فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 42- 1

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ اياه نستعين


 
 الحمد لله الذى انزل القرآن هدى للناس ‌و‌ بينات ‌من‌ الهدى والفرقان، والصلاه على نبيه الفاتح الخاتم، سيد ولد عدنان، الذى ختم بشريعته الشرائع ‌و‌ نسخ بدينه الاديان ‌و‌ على اهل بيته الذين حتم طاعتهم على الانس والجان، ‌و‌ اقام بهم اساس الدين ‌و‌ عماد اليقين ‌و‌ كهف الايمان.
 فهذه الروضه الثانيه والاربعون ‌من‌ رياض السالكين، ‌فى‌ شرح صحيفه سيدالعابدين صلى الله عليه ‌و‌ آبائه ‌و‌ ابنائه الائمه الهادين. املاء راجى فضل ربه السنى، على صدرالدين الحسينى الحسنى، ختم الله بالحسنى عمله ‌و‌ بلغه ‌فى‌ الدارين امله، انه ولى ذلك.
 
القرآن: اسم للكتاب المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم، كما ‌ان‌ التوراه اسم للكتاب المنزل على موسى عليه السلام، ‌و‌ الانجيل اسم للكتاب المنزل على عيسى عليه السلام، ‌و‌ الزبور اسم للكتاب المنزل على داود عليه السلام. ‌و‌ عرف بانه كلام منزل للاعجاز بسوره ‌من‌ مثله. ‌و‌ اختلف العلماء ‌فى‌ لفظه:
 فقال جماعه: ‌هو‌ اسم علم غير مشتق، خاص بكلام الله، فهو غير مهموز ‌و‌ ‌به‌ قرا ابن كثير.
 ‌و‌ قال قوم: ‌هو‌ مشتق ‌من‌ قرنت الشى ء بالشى ء اذا ضممت احدهما الى الاخر.
 ‌و‌ سمى ‌به‌ لقران السور ‌و‌ الايات ‌و‌ الحروف فيه.
 ‌و‌ قال الفراء: ‌هو‌ مشتق ‌من‌ القرائن، لان الايات منه يصدق بعضها بعضا، ‌و‌ يشابه بعضها بعضا ‌و‌ هى قرائن. ‌و‌ على القولين ‌هو‌ بلا همز ايضا ‌و‌ نونه اصليه.
 ‌و‌ قال الزجاج: هذا القول سهو، ‌و‌ الصحيح ‌ان‌ ترك الهمز فيه ‌من‌ باب التخفيف، ‌و‌ نقل حركه الهمزه الى الساكن قبلها.
 
و اختلف القائلون بانه مهموز، فقال قوم منهم اللحيانى: ‌هو‌ مصدر لقرات كالرجحان ‌و‌ الغفران، سمى ‌به‌ الكتاب المقروء ‌من‌ باب تسميه المفعول بالمصدر.
 ‌و‌ قال آخرون منهم الزجاج: ‌هو‌ وصف على فعلان مشتق ‌من‌ القرء بمعنى الجمع، ‌و‌ منه قرات الماء ‌فى‌ الحوض، ‌اى‌ جمعته.
 قال ابوعبيده: ‌و‌ سمى بذلك لانه جمع السور بعضها الى بعض.
 ‌و‌ قال الراغب: ‌لا‌ يقال لكل جمع قرآن، ‌و‌ ‌لا‌ لجمع كل كلام قرآن. قال: ‌و‌ انما سمى قرآنا، لكونه جمع ثمرات الكتب السالفه المنزله، ‌و‌ قيل لانه جمع انواع العلوم كلها.
 ‌و‌ حكى قطرب قولا: انه انما سمى قرآنا، لان القارى يظهره ‌و‌ يبينه ‌من‌ فيه، اخذا ‌من‌ قول العرب ‌ما‌ قرات الناقه سلى قط ‌اى‌ مارمت بولد ‌اى‌ ‌ما‌ اسقطت ولدا، ‌اى‌ ‌ما‌ حملت قط ‌و‌ القرآن يلفظه القارى ‌من‌ فيه ‌و‌ يلقيه، فسمى قرآنا.
 قال الجاحظ: سمى الله كتابه اسما مخالفا لما سمى العرب كلامهم على الجمل ‌و‌ التفصيل، سمى جملته قرآنا كما سموا ديوانا، ‌و‌ بعضه سوره كقصيده، ‌و‌ بعضها آيه كالبيت، ‌و‌ آخرها فاصله كقافيه. انتهى.
 ‌و‌ للقرآن اسماء اخر سياتى ذكرها ‌فى‌ صدر الدعاء، ‌و‌ اشتهر تسميته بالمصحف.
 قال ‌فى‌ القاموس: المصحف- مثلثه الميم- ‌من‌ اصحف- بالضم- ‌اى‌ جعلت فيه
 
الصحف.
 ‌و‌ قال الراغب: المصحف ‌ما‌ جعل جامعا للصحف المكتوبه ‌و‌ جمعه مصاحف.
 ‌و‌ قال الفيومى: ضم الميم اشهر ‌من‌ كسرها، ‌و‌ لم يذكر الفتح.
 ‌و‌ ‌فى‌ المقام مسائل:
 الاولى: قال الشيخ ابوجعفر محمد ‌بن‌ على ‌بن‌ الحسين ‌بن‌ بابويه القمى قدس سره ‌فى‌ كتاب الاعتقاد ‌ما‌ نصه:
 اعتقادنا ‌ان‌ القرآن الذى انزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم ‌ما‌ بين الدفتين، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ ‌فى‌ ايدى الناس، ليس باكثر ‌من‌ ذلك. ‌و‌ مبلغ سوره عند الناس مائه ‌و‌ اربع عشره سوره، ‌و‌ عندنا ‌ان‌ الضحى ‌و‌ الم نشرح سوره واحده، ‌و‌ لايلاف ‌و‌ الم ‌تر‌ كيف سوره واحده، ‌و‌ ‌من‌ نسب الينا بانا نقول انه اكثر ‌من‌ ذلك فهو كاذب، انتهى.
 ‌و‌ قال امين الاسلام الطبرسى: اما الزياده ‌فى‌ القرآن فمجمع على بطلانه، ‌و‌ اما النقصان منه فقد روى بعض اصحابنا ‌و‌ قوم ‌من‌ حشويه العامه ‌ان‌ ‌فى‌ القرآن تغييرا ‌و‌ نقصانا، ‌و‌ الصحيح ‌من‌ مذهب اصحابنا خلافه، ‌و‌ ‌هو‌ الذى نصره المرتضى قدس الله روحه، ‌و‌ ذكر ‌ان‌ القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم مجموعا مولفا على ‌ما‌ ‌هو‌ الان عليه، ‌و‌ استدل على ذلك بان القرآن كان يدرس ‌و‌ يحفظ جميعه ‌فى‌ ذلك الزمان، حتى عين على جماعه ‌من‌ الصحابه ‌فى‌ حفظهم له،
 
و انه كان يعرض على النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم ‌و‌ يتلى عليه، ‌و‌ ‌ان‌ جماعه ‌من‌ الصحابه مثل عبدالله ‌بن‌ مسعود ‌و‌ ابى ‌بن‌ كعب ‌و‌ غيرهما ختموا القرآن على النبى عليه السلام عده ختمات. ‌و‌ كل ذلك يدل بادنى تامل على انه كان مجموعا مرتبا، غير مبتور ‌و‌ ‌لا‌ مبثوث، ‌و‌ ذكر ‌ان‌ ‌من‌ خالف ‌فى‌ ذلك ‌من‌ الاماميه ‌و‌ الحشويه ‌لا‌ يعتد بخلافهم، فان الخلاف ‌فى‌ ذلك مضاف الى قوم ‌من‌ اصحاب الحديث، نقلوا اخبارا ضعيفه ظنوا صحتها، ‌لا‌ يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته. انتهى.
 ‌و‌ قال بعض المتاخرين ‌من‌ اصحابنا: اسقاط بعض القرآن ‌و‌ تحريفه ثبت ‌من‌ طرقنا بالتواتر معنى، كما يظهر لمن تامل ‌فى‌ كتب الاحاديث ‌من‌ اولها الى آخرها، ‌و‌ دلت الاخبار على وجود مصحف غير هذا المشهور بين الناس، ‌و‌ ‌هو‌ موجود عند اهله، ‌و‌ الظاهر انا مامورين بقراءه ‌ما‌ ‌فى‌ هذا القرآن ‌و‌ ‌لا‌ يجوز لنا الزياده على ‌ما‌ فيه بما ورد ‌فى‌ بعض الروايات انه اسقط منه. انتهى.
 ‌و‌ اما العامه فرووا اخبارا كثيره ‌فى‌ وقوع النقصان ‌من‌ القرآن، فمن ذلك ‌ما‌ رواه ابوعبيد بسنده عن ابن عمر، قال: ‌لا‌ يقولن احدكم قد اخذت القرآن كله، ‌و‌ ‌ما‌ يدريه ‌ما‌ كله، قد ذهب منه قرآن كثير. ‌و‌ لكن ليقل قد اخذت منه ‌ما‌ ظهر.
 ‌و‌ بسنده عن عائشه قالت كانت سوره الاحزاب تقرا ‌فى‌ زمان النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله مائتى آيه، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها الا ‌ما‌ على ‌ما‌ ‌هو‌ الان.
 ‌و‌ بسنده عن زربن حبيش قال: قال لى ابى ‌بن‌ كعب: كائن تعد سوره الاحزاب؟ قلت: اثنتين ‌و‌ ستين آيه، ‌او‌ ثلاثا ‌و‌ ستين آيه قال: ‌ان‌ كانت لتعدل سوره البقره.
 
و روى السيوطى ‌فى‌ الدر المنثور، ‌و‌ منه نقلت قال: اخرج ابن مردويه عن ابن مسعود، قال: كنا نقرا على عهد رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: ‌يا‌ ايها الرسول بلغ ‌ما‌ انزل اليك ‌من‌ ربك ‌ان‌ عليا مولى المومنين ‌و‌ ‌ان‌ لم تفعل فما بلغت رسالته، ‌و‌ الله يعصمك ‌من‌ الناس.
 ‌و‌ الروايات ‌من‌ طرقهم ‌فى‌ هذا المعنى كثيره جدا، لكنهم اجمعوا على ‌ما‌ تضمنته هذه المصاحف المشهوره بين الناس، ‌و‌ ترك ‌ما‌ خالفها ‌من‌ زياده ‌و‌ نقص، ‌و‌ ابدال كلمه باخرى مما لم يثبت ثبوتا مستفيضا انه ‌من‌ القرآن. ‌و‌ الله اعلم.
 الثانيه: اتفقت العامه على ‌ان‌ القرآن نزل على سبعه احرف، ورووا ‌فى‌ ذلك حديثا عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم انه قال: ‌ان‌ القرآن نزل على سبعه احرف كلها شاف كاف. ‌و‌ نص ابوعبيده على تواتره. ‌و‌ اختلفوا ‌فى‌ معناه على نحو اربعين قولا:
 احدها: انه ‌من‌ المشكل الذى ‌لا‌ يدرى معناه، لان الحرف يصدق لغه على حرف الهجاء، ‌و‌ على الكلمه، ‌و‌ على المعنى، ‌و‌ على الجهه.
 ‌و‌ قال ابو شامه: ظن قوم ‌ان‌ القراءات السبع الموجوده الان هى التى اريدت ‌فى‌ الحديث. ‌و‌ ‌هو‌ خلاف اجماع اهل العلم قاطبه، ‌و‌ انما يظن ذلك بعض اهل الجهل.
 ‌و‌ قال محمد ‌بن‌ ابى الصفره: القراءات السبع التى يقراها الناس، انما ‌هو‌ حرف واحد ‌من‌ تلك الاحرف السبعه.
 
و روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند حسن، ‌او‌ صحيح عن الفضيل ‌بن‌ يسار قال: قلت لابى عبدالله عليه السلام: ‌ان‌ الناس يقولون ‌ان‌ القرآن نزل على سبعه احرف. فقال: كذبوا اعداء الله، ‌و‌ لكنه نزل على حرف واحد ‌من‌ عند الواحد.
 ‌و‌ روى بسنده عن ابى جعفر عليه السلام قال: ‌ان‌ القرآن واحد نزل ‌من‌ عند واحد، ‌و‌ لكن الاختلاف يجى ء ‌من‌ قبل الرواه.
 قال بعض اصحابنا: ‌دل‌ هذا الحديث على ‌ان‌ ذلك الحرف الواحد المنزل التبس بغيره على الامه لاجل اختلاف الرواه، فيجوز لهم القراءه باحد هذه القرآءات المشهوره، حتى يظهر الامر، كما ‌دل‌ عليه حديث سفيان ‌بن‌ السمط قال: سالت اباعبدالله عليه السلام عن تنزيل القرآن قال: اقراوا كما علمتم.
 ‌و‌ حديث سالم ‌بن‌ سلمه عنه عليه السلام: اقرا كما يقرا الناس حتى يقوم القائم، فاذا قام القائم قرا كتاب الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ على حده.
 ‌و‌ الروايه عن ابى الحسن عليه السلام: اقروا كما تعلمتم فسيجيئكم ‌من‌ يعلمكم.
 ‌و‌ قال امين الاسلام الطبرسى: الظاهر ‌من‌ مذهب الاماميه انهم اجمعوا على جواز القراءه بما يتداوله القراء بينهم ‌من‌ القراءات، الا انهم اختاروا القراءه بما جاز بين القراء ‌و‌ كرهوا تجريد قراءه مفرده. ‌و‌ الشائع بينهم ‌ان‌ القرآن نزل بحرف واحد انتهى.
 الثالثه: روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن محمد ‌بن‌ عبدالله قال: قلت لابى عبدالله عليه السلام اقرا القرآن ‌فى‌ ليله؟ قال: لايعجبنى ‌ان‌ تقراه ‌فى‌ اقل ‌من‌ شهر.
 ‌و‌ بسنده عن على ‌بن‌ ابى حمزه قال: دخلت على ابى عبدالله عليه السلام فقال له
 
ابوبصير: جعلت فداك اقرا القرآن ‌فى‌ شهر رمضان ‌فى‌ ليله؟ فقال: لا. قال: ففى ليلتين؟ قال: لا، قال: ففى ثلاث؟ قال: ها، ‌و‌ اشار بيده. ثم قال: ‌يا‌ ابامحمد، ‌ان‌ لرمضان حقا ‌و‌ حرمه ‌لا‌ يشبهه شى ء ‌من‌ الشهور، ‌و‌ كان اصحاب محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم يقراون القرآن ‌فى‌ شهر ‌او‌ اقل. ‌ان‌ القرآن ‌لا‌ يقرا هذرمه، ‌و‌ لكن يرتل ترتيلا، ‌و‌ اذا مررت بايه فيها ذكر الجنه فقف عندها ‌و‌ اسال الله الجنه، ‌و‌ اذا مررت بايه فيها ذكر النار فقف عندها ‌و‌ تعوذ بالله ‌من‌ النار.
 قال الجوهرى: الهذرمه: السرعه ‌فى‌ القراءه.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: هى السرعه ‌فى‌ الكلام ‌و‌ المشى.
 الرابعه: روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن على ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام قال: ‌و‌ قد روى هذا الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ‌من‌ استمع حرفا ‌من‌ كتاب الله العزيز ‌من‌ غير قراءه، كتب الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ له ‌به‌ حسنه، ‌و‌ محا عنه سيئه، ‌و‌ رفع له درجه. ‌و‌ ‌من‌ قراه نظرا ‌من‌ غير صلاه، كتب الله له بكل حرف حسنه، ‌و‌ محا عنه سيئه، ‌و‌ رفع له درجه. ‌و‌ ‌من‌ تعلم منه حرفا ظاهرا كتب الله له عشر حسنات، ‌و‌ محا عنه عشر سيئات، ‌و‌ رفع له عشر درجات. قال: ‌لا‌ اقول بكل آيه، ‌و‌ لكن بكل حرف باء ‌او‌ تاء ‌او‌ شبههما. قال: ‌و‌ ‌من‌ قرا حرفا ‌و‌ ‌هو‌ جالس ‌فى‌ صلاته، كتب الله له ‌به‌ خمسين حسنه، ‌و‌ محا عنه خمسين سيئه، ‌و‌ رفع له خمسين درجه. ‌و‌ ‌من‌ قرا حرفا ‌و‌ ‌هو‌ قائم ‌فى‌ صلاه كتب الله له مائه حسنه، ‌و‌ محا عنه مائه سيئه، ‌و‌ رفع له مائه درجه. ‌و‌ ‌من‌ ختمه كانت له دعوه مستجابه موخره ‌او‌ معجله. قال: قلت جعلت فداك ختمه كله؟ قال: ختمه كله.
 
و عن الحسين ‌بن‌ على عليهماالسلام قال: ‌من‌ قرا آيه ‌من‌ كتاب الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌فى‌ صلاته قائما يكتب له بكل حرف مائه حسنه، فان قرائها ‌فى‌ غير صلاه كتب الله له بكل حرف عشر حسنات ‌و‌ ‌ان‌ استمع القرآن كتب الله له بكل حرف حسنه، ‌و‌ ‌ان‌ ختم القرآن ليلا صلت عليه الملائكه حتى يصبح، ‌و‌ ‌ان‌ ختمه نهارا صلت عليه الحفظه حتى يمسى، ‌و‌ كانت له دعوه مجابه، ‌و‌ كان خيرا له مما بين السماء ‌و‌ الارض.
 ‌و‌ عن ابى جعفر عليه السلام قال: ‌من‌ ختم القرآن بمكه ‌من‌ جمعه الى جمعه، ‌او‌ اقل ‌من‌ ذلك ‌او‌ اكثر، ‌و‌ ختمه ‌فى‌ يوم جمعه كتب له ‌من‌ الاجر ‌و‌ الحسنات ‌من‌ اول جمعه كانت ‌فى‌ الدنيا الى آخر جمعه يكون فيها. ‌و‌ ‌ان‌ ختمه ‌فى‌ سائر الايام فكذلك.
 الخامسه: روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن الزهرى قال: قلت لعلى ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام: ‌اى‌ الاعمال افضل؟ قال: الحال المرتحل، قلت: ‌و‌ ‌ما‌ الحال المرتحل؟ قال: فتح القرآن ‌و‌ ختمه كلما جاء باوله ارتحل ‌فى‌ آخره، ‌اى‌ عمل الحال المرتحل، فالكلام على حذف مضاف.
 وروت العامه هذا الحديث بعده طرق ‌و‌ متون مختلفه عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله.
 فعن ابن عباس ‌ان‌ رجلا قال: ‌يا‌ رسول الله ‌اى‌ الاعمال افضل؟ قال: عليك بالحال المرتحل، قال ‌و‌ ‌ما‌ الحال المرتحل؟ قال: فتح القرآن ‌و‌ ختمه، صاحب القرآن يضرب ‌من‌ اوله الى آخره، ‌و‌ ‌من‌ آخره الى اوله، كلما ‌حل‌ ارتحل.
 ‌و‌ عن ابى هريره ‌ان‌ رجلا قام الى النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله فقال: ‌يا‌ رسول الله:
 
اى الاعمال احب الى الله؟ قال: الحال المرتحل، فقال: ‌يا‌ رسول الله، ‌و‌ ‌ما‌ الحال المرتحل؟ قال صاحب القرآن يضرب ‌من‌ اوله الى آخره، ‌و‌ ‌من‌ آخره الى اوله كلما ‌حل‌ ارتحل.
 ‌و‌ عن زيد ‌بن‌ اسلم ‌ان‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم سئل: ‌اى‌ الاعمال افضل؟ فقال: الحال المرتحل.
 قال ابن قتيبه: الحال: ‌هو‌ الخاتم للقرآن شبه برجل سافر، فسار حتى اذا بلغ المنزل ‌حل‌ به. كذلك تالى القرآن يتلوه حتى اذا بلغ آخره وقف عنده. ‌و‌ المرتحل: المفتتح للقرآن، شبه بالمرتحل اراد سفرا فافتتحه بالمسير.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: اراد بالحال المرتحل المواصل لتلاوه القرآن الذى يختتمه ثم يفتتحه، شبهه بالمسفار الذى ‌لا‌ يقدم على اهله فيحل الا انشا سفرا آخر فارتحل.
 ‌و‌ اخرج الدانى بسنده عن ابن عباس عن ابى ‌بن‌ كعب ‌ان‌ النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله كان اذا قرا ‌قل‌ اعوذ برب الناس افتتح ‌من‌ الحمد، ثم قرا ‌من‌ البقره الى «و اولئك ‌هم‌ المفلحون»، ثم دعا بدعاء الختمه، ثم قام.
 قال الشيخ شمس الدين محمد ‌بن‌ محمد ‌بن‌ الجزرى: ‌و‌ صار العمل على هذا ‌فى‌ امصار المسلمين، حتى ‌لا‌ يكاد واحد يختم ختمه الا ‌و‌ شرع ‌فى‌ الاخرى، سواء ختم ‌ما‌ شرع فيه ‌او‌ لم يختمه، نوى ختمها ‌او‌ لم ينوه، بل جعل ذلك عندهم ‌من‌ سنه الختم، ‌و‌ يسمون ‌من‌ يفعل هذا الحال المرتحل، ‌اى‌ الذى يحل ‌فى‌ قراءته آخر الختمه ‌و‌ ارتحل الى ختمه اخرى.
 ‌و‌ عكس بعض اصحابنا هذا التفسير كالسخاوى ‌و‌ غيره فقالوا: الحال المرتحل
 
الذى يحل ‌فى‌ ختمه عند فراغه ‌من‌ اخرى. ‌و‌ الاول اظهر ‌و‌ ‌هو‌ الذى يدل عليه تفسير الحديث عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله افضل الاعمال الحال المرتحل. انتهى كلام ابن الجزرى.
 قلت: تفسير السخاوى ‌و‌ غيره اوفق بالحديث المروى عن على ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام كما ‌لا‌ يخفى. ‌و‌ حاول بعض الاصحاب تطبيقه على التفسير الاول، فقال: كان قوله عليه السلام ‌فى‌ آخره ظرف للانتقال منه الى اوله، ‌و‌ لو كانت ‌فى‌ بمعنى ‌من‌ لكان اظهر. ‌و‌ الله اعلم.
 السادسه: ‌لا‌ ريب ‌فى‌ استحباب الدعاء عند قراءه القرآن، ‌و‌ عند ختمه، كما وردت ‌به‌ روايات عن ارباب العصمه عليهم السلام.
 اما الدعاء عند قراءته فعقد له ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بابا ‌و‌ ذكر فيه دعاء طويلا قال: كان ابوعبدالله عليه السلام يدعو ‌به‌ عند قراءه كتاب الله ‌عز‌ ‌و‌ جل.
 ‌و‌ ذكر السيد على ‌بن‌ طاووس برد الله مضجعه ‌فى‌ كتاب الاقبال قال: روينا باسنادنا الى يونس ‌بن‌ عبدالرحمن، عن على ‌بن‌ ميمون الصائغ ابى الاكراد، عن ابى عبدالله عليه السلام انه كان ‌من‌ دعائه اذا اخذ مصحف القرآن الجامع قبل ‌ان‌ يقرا القرآن، ‌و‌ قبل ‌ان‌ ينشره، يقول حين ياخذ بيمينه: بسم الله، اللهم انى اشهد ‌ان‌ هذا كتابك المنزل ‌من‌ عندك على رسولك محمد ‌بن‌ عبدالله صلى الله عليه ‌و‌ آله، ‌و‌ كتابك الناطق على لسان رسولك، ‌و‌ فيه حكمك ‌و‌ شرائع دينك، انزلته على نبيك، ‌و‌ جعلته عهدا منك الى خلقك، ‌و‌ حبلا متصلا فيما بينك ‌و‌ بين عبادك. اللهم انى نشرت عهدك ‌و‌ كتابك، اللهم فاجعل نظرى عباده، ‌و‌ قراءتى تفكرا، ‌و‌ فكرى اعتبارا، ‌و‌ اجعلنى ممن اتعظ ببيان مواعظك فيه، ‌و‌ اجتنب معاصيك، ‌و‌ ‌لا‌ تطبع عند
 
قراءتى كتابك على قلبى، ‌و‌ ‌لا‌ على سمعى، ‌و‌ ‌لا‌ تجعل على بصرى غشاوه، ‌و‌ ‌لا‌ تجعل قراءتى قراءه ‌لا‌ تدبر فيها، بل اجعلنى اتدبر آياته ‌و‌ احكامه، آخذا بشرائع دينك، ‌و‌ ‌لا‌ تجعل نظرى فيه غفله، ‌و‌ ‌لا‌ قراءتى هذرمه، انك انت الرووف الرحيم.
 ‌و‌ اما الدعاء عند ختمه فوردت ‌به‌ روايات ‌من‌ طرق العامه ‌و‌ الخاصه.
 اما ‌من‌ طرق العامه فاحسنها ‌ما‌ رواه فخر خوارزم الموفق ‌بن‌ احمد ابو المويد ‌فى‌ كتاب المناقب، بسنده المتصل عن عاصم، عن زربن حبيش قال: قرات القرآن ‌من‌ اوله الى آخره، ‌فى‌ مسجد الجامع بالكوفه، على اميرالمومنين على ‌بن‌ ابى طالب عليه السلام، فلما بلغت الحواميم قال لى: قد بلغت عرائس القرآن، فلما بلغت راس العشرين ‌من‌ «حم عسق» ‌و‌ «الذين آمنوا ‌و‌ عملوا الصالحات ‌فى‌ روضات الجنات لهم ‌ما‌ يشاوون عند ربهم ذلك ‌هو‌ الفضل الكبير» بكى حتى ارتفع نحيبه، ثم رفع راسه الى السماء ‌و‌ قال: يازر امن على دعائى ثم قال: «اللهم انى اسالك اخبات المخبتين، ‌و‌ اخلاص الموقنين، ‌و‌ مرافقه الابرار، ‌و‌ استحقاق حقائق الايمان، ‌و‌ الغنيمه ‌من‌ كل بر، ‌و‌ السلامه ‌من‌ كل اثم، ‌و‌ وجوب رحمتك، ‌و‌ عزائم مغفرتك، ‌و‌ الفوز بالجنه، ‌و‌ النجاه ‌من‌ النار». يازر اذا ختمت فادع بهذا فان حبيبى رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم امرنى ‌ان‌ ادعوبهن عند ختم القرآن.
 ‌و‌ اما ‌من‌ طرق الخاصه فاشهرها دعاء الصحيفه الكامله الذى نحن بصدد شرحه.
 ‌و‌ ذكر السيد على ‌بن‌ طاووس قدس الله روحه باسناده المتقدم عن ابى عبدالله عليه السلام انه كان يقول عند الفراغ ‌من‌ قراءه بعض القرآن العظيم: اللهم انى قرات ‌ما‌ قضيت ‌من‌ كتابك الذى انزلته على نبيك محمد صلواتك عليه
 
و رحمتك، فلك الحمد ربنا، ‌و‌ لك الشكر ‌و‌ المنه على ‌ما‌ قدرت ‌و‌ وفقت. اللهم اجعلنى ممن يحل حلالك، ‌و‌ يحرم حرامك، ‌و‌ يجتنب معاصيك، ‌و‌ يومن بمحكمه ‌و‌ متشابهه، ‌و‌ ناسخه ‌و‌ منسوخه، ‌و‌ اجعله لى شفاء ‌و‌ رحمه، ‌و‌ حرزا ‌و‌ ذخرا. اللهم اجعله لى انسا ‌فى‌ قبرى، ‌و‌ انسا ‌فى‌ حشرى، ‌و‌ انسا ‌فى‌ نشرى، ‌و‌ اجعل لى بركه بكل آيه قراتها، ‌و‌ ارفع لى بكل حرف درسته درجه ‌فى‌ اعلى عليين، آمين ‌يا‌ رب العالمين، اللهم صلى على محمد نبيك ‌و‌ صفيك، ‌و‌ نجيبك ‌و‌ دليلك، ‌و‌ الداعى الى سبيلك، ‌و‌ على اميرالمومنين وليك ‌و‌ خليفتك ‌من‌ بعد رسولك، ‌و‌ على اوصيائهما المستحفظين دينك، المستودعين حقك، ‌و‌ عليهم اجمعين السلام ‌و‌ رحمه الله ‌و‌ بركاته.
 السابعه: القراءه ‌فى‌ المصحف افضل ‌من‌ القراءه عن ظهر القلب، لان النظر فيه عباده مطلوبه.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى، بسنده عن اسحاق ‌بن‌ عمار، عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك انى احفظ القرآن على ظهر قلبى، فاقراه على ظهر قلبى افضل، ‌او‌ انظر ‌فى‌ المصحف؟ قال: فقال لى: بل اقراه، ‌و‌ انظر ‌فى‌ المصحف فهو افضل. اما علمت ‌ان‌ النظر ‌فى‌ المصحف عباده.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌من‌ قرا ‌فى‌ المصحف متع ببصره، ‌و‌ خفف على والديه، ‌و‌ ‌ان‌ كانا كافرين.
 الثامنه: ‌لا‌ باس بتكرير الايه ‌و‌ ترديدها فقد روى عن ابى ذر رضى الله عنه ‌ان‌ النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله قام بايه يرددها حتى اصبح «ان تعذبهم فانهم عبادك» الايه.
 
و عن الزهرى: كان على ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام اذا قرا «مالك يوم الدين» يكررها حتى كاد ‌ان‌ يموت.
 ‌و‌ روى عن الصادق عليه السلام انه كان يصلى ‌فى‌ بعض الايام، فخر مغشيا عليه ‌فى‌ اثناء الصلاه، فسئل عن ذلك فقال: مازلت اردد هذه الايه حتى سمعتها ‌من‌ قائلها.
 قال بعض العارفين: ‌ان‌ لسان الصادق عليه السلام كان ‌فى‌ ذلك الوقت كشجره الطور عند قوله: «اننى انا الله».
 التاسعه: يستحب التوسط ‌فى‌ القراءه بين الاخفاء ‌و‌ الجهر، كما قال تعالى: «و ‌لا‌ تجهر بصلاتك ‌و‌ ‌لا‌ تخافت بها ‌و‌ ابتغ بين ذلك سبيلا».
 فعن الصادق عليه السلام: الجهر: رفع الصوت عاليا، ‌و‌ المخافته: ‌ما‌ لم تسمع نفسك.
 ‌و‌ عن ابى بصير قال: قلت لابى جعفر عليه السلام اذا قرات القرآن فرفعت ‌به‌ صوتى جاءنى الشيطان، فقال: انما ترانى. بهذا اهلك ‌و‌ الناس، قال: ‌يا‌ ابامحمد، اقرا قراءه ‌ما‌ بين القراءتين تسمع اهلك، ‌و‌ رجع بالقرآن صوتك فان الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ يحب الصوت الحسن، يرجع ترجيعا.
 العاشره: يستحب البكاء عند قراءه القرآن، ‌و‌ التباكى لمن ‌لا‌ يقدر عليه، ‌و‌ الحزن ‌و‌ الخشوع. قال تعالى: «و يخرون للاذقان يبكون ‌و‌ يزيدهم خشوعا».
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: «ان القرآن نزل بالحزن، فاقراوه بالحزن».
 ‌و‌ عن حفص ‌بن‌ غياث: ‌ما‌ رايت اشد خوفا على نفسه ‌من‌ موسى ‌بن‌ جعفر
 
عليهماالسلام، ‌و‌ ‌لا‌ ارجا للناس منه، ‌و‌ كانت قراءته حزنا، فاذا قرا فكانه يخاطب انسانا.
 الحاديه عشره: يسن الترتيل ‌فى‌ قراءه القرآن قال تعالى: «و رتل القرآن ترتيلا».
 روى ثقه الاسلام بسنده عن عبدالله ‌بن‌ سليمان قال: سالت اباعبدالله عليه السلام عن قول الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ «و رتل القرآن ترتيلا» قال: قال اميرالمومنين صلوات الله عليه: بينه تبيانا، ‌و‌ ‌لا‌ تهذه هذ الشعر، ‌و‌ ‌لا‌ تنثره نثر الرمل، ‌و‌ لكن اقرعوا ‌به‌ قلوبكم القاسيه، ‌و‌ ‌لا‌ يكون ‌هم‌ احدكم آخر السوره.
 ‌و‌ عن ‌ام‌ سلمه رضى الله عنها: انها نعتت قراءه النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله قراءه مفسره حرفا حرفا.
 ‌و‌ اعلم انه لاخلاف بين العلماء: ‌ان‌ هذا القراءه ‌و‌ ‌هو‌ الاسراع فيها، اذا افضى الى لف الكلمات، ‌و‌ عدم اقامه الحروف، ‌لا‌ يجوز لانه لحن. ‌و‌ اما بعد اقامتها فالافضل عندنا ‌و‌ عند اكثر العامه الترتيل.
 قال ‌فى‌ شرح المهذب: ‌و‌ اتفقوا على كراهه الافراط ‌فى‌ الاسراع. قالوا: ‌و‌ قراءه جزء بترتيل افضل ‌من‌ قراءه جزءين ‌فى‌ قدر ذلك الزمان بلا ترتيل. قالوا: ‌و‌ استحباب الترتيل للتدبر، ‌و‌ لانه اقرب الى الاجلال ‌و‌ التوقير، ‌و‌ اشد تاثيرا ‌فى‌ القلب. ‌و‌ لهذا يستحب للاعجمى الذى ‌لا‌ يفهم معناه. انتهى.
 قال بعضهم: ‌و‌ كمال الترتيل تفخيم الفاظه، ‌و‌ الابانه عن حروفه، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يدغم حرفا ‌فى‌ حرف.
 ‌و‌ قيل: هذا اقله، ‌و‌ اكمله ‌ان‌ يقراه على منازله، فان قرا تهديدا لفظ ‌به‌ لفظ
 
المتهدد، ‌او‌ تعظيما لفظ ‌به‌ على التعظيم.
 الثانيه عشره: يستحب تحسين الصوت بالقراءه، كما وردت ‌به‌ اخبار كثيره ‌من‌ طرق العامه ‌و‌ الخاصه.
 قال السيوطى ‌فى‌ الاتقان: اخرج البزاز ‌و‌ غيره حديث «حسن الصوت زينه القرآن» ‌و‌ فيه احاديث صحيحه كثيره. انتهى.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله لكل شى ء حليه، ‌و‌ حليه القرآن الصوت الحسن.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: اقراوا القرآن بالحان العرب ‌و‌ اصواتها، ‌و‌ اياكم ‌و‌ لحون اهل الفسق ‌و‌ اهل الكبائر، فانه سيجى ء ‌من‌ بعدى اقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء ‌و‌ النوح ‌و‌ الرهبانيه، ‌لا‌ يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبه، ‌و‌ قلوب ‌من‌ يعجبه شانهم.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: كان على ‌بن‌ الحسين صلوات الله عليه احسن الناس صوتا بالقرآن، ‌و‌ كان السقاءون يمرون، فيقفون ببابه يسمعون قراءته.
 ‌و‌ عن على ‌بن‌ محمد النوفلى، عن ابى الحسن عليه السلام قال: ذكرت الصوت عنده فقال: ‌ان‌ على ‌بن‌ الحسين عليه السلام كان يقرا فربما مر ‌به‌ المار فيصعق ‌من‌ حسن صوته، ‌و‌ ‌ان‌ الامام لو اظهر ‌من‌ ذلك شيئا لما احتمله الناس، قلت: ‌و‌ لم يكن رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله يصلى ‌و‌ يرفع صوته بالقرآن؟ فقال: ‌ان‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله كان يحمل الناس ‌من‌ خلفه ‌ما‌ يطيقون.
 ‌و‌ قد تقدم ‌فى‌ الفائده التاسعه قول ابى جعفر عليه السلام لابى بصير: رجع بالقرآن صوتك فان الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ يحب الصوت الحسن يرجع ترجيعا.
 
و اعلم ‌ان‌ المراد بتحسين الصوت، ‌و‌ ترجيعه ‌و‌ التغنى ‌به‌ ‌فى‌ القرآن ‌هو‌ تجويد اللفظ، ‌و‌ تقويم الحروف، ‌و‌ حسن الاداء، ‌و‌ تلطيف النطق بالحرف على حال صيغته ‌و‌ كمال هيئته، ‌من‌ غير اسراف ‌و‌ ‌لا‌ تعسف، ‌و‌ ‌لا‌ افراط ‌و‌ ‌لا‌ تكلف، ‌و‌ ‌لا‌ تمطيط له كما يفعله اهل الفسق ‌و‌ ارباب الالحان الموسيقيه، فان ذلك حرام يفسق ‌به‌ القارى، ‌و‌ ياثم المستمع باجماع المحققين ‌من‌ الفريقين، ‌و‌ ‌لا‌ رخصه فيه بوجه، كما نص عليه قوله عليه السلام: «و اياكم ‌و‌ لحون اهل الفسق ‌و‌ اهل الكبائر» الحديث المتقدم ذكره، ‌و‌ ‌من‌ ظن، ‌او‌ اعتقد غير ذلك فليتهم فهمه.
 قال خاتمه القراء شمس الدين ‌بن‌ الجزرى: جرت سنه الله تبارك ‌و‌ تعالى فيمن يقرا القرآن متجودا مصححا ‌ان‌ تلتذ الاسماع بتلاوته، ‌و‌ تخشع القلوب عند قراءته، حتى يكاد ‌ان‌ يسلب العقول، ‌و‌ ياخذ بالالباب، بسر ‌من‌ اسرار الله يودعه ‌من‌ يشاء ‌من‌ خلقه. ‌و‌ لقد ادركنا ‌من‌ شيوخنا ‌من‌ ليس له حسن صوت، ‌و‌ ‌لا‌ دريه له بالالحان، الا انه كان جيد الاداء، قيما بالالفاظ فكان اذا قرا اطرب المسامع، ‌و‌ اخذ ‌من‌ القلوب بالمجامع، ‌و‌ كان الخلق يجتمعون عليه، ‌و‌ يزدحمون على الاستماع اليه امم ‌من‌ الخواص ‌و‌ العوام، يشترك ‌فى‌ ذلك ‌من‌ يعرف العربى، ‌و‌ ‌من‌ ‌لا‌ يعرفه ‌من‌ سائر الانام، مع تركهم جماعات ‌من‌ ذوى الاصوات الحسان، عارفين بالمقامات ‌و‌ الالحان، لخروجهم عن التجويد ‌و‌ الاتقان، ‌و‌ اخبرنى جماعه ‌من‌ شيوخى ‌و‌ غيرهم اخبارا بلغ التواتر عن شيخهم الامام تقى الدين محمد ‌بن‌ احمد الصائغ المصرى، ‌و‌ كان استاذا ‌فى‌ حسن الاداء، ‌و‌ تجويد القراءه انه قرا يوما ‌فى‌ صلاه الصبح «و تفقد الطير فقال مالى ‌لا‌ ارى الهدهد » الايه، ‌و‌ كرر هذه الايه فنزل طائر فوقع على راس الشيخ يستمع قراءته حتى اكملها، فنظروا اليه، فاذا ‌هو‌ هدهد. انتهى.
 
تتمه
 
 يكره كتابه القرآن بماء الذهب لحديث محمد الوراق الكوفى قال: عرضت على ابى عبدالله عليه السلام كتابا فيه قرآن مختم معشر بالذهب، ‌و‌ كتبت ‌فى‌ آخره سوره بالذهب، فاريته اياه، فلم يعب فيه شيئا الا كتابه القرآن بالذهب، ‌و‌ قال: ‌لا‌ يعجبنى ‌ان‌ يكتب القرآن الا بالسواد، كما كتب اول مره. اخرجه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى.
 ‌و‌ هذا حين نشرع ‌فى‌ المقصود ‌من‌ شرح الدعاء.
 قال صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه.
 
اعانه الله تعالى: عباره عن توفيقه ‌و‌ اعداده سبحانه لعبده ‌ان‌ يتحرى ‌ما‌ فيه رضاه ‌من‌ طاعاته، ‌و‌ القيام بها كما وفقه عليه السلام لختم كتابه، ‌و‌ ‌هو‌ قراءته جميعه ‌من‌ اوله الى آخره.
 ‌و‌ الكتاب: اما مصدر سمى ‌به‌ المفعول مبالغه كالخلق للمخلوق، ‌و‌ اما فعال بنى للمفعول كاللباس، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الكتب الذى ‌هو‌ ضم الحروف بعضها الى بعض ‌و‌ اصله الجمع ‌و‌ الضم ‌فى‌ الاشياء الظاهره للحس البصرى. ‌و‌ منه: الكتيبه للعسكر، ‌و‌ اطلاق الكتاب على المنظوم عباره، لما ‌ان‌ ماله الكتابه.
 ‌و‌ النزول: انتقال ‌من‌ علو الى سفل. يقال: نزل نزولا- ‌من‌ باب ضرب-
 
 
و يتعدى بالهمزه ‌و‌ التضعيف، فيقال: انزلته انزالا ‌و‌ نزلته تنزيلا. ‌و‌ اما تعديته بالباء فلا يقال: نزل ‌به‌ الا اذا كان مصاحبا له ‌فى‌ النزول. ‌و‌ لهذا ‌لا‌ يقال «نزل الله بالقرآن» مثلا كما يقال: «انزل الله بالقرآن، ‌و‌ نزله»، ‌و‌ قال تعالى «نزل ‌به‌ الروح الامين».
 فما وقع للفيومى ‌فى‌ المصباح- ‌من‌ قوله: يتعدى بالحروف ‌و‌ الهمزه ‌و‌ التضعيف، فيقال: نزل ‌به‌ ‌و‌ انزلته ‌و‌ نزلته- غير صواب لايهامه تساوى التعديه بالوجوه الثلاثه، ‌و‌ ليس كذلك لما عرفت. ‌و‌ سياتى بيان الفرق بين الانزال ‌و‌ التنزيل.
 قال شيخنا البهائى قدس سره: ‌و‌ وصف الكتاب بمعنى القرآن بالنزول ‌و‌ الانزال الذى ‌لا‌ يتصف ‌به‌ الا المتحيز بالذات دون الاعراض، ‌و‌ سيما الغير القارات كالاصوات، انما ‌هو‌ بتبعيه محله سواء اخذ حروفا ملفوظه ‌او‌ معانى محفوظه، ‌و‌ ‌هو‌ الملك الذى يتلقف الكلام ‌من‌ جناب الملك العلام تلقفا سماعيا، ‌او‌ يتلقاه تلقيا روحانيا، ‌او‌ يحفظه ‌من‌ اللوح المحفوظ، ثم ينزل ‌به‌ على الرسول صلى الله عليه ‌و‌ آله. ‌و‌ انت خبير بان هذا انما يتمشى على القول بجسميه الملائكه، كما ‌هو‌ مذهب الاكثرين.
 ‌و‌ اما على القول بتجردهم كما اطبق الحكماء عليه، ‌و‌ ذهب بعض علماء اهل الاسلام اليه فلا. اللهم الا ‌ان‌ يسمى ظهورهم للانبياء عليهم السلام ‌فى‌ صوره الماديات نزولا، تشبيها للنزول العقلى المرئى، بالحس المكانى، فيكون قولنا نزل الملك استعاره تبعيه. انتهى.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «نورا» نصب على الحال ‌من‌ الضمير العائد الى الكتاب، ‌و‌ فيه تلميح الى قوله تعالى ‌فى‌ سوره النساء: «و انزلنا اليكم نورا مبينا»، قيل:
 
لانه سبب وقوع نور الايمان ‌فى‌ القلب. ‌و‌ قيل: لانه يدرك ‌به‌ غوامض الحلال ‌و‌ الحرام.
 ‌و‌ قال الراغب: النور: الضوء المنتشر الذى يعين على الابصار، ‌و‌ ‌هو‌ ضربان دنيوى ‌و‌ اخروى: فالدنيوى: ضربان: معقول بعين البصيره، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ انتشر ‌من‌ الانوار الالهيه كنور العقل، ‌و‌ نور القرآن ‌و‌ منه: «قد جاءكم ‌من‌ الله نور» ‌و‌ محسوس بعين البصر ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ انتشر ‌من‌ الاجسام النيره كالقمرين ‌و‌ النجوم النيرات، ‌و‌ منه «هو الذى جعل الشمس ضياء، ‌و‌ القمر نورا». ‌و‌ ‌من‌ النور الاخروى قوله تعالى: «يسعى نورهم بين ايديهم» انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ المهيمن: خلاف. قال الخليل ‌و‌ ابوعبيده: ‌هو‌ اسم فاعل ‌من‌ هيمن على كذا، يهيمن ‌اى‌ صار رقيبا عليه ‌و‌ حافظا.
 ‌و‌ قال الزمخشرى المهيمن: الرقيب على كل شى ء، الحافظ له، مفيعل ‌من‌ الامن الا ‌ان‌ همزته قلبت هاء.
 قال صاحب الكشف: ‌و‌ تحقيقه ‌ان‌ ايمن على فيعل مبالغه امن ‌من‌ العدو، ‌و‌ الزياده ‌فى‌ الياء. ‌و‌ اذا قلت: امن الراعى الذئب على الغنم، مثلا ‌دل‌ على كمال حفظه ‌و‌ رقيبه. فالله آمن كل شى ء سواء على خلقه ‌و‌ ملكه، لاحاطه علمه ‌و‌ كمال قدرته، ثم استعمل مجرد الدلاله بمعنى الرقيب ‌و‌ الحفيظ على الشى ء ‌من‌ غير ذكر المفعول للمبالغه ‌فى‌ كمال الحفظ ‌و‌ ‌هو‌ اولى ‌من‌ جعله ‌من‌ الامانه نظرا الى ‌ان‌ الامين على الشى ء حافظ له اذ ‌لا‌ ينبى ء ‌من‌ المبالغه ‌و‌ ‌لا‌ عن شمول العلم ‌و‌ القدره.
 ‌و‌ جعله الجوهرى ‌من‌ آمن غيره ‌من‌ الخوف قال: ‌و‌ اصله اامن فهو ‌ما‌ اامن بهمزتين فلينت الهمزه الثانيه كراهه لاجتماعهما فصار ‌ما‌ يمن، ثم صيرت الاولى هاء كما قالوا: هراق الماء ‌و‌ اراقه كانه تعالى: يحفظه اياهم صيرهم آمنين، ‌و‌ حرف
 
الاستعلاء لتضمين معنى الاطلاع ‌و‌ نحوه، ‌و‌ انت تعلم ‌ان‌ الاشتقاق على ‌ما‌ ذكره العلامه اولى ‌و‌ الخروج ‌من‌ القياس فيه اقل انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ الدعاء تلميح الى قوله تعالى ‌فى‌ المائده: «و انزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه ‌من‌ الكتاب ‌و‌ مهيمنا عليه».
 قال ‌فى‌ الكشاف: التعريف ‌فى‌ الكتاب الاول للعهد لانه عنى ‌به‌ القرآن، ‌و‌ ‌فى‌ الثانى للجنس لانه عنى ‌به‌ جنس الكتب المنزله، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يقال: ‌هو‌ للعهد لانه لم يرد ‌به‌ ‌ما‌ يقع عليه اسم الكتاب على الاطلاق ‌و‌ انما اريد نوع معلوم منه ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ انزل ‌من‌ السماء سوى القرآن، ‌و‌ مهيمنا: ‌اى‌ رقيبا على سائر الكتب لانه يشهد لها بالصحه ‌و‌ الثبات انتهى.
 ‌و‌ قال العمادى: مهيمنا عليه ‌اى‌ رقيبا على الكتب المحفوظه عن التغيير لانه يشهد لها بالصحه ‌و‌ الثبات. ‌و‌ يقرر اصول شرائعها ‌و‌ ‌ما‌ يتابد ‌من‌ فروعها ‌و‌ يعين احكامها المنسوخه ببيان انتهاء مشروعيتها المستفاده ‌من‌ تلك الكتب، ‌و‌ انقضاء وقت العمل بها، ‌و‌ ‌لا‌ ريب ‌فى‌ تمييز احكامها الباقيه على المشروعيه ابدا عما انتهى وقت مشروعيته ‌و‌ خرج عنها ‌من‌ احكامه كونه مهيمنا عليه انتهى.
 ‌و‌ فضلته على غيره تفضيلا:- صيرته افضل منه ‌او‌ حكمت ‌و‌ اعتقدت بانه افضل منه، ‌و‌ تفضيل القرآن على غيره وقع منه تعالى بالمعنيين كما سنبينه.
 ‌و‌ الحديث: ‌ضد‌ القديم، يستعمل ‌فى‌ قليل الكلام ‌و‌ كثيره لانه يحدث شيئا فشيئا.
 قال الراغب: يقال لكل ‌ما‌ قرب عهده: حديث فعالا كان ‌او‌ مقالا، ‌و‌ كل كلام يبلغ الانسان ‌من‌ جهه السمع ‌او‌ الوحى ‌فى‌ يقظته ‌و‌ منامه يقال له حديث،
 
و سمى تعالى كتابه حديثا فقال: «فلياتوا بحديث مثله» ‌و‌ قال تعالى: «افمن هذا الحديث تعجبون».
 ‌و‌ قصصت الحديث قصا: حدثته على وجهه ‌و‌ اخبرت ‌به‌ كما هو، ‌من‌ قص اثره اذا تبعه لان ‌من‌ يقص الحديث يتبع ‌ما‌ حفظ منه شيئا فشيئا كما يقال: تلا القرآن لانه يتبع ‌ما‌ حفظ منه آيه بعد آيه.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذه الفقره ‌من‌ الدعاء تلميح الى قوله تعالى ‌فى‌ الزمر: «الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها» الايه، ‌و‌ قوله ‌فى‌ يوسف «نحن نقص عليك احسن القصص».
 قال النظام النيسابورى: ‌و‌ وجه كونه احسن الحديث لفظا ‌و‌ معنى مما ‌لا‌ يخفى على ذى طبع فضلا عن ذى لب.
 ‌و‌ قال العلامه الطبرسى: ‌هو‌ احسن الحديث لفرط فصاحته ‌و‌ لاعجازه ‌و‌ اشتماله على جميع ‌ما‌ يحتاج المكلف اليه ‌من‌ التنبيه على ادله التوحيد ‌و‌ العدل ‌و‌ بيان احكام الشرع ‌و‌ غير ذلك ‌من‌ المواعظ ‌و‌ قصص الانبياء ‌و‌ الترغيب ‌و‌ الترهيب.
 ‌و‌ قيل: سمى القرآن احسن القصص لانه بلغ النهايه ‌فى‌ الفصاحه ‌و‌ حسن المعانى ‌و‌ عذوبه الالفاظ مع التلاوم المنافى للتنافر ‌و‌ التشاكل بين المقاطع ‌و‌ الفواصل.
 ‌و‌ قيل: لان فيه ذكر اخبار الامم الماضيه، ‌و‌ اخبار الكائنات الاتيه، ‌و‌ جميع ‌ما‌ يحتاج اليه العباد الى يوم القيامه باعذب لفظ ‌و‌ تهذيب ‌فى‌ احسن نظم ‌و‌ ترتيب انتهى.
 
فظهر انه سبحانه فضل القرآن على كل حديث قصه بان حكم بانه احسن الحديث ‌و‌ احسن القصص ‌و‌ فضله بما خصه ‌به‌ ‌من‌ المزايا ‌و‌ الفضائل المذكوره التى اقتضت كونه احسن ‌من‌ كل حديث ‌و‌ قصص.
 
و الفرقان: قيل: ‌فى‌ الاصل، مصدر فرقت بين الشيئين فرقا ‌و‌ فرقانا ‌من‌ باب- قتل- ‌اى‌ فصلت ثم اطلق على الفاعل مبالغه فهو بمعنى الفارق.
 ‌و‌ قال الراغب: الفرقان: ابلغ ‌من‌ الفرق لانه يستعمل ‌فى‌ الفرق بين الحق ‌و‌ الباطل، ‌و‌ تقديره كتقدير رجل قنعان يقنع ‌به‌ ‌فى‌ الحكم، ‌و‌ ‌هو‌ اسم ‌لا‌ مصدر فيما قيل ‌و‌ الفرق: يستعمل ‌فى‌ ذلك، ‌و‌ ‌فى‌ غيره. ‌و‌ الفرقان: كلام الله لفرقه بين الحق ‌و‌ الباطل ‌فى‌ الاعتقاد ‌و‌ الصدق ‌و‌ الكذب ‌فى‌ المقال ‌و‌ الصالح ‌و‌ الطالح ‌فى‌ الاعمال انتهى.
 ‌و‌ الفرق بين الشيئين قد يكون مدركا بالبصر كالفرق بين النور ‌و‌ الظلمه، ‌و‌ قد يكون مدركا بالبصيره كالفرق بين الحق ‌و‌ الباطل ‌و‌ الحلال ‌و‌ الحرام.
 ‌و‌ حلال الله تعالى: ‌ما‌ اطلق فعله، ‌و‌ حرامه: ‌ما‌ منع منه ‌و‌ حكمه ‌ان‌ ياثم المرء بفعله ‌و‌ يثاب على تركه بنيه التقرب الى الله تعالى فيشمل الحلال ‌و‌ الحرام اقسام الحكم الخمسه ‌و‌ هى: الواجب ‌و‌ المندوب ‌و‌ المباح ‌و‌ المكروه ‌و‌ الحرام ‌و‌ ‌لا‌ يجوز لاحد الحكم بتحليل شى ء ‌و‌ تحريمه الا ‌ما‌ وجده ‌فى‌ القرآن ‌او‌ اخذه ‌من‌ العالم به.
 ‌و‌ فصلت الشى ء تفصيلا: جعلته فصولا متمايزه ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الفصل بمعنى ابانه احد الشيئين عن الاخر حتى يكون بينهما فرجه، ‌و‌ فيه تلميح الى قوله تعالى ‌فى‌ حم السجده: «كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعقلون» ‌و‌ ‌فى‌ هود: «كتاب احكمت آياته ثم فصلت ‌من‌ لدن حكيم خبير».
 قال الزمخشرى: فصلت: ‌اى‌ ميزت ‌و‌ جعلت تفاصيل ‌فى‌ معان مختلفه ‌من‌ احكام ‌و‌ امثال ‌و‌ مواعظ ‌و‌ وعد ‌و‌ وعيد ‌و‌ غير ذلك.
 
و قال امين الاسلام الطبرسى: وصف الكتاب بالتفصيل دون الاجمال لان التفصيل ياتى على وجوه البيان ‌اى‌ بينت آياته بيانا تاما.
 ‌و‌ التبيين: قيل على وجوه منها: تبيين الواجب مما ليس بواجب ‌و‌ تبيين الاولى ‌فى‌ الحكمه مما ليس باولى، ‌و‌ تبيين الجائز مما ليس بجائز، ‌و‌ تبيين الحق ‌من‌ الباطل، ‌و‌ تبيين الدليل على الحق مما ليس بدليل، ‌و‌ تبيين ‌ما‌ يرغب فيه مما ‌لا‌ يرغب فيه، ‌و‌ تبيين ‌ما‌ يحذر منه مما ‌لا‌ يحذر منه الى غير ذلك ‌من‌ الوجوه.
 ‌و‌ قيل: فصلت آياته بالامر ‌و‌ النهى ‌و‌ الوعد ‌و‌ الوعيد ‌و‌ الترغيب ‌و‌ الترهيب ‌و‌ الحلال ‌و‌ الحرام ‌و‌ المواعظ ‌و‌ الامثال.
 ‌و‌ قيل: فصلت آياته ‌اى‌ نظمت على احسن نظام ‌و‌ اوضح بيان انتهى.
 ‌و‌ بالجمله فالمراد بتفصيل القرآن جعل بعضه ‌فى‌ الواجبات ‌و‌ بعضه ‌فى‌ المحرمات ‌و‌ بعضه ‌فى‌ المندوبات ‌و‌ بعضه ‌فى‌ المكروهات ‌و‌ بعضه ‌فى‌ المباحات ‌و‌ بعضه ‌فى‌ العقوبات ‌و‌ بعضه ‌فى‌ الاخلاق ‌و‌ الاداب ‌و‌ بعضه ‌فى‌ المواعظ ‌و‌ النصائح ‌و‌ بعضه ‌فى‌ اخبار ‌من‌ تقدم ‌و‌ انبائهم، ‌و‌ بعضه ‌فى‌ اخبار ‌ما‌ سياتى، ‌و‌ بعضه ‌فى‌ احوال الجنه ‌و‌ ‌من‌ يدخلها، ‌و‌ بعضه ‌فى‌ احوال النار ‌و‌ ‌من‌ يسكنها، الى غير ذلك مع بيان كل ذلك ‌و‌ ايضاحه بحيث ‌لا‌ يشتبه شى ء منها بالاخر، ‌و‌ هذا ‌هو‌ معنى التفصيل كما قال تعالى: «و كل شى ء فصلناه تفصيلا» ‌اى‌ بيناه ‌فى‌ القرآن الكريم بيانا بليغا ‌لا‌ التباس معه كقوله تعالى: «و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شى ء».
 ‌و‌ الوحى: الاشاره، ‌و‌ الكتابه ‌و‌ الكتاب ‌و‌ الرساله ‌و‌ الالهام ‌و‌ الكلام الخفى.
 قال ابن فارس: ‌و‌ كل ‌ما‌ القيته الى غيرك لتعلمه وحى ‌و‌ ‌هو‌ مصدر وحى
 
اليه يحى ‌من‌ باب- وعد-، ‌و‌ اوحى اليه بالالف مثله ثم غلب استعماله فيما يلقى الى الانبياء ‌من‌ عند الله تعالى.
 ‌و‌ قد تقدم الكلام على انواعه ‌فى‌ شرح السند فليرجع اليه.
 ‌و‌ تنزيلا: مصدر جار غير الفعل ناب عن انزالا لانه قياس مصدر انزل ‌و‌ ايثاره عليه للاشاره الى كيفيه انزاله على النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ ‌هو‌ الجاوه اليه تدريجا لما ‌فى‌ التنزيل ‌من‌ الدلاله على التدرج ‌و‌ التكثير بخلاف الانزال فانه اعم ‌من‌ ‌ان‌ يكون دفعه ‌او‌ تدريجا، ‌و‌ ذلك لما روى: انه الله تعالى انزل القرآن دفعه واحده ‌من‌ اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا فحفظته الحفظه ‌او‌ كتبته الكتبه ‌فى‌ الصحف ثم نزله منها الى النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله منجما موزعا على حسب المصالح ‌و‌ كفاء الحوادث.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده، عن حفص ‌بن‌ غياث، عن ابى عبدالله عليه السلام قال: سالته عن قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «شهر رمضان الذى انزل فيه القرآن» ‌و‌ انما انزل ‌فى‌ عشرين سنه بين اوله ‌و‌ آخره؟ فقال ابوعبدالله عليه السلام، نزل القرآن جمله واحده ‌فى‌ شهر رمضان الى البيت المعمور ثم نزل ‌فى‌ طول عشرين سنه الحديث.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذه المعنى ‌من‌ طرق العامه روايات كثيره ‌و‌ الله اعلم.
 
جعله نورا: لكشفه ظلمات الشرك ‌و‌ الشك ‌و‌ ابانته ‌ما‌ خفى على الناس ‌من‌
 
الحق، ‌و‌ فرقه بين الحق ‌و‌ الباطل ‌و‌ ايصاله الى المطلوب ‌من‌ الحق كما ‌ان‌ النور الحسى يكشف الظلمات الحسيه ‌و‌ يبين ‌ما‌ خفى بسببها ‌و‌ يفصل ‌به‌ بين الاشياء، ‌و‌ يدرك المطلوب.
 ‌و‌ المراد بظلم الضلاله: ظلم الكفر ‌و‌ الانهماك ‌فى‌ الغى، ‌و‌ بظلم الجهاله ظلم المعاصى ‌و‌ الشبهات، ‌و‌ جمع الظلم لتعدد فنون الضلال ‌و‌ الجهل.
 ‌و‌ تبع زيد عمرا تبعا ‌من‌ باب- تعب- ‌و‌ اتبعه اتباعا مشى خلفه ثم استعمل ‌فى‌ مطلق الاقتداء. ‌و‌ اتباع القرآن: تلاوته ‌و‌ العمل ‌به‌ ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: اتبعوا القرآن ‌و‌ ‌لا‌ يتبعنكم، قال ابن الاثير: ‌اى‌ اجعلوه امامكم ثم اتلوه، ‌و‌ اراد ‌لا‌ تدعو تلاوته ‌و‌ العمل ‌به‌ فتكونوا قد جعلتموه وراءكم.
 ‌و‌ الشفاء: البرء ‌من‌ الداء ‌و‌ المرض، جعله شفاء لزوال الامراض القلبيه ‌به‌ كالجهل ‌و‌ الشك ‌و‌ الشرك ‌و‌ النفاق ‌و‌ غيرها ‌من‌ العقائد الزائفه الفاسده.
 قال تعالى: «قد جاءتكم موعظه ‌من‌ ربكم ‌و‌ شفاء لما ‌فى‌ الصدور».
 ‌و‌ الانصات: السكوت للاستماع.
 يقال: نصت له ينصت ‌من‌ باب- ضرب- ‌و‌ انصت انصاتا: ‌اى‌ سكت مستمعا.
 ‌و‌ «الباء» ‌من‌ قوله: «بفهم التصديق» للملابسه ‌اى‌ انصت ملتبسا بفهم التصديق.
 ‌و‌ الفهم: تصور المعنى ‌من‌ لفظ المخاطب، ‌و‌ قيل: الفهم: ادراك خفى رقيق فهو اخص ‌من‌ العلم، لان العلم نفس الادراك سواء كان جليا ‌او‌ خفيا. ‌و‌ لهذا قال
 
سبحانه ‌فى‌ قصه داود ‌و‌ سليمان: «ففهمناها سليمان ‌و‌ كلا آتينا حكما ‌و‌ علما» خص الفهم بسليمان ‌و‌ عمم العلم لداود ‌و‌ سليمان.
 ‌و‌ التصديق: ‌ان‌ ينسب السامع باختياره الصدق الى المخبر، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا اعتقاد صدق القرآن ‌و‌ الايمان به، وال فيه يجوز ‌ان‌ يكون نائبه عن الضمير المضاف اليه، ‌و‌ الاصل بفهم تصديقه فحذف المضاف اليه ‌و‌ انيبت ال منابه كقوله تعالى: «فان الجنه هى الماوى» ‌اى‌ ماواه هذا عند ‌من‌ اجاز نيابه ال عن الضمير المضاف اليه ‌و‌ ‌هم‌ الكوفيون ‌و‌ بعض البصريين، اما عند المانعين فهو على تقدير له ‌او‌ ‌به‌ كما قدروا له ‌فى‌ الايه.
 ‌و‌ اضافه الفهم الى التصديق قيل: بيانيه، ‌و‌ الصواب انها لاميه اذ المراد الفهم الملتبس بالتصديق المقارن له فهى بمعنى اللام الداله على الاختصاص.
 ‌و‌ استمع له استماعا: قصد ‌و‌ تعمد ‌ان‌ يسمعه.
 قال الفيومى: استمع لما كان بقصد لانه ‌لا‌ يكون الا بالاصغاء ‌و‌ ‌هو‌ الميل، ‌و‌ سمع: يكون بقصد ‌و‌ بدونه.
 ‌و‌ ادى انصت ب«الى» التضمين معنى الاصغاء ‌و‌ التوجه ‌و‌ لما كان قبول القابل شرطا ‌فى‌ ظهور الاثر ‌من‌ الفاعل قيد عليه السلام كونه شفاء بقوله: «لمن انصت بفهم التصديق الى استماعه»، كما قال تعالى: «و ننزل ‌من‌ القرآن ‌ما‌ ‌هو‌ شفاء ‌و‌ رحمه للمومنين ‌و‌ ‌لا‌ يزيد الظالمين الا خسارا»، فان المراد بالظالمين الذين وضعوا التكذيب مقام التصديق ‌و‌ الشك موضع الايقان ‌و‌ الارتياب محل الاطمئنان، فان استماع القرآن ‌لا‌ يزيدهم الا هلاكا بكفرهم ‌و‌ تكذيبهم ‌و‌ شكهم ‌و‌ ارتيابهم ‌و‌ كذلك البدن الذى قد فسدت اخلاطه، ‌و‌ كثرت مواد اسقامه ‌لا‌ يزيده الغذاء الا شرا ‌و‌ فسادا.
 
قوله عليه السلام: «و ميزان قسط ‌لا‌ يحيف عن الحق لسانه». القسط: العدل، ‌و‌ حاف يحيف: مال عن الحق، ‌و‌ جار ‌و‌ ظلم، ‌و‌ لسان الميزان عذبته الكائنه ‌فى‌ وسط العمود التى يعرف بها التعادل ‌و‌ الرجحان، سميت لسانا لشبهها باللسان ‌فى‌ الصوره ‌او‌ لدلالتها على الاستواء ‌فى‌ الوزن ‌و‌ عدمه، كما يدل اللسان بالنطق على ‌ما‌ ‌فى‌ الضمير ‌و‌ انما جعل القرآن ميزان قسط موصوفا بعدم الميل عن الحق لان قدر العباد ‌و‌ قبول اعمالهم انما ‌هو‌ بقدر ايمانهم ‌به‌ ‌و‌ اتباعهم اياه فيما امر ‌به‌ ‌و‌ نهى عنه ‌و‌ دلهم عليه ‌من‌ الفروض ‌و‌ السنن ‌و‌ الاخلاق كما قيل ‌فى‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: كان خلقه القرآن، فالمقبول الراجح ‌من‌ الاعمال: ‌ما‌ وافقه، ‌و‌ المرضى الحسن الجميل ‌من‌ الاخلاق ‌و‌ الاقوال: ‌ما‌ طابق ارشاده ‌و‌ هدايته اليه، ‌و‌ الحق الصائب ‌من‌ العقائد: ‌ما‌ اخذ منه، ‌و‌ المردود منها: ‌ما‌ خالف ذلك، ‌و‌ كلما قرب ‌من‌ ذلك قرب ‌من‌ القبول، ‌و‌ كلما بعد بعد، لاجرم كان ميزان عدل ‌لا‌ يحيف ‌و‌ ‌لا‌ يميل لسانه فيشتبه رجحانه ‌و‌ نقصانه.
 قوله عليه السلام: «و نور هدى» شبه الهدى بالنور ‌فى‌ الدلاله على المطلوب، ‌و‌ التقدير هدى كالنور، ثم قدم المشبه ‌به‌ على المشبه ‌و‌ اضيف اليه كقوله:
 ‌و‌ الريح تعبث بالغصون، ‌و‌ قد
 جرى ذهب الاصيل على لجين الماء
 ‌اى‌ اصيل كالذهب على ماء كاللجين.
 وطفات النار تطفى بالهمزه ‌من‌ باب- تعب- طفوءا على فعول: خمدت، ‌و‌ اطفاتها اطفاء: اخمدتها. قال تعالى: «يريدون ‌ان‌ يطفئوا نور الله بافواههم ‌و‌ يابى الله الا ‌ان‌ يتم نوره».
 ‌و‌ البرهان: الحجه، ‌و‌ قيل: بيان الحجه ‌و‌ ايضاحها قيل: النون زائده ‌و‌ قيل اصليه.
 
قال الخليل: البرهان مشتق ‌من‌ البرهرهه ‌و‌ هى الجاريه البيضاء.
 كما اشتق السلطان ‌من‌ السليط لاضائته، ‌او‌ ‌من‌ البرهه ‌و‌ هى المده ‌من‌ الدهر لثباته.
 ‌و‌ قال ابن جنى: برهان عندنا فعلال كقرطاس ‌و‌ ليست نونه بزائده، يدل عليه قولك: برهنت له على كذا، ‌اى‌ اقمت الدليل عليه ‌و‌ ‌هو‌ قاطع، ‌و‌ مثله دهقان فعلال ‌من‌ تدهقن ‌و‌ ليس ‌فى‌ الكلام تفعلن، ‌و‌ القياس ‌فى‌ نونيهما ‌ان‌ يكونا زائدتين حملا على الاكثر لكن السماع ورد بما رغب عن القياس انتهى.
 ‌و‌ حكى الازهرى: القولين فقال: ‌فى‌ باب الثلاثى النون زائده، ‌و‌ قال: برهن فلان مولد ‌و‌ الصواب ‌ان‌ يقال ابره اذا جاء بالبرهان. ‌و‌ قال ‌فى‌ باب الرباعى برهن: اذا اتى بحجته.
 ‌و‌ اقتصر الجوهرى على كونها اصليه.
 ‌و‌ الزمخشرى على كونها زائده.
 ‌و‌ المراد بالشاهدين: اما الشاهدون لله بالتوحيد ‌و‌ للانبياء بالتصديق لان القرآن اعظم برهان لهم على ذلك ‌و‌ اما محمد ‌و‌ اهل بيته عليهم السلام لتسميته تعالى لهم شهداء ‌فى‌ قوله: «و كذلك جعلناكم امه وسطا لتكونوا شهداء على الناس ‌و‌ يكون الرسول عليكم شهيدا».
 فعن على عليه السلام: ‌ان‌ الله تعالى ايانا عنا بقوله: «لتكونوا شهداء على الناس» فرسول الله شاهد علينا، ‌و‌ نحن شهداء الله على خلقه ‌و‌ حجته ‌فى‌ ارضه.
 
و ‌فى‌ هذا المعنى اخبار اخر تقدم ذكرها ‌فى‌ الروضه الثانيه.
 ‌و‌ بهذا المعنى فسر ابن عباس قوله تعالى: «فاكتبنا مع الشاهدين» قال: ‌اى‌ مع محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم ‌و‌ امته لانهم مخصوصون باداء الشهاده لقوله تعالى: «و كذلك جعلناكم امه وسطا لتكونوا شهداء» الايه، ‌و‌ على هذا فتخصيصهم عليهم السلام بذلك لانهم اهله الذين يستدلون ببرهانه ‌و‌ دليله ‌و‌ يحتجون بدقيقه ‌و‌ جليله.
 ‌و‌ قال بعضهم المراد بالشاهدين كل ‌من‌ شاهده ‌و‌ انصف ‌من‌ نفسه ‌و‌ لم يكن كغير الشاهد عنادا ‌او‌ جهلا.
 ‌و‌ قال آخر: المراد بهم الحاضرون ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ ‌ما‌ ذكرنا اولى ‌و‌ انسب ‌و‌ الله اعلم بمقاصد اوليائه.
 ‌و‌ لما شبه عليه السلام «البرهان» بالسراج ‌فى‌ الاضائه ‌و‌ الايضاح نفى عنه الطفوء ‌او‌ الاطفاء على الروايتين، ففى الكلام استعاره مكنيه تخييليه، ‌و‌ تعديه يطفا بعن لتضمينه معنى الذهاب ‌و‌ المعنى: ‌ان‌ برهان نور هدى القرآن ‌لا‌ يزال واضحا بينا للشاهدين المحتجين ‌به‌ ‌و‌ المبرهنين، على مطالبهم الحقه بالفاظه ‌و‌ معانيه ‌لا‌ يبطل احتجاجهم ‌به‌ ابدا كما يفيده الفعل المضارع الدال على الاستمرار ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «و علم نجاه» الى آخره. العلم محركا: شى ء ينصب ‌فى‌ الفلوات ليهتدى به.
 ‌و‌ نجا ‌من‌ الهلاك ينجو نجاه: خلص، ‌و‌ الاسم: النجاء بالمد، ‌و‌ اضافه العلم الى النجاه ‌من‌ اضافه الشى ء الى سببه لان الضال ‌فى‌ الفلوات يهتدى بالعلم فينجوبه ‌من‌ الهلكه.
 ‌و‌ امه اما ‌من‌ باب- قتل-: قصده.
 
و القصد: استقامه الطريق. قال الزمخشرى ‌فى‌ قوله تعالى: «و على الله قصد السبيل» القصد: مصدر بمعنى الفاعل. يقال: سبيل قصد ‌و‌ قاصد، ‌اى‌ مستقيم، كانه يقصد الوجه الذى يومه السالك ‌لا‌ يعدل عنه انتهى.
 ‌و‌ على هذا فاضافته الى سنته ‌من‌ باب اضافه الصفه الى الموصوف، ‌اى‌ ‌من‌ ‌ام‌ سنته القاصده، ‌اى‌ المستقيمه ‌و‌ ‌لا‌ مساغ لجعله ‌من‌ باب الاضافه الى الجنس كالسبيل ‌فى‌ قصد السبيل لان السبيل منها جائز بخلاف سنه القرآن ‌و‌ طريقته، ‌و‌ ‌فى‌ نسخه قصد سننه بفتحتين: ‌اى‌ طريقه. يقال فلان على سنن واحد ‌اى‌ طريق واحد.
 ‌و‌ الهلكات: جمع هلكه بفتحتين كقصبه بمعنى الهلاك.
 ‌و‌ ايثار صيغه الجمع للدلاله على انواع ‌من‌ الهلاك فان الهلاك كما يطلق على الموت ‌و‌ العدم، يطلق على العذاب ‌و‌ الخوف ‌و‌ الفقر، ‌و‌ هذه الانواع الثلاثه هى المقصوده هنا بالهلكات دون المعنى الاول، ‌و‌ ‌فى‌ اضافه الايدى الى الهلكات استعاره مكنيه تخييليه، شبه الهلكات بالاعداء فاثبت لها الايدى تخييلا، ‌و‌ اسند النيل اليها ترشيحا.
 ‌و‌ تعلق به: استمسك.
 ‌و‌ العروه: ‌ما‌ يتعلق ‌به‌ ‌و‌ يستوثق.
 ‌و‌ العصمه: الحبل، ‌و‌ كل ‌ما‌ يعتصم ‌به‌ ‌من‌ عقد ‌و‌ سبب، ‌و‌ منه: «و ‌لا‌ تمسكوا بعصم الكوافر»، ‌و‌ الاستعاره فيه ظاهره ‌و‌ لك جعلها تمثيليه مصرحه ‌و‌ مرشحه ‌و‌ قد مر نظير ذلك غير مره.
 ‌و‌ حاصل المعنى ‌فى‌ الفقرتين ‌ان‌ ‌من‌ اهتدى بالقرآن علما ‌و‌ عملا ‌لا‌ يضل، ‌من‌ تمسك ‌و‌ اعتصم ‌به‌ نجا ‌من‌ المهالك الدنيويه ‌و‌ الاخرويه ‌و‌ الله سبحانه اعلم.
 
«الفاء» للاشعار بعليه ‌ما‌ قبلها ‌من‌ اعانته تعالى على ختم كتابه لجعل ‌ما‌ بعدها تعليلا للسوال بان يجعله ممن يرعاه ‌حق‌ رعايته لان اذ للتعليل، ‌و‌ هل هى حرف ‌او‌ ظرف خلاف ‌و‌ قد تقدم الكلام عليها ‌فى‌ نظير هذه العباره ‌فى‌ الروضه الثانيه ‌و‌ الثلاثين.
 ‌و‌ المعونه: اسم ‌من‌ المعاونه ‌و‌ المظاهره فهى مفعله بضم العين، ‌و‌ قيل: ميمها اصليه ‌من‌ الماعون، ‌و‌ وزنها فعوله، ‌و‌ الاول ‌هو‌ المشهور.
 ‌و‌ تلوت القرآن تلاوه: قراته، ‌و‌ اصله ‌من‌ تلاه بمعنى اتبعه.
 قال الراغب: التلاوه: تختص باتباع كتب الله المنزله تاره بالقراءه ‌و‌ تاره بالارتسام لما فيه ‌من‌ امر ‌و‌ نهى ‌و‌ ترغيب ‌و‌ ترهيب، ‌او‌ ‌ما‌ يتوهم فيه ذلك، ‌و‌ هى اخص ‌من‌ القراءه، فكل تلاوه قراءه ‌و‌ ليس كل قراءه تلاوه. فقوله تعالى: «و اذا تتلى عليهم آياتنا»: فهذا بالقراءه. ‌و‌ قوله: «يتلونه ‌حق‌ تلاوته»: مراد ‌به‌ الاتباع له بالعلم ‌و‌ العمل، ‌و‌ انما استعمل التلاوه ‌فى‌ قوله تعالى: «و اتبعوا ‌ما‌ تتلوا الشياطين» لما كان يزعمه الشياطين ‌ان‌ ‌ما‌ يتلونه ‌من‌ كتب الله تعالى انتهى.
 ‌و‌ سهل الشى ء بضم العين سهوله: لان، ‌و‌ سهله تسهيلا لينه.
 ‌و‌ الجواسى: جمع جاسى فاعل ‌من‌ جسا يجسو ‌من‌ باب- منع- جسوا بالضم اذا يبس ‌و‌ صلب ‌و‌ غلظ، ‌و‌ اضافتها الى الالسنه ‌من‌ باب اضافه الصفه الى الموصوف، ‌اى‌ لينت ‌ما‌ يبس ‌و‌ صلب ‌من‌ السنتنا بحسن عبارته، ‌و‌ المراد بجسو الالسن: تلعثمها ‌و‌ عدم انطلاقها، ‌و‌ بتسهيلها بحسن عبارته: تمرينها ‌و‌ تثقيفها به.
 
قال الجاحظ ‌فى‌ كتاب البيان ‌و‌ التبيين: اللسان اذا اكثرت تقليبه رق ولان، ‌و‌ اذا اطلت اسكاته جسا ‌و‌ غلظ.
 ‌و‌ قال حكيم: ‌ان‌ اللسان اذا اكثرت حركته رقت عذبته.
 ‌و‌ المراد بحسن عارته: حسن بيانه. يقال: عبر عما ‌فى‌ نفسه: ‌اى‌ اعرب ‌و‌ بين، ‌و‌ ‌هو‌ حسن العباره: ‌اى‌ البيان، ‌و‌ هى بكسر العين ‌و‌ حكى ‌فى‌ المحكم: فتحها ‌و‌ ‌هو‌ غريب.
 ‌و‌ قال الراغب: العباره مختصه بالكلام العابر الهواء ‌من‌ لسان المتكلم الى سمع السامع.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: ‌و‌ سهلت حواشى السنتنا، بالشين المعجمه.
 الحواشى: جمع حاشيه: ‌و‌ هى الجانب ‌من‌ الثوب ‌و‌ نحوه، ‌و‌ المراد بها اطراف الالسنه ‌و‌ حافاتها، لان مدار التعبير عليها.
 ‌و‌ «الفاء» ‌من‌ قوله: «فاجعلنا» عاطفه على محذوف ‌ان‌ قلنا: بان اذ حرف تعليل، ‌و‌ التقدير لاجل افادتك المعونه على تلاوته وفقنا فاجعلنا ممن يرعاه ‌حق‌ رعايته، ‌و‌ سببيته ‌ان‌ قلنا بان اذ ظرف، ‌و‌ المعنى انك افدتنا معونه تلاوته فيما مضى فبسبب ذلك اجعلنا ممن يرعاه ‌حق‌ رعايته.
 ‌و‌ قول بعض الطلبه انها زائده يدفعه ‌ان‌ سيبويه ‌لا‌ يرى زيادتها اصلا.
 ‌و‌ رعيته: ارعاه رعيا: حفظته. ‌و‌ منه قوله تعالى: «فما رعوها ‌حق‌ رعايتها» ‌اى‌ ‌ما‌ حافظوا عليها ‌حق‌ محافظتها.
 ‌و‌ المراد برعايه القرآن ‌حق‌ رعايته: القيام بوظائفه ‌من‌ الايمان به، ‌و‌ تعظيمه ‌و‌ حفظه ‌و‌ تعلمه ‌و‌ تعليمه ‌و‌ المواظبه على تلاوته بادابها، ‌و‌ الاستماع لقراءته، ‌و‌ العمل
 
باوامره ‌و‌ مستحباته، ‌و‌ الوقوف عن مناهيه، ‌و‌ الاعتبار بامثاله ‌و‌ قصصه، ‌و‌ التدبر فيه ‌و‌ ‌فى‌ اسراره الى غير ذلك مما نصت عليه الاخبار ‌و‌ الاثار ‌و‌ ارشدت اليه العلماء الاخبار.
 ‌و‌ دان بالاسلام دينا: بالكسر تعبد به، كتدين به.
 ‌و‌ اعتقدت كذا اعتقادا: ‌اى‌ عقدت عليه القلب ‌و‌ الضمير حتى قيل: العقيده مايدين الانسان به.
 ‌و‌ سلم للدعوى تسليما: اعترف بصحتها.
 ‌و‌ المحكم لغه: المتقن، ‌من‌ احكمت الشى ء احكاما اذا اتقنته، ‌و‌ سياتى معناه اصطلاحا.
 ‌و‌ فزعت اليه فزعا ‌من‌ باب- تعب-: التجات، ‌و‌ ‌هو‌ مفزع ‌ما‌ ‌اى‌ ملجا.
 ‌و‌ اقر بالشى ء اقرارا: اعترف به. ‌و‌ قال الراغب: الاقرار: اثبات الشى ء، ‌و‌ ‌هو‌ اما بالقلب ‌او‌ باللسان ‌او‌ بهما، ‌و‌ الاقرار بالتوحيد ‌و‌ ‌ما‌ يجرى مجراه، ‌لا‌ يغنى باللسان ‌ما‌ لم يضامه الاقرار بالقلب.
 ‌و‌ المتشابه: اسم فاعل ‌من‌ تشابه الشيئان اذا اشبه احدهما الاخر بحيث يعجز الذهن عن التمييز بينهما، ثم قيل: لكل ‌ما‌ ‌لا‌ يهتدى الانسان اليه متشابها اطلاقا لاسم السبب على المسبب ‌و‌ نظيره المشكل: ‌اى‌ دخل ‌فى‌ شكل غيره فلم يتميز ‌و‌ لم يظهر.
 ‌و‌ وضح الامر يضح ‌من‌ باب- وعد- وضوحا: انكشف ‌و‌ انجلى كاتضح، ‌و‌ يتعدى بالالف، فيقال: اوضحته فانا موضح له ‌و‌ ‌هو‌ موضح.
 ‌و‌ الروايه ‌فى‌ الدعاء بالوجهين بمعنى انها توضح الحق ‌و‌ تكشفه ‌و‌ تبين ‌ما‌ اشتبه ‌من‌ الشبهات، ‌او‌ بمعنى ‌ان‌ الله سبحانه اوضحها ‌و‌ بينها.
 
و البينات: جمع بينه ‌و‌ هى الدلاله الواضحه، ‌من‌ بان الشى ء يبين: ‌اى‌ اتضح ‌و‌ انكشف. قال تعالى: «انزل فيه القرآن هدى للناس ‌و‌ بينات ‌من‌ الهدى ‌و‌ الفرقان» ‌اى‌ آيات واضحات مكشوفات تهدى الى الحق ‌و‌ تفرق بينه ‌و‌ بين الباطل ‌و‌ ذلك ‌ان‌ الهدى قسمان: جلى مكشوف ‌و‌ خفى مشتبه فوصفه اولا بجنس الهدايه، ثم قال: انه ‌من‌ نوع البين الواضح ‌و‌ الله اعلم.
 
 تنبيهات
 
 الاول: ‌دل‌ القرآن على انه كله محكم ‌و‌ ذلك قوله تعالى: «كتاب احكمت آياته» ‌و‌ على انه بتمامه متشابه، ‌و‌ ‌هو‌ قوله تعالى: «كتابا متشابها مثانى»، ‌و‌ على ‌ان‌ بعضه محكم ‌و‌ بعضه متشابه ‌و‌ ذلك قوله تعالى: «هو الذى انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ‌ام‌ الكتاب ‌و‌ اخر متشابهات».
 فالمراد بكونه كله محكما: كونه كلاما متقنا حقا فصحيح الالفاظ صحيح المعانى ‌لا‌ يتطرق اليه نقص ‌و‌ ‌لا‌ اختلاف، ‌و‌ كونه بحيث ‌لا‌ يتمكن احد ‌من‌ الاتيان بمثله لوثاقه مبانيه ‌و‌ بلاغه معانيه.
 ‌و‌ بكونه كله متشابها: كونه يشبه بعضه بعضا ‌فى‌ الحق ‌و‌ الصدق ‌و‌ الحسن ‌و‌ الاعجاز ‌و‌ البراءه ‌من‌ التناقض.
 ‌و‌ بكون بعضه محكما ‌و‌ بعضه متشابها: ‌ان‌ منه محكما ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ وضح معناه ‌من‌ غير احتمال ‌و‌ ‌لا‌ اشتباه ‌و‌ منه متشابها ‌و‌ ‌هو‌ نقيضه على احد الاقوال.
 ‌و‌ قيل: المحكم: ‌ما‌ يومن ‌به‌ ‌و‌ يعمل ‌به‌ ‌و‌ يعتبر به، ‌و‌ المتشابه: ‌ما‌ يومن ‌به‌ ‌و‌ ‌لا‌ يعمل به، عن ابى عبدالله عليه السلام ‌و‌ ابن عباس ‌و‌ عكرمه ‌و‌ قتاده.
 
و قيل المحكم: ‌ما‌ عرف المراد منه اما بالظهور ‌و‌ اما بالتاويل ‌و‌ المتشابه: ‌ما‌ استاثر الله بعلمه كقيام الساعه ‌و‌ خروج الدجال، ‌و‌ الحروف المقطعه ‌فى‌ اوائل السور.
 ‌و‌ قيل: المحكم: ‌ما‌ ‌لا‌ يحتمل ‌من‌ التاويل الا وجها واحدا، ‌و‌ المتشابه: ‌ما‌ احتمل اوجها.
 ‌و‌ قيل: المحكم: ‌ما‌ كان معقول المعنى ‌و‌ المتشابه: بخلافه كاعداد الصلوات، ‌و‌ اختصاص الصيام برمضان دون شعبان.
 ‌و‌ قيل: المحكم: ‌ما‌ تاويله، تنزيله، ‌و‌ المتشابه: ‌ما‌ ‌لا‌ يدرى الا بالتاويل.
 ‌و‌ قيل: المحكم: ‌ما‌ استقل بنفسه، ‌و‌ المتشابه: ‌ما‌ ‌لا‌ يستقل بنفسه الا برده الى غيره.
 ‌و‌ قيل: المحكم: ‌ما‌ فيه الحلال ‌و‌ الحرام، ‌و‌ ‌ما‌ سوى ذلك متشابه يصدق بعضه بعضا.
 ‌و‌ قيل: المحكم: ‌هو‌ الناسخ، ‌و‌ المتشابه: ‌هو‌ المنسوخ.
 ‌و‌ عن ابى جعفر عليه السلام: المنسوخات ‌من‌ المتشابهات، ‌و‌ المحكمات ‌من‌ الناسخات.
 ‌و‌ قيل: المحكم: ‌ما‌ لم تكررت الفاظه، ‌و‌ المتشابه: ‌ما‌ تكررت الفاظه كقصه موسى،
 
و غير ذلك.
 ‌و‌ قيل: المحكم: ‌ما‌ لم تشتبه معانيه، ‌و‌ المتشابه: ‌ما‌ اشتبهت معانيه نحو: «ثم استوى على العرش»، فان الاستواء عليه يطلق على الجلوس ‌و‌ على الاستيلاء ‌و‌ القهر، ‌و‌ قيل غير ذلك، ‌و‌ حكى بعضهم ‌فى‌ المساله ثلاثين قولا.
 قال الراغب: الايات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثه اضرب: محكم على الاطلاق، ‌و‌ متشابه على الاطلاق، ‌و‌ محكم ‌من‌ وجه ‌و‌ متشابه ‌من‌ وجه.
 فالمحكم على الاطلاق: ‌ما‌ ‌لا‌ يعرض فيه شبهه ‌من‌ حيث اللفظ ‌و‌ ‌لا‌ ‌من‌ حيث المعنى. ‌و‌ المتشابه ‌فى‌ الجمله: ثلاثه اضرب:
 متشابه ‌من‌ جهه اللفظ فقط، ‌و‌ متشابه ‌من‌ جهه المعنى فقط، ‌و‌ متشابه ‌من‌ جهتهما، فالمتشابه ‌من‌ جهه اللفظ ضربان:
 احدهما: يرجع الى الالفاظ المفرده ‌و‌ ذلك اما ‌من‌ جهه غرابته نحو الاب ‌و‌ يزفون، ‌و‌ اما ‌من‌ جهه مشاركه اللفظ كاليد ‌و‌ العين.
 ‌و‌ الثانى: يرجع الى جمله الكلام المركب ‌و‌ ذلك ثلاثه اضرب:
 ضرب: لاختصار الكلام، نحو: «فان خفتم الا تقسطوا ‌فى‌ اليتامى فانكحوا ‌ما‌ طاب لكم ‌من‌ النساء».
 ‌و‌ ضرب: لبسط الكلام، نحو: «ليس كمثله شى ء» لان لو قيل: ليس مثله شى ء كان اظهر للسامع.
 ‌و‌ ضرب: لنظم الكلام، نحو: «انزل على عبده الكتاب ‌و‌ لم يجعل له عوجا قيما» تقديره انزل على عبده الكتاب قيما ‌و‌ لم يجعل له عوجا.
 
و المتشابه ‌من‌ جهه المعنى: اوصاف الله تعالى، ‌و‌ اوصاف القيامه فان تلك الصفات ‌لا‌ تتصور لنا اذ كان ‌لا‌ يحصل ‌فى‌ نفوسنا صوره ‌ما‌ لم نحسه ‌او‌ لم يكن ‌من‌ جنس ‌ما‌ نحسه.
 ‌و‌ المتشابه ‌من‌ جهه اللفظ ‌و‌ المعنى خمسه اضرب:
 الاول: ‌من‌ جهه الكميه كالعموم ‌و‌ الخصوص نحو: «اقتلوا المشركين».
 ‌و‌ الثانى: ‌من‌ جهه الكيفيه كالوجوب ‌و‌ الندب: «فانكحوا ‌ما‌ طاب لكم ‌من‌ النساء».
 ‌و‌ الثالث: ‌من‌ جهه الزمان كالناسخ ‌و‌ المنسوخ نحو: «فاتقوا الله ‌حق‌ تقاته».
 ‌و‌ الرابع: ‌من‌ جهه المكان ‌و‌ الامور التى نزلت فيها نحو: «ليس البر ‌ان‌ تاتوا البيوت ‌من‌ ظهورها». «انما النسى ء زياده ‌فى‌ الكفر» فان ‌من‌ ‌لا‌ يعرف عادتهم ‌فى‌ الجاهليه يتعذر عليه معرفه تفسير هذه الايه.
 ‌و‌ الخامس: ‌من‌ جهه الشروط التى يصح بها الفعل، ‌او‌ يفسد كشروط الصلاه ‌و‌ النكاح، ‌و‌ هذه الجمله اذا تصورت علم ‌ان‌ كل ‌ما‌ ذكره المفسرون ‌لا‌ يخرج عن هذه التقاسيم نحو قول ‌من‌ قال: المتشابه (الم) ‌و‌ نحو قول قتاده: المحكم الناسخ ‌و‌ المتشابه المنسوخ، ‌و‌ قول الاصم: المحكم ‌ما‌ اجمع على تاويله ‌و‌ المتشابه ‌ما‌ اختلف فيه، ثم جميع المتشابهات على ثلاثه اضرب.
 ضرب: ‌لا‌ سبيل على الوقوف عليه، كوقت الساعه ‌و‌ خروج الدابه، ‌و‌ كيفيه الدابه، ‌و‌ نحو ذلك.
 ‌و‌ ضرب: للانسان سبيل الى معرفته كالالفاظ العربيه ‌و‌ الاحكام العقليه.
 
و ضرب: متردد بين الامرين يختص بمعرفته بعض الراسخين ‌فى‌ العلم، ‌و‌ يخفى على ‌من‌ دونهم ‌و‌ ‌هو‌ الضرب المشار اليه بقوله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌فى‌ على عليه السلام: «اللهم فقهه ‌فى‌ الدين، ‌و‌ علمه التاويل»، فاذا عرفت هذه الجمله عرفت ‌ان‌ الوقوف على قوله: «و ‌ما‌ يعلم تاويله الا الله» ‌و‌ وصله بقوله: «و الراسخون ‌فى‌ العلم» جائزان، ‌و‌ ‌ان‌ لكل واحد منهما وجها حسب ‌ما‌ ‌دل‌ عليه التفصيل المتقدم انتهى.
 ‌و‌ قال النظام النيسابورى: الايات ثلاثه اقسام:
 احدها: ‌ما‌ يتاكد ظواهرها بالدلائل العقليه فذلك ‌هو‌ المحكم حقا.
 ‌و‌ ثانيها: التى قامت الدلائل القطعيه على امتناع ظواهرها فذلك الذى يحكم فيه بان مراد الله تعالى فيه غير ظاهره.
 ‌و‌ ثالثها: الذى ‌لا‌ يوجد مثل هذه الدلائل على طرفى ثبوته ‌و‌ انتفائه فهو المتشابه بمعنى ‌ان‌ الامر اشتبه فيه ‌و‌ لم يتميز احد الجانبين عن الاخر، لكن هاهنا عقده اخرى ‌و‌ هى ‌ان‌ الدليل العقلى مختلف فيه ايضا بحسب ‌ما‌ رتبه كل فريق ‌و‌ تخيله صادقا ‌فى‌ ظنه ماده ‌و‌ صوره، فكل فريق يدعى بمقتضى فكره قد قام على ‌ما‌ يوافق مذهبه، ‌و‌ تاكد ‌به‌ الظاهر الذى تعلق ‌به‌ فلا خلاص ‌من‌ الببن الا بتاييد سماوى ‌و‌ نور الهى «و ‌من‌ لم يجعل الله له نورا فما له ‌من‌ نور» انتهى.
 الثانى: طعن بعض الملاحده ‌فى‌ جعل بعض القرآن محكما ‌و‌ بعضه متشابها ‌و‌ قال: كيف يليق بالحكيم ‌ان‌ يجعل كتابه المرجوع اليه ‌فى‌ دينه الموضوع الى يوم القيامه بحيث يتمسك ‌به‌ صاحب كل مذهب، فمثبت الرويه يتمسك بقوله: «وجوه يومئذ ناضره الى ربها ناظره» ‌و‌ نافيها يتشبث بقوله: «لا تدركه الابصار» ‌و‌ مثبت
 
الجهه يحتج بقوله: «يخافون ربهم ‌من‌ فوقهم»، ‌و‌ النافى لها يبرهن بقوله: «ليس كمثله شى ء»، فكل منهم يسمى الايات الموافقه لمذهبه محكمه ‌و‌ المخالفه له متشابهه، ‌و‌ ربما ‌آل‌ الامر ‌فى‌ ترجيح بعضها على بعض الى وجوه ضعيفه ‌و‌ تراجيح خفيه، ‌و‌ هذا ‌لا‌ يليق بالحكمه مع انه لو جعله كله واضحا جليا ظاهرا خالصا عن المتشابه نقيا كان اقرب الى حصول الغرض.
 ‌و‌ اجاب الزمخشرى: بانه لو كان كل القرآن محكما لتعلق الناس ‌به‌ لسهوله ماخذه ‌و‌ ‌لا‌ عرضوا عما يحتاجون فيه الى الفحص ‌و‌ التامل ‌من‌ النظر ‌و‌ الاستدلال، ‌و‌ لو فعلوا ذلك لعطلوا الطريق الذى ‌لا‌ يتوصل الى معرفه الله ‌و‌ توحيده الا ‌به‌ ‌و‌ لما ‌فى‌ المتشابه ‌من‌ الابتلاء ‌و‌ التمييز بين الثابت على الحق ‌و‌ المتزلزل فيه ‌و‌ لما ‌فى‌ تقادح العلماء ‌و‌ اتعابهم القرائح ‌فى‌ استخراج معانيه ورده الى المحكم ‌من‌ الفوائد الجليه ‌و‌ العلوم الجمه ‌و‌ نيل الدرجات عند الله ‌و‌ لان المومن المعتقد ‌ان‌ ‌لا‌ مناقضه ‌فى‌ كلام الله ‌و‌ ‌لا‌ اختلاف اذا ‌ما‌ راى ‌ما‌ يتناقض ‌فى‌ ظاهره ‌و‌ اهمه طلب ‌ما‌ يوفق بينه ‌و‌ يجريه على سنن واحد ففكر ‌و‌ راجع نفسه ‌و‌ غيره ففتح الله عليه ‌و‌ تبين مطابقه المتشابه المحكم ازداد طمانينه الى معتقده ‌و‌ قوه ‌فى‌ ايقانه انتهى.
 قال النيسابورى: ‌و‌ هاهنا سبب اقوى ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ القرآن كتاب مشتمل على دعوه الخواص ‌و‌ العوام ‌و‌ طباع العامه تنبو ‌فى‌ الاغلب عن ادراك الحقائق فمن سمع منه ‌فى‌ اول الامر اثبات موجود ليس بجسم ‌و‌ ‌لا‌ متحيز ‌و‌ ‌لا‌ مشار اليه ظن ‌ان‌ هذا عدم ‌و‌ نفى ‌و‌ وقع ‌فى‌ التعطيل فكان الاصلح ‌ان‌ يخاطبوا بالفاظ داله على بعض ‌ما‌ توهموه ‌و‌ تخيلوه مخلوطا بما يدل على الحق الصريح.
 فالاول: ‌و‌ ‌هو‌ الذى يخاطب ‌به‌ ‌فى‌ اول الامر ‌من‌ باب المتشابهات.
 
و الثانى: ‌و‌ ‌هو‌ الذى يكشف لهم آخر الحال ‌من‌ قبيل المحكمات انتهى.
 ‌و‌ انا اقول ‌و‌ هاهنا سبب اقوى ‌من‌ ذلك ايضا ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ ‌فى‌ القرآن المجيد ‌من‌ الاسرار الالهيه ‌و‌ المعارف الربانيه ‌ما‌ ‌لا‌ يحتمله كل عقل ‌و‌ ‌لا‌ ينشرح له كل صدر، فلو كان القرآن كله محكما ظاهرا لضل كثير ‌من‌ العقول ‌و‌ زاغ كثير ‌من‌ القلوب ‌و‌ لكن جعل بعضه محكما ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ تشترك العقول على تفاوت مراتبها ‌فى‌ احتماله ‌و‌ تتفق القلوب على قبوله ‌و‌ بعضه متشابها موكولا علمه الى اهله، ‌و‌ ‌هم‌ اهل الذكر المامور بسوالهم ‌فى‌ قوله تعالى:«فاسئلوا اهل الذكر ‌ان‌ كنتم ‌لا‌ تعلمون» ليبينوا للناس معناه ‌و‌ يوضحوا لهم مقاصده على مقادير عقولهم ‌و‌ حسب مقاماتهم ‌و‌ تفاوت مراتبهم فيرشدون الى كل مقام اهله ‌و‌ يخفونه عن غير اهله اذ كانوا اطباء النفوس ‌و‌ كما ‌ان‌ الطبيب يرى ‌ان‌ بعض الادويه ترياق ‌و‌ شفاء ‌و‌ ذلك الدواء بعينه لشخص آخر سم ‌و‌ هلاك كذلك كتاب الله تعالى ‌و‌ الموضحون لمقاصده ‌من‌ الانبياء ‌و‌ الاوصياء يرون ‌ان‌ بعض الاسرار الالهيه شفاء لبعض الصدور فيلقونها اليهم ‌و‌ ربما كان تلك الاسرار باعيانها لغير اهلها سببا لضلالهم ‌و‌ كفرهم اذا القيت اليهم ‌و‌ لذلك قال صلى الله عليه ‌و‌ آله «امرت ‌ان‌ اكلم الناس على قدر عقولهم» ‌و‌ هذا اقوى الاسباب ‌فى‌ جعل بعض القرآن محكما ‌و‌ بعضه متشابها ‌و‌ الله اعلم.
 الثالث: ‌فى‌ قوله عليه السلام: «و يفزع الى الاقرار بمتشابهه» تلميح الى قوله تعالى: «فاما الذين ‌فى‌ قلوبهم زيغ فيتبعون ‌ما‌ تشابه منه ابتغاء الفتنه ‌و‌ ابتغاء تاويله ‌و‌ ‌ما‌ يعلم تاويله الا الله ‌و‌ الراسخون ‌فى‌ العلم يقولون آمنا ‌به‌ كل ‌من‌ عند ربنا»، فغرضه عليه السلام ‌ان‌ يجعله ‌من‌ الراسخين ‌فى‌ العلم الذين يقولون آمنا ‌به‌ ‌اى‌ بمتشابهه ‌و‌ ‌هو‌ معنى الاقرار به.
 
 
و تعبيره بالفزع الى الاقرار: ‌اى‌ الالتجاء ‌به‌ اشعار بان المتشابه لما كان محتملا لوجوه كثيره بعضها ‌من‌ العلوم الخفيه ‌و‌ بعضها يودى الى الكفر ‌او‌ البدعه ‌او‌ التناقض لم يكن للخلاص ‌من‌ الوقوع ‌فى‌ محذور الشبهه سبيل الا الفزع الى الاقرار ‌و‌ الايمان ‌به‌ على ‌ما‌ اراد ‌من‌ تلك الوجوه ‌و‌ غيرها.
 قال بعضهم: الراسخون ‌فى‌ العلم: ‌هم‌ الذين علموا بالدلاله القطعيه، ‌ان‌ الله تعالى عالم بالمعلومات التى ‌لا‌ نهايه لها ‌و‌ علموا ‌ان‌ القرآن كلام الله تعالى ‌و‌ انه ‌لا‌ يتكلم بالباطل ‌و‌ العبث، فاذا سمعوا آيه ‌و‌ دلت الدلائل القاطعه على انه ‌لا‌ يجوز ‌ان‌ يكون ظاهرها مراد الله تعالى بل المراد منها غير ذلك الظاهر فوضعوا تعيين ذلك المراد الى علمه تعالى، ‌و‌ قطعوا بان ذلك المعنى ‌اى‌ شى ء كان فهو الحق ‌و‌ الصواب، ‌و‌ لم يزعزعهم قطعهم بترك الظاهر ‌و‌ ‌لا‌ عدم علمهم بالمراد عن الايمان بالله ‌و‌ الجزم بصحه القرآن، ‌و‌ لم يكن ذلك شبهه لهم ‌فى‌ الطعن ‌فى‌ كلام الله تعالى ‌و‌ ‌فى‌ خطبه اميرالمومنين عليه السلام المعروفه بخطبه الاشباح ‌و‌ اعلم ‌ان‌ الراسخين ‌فى‌ العلم ‌هم‌ الذين اغناهم عن اقتحام السدد المضروبه دون الغيوب الاقرار بجمله ‌ما‌ جهلوا تفسيره ‌من‌ الغيب المحجوب، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول مالم يحيطوا ‌به‌ علما ‌و‌ سمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخا فاقتصر على ذلك انتهى.
 فان قلت قد ورد ‌فى‌ الصحيح عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: نحن الراسخون ‌فى‌ العلم، ‌و‌ نحن نعلم تاويله.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه اخرى عنه عليه السلام قال: الراسخون ‌فى‌ العلم اميرالمومنين ‌و‌ الائمه ‌من‌ بعده عليهم السلام.
 
و ‌فى‌ خبر آخر: رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله افضل الراسخين ‌فى‌ العلم قد علمه الله جميع ‌ما‌ انزل عليه ‌من‌ التنزيل ‌و‌ التاويل ‌و‌ ‌ما‌ كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تاويله، ‌و‌ اوصياوه ‌من‌ بعده يعلمونه كله. فكيف يكون الراسخون ‌هم‌ الذين اقروا بجمله ‌ما‌ جهلوا تفسيره ‌و‌ لم يعلموا تاويله.
 قلت: الرسوخ ليس مرتبه واحده هى تقليد ظواهر الشريعه ‌و‌ اعتقاد حقيقتها فقط بل تقليدها مرتبه اولى ‌من‌ مراتب الرسوخ، ‌و‌ ‌من‌ وراءها مراتب غير متناهيه بحسب مراتب السلوك ‌و‌ قوه السالكين كما نص عليه بعض المحققين ‌من‌ اصحابنا.
 فالراسخون: الذين اشار اليهم اميرالمومنين صلوات الله عليه ‌هم‌ الواقفون ‌فى‌ المرتبه الاولى ‌و‌ ‌هم‌ الذين اقتصروا على ‌ما‌ وقفتهم الشريعه عليه على سبيل الجمله.
 ‌و‌ الراسخون ‌فى‌ قول الصادق عليه السلام: «نحن الراسخون ‌فى‌ العلم ‌و‌ نحن نعلم تاويله» ‌هم‌ الواصلون الى اقصى مراتب الرسوخ كما ‌دل‌ عليه ‌ما‌ ‌فى‌ الخبر الاخر رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله افضل الراسخين، ‌و‌ وقع الانكار على ‌من‌ ادعى هذه المرتبه ‌فى‌ قول اميرالمومنين عليه السلام ‌من‌ خطبه اخرى «اين الذين زعموا انهم الراسخون ‌فى‌ العلم دوننا كذبا ‌و‌ بغيا».
 ‌و‌ ‌من‌ هنا يظهر ‌سر‌ جواز الوجهين ‌فى‌ تلاوه الايه ‌من‌ الوقوف على قوله تعالى: «و ‌ما‌ يعلم تاويله الا الله» ‌و‌ وصله بقوله: «و الراسخون ‌فى‌ العلم» فان وقفت كان المراد بالراسخين جميع الراسخين على مراتبهم، ‌و‌ ‌ان‌ وصلت كان المراد بهم العالمين بتاويله، فيكون قوله: «يقولون» على الاول خبرا ‌و‌ على الثانى استئنافا موضحا لحال الراسخين ‌او‌ حالا منهم يتضمن المدح لهم بالتصديق ‌به‌ مع العلم بتاويله ‌و‌ الله اعلم.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^