فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 1
100% این مطلب را پسندیده اند

الدعاء 26

بسم الله الرحمن الرحيم


 الحمد لله ذاكر جيرانه ‌و‌ اوليائه ‌و‌ المفيض عليهم سجال نعمائه ‌و‌ آلائه ، والصلاه والسلام على اشرف انبيائه ‌و‌ على اهل بيته ‌و‌ عترته ‌و‌ ابنائه.
 ‌و‌ بعد فهذه الروضه السادسه ‌و‌ العشرون ‌من‌ رياض السالكين، تتضمن شرح الدعاء، السادس ‌و‌ العشرين ‌من‌ صحيفه سيدالعابدين، سلام الله عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الطاهرين، املاء العبد الفقير الى ربه الغنى على صدرالدين الحسينى الحسنى، كان الله له جارا ‌و‌ وليا ‌و‌ رفعه ‌فى‌ الدارين مكانا عليا.
 
الجيران: جمع جار، ‌و‌ ‌هو‌ لغه المجاور ‌فى‌ السكن.
 حكى تغلب عن ابن الاعرابى: الجار: الذى يجاورك بيت بيت.
 ‌و‌ قال الفيومى: جاوره مجاوره: اذا لاصقه ‌فى‌ السكن.
 ‌و‌ شرعا قيل: ‌من‌ يلى الدار الى اربعين ذراعا ‌من‌ كل جانب، ‌و‌ ‌هو‌ مذهب جماعه ‌من‌ اصحابنا منهم الشهيد الاول ‌فى‌ كتاب اللمعه.
 ‌و‌ قيل: الى اربعين دارا ‌من‌ كل جانب، ‌و‌ ‌هو‌ مذهب طائفه ‌من‌ اصحابنا.
 ‌و‌ قال الشهيد الثانى ‌فى‌ شرح اللمعه: ‌و‌ الاولى ‌و‌ الاقوى الرجوع ‌فى‌ الجيران الى العرف، لان القول الاول ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌هو‌ المشهور الا ‌ان‌ مستنده ضعيف، ‌و‌ القول الثانى مستند الى روايه عاميه روتها عائشه عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله انه قال: الجار الى اربعين دارا.
 ‌و‌ كانه رحمه الله غفل عما رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند حسن بل صحيح عن ابى جعفر عليه السلام، انه قال: ‌حد‌ الجوار اربعون دارا ‌من‌ كل جانب، ‌من‌ بين يديه ‌و‌ ‌من‌ خلفه ‌و‌ عن يمينه ‌و‌ عن شماله.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: كل
 
اربعين دارا جيران، ‌من‌ بين يديه ‌و‌ ‌من‌ خلفه ‌و‌ عن يمينه ‌و‌ عن شماله.
 فمستند القول الثانى هاتان الروايتان ‌لا‌ ماروته عائشه، فلا معدل عن القول به.
 ‌و‌ يطلق الجار على الناصر ‌و‌ الحليف ‌و‌ ‌هو‌ المعاهد، يقال منه: ‌و‌ تحالفا اذا تعاهدا على ‌ان‌ يكون امرهما واحدا ‌فى‌ النصره ‌و‌ الحمايه، لان كلا منهما يحلف لصاحبه على التناصر، بينهما حلف ‌و‌ حلفه بالكسر: ‌اى‌ عهدا، ‌و‌ اراده هذين المعنيين هنا واضحه.
 ‌و‌ الاولياء: جمع ولى فعيل بمعنى فاعل، ‌و‌ يطلق على معان كثيره، ‌و‌ الذى يقتضيه المقام منها ‌هو‌ المحب، ‌و‌ التابع، ‌و‌ المعين، ‌و‌ الناصر، ‌و‌ الصديق ذكرا كان ‌او‌ انثى، ‌و‌ العتيق، ‌و‌ كل ‌من‌ يتولى الانسان ‌و‌ ينضم اليه ‌و‌ يكون ‌من‌ جمله اتباعه ‌و‌ الناصرين له فهو وليه.
 
تولاه الله: كان له وليا، اى: معينا ‌و‌ كافلا لمصالحه ‌و‌ قائما باموره، ‌و‌ منه: تولاك الله بحفظه.
 قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: ‌و‌ كان الولايه تشعر بالتدبير ‌و‌ القدره ‌و‌ الفعل.
 ‌و‌ فى: ظرفيه مجازيه، اى: اجعل ولايتك لى ساريه ‌فى‌ جيرانى ‌و‌ موالى راسخه فيهم، كقوله: «و اصلح لى ‌فى‌ ذريتى».
 ‌و‌ الموالى جمع مولى، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا: المحب ‌و‌ التابع ‌و‌ الناصر ‌و‌ سائر ‌ما‌ تقدم ‌فى‌ معنى الولى.
 ‌و‌ قوله «العارفين بحقنا» صفه مفادها التوضيح ‌و‌ ‌هو‌ رفع الاحتمال، ‌او‌ التبيين ‌و‌ التفسير، فتكون صفه كاشفه عن معنى الجيران ‌و‌ الموالى، الذين سال عليه السلام ‌ان‌ يتولاه الله فيهم بافضل ولايته.
 
و يحتمل ‌ان‌ يكون للمدح، ‌و‌ معرفه حقهم عليهم السلام عباره عن اعتقاد امامتهم ‌و‌ افتراض طاعتهم ‌و‌ وجوب اتباعهم ‌و‌ التسليم اليهم.
 ‌و‌ المنابذه بالذال المعجمه: مفاعله ‌من‌ النبذ، ‌و‌ ‌هو‌ طرح الشى ء ‌و‌ رميه، يقال: نبذ الشى ء ‌من‌ يده: اذا طرحه ‌و‌ رمى به.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: نبذ الى العدو: رمى اليه بالعهد ‌و‌ نقضه، ‌و‌ نابذه منابذه ‌و‌ تنابذوا.
 ‌و‌ قال الفيومى ‌فى‌ المصباح: نابذتهم: خالفتهم، ‌و‌ نابذتهم الحرب: كاشفتهم اياها ‌و‌ جاهرتهم بها.
 ‌و‌ ‌فى‌ شرح مسلم للنووى ‌فى‌ حديث: ‌و‌ ‌ان‌ ابيتم نابذنا ‌كم‌ على سواء، اى: كاشفناكم ‌و‌ قاتلناكم على طريق مستقيم مستو ‌فى‌ العلم بالمنابذه منا ‌و‌ منكم، ‌و‌ النبذ يكون بالفعل ‌و‌ القول ‌فى‌ الاجسام ‌و‌ المعانى، ‌و‌ منه نبذ العهد: اذا نقضه ‌و‌ القاه الى ‌من‌ كان بينه ‌و‌ بينه، انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ شرح جامع الاصول: فلا تنابذهم اى: تقاتلهم.
 ‌و‌ ‌فى‌ النعتين المذكورين اشاره الى ‌ان‌ موالاتهم عليه السلام ‌لا‌ تكون الا بمعرفه حقهم ‌و‌ مخالفه اعدائهم ‌و‌ منابذتهم.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بافضل ولايتك»: اما للاستعانه فيكون الظرف لغوا متعلقا بتولنى، ‌او‌ للملابسه فيكون مستقرا متعلقا بمحذوف، ‌و‌ ‌هو‌ حال ‌من‌ فاعل تولنى، اى: ملتبسا بافضل ولايتك.
 ‌و‌ الولايه بالفتح ‌و‌ الكسر: لغتان بمعنى النصره ‌و‌ الاعانه، ‌و‌ بالكسر فقط: بمعنى
 
السلطان، حكاه الجوهرى عن ابن السكيت.
 ‌و‌ قال سيبويه: الولايه بالفتح: المصدر، ‌و‌ بالكسر: الاسم، مثل الاماره ‌و‌ النقابه، لانه لما توليته، فاذا ارادوا المصدر فتحوا.
 ‌و‌ الروايه وردت ‌فى‌ الدعاء بالوجهين، فتحتمل المصدريه ‌و‌ الاسميه.
 
قال بعضهم: ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ المناسب للمقام ‌ان‌ يقال: ‌و‌ وفقنى، لكن اتفقت النسخ على هذا النحو، ‌و‌ يمكن ‌ان‌ يكون قوله عليه السلام: «فى ارفاق ضعيفهم» متعلقا بولايتك ‌او‌ بتولنى، ‌و‌ ‌هو‌ ‌و‌ ‌ان‌ كان بحسب الظاهر بعيدا لكنه بحسب المعنى احسن، انتهى.
 ‌و‌ قال بعض المترجمين: ‌و‌ ‌فى‌ روايه «و وفقنى» ‌و‌ ‌هو‌ اولى، ‌و‌ العهده عليه.
 ‌و‌ الذى اقول: ‌ان‌ المناسب لعنوان الدعاء ‌هو‌ ‌ما‌ عليه الروايه ‌من‌ لفظ، وفقهم، فيكون الغرض الدعاء لهم بالتوفيق باستعمال هذه الاداب ‌و‌ الاخذ بها ‌فى‌ معاشره بعضهم بعضا.
 ‌و‌ السنه بالضم: ‌فى‌ الاصل الطريقه، ‌و‌ سنه الله تعالى: حكمه ‌و‌ ‌ما‌ شرعه ‌من‌ فرض ‌او‌ ندب.
 ‌و‌ اقامتها عباره عن صيانتها ‌و‌ حفظها ‌من‌ ‌ان‌ يقع فيها شى ء ‌من‌ الزيغ، اخذا ‌من‌ اقام العود، اذا قومه ‌و‌ عدله، ‌او‌ عن المواظبه عليها، ماخوذ ‌من‌ قامت السوق، اذا نفقت، ‌و‌ اقمتها: اذا جعلتها نافقه، فانها اذا حوفظ عليها كانت كالنافق الذى يرغب
 
فيه، ‌او‌ عباره عن التشمير للعمل بها ‌من‌ غير فتور ‌و‌ ‌لا‌ توان، ‌من‌ قولهم: قام بالامر ‌و‌ اقامه: اذا جد فيه ‌و‌ اجتهد.
 ‌و‌ المحاسن: جمع الحسن الذى ‌هو‌ خلاف القبح، ‌و‌ ‌هو‌ كون الشى ء ملائما للطبع، ‌او‌ موجبا للمدح ‌فى‌ العاجل ‌و‌ الثواب ‌فى‌ الاجل.
 قال الجوهرى: ‌هو‌ على خلاف القياس، كانه جمع محسن.
 ‌و‌ الادب: رياضه النفس ‌و‌ محاسن الاخلاق.
 قال ابوزيد الانصارى: الادب يقع على كل رياضه محموده يتحرج بها الانسان ‌فى‌ فضيله ‌من‌ الفضائل. ‌و‌ اضافته اليه تعالى لكونه امر ‌به‌ ‌او‌ ندب اليه.
 ‌و‌ الاخذ: ‌فى‌ الاصل بمعنى التناول ‌و‌ الامساك باليد.
 يقال: اخذ الخطام ‌و‌ بالخطام على الزياده اى: امسكه، ثم استعمل بمعنى السيره، يقال: اخذ اخذهم ‌و‌ باخذهم بفتح الهمزه ‌و‌ كسرها اى: سار بسيرتهم.
 ‌و‌ منه الحديث: ‌لا‌ تقوم الساعه حتى تاخذ امتى باخذ القرون.
 اى: تسير بسيرتهم، ‌و‌ هذا المعنى ‌هو‌ المراد هنا، اى: وفقهم للسيره بمحاسن ادبك.
 ‌و‌ الظرف ‌من‌ قوله «فى ارفاق ضعيفهم»: متعلق ‌به‌ ‌او‌ بادبك. ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون «فى» بمعنى «من» البيانيه، فيكون ‌ما‌ بعدها بيانا لسنته تعالى ‌و‌ محاسن ادبه.
 ‌و‌ الارفاق: افعال ‌من‌ الرفق بالكسر، ‌و‌ ‌هو‌ لين الجانب ‌و‌ لطافه الفعل.
 يقال: رفق به- ‌من‌ باب قتل- رفقا ‌و‌ ارفقه ارفاقا اى: لطف به.
 حكى ابوزيد: رفقت ‌به‌ ‌و‌ ارفقته ‌و‌ ترفقت بمعنى.
 
و قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: يقال: ارفقه ‌و‌ رفق ‌به‌ بمعنى.
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: ‌و‌ منه الحديث ‌فى‌ ارفاق ضعيفهم ‌و‌ ‌سد‌ خلتهم اى: ايصال الرفق اليهم.
 ‌و‌ ياتى الارفاق بمعنى النفع، يقال: ارفقه اى: نفعه.
 قال ‌فى‌ الاساس: استرفقته فارفقنى بكذا: نفعنى.
 ‌و‌ الخله بالفتح: الحاجه ‌و‌ الفقر ‌و‌ الخصاصه، ‌و‌ سدها جبرها ‌و‌ ازالتها.
 قال ‌فى‌ النهايه: ‌و‌ فيه اللهم ساد الخله، الخله: الحاجه ‌و‌ الفقر ‌و‌ سادها اى: جابرها. ‌و‌ منه حديث الدعاء للميت: اللهم اسدد خلته ‌و‌ اصلها ‌من‌ التخلل بين الشيئين، ‌و‌ هى الفرجه ‌و‌ الثلمه التى تركها بعده ‌من‌ الخلل الذى ابقاه ‌فى‌ اموره.
 ‌و‌ عدت المريض عياده: زرته.
 قال الطيبى ‌فى‌ شرح المشكاه: العياده ‌فى‌ المرض، ‌و‌ الزياره ‌فى‌ الصحه.
 ‌و‌ قال ابن الاثير: كل ‌من‌ اتاك مره بعد اخرى فهو عائد، ‌و‌ ‌ان‌ اشتهر ‌فى‌ عياده المريض حتى صار كانه مختص به.
 ‌و‌ المسترشد: طالب الرشد اى: الهدى ‌و‌ اصابه الصواب.
 ‌و‌ المناصحه: النصح.
 قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: ناصحه اى: نصح له.
 فهو ‌من‌ باب فاعل بمعنى فعل، كسافر ‌و‌ ضاعف.
 ‌و‌ استشرته ‌فى‌ كذا: بمعنى شاورته اى: راجعته لارى رايه فيه، فاشار على
 
بكذا: ارانى ‌ما‌ عنده ‌من‌ المصلحه.
 ‌و‌ تعهدت الشى ء: تفقدته، وجددت العهد ‌به‌ اى: الالتقاء به، ‌و‌ منه: عهدى ‌به‌ قريب اى: لقائى.
 ‌و‌ القادم: الاتى ‌من‌ السفر، يقال: قدم الرجل البلد يقدمه قدوما- ‌من‌ باب تعب- فهو قادم.
 ‌و‌ كتم زيد الحديث كتما- ‌من‌ باب قتل- ‌و‌ كتمانا بالكسر: لم يطلع عليه احدا.
 ‌و‌ الاسرار: جمع ‌سر‌ بالكسر، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ تخفيه ‌و‌ تكتمه ‌من‌ غيرك. ‌و‌ منه: صدور الاحرار قبور الاسرار.
 ‌و‌ العورات بسكون الواو للتخفيف ‌و‌ القياس الفتح ‌و‌ ‌هو‌ لغه هذيل: جمع عوره، ‌و‌ هى كل شى ء يستره الانسان انفه ‌او‌ حياء.
 ‌و‌ النصره بالضم: اسم ‌من‌ نصرته على عدوه اى: اعنته ‌و‌ قويته.
 ‌و‌ المواساه: مصدر آسيته بالهمز ‌و‌ المد اى: سويته بها، ‌و‌ يجوز ابدال الهمزه واوا ‌فى‌ لغه اليمن فيقال: واسيته:
 ‌و‌ ‌فى‌ النهايه: المواساه: المشاركه ‌و‌ المساهمه ‌فى‌ المعاش ‌و‌ الرزق، ‌و‌ اصلها الهمزه ‌و‌ قد تقلب، انتهى.
 ‌و‌ قال الجوهرى: آسيته بمالى مواساه: جعلته اسوتى فيه، ‌و‌ واسيته لغه ضعيفه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: آساه بماله مواساه: اناله منه ‌و‌ جعله فيه اسوه، ‌و‌ ‌لا‌ يكون ذلك الا ‌من‌ كفاف، فان كان ‌من‌ فضله فليس مواساه، انتهى.
 
و اختلف ‌فى‌ معنى الماعون ‌و‌ ‌فى‌ اشتقاقه مم هو، فقيل: ‌هو‌ المعروف كله.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ اسم جامع لما ‌لا‌ يمنع ‌فى‌ العاده، ‌و‌ يساله الفقير ‌و‌ الغنى ‌فى‌ اغلب الاحوال، ‌و‌ ‌لا‌ ينسب سائله الى لوم، بل ينسب مانعه الى اللوم ‌و‌ البخل، كالفاس ‌و‌ القصعه ‌و‌ القدر ‌و‌ الدلو ‌و‌ الغربال ‌و‌ القدوم، ‌و‌ يدخل فيه الماء ‌و‌ الملح ‌و‌ النار، لما روى: ثلاثه ‌لا‌ يحل منعها: الماء ‌و‌ النار ‌و‌ الملح.
 ‌و‌ ‌من‌ ذلك ‌ان‌ تلتمس ‌من‌ جارك الخبز ‌فى‌ تنوره، ‌او‌ ‌ان‌ تضع متاعك عنده يوما ‌او‌ بعض يوم.
 قال العلماء: ‌و‌ ‌من‌ الفضائل ‌ان‌ يستكثر الرجل ‌فى‌ منزله مما يحتاج اليه الجيران فيعيرهم ذلك، ‌و‌ ‌لا‌ يقتصر على قدر الضروره، ‌و‌ قد يكون منع هذه الاشياء محظورا ‌فى‌ الشريعه اذا استعيرت عن اضطرار.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ كل ‌ما‌ انتفع ‌به‌ ‌و‌ مطلق المنفعه، ‌و‌ يويده ‌ما‌ رواه ابوبصير عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: ‌هو‌ القرض تقرضه، ‌و‌ المعروف تصنعه، ‌و‌ متاع البيت تعيره، ‌و‌ منه الزكاه، قال: فقلت له: ‌ان‌ لنا جيرانا اذا اعرناهم متاعا كسروه ‌و‌ افسدوه، افعلينا جناح ‌ان‌ نمنعهم؟ فقال: لا، ليس عليك جناح ‌ان‌ تمنعهم اذا كانوا كذلك.
 ‌و‌ اما اشتقاقه فهو فاعول، فقيل: ‌من‌ المعن بمعنى: العطاء.
 ‌و‌ قيل: ‌من‌ معن الوادى: اذا جرت مياهه قليلا قليلا، ‌و‌ المعن: القليل، لان الماعون ‌ما‌ قلت قيمته ‌و‌ كثرت منفعته.
 ‌و‌ قيل: ‌من‌ المعن بمعنى: السهل اليسير، فان الماعون باى معنى فسر كان سهلا
 
يسيرا.
 قال صاحب المحكم: الماعون: المعروف لتيسره ‌و‌ سهولته لدينا بافتراض الله تعالى اياه علينا، ‌و‌ الماعون: الزكاه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ السهوله ‌و‌ القله، لانها جزء ‌من‌ كل، ‌و‌ الماعون: اسقاط البيت كالدلو ‌و‌ القدر، لانه ‌لا‌ يكرث معطيه ‌و‌ ‌لا‌ يعنى كاسبه، ‌و‌ الماعون ‌فى‌ الجاهليه: المنفعه ‌و‌ العطيه، ‌و‌ ‌فى‌ الاسلام: الطاعه ‌و‌ الزكاه ‌و‌ الصدقه، ‌و‌ كله ‌من‌ السهوله ‌و‌ التيسير، انتهى.
 ‌و‌ عاد بمعروفه يعود عودا: عطف ‌و‌ تطول، ‌و‌ الاسم العائد.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: تقول: عاد فلان علينا بمعروفه، ‌و‌ ‌ما‌ اكثر عائده فلان على قومه، ‌و‌ انه لكثير العوائد عليهم.
 فقوله عليه السلام: «و العود عليهم بالجده» اى: التطول عليهم ‌و‌ الاحسان اليهم.
 ‌و‌ الجده: الثروه ‌و‌ الغنى، ‌من‌ وجد ‌فى‌ المال وجدا بالضم ‌و‌ الكسر لغه وجده اى: استغنى.
 ‌و‌ الافضال: الزياده ‌و‌ الاكثار، ‌و‌ منه حديث: ‌من‌ على فافضل اى: انعم على فاكثر.
 ‌و‌ حديث: الم اعطك فافضل اى: فاكثر لك ‌فى‌ العطاء.
 ‌و‌ هذا المعنى للافضال ‌هو‌ المناسب لعطفه على الجده، دون معنى الاحسان فانه مستفاد ‌من‌ العود عليهم.
 
و قوله عليه السلام: «و اعطاء ‌ما‌ يجب لهم قبل السوال» اما عطف على العود ‌او‌ على الافضال، ‌و‌ التقدير: ‌و‌ اعطائهم ‌ما‌ يجب لهم، فحذف المفعول الاول المضاف اليه لدلاله الكلام عليه، ‌و‌ اضاف المصدر الى المفعول الثانى.
 ‌و‌ مدار هذا الفصل ‌من‌ الدعاء على سواله عليه السلام لجيرانه ‌و‌ مواليه ‌ان‌ يوفقهم سبحانه لقيام بعضهم بحقوق بعض، ‌و‌ الاخذ بما ينبغى ‌ان‌ يكون عليه الشيعه ‌من‌ الاخلاق الفاضله ‌و‌ الاداب الحميده ‌فى‌ معاشره بعضهم لبعض.
 كما رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى ‌فى‌ باب ‌حق‌ المومن على اخيه ‌و‌ اداء حقه، بسنده عن ابى اسماعيل قال: قلت لابى جعفر عليه السلام: ‌ان‌ الشيعه عندنا كثير، فقال: هل يعطف الغنى على الفقير ‌و‌ يتجاوز المحسن عن المسى ء ‌و‌ يتواسون؟ فقلت: لا، فقال: ليس هولاء شيعه، الشيعه ‌من‌ يفعل هذا.
 ‌و‌ عن محمد ‌بن‌ عجلان قال: كنت عند ابى عبدالله عليه السلام فدخل رجل فسلم، فساله كيف ‌من‌ خلفت ‌من‌ اخوانك؟ قال: فاحسن الثناء ‌و‌ زكى ‌و‌ اطرى، فقال له: كيف عياده اغنيائهم على فقرائهم؟ فقال: قليله، فقال: كيف مشاهده اغنيائهم لفقرائهم؟ فقال: قليله، فقال: فكيف صله اغنيائهم لفقرائهم ‌فى‌ ذات ايديهم؟ فقال: انك لتذكر اخلاقا قلما هى فيمن عندنا، قال: فقال: فكيف يزعم هولاء انهم شيعه؟.
 ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى كثيره جدا.
 اذا عرفت ذلك، فمعنى قوله عليه السلام: «فى ارفاق ضعيفهم ‌و‌ ‌سد‌ خلتهم» الى آخره: ‌فى‌ ارفاق قويهم ضعيفهم، ‌و‌ ‌سد‌ غنيهم خله فقيرهم، ‌و‌ عياده صحيحهم مريضهم، ‌و‌ هدايه مرشدهم مسترشدهم، ‌و‌ مناصحه مستشارهم مستشيرهم، ‌و‌ تعهد
 
حاضرهم قادمهم، ‌و‌ كتمان اسرارهم فيما بينهم ‌و‌ اسرار انفسهم، ‌و‌ ستر بعضهم عورات بعض، ‌و‌ نصرتهم مظلومهم، ‌و‌ حسن مواساه بعضهم بعضا بالماعون، ‌و‌ عود اغنيائهم على فقرائهم بالجده ‌و‌ الافضال، ‌و‌ اعطائهم ‌ما‌ يجب لمحتاجيهم قبل السوال.
 كما روى عن ابى عبدالله عليه السلام ‌فى‌ ‌حق‌ المومن: ‌و‌ اذا علمت ‌ان‌ له حاجه تبادره الى قضائها، ‌و‌ ‌لا‌ تلجئه ‌ان‌ يسالكها ‌و‌ لكن تبادره مبادره.
 ‌و‌ انما استغنى عن ذكر الفاعل ‌فى‌ جميع ذلك لانه غير ملتبس، ‌و‌ الله اعلم.
 ‌و‌ لما بدا عليه السلام بالدعاء لجيرانه ‌و‌ مواليه بتوفيقهم للاخذ بمحاسن الادب ‌فى‌ معاشره بعضهم بعضا، شفع ذلك بالدعاء لنفسه بتوفيقه للاخذ بذلك ‌فى‌ معاشرته لهم، فقال: ‌و‌ اجعلنى اللهم اجزى ....
 
الجعل: بمعنى التصيير، احد مفعوليه ضمير المتكلم، ‌و‌ الثانى جمله اجزى. ‌و‌ توسيط النداء لاظهار مزيد الضراعه ‌و‌ الابتهال.
 ‌و‌ جزيته على فعله: اجزيه جزاء اذا فعلت معه ‌ما‌ يقابل فعله، ‌و‌ اكثر ‌ما‌ يستعمل ‌فى‌ كون الفعلين ‌من‌ جنس واحد، كالاحسان بالاحسان ‌و‌ الاساءه بمثلها، ‌و‌ على ذلك قوله تعالى: «هل جزاء الاحسان الا الاحسان».
 
«و جزاء سيئه سيئه مثلها»، ‌و‌ قد يستعمل ‌فى‌ مقابله السيئه بالحسنه ‌و‌ بالعكس.
 ‌و‌ على الاول عباره الدعاء، ‌و‌ مثله قول الشاعر:
 يجزون عن ظلم اهل الظلم مغفره
 ‌و‌ عن اساءه اهل السوء احسانا
 ‌و‌ ‌من‌ الثانى قول الاخر:
 جزانا بنوسعيد بحسن فعالنا
 جزاء سنمار ‌و‌ ‌ما‌ كان ذا ذنب
 ‌و‌ سنمار اسم رجل رومى بنى الخورنق الذى بظهر الكوفه للنعمان ‌بن‌ امرى القيس، فلما فرغ منه القاه ‌من‌ اعلاه فخر ميتا، ‌و‌ انما فعل ذلك لئلا يبنى مثله لغيره، فضرب العرب ‌به‌ المثل لمن يجزى بالاساءه الاحسان. ‌و‌ اعرضت عن الشى ء: اضربت ‌و‌ وليت عنه قيل: اصله ‌من‌ الانصراف بالوجه الى جهه العرض.
 ‌و‌ قيل: حقيقته جعل الهمزه فيه للصيروره اى: اخذت عرضا بالضم اى: جانبا غير الجانب الذى ‌هو‌ فيه.
 ‌و‌ المعنى: ‌و‌ اترك مقابله الظالم منهم ‌و‌ مكافاته فيما ياتيه ‌من‌ الظلم.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله «بالتجاوز»: للملابسه، متعلقه بمحذوف ‌هو‌ حال ‌من‌ الضمير المستكن ‌فى‌ اعرض، اى: حال كونى ملتبسا بالتجاوز عنه. يقال: تجاوز عنه تجاوزا اى: عفى ‌و‌ صفح، ‌و‌ قد مر الكلام عليه.
 ‌و‌ قوله: «عن ظالمهم» متعلق بالفعل ‌و‌ المصدر على طريق التنازع.
 ثم ‌ما‌ اشتملت عليه هاتان الفقرتان، ‌من‌ جزاء المسى ء بالاحسان ‌و‌ الصفح عن الظالم بالتجاوز، ‌من‌ اشرف مكارم الاخلاق.
 كما روى ‌ان‌ جبرئيل عليه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله بقوله
 
تعالى: «خذ العفو ‌و‌ امر بالعرف ‌و‌ اعرض عن الجاهلين»، فقال: ‌يا‌ محمد جئتك باكرم اخلاق الاولين ‌و‌ الاخرين، فصل ‌من‌ قطعك، ‌و‌ اعط ‌من‌ حرمك، ‌و‌ اعف عمن ظلمك.
 ‌و‌ استعمله: عمل به، اى: اعمل بحسن الظن ‌فى‌ جملتهم ‌او‌ جميعهم.
 ‌و‌ كافه قيل: هى ‌فى‌ الاصل صفه ‌من‌ ‌كف‌ بمعنى منع، استعملت بمعنى الجمله بعلاقه انها مانعه للاجزاء عن التفرق ‌و‌ التاء فيها للتانيث.
 ‌و‌ قيل: هى ‌فى‌ الاصل اسم لجماعه تكف مخالفيها، ثم استعملت ‌فى‌ معنى جميع، ‌و‌ التاء فيها للنقل ‌من‌ الوصفيه الى الاسميه، كما ‌فى‌ عامه ‌و‌ خاصه ‌و‌ قاطبه.
 ‌و‌ قيل: للمبالغه كما ‌فى‌ روايه ‌و‌ علامه، ورد بانه خروج عن الاصل ‌من‌ غير ضروره.
 ‌و‌ اكثر النحويين على انها- اعنى كافه- ‌من‌ الاسماء اللازمه النصب على الحاليه، ‌و‌ انها مختصه بمن يعقل.
 قال الرضى: ‌و‌ تقع كافه ‌فى‌ كلام المتاخرين ‌و‌ ‌من‌ ‌لا‌ يوثق بعربيته مضافه غير حال، ‌و‌ قد خطا ‌و‌ فيها، انتهى.
 ‌و‌ قال ابن هشام ‌فى‌ المغنى: تجويز الزمخشرى الحاليه ‌من‌ الفاعل ‌و‌ ‌من‌ المفعول ‌فى‌ قوله تعالى: «ادخلوا ‌فى‌ السلم كافه» ‌و‌ هم، لان كافه مختصه بمن يعقل، ‌و‌ وهمه ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌ما‌ ارسلناك الا كافه للناس»، اذ قدر كافه نعتا لمصدر محذوف اى: رساله كافه اشد، لانه اضاف الى استعماله فيما ‌لا‌ يعقل اخراجه عما التزم فيه ‌من‌ الحاليه، ‌و‌ وهمه ‌فى‌ خطبه المفصل، اذ قال: محيط بكافه الابواب، اشد ‌و‌ اشد
 
لاخراجه اياه عن النصب البته، انتهى.
 ‌و‌ تعقبه بعض المحققين ‌من‌ المتاخرين، بانه ‌ان‌ اراد باختصاص لفظه كافه مطلقا بمن يعقل ‌و‌ بكونها حالا، فباطل لقولهم: ‌و‌ تلحقها ‌ما‌ الكافه، ‌و‌ ‌ان‌ اراد اختصاصها بذلك حين استعمالها اسما بمعنى الجمله ‌او‌ الجميع، فالاعتراض الثانى ليس بشى ء، لانه على تقدير كونها صفه لمصدر محذوف مستعمله بالمعنى الوصفى، ‌و‌ كذا الثالث لجواز ‌ان‌ معناه محيط بقواعد كافه للابواب عن التفرق.
 على ‌ان‌ الزمخشرى لم ينفرد بذلك، بل ذهب الزجاج الى عدم اختصاصها بمن يعقل ايضا، ‌و‌ هما الطودان العظيمان ‌فى‌ اللغه، فلا ‌بد‌ ‌فى‌ الرد عليهما ‌من‌ شاهد قوى، ‌و‌ مجرد شيوع استعمالها كذلك ‌لا‌ يدل على الاختصاص، انتهى.
 ‌و‌ قال السيد عبدالله شارح اللباب: قد وقع كافه مضافا ‌فى‌ كلام البلغاء ‌و‌ الفصحاء، منه قول عمر: قد جعلت لال بنى كاكله على كافه بيت مال المسلمين، لكل عام مائتى مثقال ذهبا ابريرا، كتبه عمر ‌بن‌ الخطاب، ختمه كفى بالموت واعظا ‌يا‌ عمر، ‌و‌ هذا الخط موجود ‌فى‌ ‌آل‌ بنى كاكله الى الان، فلا وجه للتخطئه، انتهى.
 قلت: ‌و‌ ‌فى‌ عباره الدعاء ‌من‌ ضياء الحق ‌ما‌ يصدع ظلام الشك، فكفى بها شاهدا على وقوع كافه مضافه ‌فى‌ الفصيح، فانه عليه السلام افصح العرب ‌فى‌ زمانه، فليتخط الزمخشرى رقاب ‌من‌ خطاه، ‌و‌ بحق ‌ما‌ قيل: ‌ان‌ عبارته كروايته، ‌و‌ ‌ما‌ العجب الا ‌من‌ الرضى رضى الله عنه، حيث لم يقف على عباره الصحيفه الشريفه مع مكانته ‌فى‌ المذهب، ‌و‌ زعم ‌ان‌ وقوعها مضافه غير حال انما يقع ‌فى‌ كلام
 
المتاخرين ‌و‌ ‌من‌ ‌لا‌ يوثق بعربيته، ‌و‌ الله يقول الحق ‌و‌ يهدى السبيل.
 ‌و‌ معنى استعمال حسن الظن ‌فى‌ كافتهم: حمل امورهم جميعا اقوالا كانت ‌او‌ افعالا على ‌ما‌ يضح ‌و‌ يحسن شرعا ‌و‌ عرفا ‌ما‌ امكن الحمل عليه، عملا بحسن الظن فيهم.
 ‌و‌ قد بين اميرالمومنين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه ‌فى‌ كلام له، فقال: ضع امر اخيك على احسنه حتى ياتيك ‌ما‌ يقلبك منه، ‌و‌ ‌لا‌ تظن بكلمه خرجت ‌من‌ اخيك سوء ‌و‌ انت تجدلها ‌فى‌ الخير محملا.
 قال بعض علمائنا ‌فى‌ شرحه لهذا الكلام: اى: احمل امر اخيك قولا كان ‌او‌ فعلا على احسنه، ‌و‌ ‌ان‌ كان مرجوحا ‌و‌ كان خلافه راجحا مظنونا ‌من‌ غير تجسس، حتى ياتيك اليقين على خلافه، فان الظن قد يغلط ‌و‌ التجسس منهى عنه، كما قال الله تعالى: «ان بعض الظن اثم»، ‌و‌ قال: «لا تجسسوا».
 ثم قال العلماء: افعال المومنين محموله على الصحه، ثم نهى- تاكيدا لما مر- عن حمل كلامه على الشر ‌ان‌ كان محتملا للخير ‌و‌ ‌ان‌ كان بعيدا جدا، بقوله: ‌و‌ ‌لا‌ تظن بكلمه خرجت ‌من‌ اخيك سوء الى آخره، فاذا خرجت منه كلمه ذات وجهين وجب عليك ‌ان‌ تحملها على الوجه الخير، ‌و‌ ‌ان‌ كان معنى مجازيا بدون قرينه ‌او‌ كنايه ‌او‌ توريه ‌او‌ نحوها، ‌و‌ ‌من‌ هذا القبيل ‌ما‌ سماه علماء العربيه اسلوب الحكيم.
 كما قال الحجاج للقبعثرى متوعدا له: لاحملنك على الادهم، فقال القبعثرى: مثل الامير يحمل على الادهم ‌و‌ الاشهب، فابرز وعيده ‌فى‌ معرض الوعد، ثم قال الحجاج، للتصريح بمقصوده: انه حديد، فقال القبعثرى: لئن يكون حديدا خير ‌من‌
 
ان يكون بليدا.
 ‌و‌ بالجمله: كما يحرم على المومن سوء القول ‌فى‌ اخيه، كذلك يحرم عليه سوء الظن فيه، بان يعقد القلب عليه ‌و‌ يحكم ‌به‌ ‌من‌ غير يقين، ‌و‌ اما الخاطر ‌و‌ حديث النفس فمعفو عنه، ‌و‌ ‌ما‌ وقع ‌فى‌ قلبه ‌من‌ غير يقين فهو ‌من‌ الشيطان يلقيه اليه ليغريه بالقبيح على اخيه، فوجب ‌ان‌ يكذبه فانه افسق الفاسقين، فلا يجوز تصديقه بل يجب حسن الظن به.
 ‌و‌ ‌من‌ ثم جاء ‌فى‌ الشرع: ‌من‌ تكلم بكلمه ظاهرها الارتداد ‌و‌ لها معنى صحيح ‌لا‌ يحكم بارتداده، ‌و‌ ‌ان‌ ‌من‌ علمت ‌فى‌ فيه رائحه الخمر ‌لا‌ يجوز ‌ان‌ يحكم عليه بشربها ‌و‌ ‌ان‌ يحد عليها، لاحتمال ‌ان‌ يكون تمضمض بها ‌و‌ مجها، ‌او‌ وجرت ‌فى‌ حلقه جبرا، ‌و‌ ذلك امر ممكن انتهى.
 ‌و‌ هذه الجمله كافيه ‌فى‌ بيان هذا المعنى.
 قوله عليه السلام: «و اتولى بالبر عامتهم» البر: العطف ‌و‌ الصله ‌و‌ الخير ‌و‌ الاتساع ‌فى‌ الاحسان، اى: ‌و‌ اجعلنى امد ‌و‌ اعين جملتهم ملتبسا بالبر لهم ‌و‌ العطف عليهم ‌و‌ الاحسان اليهم، ‌او‌ اتولى امور عامتهم بالخير ‌و‌ الصله ‌و‌ الشفقه ‌و‌ الاتساع ‌فى‌ الاحسان اليهم.
 ‌و‌ غض الرجل بصره ‌و‌ ‌من‌ بصره- ‌من‌ باب قتل-: خفض.
 ‌و‌ العفه: الكف عما ‌لا‌ يحل ‌و‌ ‌لا‌ يحمل، عف عنه يعف- ‌من‌ باب ضرب- عفه بالكسر ‌و‌ عفافا بالفتح.
 اى: ‌و‌ اجعلنى اغض بصرى عما ‌لا‌ يحل لى النظر اليه ‌من‌ عوراتهم اى: زلاتهم
 
و عثراتهم.
 كما رواه ‌فى‌ الكافى بسنده عن حذيفه ‌بن‌ منصور، قال: قلت لابى عبدالله عليه السلام: شى ء يقوله الناس عوره المومن على المومن حرام فقال: ليس حيث يذهبون، انما عنى عوره المومن ‌ان‌ يزل زله ‌او‌ يتكلم بشى ء يعاب عليه، فيحفظه عليه ليعيره ‌به‌ يوما ما.
 ‌و‌ عن الشحام عن ابى عبدالله عليه السلام فيما جاء ‌فى‌ الحديث: عوره المومن على المومن حرام، قال: ‌ما‌ ‌هو‌ ‌ان‌ ينكشف فيرى منه شيئا، ‌و‌ انما ‌هو‌ ‌ان‌ يروى عليه ‌او‌ يعيبه.
 ‌و‌ على هذا فغض البصر عنهم كنايه عن عدم تتبع عثراتهم ‌و‌ زلاتهم ‌و‌ الاعراض عنها، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون كنايه عن احتمال المكروه منهم ‌و‌ عدم مواخذتهم به.
 قال ‌فى‌ القاموس: غض طرفه: خفضه ‌و‌ احتمل المكروه.
 فيكون بمعنى الاغضاء عنهم، ‌و‌ ‌هو‌ استعمال الحلم ‌و‌ الامساك عن الانتقام.
 ‌و‌ انتصاب عفه يحتمل ‌ان‌ يكون على المصدريه اى: غض عفه، ‌او‌ على المفعول لاجله اى: للعفه، ‌و‌ قس عليه نظائره ‌من‌ المنصوبات الاتيه.
 ‌و‌ الانه الجانب لهم كنايه عن الرفق ‌و‌ التلطف بهم، ‌و‌ منه قوله تعالى: «فيما رحمه ‌من‌ الله لنت لهم» يقال: لان يلين لينا ‌و‌ ليانا بالفتح، ‌و‌ يتعدى بالهمزه ‌و‌ التضعيف فيقال: الانه الانه ‌و‌ لينه تليينا.
 ‌و‌ وقع ‌فى‌ النسخ المشهوره ‌من‌ الصحيفه: «و الين جانبى» بفتح الهمزه، ‌و‌ ‌فى‌
 
نسخه: «و الين جانبى» بضم الهمزه ‌و‌ ‌هو‌ الصواب.
 ‌و‌ اما الروايه الاولى فالظاهر انها على اسقاط جانبى، ‌و‌ كانه علق لفظ جانبى ‌فى‌ الهامش على روايه الين بالضم، فجمع النساخ بين الروايتين، ‌و‌ الا فلا يسمع «لانه» متعديا.
 ‌و‌ التواضع: التذلل ‌و‌ خلاف الترفع ‌و‌ التكبر، اى: الانه تواضع، ‌او‌ لاجل التواضع.
 ورق له يرق ‌من‌ باب ضرب- رقه بالكسر: عطف عليه ‌و‌ تحنن عليه، ‌و‌ عداه بعلى لتضمينه معنى العطف ‌و‌ التحنن.
 ‌و‌ اهل البلاء: المبتلون بالمكروه.
 ‌و‌ الرحمه: رقه القلب ‌و‌ التعطف، فان حمل نصبها على المصدريه فالعامل قوله: «ارق» على ‌حد‌ قعدت جلوسا.
 ‌و‌ مذهب سيبويه انه مقدر، ‌و‌ التقدير: ارق ‌و‌ ارحم رحمه، لانه يذهب الى ‌ان‌ المصدر اذا كان غير ملاق للفعل المذكور ‌فى‌ الاشتقاق كان منصوبا بفعل مقدر، فيقدر ‌فى‌ قعدت جلوسا: قعدت ‌و‌ جلست جلوسا.
 ‌و‌ ‌هو‌ خروج عن الاصل- اعنى عدم التقدير- بلا ضروره.
 ‌و‌ ‌ان‌ حمل نصبها على المفعول لاجله، فينبغى ‌ان‌ يراد بها غايتها ‌من‌ ايصال الخير ‌و‌ دفع الشر.
 ‌و‌ اسر الحديث: اخفاه ‌و‌ اظهره ضد. قيل: ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا الاظهار، اى: اظهر لهم ‌فى‌ الغيب موده، ‌و‌ ‌لا‌ داعى اليه مع خلافه للظاهر، فالاولى ‌ان‌ يراد ‌به‌ الاخفاء ‌و‌ الكتمان.
 
 
و الغيب: مصدر بمعنى الغيبه. ‌و‌ الباء: للملابسه، متعلقه بمحذوف وقع حالا ‌من‌ الفاعل، كما ‌فى‌ قوله تعالى: «الذين يخشون ربهم بالغيب»، ‌و‌ قوله تعالى: «انى لم اخنه بالغيب»، اى: اخفى ‌و‌ اكتم لهم الموده ملتبسا بالغيب عنهم اى: غائبا عنهم، ‌لا‌ كالمنافق الذى اذا لقى اصحابه اظهر لهم الموده، ‌و‌ اذا غاب عنهم لم يكن ‌فى‌ سره شى ء منها.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد بالغيب القلب لانه مستور، كما فسر ‌به‌ بعضهم قوله تعالى: «يومنون بالغيب» اى: يومنون بقلوبهم.
 ‌و‌ المعنى: اسر لهم بقلبى موده، ‌لا‌ كالذين يقولون بافواههم ‌ما‌ ليس ‌فى‌ قلوبهم.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون اللام ‌من‌ قوله «لهم» بمعنى اليهم، كقوله تعالى: «بان ربك اوحى لها» اى: اليها.
 ‌و‌ قوله «بالغيب» مفعولا لاسر، ‌و‌ الباء فيه زائده للتاكيد، مثل اخذت الخطام ‌و‌ اخذت به، ‌و‌ منه قوله تعالى: «تسرون اليهم بالموده» على القول بان الموده مفعوله، ‌و‌ يكون معنى الغيب ‌ما‌ غاب عنهم علمه ‌من‌ احوالهم ‌و‌ امورهم الدينيه ‌و‌ الدنيويه التى ‌فى‌ اسراره اليهم صلاحهم، ‌و‌ يكون انتصاب موده على المصدريه ‌او‌ المفعول لاجله، كما مر ‌فى‌ نظائره، اى: اسرار موده ‌او‌ لاجل الموده.
 ‌و‌ يرجح هذا الاحتمال كون الفقرات كلها على نسق واحد ‌فى‌ التركيب ‌و‌ النظم، ‌و‌ ‌ان‌ كان المعنيان الاولان اظهر بحسب دلاله الالفاظ، ‌و‌ الله اعلم بمقاصد اوليائه.
 ‌و‌ قد كان اميرالمومنين صلوات الله عليه ‌و‌ الائمه ‌من‌ ولده عليهم السلام، يسرون
 
الى مواليهم ‌و‌ خواصهم كثيرا ‌من‌ الامور الغيبيه، ‌و‌ ‌من‌ المشهورين بذلك ‌من‌ خواص اميرالمومنين عليه السلام جويريه ‌بن‌ مسهر العبدى، ‌و‌ ميثم التمار ‌و‌ عمرو ‌بن‌ الحمق، ‌و‌ رشيد الهجرى، ‌و‌ مزرع صاحب على عليه السلام، ‌و‌ مالك ‌بن‌ ضمره الرواسى ‌و‌ غيرهم، فقد كان اميرالمومنين عليه السلام اطلع كلا منهم على علم كثير، ‌و‌ اسرار خفيه ‌من‌ اسرار الوصيه، فاستنبطوا منه علما كثيرا ‌من‌ اخبار الملاحم ‌و‌ المغيبات، كما يعرف ذلك ‌من‌ كتب السير، ‌و‌ لو ‌لا‌ خشيه الاطاله لذكرنا جمله مستحسنه ‌من‌ ذلك.
 قوله عليه السلام: «و احب بقاء النعمه عندهم» اى: ‌و‌ اجعلنى اود دوام النعمه ‌و‌ ثباتها لديهم، حتى يكونوا دائما بنعمه ‌من‌ الله.
 ‌و‌ النصح: اخلاص العمل ‌من‌ شوائب الفساد، ماخوذ ‌من‌ نصحت العسل: اذا صفيته ‌من‌ الشمع.
 ‌و‌ المعنى: ‌و‌ اجعلنى احب بقاء النعمه عندهم محبه نصح لهم، ‌او‌ لاجل النصح لهم ‌فى‌ اراده الخير لهم ‌و‌ ايثار نفعهم، ‌من‌ غير شائبه غرض آخر.
 ‌و‌ اوجبت الشى ء ايجابا: جعلته واجبا ‌او‌ اعتقدته واجبا اى: لازما ثابتا، ‌من‌ وجب البيع ‌و‌ الحق يجب وجوبا: اذا لزم ‌و‌ ثبت.
 ‌و‌ حامه الرجل: خاصته ‌من‌ اهله ‌و‌ ولده، ‌و‌ منه قوله صلى الله عليه ‌و‌ آله: هولاء اهل بيتى ‌و‌ حامتى، اذهب عنهم الرجس.
 ‌و‌ اشتقاقها ‌من‌ حم الشى ء يحم حما- ‌من‌ باب ضرب-: قرب ‌و‌ دنا. ‌و‌ رعى له حقه ‌و‌ حرمته رعيا ‌و‌ رعايه: حفظه.
 ‌و‌ خاصه الانسان: ‌من‌ له ‌به‌ خصوصيه ‌من‌ نسب ‌او‌ موده. يقال: هذا خاصتى
 
و ‌هم‌ خاصتى، ‌و‌ التاء فيها للمبالغه، ‌و‌ قيل: للنقل.
 ‌و‌ قول بعض المترجمين: ‌ان‌ هذه الفقره تاكيد لما قبلها لاتحاد مضمونهما، ليس بصحيح، بل هى تاسيس كما ‌هو‌ ظاهر، ‌و‌ الله اعلم.
 
ارزقنى: ‌اى‌ اعطنى ‌من‌ الرزق، بالمعنى اللغوى ‌و‌ ‌هو‌ العطاء.
 ‌و‌ مثل ذلك: اى: مثل ‌ما‌ سالتك ‌ان‌ تجعلنى عليه ‌فى‌ معاشرتهم مما تقدم ذكره فيكونوا لى كما اكون لهم ‌و‌ يعاملونى بمثل ‌ما‌ اعاملهم به.
 ‌و‌ الحظوط: جمع حظ بمعنى النصيب، اى: اتم الحظوظ، ‌من‌ ‌و‌ ‌فى‌ الشى ء يفى. اذا تم.
 ‌و‌ فيما عندهم: ‌اى‌ ‌من‌ محاسن الاداب، ‌و‌ مكارم الاخلاق، ‌و‌ صدق الموالاه، ‌و‌ حسن الاعتقاد ‌و‌ الطاعه ‌و‌ الانقياد، الى غير ذلك مما يرغب فيه السيد الرئيس ‌من‌ مواليه ‌و‌ اتباعه.
 ‌و‌ البصيره: اسم ‌من‌ بصرت بالشى ء بالضم بصرا بفتحتين اى: علمت، فانا بصير ‌به‌ ‌و‌ ‌هو‌ ذو بصر ‌و‌ بصيره اى: علم ‌و‌ خبره.
 ‌و‌ قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: البصيره: اسم لما اعتقدته ‌فى‌ القلب ‌من‌ الدين ‌و‌ تحقيق الامر، انتهى.
 ‌و‌ قد يراد بالبصيره قوه القلب المنور بنور القدس يرى بها حقائق الاشياء ‌و‌ بواطنها، بمثابه البصر للنفس يرى ‌به‌ صور الاشياء ‌و‌ ظواهرها، ‌و‌ هى التى يسميها الحكماء العاقله النظريه ‌و‌ القوه القدسيه، ‌و‌ كل ‌من‌ هذه المعانى يصح ارادته هنا.
 
و قوله: «فى حقى» اى: ‌فى‌ الواجب الثابت لى على جميع الخلق.
 ‌و‌ الحق ‌فى‌ اللغه: ‌هو‌ الثابت الذى ‌لا‌ يسوغ انكاره.
 ‌و‌ المراد بحقه عليه السلام: اعتقاد امامته، ‌و‌ فرض طاعته، ‌و‌ وجوب موالاته، ‌و‌ الاقتداء به، ‌و‌ الرد اليه، ‌و‌ التسليم له، ‌و‌ العلم بذلك قابل للزياده ‌و‌ النقصان كما مر بيانه ‌فى‌ الايمان.
 ‌و‌ المعرفه: ادراك الشى ء على ‌ما‌ ‌هو‌ عليه.
 ‌و‌ الفضل ‌و‌ الفضيله: الدرجه الرفيعه ‌فى‌ الشرف ‌و‌ الحسب ‌و‌ العلم.
 ‌و‌ حتى بمعنى ‌كى‌ التعليليه، اى: ‌كى‌ تحصل لهم السعاده بسببى ‌و‌ تحصل لى السعاده بسببهم.
 ‌و‌ هذا التعليل يتعلق بجمله ‌ما‌ تقدم سواله، لانهم اذا وفقوا لاقامه سنه الله تعالى ‌و‌ الاخذ بمحاسن ادبه بسبب دعائه عليه السلام، ‌و‌ ازدادوا بصيره ‌فى‌ حقه ‌و‌ معرفه بفضله، فقد استجمعوا الحسنات ‌و‌ فازوا برفيع الدرجات فكانوا ‌من‌ السعداء ‌به‌ عليه السلام، ‌و‌ ‌هو‌ عليه السلام اذا قضى حقوقهم ‌و‌ عاملهم باكرم الاخلاق المذكوره فقد استحقق ‌من‌ الله تعالى جزيل الثواب، فكانت هذه السعاده ‌من‌ الله تعالى حاصله له عليه السلام بسببهم.
 ‌و‌ قال بعضهم: اما سعادتهم ‌به‌ عليه السلام فظاهره، ‌و‌ اما سعادته عليه السلام بهم فهى اما سعاده دنيويه، باعتبار انهم متى اعتقدوا امامته قاموا بخدمته ‌و‌ منفعته ‌فى‌ الدنيا، ‌و‌ اما سعاده اخرويه، ‌و‌ ذلك لانه يهديهم ‌و‌ يدعولهم ‌و‌ ينفعهم ‌و‌ يشفع لهم، ‌و‌ كل ذلك سبب لرفع الدرجات ‌فى‌ الاخره، انتهى.
 فجعل التعليل متعلقا بزياده البصيره ‌فى‌ حقه ‌و‌ المعرفه بفضله دون ‌ما‌ تقدم، ‌و‌ ‌هو‌ كما ترى، ‌و‌ الله اعلم بمقاصد اوليائه.
 ‌و‌ آمين: اسم فاعل مبنى على الفتح، ‌و‌ معناه استجب لى ‌او‌ كذلك فليكن. ‌و‌ قد
 
سبق الكلام عليه مبسوطا ‌فى‌ آخر الروضه الثانيه عشره ‌و‌ السابعه عشره، فليرجع اليه، ‌و‌ الله اعلم.
 هذا آخر الروضه السادسه ‌و‌ العشرين ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيدالعابدين، صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الطاهرين، ‌و‌ قد وفق الله تعالى لانهائها صبيحه يوم الخميس آخر يوم ‌من‌ شعبان سنه احدى ‌و‌ مائه ‌و‌ الف، ‌و‌ لله الحمد.
 

0
100% (نفر 1)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^