحرم، ثم استدل على ذلك بالروايات السالفه، ‌و‌ هى كما عرفت
 
صريحه ‌فى‌ خلاف ‌ما‌ ادعاه، فتامل هذا.
 ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ مرجع الاعانه الى العرف، فما سمى اعانه عرفا حرم.
 ‌و‌ اما ‌ما‌ ينقل عن بعض الاكابر ‌ان‌ خياطا قال له: انى اخيط للسلطان ثيابه فهل ترانى داخل بهذا ‌فى‌ اعوان الظلمه؟ فقال: الداخل ‌فى‌ اعوان الظلمه ‌من‌ يبيعك الابر ‌و‌ الخيوط، ‌و‌ اما انت فمن الظلمه انفسهم.
 فالظاهر انه محمول على نهايه المبالغه ‌فى‌ الاحتراز عنهم ‌و‌ الاجتناب عن تعاطى امورهم، ‌و‌ الا فالامر مشكل جدا. نسال الله العصمه ‌و‌ التوفيق.
 خذله- ‌من‌ باب قتل-: ترك نصره ‌و‌ اعانته، ‌و‌ الاسم الخذلان بالكسر.
 ‌و‌ الملهوف: المظلوم، المضطر.
 روى رئيس المحدثين بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: ‌ما‌ ‌من‌ مومن يخذل اخاه ‌و‌ ‌هو‌ يقدر على نصرته الا خذله الله ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره.
 ‌و‌ روى شيخ الطائفه بسنده عن الباقر عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ سمع رجلا ينادى ‌يا‌ للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم.
 رمت الشى ء ارومه روما ‌و‌ مراما: طلبته.
 ‌و‌ الحق: الواجب الثابت الذى يطالب ‌به‌ صاحبه ‌من‌ عليه.
 ‌و‌ روم الانسان ‌ما‌ ليس له بحق ‌هو‌ الادعاء الباطل.
 
و قد قال اميرالمومنين عليه السلام: هلك ‌من‌ ادعى ‌و‌ خاب ‌من‌ افترى. ‌و‌ ذلك ‌ان‌ الدعوى الباطله تصدر عن ملكه الكذب تاره، ‌و‌ عن الجهل المركب اخرى، كالجاهل بالامر المدعى لحصوله عن شبهه رسخت ‌فى‌ ذهنه، ‌و‌ كلاهما ‌من‌ اكبر الرذائل ‌و‌ اعظم المهلكات ‌فى‌ الاخره.
 اى: ‌فى‌ العلم بالمعارف الالهيه ‌و‌ الاحكام النبويه فيشمل اصول الدين ‌و‌ فروعه، ‌او‌ ‌فى‌ الحكم على شى ء بنفى ‌او‌ اثبات، فان العلم كما يطلق على الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ‌او‌ حصول صوره الشى ء ‌فى‌ العقل، يطلق على حكم النفس على الشى ء بوجود شى ء له ‌هو‌ موجود له ‌او‌ نفى شى ء عنه ‌هو‌ غير موجود له، كالحكم على زيد بانه خارج ‌او‌ ليس ‌هو‌ طائرا.
 ‌و‌ قوله: «بغير علم» اى: بغير اعتقاد جازم مطابق للواقع، ‌و‌ القول بغير علم منشوه اما الكذب ‌او‌ الجهل المركب، ‌و‌ كلاهما ‌من‌ الموبقات كما تقدم. ‌و‌ قد قال الله تعالى لنبيه: «و ‌لا‌ تقف ‌ما‌ ليس لك ‌به‌ علم».
 ‌و‌ عن مفضل ‌بن‌ يزيد عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال انهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال ‌ان‌ تدين الله بالباطل ‌و‌ تفتى الناس بغير علم.
 ‌و‌ عن ابى جعفر عليه السلام: ‌من‌ افتى الناس بغير علم ‌و‌ ‌لا‌ هدى لعنه ملائكه الرحمه ‌و‌ ملائكه العذاب، ‌و‌ يلحقه وزر ‌من‌ عمل بفتياه.
 ‌و‌ عن زراره ‌بن‌ اعين قال: سالت اباجعفر عليه السلام ‌ما‌ ‌حق‌ الله على
 
العباد؟ قال: ‌ان‌ يقولوا ‌ما‌ يعلمون ‌و‌ يقفوا عند ‌ما‌ ‌لا‌ يعلمون.
 ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى كثيره.
 
 تنبيه
 
 قال بعض المحققين ‌من‌ اصحابنا المتاخرين: اعلم ‌ان‌ لفظ العلم يطلق ‌فى‌ اللغه على الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع، ‌و‌ هذا يسمى اليقين، ‌و‌ علوم الانبياء ‌و‌ الائمه عليهم السلام ‌من‌ هذا القبيل، ‌و‌ يطلق ايضا على ‌ما‌ تسكن اليه النفس ‌و‌ تقضى العاده بصدقه، ‌و‌ هذا يسمى العلم العادى، ‌و‌ يحصل بخبر الثقه الضابط المتحرز عن الكذب، بل ‌و‌ غير الثقه اذا علم ‌من‌ حاله انه ‌لا‌ يكذب، ‌او‌ دلت القرائن على صدقه، كما اذا اخبر الانسان خادم له عرفه بالصدق عن شى ء ‌من‌ احوال منزله، فانه يحصل عنده ‌من‌ خبره حاله توجب الجزم بما اخبره ‌به‌ بحيث ‌لا‌ يشك ‌فى‌ ذلك، ‌و‌ ليس له ضابط يحصره بل مداره على ‌ما‌ يحصل ‌به‌ التصديق ‌و‌ الجزم، ‌و‌ مراتبه متفاوته فربما افاد اليقين عند قوم، ‌و‌ ‌ما‌ تسكن اليه النفس عند آخرين بحسب القرائن ‌و‌ الاحوال، ‌و‌ هذا ‌هو‌ الذى اعتبره الشارع ‌و‌ اكتفى ‌به‌ ‌فى‌ ثبوت الاحكام عند الرعيه، ‌و‌ اوجب عليهم العمل بها عند حصوله لهم، كما يرشد اليه موضع الشريعه السمحه السهله، ‌و‌ قد عمل الصحابه ‌و‌ اصحاب الائمه عليهم السلام بخبر العدل الواحد ‌و‌ بالمكاتبه على يد الشخص الواحد، بل ‌و‌ بخبر غير العدل
 
اذا دلت القرائن على صدقه، ‌و‌ ‌لا‌ ينافى هذا الجزم تجويز العقل خلافه نظرا الى امكانه، كما ‌لا‌ ينافى جزمنا بحياه زيد الذى غاب عنا لحظه تجويز موته فجاه، ‌و‌ لو اعتبرنا ‌فى‌ العلم عدم تجويز النقيض عقلا لم يتحقق لنا علم قط بوجود شى ء مما غاب عنا ‌او‌ حضر عندنا، ‌و‌ يلزمنا الشك فيمن رايناه الان اهو الذى رايناه قبل، ‌ام‌ عدم ذلك ‌و‌ هذا غيره اوجده الله على شكله؟ بل ربما تطرق الشك الى الضروريات كما تزعمه الاشاعره ‌و‌ ‌هو‌ سفسطه ظاهره، ‌و‌ ‌من‌ يتتبع كلام العرب ‌و‌ مواقع لفظ العلم ‌فى‌ المحاورات جزم بان اطلاق لفظ العلم على ‌ما‌ يحصل ‌به‌ الجزم عندهم حقيقه، ‌و‌ انه كلى مقول على افراده بالتشكيك، ‌و‌ ‌ان‌ تخصيصه باليقين فقط اصطلاح حادث لاهل المنطق دون اهل اللغه، لبناء اللغه على الظواهر دون هذه التدقيقات، ‌و‌ تحقق ‌ان‌ الظن لغه: ‌هو‌ الاعتقاد الراجح الذى ‌لا‌ جزم معه اصلا، ‌و‌ اهل اللغه ‌هم‌ الاصل ‌فى‌ تعيين الالفاظ للمعانى، ‌و‌ ليس هذا خاصا بلغه العرب بل كل اللغات كذلك. ‌و‌ ‌من‌ عرف الفارسيه ‌و‌ تامل مواقع لفظ «ميدانم» الدال على معنى اعلم، ‌و‌ «گمان دارم» الدال على معنى اظن ‌فى‌ لغه الفرس، ظهر له صحه ‌ما‌ قلناه. ‌و‌ العلم بهذا المعنى قد اعتبره الاصوليون ‌و‌ المتكلمون ‌فى‌ اثبات كثير ‌من‌ قواعدهم كحجيه الاجماع ‌و‌ غيره، ‌و‌ ‌ان‌ رابك ‌شك‌ فراجع الشرح العضدى ‌و‌ شرح المواقف ليظهر لك ذلك. ‌و‌ هذا الذى عناه القدماء بقولهم: ‌لا‌ يجوز العمل ‌فى‌ الشريعه الا بما يوجب العلم، يدلك على ذلك تعريف السيد المرتضى ‌فى‌ الذريعه للعلم: بانه ‌ما‌ اقتضى سكون النفس، ‌و‌ هذا التعريف يشمل نوعى
 
العلم اعنى اليقينى ‌و‌ العادى، فهذا ‌هو‌ العلم الشرعى فان شئت سمه علما ‌و‌ ‌ان‌ شئت سمه ظنا، فلا مشاحه ‌فى‌ الاصطلاح بعد ‌ان‌ تعلم انه كاف ‌فى‌ ثبوت الاحكام الشرعيه، ‌و‌ قد كتب رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله الى الملوك نحو كسرى ‌و‌ قيصر مع الشخص الواحد يدعوهم الى الاسلام، ‌و‌ كان ذلك حجه عليهم حيث علموا صدق الرسول ‌من‌ قرائن الاحوال.
 فان قلت: غايه ‌ما‌ يدل عليه كلامك ثبوت اطلاق لفظ العلم على ‌ما‌ ذكرته ‌فى‌ اللغه، فمن اين لك انه حقيقه فيما يشمل العلم العادى؟ ‌و‌ لم ‌لا‌ يكون فيه مجازا؟ فان اطلاق لفظ العلم على الظن ‌و‌ بالعكس بطريق المجاز شائع.
 قلت: نحن ‌لا‌ ننكر ذلك مع قيام القرينه، ‌و‌ كلامنا فيما اذا كان بدونها. ‌و‌ هذه شبهه نشات ‌من‌ الف الذهن بكلام اهل المنطق، ‌و‌ لو سلمناها على طريق الجدل لم يضرنا، لانا بينا ‌ان‌ حصول التصديق الموجب للجزم عاده- كيف كان- يكفى ‌فى‌ وجوب العمل بالاحكام المتلقاه ‌من‌ الشارع بواسطه ‌او‌ وسائط.
 فان قلت: على تقدير كونه داخلا ‌فى‌ الظن كيف تصنع بالايات ‌و‌ الاخبار الداله على النهى عن العمل بالظن؟.
 قلت: هذا تشكيك. ‌و‌ جوابه: انا نفرق بين اثبات الاحكام الشرعيه بمعنى وضعها ‌و‌ التعبد بها، ‌و‌ بين ثبوتها بمعنى الحكم بصدق رواتها ‌و‌ وجوب العمل بها، فان اثبات نفس الحكم ‌و‌ الفتوى بانه حلال ‌او‌ حرام مثلا خاص بمن
 
لا ينطق عن الهوى، ‌و‌ ‌لا‌ يكون الا عن يقين بوحى ‌من‌ الله ‌او‌ الهام، ‌و‌ تلك الايات ‌و‌ الاحاديث وارده ‌فى‌ ذم ‌من‌ يقول بعقله ‌و‌ رايه ‌فى‌ الدين ‌من‌ دون وحى الهى، ‌او‌ الهام ربانى، ‌او‌ نص محكم صريح الدلاله، ‌او‌ برهان قاطع ‌لا‌ يحتمل النقيض، ‌و‌ هذا ظاهر لمن تتبع موارد الاخبار ‌و‌ اسباب النزول. ‌و‌ اما ثبوت الاحكام الوارده عن الشارع عندنا ‌و‌ وجوب العمل بها علينا فيكفى فيه النقل الذى تطمئن النفس الى صدقه ‌و‌ الى ثبوته، ‌و‌ لسنا مكلفين فيه باكثر ‌من‌ حصول العلم العادى كما بيناه ‌من‌ عمل الصحابه ‌و‌ اصحاب الائمه عليهم السلام انتهى كلامه.
 اذا عرفت ذلك فتفسيرنا العلم ‌من‌ قوله عليه السلام: «بغير علم» بالاعتقاد الجازم المطابق للواقع ‌هو‌ العلم اليقينى، ‌و‌ ‌هو‌ علم الانبياء ‌و‌ الاوصياء عليهم السلام ‌فى‌ جميع العلوم، ‌و‌ ‌هو‌ حال صاحب الدعاء صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه. ‌و‌ اما اذا كان الداعى غير معصوم فينبغى ‌ان‌ يراد بالعلم ‌من‌ قوله: «بغير علم» ‌ما‌ يشمل العلم اليقينى كما ‌فى‌ القول ‌فى‌ اصول الدين، ‌و‌ العلم العادى كما ‌فى‌ القول ‌فى‌ فروعه فاعلم ذلك، ‌و‌ الله اعلم.
 
كرر الفعل لقصد الاهتمام ‌و‌ المبالغه.
 ‌و‌ انطوى على الشى ء: ستره ‌فى‌ باطنه.
 ‌و‌ الغش بالكسر: اسم ‌من‌ غشه غشا- ‌من‌ باب قتل- لم ينصحه ‌و‌ زين له غير المصلحه، ‌و‌ ‌هو‌ يشتمل على رذيلتى الغدر ‌و‌ الخيانه.
 
روى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله انه قال: ‌من‌ بات ‌و‌ ‌فى‌ قلبه ‌غش‌ لاخيه المومن بات ‌فى‌ سخط الله ‌و‌ اصبح كذلك، ‌و‌ ‌ان‌ مات كذلك مات على غير دين الاسلام.
 ‌و‌ عنه ايضا قال: قال صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ ‌غش‌ آخاه المسلم نزع الله منه بركه رزقه، ‌و‌ افسد عليه معيشته، ‌و‌ وكله الى نفسه.
 ‌و‌ عنه صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ ‌غش‌ مسلما ‌فى‌ بيع ‌او‌ شراء فليس منا يحشر مع اليهود يوم القيامه، لانه ‌من‌ ‌غش‌ الناس فليس بمسلم.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: ليس منا ‌من‌ غشنا.
 ‌و‌ عنه عليه السلام ايضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله لرجل يبيع التمر: ‌يا‌ فلان اما علمت انه ليس ‌من‌ المسلمين ‌من‌ غشهم. ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى كثيره.
 ‌و‌ عن ابى جميله قال: سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول: ‌من‌ مشى ‌فى‌ حاجه اخيه ثم لم يناصحه فيها كان كمن خان الله ‌و‌ رسوله، ‌و‌ كان الله خصمه.
 ‌و‌ عن عمر ‌بن‌ يزيد عن ابيه عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ‌من‌ استشار اخاه فلم يمحضه محض الراى سلبه الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ رايه.
 قال بعض العلماء: ‌و‌ اياك ‌ان‌ تلتفت الى ‌من‌ قال: اذا نصحت الرجل فلم
 
يقبل منك فتقرب الى الله بغشه، فذلك قول القاه الشيطان على لسانه، اللهم الا ‌ان‌ يريد بقوله: «بغشه» السكوت عنه، فقد قيل: كثره النصيحه تورث الظنه ‌و‌ معرفه الغاش المستنصح ‌من‌ الناصح صعبه جدا.
 فالانسان لمكره يصعب الاطلاع على سره، اذ ‌هو‌ قد يبدى خلاف ‌ما‌ يخفى، ‌و‌ ليس كالحيوانات التى يمكن ‌ان‌ يطلع على طبائعها.
 اعجب زيد بنفسه بالبناء للمفعول: اذا ترفع ‌و‌ تكبر، ‌و‌ الاسم منه العجب بالضم.
 ‌و‌ الاعمال: جمع عمل محركه، ‌و‌ ‌هو‌ فعل يصدر عن قصد ‌و‌ علم، ‌و‌ ‌هو‌ ثلاثه اضرب:
 نفسانى فقط: ‌و‌ ‌هو‌ الافكار ‌و‌ العلوم ‌و‌ ‌ما‌ ينسب الى افعال القلوب.
 ‌و‌ بدنى: ‌و‌ ‌هو‌ الحركات التى يفعلها الانسان ‌فى‌ بدنه كالمشى ‌و‌ القيام ‌و‌ القعود.
 ‌و‌ صناعى: ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يفعله الانسان بمشاركه البدن ‌و‌ النفس كالكتابه ‌و‌ القراءه ‌و‌ سائر الحرف ‌و‌ الصناعات. ‌و‌ حقيقه العجب بالاعمال استعظام العمل الصالح ‌و‌ استكثاره ‌و‌ الابتهاج له ‌و‌ الادلال ‌به‌ ‌و‌ ‌ان‌ يرى نفسه خارجا عن ‌حد‌ التقصير، ‌و‌ اما السرور ‌به‌ مع التواضع لله تعالى، ‌و‌ الشكر له على التوفيق لذلك، ‌و‌ طلب الاستزاده منه، فهو حسن ممدوح.
 ‌و‌ توضيحه ‌ما‌ ذكره شيخنا البهائى قدس سره ‌فى‌ شرح الاربعين بقوله: ‌لا‌ ريب ‌ان‌ ‌من‌ عمل اعمالا صالحه ‌من‌ صيام الايام ‌و‌ قيام الليالى ‌و‌ امثال ذلك يحصل لنفسه ابتهاج، فان كان ‌من‌ حيث كونها عطيه ‌من‌ الله ‌و‌ نعمه منه تعالى عليه، ‌و‌ كان مع ذلك خائفا ‌من‌ نقصها مشفقا ‌من‌ زوالها طالبا ‌من‌ الله الازدياد منها، لم
 
يكن ذلك الابتهاج عجبا. ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌من‌ حيث: كونها صفه قائمه ‌به‌ ‌و‌ مضافه اليه، فاستعظمها ‌و‌ ركن اليها ‌و‌ راى نفسه خارجا عن ‌حد‌ التقصير بها، ‌و‌ صار كانه يمن على الله سبحانه بسببها، فذلك ‌هو‌ العجب المهلك، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ اعظم الذنوب حتى روى عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله انه قال: لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ‌ما‌ ‌هو‌ اكبر ‌من‌ ذلك العجب.
 ‌و‌ عن اميرالمومنين عليه السلام: سيئه تسووك خير ‌من‌ حسنه تعجبك. انتهى.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ العجب مطلقا سواء كان بالعمل ‌او‌ بغيره ‌من‌ اكبر الرذائل ‌و‌ اعظم المهلكات، فاختلفت عبارتهم ‌فى‌ حقيقته، فقيل: العجب: ظن الانسان بنفسه استحقاق منزله ‌و‌ ‌هو‌ غير مستحق لها. ‌و‌ قيل: ‌هو‌ هيئه نفسانيه تنشا ‌من‌ تصور الكمال ‌فى‌ النفس ‌و‌ الفرح ‌به‌ ‌و‌ الركون اليه ‌من‌ حيث انه قائم ‌به‌ وصفه له، مع الغفله عن قياس النفس الى الغير بكونها افصل منه، ‌و‌ بهذا القيد ينفصل عن الكبر، اذ ‌لا‌ ‌بد‌ ‌فى‌ الكبر ‌ان‌ يرى لنفسه مرتبه ‌و‌ لغيره مرتبه ‌و‌ يرى مرتبته فوق مرتبه الغير.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ استعظام الانسان نفسه عما يتصور انه فضيله له، ‌و‌ منشا ذلك الحكم ‌هو‌ النفس الاماره، فيتوهم الانسان ‌ان‌ تلك الفضيله حصلت له عن استحقاق وجب له بسعيه ‌و‌ كده مع قطع النظر عن واهب النعم ‌و‌ مفيضها.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌ان‌ يرى الانسان نفسه بعين الاستحسان لافعالها ‌و‌ ‌ما‌ يصدر عنها ‌من‌ عاده ‌او‌ عباده ‌او‌ كثره ‌و‌ زياده ‌فى‌ امر، ‌و‌ ذلك مذموم، لانه حجاب للقلب عن
 
ربه ‌و‌ منته، فان اعجب بنفسه ‌فى‌ صوره ‌او‌ عاده اثار كبرا، ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌فى‌ عباده ففيه عمى عن رويه توفيق الله، ‌و‌ اصل ذلك ‌من‌ الشرك الخفى، ‌و‌ الشرك الجلى ‌لا‌ يغفر، ‌و‌ الخفى منه ‌لا‌ يهمل ‌به‌ بل يواخذ الله ‌به‌ صاحبه، ‌و‌ لولا ذلك ‌ما‌ ابتلى مومن بذنب ابدا، فجعل الذنب له فداء عن عجبه بنفسه لتبقى له فضيله الانسان ‌و‌ ثواب الاعمال ‌و‌ استحقاق الاحسان، ‌و‌ لو لم يذنب لدخله العجب ‌و‌ افسد قلبه ‌و‌ حجبه عن ربه ‌و‌ منته، ‌و‌ منعه عن رويه توفيقه ‌و‌ معونته، ‌و‌ صده عن الوصول الى حقيقه توحيده، ‌و‌ احبط عمله الذى صدر منه ‌فى‌ مده طويله، بخلاف الذنب فانه ‌لا‌ يبطل العبادات السالفه، ‌و‌ فيه متابعه للهوى.
 ‌و‌ ‌فى‌ العجب شركه بالمولى، ‌و‌ لذلك قال الصادق عليه السلام: ‌ان‌ الله علم ‌ان‌ الذنب خير للمومن ‌من‌ العجب، ‌و‌ لولا ذلك ‌ما‌ ابتلى مومن بذنب ابدا.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌من‌ دخله العجب هلك.
 ‌و‌ عن احدهما عليهماالسلام قال: دخل رجلان المسجد احدهما عابد ‌و‌ الاخر فاسق، فخرجا ‌من‌ المسجد ‌و‌ الفاسق صديق ‌و‌ العابد فاسق، ‌و‌ ذلك انه يدخل العابد المسجد مدلا بعبادته يدل بها فتكون فكرته ‌فى‌ ذلك، ‌و‌ تكون فكره الفاسق ‌فى‌ الندم على فسقه، ‌و‌ يستغفر الله تعالى لما ذكر ‌من‌ الذنوب.
 ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ ذم العجب كثيره جدا، ‌و‌ سياتى فيه زياده على ذلك ‌فى‌ بعض الرياض الاتيه ‌ان‌ شاء الله تعالى.
 
المد: البسط ‌و‌ التطويل.
 يقال: مد الله ‌فى‌ عمرك، اى: بسط ‌و‌ طول، ‌و‌ مد يتعدى بنفسه، تقول: مد الاديم اى: بسطه، ‌و‌ مد الحبل اى: طوله، فعلى هذا تكون «فى» اما زائده كقوله تعالى: «و قال اركبوا فيها» اى: اركبوها، ‌او‌ للظرفيه مجازا، ‌و‌ نمد ‌لا‌ مفعول له لانه ‌من‌ باب ‌ما‌ تعلق الغرض فيه بالاعلام بمجرد ايقاع الفاعل للفعل، فيقتصر عليهما ‌و‌ ‌لا‌ يذكر المفعول ‌و‌ ‌لا‌ ينوى ‌و‌ ‌لا‌ يسمى محذوفا، لان الفعل ينزل لهذا القصد منزله ‌ما‌ ‌لا‌ مفعول له، نحو قوله تعالى: «كلوا ‌و‌ اشربوا ‌و‌ ‌لا‌ تسرفوا» اى: اوقعوا الاكل ‌و‌ الشرب ‌و‌ ذروا الاسراف، فيكون معنى «و نمد ‌فى‌ آمالنا» نوقع المد ‌فى‌ آمالنا.
 ‌و‌ الامال: جمع امل محركه ‌و‌ ‌هو‌ الرجاء، حقيقته ارتياح النفس لانتظار ‌ما‌ ‌هو‌ محبوب عندها، فهو حاله لها تصدر عن علم ‌و‌ تقتضى عملا.
 ‌و‌ قال بعضهم: اكثر ‌ما‌ يستعمل الامل فيما يستبعد حصوله، فان ‌من‌ عزم على سفر الى بلد بعيد يقول: املت الوصول اليه، ‌و‌ ‌لا‌ يقول: طمعت الا اذا قرب منه، فان الطمع ‌لا‌ يكون الا فيما قرب حصوله، ‌و‌ قد يكون الامل بمعنى الطمع ‌و‌ الرجاء بين الامل ‌و‌ الطمع، فان الراجى قد يخاف ‌ان‌ ‌لا‌ يحصل ماموله، ‌و‌ لهذا يستعمل بمعنى الخوف، فان قوى الخوف استعمل استعمال الامل، ‌و‌ عليه قول زهير:
 ارجو ‌و‌ امل ‌ان‌ تدنو مودتها
 ‌و‌ المراد بالامل هنا: الامل لما ‌لا‌ ينبغى ‌ان‌ يمد الامل فيه ‌من‌ القنيات الفانيه،
 
و منشوه الحرص على الاسباب الدنيويه، ‌و‌ ثمرته الاعراض عن الامور الاخرويه الموجب لاشقى الشقاء، ‌و‌ لذلك قال اميرالمومنين عليه السلام: ‌ان‌ اخوف ‌ما‌ اخاف عليكم اثنتان اتباع الهوى ‌و‌ طول الامل، اما اتباع الهوى فيصد عن الحق، ‌و‌ اما طول الامل فينسى الاخره.
 ‌و‌ بيان ذلك: ‌ان‌ طول توقع الامور المحبوبه الدنيويه يوجب دوام ملاحظتها، ‌و‌ دوام ملاحظتها يستلزم دوام اعراض النفس عن ملاحظه احوال الاخره، ‌و‌ ‌هو‌ مستعقب لانمحاء ‌ما‌ تصور ‌فى‌ الذهن منها، ‌و‌ ذلك معنى النسيان لها، ‌و‌ بذلك يكون الهلاك الابدى ‌و‌ الشقاء السرمدى.
 
هى فعيله بمعنى مفعوله، ‌و‌ هى عباره عما اسر ‌و‌ اخفى ‌فى‌ القلوب ‌من‌ العقائد ‌و‌ النيات ‌و‌ غيرها، ‌و‌ ربما اطلقت على ‌ما‌ اخفى ‌من‌ الاعمال ايضا، فسوء السريره عباره عن كل قبيح يخفيه الانسان ‌و‌ يستره.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌ان‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله كان يقول: ‌من‌ اسر سريره رداه الله رداءها ‌ان‌ خيرا فخير ‌و‌ ‌ان‌ شرا فشر.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: ‌ما‌ يصنع احدكم ‌ان‌ يظهر حسنا ‌و‌ يسر سيئا، اليس يرجع الى نفسه فيعلم ‌ان‌ ذلك ليس كذلك ‌و‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ يقول: «بل الانسان على نفسه بصيره» ‌ان‌ السريره اذا صحت قويت العلانيه.
 
و عنه عليه السلام: ‌ما‌ ‌من‌ عبد اسر خيرا فذهبت الايام ابدا حتى يظهر الله له خيرا، ‌و‌ ‌ما‌ ‌من‌ عبد يسر شرا فذهبت الايام حتى يظهر الله له شرا.
 
 تبصره
 
 اعلم ‌ان‌ الناس مختلفون ‌فى‌ الخير ‌و‌ الشر على اربع فرق:
 فمنهم: ‌من‌ يطوى باطنه ‌و‌ ظاهره على الخير، ‌و‌ هذه حال الانبياء ‌و‌ الاوصياء عليهم السلام ‌و‌ اولياء الله ‌و‌ حال اصحاب رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله الذين انزل الله ‌فى‌ شانهم «فعلم ‌ما‌ ‌فى‌ قلوبهم فانزل السكينه عليهم».
 ‌و‌ منهم: ‌من‌ ينطوى باطنه ‌و‌ ظاهره على الشر، ‌و‌ هذه كانت صفه طائفه ‌من‌ اهل الكتاب، كما حكى الله عنهم بقوله: «فلما جائهم ‌ما‌ عرفوا ‌من‌ الحق كفروا ‌به‌ فلعنه الله على الكافرين»
 ‌و‌ منهم: ‌من‌ يشاكل ظاهره ظاهر الشرير ‌فى‌ الحده ‌و‌ الاستطاله، ‌و‌ يرجع باطنه الى قلب سليم منطو على الخير، ‌و‌ ذلك ‌من‌ غلبه الصفراء على مزاجه. ‌و‌ ‌فى‌ الحديث الثناء على مثله. قال عليه السلام: خيار امتى احداوها. ‌و‌ قال عليه السلام: الحده تعترى خيار امتى.
 ‌و‌ منهم: ‌من‌ ابدى ظاهره الخير ‌و‌ اضمر باطنه الشر، فيكون صاحبه مجتمع فرق
 
الشرور ‌و‌ ملتقى طرق الفساد، ‌و‌ هذه كانت حال المنافقين، ‌و‌ ‌هو‌ انما يكون ‌من‌ متابعه الدخله الخبيثه الصادره عن الدهاء المذموم المصاحب للغضب المفرط ‌و‌ الحسد المسرف، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ سوء السريره، ‌و‌ الله اعلم.
 هذا اخص ‌من‌ قوله عليه السلام فيما تقدم: «و استصغار المعصيه»، لان المعصيه اعم ‌من‌ الصغيره.
 ‌و‌ احتقرت الشى ء احتقارا: استهنت ‌به‌ فلم اعبابه.
 ‌و‌ الصغيره: ‌من‌ الصفات الغالبه ‌و‌ هى الفعله القبيحه ‌من‌ الذنوب التى لم توجب حدا ‌و‌ لم يوعد الشارع عليها بخصوصها، ‌و‌ تقابلها الكبيره، ‌و‌ قد استوفينا الكلام على ذلك ‌فى‌ الروضه السادسه.
 ‌و‌ الاحتقار للصغيره موجب لعدم المبالاه بها ‌و‌ الاعتناء بشانها ‌و‌ الولوع بها ‌و‌ الاتيان بها مره بعد اخرى حتى تصير ملكه، فتجتمع عليه بسبب ذلك ذنوب كثيره ‌و‌ تبلغ ‌حد‌ الكبيره، فالواجب على الانسان ‌ان‌ يعد نفسه ‌فى‌ العمل الصالح مقصره ‌فى‌ الكم ‌و‌ الكيف منه، ‌و‌ ‌ان‌ كان كثيرا بالنسبه الى وسعه، لان ذلك ادخل ‌فى‌ تعظيم الرب، ‌و‌ ابعد ‌من‌ العجب ‌و‌ الاعتماد على عمله، ‌و‌ اقرب على البقاء عليه ‌و‌ السعى فيه، ‌و‌ انسب بمقام العبوديه المبنيه على التذلل ‌و‌ الاعتراف بالتقصير، ‌و‌ ‌ان‌ يرى ذنبه كثيرا عظيما ‌و‌ ‌ان‌ كان قليلا حقيرا ‌فى‌ نفسه، لانه بالنظر الى مخالفه الرب عظيم كثير. ‌و‌ الى ذلك اشار اميرالمومنين عليه السلام حيث قال: اذا عظمت الذنب فقد عظمت ‌حق‌ الله، ‌و‌ اذا صغرته فقد صغرت ‌حق‌ الله، ‌و‌ ‌ما‌ ‌من‌
 
ذنب عظمته الا صغر عند الله، ‌و‌ ‌ما‌ ‌من‌ ذنب صغرته الا عظم عند الله.
 ‌و‌ قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ اله لابى ذر: ‌لا‌ تنظر الى صغر الخطيئه ‌و‌ انظر لمن عصيت.
 ‌و‌ قال ابوالحسن عليه السلام: ‌لا‌ تستكثروا كثير الخير ‌و‌ ‌لا‌ تستقلوا قليل الذنوب، فان قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا.
 ‌و‌ عن زيد الشحام قال: قال ابوعبدالله عليه السلام: اتقوا المحقرات ‌من‌ الذنوب فانها ‌لا‌ تغفر، قلت: ‌و‌ ‌ما‌ المحقرات؟ قال: الرجل يذنب الذنب فيقول: طوبى لى لو لم يكن لى غير ذلك.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: ‌ان‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله نزل ‌فى‌ ارض قرعاء، فقال لاصحابه: ائتوا بحطب، فقالوا: ‌يا‌ رسول الله نحن بارض قرعاء ‌ما‌ بها ‌من‌ حطب، قال: فليات كل انسان بما قدر عليه، فجاووا ‌به‌ حتى رموه بين يديه بعضه على بعض، فقال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: هكذا تجتمع الذنوب، ثم قال: اياكم ‌و‌ المحقرات ‌من‌ الذنوب فان لكل شى ء طالبا ‌و‌ ‌ان‌ طالبها يكتب ‌ما‌ قدموا ‌و‌ آثارهم ‌و‌ كل شى ء احصيناه ‌فى‌ امام مبين.
 ‌و‌ عن اميرالمومنين عليه السلام: اشد الذنوب ‌ما‌ استهان ‌به‌ صاحبه.
 استحوذ عليه الشيطان: غلبه ‌و‌ استماله الى ‌ما‌ يريده منه، ‌و‌ هذا مما جاء بالواو تنبيها على اصله، ‌و‌ منه: استصوب ‌و‌ استروح ‌و‌ استقوس ‌و‌ استنوق الى الفاظ اخر.
 
روى عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: بينما موسى جالسا اذ اقبل ابليس ‌و‌ عليه برنس ذو الوان، فلما دنا ‌من‌ موسى خلع البرنس ‌و‌ قام الى موسى فسلم عليه، فقال له موسى: ‌من‌ انت؟ قال: انا ابليس، قال: انت؟ فلا قرب الله دارك. قال: انى انما جئت ‌لا‌ سلم عليك لمكانك ‌من‌ الله، قال: فقال له موسى: فاخبرنى بالذنب الذى اذا اذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟ قال: اذا اعجبته نفسه، ‌و‌ استكثر عمله، ‌و‌ صغر ‌فى‌ عينه ذنبه.
 نكبه الدهر نكبا- ‌من‌ باب قتل-: اصابه بنكبه اى: مصيبه، ‌و‌ اسناد النكب الى الزمان مجاز عقلى، لكونه ‌من‌ الاسباب المعده الحصول ‌ما‌ يحصل ‌فى‌ هذا العالم ‌من‌ الامتزاجات ‌و‌ ‌ما‌ يتبعها مما يعد خيرا ‌او‌ شرا.
 ‌و‌ قال بعض اللغويين: انما يقال: نكبه الدهر اذا بلغ منه كل مبلغ ‌فى‌ اصابته بالحوادث ‌و‌ المصائب ‌و‌ ‌من‌ عظيم ‌ما‌ يحكى ‌من‌ نكبات الزمان ‌و‌ تصاريف الحدثان، ‌و‌ ‌ان‌ كان القليل منها اكثر ‌من‌ ‌ان‌ يحصى.
 ‌ما‌ ذكره عبدالله ‌بن‌ عبدالرحمن صاحب الصلاه بالكوفه، قال: دخلت الى امى ‌فى‌ يوم اضحى، فرايت عندها عجوزه ‌فى‌ اطمار رثه ‌و‌ ذلك ‌فى‌ سنه تسعين ‌و‌ مائه، فاذا لها لسان ‌و‌ بيان، فقلت لامى: ‌من‌ هذه؟ فقالت: هذه خالتك عنايه ‌ام‌ جعفر ‌بن‌ يحيى البرمكى، فسلمت عليها ‌و‌ تحفيت بها، ‌و‌ قلت: اصارك الدهر الى ‌ما‌ ارى؟ فقالت: نعم ‌يا‌ بنى انا كنا ‌فى‌ عوارى ارتجعها الدهر منا، قلت: فحدثينى ببعض شانك، فقالت: خذه جمله، لقد مضى على اضحى ‌و‌ على راسى
 
اربعمائه ‌و‌ صيفه ‌و‌ انا ازعم ‌ان‌ ابنى عاق، ‌و‌ قد جئتك اليوم اطلب جلدتى شاه اجعل احداهما شعارا ‌و‌ الاخرى دثارا، قال: فرقيت لحالها ‌و‌ وهبت لها دراهم فكادت تموت فرحا.
 هضمه ‌و‌ اهتضمه ‌و‌ تهضمه: اذا ظلمه، ‌و‌ لما كان السلطان اقدر ‌من‌ غيره على الظلم، ‌و‌ كان ‌من‌ لوازمه الانفه ‌و‌ الجراه ‌و‌ البطر ‌و‌ العبث، بسبب سكر السلطنه الذى ‌هو‌ اشد ‌من‌ سكر الشراب ‌و‌ الشباب، فيرسل يده بالفعل ‌و‌ لسانه بالقول، استعاذ ‌من‌ تهضمه على الخصوص.
 
التناول ‌فى‌ الاصل بمعنى الاخذ باليد.
 يقال: ناولته الشى ء فتناوله اى: اخذه، ثم توسع فيه فاستعمل بمعنى التعاطى ‌و‌ ‌هو‌ الاقدام على الشى ء ‌و‌ فعله، ‌و‌ هذا المعنى ‌هو‌ المقصود هنا، اى: نعوذ بك ‌من‌ فعل الاسراف ‌و‌ الاقدام عليه، ‌و‌ لما خفى هذا المعنى على بعض طلبه العجم المترجمين للصحيفه الكامله. قال: المعنى نعوذ بك ‌من‌ وجدان ‌ما‌ نسرف فيه، فاضافه التناول الى الاسراف ليس ‌من‌ اضافه المصدر الى المفعول، بل هى اضافه بادنى ملابسه. ‌و‌ لاخفاء ‌فى‌ ‌ان‌ هذا المعنى غير مراد هنا، بل المراد الاستعاذه ‌من‌ تعاطى الاسراف، على ‌ان‌ جعله التناول بمعنى الوجدان لم يسمع الا منه.
 ‌و‌ الاسراف: مجاوزه القصد.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ صرف المال زائدا على القدر الجائز شرعا ‌و‌ عقلا.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ انفاق المال الكثير ‌فى‌ الغرض الخسيس.
 
و قيل: انفاق المال ‌من‌ غير منفعه. ‌و‌ الحق انه يراعى فيه الكميه ‌و‌ الكيفيه. فهو ‌من‌ جهه الكميه ‌ان‌ يعطى اكثر مما يحتمله حاله.
 قال بعضهم: السرف لابقاء معه لكثير ‌و‌ ‌لا‌ تثمير معه لقليل ‌و‌ ‌لا‌ يصلح معه دنيا ‌و‌ ‌لا‌ دين، فدوام حالك ‌و‌ بقاء النعمه عليك بتقدير امورك على قدر الزمان ‌و‌ بقدر الامكان. ‌و‌ اما ‌من‌ حيث الكيفيه فبان يضعه ‌فى‌ غير موضعه.
 ‌و‌ الاعتبار فيه بالكيفيه اكثر منه بالكميه، فرب منفق درهما ‌من‌ الوف، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ انفاقه مسرف ‌و‌ ببذله مفسد، ‌و‌ ذلك كمن اعطى فاجره درهما ‌او‌ اشترى ‌به‌ خمرا، ‌و‌ رب منفق الوفا ‌لا‌ يملك غيرها ‌هو‌ فيه مقتصد.
 قيل لحكيم: متى يكون بذل القليل اسرافا ‌و‌ الكثير اقتصادا؟ فقال: اذا كان بذل القليل ‌فى‌ باطل ‌و‌ بذل الكثير ‌فى‌ حق.
 حكى الراغب ‌فى‌ المحاضرات: ‌ان‌ الامام على ‌بن‌ موسى الرضا عليه السلام فرق بخراسان امواله كلها ‌فى‌ يوم عرفه، فقال له الفضل ‌بن‌ سهل: ‌ما‌ هذا المغرم؟ فقال: بل ‌هو‌ المغنم.
 ‌و‌ للاسراف مذام كثيره، منها: انه ‌لا‌ اسراف الا ‌و‌ بجنبه ‌حق‌ مضيع.
 ‌و‌ منها: انه جهل بقدر المال الذى ‌هو‌ سبب استبقاء النفس ‌و‌ اكرامها عن ذل السوال، ‌و‌ الجهل راس كل شر.
 ‌و‌ منها: انه يودى الى الفقر المستلزم لطلب ‌ما‌ ‌فى‌ يد الغير.
 ‌و‌ منها: تاديته بصاحبه ‌ان‌ يظلم غيره. ‌و‌ لكثره مذام الاسراف ‌و‌ مضاره ذمه الله
 
تعالى باعظم مما ذم ‌به‌ البخل، فقال: «و ‌لا‌ تبذر تبذيرا ‌ان‌ المبذرين كانوا اخوان الشياطين ‌و‌ كان الشيطان لربه كفورا».
 ‌و‌ قال تعالى: «و ‌لا‌ تجعل يدك مغلوله الى عنقك ‌و‌ ‌لا‌ تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا»، اى: تقعد ملوما ‌من‌ جهه مالك فلم تجد ‌ما‌ تعطيه محسورا منقطعا بك عن بلوغ مرادك.
 ‌و‌ قال الله تعالى: «كلوا ‌و‌ اشربوا ‌و‌ ‌لا‌ تسرفوا انه ‌لا‌ يحب المسرفين» ‌و‌ كل مكلف ‌لا‌ يحبه الله تعالى فانه ‌من‌ اهل النار لان محبته تعالى عباره عن اراده ايصال الثواب اليه.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ سوره الانعام «و اتوا حقه يوم حصاده ‌و‌ ‌لا‌ تسرفوا فانه ‌لا‌ يحب المسرفين».
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ اقتصد ‌فى‌ معيشته رزقه الله، ‌و‌ ‌من‌ بذر حرمه الله.
 ‌و‌ عن اميرالمومنين عليه السلام: القصد مثراه ‌و‌ السرف متواه. اى: مهلكه.
 ‌و‌ عن سليمان ‌بن‌ صالح قال: قلت لابى عبدالله عليه السلام: ادنى ‌ما‌ يجى ء ‌حد‌ السرف؟ قال: ابتذالك ثوب صونك، ‌و‌ اهراقك فضل انائك، ‌و‌ اكلك التمر ‌و‌ رميك بالنوى هاهنا ‌و‌ هاهنا.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: القصد امر يحبه الله، ‌و‌ ‌ان‌ السرف امر يبغضه الله
 
 
حتى طرحك النواه فانها تصلح لشى ء حتى صبك فضل شرابك.
 
 تذنيب
 
 الاسراف ‌لا‌ يتعلق بالمال فقط، بل بكل شى ء وضع ‌فى‌ غير موضعه اللائق به، الا ترى ‌ان‌ الله تعالى وصف قوم لوط بالاسراف لوضعهم البذر ‌فى‌ غير المحرث، فقال: «انكم لتاتون الرجال شهوه ‌من‌ دون النساء بل انتم قوم مسرفون».
 ‌و‌ وصف فرعون بقوله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «انه كان عاليا ‌من‌ المسرفين»، ‌و‌ قوله: «و ‌ان‌ فرعون لعال ‌فى‌ الارض ‌و‌ انه لمن المسرفين».
 ‌و‌ قال بعض العلماء: كل اسراف جهل ‌و‌ كل جهل اسراف.
 فقدته فقدا - ‌من‌ باب ضرب - ‌و‌ فقدانا بالضم: عدمته.
 ‌و‌ الكفاف بالفتح: ‌ما‌ كان بقدر الحاجه ‌من‌ غير زياده ‌و‌ ‌لا‌ نقص، سمى بذلك لانه يكف عن سوال الناس ‌و‌ يغنى عنهم.
 ‌و‌ المراد بفقدانه: ‌ما‌ دونه ‌و‌ ‌هو‌ الفقر المستعاذ منه.
 قال اميرالمومنين عليه السلام لابنه محمد ‌بن‌ الحنفيه: ‌يا‌ بنى انى اخاف عليك الفقر فاستعذ بالله منه، فان الفقر منقصه للدين مدهشه للعقل داعيه للمقت.
 
قيل: اما كونه منقصه للدين فللاشتغال بهمه ‌و‌ تحصيل قوام البدن عن العباده.
 ‌و‌ اما كونه مدهشه للعقل فلدهشه العقل ‌و‌ حيرته ‌و‌ ضيق الصدر به.
 ‌و‌ اما كونه داعيه للمقت فلمقت الخلق لصاحبه، اى: بغضهم له.
 ‌و‌ ‌فى‌ قوت القلوب عن اميرالمومنين عليه السلام: ‌ان‌ لله تعالى ‌فى‌ خلقه مثوبات فقر ‌و‌ عقوبات فقر، فمن علامه الفقر اذا كان مثوبه ‌ان‌ يحسن عليه خلقه، ‌و‌ يطيع ربه، ‌و‌ ‌لا‌ يشكو حاله، ‌و‌ يشكر الله تعالى على فقره. ‌و‌ ‌من‌ علامه الفقر اذا كان عقوبه ‌ان‌ يسوء عليه خلقه، ‌و‌ يعصى فيه ربه، ‌و‌ يكثر الشكايه، ‌و‌ يتسخط القضاء، ‌و‌ هذا النوع ‌من‌ الفقر ‌هو‌ الذى استعاذ منه النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله.
 
شمت ‌به‌ يشمت بكسر العين ‌من‌ الماضى ‌و‌ فتحها ‌من‌ المستقبل: اذا فرح بمصيبه نزلت به، ‌و‌ الاسم الشماته بالفتح.
 ‌و‌ الاعداء: جمع عدو فعول بمعنى فاعل ‌و‌ ‌هو‌ خلاف الصديق الموالى.
 قال ‌فى‌ مختصر العين: يقع العدو بلفظ واحد على الواحد المذكر ‌و‌ المونث ‌و‌ المجموع.
 ‌و‌ قال ابو زيد: سمعت بعض بنى عقيل يقولون: هن وليات الله ‌و‌ عدوات الله ‌و‌ اولياوه ‌و‌ اعداوه.
 قال الازهرى: اذا اريد الصفه قيل: عدوه.
 
و قال ‌فى‌ البارع: اذا كان فعول بمعنى فاعل استوى فيه المذكر ‌و‌ المونث، فلا يونث بالهاء سوى عدو، فيقال فيه: عدوه.
 قال الراغب: العدو ‌هو‌ الذى يتحرى اغتيال الاخر ‌و‌ يضاده فيما يودى الى مصالحه، ‌و‌ اعلم ‌ان‌ العدو ضربان: باطن ‌لا‌ تدرك ذاته بالحاسه، ‌و‌ ظاهر يدرك بالحاسه، فالباطن اثنان: احدهما: الشيطان ‌و‌ ‌هو‌ اصل كل عدو يعاذى معاداه جوهريه، ‌و‌ قد حذرنا الله منه غايه التحذير، فقال: «ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا» الى غير ذلك ‌من‌ الايات. ‌و‌ الثانى: النفس الاماره المشار اليها بقوله تعالى: «ان النفس لاماره بالسوء الا ‌ما‌ رحم ربى». ‌و‌ قول النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: اعدى عدوك نفسك التى بين جنبيك. ‌و‌ اما الظاهر ‌من‌ العدو فالانسان، ‌و‌ ‌هو‌ ضربان: ضرب ‌هو‌ مضطغن للعداوه قاصد الى الاضرار اما مجاهره ‌و‌ اما مساتره، ‌و‌ ذلك اثنان:
 واحد يعادى كل احد، ‌و‌ ‌هو‌ كل انسان سبعى الطبع خبيث الطينه مبغض لكل ‌من‌ ‌لا‌ يحتاج اليه ‌فى‌ العاجل بغيض الى كل نفس يهارش كل ‌من‌ ‌لا‌ يخافه، ‌و‌ مثله ‌هو‌ الذى عنى تعالى بقوله: «شياطين الانس». ‌و‌ الثانى: عدو خاص العداوه، ‌و‌ ذلك اما بسبب الفضيله ‌و‌ الرذيله كمعاداه الجاهل للعاقل، ‌و‌ اما بسبب تجاذب نفع دنيوى كالتجاذب ‌فى‌ رئاسه ‌و‌ مال ‌و‌ جاه، ‌و‌ اما بسبب لحمه ‌او‌ مجاوره مورثه للحسد كمعاداه بنى الاعمام بعضهم لبعض، ‌و‌ ذلك ‌فى‌ كثير ‌من‌ الناس كالطبيعى
 
قال رجل لشبيب ‌بن‌ شبه: انا ‌و‌ الله احبك ‌يا‌ ابا معمر. قال: اشهد على صدقك، قال: ‌و‌ كيف ذلك؟ قال لانك لست بجار قريب، ‌و‌ ‌لا‌ بذى رحم نسيب، ‌و‌ ‌لا‌ مشاكل ‌فى‌ صناعه، ‌و‌ اكثر العداوه بين الناس تتولد ‌من‌ شى ء ‌من‌ ذلك.
 ‌و‌ ضرب عدو غير مضطغن للعداوه، لكن يوذى حاله بالانسان الى ‌ان‌ يقع بسببه ‌فى‌ مثل ‌ما‌ يقع ‌من‌ كيد عدوه قسمى عدوا لذلك كالاولاد ‌و‌ الازواج، ‌و‌ على ذلك قال تعالى: «ان ‌من‌ ازواجكم ‌و‌ اولادكم عدوا لكم فاحذروهم».
 ‌و‌ قال صلى الله عليه ‌و‌ آله: ليس عدوك الذى ‌ان‌ قتلته آجرك الله ‌فى‌ قتله، ‌و‌ ‌ان‌ قتلك ادخلك الجنه، ولكن اعدى عدوك نفسك التى بين جنبيك ‌و‌ امراتك التى تضاجعك ‌و‌ اولادك الذين ‌من‌ صلبك. فجعل عليه السلام هولاء اعداء الانسان لما كانوا سببا لهلاكه الاخروى، لما يرتكبه ‌من‌ المعاصى لاجلهم، فيودى ‌به‌ الى هلاك الابد الذى ‌هو‌ ‌شر‌ ‌من‌ اهلاك المعادى المناصب اياه.
 اذا عرفت ذلك فينبغى ‌ان‌ يقصد الداعى بالاعداء ‌ما‌ عدا الضرب الاخير، فان الشيطان يشمت بالانسان اذا وقع ‌فى‌ معصيه، ‌و‌ فرح النفس الاماره باتباعها شماته منها ‌و‌ شماته العدو الظاهر ظاهره.
 قال بعضهم: مسح القفار ‌و‌ نزح البحار ‌و‌ احصاء القطار اهون ‌من‌ شماته الاعداء.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاثر: قيل لايوب عليه السلام: ‌اى‌ شى ء كان عليك اشد ‌فى‌ بلائك؟
 
فقال: شماته الاعداء.
 ‌و‌ قال الجاحظ: ‌ما‌ رايت سنانا ‌هو‌ انفذ ‌من‌ شماته الاعداء.
 ‌و‌ قال ابن عنين المهلبى:
 كل المصائب قد تمر على الفتى
 فتهون غير شماته الاعداء
 ‌و‌ قال الخبزارزى:
 شماتتكم ‌بى‌ فوق ‌ما‌ قد اصابنى
 ‌و‌ ‌ما‌ ‌بى‌ دخول النار ‌بى‌ طنز مالك
 جمع كفوء بالضم مهموزا ‌و‌ ‌هو‌ النظير ‌و‌ المساوى. ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ المراد بالاكفاء: الامثال ‌و‌ الاشباه ‌فى‌ النسب ‌او‌ الحسب، ‌و‌ انما خصهم بالذكر لان الفقر اليهم اشد مضاضه على الانسان ‌من‌ غيرهم.
 فعن اميرالمومنين عليه السلام: احتج الى ‌من‌ شئت تكن اسيره، ‌و‌ استغن عمن شئت تكن نظيره، ‌و‌ احسن الى ‌من‌ شئت تكن اميره.
 فاذا احتاج الانسان الى نظيره كان اسيره ‌و‌ صار ‌هو‌ اميره، فيراه بعين الرئاسه بعد ‌ان‌ كان يراه بعين الكفاءه. ‌و‌ تجرع الصاب ‌و‌ العلقم بل نهش الشجاع الارقم اهون ‌من‌ ذلك بمراتب، بخلاف الفقر الى ‌من‌ ‌هو‌ اعظم منه رتبه ‌و‌ اجل قدرا، فقد يهون على الانسان استماحته، كما كتب بعض اهل النعمه - ‌و‌ قد اساء
 
اليه زمانه - الى بعض الامراء:
 هذا كتاب فتى له همم
 القت اليك رجاءه هممه
 ‌قل‌ الزمان يدى عزيمته
 ‌و‌ طواه عن اكفائه عدمه
 افضى اليك بسره قلم
 لو كان يعقله بكى قلمه
 ‌و‌ حكى ابومنصور الثعالبى ‌فى‌ كتاب يتيمه الدهر، قال: يلغنى ‌ان‌ الصاحب اسماعيل ‌بن‌ عباد كان يتمنى انحياز ابى اسحاق ابراهيم ‌بن‌ هلال الصابى الى جنابه ‌و‌ قدومه على حضرته، ‌و‌ يضمن له الرغائب على ذلك، اما تشوقا ‌او‌ تشرفا، ‌و‌ كان ابواسحاق يحتمل ثقل الخله ‌و‌ سوء اثر العطله، ‌و‌ ‌لا‌ يتواضع للاتصال بحمله الصاحب بعد كونه ‌من‌ نظرائه ‌و‌ تحليه بالرئاسه ‌فى‌ ايامه.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد بالاكفاء سائر الناس، كما قال:
 الناس ‌من‌ جهه التمثال اكفاء
 ابوهم آدم ‌و‌ الام حواء
 قال بعض العارفين: الفقر على ثلاثه اصناف: فقر الى الله دون غيره، ‌و‌ فقر الى الله مع غيره، ‌و‌ فقر الى الغير دون الله.
 ‌و‌ الى الاول اشار النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله بقوله: الفقر فخرى.
 ‌و‌ الى الثانى بقوله: كاد الفقر ‌ان‌ يكون كفرا.
 ‌و‌ الى الثالث بقوله: الفقر سواد الوجه ‌فى‌ الدارين.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: اياكم ‌و‌ سوال الناس فانه ذل ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ فقر
 
تعجلونه ‌و‌ حساب طويل يوم القيامه.
 ‌و‌ روى عن لقمان عليه السلام انه قال لابنه: ‌يا‌ بنى ذقت الصبر ‌و‌ اكلت لحاء الشجر فلم اجد شيئا امر ‌من‌ الفقر، فان بليت ‌به‌ يوما فلا تظهر الناس عليه فيستهينوك ‌و‌ ‌لا‌ ينفعوك بشى ء، ارجع الى الذى ابتلاك ‌به‌ فهو اقدر على فرجك وسله، ‌من‌ ذا الذى ساله فلم يعطه ‌او‌ وثق ‌به‌ فلم ينجه.
 المعيشه: تكون اسما بمعنى العيش ‌و‌ ‌هو‌ الحياه، ‌و‌ بمعنى ‌ما‌ يعاش ‌به‌ ‌من‌ المطعم ‌و‌ المشرب، ‌و‌ ‌ما‌ يكون ‌به‌ الحياه فهى مفعله ‌من‌ العيش، ‌و‌ لذلك لم تقلب ياوها همزه ‌فى‌ الجمع عند الاكثر.
 ‌و‌ الشده بالكسر: اسم ‌من‌ الاشتداد، ‌و‌ المراد بها العسر ‌و‌ المشقه.
 الميته بالكسر: حاله الموت.
 ‌و‌ العده بالضم: ‌ما‌ اعددته ‌و‌ هياته ليوم الحاجه ‌و‌ حوادث الدهر.
 ‌و‌ المراد بها هنا التقوى ‌و‌ العمل الصالح الذى يعد للتوصل ‌به‌ الى السعاده الابديه ‌و‌ التخلص ‌من‌ الشقاوه الاخرويه.
 ‌و‌ ‌من‌ كلامهم: ‌من‌ مات على غير عده فموته موت فجاه، ‌و‌ ‌ان‌ كان صاحب فراش سنه.
 ‌و‌ ‌من‌ كلام اميرالمومنين عليه السلام: احذروا عباد الله الموت ‌و‌ قربه ‌و‌ اعدوا له عدته، فانه ياتى بامر عظيم ‌و‌ خطب جليل بخير ‌لا‌ يكون يعده ‌شر‌ ابدا، ‌او‌ ‌شر‌
 
لا يكون معه خير ابدا.
 
الحسره: التلهف ‌و‌ التاسف، ‌و‌ هى اسم ‌من‌ حسر على الشى ء حسرا - ‌من‌ باب تعب -.
 ‌و‌ المصيبه: الشده النازله.
 ‌و‌ العظمى ‌و‌ الكبرى: مونثا اعظم ‌و‌ اكبر.
 ‌و‌ المراد بالحسره العظمى هنا: التاسف الذى يلحق الانسان ‌فى‌ الدار الاخره على التفريط ‌فى‌ اكتساب الاعمال الصالحه ‌فى‌ دار الدنيا عند مشاهدته للثواب ‌و‌ العقاب، ‌و‌ هى المشار اليها بقوله تعالى: «ان تقول نفس ‌يا‌ حسرتى على ‌ما‌ فرطت ‌فى‌ جنب الله».
 ‌و‌ بالمصيبه الكبرى: المصيبه بالدين، كما قال اميرالمومنين عليه السلام ‌و‌ قد سئل ‌اى‌ المصائب اشد؟ فقال: المصيبه بالدين.
 اى: اشد الشقاء ‌و‌ اعظمه المتناهى ‌فى‌ ‌حد‌ ذاته.
 ‌و‌ المراد ‌به‌ دخول النار اعاذنا الله منها، كما قال تعالى: «فاما الذين شقوا ففى النار لهم فيها زفير ‌و‌ شهيق خالدين فيها مادامت السموات ‌و‌ الارض».
 ‌و‌ سئل اميرالمومنين عليه السلام: ‌اى‌ الخلق اشقى؟ قال: ‌من‌ باع دينه بدنيا غيره.
 
فان قلت: افعل التفضيل قياسه ‌ان‌ يكون لتفضيل الفاعل على غيره ‌فى‌ الفعل، نحو: اعلم الناس اى: عالم اكثر علما ‌من‌ سائر الناس، ‌و‌ كذا اشد العذاب اى: عذاب اكثر شده ‌من‌ سائر العذاب، ‌و‌ هذا المعنى غير متصور ‌فى‌ اشقى الشقاء، لان الشقاء ‌لا‌ يتصف بالشقاء فيكون منه شقى ‌و‌ اشقى.
 قلت: هذا ‌من‌ الاسناد المجازى المسمى بالمجاز العقلى، نحو: جد جده، ‌و‌ شعر شاعر، ‌و‌ داهيه دهياء، ‌و‌ القصد ‌من‌ ذلك المبالغه ‌و‌ التنبيه على تناهيه، حيث جعل للشقاء شقاء حتى صار اشقى، كما جعل للشعر شعر حتى صار شاعرا، ‌و‌ للداهيه دها حتى صارت دهيا.
 آب يووب اوبا ‌و‌ مابا: ‌اى‌ رجع، فالماب بمعنى الرجوع الى الله سبحانه بعد انقطاع حياته ‌من‌ هذه الدار، فيكون المراد بسوئه: اقترانه بالعذاب سواء كان ‌فى‌ القبر ‌او‌ بعد الحشر، كما ورد ‌فى‌ دعاء آخر «اعوذ بك ‌من‌ كرب الموت، ‌و‌ سوء المرجع ‌فى‌ القبور، ‌و‌ ‌من‌ الندامه يوم القيامه».
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد بسوء الماب: جهنم اعاذنا الله منها، كما قال تعالى: «و ‌ان‌ للطاغين لشر ماب جهنم يصلونها فبئس المهاد»، فجعل جهنم عطف بيان لشر ماب، كما جعل جنات عدن عطف بيان لحسن ماب ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌ان‌ للمتقين لحسن ماب جنات عدن مفتحه لهم الابواب».
 ‌و‌ حرمه الشى ء - ‌من‌ باب ضرب - حرمانا بالكسر: منعه، ‌و‌ احرمه بالالف لغه فيه.
 
و الثواب: اسم ‌من‌ اثبته على الشى ء اذا جازيته فهو بمعنى الجزاء، ‌و‌ يستعمل ‌فى‌ الخير ‌و‌ الشر، لكنه ‌فى‌ الخير اكثر كما وقع هنا.
 ‌و‌ المزاد بحرمانه: عدم الاعداد له، ‌و‌ الا فلا معنى لحرمانه بعد وقوع مقتصيه، لقوله تعالى: «فمن يعمل مثقال ذره خيرا يره».
 ‌و‌ حلول العقاب: لزومه، ‌من‌ ‌حل‌ الدين - ‌من‌ باب ضرب - حلولا اذا وجب اداوه، ‌و‌ يمكن ‌ان‌ يراد ‌به‌ نزول العقاب ‌من‌ ‌حل‌ بالبلد حلولا - ‌من‌ باب قعد-، ‌و‌ الاول اولى.
 ‌و‌ العقاب: العقوبه، ‌من‌ عاقبه بذنبه اذا اخذه به. ‌و‌ قد تقدم الكلام على الثواب ‌و‌ العقاب مستوفى ‌فى‌ الروضه الاولى فليرجع اليه.
 
كرر طلب الاعاذه بعباره اخرى الحافا ‌و‌ الحاحا ‌فى‌ الدعاء فانه مندوب اليه.
 فعن ابى جعفر عليه السلام: ‌و‌ الله ‌لا‌ يلح عبد مومن على الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌فى‌ حاجه الا قضاها.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: رحم الله عبدا طلب ‌من‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ حاجه فالح ‌فى‌ الدعاء استجيب له ‌او‌ لم يستجب، ‌و‌ تلا هذه الايه: «و ادعوا ربى عسى الا اكون بدعاء ربى شقيا»
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ كره الحاح الناس بعضهم على بعض ‌فى‌ المساله ‌و‌ احب ذلك لنفسه، ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ يحب ‌ان‌ يسال ‌و‌ يطلب
 
ما عنده.
 الباء: للاستعطاف ‌او‌ للسببيه، اى: اعذنى بسبب رحمتك التى وسعت كل شى ء ‌لا‌ باستحقاق منى.
 بنصب جميع، عطف على مفعول اعذنى ‌و‌ ‌هو‌ ياء المتكلم، عمم ‌فى‌ الدعاء قصدا لايجابه.
 فعن ابى عبدالله عليه السلام: اذا دعا احدكم فليعمم فانه اوجب للدعاء.
 ختم الدعاء بهذا الوصف للاستعطاف ‌و‌ توقع حصول المطلب، كما مربيانه ‌فى‌ ختام الروضه الخامسه، ‌و‌ الله اعلم.
 ‌و‌ كان الفراغ ‌من‌ تاليف هذه الروضه آخر يوم الثلاثاء لتسع خلون ‌من‌ محرم الحرام اول شهور سنه ثمان ‌و‌ تسعين ‌و‌ الف، ‌و‌ لله الحمد رب العالمين، ‌و‌ الصلاه ‌و‌ السلام على اشرف المرسلين محمد ‌و‌ آله الطاهرين.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^