فارسی
سه شنبه 18 ارديبهشت 1403 - الثلاثاء 27 شوال 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

الدعاء 3- 1

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ ‌به‌ نستعين


 الحمدلله جاعل الملائكه رسلا اولى اجنحه مثنى ‌و‌ ثلاث ‌و‌ رباع، ‌و‌ الصلاه ‌و‌ السلام على رسوله الذى اشرقت بانوار هدايته البقاع ‌و‌ الرباع، ‌و‌ على آله ‌و‌ عترته الذين الزم طاعتهم ‌من‌ شرق ‌و‌ غرب ‌و‌ على حمله العرش ‌و‌ كل ملك مقرب.


 ‌و‌ بعد: فهذه الروضه الثالثه ‌من‌ رياض السالكين تتضمن شرح الدعاء الثالث ‌من‌ ادعيه صحيفه سيد العابدين صلوات الله عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الطاهرين. املاء راجى فضل ربه السنى على الصدر الحسينى الحسنى اصلح الله اعماله ‌و‌ بلغه بفضله آماله.
 
اختلف الناس ‌فى‌ حقيقه الملائكه على اقوال:
 احدها: ‌و‌ ‌هو‌ قول المحققين ‌من‌ المتكلمين: انها اجسام لطيفه، نورانيه، الهيه، خيره، سعيده، قادره على التصرفات السريعه، ‌و‌ الافعال الشاقه، ‌و‌ التشكل باشكال مختلفه، ذوات عقول ‌و‌ افهام، مسكنها السماوات، ‌و‌ بعضها عند الله اقرب ‌من‌ بعض ‌و‌ اكمل درجه، كما قال تعالى حكايه عنهم «و ‌ما‌ منا الا له مقام معلوم»، ‌و‌ الى هذا القول ذهب اكثر المسلمين، ‌و‌ ‌فى‌ اخبار اهل البيت عليهم السلام ‌ما‌ يدل عليه.
 الثانى: ‌و‌ ‌هو‌ قول عبده الاوثان: انها هى هذه الكواكب الموصوفه بالسعود ‌و‌ النحوس ‌و‌ انها احياء ناطقه، فالمسعدات ملائكه الرحمه ‌و‌ المنحسات ملائكه العذاب.
 الثالث: ‌و‌ ‌هو‌ قول معظم المجوس ‌و‌ الثنويه القائلين بالنور ‌و‌ الظلمه: ‌و‌ انهما جوهران حساسان قادران متضادان ‌فى‌ النفس ‌و‌ الصوره، مختلفان ‌فى‌ الفعل ‌و‌ التدبير. فجوهر النور فاضل، خير نقى، طيب الريح، كريم النفس، يسر ‌و‌ ‌لا‌ يضر، ‌و‌ ينفع ‌و‌ ‌لا‌ يمنع، ‌و‌ يحيى ‌و‌ ‌لا‌ يبلى. ‌و‌ الظلمه ‌ضد‌ ذلك.
 فالنور يولد الاولياء، ‌و‌ ‌هم‌ الملائكه، ‌لا‌ على سبيل التناكح بل كتولد الحكمه ‌من‌
 
الحكيم ‌و‌ الضوء ‌من‌ المضى.
 ‌و‌ جوهر الظلمه: يولد الاعداء ‌و‌ ‌هم‌ الشياطين تولد السفه ‌من‌ السفيه.
 الرابع: قول ‌من‌ قال: انها ليست باجسام بل جواهر متحيزه، ثم اختلفوا، فقال بعضهم: ‌و‌ ‌هم‌ طوائف ‌من‌ النصارى، انها هى النفوس الناطقه المفارقه لابدانها، فان كانت خيره صافيه فهم الملائكه، ‌و‌ ‌ان‌ كانت شريره كشفه فهى الشياطين.
 ‌و‌ قال آخرون ‌و‌ ‌هم‌ الفلاسفه: انها مخالفه لنوع النفوس الناطقه البشريه، ‌و‌ انها اكمل قوه، ‌و‌ اكثر علما، ‌و‌ نسبتها الى النفوس البشريه نسبه الشمس الى الاضواء، فمنها نفوس ناطقه فلكيه، ‌و‌ منها عقول مجرده.
 ‌و‌ منهم ‌من‌ اثبت انواعا اخر ‌من‌ الملائكه: ‌و‌ هى الارضيه المدبره لاحوال العالم السفلى، خيرها الملائكه، ‌و‌ شريرها الشياطين.
 ‌و‌ لكل ‌من‌ الفرق ادله على ‌ما‌ ذهب اليه يطول ذكرها.
 
 تبصره
 
 الايمان بالملائكه واجب، قال تعالى: «آمن الرسول بما انزل اليه ‌من‌ ربه ‌و‌ المومنون كل آمن بالله ‌و‌ ملائكته».
 ‌و‌ روى عنه صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم حين سئل عن الايمان، انه قال: ‌ان‌ تومن بالله ‌و‌ ملائكته ‌و‌ كتبه ‌و‌ رسله.
 الايمان بالملائكه يتضمن معانى:
 احدها: التصديق بوجودهم.
 فاما البحث عن انها روحانيه محضه، ‌او‌ جسمانيه محضه، ‌او‌ مركبه ‌من‌
 
القسمين، ‌و‌ بتقدير كونها جسمانيه. فلطيفه ‌او‌ كثيفه، فان كانت لطيفه فنورانيه ‌او‌ هوائيه، ‌او‌ بعضها نورانى ‌و‌ بعضها هوائى- كما ذهب الى كل طائفه - فليس بواجب. لان مدار الايمان بهم ليس خصوصيات ذواتهم ‌فى‌ انفسهم، بل ‌هو‌ اضافتهم اليه تعالى، ‌من‌ حيث انهم عباد مكرمون له ‌من‌ شانهم التوسط بينه تعالى ‌و‌ بين الرسل بانزال الكتب ‌و‌ القاء الوحى.
 الثانى: انزالهم منازلهم ‌و‌ اثبات انهم عباد الله ‌و‌ خلقه، كالانس ‌و‌ الجن مامورون مكلفون ‌لا‌ يقدرون الا على ‌ما‌ اقدرهم الله عليه ‌و‌ انهم معصومون، ‌و‌ ‌ان‌ لذتهم بذكر الله، ‌و‌ حياتهم بمعرفته ‌و‌ طاعته، ‌و‌ الموت جائز عليهم ‌و‌ لكن الله جعل لهم امدا بعيدا، فلا يتوفاهم حتى يبلغوه، ‌و‌ ‌لا‌ يوصفون بشى يودى وصفهم ‌به‌ الى اشراكهم بالله تعالى، ‌و‌ ‌لا‌ يدعون آلهه كما دعتهم الاوائل.
 الثالث: الاعتراف بان منهم رسلا يرسلهم الله الى ‌من‌ يشاء ‌من‌ البشر، ‌و‌ قد يجوز ‌ان‌ يرسل بعضهم الى بعض، ‌و‌ يتبع ذلك الاعتراف بانه منهم حمله العرش، ‌و‌ منهم الصافون، ‌و‌ منهم خزنه الجنه، ‌و‌ منهم خزنه النار، ‌و‌ منهم كتبه الاعمال، ‌و‌ منهم الذين يسوقون السحاب، فقد ورد القرآن بذلك كله ‌او‌ باكثره.
 ‌و‌ قد اشار سيد العابدين صلوات الله عليه الى جمله ‌من‌ انواعهم ‌فى‌ هذا الدعاء كما ستقف عليه.
 
 فائده
 
 قال سعيد ‌بن‌ المسيب ‌و‌ غيره: الملائكه: ليسوا بذكور ‌و‌ ‌لا‌ اناث، ‌و‌ ‌لا‌ يتوالدون، ‌و‌ ‌لا‌ ياكلون، ‌و‌ ‌لا‌ يشربون. ‌و‌ الجن: يتوالدون، ‌و‌ فيهم ذكور ‌و‌ اناث ‌و‌ يموتون. ‌و‌ الشياطين: ذكور ‌و‌ اناث ‌و‌ يتوالدون، ‌و‌ ‌لا‌ يموتون حتى يموت ابليس.
 
قال سيد العابدين ‌و‌ امام الموحدين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الطاهرين:.
 
الواو: للاستئناف، ‌و‌ ‌ما‌ بعدها مبتدا، خبره: قوله فيما ياتى فصل عليهم.
 ‌و‌ الذين: ‌فى‌ محل رفع صفه لحمله عرشك الذى ‌هو‌ المبتدا، ‌و‌ قول بعض طلبه العجم: مبتدا ‌و‌ الذين خبره خطا محض فاحذره.
 ‌و‌ الحمله بفتحتين: جمع حامل. ‌و‌ هذا البناء مطرد ‌فى‌ كل وصف لمذكر عاقل صحيح اللام نحو كامل ‌و‌ كمله، ‌و‌ ساحر ‌و‌ سحره، ‌و‌ سافر ‌و‌ سفره.
 فان قلت: هذا البناء ‌من‌ ابنيه الكثره، ‌و‌ هى ‌ما‌ جاوز العشره، ‌و‌ حمله العرش دون العشره كما سياتى، فكيف استعمل فيه؟.
 قلت: قد يستغنى ببعض ابنيه الكثره عن بناء القله ‌و‌ بالعكس وضعا بان تكون العرب لم تضع احد البنائين استغناء عنه بالاخر كما وقع هنا، فانها لم تضع لحامل ‌و‌ نحوه جمع قله ‌او‌ استعمالا بان تكون وضعتهما معا ‌و‌ لكنها استعملت ‌فى‌ بعض المواضع احدهما مكان الاخر اتكالا على القرينه.
 ‌و‌ العرش ‌فى‌ اللغه: سرير الملك، ‌و‌ ‌من‌ البيت سقفه كالعريش ‌و‌ الخيمه ‌و‌ البيت الذى يستظل ‌به‌ ‌و‌ عرش الله تعالى يطلق على معنيين:
 احدهما: علمه تعالى ‌و‌ حملته ثمانيه: اربعه ‌من‌ اهل البيت عليهم السلام، ‌و‌ اربعه ‌من‌ غيرهم كما رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى، باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: حمله العرش- ‌و‌ العرش: العلم- ثمانيه: اربعه منا ‌و‌ اربعه ممن شاء الله.
 ‌و‌ قال الصدوق قدس سره ‌فى‌ كتاب العقائد: اما العرش الذى ‌هو‌ العلم فحملته
 
اربعه ‌من‌ الاولين ‌و‌ اربعه ‌من‌ الاخرين. فاما الاربعه ‌من‌ الاولين: فنوح ‌و‌ ابراهيم ‌و‌ موسى ‌و‌ عيسى عليهم السلام. ‌و‌ اما الاربعه ‌من‌ الاخرين: فمحمد ‌و‌ على ‌و‌ الحسن ‌و‌ الحسين صلوات الله عليهم اجمعين. هكذا روى بالاسانيد الصحيحه عن الائمه عليهم السلام ‌فى‌ العرش ‌و‌ حملته. قال: ‌و‌ انما صار هولاء حمله العرش الذى ‌هو‌ العلم لان الانبياء الذين كانوا قبل نبينا محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم على شرائع الاربعه ‌من‌ الاولين: نوح ‌و‌ ابراهيم ‌و‌ موسى ‌و‌ عيسى عليهم السلام، ‌و‌ ‌من‌ قبل هولاء صارت العلوم اليهم ‌و‌ كذلك صار العلم ‌من‌ بعد محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم ‌و‌ على ‌و‌ الحسن ‌و‌ الحسين عليهم السلام الى ‌من‌ بعد الحسين ‌من‌ الائمه عليهم السلام انتهى بنصه.
 الثانى: ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا الجسم المحيط بالكرسى المحيط بالسماوات السبع ‌و‌ ‌ما‌ بينها كما روى عن ابى عبدالله عليه السلام: كل شى ء خلق الله ‌فى‌ جوف الكرسى ‌و‌ الكرسى محيط ‌به‌ خلا العرش فانه اعظم ‌من‌ ‌ان‌ يحيط ‌به‌ الكرسى.
 قال بعضهم: ‌و‌ لعل العرش ‌هو‌ الفلك الاعظم، ‌و‌ الكرسى ‌هو‌ الفلك المشهور بفلك البروج.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: ‌ما‌ السماوات السبع ‌و‌ الارضون السبع مع الكرسى الا كحلقه ‌فى‌ فلاه، ‌و‌ فضل العرش على الكرسى كفضل تلك الفلاه على تلك الحلقه.
 قال الصدوق طاب ثراه: اعتقادنا ‌فى‌ العرش انه حمله الخلق.
 ‌و‌ روى ‌فى‌ كتاب الخصال باسناده عن حفص ‌بن‌ غياث النخعى قال:
 
سمعت الصادق عليه السلام يقول: ‌ان‌ حمله العرش ثمانيه، لكل واحده منهم ثمانى اعين، كل عين طباق الدنيا.
 ‌و‌ عن الصادق عليه السلام: ‌ان‌ حمله العرش اربعه: احدهم على صوره ابن آدم يسترزق الله لولد آدم، ‌و‌ الثانى على صوره الديك يسترزق الله للطير، ‌و‌ الثالث على صوره الاسد يسترزق الله للسباع، ‌و‌ الرابع على صوره الثور يسترزق الله للبهائم، ‌و‌ نكس الثور راسه منذ عبد بنو اسرائيل العجل، فاذا كان يوم القيامه صاروا ثمانيه.
 ‌و‌ ‌من‌ طريق العامه عن ابن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: العرش يحمله اليوم اربعه ‌و‌ يوم القيامه ثمانيه.
 ‌و‌ عن وهب قال: حمله العرش اليوم اربعه فاذا كان يوم القيامه ايدوا باربعه اخرى.
 ‌و‌ عن ابن زيد: لم يسم ‌من‌ حمله العرش الا اسرافيل، قال: ‌و‌ ميكائيل ليس ‌من‌ حمله العرش.
 ‌و‌ عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: ‌ان‌ ملكا ‌من‌ حمله العرش يقال له اسرافيل، زاويه ‌من‌ زوايا العرش على كاهله، قد مرقت قد ماه ‌فى‌ الارض السابعه السفلى ‌و‌ مرق راسه ‌من‌ السماء السابعه العليا.
 ‌و‌ ‌من‌ خطبه لاميرالمومنين عليه السلام ‌فى‌ صفه حمله العرش ‌من‌ الملائكه عليهم السلام: ‌و‌ منهم الثابته ‌فى‌ الارضين السفلى اقدامهم، ‌و‌ المارقه ‌من‌ السماء العليا
 
اعناقهم، ‌و‌ الخارجه ‌من‌ الاقطار اركانهم، ‌و‌ المناسبه لقوائم العرش اكتافهم، ناكسه دونه ابصارهم، متلفعون تحته باجنحتهم، مضروبه بينهم ‌و‌ بين ‌من‌ دونهم حجب العزه ‌و‌ استار القدره، ‌لا‌ يتوهمون ربهم بالتصوير، ‌و‌ ‌لا‌ يجرون عليه صفات المصنوعين، ‌و‌ ‌لا‌ يحدونه بالاماكن، ‌و‌ ‌لا‌ يشيرون اليه بالنظائر.
 ‌و‌ قوله عليه السلام «المناسبه لقوائم العرش اكتافهم» يفيد ‌ان‌ للعرش قوائم غير الحاملين.
 ‌و‌ كذلك روى عن الصادق عن ابيه عن جده عليهم السلام قال: ‌ان‌ بين القائمه ‌من‌ قوائم العرش ‌و‌ القائمه الاخرى خفقان الطير المسرع ثمانين الف عام.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ ‌من‌ قال: بان الملائكه اجسام كان حمل صفاتهم المذكوره على ظاهرها امرا ممكنا ‌و‌ الله تعالى قادر على جميع الممكنات. ‌و‌ اما ‌من‌ نزههم عن الجسميه فهو يسلط على ذلك كله التاويل بما ذكره يفضى بنا الى التطويل.
 قوله عليه السلام «لا يفترون عن تسبيحك» فتر- يفتر، ‌و‌ يفتر ‌من‌ باب فعل ‌و‌ ضرب فتورا: سكن بعد حده، ‌و‌ لان بعد شده، ‌و‌ فتر الماء سكن حره، ‌و‌ فتر جسمه لانت مفاصله ‌و‌ ضعف، ‌و‌ الفتر محركه: الضعف، ‌و‌ التسبيح مصدر سبح اذا قال سبحان الله، ‌و‌ التنزيه يقال: سبحت الله اذا نزهته عما يقول الجاحدون، فهو بمعنى التبعيد ‌من‌ سبح ‌فى‌ الارض ‌و‌ الماء اذا ابعد فيهما ‌و‌ امعن ‌و‌ يكون بمعنى الذكر، يقال: فلان يسبح الله، ‌اى‌ يذكره باسمائه نحو سبحان الله. ‌و‌ بمعنى الصلاه ‌و‌ ‌هو‌ يسبح اى: يصلى. ‌و‌ منه: «فلو ‌لا‌ انه كان ‌من‌ المسبحين» ‌اى‌ ‌من‌ المصلين، ‌و‌ فيه اشاره الى
 
قوله تعالى: «يسبحون الليل ‌و‌ النهار ‌لا‌ يفترون».
 قال المفسرون: ‌اى‌ ينزهون ‌فى‌ جميع الاوقات ‌و‌ يعظمونه ‌و‌ يمجدونه دائما، ‌لا‌ يلحقهم فتور ‌و‌ لاكلال. لان الفتور ‌هو‌ وقوف الاعضاء البدنيه عن العمل ‌و‌ قصورها بسبب تحلل الارواح البدنيه ‌و‌ ضعفها ‌و‌ رجوعها الى الاستراحه ‌و‌ كل ذلك ‌من‌ توابع المزاج الحيوانى، فلا جرم صدق سلبه عنهم.
 ‌و‌ قيل: معنى ‌لا‌ يفترون: ‌لا‌ يتخلل تسبيحهم فتره اصلا بفراغ، ‌او‌ بشغل آخر.
 ‌و‌ اورد عليه: انهم قد يشتغلون باللعن، كما قال تعالى: «اولئك عليهم لعنه الله ‌و‌ الملائكه».
 ‌و‌ اجيب بان التسبيح لهم كالتنفس لنا ‌لا‌ يمنعهم عنه الاشتغال بشى ء آخر.
 ‌و‌ اعترض بان آله التنفس لنا مغايره لاله التكلم، فلهذا صح اجتماع التنفس ‌و‌ التكلم.
 ‌و‌ اجيب بانه ‌لا‌ استبعاد ‌فى‌ ‌ان‌ يكون لهم السن كثيره. ‌او‌ يكون المراد بعدم الفتره انهم ‌لا‌ يتركون التسبيح ‌فى‌ اوقاته اللائقه به.
 ‌و‌ روى محمد ‌بن‌ الحسن الصفار، عن ابراهيم ‌بن‌ هاشم، عن ابى عبدالله البرقى يرفعه الى ابى عبدالله عليه السلام، قال رجل لابى عبدالله عليه السلام: جعلت فداك اخبرنى عن قول الله تبارك ‌و‌ تعالى ‌و‌ ‌ما‌ وصف ‌من‌ الملائكه «يسبحون الليل ‌و‌ النهار ‌لا‌ يفترون» ثم قال «ان الله ‌و‌ ملائكته يصلون على النبى ‌يا‌ ايها الذين آمنوا صلوا عليه ‌و‌ سلموا تسليما» كيف ‌لا‌ يفترون ‌و‌ ‌هم‌ يصلون على النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم؟ فقال ابوعبدالله عليه السلام: ‌ان‌ الله تبارك ‌و‌ تعالى لما خلق محمدا صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم امر الملائكه فقال: انقصوا ‌من‌ ذكرى بمقدار
 
الصلاه على محمد، فقول الرجل: صلى الله على محمد ‌فى‌ الصلاه مثل قوله: سبحان الله ‌و‌ الحمدلله ‌و‌ ‌لا‌ اله الا الله ‌و‌ الله اكبر.
 ‌و‌ ‌فى‌ بعض الاخبار: ‌ان‌ حمله العرش يتجاوبون بصوت رخيم، يقول اربعه منهم: سبحانك ‌و‌ بحمدك على حلمك بعد علمك، ‌و‌ اربعه يقولون: سبحانك ‌و‌ بحمدك على عفوك بعد قدرتك.
 ‌و‌ عن الصادق عليه السلام قال: انفاسهم تسبيح.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه: ليس شى ء ‌من‌ اطباق اجسادهم الا ‌و‌ يسبح الله ‌و‌ يحمده ‌من‌ ناحيته باصوات مختلفه.
 ‌و‌ ‌من‌ الغريب ‌ما‌ اخرجه ابن ابى شيبه ‌فى‌ المصنف عن ابى امامه قال: ‌ان‌ الملائكه الذين يحملون العرش يتكلمون بالفارسيه ذكر ذلك الجلال السيوطى ‌فى‌ الحبائك.
 قوله عليه السلام: «و ‌لا‌ يسامون ‌من‌ تقديسك» سئم الشى منه- كفرح- ساما ‌و‌ ساما بالتحريك ‌و‌ ساءمه- بالمد- ضجر ‌و‌ مل ‌و‌ ‌فى‌ التنزيل: «لا يسام الانسان ‌من‌ دعاء الخير».
 ‌و‌ التقديس: تنزيه الله تعالى ‌و‌ تبعيده اعتقادا ‌و‌ قولا ‌و‌ عملا عما ‌لا‌ يليق بجنابه ‌من‌ قدس ‌فى‌ الارض اذا ذهب فيها ‌و‌ ابعد.
 ‌و‌ يقال: قدسه ‌اى‌ طهره، فان مطهر الشى مبعد له ‌من‌ الاقذار، فالتسبيح بمعنى التنزيه ‌و‌ التقديس يرجعان الى معنى واحد ‌و‌ ‌هو‌ تبعيد الله عن السوء، اما ‌فى‌ الذات:
 
و يحصل بنفى الامكان المستلزم لنفى الكثره، المستلزم لنفى الجسميه ‌و‌ العرضيه ‌و‌ الضد ‌و‌ الند، ‌و‌ اما ‌فى‌ الصفات: بان يكون مبرء عن العجز ‌و‌ الجهل ‌و‌ التغيرات محيطا بكل المعلومات، قادرا على كل المقدورات، ‌و‌ اما ‌فى‌ الافعال: بان ‌لا‌ يكون افعاله عبثا، ‌و‌ ‌لا‌ لجلب المنافع اليه، ‌و‌ ‌لا‌ لدفع المضار عنه.
 ‌و‌ قال بعضهم: بين التسبيح ‌و‌ التقديس فرق: ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ التسبيح: ‌هو‌ التنزيه عن الشريك ‌و‌ العجز ‌و‌ النقص، ‌و‌ التقديس: ‌هو‌ التنزيه عما ذكر ‌و‌ عن التعلق بالجسم ‌و‌ قبول الانفعال ‌و‌ شوائب الامكان، ‌و‌ امكان التعدد ‌فى‌ ذاته ‌و‌ صفاته ‌و‌ كون الشى ء ‌من‌ كمالاته بالقوه، فالتقديس اعم، اذ كل مقدس مسبح ‌من‌ غير عكس، ‌و‌ ذلك لان الابعاد ‌من‌ الذهاب ‌فى‌ الارض اكثر ‌من‌ الابعاد ‌من‌ الذهاب ‌فى‌ الماء. فالملائكه المقربون الذين ‌هم‌ ارواح مجرده بتجردهم ‌و‌ امتناع تعلقهم ‌و‌ عدم احتجابهم عن نور ربهم ‌و‌ قهرهم لما تحتهم بافاضه النور عليه ‌و‌ تاثيرهم ‌فى‌ غيرهم ‌و‌ كون كل كمالاتهم بالفعل مسبحون مقدسون ‌و‌ غيرهم ‌من‌ الملائكه السماويه ‌و‌ الارضيه ببساطه ذواتهم ‌و‌ خواص افعالهم ‌و‌ كمالاتهم مسبحون بل كل شى ء مسبح ‌و‌ ليس بمقدس، ‌و‌ يقال: سبوح قدوس ‌و‌ ‌لا‌ يعكس، انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ نفى السام عنهم تلميح الى قوله تعالى: «يسبحون له بالليل ‌و‌ النهار ‌و‌ ‌هم‌ ‌لا‌ يسامون». ‌و‌ انما كان السام ‌و‌ الملال منفيا عنهم، لانه عباره عن اعراض النفس عن الشى ء بسبب كلال بعض القوى الطبيعيه عن افعالها. ‌و‌ ذلك غير متصور ‌فى‌ ‌حق‌ الملائكه السماويه.
 ‌و‌ ‌فى‌ بعض الاخبار: ليس لحمله العرش كلام الا ‌ان‌ يقولوا: قدوس الله القوى، ملات عظمته السماوات ‌و‌ الارض.
 
لا يستحسرون: ‌اى‌ ‌لا‌ يتعبون ‌و‌ ‌لا‌ يعيون، ‌من‌ حسر حسورا كضرب ‌و‌ فرح ‌اى‌ تعب ‌و‌ اعيا، ‌و‌ كان الابلغ ‌فى‌ وصفهم ‌ان‌ ينفى عنهم ادنى الحسور، ‌و‌ لكنه اتى بصيغه الاستفعال المنبئه عن المبالغه ‌فى‌ الحسور للتنبيه على ‌ان‌ عبادتهم لثقلها ‌و‌ دوامها حقيقه بان يستحسر منها ‌و‌ مع ذلك ‌لا‌ يستحسرون ‌لا‌ لافاده نفى المبالغه ‌فى‌ الحسور مع ثبوت اصله ‌فى‌ الجمله، كما ‌ان‌ نفى الظلاميه ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌ما‌ انا بظلام للعبيد» لافاده نفى كثره الظلم المفروض تعلقه بالعبيد ‌لا‌ لافاده نفى المبالغه ‌فى‌ الظلم مع ثبوت اصل الظلم ‌فى‌ الجمله.
 ‌و‌ فيه: اشاره الى قوله تعالى: «و ‌من‌ عنده ‌لا‌ يستكبرون عن عبادته ‌و‌ ‌لا‌ يستحسرون».
 ‌و‌ آثر الشى ء بالمد: اختاره ‌و‌ فضله.
 ‌و‌ التقصير ‌فى‌ الامر: التوانى فيه ‌و‌ ‌هو‌ خلاف الجد فيه، ‌و‌ المعنى انهم ‌لا‌ يختارون الراحه على تعب العباده، فيقصروا ‌و‌ يتوانوا ‌فى‌ عبادته تعالى.
 ‌و‌ قيل: المقصود نفى الاحوال البشريه عنهم ‌من‌ التعب ‌و‌ الراحه لكونهما ‌من‌ توابع هذه الابدان الحيوانيه.
 ‌و‌ الغفله: عدم التفطن للشى ء ‌و‌ غيبته عن البال ‌و‌ قد استعمل فيمن تركه اهمالا ‌و‌ اعراضا كما ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌هم‌ ‌فى‌ غفله معرضون». يقال: غفلت عن الشى ‌من‌ باب قعد غفولا ‌و‌ غفله ‌و‌ غفلا بالتحريك، ‌و‌ اغفلته اغفالا تركته اهمالا ‌لا‌ لعدم التفطن له، ‌و‌ تغافل ارى ‌من‌ نفسه ذلك ‌و‌ ليس به.
 ‌و‌ الوله الى الشى ء: الحنين اليه، يقال: ولهت الام الى ولدها تله ‌و‌ توله ‌من‌ بابى
 
وعد ‌و‌ تعب، ولها بالتحريك: اذا حنت اليه، ‌و‌ اما الوله بمعنى ذهاب العقل ‌من‌ فرح ‌او‌ حزن فانما يعدى بعلى فيقال: ‌و‌ له عليه، ‌و‌ المراد بوله الملائكه اليه سبحانه محبتهم ‌و‌ عشقهم له ‌و‌ صدق رغبتهم فيما عنده فهو ‌من‌ باب اطلاق الملزوم ‌و‌ اراده اللازم، ‌و‌ لما كانت الغفله ‌من‌ لواحق القوى الانسانيه وجب ‌ان‌ تكون مسلوبه عن الملائكه السماويه لسلب معروضها عنهم، ‌و‌ كل ذلك اشاره الى كمال مراتبهم ‌فى‌ صنوف عباداتهم ‌و‌ تاكيد لها بعدم النقصانات اللاحقه، فان كلا ‌من‌ هذه الصفات المنفيه- لو وجد- كان نقصانا فيما يتعلق ‌به‌ ‌و‌ اعراضا عن الجهه المقصوده.
 
 تنبيه
 
 ‌فى‌ قوله عليه السلام: «و ‌لا‌ يوثرون التقصير على الجد ‌فى‌ امرك» دلاله على ‌ان‌ الملائكه عليهم السلام قادرون على التقصير، لكنهم ‌لا‌ يوثرونه اختيارا للجد عليه ‌و‌ تفاديا عنه، ‌و‌ المساله محل خلاف.
 فذهب الفلاسفه ‌و‌ اهل الجبر: الى انهم خير محض، ‌و‌ انهم مطبوعون على الطاعات، ‌لا‌ قدره لهم على الشرور ‌و‌ المعاصى.
 ‌و‌ ذهبت المعتزله ‌و‌ جمهور الاماميه: الى ‌ان‌ لهم قدره على الامرين بدليل قوله تعالى: «و ‌من‌ يقل منهم انى اله ‌من‌ دونه فذلك نجزيه جهنم» ‌و‌ هذا يقتضى كونهم مزجورين.
 ‌و‌ قوله تعالى: «لا يستكبرون عن عبادته» ‌و‌ المدح بترك الاستكبار انما يحسن
 
لو كان قادرا على الاستكبار، ‌و‌ لو ‌لا‌ ذلك ‌ما‌ استحقوا ثوابا على طاعاتهم، اذ لو كانوا مطبوعين على الطاعات لم يكن عليهم مشقه ‌فى‌ التكليف، فلم يستحقوا ثوابا، ‌و‌ التكليف انما يحسن ‌فى‌ كل مكلف تعريضا للثواب، فلا ‌بد‌ ‌ان‌ يكون لهم شهوات فيما حظر عليهم ‌و‌ نفار عما اوجب عليهم حتى تحصل فائده التكليف. ‌و‌ الله اعلم.
 
اسرافيل: عطف على حمله عرشك ‌و‌ ‌هو‌ بكسر الهمزه، اسم اعجمى مركب مضاف الى ايل بالكسر ‌و‌ ‌هو‌ اسم الله تعالى بالعبرانيه. قيل: ‌هو‌ رباعى. ‌و‌ قيل: خماسى ‌و‌ الهمزه اصليه.
 اخرج ابن جرير ‌من‌ العامه، عن على ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام قال: «كل شى ء رجع الى ايل فهو عبدالله ‌عز‌ ‌و‌ جل».
 قال الاخفش: ‌و‌ يقال ‌فى‌ لغه اسرافين- بالنون- كما قالوا جبرين ‌و‌ اسماعين ‌و‌ اسرائين. ‌و‌ انما افرده بالذكر مع انه ‌من‌ جمله حمله حال العرش كما تقدم ‌فى‌ بعض الاخبار لاظهار فضله كانه ‌من‌ جنس آخر اشرف مما ذكر تنزيلا للتغاير ‌فى‌ الوصف، منزله تغاير ‌فى‌ الجنس ‌و‌ لاختصاصه دونهم، بكونه صاحب الصور، فخصه بالذكر ‌من‌ بينهم ليرتب عليه الوصف المختص ‌به‌ ‌و‌ ‌فى‌ تقديمه على ‌من‌ بعده ‌فى‌ الذكر دلاله على تفضيله، ‌و‌ يدل عليه ايضا ‌ما‌ روى عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: «ان ملك الله الذى يليه اسرافيل».
 ‌و‌ عن ابن مسعود: «ان اقرب الخلق ‌من‌ الله اسرافيل».
 
و عن الهذلى قال: «ليس شى ء اقرب الى الله ‌من‌ اسرافيل ‌و‌ بينه ‌و‌ بين الله سبعه حجب».
 ‌و‌ الصور- بالضم- القرن ينفخ فيه، ‌و‌ الشاخص فاعل ‌من‌ شخص كمنع شخوصا ارتفع ‌او‌ ‌من‌ شخص بصره اذا فتح عينه ‌لا‌ يطرف، ‌و‌ ربما عدى بالباء فقيل: شخص ببصره فهو شاخص. ‌و‌ الاذن- بالكسر- اسم ‌من‌ اذنت له ‌فى‌ كذا اطلقت له فعله. ‌و‌ حلول الامر نزوله ‌او‌ انتهاء اجله ‌من‌ ‌حل‌ الدين اذا انتهى اجله ‌و‌ وجب اداوه، ‌و‌ يقال: ‌حل‌ امر الله عليه اى: وجب.
 اخرج ابوالشيخ عن وهب قال: «خلق الله الصور ‌من‌ لولوه بيضاء ‌فى‌ صفاء الزجاج، ثم قال للعرش: خذ الصور فتعلق به، ثم قال: كن، فكان اسرافيل، فامره ‌ان‌ ياخذ الصور فاخذه ‌و‌ ‌به‌ ثقب بعدد كل روح مخلوقه ‌و‌ نفس منفوسه لاتخرج روحان ‌من‌ ثقبه واحده ‌و‌ ‌فى‌ وسط الصور كره كاستداره السماء ‌و‌ الارض، ‌و‌ اسرافيل واضع فمه على تلك الكره، ثم قال له الرب: قد وكلتك بالصور فانت للنفخه ‌و‌ للصيحه فدخل اسرافيل ‌فى‌ مقدم العرش فادخل رجله اليمنى تحت العرش ‌و‌ قدم اليسرى ‌و‌ لم يطرف منذ خلقه الله، ينتظر ‌ما‌ يومر به.
 ‌و‌ عن ابى سعيد الخدرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: كيف انعم ‌و‌ صاحب الصور قد التقم القرن ‌و‌ حنا جبهته ‌و‌ اصغى سمعه ينتظر متى يومر فينفخ، قالوا: فما نقول ‌يا‌ رسول الله؟ قال: قولوا حسبنا الله ‌و‌ نعم الوكيل.
 ‌و‌ روى عنه صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم انه قال: لما فرغ الله ‌من‌ خلق السماوات ‌و‌ الارض خلق الصور فاعطاه اسرافيل عليه السلام فهو واضعه على فيه،
 
شاخص بصره الى العرش متى يومر، قيل: ‌يا‌ رسول الله ‌ما‌ الصور؟ قال: القرن، قيل: كيف هو؟ قال: عظيم! ‌و‌ الذى نفسى بيده ‌ان‌ عظم داره فيه كعرض السماوات ‌و‌ الارض فيومر بالنفخ فيه، فينفخ نفخه ‌لا‌ يبقى عندها ‌فى‌ الحياه احد الا ‌من‌ شاء الله، ‌و‌ ذلك قوله تعالى: «و نفخ ‌فى‌ الصور فصعق ‌من‌ ‌فى‌ السماوات ‌و‌ ‌من‌ ‌فى‌ الارض الا ‌من‌ شاء الله». ثم يومر باخرى فينفخ نفخه ‌لا‌ يبقى معها ميت الا بعث ‌و‌ قام، ‌و‌ ذلك قوله تعالى: «ثم نفخ فيه اخرى فاذا ‌هم‌ قيام ينظرون».
 ‌و‌ الى النفخه الثانيه: اشار سيد العابدين بقوله: «فينبه بالنفخه صرعى رهائن القبور» الفاء عاطفه سببيه ‌و‌ المعطوف عليه محذوف ‌و‌ التقدير: فينفخ فينبه، كقوله تعالى: «فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت» ‌اى‌ فضرب فانفجرت.
 ‌و‌ التنبيه: الايقاظ ‌من‌ النوم، ‌و‌ لما كان الموت شبيها بالنوم حتى اطلق لفظ الموت عليه، فقيل: مات بمعنى نام.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: كما تنامون تموتون، استعار التنبيه لبعث الاموات.
 ‌و‌ النفخه المره ‌من‌ نفخ بفمه اذا اخرج منه الريح.
 ‌و‌ الصرعى: جمع صريع بمعنى مصروع كقتلى جمع قتيل، ‌و‌ اسرى جمع اسير ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الصرع بمعنى الطرح على الارض، ‌و‌ الصريع ‌من‌ الاغصان ‌ما‌ تهدل ‌و‌ سقط على الارض.
 قيل: ‌و‌ منه قيل للقتيل: صريع.
 ‌و‌ الرهائن: جمع رهينه ‌و‌ ‌هو‌ الرهن ‌و‌ الهاء للمبالغه كالشتيمه ‌و‌ الشتم بمعنى المرهون ‌و‌ المشتوم.
 
قال الزمخشرى: ليست الرهينه بتانيث رهين بمعنى مرهون لان فعيلا هذا يستوى فيه المذكر ‌و‌ المونث، بل هى مصدر اقيم مقام المرهون كالرهن ‌و‌ قولهم: ‌هو‌ رهينه ‌فى‌ يده، ‌و‌ قوله:
 ابعد الذى بالنعف نعف كويكب
 رهينه رمس ذى تراب ‌و‌ جندل
 دليل على ‌ما‌ قلناه، انتهى.
 قلت: ‌و‌ يجوز ‌ان‌ تكون الرهائن جمع رهين ‌لا‌ رهينه فانهم نصوا على انه جمع لهما.
 قال ابوحيان ‌فى‌ الارتشاف: رهين ‌و‌ رهينه، قالوا: فيهما رهائن ‌و‌ استعار لفظ الرهائن للموتى باعتبار لزوم القبور لهم ‌و‌ عدم انفكاكهم عنها كالرهن ‌فى‌ يد المرتهن، ‌او‌ باعتبار كونهم ملزومين ‌فى‌ القبور باعمالهم، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون رهينه بمعنى راهنه ‌من‌ رهن الشى رهونا اذا ثبت ‌و‌ دام فيكون المراد برهائن القبور الاشخاص المقيمه الثابته ‌فى‌ قبورها فلا يكون الكلام استعاره ‌و‌ اضافه صرعى الى الرهائن ‌من‌ اضافه الصفه الى الموصوف ‌اى‌ رهائن القبور الصرعى.
 
 تنبيه
 
 قال بعض المحققين: النفخه نفختان: نفخه تطفى النار ‌و‌ نفخه تشعلها. قال تعالى: «و نفخ ‌فى‌ الصور فصعق ‌من‌ ‌فى‌ السماوات ‌و‌ ‌من‌ ‌فى‌ الارض الا ‌من‌ شاء الله ثم نفخ فيه اخرى فاذاهم قيام ينظرون». فينفخ اسرافيل نفخه واحده فتمر على الصور المشتعله بارواحها سماويه كانت ‌او‌ ارضيه، فتطفئها ثم ينفخ نفخه اخرى
 
فتمر على الصور المستعده للاشتعال بارواحها فتشتعل بها فاذاهم قيام ينظرون، فتقوم تلك الصور احياء ناطقه بما ينطقها الله، فمن ناطق بالحمدلله، ‌و‌ ‌من‌ ناطق بقول من: «من بعثنا ‌من‌ مرقدنا» ‌و‌ ‌من‌ ناطق بالحمدلله الذى احيانا بعد ‌ما‌ اماتنا ‌و‌ اليه النشور، ‌و‌ كل ينطق بحسب علمه ‌و‌ حاله ‌و‌ ‌ما‌ كان عليه ‌و‌ نسى حاله ‌فى‌ البرزخ ‌و‌ يتخيل ‌ان‌ ذلك منام كما يتخيله المنتبه ‌من‌ نومه، ‌و‌ قد كان عند موته ‌و‌ انتقاله الى البرزخ كالمستيقظ هناك، ‌و‌ ‌ان‌ الحياه كانت له كالمنام، «الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا» ‌و‌ ‌فى‌ الاخره يعتقد ‌فى‌ امر الدنيا ‌و‌ البرزخ انه منام ‌فى‌ منام، ‌و‌ لما كان الغرض ‌من‌ النفخه الاولى هى النفخه الثانيه، ‌و‌ كانت كاللازم لها لان الحياه ‌فى‌ نشاه عاليه يلزمها الموت عن نشاه سافله اقتصر عليه السلام على ذكر النفخه الثانيه ‌فى‌ قوله: «فينبه صرعى رهائن القبور».
 
اخرج الديلمى عن ابى امامه قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: اسم ميكائيل عبيدالله.
 ‌و‌ فيه لغات: ميكائيل كميكاعيل، ‌و‌ ميكال كميعاد، ‌و‌ ميكائل كميكاعل، ‌و‌ ميكئل كميكعل، ‌و‌ ميكييل كميكعيل، ‌و‌ بكلها قرى، ‌و‌ بابدال اللام نونا ميكائين كاسرائين.
 روى انه موكل بارزاق الاجساد ‌و‌ الحكمه ‌و‌ المعرفه للنفوس ‌و‌ له اعوان موكلون على جميع العالم، ‌من‌ شانهم احداث قوه النهوض ‌فى‌ الاركان ‌و‌ المولدات ‌و‌ غيرها، التى بها الوصول الى الغايات ‌و‌ بلوغ الكمال كملائكه الرياح ‌و‌ السحب ‌و‌ الامطار
 
و النبات ‌و‌ الحيوان ‌و‌ المعادن، فكل ذلك باعوانه.
 ‌و‌ الجاه: القدر ‌و‌ المنزله، يقال: فلان ذو جاه ‌اى‌ قدر ‌و‌ حرمه.
 قالوا: ‌و‌ ‌هو‌ مقلوب ‌من‌ الوجه، ‌من‌ قولهم وجه الرجل- بالضم- ‌اى‌ صار وجيها ذا جاه ‌و‌ قدر، ‌و‌ الاسم الوجاهه.
 ‌و‌ ‌فى‌ حديث عائشه: كان لعلى وجه ‌من‌ الناس حياه فاطمه. قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: ‌اى‌ جاه ‌و‌ ‌عز‌ فقدهما بعدها.
 ‌و‌ المكان: الموضع.
 ‌و‌ الرفيع: اما بمعنى مفعول ‌من‌ رفعه كمنعه ‌ضد‌ وضعه، ‌او‌ بمعنى فاعل ‌من‌ رفع ككرم رفعه بالكسر ‌اى‌ شرف ‌و‌ علا قدره ‌و‌ ‌هو‌ رفيع.
 ‌و‌ الطاعه: لغه الانقياد، ‌و‌ اصطلاحا موافقه الامر.
 ‌و‌ قيل: موافقه الاراده ‌و‌ المراد بجاهه عنده تعالى كرامته لديه كما قال تعالى: «ان اكرمكم عند الله اتقاكم»، ‌و‌ برفعه مكانه ‌فى‌ طاعته تعالى كمال عبادته له، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يشير بذلك الى ‌ما‌ روى عن اميرالمومنين عليه السلام انه قال: موذن اهل السماوات جبرئيل، ‌و‌ امامهم ميكائيل يوم بهم عند البيت المعمور. فان الامامه مكان رفيع ‌فى‌ الطاعه ‌لا‌ يرشح لها الا ‌من‌ كان ارفع مكانا ‌و‌ اجمع لشرائطها.
 اخرج ابن جرير ‌من‌ طريق عكرمه عن ابن عباس قال: جبرئيل عبدالله
 
و ميكائيل عبيدالله، ‌و‌ كل اسم فيه ايل معبد لله.
 ‌و‌ اخرج عن عبدالله ‌بن‌ الحارث قال: «ايل» الله بالعبرانيه.
 
و قيل: موافقه الاراده ‌و‌ المراد بجاهه عنده تعالى كرامته لديه كما قال تعالى: «ان اكرمكم عند الله اتقاكم»، ‌و‌ برفعه مكانه ‌فى‌ طاعته تعالى كمال عبادته له، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يشير بذلك الى ‌ما‌ روى عن اميرالمومنين عليه السلام انه قال: موذن اهل السماوات جبرئيل، ‌و‌ امامهم ميكائيل يوم بهم عند البيت المعمور. فان الامامه مكان رفيع ‌فى‌ الطاعه ‌لا‌ يرشح لها الا ‌من‌ كان ارفع مكانا ‌و‌ اجمع لشرائطها.
 اخرج ابن جرير ‌من‌ طريق عكرمه عن ابن عباس قال: جبرئيل عبدالله ‌و‌ ميكائيل عبيدالله، ‌و‌ كل اسم فيه ايل معبد لله.
 ‌و‌ اخرج عن عبدالله ‌بن‌ الحارث قال: «ايل» الله بالعبرانيه.
 ‌و‌ قيل: اسم جبرئيل ‌فى‌ الملائكه: خادم الله.
 قال ابن جنى: اصل جبرئيل كوريال فغير بالتعريب ‌و‌ طول الاستعمال الى ‌ما‌ ترى، ‌و‌ فيه لغات جبريل بكسر الجيم ‌و‌ الراء بلا همز، ‌و‌ جبريل بفتح الجيم ‌و‌ كسر الراء بلا همز، ‌و‌ جبرائل بهمزه بعد الالف، ‌و‌ جبراييل بياءين بلا همز، ‌و‌ جبرئيل بهمزه ‌و‌ ياء بلا الف، ‌و‌ جبرئيل مشدده اللام ‌و‌ قرى بهن، ‌و‌ جبرين بالنون مع فتح الجيم ‌و‌ كسر ها، ‌و‌ فيه لغات اخرى، ‌و‌ المروى منها ‌فى‌ الدعاء اللغه الاولى ‌و‌ الخامسه.
 ‌و‌ الامين: الحافظ لما كلف بحفظه عن تطرق الخلل اليه، ‌و‌ لما كان الوحى النازل بواسطته محفوظا نازلا كما ‌هو‌ صدق عليه.
 ‌و‌ المطاع ‌فى‌ اهل سماواتك: ‌اى‌ الملائكه السماويه، فانهم يصدرون عن امره ‌و‌ يرجعون الى رايه كما ورد ‌فى‌ الخبر.
 ‌و‌ المكين: فعيل بمعنى فاعل ‌من‌ مكن عند الملك مكانه كضخم ضخامه عظم عنده ‌و‌ ارتفع فهو مكين.
 ‌و‌ المقرب: قرب منزله ‌و‌ رتبه ‌لا‌ قربا مكانيا.
 ‌و‌ العنديه: عنديه اكرام ‌و‌ تشريف، ‌لا‌ عنديه مكان لتنزهه تعالى عن المكان، لكنه عبر بذلك تنزيلا له لكرامته عليه ‌و‌ زلفاه عنده منزله المقرب عند الملك بطريق
 
التمثيل، ‌و‌ ‌فى‌ هذه الصفات تلميح الى قوله تعالى ‌فى‌ وصفه «انه لقول رسول كريم ذى قوه عند ذى العرش مكين مطاع ثم امين».
 روى ‌ان‌ رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم) قال لجبرئيل عليه السلام: ‌ما‌ احسن ‌ما‌ اثنى عليك ربك «ذى قوه عند ذى العرش مكين مطاع ثم امين». فما كانت قوتك ‌و‌ ‌ما‌ كانت امانتك؟ فقال: اما قوتى، فانى بعثت الى مدائن لوط ‌و‌ هى اربع مدائن، ‌فى‌ كل مدينه اربعمائه الف مقاتل سوى الذرارى، فحملتهم ‌من‌ الارض السفلى حتى سمع اهل السماوات اصوات الدجاج ‌و‌ نباح الكلاب، ثم هويت بهن فقلبتهن. ‌و‌ اما امانتى: فانى لم اومر بشى فعدوته الى غيره.
 
 تنبيه
 
 قد يقال ‌فى‌ تقديم: ميكائيل ‌فى‌ الذكر دلاله على انه افضل ‌من‌ جبرئيل، لكن يعارضه تقديم الله تعالى جبرئيل ‌فى‌ الذكر ‌فى‌ قوله تعالى: «من كان عدوا لله ‌و‌ ملائكته ‌و‌ رسله ‌و‌ جبريل ‌و‌ ميكال فان الله عدو للكافرين». ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ ذلك متعارضه.
 اخرج الحكيم الترمذى ‌فى‌ نوادر الاصول: عن زيد ‌بن‌ رفيع قال: دخل على رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم جبرائيل ‌و‌ ميكائيل ‌و‌ ‌هو‌ يستاك فناول رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم جبرئيل السواك فقال جبرئيل كبر. قال الترمذى: ‌اى‌ ناول ميكائيل فانه اكبر.
 
و اخرج الطبرانى عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: الا اخبركم بافضل الملائكه جبرئيل. ‌و‌ الله اعلم.
 
الروح هنا: اما اسم ملك موكل على ملائكه الحجب. ‌او‌ صفه له، على ‌ان‌ الملائكه كلها ارواح، ‌و‌ يويد كونه صفه: ‌ما‌ روى عن الربيع ‌بن‌ انس: ‌ان‌ الملك الموكل بالحجب يقال له: ميطاطروش.
 ‌و‌ الحجب: جمع حجاب ‌و‌ ‌هو‌ الستر، ‌و‌ الاصل فيه جسم حائل بين جسدين. ‌و‌ استعمل ‌فى‌ المعانى. فقيل: العجز حجاب بين الانسان ‌و‌ مراده، ‌و‌ المعصيه حجاب بين العبد ‌و‌ ربه.
 ‌و‌ المراد بالحجب هنا: ‌ما‌ فوق السماوات ‌من‌ الانوار ‌و‌ الكلمات ‌و‌ غيرها التى حجبت عن تعلق علوم المخلوقين بما وراءها.
 ففى الخبر: ‌ان‌ ‌ما‌ فوق السماء السابعه صحارى ‌من‌ نور، ‌و‌ ‌لا‌ يعلم ‌ما‌ فوق ذلك الا الله تعالى.
 ‌و‌ عن وهب ‌بن‌ منبه: فوق السماوات حجب فيها ملائكه ‌لا‌ يعرف بعضهم بعضا لكثرتهم، يسبحون الله بلغات مختلفه ‌و‌ اصوات كالرعد القاصف.
 ‌و‌ روى رئيس المحدثين «قدس سره» باسناده عن وهب قال: سئل اميرالمومنين صلوات الله عليه عن الحجب فقال: اول الحجب سبعه غلظ كل حجاب منها مسيره خمسمائه عام، ‌و‌ بين كل حجاب مسيره خمسمائه عام، ‌و‌ الحجاب الثانى سبعون حجابا، بين كل حجابين مسيره خمسمائه عام ‌و‌ طوله خمسمائه عام حجبه كل حجاب منها سبعون الف ملك، قوه كل ملك منها قوه الثقلين، منها كلمه ‌و‌ منها نور ‌و‌ منها نار ‌و‌ منها دخان ‌و‌ منها سحاب ‌و‌ منها برق ‌و‌ منها رعد
 
و منها ضوء ‌و‌ منها رمل ‌و‌ منها جبل ‌و‌ منها عجاج ‌و‌ منها ماء ‌و‌ منها انهار، ‌و‌ هى حجب مختلفه غلظ كل حجاب مسيره الف عام، ثم سرادقات الجلال ‌و‌ هى ستون سرادقا، ‌فى‌ كل سرادق سبعون الف ملك، بين كل سرادق ‌و‌ سرادق مسيره خمسمائه عام، ثم سرادق الفخر، ثم سرادق الكبرياء، ثم سرادق العظمه، ثم سرادق القدس، ثم سرادق الجبروت، ثم سرادق العز، ثم النور الابيض، ثم سرادق الوحدانيه ‌و‌ ‌هو‌ مسيره سبعين الف عام، ثم الحجاب الاعلى، ‌و‌ انقضى كلامه ‌و‌ سكت عليه السلام!!! فقال عمر: ‌لا‌ بقيت ليوم ‌لا‌ اراك فيه ‌يا‌ اباالحسن!!.
 قال ابن الفارسى: انما هى الحجب مضروبه على العظمه العليا ‌من‌ خلق الله تعالى التى ‌لا‌ يقدر قدرها ‌و‌ ليست مضروبه على الله تعالى لانه سبحانه ‌لا‌ يوصف بمكان ‌و‌ ‌لا‌ بانه مستتر بحجاب.
 قلت: ‌و‌ قد اشار اميرالمومنين عليه السلام الى هذه الحجب ‌و‌ السرادقات ‌فى‌ خطبته ‌فى‌ صفه الملائكه عليهم السلام حيث قال: ‌و‌ بين فجوات تلك الفروج زجل المسبخين منهم ‌فى‌ حظائر القدس ‌و‌ سترات الحجب ‌و‌ سرادقات المجد.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث المشهور عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: ‌ان‌ لله تعالى سبعين الف حجاب ‌من‌ نور ‌و‌ ظلمه لو كشفها لاحترقت سبحات وجهه ‌ما‌ انتهى اليه بصره.
 ‌و‌ للعلماء ‌فى‌ تاويل هذا الحديث كلام طويل، ‌و‌ مجمله: ‌ان‌ الحجاب ‌فى‌ حقه تعالى محال، فلا يمكن فرضه الا بالنسبه الى العبد. ‌و‌ تحقيق الحجب: ‌ان‌ الطالب له
 
مقامات كل منها حجاب له قبل الوصول اليه ‌و‌ مراتب المقامات غير متناهيه فتكون مراتب الحجب ايضا غير متناهيه ‌و‌ حصرها ‌فى‌ سبعين الف ‌لا‌ يدرك الا بنور النبوه، ‌او‌ المراد بالسبعين معنى الكثره، فان السبعين جار مجرى المثل ‌فى‌ الكثره.
 
يحتمل: ‌ان‌ يكون المراد بالامر هنا: الشان ‌و‌ الاضافه، للاختصاص العلمى ‌لا‌ الايجادى، لاشتراك الكل فيه، ‌و‌ فيها ‌من‌ تشريف المضاف ‌ما‌ ‌لا‌ يخفى، ‌اى‌ الروح الذى ‌هو‌ ‌من‌ جنس ‌ما‌ استاثرت بعلمه ‌من‌ الاسرار الخفيه التى ‌لا‌ يكاد يحوم حولها عقول البشر.
 ‌و‌ يحتمل: ‌ان‌ يكون المراد به: عالم الامر المقابل لعالم الخلق المعبر عنهما بعالم الغيب ‌و‌ الشهاده ‌و‌ الملكوت ‌و‌ الملك، فعالم الامر ‌هو‌ الاوليات العظام المخلوقه للبقاء ‌من‌ غير ماده ‌و‌ اصل، ‌من‌ الروح ‌و‌ العقل ‌و‌ القلم ‌و‌ اللوح ‌و‌ العرش ‌و‌ الكرسى ‌و‌ الجنه ‌و‌ النار، ‌و‌ سمى بعالم الامر: لان الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ اوجده بامره لامن شى، ‌و‌ عالم الخلق: ‌هو‌ الموجودات المخلوقات للفناء ‌من‌ ماده مستحيله كائنه فاسده، ‌و‌ سمى بعالم الخلق: لانه تعالى خلقه ‌من‌ شى ء له مساحه ‌و‌ تقدير اذ كان الخلق بمعنى المساحه ‌و‌ التقدير، فالمعنى الروح الذى ‌من‌ ابداعاتك الكائنه ‌من‌ عالم الامر بمحض الامر التكوينى ‌من‌ غير تحصل ‌من‌ ماده ‌و‌ تولد ‌من‌ اصل، ‌و‌ ليس هذا ‌من‌ قبيل قوله سبحانه: «انما امره اذا اراد شيئا ‌ان‌ يقول له ‌كن‌ فيكون» فان ذلك عباره ‌من‌ سرعه التكوين سواء كان الكائن ‌من‌ عالم الامر ‌او‌ ‌من‌ عالم الخلق.
 ‌و‌ يدل على هذا المعنى ‌ما‌ رواه ابوجعفر الصفار ‌فى‌ بصائر الدرجات باسناده عن ابى بصير قال: سالت اباعبدالله عليه السلام عن قوله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «يسئلونك عن الروح ‌قل‌ الروح ‌من‌ امر ربى» قال: خلق اعظم ‌من‌ جبرئيل ‌و‌ ميكائيل كان مع
 
رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الائمه ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الملكوت.
 فقوله عليه السلام ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الملكوت ظاهر ‌فى‌ انه تفسير للامر.
 ‌و‌ باسناده عن ابى الصباح الكنانى قال: قلت لابى عبدالله عليه السلام: «و كذلك اوحينا اليك روحا ‌من‌ امرنا» قال: خلق ‌و‌ الله اعظم ‌من‌ جبرئيل ‌و‌ ميكائيل ‌و‌ كان مع رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم يخبره ‌و‌ يسدده ‌و‌ ‌هو‌ مع الائمه ‌من‌ بعده.
 ‌و‌ باسناده عن على ‌بن‌ اسباط قال: ساله رجل ‌من‌ اهل هيت ‌و‌ انا حاضر عن قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «و كذلك اوحينا اليك روحا ‌من‌ امرنا» قال: منذ انزل الله ذلك الروح على محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌ما‌ صعد الى السماء ‌و‌ انه لفينا.
 ‌و‌ باسناده عن سعد الاسكاف قال: اتى رجل على ‌بن‌ ابى طالب عليه السلام يساله عن الروح اليس ‌هو‌ جبرئيل؟ فقال له على عليه السلام: جبرئيل ‌من‌ الملائكه ‌و‌ الروح غير جبرئيل. فقال له: لقد قلت عظيما ‌من‌ القول: ‌ما‌ احد يزعم ‌ان‌ الروح غير جبرئيل. فقال له على عليه السلام: انك ضال تروى عن اهل الضلال، يقول الله تبارك ‌و‌ تعالى لنبيه صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: «اتى امر الله فلا تستعجلوه سبحانه ‌و‌ تعالى عما يشركون ينزل الملائكه بالروح»، ‌و‌ الروح غير جبرئيل.
 ‌و‌ روى عنه عليه السلام: ‌ان‌ له سبعين الف وجه، ‌و‌ لكل وجه سبعون الف لسان، لكل لسان سبعون الف لغه، يسبح الله تعالى بتلك اللغات كلها، ‌و‌ يخلق الله ‌من‌ كل تسبيحه ملكا يطير مع الملائكه الى يوم القيامه ‌و‌ لم يخلق الله اعظم ‌من‌ الروح
 
غير العرش ‌و‌ لو شاء ‌ان‌ يبلع السماوات السبع ‌و‌ الارضين السبع بلقمه واحده لفعل، فسبحان ‌من‌ ‌هو‌ على كل شى ء قدير.
 خبر قوله ‌و‌ حمله عرشك، ‌و‌ «الفاء» اما زائده عند ‌من‌ يجيز زيادتها ‌فى‌ الخبر ‌و‌ ‌هو‌ الاخفش مطلقا ‌و‌ الفراء ‌و‌ الاعلم ‌و‌ جماعه ‌ان‌ كان امرا ‌او‌ نهيا، ‌او‌ هى جواب لاما مقدره.
 قال الرضى: ‌و‌ قد تحذف «اما» لكثره الاستعمال نحو قوله تعالى: «و ربك فكبر ‌و‌ ثيابك فطهر ‌و‌ الرجز فاهجر» «و هذا فليذوقوه فبذلك فليفرحوا» ‌و‌ انما يطرد ذلك اذا كان ‌ما‌ بعد الفاء امرا ‌او‌ نهيا ‌و‌ ‌ما‌ قبلها منصوبا ‌به‌ ‌او‌ بمفسر به. انتهى.
 ‌لا‌ يقال: ‌ما‌ قبل الفاء هنا ليس منصوبا بما بعدها بل ‌هو‌ مرفوع على الابتداء.
 لانا نقول: ‌هو‌ ‌فى‌ حكم المنصوب ‌به‌ اذ ‌هو‌ مفعول ‌فى‌ المعنى ‌و‌ لو ‌لا‌ تعلق الجار ‌به‌ لجاز نصبه به، الا ترى ‌ان‌ الافعال اللازمه المعداه بحرف جر اذا نزع الجار منها نصبت ‌ما‌ كان مجرورا نحو: ذهبت الشام، ‌و‌ تسميتهم نحو ذلك منصوبا بنزع الخافض تسامح.
 قال ابن هشام: سقوط الخافض ‌لا‌ يقتضى النصب ‌من‌ حيث سقوط الخافض بل ‌من‌ حيث ‌ان‌ العامل الذى كان الجار متعلقا ‌به‌ لما زال الجار ‌من‌ اللفظ ظهر اثره لزوال ‌ما‌ كان يعارضه، فاذا لم يكن ‌فى‌ الكلام ‌ما‌ يقتضى النصب ‌من‌ فعل ‌او‌ شبهه لم يجز النصب، انتهى.
 ‌و‌ قول بعضهم: ‌ان‌ الفاء فصيحه: خبط صريح.
 
من دونهم: ‌اى‌ ‌من‌ تحتهم مقدارا ‌و‌ مكانا.
 روى عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم انه قال: خلق الله السماء الدنيا فجعلها سقفا محفوظا ‌و‌ جعل فيها حرسا شديدا ‌و‌ شهبا ساكنها ‌من‌ الملائكه اولوا اجنحه مثنى ‌و‌ ثلاث ‌و‌ رباع ‌فى‌ صوره البقر، مثل عدد النجوم ‌لا‌ يفترون ‌من‌ التسبيح ‌و‌ التهليل ‌و‌ التكبير.
 ‌و‌ اما السماء الثانيه: فساكنها عدد القطر ‌فى‌ صوره العقبان ‌لا‌ يسامون ‌و‌ ‌لا‌ يفترون ‌و‌ ‌لا‌ ينامون منها ينشق السحاب حتى يخرج ‌من‌ تحت الخافقين، فينتشر ‌فى‌ جو السماء معه ملائكه يصرفونه حيث امروا ‌به‌ اصواتهم التسبيح ‌و‌ تسبيحهم تخويف.
 ‌و‌ اما السماء الثالثه: فسكانها عدد الرمل ‌فى‌ صوره الناس يجارون الى الله الليل ‌و‌ النهار.
 ‌و‌ اما السماء الرابعه: فسكانها عدد اوراق الشجر صافون مناكبهم ‌فى‌ صوره الحور العين ‌من‌ بين راكع ‌و‌ ساجد تبرق سبحات وجوههم ‌ما‌ بين السماوات السبع ‌و‌ الارض السابعه.
 ‌و‌ اما السماء الخامسه: فان عددها يضعف على سائر الخلق ‌فى‌ صوره النسر منهم الكرام البرره ‌و‌ العلماء السفره.
 ‌و‌ اما السماء السادسه: فحزب الله الغالب ‌و‌ جنده الاعظم ‌فى‌ صوره الخيل المسومه.
 ‌و‌ اما السماء السابعه: ففيها الملائكه المقربون الذين يرفعون الاعمال ‌فى‌ بطون الصحف ‌و‌ يحفظون الخيرات، فوقها حمله العرش الكروبيون.
 
و عن ابى ذر «رضى الله عنه» قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: اطت السماء ‌و‌ ‌حق‌ لها ‌ان‌ تئط، ‌ما‌ عليها موضع اربعه اصابع الا ‌و‌ عليه ملك واضع جبهته.
 ‌و‌ عن جابر ‌بن‌ عبدالله «رضى الله عنه» قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: ‌ما‌ ‌فى‌ السماوات السبع موضع قدم ‌و‌ ‌لا‌ شبر ‌و‌ ‌لا‌ ‌كف‌ الا ‌و‌ فيه ملك قائم ‌او‌ ملك ساجد ‌او‌ ملك راكع فاذا كان يوم القيامه قالوا جميعا: سبحانك ‌ما‌ عبدناك ‌حق‌ عبادتك الا انا لم نشرك بك شيئا.
 ‌و‌ ‌من‌ خطبه لاميرالمومنين عليه السلام: ‌و‌ ليس ‌فى‌ اطباق السماوات موضع اهاب الا ‌و‌ عليه ملك ساجد ‌او‌ ساع حافد يزدادون على طول الطاعه بربهم علما ‌و‌ تزداد عزه ربهم ‌فى‌ قلوبهم عظما.
 قوله عليه السلام «و اهل الامانه على رسالاتك»: يحتمل ‌ان‌ يكون معطوفا على الملائكه ‌و‌ ‌ان‌ يكون معطوفا على اهل سماواتك ‌و‌ الراد بهم الذين جعلهم الله وسائط بينه ‌و‌ بين رسله ‌فى‌ تاديه خطابه الكريم اليهم، ‌و‌ ‌سر‌ هذا التوسط ‌ان‌ المخاطبه تقتضى مناسبه بين المتخاطبين فاقتضبت الحكمه توسط الملك ليتلقف الوحى بوجهه الذى ‌فى‌ عالم الملكوت ‌و‌ القدره ‌من‌ الله سبحانه تلقفا روحانيا ‌و‌ ‌من‌ اللوح المحفوظ ‌و‌ يلقيه بوجهه الذى ‌فى‌ عالم الملك ‌و‌ الحكمه الى النبى عليه السلام، لان ‌من‌ خواص الملك ‌ان‌ يتمثل للبشر فيراه جسما، فربما ينزل الملك الى الصوره البشريه ‌و‌ ربما يترقى النبى عليه السلام الى الرتبه الملكيه ‌و‌ يتعرى عن الكسوه البشريه فياخذ عنه الوحى، ‌و‌ لما
 
كان ذو الامانه ‌هو‌ الحافظ لما امن عليه ليوديه الى مستحقه ‌و‌ كانت الرسالات النازله بواسطه الملائكه نازله كما هى محفوظه عن الخلل الصادر عن سهو لعدم معروضات السهو هناك ‌او‌ عن عمد لعدم الداعى اليه ‌و‌ لقوله تعالى: «يخافون ربهم ‌من‌ فوقهم ‌و‌ يفعلون ‌ما‌ يومرون» صدق انهم اهل الامانه على رسالاته تعالى.
 
السامه: كسحابه الملل، ‌اى‌ ‌لا‌ يدخل اليهم ‌و‌ ‌لا‌ يعتريهم ملل ‌من‌ اجل دووب ‌اى‌ اجتهاد ‌و‌ جد ‌فى‌ العمل.
 ‌و‌ ‌لا‌ اعياء: ‌اى‌ تعب.
 يقال: اعيانى كذا بالالف اعياء فاعييت انا يستعمل لازما ‌و‌ متعديا ‌و‌ اعيا ‌فى‌ مشيه فهو معيى منقوص.
 ‌و‌ اما عييت كرضيت فهو ‌من‌ العى بالكسر، ‌و‌ ‌هو‌ الحصر ‌فى‌ المنطق.
 ‌و‌ اللغوب: الكلال.
 ‌و‌ الفتور: الانكسار ‌و‌ الضعف ‌و‌ ‌هو‌ مروى بالجر عطفا على لغوب، ‌و‌ بالضم عطفا على اعياء، ‌و‌ التصريح بنفيه مع استلزام ‌ما‌ قبله له للمبالغه ‌فى‌ انتفاء كل منهما ‌و‌ تنكير كل ‌من‌ هذه الاحوال للدلاله على انه ‌لا‌ يدخلهم شى ‌ما‌ ‌من‌ ذلك ‌و‌ ‌لا‌ حاله منه ‌فى‌ الجمله.
 ‌و‌ قد سبق بيان وجه انتفاء ذلك عنهم ‌فى‌ صدر الكلام على هذا الدعاء فليرجع اليه.
 الشهوات: جمع شهوه، ‌و‌ هى حركه النفس طلبا للملائم.
 
قيل: ‌و‌ هى ضربان محموده ‌و‌ مذمومه.
 فالمحموده: ‌من‌ فعل الله تعالى، ‌و‌ هى قوه جعلت ‌فى‌ النفس لتنبعث بها النفس لنيل ‌ما‌ تظن ‌ان‌ فيه صلاح البدن.
 ‌و‌ المذمومه: ‌من‌ فعل البشر، ‌و‌ هى استجابه النفس الى مقتضى طباعها ‌من‌ اللذات البدنيه الى ‌حد‌ الخروج عن ‌حد‌ الشريعه، ‌و‌ الهوى ‌هو‌ هذه الشهوه، ‌و‌ هى بقسميها منفيه عن الملائكه عند الفلاسفه، اذ كانت ‌من‌ لوازم النفس الحيوانيه ‌و‌ هى غير متصوره فيهم.
 ‌و‌ ذهب جمهور الاماميه ‌و‌ المعتزله: ‌ان‌ لهم شهوات لكنهم قاهرون لانفسهم عن اتباعها.
 قال الشريف المرتضى «رضى الله عنه»: نحن نعلم على الجمله ‌ان‌ الملائكه اذا كانوا مكلفين فلا ‌بد‌ ‌ان‌ يكون عليهم مشاق ‌فى‌ تكليفهم لو ‌لا‌ ذلك ‌ما‌ استحقوا ثوابا على طاعاتهم، ‌و‌ التكليف انما يحسن ‌فى‌ كل مكلف تعريضا للثواب ‌و‌ ‌لا‌ يكون التكليف عليهم شاقا الا ‌و‌ يكون لهم شهوات فيما حظر عليهم ‌و‌ نفار عما اوجب عليهم، انتهى.
 ‌و‌ قطعته عن الشى: حبسته ‌و‌ منعته.
 ‌و‌ التعظيم: الاجلال ‌و‌ التوقير.
 ‌و‌ السهو: عدم التفطن للشى مع بقاء صورته، ‌او‌ معناه ‌فى‌ الخيال ‌او‌ الذكر بسبب اشتغال النفس ‌و‌ التفاتها الى بعض مهماتها.
 ‌و‌ الغفله: عدم خطور الشى ‌فى‌ البال بالفعل فهى اعم ‌من‌ السهو.
 قيل: ‌و‌ لما كان ذلك ‌من‌ لواحق القوى الانسانيه كان مسلوبا عن الملائكه عليهم السلام.
 
الخشع: جمع خاشع كركع جمع راكع ‌من‌ خشع ببصره اذا غضه. ‌و‌ قال تعالى: «خشعا ابصارهم يخرجون ‌من‌ الاجداث».
 ‌و‌ رام الشى روما: طلبه، ‌و‌ خشوع ابصارهم اما على حقيقته بناء على القول بانهم اجسام، ‌و‌ ‌فى‌ الخبر: انهم ‌لا‌ يستطيعون ‌ان‌ يرفعوا ابصارهم ‌من‌ شعاع النور. ‌او‌ ‌هو‌ كنايه عن كمال خشيتهم لله تعالى ‌و‌ اعترافهم بقصور ابصار عقولهم عن ادراك ‌ما‌ وراء كمالاتهم المقرره لهم ‌و‌ ضعفها عما ‌لا‌ تحتمله ‌من‌ انوار الله ‌و‌ عظمته ‌فى‌ خلق عرشه ‌و‌ ‌ما‌ فوقه ‌من‌ مبدعاته، فان شعاع ابصارهم منته واقف دون حجب عزه الله تقدس ‌و‌ تعالى فلا يطلبون النظر اليه سبحانه.
 ‌و‌ النواكس: جمع ناكس، ‌من‌ نكس راسه اذا طاطاه، ‌و‌ ‌هو‌ جمع شاذ ‌لا‌ يفاس عليه لان فواعل انما ‌هو‌ جمع فاعله مثل ضاربه ‌و‌ ضوارب، ‌او‌ جمع فاعل اذا كان صفه للمونث مثل حائض ‌و‌ حوائض، ‌او‌ كان لما ‌لا‌ يعقل كجمل بازل ‌و‌ بوازل ‌و‌ حائط ‌و‌ حوائط. فاما مذكر ‌من‌ يعقل فلم يجمع عليه الا فوارس ‌و‌ نواكس ‌و‌ هوالك.
 ‌و‌ الاذقان: جمع ذقن بفتحتين كسبب ‌و‌ اسباب. ‌و‌ ‌هو‌ جمع قله استعمل ‌فى‌ الكثره اتكالا على القرينه، ‌و‌ جمع الكثره ذقون كاسد ‌و‌ اسود. ‌و‌ ‌هو‌ مجتمع اللحيين ‌من‌ اسفلهما.
 ‌و‌ نكسه: كنايه عن نكس الراس لاستلزامه له، ‌و‌ ‌هو‌ هنا اما على حقيقته ايضا، ‌او‌ كنايه عن كمال خضوعهم ‌و‌ انقهارهم تحت سلطان الله تعالى المشاهد ‌فى‌ صوره عرشه ‌و‌ ملكوته.
 ‌و‌ كنى بطول رغبتهم: عن دوامها ‌و‌ ثبوتها اذ كانت رغبتهم ‌و‌ شوقهم الى كمال
 
ذواتهم ‌من‌ معرفته التامه ‌و‌ كمال المحبه له سبحانه دائمه ثابته ‌لا‌ تنقطع لان انقطاع الرغبه ‌فى‌ الشى انما ‌هو‌ بانقطاع مادتها، ‌و‌ مادتها اما دواعى النفس ‌و‌ ميولها ‌و‌ هى انما تنقطع باستيلاء الملال ‌و‌ الكلال على النفس ‌او‌ مطلوبها ‌و‌ تصورها لنيله ‌و‌ انقطاعه اما بالياس منه ‌او‌ بنيله، ‌و‌ ماده رغبتهم فيما عنده بريه عن القواطع اما ‌من‌ ذواتهم فلان الملال ‌و‌ الكلال عن عوارض المركبات العنصريه ‌و‌ اما ‌من‌ مطلوبهم فلانه كمال معرفته تعالى بعد تصورهم لكمال ذلك المطلوب، ‌و‌ قد علمت ‌ان‌ درجات الوصول الى معرفته تعالى غير متناهيه ‌لا‌ جرم مدحهم بطول رغبتهم فيما لديه ليستلزم ذلك سلب انقطاع عبادتهم له ‌عز‌ ‌و‌ جل.
 المستهتر: بفتح العين المولع بالشى ‌لا‌ يتحدث بغيره ‌و‌ ‌لا‌ يفعل غيره، ‌و‌ ‌فى‌ الحديث سبق المفردون. قالوا: ‌و‌ ‌ما‌ المفردون قال: المستهترون بذكر الله.
 ‌و‌ قد استهتر بكذا على ‌ما‌ لم يسم فاعله، ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ضبطه بكسر العين ‌و‌ لم ينص عليه اهل اللغه ‌و‌ اشتقاقه ‌من‌ الهتر بالفتح ‌و‌ ‌هو‌ مزق العرض ‌و‌ الشتم لان المولع بالشى ‌لا‌ يبالى بما قيل فيه ‌و‌ شتم له، ‌او‌ ‌من‌ الهتر بالضم ‌و‌ ‌هو‌ ذهاب العقل ‌من‌ مرض ‌او‌ حزن.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: استهتر فلان اذا ذهب عقله بالشى ‌و‌ انصرفت هممه اليه حتى اكثر القول فيه ‌و‌ اولع به.
 ‌و‌ الالاء: النعم جمع آلى ‌و‌ قد تقدم الكلام عليه ‌فى‌ الروضه الاولى، ‌و‌ ‌هو‌ كنايه عن دوام شكرهم له تعالى ‌و‌ تعداد نعمه اذ كان لكل منهم مرتبه معينه ‌من‌ الكمال ‌فى‌ العلم ‌و‌ القدره ‌لا‌ يصل اليها ‌من‌ دونه ‌و‌ كل ‌من‌ كانت نعمه الله عليه اكمل ‌و‌ اتم كان شكره اعلى ‌و‌ طاعته اوفى.
 
و التواضع: الخشوع ‌و‌ الذل لله تعالى.
 ‌و‌ عظمته تعالى عباره عن علو شانه ‌و‌ جلاله قدره ‌و‌ كمال شرفه ‌و‌ شده غنائه عن الخلق ‌و‌ نهايه افتقارهم اليه ‌فى‌ الوجود ‌و‌ البقاء ‌و‌ الكمال الى غير ذلك مما ‌لا‌ تحيط ‌به‌ العقول، ‌و‌ ليست عظمه مقداريه ‌و‌ ‌لا‌ عدديه لتنزهه عن المقدار ‌و‌ المقداريات ‌و‌ الكم ‌و‌ الكميات.
 ‌و‌ الجلال: العظمه.
 ‌و‌ الكبرياء: الشرف ‌و‌ الرفعه ‌و‌ التجبر ‌و‌ الملك.
 ‌و‌ قيل: هى عباره عن كمال الذات ‌و‌ كمال الوجود ‌و‌ ‌لا‌ يوصف بها الا الله تعالى، ‌و‌ تواضعهم دون عظمته ‌و‌ جلال كبريائه: عباره عن اعترافهم بذل الحاجه ‌و‌ الامتنان ‌و‌ النقص الى جوده ‌و‌ وجوده ‌و‌ الانقهار تحت عظمته ‌و‌ كماله.
 
جهنم:- اعاذنا الله منها- اسم لنار الاخره.
 قيل: اسم عربى سميت نار الاخره بها، لبعد قعرها ‌من‌ قولهم ركيه جهنام ‌و‌ جهنم اذا كانت بعيده القعر ‌و‌ لم تصرف للتعريف ‌و‌ التانيث.
 ‌و‌ قيل: اشتقاقها ‌من‌ الجهومه ‌و‌ هى الغلظ، يقال: جهم الوجه ‌اى‌ غليظه فسميت بجهنم لغلظ امرها ‌فى‌ العذاب.
 ‌و‌ قيل: هى عجميه ‌و‌ عدم الصرف للعجمه، ‌و‌ التعريف.
 ‌و‌ قيل: هى تعريب كهنام بالعبرانيه.
 ‌و‌ تزفر: جمله ‌فى‌ محل النصب على الحال ‌من‌ جهنم، يقال: زفر يزفر ‌من‌ باب كتب زفرا ‌و‌ زفيرا: اخرج نفسه بعد مده اياه، ‌و‌ الزفير اول صوت الحمار. ‌و‌ الشهيق آخره.
 ‌و‌ قيل: الزفير ‌فى‌ الحلق ‌و‌ الشهيق ‌فى‌ الصدر.
 
و قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: ‌و‌ الزفير انين الحزين، ‌و‌ المراد بزفيرها: صوت التهابها المنكر الفظيع. شبهه بصوت المتغيظ ‌و‌ زفيره. قال الله تعالى: « اذا راتهم ‌من‌ مكان بعيد سمعوا لها تغيظا ‌و‌ زفيرا». ‌اى‌ صوت تغيظ.
 روى ‌ان‌ جهنم تزفر زفره ‌لا‌ يبقى احد الا ترعد فرائصه، حتى ‌ان‌ ابراهيم عليه السلام يجثو على ركبتيه ‌و‌ يقول نفسى نفسى.
 ‌و‌ المعصيه: ترك الانقياد ‌و‌ ‌فى‌ اضافتها اليه سبحانه تعظيم لامرها ‌و‌ ايذان باستحقاق اهلها ‌ان‌ تزفر عليهم جهنم غيظا ‌و‌ غضبا.
 سبحانك: منصوب على المصدريه.
 قيل: ‌هو‌ اسم مصدر وقع موقع المصدر ‌و‌ ‌هو‌ التسبيح بمعنى التنزيه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ مصدر كالغفران ‌و‌ ‌هو‌ غير متصرف ‌اى‌ ‌لا‌ يستعمل الا محذوف الفعل منصوبا على المصدريه، ‌و‌ ‌لا‌ يكاد يستعمل الا مضافا ‌و‌ اذا استعمل غير مضاف كان علما للتسبيح غير مصروف للعلميه، ‌و‌ الالف ‌و‌ النون المزيدتين كعثمان علما لرجل فان العلميه كما تجرى ‌فى‌ الاعيان تجرى ‌فى‌ المعانى، ‌و‌ المعنى على الاول نسبحك تسبيحا عما ‌لا‌ يليق بشانك الاقدس ‌من‌ الامور التى ‌من‌ جملتها عدم عبادتنا لك ‌حق‌ عبادتك ‌و‌ عنوا بذلك تسبيحا ناشئا عن كمال الاعتراف ‌و‌ الايقان بالعجز عما يليق بمقامه الاعلى ‌من‌ العباده، ‌و‌ على الثانى تنزهت عن ذلك تنزها ناشئا عن ذاتك، ‌و‌ ‌لا‌ يبعد ‌ان‌ يحمل على التعجب كانه قيل ‌ما‌ ابعد ‌من‌ له هذه القدره ‌و‌ القهر عن جميع النقائص فلا يكون خلقه لجهنم ‌و‌ زفيرها على اهل معصيته الا حكمه ‌و‌ صوابا، ‌و‌ اتعجب ‌من‌ حال اهل معصيته كيف عصوا ‌من‌ ‌هو‌ قادر على ذلك فاستحقوا هذا
 
النوع ‌من‌ الانتقام كانه قيل: ‌ما‌ ابعد ‌من‌ عقابه ‌و‌ انتقامه بهذه المثابه عن ‌ان‌ يرتكب مخلوق معصيته ‌و‌ افاده هذا اللفظ للتعجب سياتى بيانه ‌فى‌ الروضه الثالثه عشر «ان شاء الله تعالى».
 ‌و‌ ‌حق‌ عبادتك: منصوب على المصدريه ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ الاصل صفه للمصدر المضاف اليه ‌اى‌ عبادتك الحق فلما اضيف الى موصوفه انتصب على ‌ما‌ كان ينتصب عليه موصوفه، ‌اى‌ ‌ما‌ عبدناك العباده التى تحق لك ‌و‌ تليق بعظمتك ‌و‌ انما قالوا ذلك حين نظرهم الى جهنم حال زفيرها لما شاهدوا ‌من‌ شده آثار قهره تعالى فاحتقروا عبادتهم ‌و‌ راوها قاصره عما يجب لجلاله ‌عز‌ ‌و‌ جل.
 خبر لقوله: «و الذين ‌لا‌ تدخلهم سامه ‌من‌ دووب» كما يدل عليه رفع الصفات ‌من‌ قوله: «الخشع الابصار، ‌و‌ النواكس الاذقان، ‌و‌ المستهترون، ‌و‌ المتواضعون» ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون معطوفا على ‌ما‌ قبله ‌من‌ المجرور فيكون رفع الصفات بالقطع على المدح فالفاء ‌فى‌ «فصل عليهم» حينئذ فصيحه ‌اى‌ اذا كانوا بهذه الصفات فصل عليهم صلاه تخصهم، اذ كانت الصلاه الاولى بالتبع.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5
اسناد الصحیفه السجادیه- 1
الدعاء 1- 3
الدعاء 3- 1
الدعاء 31- 2
الدعاء 48- 2
الدعاء 6- 2

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 45- 1

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^