فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 21

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ ‌به‌ نستعين.


 الحمدلله غافر الخطايا ‌و‌ وافر العطايا، ‌و‌ الصلاه ‌و‌ السلام على نبيه طاهر السجايا ‌و‌ ظاهر المزايا، ‌و‌ على اهل بيته ساده البرايا وساسه الرعايا.
 ‌و‌ بعد فهذه الروضه الحاديه ‌و‌ العشرون ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيد العابدين، صلوات الله عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الطاهرين، املاء راجى فضل ربه السنى على الصدر الحسينى الحسنى، كفاه الله ‌ما‌ اهمه ‌و‌ كشف كربه ‌و‌ همه.
 
حزنه الامر بالزاى ‌و‌ النون يحزنه- ممن باب قتل-: اهمه، هذه لغه قريش، ‌و‌ تميم تعديه بالالف فتقول: احزنه، قاله ثعلب ‌و‌ الازهرى، ‌و‌ عليها روايه «احزنه» بالالف، ‌و‌ منع ابوزيد استعمال الماضى ‌من‌ الثلاثى فقال: ‌لا‌ يقال: حزنه، ‌و‌ انما يستعمل المضارع ‌من‌ الثلاثى فيقال: يحزنه كيقتله.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه «حزبه امر» بالزاى ‌و‌ الباء الموحده، يقال: حزبه الامر- ‌من‌ باب قتل-: اذا اصابه ‌و‌ اشتد عليه، ‌و‌ منه: حوازب الخطوب جمع حازب ‌و‌ ‌هو‌ الامر الشديد.
 ‌و‌ قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: حزبه امر: اذا غشيه ‌و‌ علاه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: كان اذا حزبه امر صلى.
 قال ابن الاثير: اى: اذا نزل ‌به‌ مهم ‌او‌ اصابه غم.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: حزبه الامر: نابه ‌و‌ اشتد عليه ‌او‌ ضغطه.
 
و الاسم الحزابه بالضم، ‌و‌ الحزب ايضا كالمصدر.
 ‌و‌ اهمه الامر بالالف: اقلقه، ‌و‌ همه هما- ‌من‌ باب قتل- مثله.
 ‌و‌ الخطايا: جمع خطيئه على فعيله مهموزه اللام، اسم ‌من‌ خطى يخطا- ‌من‌ باب علم -: اذا اثم، ‌و‌ اصل الخطايا خطائى على فعائل فلما اجتمعت الهمزتان قلبت الثانيه ياء، لان قبلها كسره، ثم استقلت ‌و‌ الجمع ثقيل ‌و‌ ‌هو‌ معتل مع ذلك، فقلبت الياء الفا، ثم قلبت الهمزه الاولى ياء لخفائها بين الالفين. قاله الجوهرى.
 
 تنبيه
 
 ‌فى‌ دعائه عليه السلام عند اصابه الشدائد ‌و‌ نزولها ايذان بان الدعاء سبب لصرفها ‌و‌ زوالها، ‌و‌ قد نص الله سبحانه على ذلك فقال: «امن يجيب المضطر اذا دعاه ‌و‌ يكشف السوء»، فوقف اجابه المضطر ‌و‌ كشف السوء على الدعاء.
 ‌و‌ ‌فى‌ الصحيح عن على ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام: الدعاء يدفع البلاء النازل ‌و‌ ‌ما‌ لم ينزل.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌ان‌ الدعاء ‌و‌ البلاء ليترافقان الى يوم القيامه، ‌ان‌ الدعاء ليرد البلاء ‌و‌ قد ابرم ابراما.
 ‌و‌ ‌فى‌ الصحيح ايضا عن ابى عبدالله عليه السلام: هل تعرفون طول البلاء ‌من‌ قصره؟ قلنا: لا، قال: اذا الهم احدكم الدعاء عند البلاء فاعلموا ‌ان‌ البلاء قصير.
 
و ‌فى‌ الصحيح ايضا عن ابى الحسن موسى عليه السلام: ‌ما‌ ‌من‌ بلاء ينزل على عبد مومن فيلهمه الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ الدعاء الا كان كشف ذلك البلاء ‌و‌ شيكا، ‌و‌ ‌ما‌ ‌من‌ بلاء ينزل على عبد مومن فيمسك عن الدعاء الا كان ذلك البلاء طويلا، فعليكم بالدعاء ‌و‌ التضرع الى الله ‌عز‌ ‌و‌ جل.
 ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى اكثر ‌من‌ ‌ان‌ تحصى.
 
كفى: تكون بمعنى اجزا ‌و‌ اغنى، ‌و‌ بمعنى وقى، فالاولى متعديه لواحد كقوله: قليل منك يكفينى، ‌و‌ الثانيه متعديه لاثنين كقوله تعالى: «و كفى الله المومنين القتال».
 فان جعلت قوله عليه السلام: «يا كافى الفرد الضعيف» ‌من‌ الاولى، فالمعنى: ‌يا‌ مجزئه ‌و‌ مغنيه عن كل صاحب ‌و‌ مويد، ‌و‌ ‌ان‌ جعلته ‌من‌ الثانيه فمعناه: ‌يا‌ واقى الفرد الضعيف كل مهم، فحذف المفعول للتعميم مع الاختصار، بقرينه ‌ان‌ المقام مقام المبالغه.
 ‌و‌ الفرد: المنفرد عن الاصحاب ‌و‌ الانصار، فلا صاحب له ‌و‌ ‌لا‌ ناصر. قال تعالى: «و كلهم آتيه يوم القيامه فردا» اى: وحيدا مفردا ‌لا‌ مال له ‌و‌ ‌لا‌ ولد ‌و‌ ‌لا‌ ناصر.
 
و الضعيف: ‌من‌ ‌لا‌ قوه له، ‌من‌ الضعف بفتح الضاد ‌فى‌ لغه تميم وضمها ‌فى‌ لغه قريش: بمعنى خلاف القوه، ‌لا‌ خلاف الصحه.
 ‌و‌ وقاه الله السوء: صانه ‌و‌ حفظه منه، ‌و‌ ‌هو‌ متعد لاثنين، ‌و‌ لم يذكر المفعول الاول ‌فى‌ الدعاء للعلم به، فحذفه ‌و‌ اضاف الصفه الى المفعول الثانى، ‌و‌ التقدير، واقى العباد الامر المخوف.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون ضمن «واقى» معنى دافع، فعداه الى مفعول واحد.
 ‌و‌ افردته افرادا: صيرته فردا.
 ‌و‌ الفاء: للسببيه، اى: فبسبب ذلك ‌لا‌ صاحب معى، وقس عليه ‌ما‌ بعده.
 قال بعضهم: يحتمل ‌ان‌ يكون معناه انى صرت بسبب الخطايا منفردا غير مصاحب لاحد مشتغلا بالتفكر ‌فى‌ امرها، اولا صاحب معى مثلى ‌فى‌ الخطايا، فلم يحكم لغيره بما حكم على نفسه ليكون صاحبا له، ‌او‌ افردتنى عن مصاحبتك التى تنبغى.
 ‌و‌ قال آخر: معناه انه انفرد بسبب الذنوب عن صالحى الاصحاب، فلا صاحب له ‌من‌ الصلحاء الاخيار، لان المطلوب الصاحب الصالح ‌لا‌ مطلق الصاحب.
 ‌و‌ قيل: الصاحب كنايه عن لطفه تعالى ‌و‌ توفيقه، فكان الخطايا كانت سببا لعدم اللطف ‌و‌ التوفيق، ‌او‌ ‌ان‌ الاصحاب قطعوا صحبته ‌و‌ بعدوا عنه ‌و‌ افردوه بسبب الخطايا.
 ‌و‌ فيه: ‌ان‌ الصاحب ‌لا‌ يقطع صاحبه بسبب الذنب، بل يترفق ‌به‌ ‌و‌ ينصحه ليعود ‌و‌ يتوب، كما يحكى ‌ان‌ اخوين ‌فى‌ السلف انقلب احدهما عن الاستقامه، فقيل
 
لاخيه الاتقطعه ‌و‌ تهجره؟ فقال: ‌هو‌ احوج ‌ما‌ كان الى ‌فى‌ هذا الوقت، ‌و‌ انا حقيق بان آخذ بيده ‌و‌ اتلطف له ‌فى‌ المعاتبه، ‌و‌ ادعو له بالعود الى ‌ما‌ كان عليه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: انصر اخاك ظالما ‌او‌ مظلوما، قيل: كيف ينصره ظالما؟ قال: يمنعه ‌من‌ الظلم.
 ‌و‌ قال بعض العارفين: ‌لا‌ تقطع اخاك ‌و‌ ‌لا‌ تهجره عند الذنب بذنبه، فانه يركبه اليوم ‌و‌ يتركه غدا.
 ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الحديث: اتقوا زله العالم ‌و‌ ‌لا‌ تقطعوه ‌و‌ انتظروا فيئته.
 ‌و‌ على هذا، فاراده المعنى المذكور توذن بذم جميع اصحابه، ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ما‌ فيه.
 ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ المراد: ‌ان‌ الخطايا جعلته منفردا بتحملها ‌و‌ خوف عقوباتها، ‌لا‌ صاحب له يساعده على حمل اوزارها ‌و‌ ‌لا‌ دفع عقابها، فهو منفرد بهم نفسه، ‌لا‌ بهم غيره ‌ما‌ اهمه منها.
 ‌و‌ نظير ذلك قوله عليه السلام ‌فى‌ الدعاء بعد صلاه الليل: «فاصحرنى لغضبك فريدا»، ‌و‌ ليس المراد بنفى الصاحب نفى المتصف بالصحبه الظاهريه، فانه خلاف الظاهر بل خلاف الواقع.
 ‌و‌ ضعف عن الشى ء ضعفا مثل قرب قربا: عجز عن احتماله فهو ضعيف.
 ‌و‌ ايده تاييدا: قواه، ‌من‌ آد يايد ايدا: اذا قوى ‌و‌ اشتد، اى: عجزت عن احتمال غضبك فلا مقوى لى.
 
و اشرف على الشى ء اشرافا: اطلع عليه، ‌و‌ اشرف على الموت: اشفى.
 ‌و‌ المراد بلقائه تعالى: المصير ‌و‌ البعث اليه ‌و‌ الوقوف بين يديه. ‌و‌ بخوفه: خوف سوئه، اى: خوف سوء لقائك، ‌و‌ قيل: لقاوه تعالى: ملاقاه حكمه يوم القيامه، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ لقاء ثوابه ‌او‌ عقابه.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ تفسير قوله تعالى: «من كان يرجو لقاء الله»: لقاوه سبحانه: مثل للوصول الى العاقبه، ‌من‌ تلقى ملك الموت ‌و‌ البعث ‌و‌ الحساب ‌و‌ الجزاء، مثلت تلك الحاله بحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل، ‌و‌ قد اطلع مولاه على ‌ما‌ كان ياتى ‌و‌ يذر، فاما ‌ان‌ يلقاه ببشر ‌و‌ ترحيب لما رضى ‌من‌ افعاله، ‌او‌ بضد ذلك لما سخطه منها.
 ‌و‌ قيل: يرجو ‌فى‌ الايه بمعنى يخاف، ‌و‌ انما استعمل الرجاء بمعنى الخوف، لان الراجى يخاف ‌ان‌ ‌لا‌ يدرك ‌ما‌ يترجاه.
 ‌و‌ سكنت الشى ء تسكينا: جعلته ساكنا بعد حركته.
 ‌و‌ الروع: الفزع ‌و‌ الخوف، راعه الشى ء روعا- ‌من‌ باب قال- افزعه، ‌و‌ الروعه: الفزعه، ‌و‌ تسكين الروعه عباره عن ازاله الخوف، ‌و‌ ايقاع التسكين على الروعه مجاز حكمى، ‌و‌ الاصل ايقاعه على نفس المرتاع لاضطرابها ‌من‌ الفزع.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز: سكنت نفسى بعد الاضطراب.
 فاوقعه على الروعه لتلبسها بالمرتاع، كما يقال: آمن الله خوفه.
 
و الواو ‌من‌ قوله: «و ‌من‌ يومننى»: استئنافيه، ‌و‌ ‌فى‌ قوله: «و انت اخفتنى»: حاليه.
 ‌و‌ من: للاستفهام الانكارى، ‌و‌ المعنى فيه على النفى ‌و‌ ‌ما‌ بعده منفى، اى: ‌لا‌ يومننى منك احد ‌و‌ الحال انك انت المخيف لى.
 
قيل: اخافته تعالى ‌هو‌ ‌ما‌ تضمنته آيات الوعيد، كما قال سبحانه: «ذلك يخوف الله ‌به‌ عباده ‌يا‌ عباد فاتقون»، ‌و‌ ‌هو‌ محتمل، غير ‌ان‌ الظاهر ‌ان‌ اسناد كل ‌من‌ الاخافه ‌و‌ الافراد ‌و‌ الاضعاف اليه سبحانه ‌من‌ باب الغناء عن ملاحظه الوسائط ‌و‌ مشاهده الافعال، ‌و‌ الترقى عن مقام الصفات الى ملاحظه الذات، الا تراه اسند اولا افراده الى الخطايا لكون ارتكابها سببا لانفراده، ‌و‌ الاضعاف الى الغضب، ‌و‌ الاخافه الى سوء اللقاء، فلاحظ الوسائط ‌و‌ الافعال ‌و‌ الصفات، ثم اعرض عن ذلك ‌و‌ قطع النظر عنه، ‌و‌ استانف الكلام راقيا الى الذات فقال: «و ‌من‌ يومننى منك ‌و‌ انت اخفتنى».
 ‌و‌ نظير ذلك ‌ما‌ ورد ‌فى‌ الدعاء النبوى صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌و‌ اعوذ بك منك.
 ‌و‌ ‌فى‌ الكلام العلوى: ‌و‌ فروا الى الله ‌من‌ الله.
 ‌و‌ قد تقدم الكلام منا على ذلك مبسوطا، فليرجع اليه.
 
اجرت فلانا على فلان: اذا اغثته منه ‌و‌ منعته عنه.
 ‌و‌ كلمه «على» تفيد الاستعلاء ‌و‌ القدره ‌و‌ التسلط، كانه اغاثه ‌و‌ منعه منه قادرا على كفه عنه، متسلطا عليه ‌فى‌ المنع منه.
 ‌و‌ المستثنى ‌فى‌ الفقرات الثلاث ‌ما‌ بعد الا ‌و‌ الظرف جميعا، فان الحصر ‌فى‌ كل منهما مقصود، اى: ‌لا‌ يجير احد على احد الا رب على مربوب، وقس عليه ‌ما‌ بعده.
 
و فيه شاهد لمن اجاز استثناء شيئين ‌من‌ شيئين باداه واحده بلا عطف مطلقا، سواء كان المستثنى منهما مذكورين ‌او‌ مقدرين، ‌و‌ مثله ‌فى‌ التنزيل «و ‌ما‌ نراك اتبعك الا الذين ‌هم‌ اراذلنا بادى الراى»، اذ التقدير: ‌و‌ ‌ما‌ نراك اتبعك احد ‌فى‌ حاله الا اراذلنا ‌فى‌ بادى الراى.
 ‌و‌ قال المانعون: المستثنى انما ‌هو‌ الاول، ‌و‌ الثانى معمول لمحذوف، ‌و‌ التقدير ‌فى‌ الايه: اتبعوك ‌فى‌ بادى الراى. ‌و‌ على هذا فالظرف ‌فى‌ الدعاء متعلق بمحذوف، ‌و‌ التقدير: ‌لا‌ يجير الا رب يجير على مربوب.
 ‌و‌ قال بعضهم: ‌ان‌ الظرف يتسع فيه، فيجوز فيه ‌ما‌ ‌لا‌ يجوز ‌فى‌ غيره، فجاز تعلقه بما قبل الا، ‌و‌ ‌ان‌ لم يجز عمل ‌ما‌ قبلها اذا تم فيما بعدها ‌فى‌ غير الظرف.
 ‌و‌ مما ‌لا‌ يكاد يقضى منه العجب قول بعض الشارحين المترجمين هنا: ‌ان‌ قوله: «على مربوب» متعلق بقادر مقدر ‌و‌ نحوه، لان تعديه اجار ب«على» غير مذكور ‌فى‌ كتب اللغه، انتهى.
 ‌و‌ كانه لم يسمع قوله تعالى: «قل ‌من‌ بيده ملكوت كل شى ء ‌و‌ ‌هو‌ يجير ‌و‌ ‌لا‌ يجار عليه ‌ان‌ كنتم تعلمون». نسال الله الهدايه الى سواء السبيل.
 قال بعض اكابر الساده: معنى قوله عليه السلام: «لا يجير ‌يا‌ الهى الا رب على مربوب» انه ‌لا‌ يمضى ‌و‌ ‌لا‌ ينفذ الا اجاره رب على مربوب، فاذا اجار رب احدا ‌و‌ خفره فلا يكون لمربوب ‌من‌ مربوبيه ‌ان‌ ينقض عليه خفارته ‌و‌ امانه.
 ‌و‌ منه الحديث: ‌و‌ يجير عليهم ادناهم، اى: اذا اجار ادنى رجل ‌من‌ المسلمين كافرا ‌و‌ آمنه، جاز ذلك على جميع المسلمين ‌لا‌ ينقص احد عليه جواره.
 
و قوله عليه السلام: «و ‌لا‌ يومن الا غالب على مغلوب» اى: ‌لا‌ ينفذ الا امان الغالب على المغلوب، فاذا آمن غالب احدا فلا يكون لاحد ‌من‌ مغلوبيه ‌ان‌ ينقض ‌و‌ يرد عليه امانه.
 ‌و‌ قوله: «و ‌لا‌ يعين الا طالب على مطلوب» ‌من‌ اعانه على كذا اى: سلطه عليه ‌و‌ ملخص المعنى: ‌ان‌ الطلب سبب التسلط على المطلوب، لان الدعاء ‌من‌ اسباب حصول البغيه ‌و‌ نيلها، انتهى كلامه.
 قلت: ‌لا‌ يخفى ‌من‌ سياق الكلام ‌ان‌ هذه الفقرات الثلاث كالتعليل لمتلوها ‌من‌ الفقرات الثلاث، التى هى قوله عليه السلام: «و ‌من‌ يومننى منك ‌و‌ انت اخفتنى الى آخرها...»، فانه لما نفى المومن ‌و‌ المساعد ‌و‌ المقوى له، حال كونه سبحانه ‌هو‌ المخيف ‌و‌ المفرد ‌و‌ المضعف له، اراد ‌ان‌ يبين وجه ذلك كالمستدل عليه بقوله: «لا يجير ‌يا‌ الهى الا رب على مربوب»، فهو استئناف تعليلى، فيكون تقدير المعنى: لانه ‌لا‌ يستطيع ‌ان‌ يمنع ‌من‌ احد، ‌و‌ يقوى على الاجاره ‌و‌ الاغاثه منه، الا قادر عليه مالك له كالرب ‌من‌ المربوب، فانه قادر على ‌ان‌ يمنع ‌و‌ يغيث منه دون العكس، اذ ‌لا‌ يستطيع ‌ان‌ يمنع مربوب ‌من‌ رب ‌و‌ يغيث منه لعدم قدرته عليه، ‌و‌ كذلك ‌لا‌ يستطيع ‌ان‌ يومن الا غالب ‌من‌ مغلوب لقهره ‌و‌ تسلطه عليه، ‌و‌ ‌لا‌ يستطيع ‌ان‌ يعين الا طالب على مطلوب لقدرته عليه، فاذا كنت انت الرب ‌و‌ ‌من‌ سواك مربوب، ‌و‌ انت الغالب ‌و‌ ‌من‌ سواك مغلوب، ‌و‌ انت الطالب ‌و‌ ‌من‌ عداك مطلوب، فمن يجيرنى عليك ‌و‌ ‌من‌ يومننى منك ‌و‌ ‌من‌ يعيننى عليك. هذا ‌ما‌ يقتضيه سوق العباره ‌من‌ المعنى.
 ‌و‌ ‌ما‌ ذكره السيد المشار اليه ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌فى‌ نفسه معنى صحيحا ‌لا‌ غبار عليه، ‌لا‌ يقتضيه المقام اقتضاء اوليا ‌و‌ ‌لا‌ يناسب مناسبه تامه.
 
فان قلت: ‌ما‌ معنى كونه سبحانه طالبا ‌و‌ كون ‌من‌ عداه مطلوبا؟
 قلت: يجوز ‌ان‌ يكون طلبه تعالى لمن سواه عباره عن حكمه برجوعه اليه ‌و‌ حسابه ‌و‌ جزائه على اعماله، فمثلت تلك الحال بحال الطالب للشى ء المريد لحصوله لديه. ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون طلبه سبحانه لخلقه تمثيلا لاقتداره عليهم، ‌و‌ انهم ‌فى‌ قبضه حكمه متى شاء اخذهم فعل ‌لا‌ يفوته منهم فائت ‌و‌ ‌لا‌ ينجو منه هارب، فان الطالب اذا كان ‌فى‌ غايه الاقتدار على المطلوب، ‌و‌ المطلوب تحت قدرته ‌و‌ حكمه، كان مقتدرا عليه ‌فى‌ كل وقت ‌و‌ على كل حال، ‌لا‌ يتصور ‌ان‌ يعجزه طلبا ‌او‌ يفوته هربا، فهو كقوله تعالى: «و الله ‌من‌ ورائهم محيط».
 ‌و‌ ‌فى‌ دعاء الصحيفه المروى عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: «و سبحانه ‌من‌ بار ‌ما‌ اطلبه، ‌و‌ سبحانه ‌من‌ طالب ‌ما‌ ادركه».
 ‌و‌ ‌فى‌ دعاء الرهبه ‌و‌ ‌هو‌ الدعاء الخمسون ‌من‌ الصحيفه الكامله «اللهم انك طالبى ‌ان‌ انا هربت».
 ‌و‌ كثيرا ‌ما‌ يقرن الطالب ‌فى‌ وصفه تعالى بالغالب اشاره الى هذا المعنى، كما وقع ‌فى‌ دعاء الجوشن الكبير: «يا غالب ‌يا‌ طالب»، ‌و‌ ‌فى‌ دعاء المشلول: «يا طالب ‌يا‌ غالب ‌يا‌ ‌من‌ ‌لا‌ يفوته هارب».
 ‌و‌ ‌ما‌ وقع ‌فى‌ بعض التراجم الفارسيه: ‌من‌ ‌ان‌ معنى قوله عليه السلام: «و لايعين الا طالب على مطلوب»: انه لايعين على المطلوب الا الطالب له، ‌و‌ لما كانت العباده مطلوبه لله سبحانه لم يكن المعين عليها غيره، فهو رجم بالغيب ‌و‌ تخيل فاسد بلا ريب.
 
قوله عليه السلام: «و بيدك جميع ذلك السبب» اى: ‌فى‌ قدرتك ‌و‌ تصرفك.
 ‌و‌ ذلك: اشاره الى ‌ما‌ تقدم ذكره ‌من‌ الاجاره ‌و‌ الامان ‌و‌ الاعانه.
 ‌و‌ السبب: اسم لما يتوصل ‌به‌ الى المقصد، ‌و‌ ‌هو‌ عطف بيان لذلك، ‌و‌ لما كان المشار اليه ‌من‌ الامور المذكوره اسبابا يتوصل بها الى النجاه ‌من‌ سخطه تعالى، بينه بعطف السبب عليه ايضاحا له، كقوله تعالى: «ذلك الكتاب» ‌فى‌ بعض الوجوه.
 ‌و‌ قوله: «و اليك المفر ‌و‌ المهرب» اى: اليك الفرار ‌و‌ الهرب، ‌و‌ هما مصدران ميميان بمعنى، ‌و‌ عطف الثانى على الاول ‌من‌ عطف الشى ء على مرادفه، نحو: «عوجا ‌و‌ ‌لا‌ امتا»، ‌و‌ فائدته التاكيد، لان ذكر الشى ء مرتين يفيد التاكيد.
 قال بعض العارفين: اعلم ‌ان‌ فرار العبد الى الله تعالى على مراتب: فاولها: الفرار ‌من‌ بعض آثاره الى بعض، كالفرار ‌من‌ اثر غضبه الى اثر رحمته، كما قال تعالى حكايه عن المومنين ‌فى‌ التضرع اليه: «ربنا ‌و‌ ‌لا‌ تحملنا ‌ما‌ ‌لا‌ طاقه لنا ‌به‌ واعف عنا ‌و‌ اغفرلنا ‌و‌ ارحمنا» الايه، فكانهم لم يروا الا الله تعالى ‌و‌ افعاله، ففروا ‌من‌ بعضها الى بعض.
 الثانيه: ‌ان‌ يفنى العبد عن مشاهده الافعال، ‌و‌ يترقى ‌فى‌ درجات القرب ‌و‌ المعرفه الى مصادر الافعال ‌و‌ هى الصفات، فيفر ‌من‌ بعضها الى بعض، كما ورد عن زين العابدين عليه السلام: «اللهم اجعلنى اسوه ‌من‌ قد انهضته بتجاوزك عن مصارع المجرمين فاصبح طليق عفوك ‌من‌ اسر سخطك».
 ‌و‌ السخط ‌و‌ العفو صفتان، فاستعاذ باحداهما ‌من‌ الاخرى.
 الثالثه: ‌ان‌ يترقى عن مقام الصفات الى ملاحظه الذات، فيفر منها اليها،
 
كقوله تعالى: «لا ملجا ‌من‌ الله الا اليه»، ‌و‌ كالوارد ‌فى‌ الدعاء ‌فى‌ القيام الى الصلاه: «منك ‌و‌ بك ‌و‌ لك ‌و‌ اليك»، اى: منك بدء الوجود ‌و‌ بك قيامه ‌و‌ لك ملكه ‌و‌ اليك رجوعه، ثم اكد ذلك بقوله: «لا ملجا ‌و‌ ‌لا‌ منجى ‌و‌ ‌لا‌ مفر منك الا اليك».
 ‌و‌ قد جمع الرسول صلى الله عليه ‌و‌ آله هذه المراتب حين امر بالقرب ‌فى‌ قوله تعالى: «و اسجد ‌و‌ اقترب»، فقال ‌فى‌ سجوده: اعوذ بعفوك ‌من‌ عقابك، ‌و‌ اعوذ برضاك ‌من‌ سخطك، ‌و‌ اعوذ بك منك فاستعاذ اولا ببعض افعاله ‌من‌ بعض، ثم ترقى الى مصادرها فاستعاذ ببعض صفاته ‌من‌ بعض، ثم ترقى الى ملاحظه الذات فاستعاذ ‌به‌ منه.
 فهذه ثلاث مراتب للفرار الى الله تعالى، ‌و‌ المرتبه الثالثه هى اول مقام الوصول الى ساحل العزه، ثم للسباحه ‌فى‌ لجه الوصول الى درجات ‌لا‌ تتناهى، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «و اجر هربى» ايقاع الاجاره على الهرب مجاز عقلى، فان الاجاره انما تكون للهارب ‌لا‌ للهرب، ‌و‌ لكن جعلها للهرب لتلبسه، به، نحو: آمن خوفى.
 ‌و‌ انجحت مطلبه انجاحا: قضيت حاجته.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: انجح الله طلبتك فنجحت.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: النجاح بالفتح ‌و‌ النجح بالضم: الظفر بالشى ء، نجحت الحاجه كمنع ‌و‌ انجحت ‌و‌ انجحها الله، ‌و‌ انجح زيد: صار ذانجح.
 
صرفه صرفا- ‌من‌ باب ضرب-: رده ‌و‌ قلبه، ‌و‌ صرف الوجه فيمن يجوز عليه ذلك كنايه عن الاستهانه ‌و‌ السخط، لان ‌من‌ اكرم انسانا ‌و‌ رضى عنه اقبل بوجهه عليه، ‌و‌ ‌من‌ استهان ‌به‌ ‌و‌ سخط عليه صرف وجهه عنه، ثم كثر ‌و‌ اشتهر حتى صار الاقبال عباره عن الاكرام ‌و‌ الاحسان، ‌و‌ صرف الوجه عباره عن الاستهانه ‌و‌ السخط، ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن ثم اقبال ‌و‌ ‌لا‌ صرف، ثم جاء فيمن ‌لا‌ يجوز عليه ذلك مجردا، فجاء الاقبال بمعنى الرضا ‌و‌ الاحسان ‌فى‌ نحو: ‌و‌ اقبل على بوجهك ذى الجلال ‌و‌ الاكرام، ‌و‌ صرف الوجه بمعنى الاستهانه ‌و‌ السخط، كما ‌فى‌ عباره الدعاء، ‌و‌ كلاهما مجاز عما وقعا كنايه عنه فيمن يجوز عليه الاقبال ‌و‌ الصرف. هكذا حققه الزمخشرى ‌فى‌ نظير هذه العباره.
 ‌و‌ ‌هو‌ تصريح منه بان الكنايه يعتبر فيها صلوح اراده الحقيقه ‌و‌ ‌ان‌ لم ترد، ‌و‌ ‌ان‌ الكنايات قد تشتهر حتى ‌لا‌ تبقى تلك الجهه ملحوظه، ‌و‌ حينئذ تلحق بالمجاز، ‌و‌ ‌لا‌ يجعل مجازا الا بعد الشهره، لان جهه الانتقال الى المعنى المجازى اولا غير واضحه بخلاف المعنى المكنى عنه.
 ‌و‌ استشكل بما ذكره ‌فى‌ قوله تعالى: «بل يداه مبسوطتان» «و السماوات
 
مطويات بيمينه»، «الرحمن على العرش استوى» ‌و‌ نحو ذلك، انها كلها كنايات مع امتناع المعنى الحقيقى قطعا.
 ‌و‌ اجاب صاحب الكشف بانه لما كان هذا المجاز متفرعا على الكنايه، جاز ‌ان‌ يسمى مجازا ‌و‌ ‌ان‌ يسمى كنايه.
 ‌و‌ الجسيم ‌فى‌ الاصل: العظيم الجسم، ثم استعمل ‌فى‌ المعانى فقيل: امر جسيم اى: عظيم.
 قال ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز: امر جسيم، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ جسيمات الخطوب.
 ‌و‌ حظرته حظرا- ‌من‌ باب قتل-: منعته، ‌و‌ منه: «و ‌ما‌ كان عطاء ربك محظورا» اى: ممنوعا.
 قال ‌فى‌ النهايه: ‌و‌ كثيرا ‌ما‌ يرد ‌فى‌ الحديث ذكر المحظور ‌و‌ يراد ‌به‌ الحرام، ‌و‌ قد حظرت الشى ء: اذا حرمته ‌و‌ ‌هو‌ راجع الى المنع.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: حظر عليه كذا: حيل بينه ‌و‌ بينه، ‌و‌ هذا محظور: غير مباح.
 ‌و‌ قال الجوهرى: الحظر: الحجر، ‌و‌ ‌هو‌ خلاف الاباحه، ‌و‌ المحظور: المحرم.
 ‌و‌ ‌ما‌ وقع ‌فى‌ بعض التعاليق ‌من‌ ‌ان‌ الحظر بالتسكين بمعنى المنع، ‌و‌ اما الحظر بمعنى ‌ضد‌ الاباحه فبالتحريك، ‌لا‌ اصل له، بل ‌هو‌ بالمعنيين بالسكون، لم يفرق بينهما احد، كيف؟ ‌و‌ احد المعنيين اصل الاخر.
 ‌و‌ السبب ‌فى‌ اللغه: الحبل، ثم استعير لكل ‌ما‌ يتوصل ‌به‌ الى المطلوب، ‌و‌ المراد بسببه تعالى هنا: رحمته ‌و‌ فضله، كما قال عليه السلام ‌فى‌ الدعاء بعد صلاه الليل:
 
 
«خرجت ‌من‌ يدى اسباب الوصلات الا ‌ما‌ وصله رحمتك»، اى: فاتتنى الاسباب التى يتوصل بها الى السعادات الاخرويه الا السبب الذى ‌هو‌ رحمتك، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد ‌به‌ جميع ‌ما‌ يتوصل ‌به‌ الى قربه تعالى ‌و‌ نيل الزلفى لديه.
 ‌و‌ وجد مطلوبه يجده- ‌من‌ باب وعد- وجودا ‌و‌ وجدانا بالكسر: ادركه ‌و‌ ظفر به، ‌و‌ ‌فى‌ لغه لبنى عامر: يجده بضم الجيم، ‌و‌ ‌لا‌ نظير له ‌فى‌ باب المثال.
 ‌و‌ المراد بالسبيل هنا: الوسيله، عبر عنها بالسبيل لتوجه النفس اليها ‌و‌ كونها موصله الى المطلوب.
 ‌و‌ الامل: بمعنى المامول، ‌من‌ باب اطلاق المصدر على المفعول، كاللفظ بمعنى الملفوظ.
 ‌و‌ غير: اداه استثناء بمعنى الا، ‌و‌ نصبها اما على الاستثناء، ‌او‌ على البدل ‌من‌ المستثنى منه ‌و‌ ‌هو‌ السبيل، لانها تعرب اعراب الاسم التالى ل«الا». ‌و‌ ذهب بعضهم الى ‌ان‌ الفتحه فيها فتحه بناء، لاضافتها الى المبنى.
 ‌و‌ قدرت على الشى ء اقدر- ‌من‌ باب ضرب-: قويت عليه ‌و‌ تمكنت منه.
 ‌و‌ المعونه: اسم ‌من‌ اعانه اى: ساعده، ‌و‌ وزنها مفعله بضم العين، ‌و‌ بعضهم يجعل الميم فيها اصليه ‌و‌ يقول: وزنها فعوله، ماخوذه ‌من‌ الماعون ‌و‌ ‌هو‌ فاعول ‌من‌ المعن بمعنى العطاء، ‌و‌ منهم ‌من‌ يقول: الماعون اصله المعونه، ‌و‌ الالف عوض عن الهاء.
 ‌و‌ سوى: بمعنى غير التى هى صفه، اى: بمعونه احد غيرك.
 ‌و‌ الفاء: بمعنى لام التعليل، اى: لانى عبدك، ‌و‌ العبد: المملوك.
 قال سيبويه: ‌هو‌ ‌فى‌ الاصل صفه، قالوا: رجل عبد، ‌و‌ لكنه استعمل استعمال الاسماء.
 
و ‌فى‌ قبضتك: ‌اى‌ ‌فى‌ ملكك، ‌و‌ اصله ‌من‌ القبض ‌و‌ ‌هو‌ الامساك باليد. ‌و‌ قد تقدم الكلام عليه مبسوطا ‌فى‌ الروضه السادسه.
 ‌و‌ الناصيه: الشعر المسترسل ‌فى‌ مقدم الراس.
 قال الطبرسى: سمى شعر مقدم الراس ناصيه لاتصاله بالراس، ‌من‌ قولهم: ناصى يناصى مناصاه: اذا وصل.
 ‌و‌ ‌فى‌ تفسير النيسابورى: الناصيه: شعر الجبهه، ‌و‌ قد يسمى مكان الشعر ناصيه.
 ‌و‌ قال الازهرى: الناصيه عند العرب: منبت الشعر ‌فى‌ مقدم الراس ‌لا‌ الشعر، ‌و‌ انما تسميه العامه باسم منبته، انتهى.
 ‌و‌ ‌هو‌ الصحيح، يدل على ذلك انهم سموا كل موضع ‌من‌ الراس باسم يخصه، فقالوا لمقدم الراس: ناصيه، ‌و‌ للبياضين الذين يكتنفانها: نزعتان، ‌و‌ لموخر الراس: قفا، ‌و‌ ‌ما‌ بين النزعتين ‌و‌ القفا: جانبان، ‌و‌ لما احاط ‌به‌ ذلك: وسط الراس، لكنهم استعلموا الناصيه ‌فى‌ شعر مقدم الراس استعمالا فاشيا تسميه له باسم محله، فقالوا: ‌جز‌ ناصيته ‌و‌ اخذ بناصيته.
 ‌و‌ معنى ناصيتى بيدك: انى تحت قدرتك ‌و‌ تسخيرك، فهو تمثيل لقدرته سبحانه عليه يصرفه كيف يشاء غير مستعص عليه، كما قال تعالى: «ما ‌من‌ دابه الا ‌هو‌ آخذ بناصيتها» اى: الا ‌هو‌ مالك لها قادر عليها يصرفها على ‌ما‌ يريد بها.
 قال المفسرون: ‌هو‌ تمثيل لغايه التسخير ‌و‌ نهايه التذليل، ‌و‌ كان العرب اذا اسر
 
الاسير فارادوا اطلاقه ‌و‌ المن عليه جزوا ناصيته، فكان علامه لقهره.
 
قوله عليه السلام: «لا امرلى مع امرك» قال بعضهم: معناه ‌لا‌ امر لى مخالفا لامرك ‌او‌ موافقا ايضا اذا كنت انت الامر ‌او‌ ‌لا‌ امر لى بحيث اكون مستقلا باسبابه، فلا يدل على نفى فعل العبد، انتهى.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يراد بالامر المنفى ‌ما‌ يريده ‌من‌ الامور، ‌و‌ بامره تعالى خلاف النهى، ‌و‌ ‌هو‌ ظاهر.
 ‌و‌ مضى الامر مضيا: نفذ.
 ‌و‌ الحكم: مصدر حكم الحاكم عليه بكذا: اذا قضى عليه به، ‌و‌ اصله المنع، كانه منعه ‌من‌ خلافه فلم يقدر على الخروج منه، اى: نافذ ‌فى‌ حكمك، ‌لا‌ استطيع رده ‌و‌ ‌لا‌ الخروج منه.
 ‌و‌ القضاء: اما بمعنى المقضى، اذ قد يقال: هذا قضاء الله اى: مقضيه، ‌او‌ بمعنى الامر، ‌من‌ قضى بمعنى: امر، كقوله تعالى: «و قضى ربك الا تعبدوا الا اياه»، ‌او‌ بمعنى سطر ‌ما‌ كان ‌و‌ ‌ما‌ يكون ‌فى‌ اللوح المحفوظ بالقلم الالهى. ‌و‌ على كل تقدير لما كان العدل عباره عن التوسط ‌فى‌ الافعال ‌و‌ الاقوال بين طرفى الافراط ‌و‌ التفريط، ‌و‌ كان ‌ما‌ قضاه الله تعالى ‌و‌ حكم بوقوعه عليه، ‌او‌ امره ‌به‌ ‌و‌ نهاه عنه، اى: ‌ما‌ سطره ‌ما‌ كان ‌او‌ يكون ‌من‌ شانه ‌فى‌ اللوح المحفوظ، جاريا على وفق الحكمه، ‌و‌ النظام الاكمل، ‌لا‌ جرم كان قضاوه فيه- باى معنى حملته عليه- غير منسوب الى احد طرفى الافراط ‌و‌ التفريط، بل كان على حاق الوسط منهما ‌و‌ ‌هو‌ العدل.
 ‌و‌ السلطان: قدره الملك ‌و‌ موضع تسلطه، اى: ‌لا‌ استطيع الخروج ‌من‌ قدرتك ‌و‌ ‌من‌ حيطه ملكك، كما قال تعالى: «يا معشر الجن ‌و‌ الانس ‌ان‌ استطعتم ‌ان‌ تنفذوا
 
من اقطار السماوات ‌و‌ الارض فانفذوا ‌لا‌ تنفذون الا بسلطان» اى: ‌ان‌ قدرتم على ‌ان‌ تهربوا ‌من‌ قضائى، ‌و‌ تخرجوا ‌من‌ ملكوتى ‌و‌ ‌من‌ اقطار سماواتى ‌و‌ ارضى، فانفذوا ‌و‌ خلصوا انفسكم ‌من‌ عقابى، ‌و‌ ‌ان‌ لكم ذلك؟ ‌و‌ انتم ‌لا‌ تقدرون على النفوذ الا بسلطان ‌و‌ قوه ‌و‌ قهر، ‌و‌ ليس لكم شى ء ‌من‌ ذلك.
 ‌و‌ جاوزت الشى ء مجاوزه ‌و‌ تجاوزته: تعديته، اى: ‌لا‌ استطيع ‌ان‌ اتعدى قدرتك ‌و‌ استعصى عليها، بل انت قادر على ‌ما‌ تريد منى، سواء كان محبوبا لى ‌او‌ مكروها.
 ‌و‌ استماله استماله: استعطفه، اى: طلب ميله اليه اى: محبته، ‌من‌ مال اليه: بمعنى احبه.
 ‌و‌ الهوى مقصورا: مصدر هويته- ‌من‌ باب تعب-: اذا احببته، ‌و‌ المعنى: ‌لا‌ اقدر على استعطاف محبتك ‌و‌ جعلها مائله الى.
 ‌و‌ بلغ مراده بلوغا- ‌من‌ باب قعد-: ادركه ‌و‌ وصل اليه.
 ‌و‌ محبته ‌و‌ رضاه تعالى عباره عن ارادته.
 قال بعض المحققين: ‌و‌ يشبه ‌ان‌ يكون الرضا اعم ‌من‌ المحبه، لان كل محب راض عما احبه، ‌و‌ ‌لا‌ ينعكس.
 ‌و‌ نال مطلوبه يناله نيلا- ‌من‌ باب تعب- نيلا: ادركه.
 ‌و‌ المراد بما عنده سبحانه: خزائن رحمته الدنيويه ‌و‌ الاخرويه، المشار اليها بقوله تعالى: «ما عندكم ينفد ‌و‌ ‌ما‌ عند الله باق»، اى: ‌لا‌ نفاد له، اما الاخرويه فظاهره، ‌و‌ اما الدنيويه فحيث كانت موصوله بالاخرويه ‌و‌ مستتبعه بها، فقد انتظمت ‌فى‌ سمت الباقيات الصالحات.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «الا بطاعتك» استثناء مفرغ ‌من‌ محذوف عام، اى: بشى ء
 
من الاشياء الا بطاعتك ‌و‌ بفضل رحمتك، اى: بابتداء احسانها الكائن بلا عله.
 ‌و‌ لما كان السبب ‌فى‌ الفوز بمحبه الله سبحانه ‌و‌ رضاه، ‌و‌ نيل ‌ما‌ عنده ‌من‌ السعادات، امرين: احدهما: العمل الذى يترتب عليه الاجر ‌و‌ الجزاء.
 ‌و‌ الثانى: محض التفضل الذى يكون عن مزيد رحمته.
 حصر عليه السلام اسباب الفوز بذلك ‌فى‌ الطاعه التى يستعد بها المطيع لدرك بغيته ‌من‌ الله تعالى، ‌و‌ ‌فى‌ فضل رحمته الذى يوتيه ‌من‌ يشاء. ‌و‌ قدم الطاعه لانها كما تكون سببا لاستعداد العبد لنيل الاجر ‌و‌ الجزاء، تكون سببا لافاضه الرحمه المقتضيه للتفضل ‌من‌ غير استحقاق، كما قال تعالى: «ان رحمه الله قريب ‌من‌ المحسنين»، ‌و‌ الله اعلم.
 
«اصبح» ‌و‌ «امسى» يكونان تامين بمعنى وصلنا الى الصبح ‌و‌ المساء ‌و‌ دخلنا فيهما، ‌و‌ يكونان ناقصين، ‌و‌ لهما حينئذ معنيان: احدهما: ‌ان‌ يكونا بمعنى صار مطلقا، ‌من‌ غير اعتبار الوقتين اللذين يدل عليهما تركيب الفعل اعنى الصبح ‌و‌ المساء، بل باعتبار الزمن الذى يدل عليه صيغه الفعل اعنى الماضى فيهما، ‌او‌ الحال ‌او‌ الاستقبال ‌فى‌ مضارعهما، فيكونان لافاده الانتقال ‌من‌ حال الى حال مجردا عن ملاحظه الوقت، ‌و‌ منه قوله تعالى: «فاصبحتم بنعمته اخوانا».
 ‌و‌ الثانى: ‌ان‌ يكونا بمعنى كان ‌فى‌ الصبح ‌و‌ كان ‌فى‌ المساء، فيقترن ‌فى‌ هذا المعنى
 
مضمون الجمله اعنى مصدر الخبر مضافا الى الاسم، بزمانى الفعل اعنى الذى يدل عليه تركيبه ‌و‌ الذى يدل عليه صيغته، فمعنى اصبح زيد اميرا: ‌ان‌ اماره زيد مقترنه بالصبح ‌فى‌ الزمن الماضى.
 اذا عرفت ذلك، فاعلم ‌ان‌ بعض الفضلاء صرح ‌فى‌ نظير هذه العباره ‌من‌ الدعاء، ‌ان‌ اصبح ‌و‌ امسى محتمله للمعانى الثلاثه، فقال: اصبح ‌و‌ امسى اما تامه، ‌او‌ بمعنى صار، ‌او‌ لاقتران مضمون الجمله بهذين الوقتين، انتهى.
 ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ احتمال كونهما هنا بمعنى صار باطل، اما اولا: فلو قصد هذا المعنى لاكتفى باحد الفعلين عن الاخر، اذ هما بمعنى واحد على هذا المعنى.
 ‌و‌ اما ثانيا: فلان المقصود بايراد الفعلين الاستمرار، اى: كل صباح ‌و‌ مساء، ‌و‌ كونهما بمعنى صار ينتفى معه هذا الغرض، فلم يبق الا احتمال المعنيين الاخرين.
 ‌و‌ قد تقدم ‌فى‌ شرح دعاء الصباح ‌فى‌ الروضه السادسه ‌ان‌ مثل هذا الكلام ‌فى‌ الدعاء انشاء ‌فى‌ صوره الخبر، فالمقصود ‌به‌ الاقرار لله سبحانه بالعبوديه صباحا ‌و‌ مساء ‌لا‌ الاخبار عن كونه دخل ‌فى‌ الصباح ‌و‌ المساء حال كونه عبدا، ‌و‌ ‌لا‌ ‌ان‌ عبوديته مقترنه بالصبح ‌و‌ المساء ‌فى‌ الزمن الماضى، فتنبه.
 ‌و‌ قوله: «عبدا» اما حال ‌ان‌ جعلت اصبحت ‌و‌ امسيت تامين، ‌او‌ خبر ‌ان‌ جعلتهما بمعنى الكون ‌فى‌ الصبح ‌و‌ المساء، على التنازع فيهما.
 ‌و‌ داخرا: صفه لعبد، اى: ذليلا صاغرا.
 قال ‌فى‌ القاموس: دخر كمنع ‌و‌ فرح دخورا ‌و‌ دخرا: صغر ‌و‌ ذل.
 ‌و‌ ذلك: اما صفه بعد صفه، ‌او‌ حال ‌من‌ عبد لتخصصه بالوصف.
 
و جمله: «لا املك» اما خبرثان لاصبحت ‌و‌ امسيت، ‌او‌ حال ‌من‌ فاعلهما، ‌او‌ مستانفه.
 ‌و‌ اللام ‌من‌ قوله: «لنفسى»: اما متعلقه باملك، ‌او‌ بمحذوف وقع حالا ‌من‌ نفعا، اى: ‌لا‌ اقدر لاجل نفسى على جلب نفع ما، ‌و‌ ‌لا‌ على دفع ضر ما.
 ‌و‌ قوله: «الا بك» استثناء مفرغ، اى: بشى ء الا بك، اى: بمشيئتك ‌او‌ بقدرتك، ‌و‌ فيه اقتباس ‌من‌ قوله تعالى: «قل ‌لا‌ املك لنفسى نفعا ‌و‌ ‌لا‌ ضرا الا ‌ما‌ شاء الله».
 ‌و‌ قال النيسابورى: احتجت الاشاعره بهذه الايه ‌فى‌ مساله خلق الاعمال، قالوا: الايمان نفع ‌و‌ الكفر ضر، فوجب ‌ان‌ ‌لا‌ يحصلا الا بمشيئه الله تعالى. ‌و‌ اجابت المعتزله بان المراد: ‌لا‌ املك لنفسى ‌من‌ النفع ‌و‌ الضر الا قدر ‌ما‌ شاء الله ‌ان‌ يقدرنى عليه ‌و‌ يمكننى منه.
 ‌و‌ قال امين الاسلام ابوعلى الطبرسى: ‌فى‌ هذا الاستثناء دلاله على فساد مذهب المجبره، لان الاعمال لو كانت مخلوقه لله لما صح الاستثناء منها، لان احدا ‌لا‌ يملك عندهم شيئا.
 قوله عليه السلام: «اشهد بذلك على نفسى» فصل الجمله لكمال انقطاعها عما قبلها، ‌و‌ اختار الفعليه لافاده التجدد ‌و‌ المضارع لافاده الاستمرار، اى: اقر ‌و‌ اعترف على نفسى بما ذكرت ‌من‌ كونى لم ازل عبدا داخرا لك ‌لا‌ اقدر لنفسى على نفع ‌و‌ لاخر ‌و‌ اعترف بالشى ء اعترافا: اقربه على نفسه.
 ‌و‌ القوه: تطلق على كمال القدره، ‌و‌ على شده الممانعه، ‌و‌ يقابلها الضعف. ‌و‌ لما
 
كان كل ذى قوه غيره سبحانه ضعيفا عادم القوه ‌من‌ نفسه، فهو ‌فى‌ ذل الضعف ‌و‌ امر العجز، وجب الاعتراف له تعالى بضعف القوه ‌و‌ عدمها، اذ كانت قوته انما تتتحقق فيه بمفهوميها منه سبحانه.
 ‌و‌ الحيله: الحذق ‌فى‌ تدبير الامور، ‌و‌ ‌هو‌ اعمال الفكر ‌و‌ تقليبه حتى يهتدى الى المقصود.
 ‌و‌ المراد بالقله هنا: العدم، ‌و‌ كثيرا ‌ما‌ يعبر بها عنه، فيقال: قليل الخير اى: ‌لا‌ يكاد يفعله.
 ‌و‌ الاعتراف له سبحانه بقله الحيله، ‌من‌ حيث استحقاق العبد العجز لذاته عن جلب منافعه ‌و‌ دفع مضاره، فهو ‌لا‌ يستطيع ‌من‌ نفسه ‌ان‌ يدبر اموره ‌و‌ يعلم مرغوبه ‌و‌ محذوره، كما قيل:
 اذا لم يكن عون ‌من‌ الله للفتى
 فاول ‌ما‌ يجبنى عليه اجتهاده
 ‌و‌ انجز له وعده انجازا اذا وفى له به.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: انجز وعده انجازا ‌و‌ نجز الوعد ‌و‌ ‌هو‌ ناجز: اذا حصل ‌و‌ ثم، ‌و‌ منه: ‌و‌ نجز الكتاب، ‌و‌ نجزت حاجته.
 ‌و‌ المراد بما وعده: ‌ما‌ وقع الوعد ‌به‌ منه سبحانه ‌من‌ اجابه دعوه الداعى اذا دعاه ‌و‌ اجابه المضطر ‌و‌ كشف السوء، ‌و‌ بتتميم ‌ما‌ آتاه: ابقاوه عليه ‌و‌ عدم زواله ‌و‌ تغييره، ‌و‌ منه: الدعوه التامه اى: التى ‌لا‌ يدخلها تغيير بل باقيه الى يوم النشور، ‌او‌ جعله تاما ‌لا‌ نقص فيه ‌و‌ ‌لا‌ عيب، ‌و‌ منه: كلمات الله التامه اى: التى ليس ‌فى‌ شى ء منها نقص ‌و‌ ‌لا‌ عيب.
 ‌و‌ المسكين: ‌من‌ المسكنه، ‌و‌ هى الذله ‌و‌ الافتقار، ‌و‌ ‌هو‌ مفعيل ‌من‌ السكون.
 ‌و‌ المستكين: اسم فاعل ‌من‌ استكان. ‌و‌ اختلفوا فيه فقيل: ‌هو‌ ‌من‌ الكون، لانه
 
يقال: استكان: اذا ذل ‌و‌ خضع، اى: صار له كون خلاف كونه، كما يقال: استحال: اذا تغير ‌من‌ حال الى حال، الا ‌ان‌ استحال عام ‌فى‌ كل حال، ‌و‌ استكان خاص بالتغير ‌و‌ الذل.
 ‌و‌ قال آخرون: انه افتعل ‌من‌ السكون، ‌و‌ زيدت الالف لاشباع الفتحه.
 ‌و‌ قال ابوعلى الفارسى ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌ما‌ ضعفوا ‌و‌ ‌ما‌ استكانوا»: ‌لا‌ اقول: انه افتعلوا ‌من‌ السكون ‌و‌ زيدت الالف، لكنه عندى استفعلوا مثل استقاموا، ‌و‌ العين حرف عله، ‌و‌ لذا ثبت ‌فى‌ اسم الفاعل نحو: مستكين، ‌و‌ ‌فى‌ نحو: يستكين، على انه يجوز ‌ان‌ يكون ‌من‌ الزيادات اللازمه، كما قالوا: مكان، ‌و‌ ‌هو‌ مفعل ‌من‌ الكون، ثم قالوا: امكنه ‌و‌ اماكن ‌و‌ تمكن ‌و‌ استمكن، على توهم اصاله الميم للزومه ‌و‌ ثباته ‌فى‌ جميع متصرفاته.
 ‌و‌ الضعيف: المتصف بالضعف، ‌و‌ ضعف الانسان باعتبار خلقته، ‌و‌ باعتبار عجزه ‌من‌ مخالفه هواه ‌و‌ عدم قدرته على مقاتله دواعيه، اما الاول فظاهر بالنسبه الى كثير ‌من‌ المخلوقات بل الحيوانات، ‌و‌ لهذا اشتد احتياجه الى التعاون ‌و‌ التمدن ‌و‌ الاغذيه ‌و‌ الادويه ‌و‌ المساكن ‌و‌ الملابس ‌و‌ المراكب ‌و‌ الذخائر ‌و‌ المعاملات، الى غير ذلك ‌من‌ الضرورات.
 ‌و‌ اما الثانى فاظهر، ‌و‌ لهذا ‌لا‌ يصبر عن الشهوات ‌و‌ ‌لا‌ يتحمل مشاق الطاعات.
 ‌و‌ الضرير: فعيل بمعنى مفعول، ‌من‌ الضر بالضم ‌و‌ ‌هو‌ الفاقه ‌و‌ الفقر ‌و‌ سوء الحال ‌و‌ الشده.
 قال الازهرى: كلما كان ‌من‌ سوء حال ‌و‌ فقر ‌و‌ شده ‌فى‌ بدن فهو ضر بالضم،
 
و ‌ما‌ كان ‌ضد‌ النفع فهو بفتحها.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ بالضم اسم، ‌و‌ بالفتح مصدر.
 ‌و‌ ذل ذلا- ‌من‌ باب ضرب-: هان فهو ذليل، ‌و‌ الاسم الذل بالضم ‌و‌ الذله بالكسر.
 ‌و‌ حقر الشى ء بالضم حقاره: هان قدره فلا يعبا ‌به‌ فهو حقير.
 ‌و‌ المهين: فعيل ‌من‌ المهانه.
 قال ‌فى‌ الاساس: مهن مهانه: حقر فهو مهين.
 ‌و‌ قال الطبرسى: المهين: الضعيف الحقير، ‌و‌ قيل: المهين: الفقير الذى يمتهن نفسه ‌فى‌ جميع ‌ما‌ يحتاج اليه، ليس له ‌من‌ يكفيه امره، انتهى.
 ‌و‌ الفقير: فعيل بمعنى فاعل، يقال: فقر يفقر- ‌من‌ باب تعب-: اذا ‌قل‌ ماله ‌و‌ احتاج.
 قال ابن السراج: ‌و‌ لم يقولوا: فقر بالضم، استغنوا عنه بافتقر.
 قال بعضهم: ‌و‌ ليس الفقر عند اهل التحقيق الفاقه ‌و‌ قله المال، بل ‌هو‌ الحاجه الى الله تعالى ‌و‌ الاستغناء ‌به‌ عن غيره، ‌و‌ هذا المعنى ‌هو‌ المراد هنا.
 ‌و‌ الخائف: فاعل ‌من‌ خاف يخاف خوفا ‌و‌ خيفه ‌و‌ مخافه ‌و‌ عرفوا الخوف بانه توقع حلول مكروه ‌او‌ فوات محبوب، فمعنى الخائف هنا: الخائف ‌من‌ حلول عقابك ‌و‌ فوات ثوابك.
 ‌و‌ استجاره: طلب منه ‌ان‌ يجيره، اى: يومنه مما يخاف، فهو مستجير، اى: المستجير بك منك.
 
النسيان: نقيض الذكر، ‌و‌ قد يطلق على الترك، اى: ‌لا‌ تجعلنى غير حافظ ‌او‌ تاركا لذكرك.
 ‌و‌ قوله: «فيما اوليتنى» متعلق بقوله: «ناسيا»، ‌او‌ ب«ذكرك» ‌و‌ فى: ظرفيه مجازيه.
 ‌و‌ ما: اسم موصول، ‌و‌ العائد محذوف اى: فيما اوليتنيه.
 ‌و‌ اوليته معروفا: اعطيته اياه.
 ‌و‌ الغفله: غيبه الشى ء عن البال، ‌و‌ قد تستعمل ‌فى‌ ترك الشى ء اهمالا ‌و‌ اعراضا، كما ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌هم‌ ‌فى‌ غفله معرضون»، ‌و‌ عدى غافلا باللام ‌و‌ حقه ‌ان‌ يعدى ب«عن» فيقال: غفلت عنه، لتضمينه معنى النسيان، ‌و‌ باب التضمين واسع جدا، ‌و‌ منه قوله تعالى: «الرفث الى نسائكم»، ضمن الرفث معنى الافضاء فعداه ب«الى» مثل «و قد افضى بعضكم الى بعض»، ‌و‌ انما اصل الرفث ‌ان‌ يتعدى بالباء، يقال: رفث فلان بامراته اى: ‌لا‌ تجعلنى غافلا عن شكر احسانك، كما وقع ‌فى‌ نسخه اخرى.
 ‌و‌ الابلاء: الانعام ‌و‌ الاحسان، ‌و‌ منه حديث: ‌من‌ ابلى فذكر فقد شكر.
 ‌و‌ حديث كعب: ‌ما‌ اعرف احدا ابلاه الله احسن مما ابلانى.
 قال القتيبى: يقال ‌من‌ الخير: ابليته، ‌و‌ ‌من‌ الشر: بلوته ابلوه بلاء.
 
و تعقبه ابن الاثير بان الابلاء يكون ‌فى‌ الخير ‌و‌ الشر ‌من‌ غير فرق بين فعليهما، ‌و‌ منه: «نبلوكم بالشر ‌و‌ الخير فتنه».
 ‌و‌ اصل البلاء ‌و‌ الابلاء: الاختبار ‌و‌ الامتحان، بلوته ‌و‌ ابليته ‌و‌ ابتليته جميعها بمعنى، ‌و‌ ‌هو‌ تعالى يبلو بالخير لامتحان الشكر، ‌و‌ بالمكروه لامتحان الصبر، ‌و‌ على هذا، فقوله عليه السلام: «فيما ابليتنى» يجوز ‌ان‌ يكون بمعنى الخير، ‌و‌ ‌ان‌ يكون بمعنى الخير، ‌و‌ ‌ان‌ يكون بمعنى المكروه.
 ‌لا‌ يقال: ذكر الاحسان يعين كونه بمعنى الخير.
 لانا نقول: كونه بمعنى المكروه ايضا يستلزم الاحسان، لانه اذا قوبل بصبر جميل استلزم ثوابا جزيلا، كما قال تعالى: «و بشر الصابرين» الايه، ‌و‌ ظاهر ‌ان‌ سبب الاحسان احسان.
 ‌و‌ الايس: اسم فاعل ‌من‌ ايس ياس- ‌من‌ باب علم-.
 قال ابن السكيت: آيست منه آيس ياسا: لغه ‌فى‌ يئست منه اياس ياسا، ‌و‌ مصدرهما واحد.
 ‌و‌ قال صاحب المحكم: ‌و‌ اما يئس ‌و‌ ايس فالاخيره مقلوبه عن الاولى لانه ‌لا‌ مصدر لايس، ‌و‌ ‌لا‌ يحتج باياس اسم رجل، فانه فعال ‌من‌ الاوس ‌و‌ ‌هو‌ العطاء، كما يسمى الرجل عطيه وهبه.
 ‌و‌ لكن صاحب القاموس جعل الاياس مصدرا لايس، فقال: ايس منه كسمع: قنط انتهى.
 ‌و‌ يشهد له ‌ما‌ ورد ‌فى‌ شعر لبعض عاد، ‌و‌ هو:
 «ما زلت احفر ‌سد‌ عاد جاهدا
 حتى بلغت القعر بعد ياس»
 ‌و‌ يروى لمجنون ليلى:
 
يقولون عن ليلى غنيت ‌و‌ انما
 ‌بى‌ الياس عن ليلى ‌و‌ ليس ‌بى‌ الصبر
 ‌و‌ انى لاهواها ‌و‌ انى لايس
 هوى ‌و‌ اياس كيف ضمهما الصدر
 ‌و‌ «ان» ‌من‌ قوله عليه السلام: «و ‌ان‌ ابطات عنى»: شرطيه وصليه، ‌و‌ جوابها محذوف اعتمادا على دلاله ‌ما‌ قبله عليه، اى: ‌ان‌ ابطات عنى فلا تجعلنى آيسا، ‌و‌ الجمله معطوفه على اخرى مثلها، اى: ‌ان‌ لم تبطى عنى ‌و‌ ‌ان‌ ابطات عنى، ‌و‌ قد اطرد حذفها لدلاله المذكوره عليها دلاله واضحه، فان الشى ء اذا تحقق مع المنافى فلئن يتحقق مع عدمه اولى، ‌و‌ على هذه النكته يدور ‌ما‌ ‌فى‌ ‌ان‌ الوصليه ‌و‌ لو الوصليه ‌من‌ التاكيد، ‌و‌ قد مر تحقيقه ‌فى‌ الرياض السابقه.
 ‌و‌ السراء: المسره ‌و‌ الخير.
 ‌و‌ الضراء: الشده ‌و‌ النقص ‌فى‌ الاموال ‌و‌ الانفس.
 قال الطيبى ‌فى‌ قوله: «يحمدون الله ‌فى‌ السراء ‌و‌ الضراء»: ‌اى‌ ‌فى‌ جميع الاحوال، قوبل الضر بالسرور لمزيد النعيم، ‌و‌ المقابله الحقيقيه للسرور ‌و‌ الحزن.
 ‌و‌ قال الجوهرى: السراء: الرخاء، ‌و‌ ‌هو‌ نقيض الضراء.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ السراء ‌و‌ الضراء ‌و‌ الباساء ‌و‌ النعماء كلها اسماء مونثه ‌من‌ غير تذكير، ‌و‌ الظرف ‌من‌ قوله: «فى سراء» مستقر متعلق بمحذوف خبر لكنت قدم عليها جوازا.
 قال بعضهم: احسن ‌ما‌ يستشهد ‌به‌ على جواز تقديم خبر كان عليها ببيت العروض:
 اعلموا انى لكم حافظ
 شاهدا ‌ما‌ كنت ‌او‌ غائبا
 ‌و‌ جمله «كنت» حال ‌من‌ مفعول ‌لا‌ تجعلنى، نحو: اضربه قام ‌او‌ قعد. ‌و‌ التقدير كنت ‌فى‌ سراء ‌او‌ ضراء، اى: كائنا على كل حال، هذا قول الجمهور.
 
و قال الرضى: قيل: ‌ان‌ الماضى ‌فى‌ نحو قولهم: «اضربه قام ‌او‌ قعد» حال، ‌و‌ يجب تجرده عن «قد» ظاهره ‌و‌ مقدره، ‌و‌ الاولى انه شرط ‌لا‌ حال، اى: ‌ان‌ قام اوقعد، ‌و‌ لو كان حالا لسمع معه قد ‌او‌ الواو، كما ‌فى‌ غيره ‌من‌ الماضى الواقع حالا.
 ‌و‌ الدليل على انه شرط افاده الماضى ‌فى‌ مثل ذلك معنى المستقبل، ‌و‌ ‌ما‌ ذلك الا لتضمن معنى الشرط، ‌و‌ مفهوم كلامه ‌ان‌ الجمله على تقدير الشرط ‌لا‌ تكون حالا، ‌و‌ ‌هو‌ خلاف ‌ما‌ نص عليه ابن هشام، حيث قال: ‌و‌ يجوز ‌فى‌ الجمله الشرطيه ‌ان‌ تقع حالا اذا شرط فيها الشى ء ‌و‌ نقيضه، نحو: لاضربنه ‌ان‌ ذهب ‌و‌ ‌ان‌ مكث، انتهى.
 على انهم صرحوا بانه انما وجب ترك الواو ‌فى‌ جمله الحال ‌من‌ نحو: اضربه قام اوقعد، لانها ‌فى‌ قوه فعل الشرط، اى: اضربه ‌ان‌ قام اوقعد.
 ‌و‌ ‌ما‌ وقع لبعضهم ‌من‌ ‌ان‌ قوله:«فى سراء» متعلق بكائن مقدر حال ‌من‌ ‌لا‌ تجعلنى، ‌و‌ «كنت» مبين ‌و‌ موضح للمحذوف، فيه: ‌ان‌ متعلق الظرف الواجب الحذف ‌لا‌ يحتاج الى مبين ‌و‌ موضح، ‌و‌ ‌ان‌ المفسر يجب ‌ان‌ يكون مثل المحذوف صوره كما نصوا عليه، فجعل كنت مفسرا ‌لا‌ وجه له.
 ‌و‌ الشده بالكسر: اسم ‌من‌ الاشتداد، يقال: ‌هو‌ ‌فى‌ شده ‌من‌ العيش اى: ‌فى‌ ضيق ‌و‌ قله.
 ‌و‌ الرخاء بالمد: اتساع العيش.
 ‌و‌ العافيه: السلامه ‌من‌ جميع المكروهات الظاهره ‌و‌ الباطنه ‌فى‌ الدين ‌و‌ الدنيا .
 ‌و‌ البلاء هنا: بمعنى المكروه، لمقابلته للعافيه.
 ‌و‌ البوس بالضم: الفقر ‌و‌ شده الحاجه، يقال: بئس- ‌من‌ باب سمع- بوسا
 
بالضم: اذا اشتدت حاجته.
 ‌و‌ النعماء بالفتح ‌و‌ المد ‌و‌ النعمى بالضم ‌و‌ القصر: النعمه.
 قال صاحب المحكم: النعيم ‌و‌ النعماء ‌و‌ النعمى ‌و‌ النعمه كله الخفض ‌و‌ الدعه ‌و‌ المال.
 ‌و‌ الجده كالعده: الغنى، يقال: وجد يجد وجدا بالضم ‌و‌ الكسر لغه وجده ‌اى‌ استغنى.
 ‌و‌ اللاواء: الشده ‌و‌ ضيق المعيشه.
 ‌و‌ الفقر: عباره عن فقد ‌ما‌ ‌هو‌ محتاج اليه، اما فقد ‌ما‌ ‌لا‌ يحتاج اليه فلا يسمى فقرا.
 ‌و‌ الغنى بالكسر ‌و‌ القصر: اليسار ‌و‌ وفور المال، ‌و‌ ‌فى‌ روايه: ‌و‌ «غناء» بالفتح ‌و‌ المد ‌و‌ ‌هو‌ الاكتفاء، يقال: ليس عنده غناء اى: ‌ما‌ يغتنى ‌به‌ اى: يكتفى.
 
الثناء لغه: وصف الشى ء بخير ‌او‌ شر.
 ‌و‌ منه الحديث: ‌من‌ اثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنه، ‌و‌ ‌من‌ اثنيتم عليه شرا وجبت له النار.
 ‌و‌ خص عرفا بالخير.
 قيل: نشر المحامد باللسان، ‌و‌ قيل: وصف الشى ء بما يشعر بتعظيمه.
 
و المدح: الوصف بالجميل الاختيارى ‌و‌ غيره ذا علم كان الموصوف اولا، فتقول: مدحته على حسنه كما تقول: مدحته على احسانه، ‌و‌ تقول: مدحت هذا الدر الثمين كما تقول: مدحت هذا الحر الامين.
 ‌و‌ الحمد: الوصف بالجميل الاختيارى على قصد التعظيم.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: الحمد ‌و‌ المدح اخوان.
 فقيل: يعنى ‌من‌ جهه الاشتقاق الكبير.
 ‌و‌ قيل: بل بمعنى الترادف، لقوله ‌فى‌ الفائق: الحمد: ‌هو‌ المدح ‌و‌ الوصف بالجميل.
 ‌و‌ ضعف بان الاستعمال ‌لا‌ يساعده بل يشهد بخلافه، ‌و‌ قد قسموا الحمد الى لغوى ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ تقدم، ‌و‌ الى عرفى ‌و‌ ‌هو‌ فعل يشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعما، اعم ‌من‌ ‌ان‌ يكون فعل اللسان ‌او‌ الاركان.
 ‌و‌ الى قولى ‌و‌ ‌هو‌ حمد اللسان ‌و‌ ثناوه على الحق ‌ما‌ اثنى ‌به‌ على نفسه على لسان انبيائه.
 ‌و‌ الى فعلى ‌و‌ ‌هو‌ الاتيان بالاعمال البدنيه ابتغاء لوجه الله.
 ‌و‌ الى حالى ‌و‌ ‌هو‌ الذى يكون بحسب الروح ‌و‌ القلب كالاتصاف بالكمالات العلميه ‌و‌ العمليه ‌و‌ التخلق بالاخلاق الالهيه.
 ‌و‌ الظرف ‌من‌ قوله: «فى كل حالاتى»: مستقر ‌فى‌ محل نصب على انه مفعول ثان ‌لا‌ جعل، لانه بمعنى صير المتعدى الى مفعولين.
 ‌و‌ حتى: تعليليه مرادفه لكى، اى: اجعلنى مشغولا بثنائك ‌و‌ مدحك ‌و‌ حمدك دائما، ‌كى‌ ‌لا‌ يداخلنى فرح بما منحتنى ‌من‌ الدنيا، ‌و‌ ‌لا‌ حزن على ‌ما‌ منعتنى فيها، ‌و‌ ‌فى‌  
 
روايه: «منها» ‌و‌ ‌هو‌ الانسب.
 قوله عليه السلام: «و اشعر قلبى تقواك» اى: ‌غش‌ قلبى بتقواك ‌و‌ البسه اياها.
 قال ‌فى‌ الاساس: اشعره شرا: غشاه به.
 ‌و‌ الاشعار: الباس الشعار، ‌و‌ ‌هو‌ الثوب الذى يلى الجسد ‌و‌ الدثار فوقه.
 قالوا: سمى شعارا لانه يلى شعر الجسد، يقال: اشعره الشعار: اذا البسه اياه.
 قال صاحب المحكم: قال بعض الفصحاء: اشعرت نفسى ثقيل امره ‌و‌ ثقيل طاعته، فاستعمله ‌فى‌ العرض، انتهى.
 ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون معنى اشعر قلبى تقواك: خالطه بها، ‌من‌ قولهم اشعره سنانا: اذا خالطه به، ‌او‌ الزق بقلبى تقواك، ‌من‌ قولهم: اشعر الرجل هما ‌و‌ اشعر الهم قلبه: اذا لزق ‌به‌ كلزوق الشعار، ‌و‌ كل هذه المعانى راجعه الى الشعار ‌من‌ حيث اتصاله ‌و‌ ملابسته لبدن الانسان. ‌و‌ انما خص القلب باشعاره التقوى، لانه مركزها الذى اذا ثبتت فيه ‌و‌ تمكنت ظهر اثرها ‌فى‌ سائر الاعضاء، فهو الذى عليه مدارها ‌و‌ منه عيارها، ‌و‌ ‌لا‌ عبره بما يظهر ‌من‌ آثارها على سائر الجوارح دونه، ‌و‌ لذلك اضافها سبحانه الى القلوب، فقال: «و ‌من‌ يعظم شعائر الله فانها ‌من‌ تقوى القلوب».
 قوله عليه السلام: «و استعمل بدنى فيما تقبله منى» اى: ‌فى‌ العمل الذى تقبله منى ‌و‌ قبول الله تعالى عمل العبد عباره عن كون العمل بحيث يرضاه سبحانه ‌او‌ يثيب عليه، ‌و‌ الاول الذ عند العارفين ‌من‌ الثانى.
 شبه الفعل ‌من‌ العبد بالهديه، ‌و‌ اثابه الله تعالى عليه ‌و‌ رضاه بالقبول، ‌و‌ مدار القبول على الاخلاص ‌فى‌ العمل، حتى قيل: ‌ان‌ طلب القبول كنايه عن جعله مقرونا بالاخلاص.
 
قوله عليه السلام:«و اشغل بطاعتك نفسى» الى آخره، سال عليه السلام ‌ان‌ يجعل سبحانه نفسه مستغرقه ‌فى‌ طاعته تعالى، متوجهه بكليتها عن كل ‌ما‌ يوجب الالتفات عن حضرته المقدسه، ‌من‌ الاهتمام بعلائق احوال الدنيا الوارده عليه ‌من‌ خير ‌و‌ شر، ليكون هواه ‌و‌ ارادته فيما اراده الله تعالى ‌و‌ قدره ‌و‌ قضاه، فلا يحب الا ‌ما‌ احبه الله، ‌و‌ ‌لا‌ يسخط الا ‌ما‌ سخط الله، ‌و‌ ‌هو‌ مقام الرضا بالقضاء. ‌و‌ وجه كون شغل النفس بالطاعه عن كل وارد عليها عله ‌و‌ سببا للرضا ‌و‌ التسليم: ‌ان‌ النفس اذا كانت مستغرقه ‌فى‌ طاعته سبحانه، معرضه عن الالتفات الى غيره، حصل لها الزهد الحقيقى ‌فى‌ الدنيا، فيقرب ‌من‌ الحق فتحصل له مرتبه اليقين بالله ‌و‌ بكماله ‌و‌ حسن فعاله، ‌و‌ اليقين يوجب المحبه فيحصل له الرضا، لان الرضا لازم للمحبه ‌و‌ تابع لها.
 ‌و‌ بالجمله: السالك اذا اشتغل بما يعنيه ‌و‌ ترك ‌ما‌ ‌لا‌ يعنيه حقيقه، وصل الى مقام المشاهده الذى ‌هو‌ عين اليقين، ‌و‌ اذا وصل الى هذا المقام استولت على قلبه المحبه التامه، ‌و‌ اذا حصلت له المحبه ثبت ‌فى‌ مقام الرضا، فيرضى بكل ‌ما‌ صدر ‌و‌ يصدر منه تعالى، كما ‌هو‌ شان المحب مع محبوبه، فلا يحب شيئا مما سخطه، ‌و‌ ‌لا‌ يسخط شيئا مما احبه، بل يستقبل احكامه بالفرح، ‌و‌ ‌لا‌ يكون لنفسه معها مقترح، ‌و‌ اهل الرضا يرون ‌من‌ الرضا ‌ان‌ ‌لا‌ يذم شيئا ‌و‌ ‌لا‌ يعيبه، ‌و‌ ‌لا‌ يتسخط ‌ما‌ اراده ‌و‌ فجر مواده، ‌و‌ ‌لا‌ يزرى على ‌ما‌ ابدعه ‌و‌ خلقه ‌و‌ صنعه، بل يشاهد الصانع ‌فى‌ جميع ‌ما‌ صنعه، بل ‌لا‌ ينبغى ‌ان‌ يقول العبد: هذا يوم شديد الحر، ‌و‌ ‌لا‌ هذا يوم شديد البرد، ‌و‌ ‌لا‌ يقول: الفقر بلاء ‌و‌ محنه، ‌و‌ ‌لا‌ العيال ‌هم‌ ‌و‌ تعب، ‌و‌ الاحتراق كد ‌و‌ نصب، ‌و‌ ‌لا‌ يعقد بقلبه ‌من‌ ذلك ‌ما‌ ‌لا‌ يفوه بلسانه، بل يرضى القلب ‌و‌ يسلم اللسان، ‌و‌ تطيب الروح ‌و‌ تسكن النفس، ‌و‌ يستسلم الفعل بوجود حلاوه القضاء ‌و‌ التقدير، ‌و‌ استحسان محكم التدبير.
 قال انس ‌بن‌ مالك: خدمت النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله عشر سنين، ‌ما‌ قال
 
لشى ء فعلته: لم فعلته، ‌و‌ ‌لا‌ لشى ء لم افعله: الا فعلته، ‌و‌ ‌لا‌ قال لشى ء كان: ليته لم يكن، ‌و‌ ‌لا‌ لشى ء لم يكن: ليته كان، ‌و‌ كان يقول لو قضى لكان.
 ‌و‌ قد تقدم ‌فى‌ الرياض السابقه كلام ‌فى‌ الرضا، ‌و‌ سياتى ‌ان‌ شاء الله تعالى تمام الكلام عليه.
 
و قد تقدم الكلام على محبه العبد لله تعالى ‌و‌ محبته سبحانه للعبد ‌فى‌ الروضه السادسه بما يغنى عن اعادته هنا.
 ‌و‌ المراد بتفريغ قلبه لمحبته جعله خاليا عن محبه غيره، بحيث ‌لا‌ يكون لغير محبته مدخل فيه ‌و‌ ‌لا‌ المام نزول به، بل تكون محبته مستفرغه عن الالتفات ‌و‌ الاشتغال بغيرها.
 ‌و‌ لما كانت المحبه الصادقه مستلزمه لمحبه ذكر المحبوب ‌و‌ ملازمته بحيث ‌لا‌ يصير عنه لمحه، سال عليه السلام ‌ان‌ يشغل قلبه بذكره الذى ‌هو‌ ملزوم لمحبته الصادقه، ثم لما كان ‌من‌ لوازم صدق المحبه الرهبه ‌و‌ الرغبه ‌و‌ الانقياد ‌و‌ الطاعه ‌و‌ سلوك سبيل الرضا، سال عليه السلام سائر لوازمها ليتم له صدق محبته.
 ‌و‌ بيان ذلك: ‌ان‌ المحبه مع تصور هيبه المحبوب تقتضى الرهبه ‌و‌ الخوف ‌و‌ الوجل منه، ‌و‌ مع تصور رحمته ‌و‌ رافته تقتضى الرغبه اليه ‌و‌ الطمع فيما عنده، ‌و‌ مع تحرى موافقته ‌و‌ الاذعان له تقتضى طاعته ‌و‌ الانقياد له ‌و‌ السعى ‌فى‌ سبيل مرضاته، ‌و‌ لما كان ثمره الخوف الجهد ‌فى‌ اكتساب الخيرات، ‌و‌ المبادره الى سلوك طريق المبرات،
 
و السعى ‌فى‌ تلافى مافات، سال عليه السلام انعاش قلبه به، اى: تداركه ‌به‌ مما تورط فيه ‌من‌ الذنوب ‌و‌ التقصير.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: نعشته فانتعش: اذا تداركته ‌من‌ ورطه.
 ‌و‌ الوجل بالتحريك: الفزع ‌و‌ الخوف.
 ‌و‌ الرغبه الى الله تعالى: الابتهال اليه، ‌و‌ الضراعه له، ‌و‌ المساله منه.
 ‌و‌ امله الى طاعتك: ‌اى‌ اصرفه اليها ‌و‌ اعدل ‌به‌ نحوها، ‌او‌ اجعله مائلا اليها اى: محبا لها، ‌من‌ مال اليه: بمعنى احبه.
 ‌و‌ اجربه: ‌اى‌ اجعله جاريا ‌و‌ ساعيا ‌فى‌ السبيل التى هى احب السبيل اليك، ‌و‌ المراد بها الطرق الموصله اليه تعالى.
 ‌و‌ لما كانت سبيل الهدى متفاوته بتفاوت العلم ‌به‌ سبحانه ‌و‌ المعرفه له تعالى، سال عليه السلام ‌ان‌ يسلك ‌به‌ اعظم السبل المحبوبه له المرضيه عنده.
 ‌و‌ ذلل الدابه تذليلا: راضها حتى سهلت ‌و‌ انقادت.
 ‌و‌ لما كان القلب جامحا عن الرغبه ‌فى‌ الاجل طامحا الى الرغبه ‌فى‌ العاجل، شبهه بالدابه الجموح، فاستعار له التذليل، ‌و‌ سال ‌ان‌ يجعله سهلا منقادا ‌فى‌ سلوك طريق الزهد عن المقتنيات الفانيه، راغبا فيما عند الله ‌من‌ الرغائب الباقيه.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «ايام حياتى كلها» متعلق بجميع الافعال المذكوره على طريق التنازع.
 ‌و‌ لما كانت الكمالات البشريه قد تزول بعدم المحافظه، ‌و‌ لذلك قال العارفون الخائفون: «ربنا ‌لا‌ تزع قلوبنا بعد اذ هديتنا» سال عليه السلام ‌ان‌ يجعل ذلك مستمرا ايام حياته كلها، ‌و‌ الله اعلم.
 
التقوى ‌فى‌ اللغه: بمعنى الاتقاء، ‌و‌ ‌هو‌ اتخاذ الوقايه ‌من‌ المحذورات، ‌و‌ تاوها منقلبه عن واو.
 ‌و‌ عند اهل الحقيقه: هى الاحتراز بطاعه الله عن عقوبته.
 ‌و‌ قيل: هى وقايه النفس عما يضر ‌فى‌ الاخره ‌من‌ اعتقاد ‌و‌ عمل ‌و‌ خلق، ‌و‌ قد سبق الكلام عليها مبسوطا.
 ‌و‌ الزاد: الطعام الذى يتخذ للسفر، ‌و‌ لما كان الزاد انما يعد لتقوى ‌به‌ الطبيعه على الحركات الحسيه، ‌و‌ كانت تقوى الله تعالى مما تقوى ‌به‌ النفس على الوصول الى جنابه المقدس، استعار لها لفظ الزاد، لما بين المعنيين ‌من‌ تمام المشابهه الذى يقرب معه اتحاد المتشابهين، ‌و‌ بحسب قوه المشابهه يكون حسن الاستعاره، ‌و‌ قد نطق التنزيل المجيد بهذه الاستعاره، حيث قال سبحانه: «و تزودوا فان خير الزاد التقوى».
 قال بعض العارفين: ليس السفر ‌من‌ الدنيا اهون ‌من‌ السفر ‌فى‌ الدنيا، ‌و‌ هذا لابد له ‌من‌ زاد، فكذا ذلك بل يزداد، فان زاد الدنيا يخلصك عن عذاب منقطع موهوم، ‌و‌ زاد الاخره ينجيك ‌من‌ عذاب ابدى معلوم، زاد الدنيا يوصلك الى متاع الغرور، ‌و‌ زاد الاخره يبلغك دار السرور، زاد الدنيا سبب حظوظ النفس، ‌و‌ زاد الاخره سبب الوصول الى عتبه الجلال ‌و‌ القدس.
 اذا انت لم ترحل بزاد ‌من‌ التقى
 ‌و‌ ابصرت بعد الموت ‌من‌ قد تزودا
 ندمت على ‌ان‌ ‌لا‌ تكون كمثله
 ‌و‌ انك لم ترصد كما كان ارصدا
 
و الرحله بالكسر: اسم ‌من‌ الارتحال: قيل: ‌و‌ قد تضم، ‌و‌ الصواب انها بالكسر الارتحال، ‌و‌ بالضم الوجه الذى تقصده، يقال: قربت رحلتنا بالكسر اى: ارتحالنا، ‌و‌ انت رحلتنا بالضم اى: المقصد الذى نقصد ‌و‌ نرتحل اليه، رحل القوم- ‌من‌ باب منع- ‌و‌ ارتحلوا ‌و‌ ترحلوا: ساروا. ‌و‌ استعار عليه السلام لفظ الرحله للانتقال الى دار الاخره ‌و‌ المصير اليها، لان الرحله عباره عن قطع المراحل المحسوسه بقدم الجسم، ‌و‌ الانتقال الى الاخره عباره عن قطع المراحل المعقوله بقدم العقل، فكان بينهما اتم المشابهه.
 ‌و‌ المرضاه الرضا، قال تعالى: «ابتغاء مرضاه الله» اى: رضاه.
 ‌و‌ المدخل: مصدر ميمى بمعنى الدخول، يقال: دخلت الدار ‌و‌ نحوها دخولا،- ‌من‌ باب قعد- ‌و‌ مدخلا: اذا صرت داخلها.
 ‌و‌ فى: ظرفيه مجازيه.
 ‌و‌ المثوى: المنزل، ‌من‌ قولهم: ثوى بالمكان يثوى ثواء بالمد. اذا اقام.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذه الفقرات الاربع ‌من‌ البديع مراعاه النظير ‌و‌ يسمى بالتناسب، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يجمع المتكلم بين لفظين ‌او‌ الفاظ متناسبه المعانى، كقوله تعالى: «و الشمس ‌و‌ القمر ‌و‌ النجوم مسخرات بامره»، فالشمس ‌و‌ القمر ‌و‌ النجوم متناسبه معنى، ‌من‌ حيث اشتراكها ‌فى‌ وصف مشهور ‌به‌ ‌و‌ ‌هو‌ الاناره، ‌و‌ التناسب ‌فى‌ الدعاء جمعه عليه السلام بين الزاد ‌و‌ الراحله ‌و‌ المدخل ‌و‌ المثوى. ‌و‌ ‌من‌ الطف شواهد هذا النوع قول بعضهم ‌فى‌ ‌آل‌ الرسول عليهم السلام:
 انتم بنوطه ون ‌و‌ الضحى
 ‌و‌ بنو تبارك ‌و‌ الكتاب المحكم
 
و بنو الاباطح ‌و‌ المشاعر ‌و‌ الصفا
 ‌و‌ الركن ‌و‌ البيت العتيق ‌و‌ زمزم
 فانه احسن التناسب ‌فى‌ البيت الاول بين اسماء السور، ‌و‌ ‌فى‌ الثانى بين الجهات الحجازيه.
 ‌و‌ القوه: تعود الى كمال القدره، ‌و‌ يقابلها الضعف، ‌و‌ المراد سوال افاضه قوه على استعداده، ليقوى بذلك على قهر النفس الاماره بالسوء، ‌و‌ يستعد للقيام بجميع مراضى الحق ‌عز‌ شانه.
 ‌و‌ قد تقدم الكلام على الفرار اليه سبحانه ‌و‌ الرغبه فيما عنده ‌فى‌ اوائل هذه الروضه.
 الوحشه ‌من‌ الناس: الانقطاع ‌و‌ النفور ‌و‌ بعد القلوب ‌من‌ المودات.
 ‌و‌ رجل شر: ‌اى‌ ذو ‌شر‌ ‌و‌ قوم اشرار ‌و‌ شرار، ‌و‌ الشر: السوء ‌و‌ الفساد ‌و‌ الظلم.
 ‌و‌ الانس بالضم: اسم ‌من‌ انس به- ‌من‌ باب علم-: اذا سكن اليه ‌و‌ لم ينفر عنه.
 ‌و‌ المراد بشرار خلقه: اعداوه ‌و‌ اهل معصيته كما تقتضيه المقابله. ‌و‌ ‌هم‌ طبقات:
 فمنهم: الكافر، ‌و‌ منهم: المبتدع، ‌و‌ منهم: اهل المعصيه التى فيها اضرار الخلق كالظلم ‌و‌ شهاده الزور، ‌و‌ منهم: اهل الذنوب التى ‌لا‌ يتعدى ضررها كشرب الخمر ‌و‌ ترك الصلاه ‌و‌ كل هولاء يجب النفور عنهم ‌و‌ عدم السكون اليهم، لان النفس سريعه الميل الى الشرور، فتميل الى طبع الصاحب سريعا، فتستعد لصدور ‌ما‌ يصدر عنه ‌من‌ المنكرات.
 ‌و‌ بالعكس ‌من‌ ذلك اذا كان الجليس ‌و‌ الانيس وليا لله مطيعا له، زاهدا ‌فى‌ الدنيا راغبا ‌فى‌ الاخره، ‌و‌ لذلك قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: المرء مع دين خليله ‌و‌ قرينه.
 
و قد عقد الراغب ‌فى‌ كتاب الذريعه بابا للحث على مصاحبه الاخيار ‌و‌ مجانبه الاشرار، فقال: ‌حق‌ الانسان ‌ان‌ يتحرى بغايه جهده مصاحبه الاخيار، فهى قد تجعل الشرير خيرا، كما ‌ان‌ مصاحبه الاشرار قد تجعل الخير شريرا قال بعض الحكماء: ‌من‌ صحب خيرا اصابته بركته، فجليس اولياء الله ‌لا‌ يشقى ‌و‌ ‌ان‌ كان كلبا، ككلب اصحاب الكهف حيث قال تعالى: «و كلبهم باسط ذراعيه بالوصيد»، ‌و‌ لهذا اوصت الحكماء بمنع الاحداث ‌من‌ مجالسه السفهاء ‌و‌ قال اميرالمومنين صلوات الله عليه: ‌لا‌ تصحب الفاجر فيزين لك فعله ‌و‌ يودلو انك مثله. ‌و‌ قيل: جالسوا ‌من‌ يذكركم الله رويته، ‌و‌ يزيدكم ‌من‌ خير نطقه. ‌و‌ قالوا: اياك ‌و‌ مجالسه الاشرار، فان طبعك يسرق ‌من‌ طبعهم ‌و‌ انت ‌لا‌ تدرى، بل قد قال النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: مثل الجليس الصالح كمثل الدارى ‌ان‌ لم يحدك ‌من‌ عطره يعلقك ‌من‌ ريحه، ‌و‌ مثل الجليس السوء كمثل القين ‌ان‌ لم يحرقك بناره يوذك بدخانه، ‌و‌ قال عليه الصلاه ‌و‌ السلام: المرء على دين خليله، فلينظر امرى ‌من‌ يخال، اى: يجذبه خليله الى دينه. ‌و‌ ‌من‌ قوه هذا المعنى ‌فى‌ النفوس شاع على الالسنه قول الشاعر:
 عن المرء ‌لا‌ تسال ‌و‌ سل عن قرينه
 فكل قرين بالمقارن يقتدى
 ‌و‌ ليس اعداء الجليس جليسه بمقاله ‌و‌ فعاله فقط بل بالنظر اليه، فالنظر الى الصور يوثر ‌فى‌ النفوس اخلاقا مناسبه لخلق المنظور، فان ‌من‌ دامت رويته لمسرور ‌سر‌ ‌او‌ لمحزون حزن، ‌و‌ ليس ذلك ‌فى‌ الانسان فقط بل ‌فى‌ الحيوانات ‌و‌ النبات، فالجمل الصعب قد يصير ذلولا بمقارنه الجمال الذلل، ‌و‌ الذلول قد يصعب بمقارنه الصعاب، ‌و‌ الريحانه الغضه تذبل لمجاوره الذابله، ‌و‌ لهذا يلتقط اصحاب الفلاحه الرمم عن الزروع لئلا تفسدها، ‌و‌ معروف ‌ان‌ الماء ‌و‌ الهواء يفسدان بمجاوره الجيفه اذا قربت منهما، ‌و‌ ذلك مما ‌لا‌ ينكره ذو تجربه، ‌و‌ اذا كانت هذه الاشياء قد بلغت ‌من‌ قبول التاثير هذا المبلغ فما الظن بالنفوس البشريه التى موضوعها لقبول صور الاشياء
 
خيرها ‌و‌ شرها، فقد قيل: سمى الانس انسا لانه يانس ‌ما‌ يراه ‌ان‌ خيرا ‌و‌ ‌ان‌ شرا.
 ‌و‌ هذه جمله كافيه ‌فى‌ هذا المعنى. ‌و‌ الاخبار فيه كثيره جدا.
 فمن ذلك ‌ما‌ روى عن عيسى ‌بن‌ مريم عليهماالسلام انه قال: صاحب الشر يعدى، ‌و‌ قرين السوء يردى، فانظر ‌من‌ تقارون.
 ‌و‌ قال لقمان لابنه: ‌يا‌ بنى ‌من‌ يشارك الفاجر يتعلم ‌من‌ طرقه، ‌و‌ ‌من‌ يقارن قرين السوء ‌لا‌ يسلم.
 ‌و‌ عن اميرالمومنين عليه السلام: ‌لا‌ ينبغى للمرء المسلم ‌ان‌ يواخى الفاجر، فانه يزين له فعله، ‌و‌ يحب ‌ان‌ يكون مثله، ‌و‌ ‌لا‌ يعينه على امر دنياه ‌و‌ ‌لا‌ معاده ‌و‌ مدخله ‌و‌ مخرجه ‌من‌ عنده شين عليه.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: انظروا ‌من‌ تحادثون، فانه ليس ‌من‌ احد ينزل ‌به‌ الموت الا مثل له اصحابه الى الله، ‌ان‌ كانوا خيارا فخيارا، ‌و‌ ‌ان‌ كانوا شرارا فشرارا، ‌و‌ ليس احد يموت الا تمثلت له عند موته.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌لا‌ تصحبوا اهل البدع ‌و‌ ‌لا‌ تجالسوهم، فتصيروا عند الناس كواحد منهم.
 قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: المرء على دين خليله ‌و‌ قرينه.
 
فجر العبد فجورا- ‌من‌ باب قعد-: عصى ‌و‌ فسق ‌و‌ كذب وزنى، فهو فاجر.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: ‌و‌ اصل الفجر: الشق، ‌و‌ ‌به‌ سمى الفجر كما سمى فلقا، ‌و‌ العاصى فاجر لانه شاق لعصا الطاعه.
 ‌و‌ عرفوا الفجور بانه هيئه حاصله للنفس، بها تباشر امورا على خلاف الشرع ‌و‌ المروه.
 ‌و‌ كفر بالله يكفر- ‌من‌ باب قتل- كفرا ‌و‌ كفرانا بضمهما: جحده، ‌و‌ اصل الكفر: التغطيه ‌و‌ الستر، يقال: الليل كافر، لانه يستر الاشياء بظلمته، ‌و‌ فلان كفر النعمه: اذا سترها ‌و‌ لم يشكرها.
 ‌و‌ الكفر ‌فى‌ الشرع: عباره عن جحد ‌ما‌ اوجب الله تعالى معرفته، ‌من‌ توحيده ‌و‌ عدله ‌و‌ معرفه نبيه ‌و‌ ‌ما‌ جاء ‌به‌ ‌من‌ اركان الشرع، فمن جحد شيئا ‌من‌ ذلك كان كافرا.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ انكار ‌ما‌ علم بالضروره مجى ء الرسول صلى الله عليه ‌و‌ آله به.
 ‌و‌ المنه: النعمه، اسم ‌من‌ من عليه: بمعنى انعم، ‌او‌ ‌من‌ من عليه: بمعنى عدد له ‌ما‌ فعله معه ‌من‌ الصنائع، مثل ‌ان‌ يقول: اعطيتك ‌و‌ فعلت لك، ‌و‌ ‌هو‌ تكرير ‌و‌ تعيير تنكسر منه القلوب، فلهذا نهى الشارع عنه بقوله: «لا تبطلوا صدقاتكم بالمن ‌و‌ الاذى»، ‌و‌ منه قولهم: المنه تهدم الصنيعه، ‌و‌ كلا المعنيين محتمل هنا.
 ‌و‌ اليد: النعمه ‌و‌ الاحسان، سميت باسم الجارحه لان العطاء يكون بها.
 
قال ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز: لفلان عندى يد.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بى»: للالصاق، مثلها ‌فى‌ قولهم: ‌به‌ داء.
 ‌و‌ الضمير ‌من‌ قوله: «اليهم»: عائد الى الفجار ‌و‌ الكفار، ‌و‌ الجمع مفهوم ‌من‌ اقتضاء النكره ‌فى‌ سياق النفى للعموم.
 ‌و‌ قد الفاجر على الكافر لان الفاجر اكثر، لانه يعم الكافر ‌و‌ غيره، ‌و‌ اقتداء بالقرآن المجيد حيث قدم الوصف بالفجور على الوصف بالكفر، فقال: «و ‌لا‌ يلدوا الا فاجرا كفارا»، هذا.
 ‌و‌ لما كانت النعمه ‌و‌ الاحسان مما يستعبد الانسان، ‌و‌ الحر يصعب عليه ‌ان‌ يستعبد بالبر ‌من‌ غير الفاجر ‌و‌ الكافر فكيف بهما، سال عليه السلام ‌ان‌ ينزهه عن منه الفاجر ‌و‌ الكافر ‌و‌ احسانهما، ‌و‌ ‌لا‌ يضطره الى الحاجه اليهما، ‌و‌ ايضا فان القلوب مجبوله على حب ‌من‌ احسن اليها ‌و‌ الميل الى ‌من‌ انعم عليها، كما قال ابوالطيب:
 ‌و‌ كل امرى ء يولى الجميل محبب
 ‌و‌ كل مكان ينبت العز طيب
 فسال عليه السلام ‌ان‌ ‌لا‌ يجعل لفاجر ‌و‌ ‌لا‌ كافر عليه نعمه ‌و‌ احسانا لئلا يميل قلبه الى واحد منهما، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يكون له اليهم حاجه فيضطر الى التواضع لهم ‌و‌ استعطافهم.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: لو اهدى الى كراع لقبلت ‌و‌ كان ذلك ‌من‌ الدين، ‌و‌ لو ‌ان‌ كافرا ‌او‌ منافقا اهدى الى ‌و‌ سقاما قبلت ‌و‌ كان ذلك ‌من‌ الدين، ابى الله تعالى لى زبد الكافرين ‌و‌ المنافقين ‌و‌ طعامهم.
 قال بعض العلماء: الزبد بسكون الباء الموحده: الرفد ‌و‌ العطاء، ‌و‌ انما لم يقبل
 
هديتهم لان للهديه موضعا ‌من‌ القلب، كما قال عليه السلام تهادوا تحابوا، ‌و‌ ‌لا‌ يجوز ‌ان‌ يميل بقلبه الى كافر ‌او‌ منافق.
 ‌و‌ عنه صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌لا‌ تجعل لفاجر ‌و‌ ‌لا‌ لفاسق عندى نعمه، فانى اجد فيما اوحيت: لاتجد قوما يومنون بالله ‌و‌ اليوم الاخر يوادون ‌من‌ حاد الله ‌و‌ رسوله الايه، ‌و‌ ‌هو‌ صريح فيما ذكر.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: اتقوا الله ‌و‌ صونوا دينكم بالورع، ‌و‌ قووه بالتقيه ‌و‌ الاستغناء بالله، انه ‌من‌ خضع لصاحب سلطان ‌او‌ لمن يخالفه على دينه، طلبا لما ‌فى‌ يديه ‌من‌ دنياه، اخمله الله ‌و‌ مقته عليه ‌و‌ وكله اليه، فان ‌هو‌ غلب على شى ء ‌من‌ دنياه فصار اليه منه شى ء نزع الله البركه منه، ‌و‌ لم يوجره على شى ء ينفقه ‌فى‌ ‌حج‌ ‌و‌ ‌لا‌ عتق ‌و‌ ‌لا‌ بر.
 ‌و‌ هذا الحديث رواه شيخ الطائفه ‌فى‌ اوائل كتاب المكاسب ‌من‌ التهذيب بطريق حسن ‌او‌ صحيح.
 قوله عليه السلام «بك ‌و‌ بخيار خلقك» ظرف مستقر اى: كائنا بك، ‌و‌ ‌هو‌ مفعول ثان لاجعل.
 ‌و‌ معنى سكون القلب ‌و‌ انس النفس ‌به‌ تعالى: الاطمئنان الى كرمه ‌و‌ عطائه، ‌و‌ الابتهاج بمشاهده انوار كبريائه. ‌و‌ لما كان الانسان مدنيا بالطبع فلم يكن له ‌به‌ ‌من‌ معاشره ابناء جنسه ‌و‌ معاونتهم سال عليه السلام ‌ان‌ يجعل ذلك بخيار خلقه احترازا عن شرارهم، كما ورد ‌فى‌ دعاء آخر: اللهم انى اسالك الغنى عن شرار الناس.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌ان‌ رجلا قال لابى عبدالله عليه السلام: جعلت فداك ادع الله ‌ان‌ يغنينى عن خلقه، قال: ‌ان‌ الله قسم رزق ‌من‌ شاء على يدى ‌من‌ شاء، ‌و‌ لكن
 
سل الله ‌ان‌ يغنيك عن الحاجه التى تضطرك الى لئام خلقه.
 
قوله عليه السلام: «و اجعلنى لم قرينا ‌و‌ اجعلنى لهم نصيرا» القرين الصاحب ‌و‌ الخليل المقارن الذى يتبع امر صاحبه ‌و‌ يوافقه عليه، ‌من‌ قرنت الشى ء بالشى ء: اذا شددته اليه ‌و‌ وصلته به، فهو فعيل بمعنى مفعول كقتيل ‌و‌ جريح.
 ‌و‌ النصير: الناصر ‌و‌ ‌هو‌ المويد ‌و‌ المقوى، فعيل بمعنى فاعل.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌من‌ ‌حق‌ المومن على المومن النصره له على ‌من‌ ظلمه.
 ‌و‌ الفرق بين القرين ‌و‌ النصير: ‌ان‌ القرين قد يضعف عن النصره، ‌و‌ النصير قد يكون اجنبيا غير مقارن.
 الشوق لغه نزاع النفس الى الشى ء ‌و‌ عرفا قيل: ‌هو‌ احتياج القلب الى لقاء المحبوب.
 ‌و‌ قال النصير الطوسى قدس سره ‌فى‌ بعض رسائله: الشوق ادراك لذه المحبه اللازمه لفرط الاراده الممتزجه بالم المفارقه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ حال السلوك بعد اشتداد الاراده يكون ضروريا، ‌و‌ ربما كان حاصلا قبل السلوك، ‌و‌ ذلك اذا حصل الشعور بكمال المطلوب ‌و‌ لم تنضم اليه القدره على السير ‌و‌ ‌قل‌ الصبر على المفارقه، قال: ‌و‌ كلما ترقى السالك ‌فى‌ سلوكه كثر الشوق ‌و‌ ‌قل‌ الصبر، حتى يصل الى المطلوب فتخلص حينئذ لذه نيل الكمال ‌من‌ الالم ‌و‌ ينتفى الشوق.
 ‌و‌ قد يسمى ارباب الطريقه مشاهده المحبوب شوقا، باعتبار ‌ان‌ المشاهد طالب لمرتبه الاتحاد ‌و‌ ‌هو‌ لم يصل اليها بعد. ‌و‌ اتبع طلب الشوق بطلب العمل، لان العمل ‌من‌ لوازم الشوق الصادق، فان ‌من‌ صدق شوقه الى محبوب اجهد نفسه ‌فى‌ الاعمال
 
الموصله اليه، ‌و‌ بالغ فيما يحبه ‌و‌ يرضاه ‌و‌ يكون عمله له بمقدار قوه شوقه اليه، فسال عليه السلام العمل له تعالى مما يحب ‌و‌ يرضى، ليتم صدق شوقه اليه، ‌و‌ يصل الى لذه الوصل الخالصه ‌من‌ الم الفراق.
 قوله عليه السلام: «انك على كل شى ء قدير ‌و‌ ذلك عليك يسير» تعليل للدعاء، ‌و‌ مزيد استدعاء للاجابه.
 ‌و‌ المراد بالشى ء هنا: الممكن موجودا كان ‌او‌ معدوما، بقضيه اختصاص تعلق القدره به، كما مر بيانه ‌فى‌ اول الروضه الثانيه.
 ‌و‌ القادر: ‌هو‌ الذى ‌ان‌ شاء فعل ‌و‌ ‌ان‌ لم يشا لم يفعل، ‌و‌ القدير: الفعال لكل ‌ما‌ يشاء، ‌و‌ لذلك لم يوصف ‌به‌ غير البارى تعالى، ‌و‌ معنى قدرته على الممكن الموجود حال وجوده: انه ‌ان‌ شاء ابقاءه ابقاه عليه، فان عله الوجود هى عله البقاء، ‌و‌ قد مر تحقيقه ‌فى‌ الروضه الاولى ‌فى‌ شرح قوله عليه السلام: «و فتح لنا ابواب العلم بربوبيته»، ‌و‌ ‌ان‌ شاء اعدامه اعدمه، ‌و‌ معنى قدرته على المعدوم حال عدمه: انه ‌ان‌ شاء ايجاده اوجده، ‌و‌ ‌ان‌ لم يشا لم يوجده.
 ‌و‌ قوله: «و ذلك عليك يسير» اى: ‌ما‌ ذكر ‌من‌ المسوولات عليك هين لاصعوبه فيه، لاستغنائك عن الاسباب ‌و‌ تحقق قدرتك التامه، ‌و‌ الله اعلم.
 هذا آخر الروضه الحاديه ‌و‌ العشرين ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيدالعابدين، صلوات الله عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الطاهرين، ‌و‌ قد وفق لاتمامها ‌و‌ اجتلاء بدر تمامها عصر يوم الخميس لتسع خلون ‌من‌ شهر ربيع الاول ‌من‌ شهور سنه احدى ‌و‌ مائه ‌و‌ الف.
 بقلم مولفها العبد على الصدر الحسينى، كان الله له ‌و‌ بلغه امله.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^