فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 1- 2

الابتداع ‌و‌ الاختراع: لفظان متحدان ‌فى‌ المعنى لغه.


 قال الجوهرى: ابتدعت الشى ء: اخترعته ‌لا‌ على مثال.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: اخترع الله الاشياء: ابتدعها ‌من‌ غير سبب. انتهى.
 ‌و‌ ربما خص الابتداع بالايجاد ‌لا‌ لعله، ‌و‌ الاختراع بالايجاد ‌لا‌ ‌من‌ شى ء، ‌و‌ ‌هو‌ تخصيص اصطلاحى ‌لا‌ اصل له ‌فى‌ اللغه.
 ‌و‌ «القدره» لغه: القوه على الشى ء، ‌و‌ اصطلاحا: اما عند المتكلمين: فهى الصفه التى يتمكن معها الحى ‌من‌ الفعل ‌و‌ تركه بالاراده.
 ‌و‌ اما عند الحكماء، فعباره: عن كون الفاعل ‌ان‌ شاء فعل ‌و‌ ‌ان‌ لم يشا لم يفعل، سواء وجب تحقق مقدم الشرطيه الاولى، ‌و‌ امتناع مقدم الشرطيه الثانيه، ‌ام‌ لا.
 ‌و‌ قدرته تعالى، قيل: هى عباره عن نفى العجز عنه.
 ‌و‌ قيل: هى فيض الاشياء عنه بمشيته التى ‌لا‌ تزيد على ذاته، ‌و‌ هى الغايه الازليه.
 ‌و‌ قيل: هى علمه بالنظام الاكمل ‌من‌ حيث انه يصح صدور الفعل عنه.
 ‌و‌ قيل: هى كون ذاته بذاته ‌فى‌ الازل، بحيث يصح منها خلق الاشياء فيما ‌لا‌ يزال على وفق علمه بها، فهى عين ذاته.
 ‌و‌ اشتقاق القدره ‌من‌ القدر، لان القادر يوقع الفعل على مقدار قوته، ‌او‌ على مقدار ‌ما‌ تقتضيه مشيئته.
 
و الخلق ‌فى‌ الاصل: مصدر بمعنى التقدير يقال: خلقت الاديم للسقاء، اذا قدرته له قبل القطع، ثم استعمل ‌فى‌ ايجاد الشى ء ‌و‌ انشائه على غير مثال سبق فقيل: خلق الله الاشياء خلقا باعتبار الايجاد على وفق التقدير الذى اوجبته الحكمه، ثم اطلق على المخلوق ‌من‌ باب اطلاق المصدر على اسم المفعول مجازا، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا الثقلان لاعاده ضمير العقلاء عليه، ‌و‌ لما سياتى ‌فى‌ الدعاء مما يدل على ‌ان‌ المراد ‌به‌ ذلك، ‌و‌ ‌ان‌ كان جميع المخلوقات يجرى عليه هذا الحكم، ‌و‌ لك حمله على مطلق الخلق فيكون اعاده ضمير العقلاء عليه ‌من‌ باب التغليب، ‌و‌ اعاده الضمائر الاتيه المعينه لاراده الثقلين ‌من‌ باب الاستخدام، ‌و‌ ‌هو‌ ‌و‌ ضميره ‌فى‌ اخترعهم كلا هما مفعول ‌به‌ عند الجمهور.
 ‌و‌ ذهب جماعه ‌من‌ الائمه منهم الشيخ عبدالقاهر الجرجانى، ‌و‌ فخرالدين الرازى، ‌و‌ الزمخشرى، ‌و‌ ابن الحاجب، ‌و‌ ابن هشام: الى ‌ان‌ مثل ذلك مفعول مطلق، قالوا: لان المفعول ‌به‌ ‌ما‌ كان موجودا قبل الفعل، ثم اوقع الفاعل ‌به‌ فعلا كضربت زيدا، فزيد كان موجودا قبل الضرب ‌و‌ انت فعلت ‌به‌ الضرب، ‌و‌ المفعول المطلق، ‌ما‌ كان فعل الفاعل فيه ‌هو‌ فعل ايجاده كالسماوات فى: خلق الله السماوات فانها لم تكن موجوده، بل عدما محضا ‌و‌ الله تعالى اوجدها ‌و‌ خلقها ‌من‌ العدم، فكانت مفعولا مطلقا ‌لا‌ مفعولا به.
 قال ابن هشام: ‌و‌ الذى غر اكثر النحويين ‌فى‌ هذه المساله: انهم يمثلون المفعول المطلق بافعال العباد ‌و‌ ‌هم‌ انما يجرى على ايديهم انشاء الافعال ‌لا‌ الذوات، فتوهموا
 
ان المفعول المطلق ‌لا‌ يكون الا حدثا، ‌و‌ لو مثلوا بافعال الله تعالى لظهر لهم انه ‌لا‌ يختص بذلك لان الله تعالى موجد للافعال ‌و‌ الذوات جميعا، قال: ‌و‌ كذا البحث ‌فى‌ انشات كتابا، ‌و‌ عملت خيرا، انتهى.
 ‌و‌ اجاب الجمهور: بان المفعول ‌به‌ بالنسبه الى فعل غير الايجاد يقتضى ‌ان‌ يكون موجودا، ثم اوجد الفاعل ‌به‌ شيئا آخر، فان اثبات صفه غير الوجود يستدعى ثبوت الموصوف اولا، ‌و‌ اما المفعول بالنسبه الى الايجاد فلا يقتضى ‌ان‌ يكون موجودا ثم اوجد الفاعل فيه الوجود، بل يقتضى ‌ان‌ ‌لا‌ يكون موجودا، ‌و‌ الا لزم تحصيل الحاصل.
 ‌و‌ اما التزام كونه موجودا قبل الفعل على كل حال، فدعوى ‌لا‌ دليل عليها.
 ‌و‌ قد الف السبكى ‌فى‌ هذه المساله تاليفين، ذاهبا الى ‌ما‌ ذهب اليه الجرجانى، ‌و‌ الرازى، ‌و‌ غيرهما.
 هذا، ‌و‌ لما كان الله تعالى، ‌و‌ لم يكن معه شى ء، كان وجود الخلق منه، فصح انه ابتدعه ‌و‌ اخترعه، فلذلك اتى بالمصدرين تاكيدا لنسبه الفعلين اليه سبحانه، ‌و‌ الغرض انه تعالى خلق الخلق انشاء ‌و‌ اوجده ابتداء ‌من‌ غير مثال فلم يكن صنعه كصنع البشر لان الصنائع البشريه انما تحصل بعد ‌ان‌ ترسم ‌فى‌ الخيال صوره المصنوع، ‌و‌ تلك الصوره تحصل تاره عن مثال خارجى يشاهده الصانع، ‌و‌ يحذو حذوه، ‌و‌ تاره بمحض الالهام فان كثيرا ‌ما‌ يفاض على اذهان الاذكياء صور اشكال
 
لم يسبقهم الى تصورها غيرهم فيتصورونها ‌و‌ يبرزونها ‌فى‌ الخارج، ‌و‌ كيفيه صنع الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ للخلق منزهه عن الوقوع على هذين الوجهين:
 اما الاول: فلانه تعالى كان ‌و‌ لم يكن معه شى ء، ‌و‌ ‌لا‌ قبل له فلا يكون خلقه مسبوقا بمثال ‌من‌ صانع آخر صنع ‌هو‌ مثل صنعه.
 ‌و‌ اما الثانى: فلان الفاعل على وفق ‌ما‌ الهم ‌و‌ ‌ان‌ كان مبتدعا ‌و‌ مخترعا ‌فى‌ الظاهر، لكنه ‌فى‌ الحقيقه ليس ‌هو‌ المبتدع، ‌و‌ انما المبتدع ‌هو‌ مفيض تلك الصوره ‌و‌ ملهمها، فهو مفتقر ‌فى‌ الحقيقه الى الغير الذى الهمه ‌و‌ افاض على ذهنه صوره ‌ما‌ ابتدعه ظاهرا، ‌و‌ الله سبحانه منزه عن الافتقار ‌و‌ الاحتياج فلم يكن صنعه بهذا الوجه ايضا.
 ‌و‌ قوله: «بقدرته» ‌اى‌ بنفس قدرته التى هى عين ذاته ‌لا‌ بشى ء آخر، ‌و‌ الا لزم اختلاف الجهتين ‌من‌ القوه ‌و‌ الفعل، فلم يكن واحدا حقا، ‌و‌ ‌هو‌ محال.
 ‌و‌ اما سائر الصناع ‌و‌ الفواعل، فليسوا كذلك فانهم بشى ء غير ذواتهم، يصنعون ‌ما‌ يصنعون كاله ‌او‌ ملكه نفسانيه، ‌او‌ ماده، ‌او‌ معاون، ‌و‌ ربما اجتمع عده ‌من‌ هذه الامور ‌فى‌ تتميم الصنعه كالانسان مثلا اذا انشا كتابا فانه يحتاج الى آله كاليد ‌و‌ القلم، ‌و‌ الى ملكه الكتابه، ‌و‌ الى ماده كالمداد ‌و‌ القرطاس، ‌و‌ الى معاون يتخذ له الاله الخارجه، ‌و‌ يصلح له ماده الكتابه.
 ‌و‌ قوله: «على مشيته» ‌اى‌ بمحض مشيته فعلى: بمعنى الباء كقولهم: اركب على اسم الله، ‌او‌ هى بمعناها، اى: اخترعهم على وفق مشيته، ‌و‌ المشيه: اسم ‌من‌ شاء، كالمعيشه ‌من‌ عاش، ‌و‌ اصلها: مشيئه على مفعله بكسر العين استثقلت الكسره على الياء فنقلت الى الساكن الصحيح قبلها ‌و‌ ‌هو‌ الشين، ‌و‌ بقيت الياء على حالها لمجانستها الحركه المنقوله منها فصارت مشيئه، ‌و‌ اتفقت النسخ هنا على ترك الهمزه ‌و‌ تشديد الياء ‌و‌ ‌هو‌ على ابدال الهمزه ياء تخفيفا ‌و‌ ادغام الياء ‌فى‌ الياء ‌و‌ ‌هو‌ مطرد فيما
 
زاد على الاصل كالخطيئه ‌و‌ معناها فينا: هى توجه النفس الى معلوم بملاحظه صفاته، ‌و‌ احواله المرغوب فيها الموجبه لحركه النفس الى تحصيله، ‌و‌ هذه الحركه النفسانيه فينا ‌و‌ انبعاثها لتحصيله، هى العزم ‌و‌ الاراده، فنسبه المشيه الى الاراده كنسبه الضعف الى القوه ‌و‌ الظن الى الجزم، فمتى حصلت الاراده صدر الفعل ‌لا‌ محاله.
 ‌و‌ مشيته تعالى، قيل: هى عباره عما يترتب عليه اثر هذا التوجه، ‌و‌ يكون بمنزلته.
 ‌و‌ قيل: هى عباره عن تجلى الذات ‌و‌ العنايه السابقه ‌لا‌ يجاد المعدوم، ‌او‌ اعدام الموجود، فهى اعم ‌من‌ الاراده اذ الاراده عباره عن تجليه الايجاد المعدوم، فهى ‌لا‌ تتعلق دائما الا بالمعدوم فانها صفه تخصص امرا بالحصول، ‌و‌ وجوده ‌و‌ ‌من‌ تتبع مواضع استعمالات المشيه ‌و‌ الاراده ‌فى‌ القرآن يعلم ذلك، ‌و‌ ‌ان‌ كان بحسب اللغه يستعمل كل منهما مقام الاخر.
 ‌و‌ قال بعض المحققين: لمشيته تعالى معنيان.
 احدهما: كون ذاته سبحانه بحيث يختار ‌ما‌ ‌هو‌ الخير ‌و‌ الصلاح، فنفس ذاته المقدسه مشيئته لما يشاء ‌و‌ يختار كما انها علم بالاشياء ‌و‌ اراده لما يريد ‌و‌ يفعل، فالمشيه بهذا المعنى صفه كماليه قديمه هى عين ذاته.
 ‌و‌ الثانى: ايجاده للاشياء بحسب اختياره، ‌و‌ هى صفه حادثه بحدوث المخلوقات ‌لا‌ تتخلف المخلوقات عنها ‌و‌ ليست صفه زائده على ذاته تعالى، ‌و‌ ‌لا‌ على المخلوقات ، بل هى نسبه بينهما تحدث بحدوث المخلوقات، ‌و‌ هذا المعنى ياتى للاراده ايضا ، فالمشيه ‌و‌ الاراده بهذا المعنى ‌من‌ صفات الفعل، ‌و‌ بالمعنى الاول ‌من‌ صفات الذات انتهى
 
اذا عرفت ذلك فلا يتعين كون المراد بالمشيه ‌فى‌ قوله (عليه السلام): ‌و‌ اخترعهم على مشيته، المشيه بالمعنى الثانى كما وقع لبعضهم، حيث قال: هذه المشيه محدثه ‌من‌ صفات الافعال ‌لا‌ ‌من‌ صفات الذات القديمه التى ‌لا‌ تتعلق بالخلق ‌و‌ انما هى باعتبار النسبه بين ذاته تعالى ‌و‌ الخلق، ‌و‌ ليست هذه الاراده بالحقيقه الا عين الخلق، ‌و‌ على هذا ليست المغايره بين المشيه ‌و‌ المخلوقات، الا بالاعتبار انتهى.
 بل الاولى ‌ان‌ لم يكن متعينا، ‌ان‌ يكون المراد بها المشيه بالمعنى الاول لان المقصود وصفه تعالى بانه اخترع الخلق على مقتضى مشيته اختيارا ‌لا‌ بالقسر ‌و‌ ‌لا‌ بالقهر ‌و‌ ‌لا‌ بالايجاب الذى ‌لا‌ يكون عن اراده ‌و‌ مشيه كفعل الطبائع العديمه الشعور، ‌و‌ المسخره ‌فى‌ افعالها لان الايجاب ينافى القدره.
 ‌و‌ ايضا صدور الحادث عن القديم بطريق الايجاب يوجب تخلف المعلول عن تمام علته حيث وجدت العله ‌فى‌ الازل دون المعلول، ‌و‌ انه اخترعهم على ‌ما‌ اقتضته مشيته التى هى نفس ذاته، ‌و‌ وجوده ‌من‌ غير كثره ‌من‌ تركيب صفه ‌او‌ تشريك احد، لان مشيته كعلمه ‌و‌ قدرته ليست غير ذاته ليلزم ‌ان‌ يكون لغيره تاثير ‌فى‌ فعله، فان ‌من‌ فعل فعلا بمشيئه ‌و‌ اراده زائده على ذاته، كان محتاجا ‌فى‌ مشيته ‌و‌ ارادته الى مرجح زائد عليه يرجح احد طرفى مقدوره لتعلق الاراده به، فكانت مستكمله بذلك المرجح ‌و‌ كل مستكمل بغيره فهو ناقص ‌فى‌ ذاته، ‌و‌ الله سبحانه منزه عن النقصان.
 ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ المشيه بهذا المعنى ليست الا الصفه القديمه الكماليه التى هى عين الذات المقدسه، ‌اى‌ كون ذاته بحيث تختار ‌ما‌ تختار.
 ‌و‌ اما المشيه المحدثه التى هى بمعنى الايجاد ‌و‌ الاحداث فالاختيار سابق عليها، ‌و‌ لهذا قال بعض المدققين: اطلاق الخلق ‌فى‌ الاراده ‌و‌ المشيه ‌لا‌ يصح الا مجازا.
 
سلك الطريق سلوكا، ‌من‌ باب قعد: ذهب فيه. يتعدى بنفسه، ‌و‌ بالباء ايضا، يقال: سلكت زيدا الطريق ‌و‌ سلكت ‌به‌ الطريق، ‌و‌ هى الفصحى، ‌و‌ قد يتعدى بالالف ايضا فيقال: اسلكته.
 ‌و‌ الطريق ‌و‌ السبيل بمعنى، ‌و‌ كل منهما يذكر ‌و‌ يونث.
 ‌و‌ البعث: الارسال، ‌و‌ كل شى ء ينبعث بنفسه فان الفعل يتعدى اليه بنفسه فيقال: بعثته ‌و‌ كل شى ء ‌لا‌ ينبعث بنفسه كالكتاب ‌و‌ الهديه فان الفعل يتعدى اليه بالباء، فيقال: بعثت به.
 ‌و‌ الاراده فسرها المتكلمون بانها: صفه مخصصه لاحد المقدورين.
 ‌و‌ قيل: هى ‌فى‌ الحيوان شوق متاكد الى حصول المراد.
 ‌و‌ قيل: انها مغايره للشوق، فان الاراده هى الاجماع ‌و‌ تصميم العزم، ‌و‌ قد يشتهى الانسان ‌ما‌ ‌لا‌ يريده كالاطعمه اللذيده بالنسبه الى العاقل الذى يعلم ‌ما‌ ‌فى‌ اكلها ‌من‌ الضرر، ‌و‌ قد يريد ‌ما‌ ‌لا‌ يشتهبه كالادويه البشعه النافعه التى يريد الانسان تناولها لما فيها ‌من‌ النفع، ‌و‌ فرق بينهما بان الاراده ميل اختيارى ‌و‌ الشوق ميل جبلى طبيعى، قيل: ‌و‌ لهذا يعاقب الانسان المكلف باراده المعاصى ‌و‌ ‌لا‌ يعاقب باشتهائها.
 ‌و‌ اراده الله سبحانه ‌و‌ تعالى، قيل: هى صفه توجب للحق حالا يقع منه الفعل على وجه دون وجه.
 ‌و‌ قيل: هى علمه بنظام الكل على الوجه الاتم الاكمل ‌من‌ حيث انه كاف ‌فى‌ وجود الممكنات، ‌و‌ مرجح لطرف وجودها على عدمها، فهى عين ذاته ‌و‌ ‌هو‌ الحق.
 ‌و‌ المحبه فينا: ميل النفس ‌او‌ سكونها بالنسبه الى ‌ما‌ يوافقها عند تصور كونه
 
موافقا ‌و‌ ملائما لها، ‌و‌ ‌هو‌ مستلزم لارادتها اياه. ‌و‌ لما كانت المحبه بهذا المعنى محالا ‌فى‌ حقه تعالى فالمراد بها ذلك اللازم ‌و‌ ‌هو‌ الاراده.
 قال ابن ميثم ‌فى‌ شرح النهج: المحبه منه تعالى: اراده، هى مبدا فعل ما، ‌و‌ محبته للشى ء: هى ارادته.
 ‌و‌ قال بعض العلماء: المشيه ‌و‌ الاراده قد تخالفان المحبه، كما قد نريد نحن شيئا ‌لا‌ نستلذه كالحجامه ‌و‌ شرب الدواء الكريه الطعم، فكذلك ربما انفكت مشيه الله ‌و‌ ارادته عن محبته ‌و‌ رضاه، انتهى.
 ‌و‌ على هذا فالاراده اعم ‌من‌ المحبه، لان كل محبوب مراد، دون العكس،
 
و المعنى: انه تعالى جعلهم منقادين لارادته، مذعنين لحكمه كما اراد ‌و‌ احب.
 ‌و‌ قيل: معناه انه الهمهم ‌و‌ يسرهم لما خلقهم له، ‌و‌ لما كتب ‌فى‌ اللوح المحفوظ عليهم بحسب ارادته ‌و‌ مشيته، ‌و‌ مساق حكمته الالهيه، ‌او‌ كنى بالسلوك ‌و‌ البعث عن توجيه الاسباب بحسب القضاء الالهى عليهم بذلك.
 ‌و‌ قيل: معنى سلك بهم طريق ارادته: سيرهم ‌فى‌ كل طريق اراده، ‌او‌ جعلهم مريدين لارادته كما قال: «و ‌ما‌ تشاءون الا ‌ان‌ يشاء الله».
 ‌و‌ معنى بعثهم ‌فى‌ سبيل محبته: انه وهبهم محبته، فالاضافه ‌من‌ باب اضافه المصدر الى المفعول.
 فان قيل: الضمير ‌فى‌ بعثهم راجع الى جميع الخلق، ‌و‌ منهم ‌من‌ ‌هو‌ عدو لله فكيف يصح التعميم حينئذ؟
 قلنا: كل نفس بحسب غريزتها ‌و‌ طبيعتها الفطريه التى فطر الناس عليها محبه للخير ‌و‌ طالبه له، ‌و‌ جميع الخيرات رشح ‌من‌ خيره تعالى كما ‌ان‌ الموجودات كلها رشح ‌من‌ وجوده، فهى اذن ليست محبه الا لله سبحانه بالحقيقه سواء كان بحسب الظاهر للحسن ‌و‌ الجمال ‌او‌ للجاه ‌و‌ المال ‌او‌ غير ذلك.
 ‌و‌ ‌من‌ هنا قال صاحب الفتوحات: ‌ما‌ احب احد غير خالقه، ‌و‌ لكن احتجب عنه تعالى تحت زينب، ‌و‌ سعاد، ‌و‌ هند، ‌و‌ ليلى، ‌و‌ الدرهم، ‌و‌ الدينار، ‌و‌ الجاه ‌و‌ كل ‌ما‌ ‌فى‌ العالم فان الحب احد سببيه الجمال ‌و‌ ‌هو‌ له تعالى لان الجمال محبوب لذاته ‌و‌ الله
 
جميل يحب الجمال، فيحب نفسه.
 ‌و‌ سببه الاخر الاحسان، ‌و‌ ماتم الاحسان الا ‌من‌ الله ‌و‌ ‌لا‌ محسن الا الله. فان احببت للجمال فما احببت الا الله لانه الجميل ‌و‌ ‌ان‌ احببت للاحسان فما احببت الا الله لانه المحسن، فعلى كل وجه ‌ما‌ متعلق المحبه الا الله
 ‌و‌ الى ذلك اشار ابن الفارض حبث قال:
 ‌و‌ كل مليح حسنه ‌من‌ جمالها
 معار له بل حسن كل مليحه
 ملك الشى ء ملكا، ‌من‌ باب ضرب: احتواه قادرا على الاستبداد به.
 ‌و‌ الملك بالكسر: اسم منه.
 ‌و‌ الاستطاعه: الطاقه ‌و‌ القدره، يقال: استطاع يستطيع، ‌و‌ قد تحذف التاء فيقال: اسطاع يسطيع- بالفتح- ‌و‌ يجوز بالضم.
 قال ابوزيد: شبهو هما بافعل يفعل افعالا ‌و‌ الجملتان حاليتان احداهما معطوفه على الاخرى، ‌اى‌ حال كونهم ‌لا‌ يقدرون على خلاف ‌ما‌ حده لهم ‌من‌ تاخر ‌او‌ تقدم، بل طائعين لامره منقادين لحكمه، ‌و‌ هذا ‌لا‌ ينافى الاستطاعه فانه غايه ‌ما‌ يدل على ‌ان‌ الله تعالى اذا اراد شيئا ‌لا‌ يقع غيره، ‌و‌ ‌ما‌ قدمه ‌و‌ اخره ‌لا‌ يقع خلافه، ‌و‌ بعثهم ‌فى‌ سبيل المحبه على المعنى الاول مما يويد ذلك، ‌و‌ هذا كقول اميرالمومنين (عليه السلام) ‌فى‌ خطبه الاشباح: «قدر ‌ما‌ خلق، فاحسن تقديره، ‌و‌ دبره فالطف
 
تدبيره، ‌و‌ وجهه لوجهته، فلم يتعد حدود منزلته ‌و‌ لم يقصر دون الانتهاء الى غايته، اذ امره بالمضى على ارادته كيف ‌و‌ انما صدرت الامور عن مشيته».
 
جعل ‌من‌ الافعال العامه تجيى ء على ثلاثه اوجه:
 بمعنى: صار، ‌و‌ طفق فلا يتعدى كقوله:
 ‌و‌ قد جعلت قلوص بنى زياد
 ‌من‌ الاكوار مرتعها قريب
 ‌و‌ بمعنى: خلق، ‌و‌ اوجد فيتعدى الى مفعول واحد كقوله تعالى: «و جعل الظلمات ‌و‌ النور».
 ‌و‌ بمعنى صير، ‌و‌ يتعدى الى مفعولين كقوله تعالى: «جعل لكم الارض فراشا».
 اذا علمت ذلك، فجعل ‌فى‌ المتن: بالمعنى الثانى اى: خلق ‌و‌ اوجد، ‌و‌ الظرف متعلق به، ‌و‌ تقديمه على المفعول للتشويق اليه، لان النفس عند تاخير ‌ما‌ حقه التقديم ‌لا‌ سيما بعد الاشعار بمنفعه تبقى مترقبه فيتمكن بها عند وروده عليها فضل تمكن، ‌او‌ لما ‌فى‌ الموخر ‌و‌ وصفه ‌من‌ نوع طول لو قدم لفات تجاذب اطراف نظم الكلام البليغ.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون بالمعنى الثالث ‌اى‌ التصيير المتعدى الى مفعولين فيكون اولهما قوتا ‌و‌ ثانيهما الظرف المتقدم على ‌ما‌ ‌هو‌ مقتضى الصناعه فان مفعولى التصيير ‌فى‌ الحقيقه اسم صار ‌و‌ خبره، اولهما الاول، ‌و‌ ثانيهما الثانى، ‌و‌ هما ‌فى‌ الاصل مبتدا ‌و‌ خبر ‌و‌ الاصل: لكل روح منهم قوت، ثم قيل: صار لكل روح منهم قوت، ثم صير لكل
 
روح منهم قوتا فمعناه: جعل قوتا موصوفا بالوصف المذكور كائنا لكل روح منهم، فان خبر صار ‌فى‌ الحقيقه ‌هو‌ الكون المقدر العامل ‌فى‌ الظرف.
 ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ الذى يقتضيه المقام ‌ما‌ ذكرناه اولا ‌و‌ ‌هو‌ الاخبار بجعل القوت ‌اى‌ ايجاده لكل روح منهم.
 ‌و‌ الروح، بضم الراء المهمله بعد الواو حاء مهمله: يذكر ‌و‌ يونث كما نص عليه الجوهرى، ‌و‌ صاحب المحكم.
 ‌و‌ قال ابن الانبارى، ‌و‌ ابن الاعرابى: الروح ‌و‌ النفس واحد غير ‌ان‌ العرب تذكر الروح ‌و‌ تونث النفس، ‌و‌ ‌هو‌ لغه: ‌ما‌ ‌به‌ الحياه، ‌و‌ عرفا: يطلق لمعنيين:
 احدهما: البخار اللطيف النابع ‌من‌ تجويف القلب الجسمانى المنتشر بواسطه العروق الضوارب الى سائر البدن، ‌و‌ ‌هو‌ الحامل لقوه الحياه ‌و‌ الحس ‌و‌ يشبه بالسراج الذى يدار ‌فى‌ البيت فانه ‌لا‌ ينتهى الى جزء ‌من‌ اجزاء البيت الا ‌و‌ يستنير به، فالحياه مثل النور الحاصل ‌فى‌ الحيطان، ‌و‌ الروح مثل السراج ‌و‌ حركته ‌فى‌ الباطن مثل حركه السراج ‌فى‌ زوايا البيت، ‌و‌ الاطباء اذا اطلقوا الروح ارادوا ‌به‌ هذا المعنى ‌و‌ فيه
 
يتصرفون بتعديل مزاج الاخلاط. ‌و‌ ‌هو‌ اول ‌ما‌ يتعلق ‌به‌ الروح بالمعنى الثانى، ‌و‌ بواسطته يتعلق بسائر البدن.
 الثانى: ‌ما‌ يشير اليه الانسان بقوله: انا اعنى النفس الناطقه المستعده للبيان ‌و‌ فهم الخطاب ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا.
 قيل: ‌و‌ الذى نطقت ‌به‌ الكتب الالهيه، ‌و‌ دلت عليه الاثار النبويه، ‌و‌ اتفق عليه المحققون ‌من‌ الحكماء ‌و‌ اهل الملل انه جوهر مجرد ‌فى‌ ذاته، متعلق بالبدن تعلق التدبير ‌و‌ التصرف، ‌و‌ الحياه: عباره عن هذا التعلق، ‌و‌ الموت: ‌هو‌ قطع هذا التعلق مع بقاء الروح ‌فى‌ ذاته كما صرح ‌به‌ كثير ‌من‌ الخاصه ‌و‌ العامه، ‌و‌ قد تحير العقلاء ‌فى‌ كيفيه هذا التعلق ‌و‌ اعترفوا بالعجز عن ادراكه كما تحيروا ‌فى‌ حقيقه الروح ‌و‌ عجزوا عن ادراك كنهه حتى قال بعضهم: ‌ان‌ قول اميرالمومنين (عليه السلام): «من عرف نفسه فقد عرف ربه» معناه انه كما ‌لا‌ يمكن التوصل الى معرفه النفس اعنى الروح ‌لا‌ يمكن التوصل الى معرفه الرب.
 ‌و‌ قوله تعالى: «و يسئلونك عن الروح ‌قل‌ الروح ‌من‌ امر ربى ‌و‌ ‌ما‌ اوتيتم ‌من‌ العلم الا قليلا» مما يعضد ذلك.
 ‌و‌ قال بعض علمائنا المتاخرين: المستفاد ‌من‌ الاخبار عن الائمه الاطهار: ‌ان‌ الروح شبح مثالى على صوره البدن.
 ‌و‌ كذلك عرفه المتالهون بمجاهداتهم، ‌و‌ حققه المحققون بمشاهداتهم، فهو ليس بجسمانى محض ‌و‌ ‌لا‌ بعقلانى صرف، بل برزخ بين الامرين ‌و‌ متوسط بين النشاتين ‌من‌ عالم الملكوت، ‌و‌ للانبياء ‌و‌ الاولياء (عليهم السلام) روح آخر فوق ذلك ‌هو‌
 
عقلانى صرف ‌و‌ جبروتى محض، انتهى.
 هذا: ‌و‌ لما كان للروح وجودان: وجود حقيقى، ‌و‌ ‌هو‌ وجوده لنفسه، ‌و‌ وجود نسبى، ‌و‌ ‌هو‌ وجوده للبدن، ‌و‌ كان الانسان ‌فى‌ هذه النشاه عباره عنه بوجوده الثانى الذى ‌هو‌ تعلقه بالبدن ‌و‌ تدبيره له، ‌و‌ كان البدن ‌لا‌ يقوم الا بالقوت. ‌و‌ حفظه بالغذاء الى اجل معلوم، جعل القوت للروح لانه المقصود بخلقه هذا البدن اذ كان الغرض ‌من‌ ايجاده تعلق الروح به.
 ‌و‌ قال بعضهم: ‌ان‌ الغذاء كما ينفع البدن، ينفع الروح ايضا، اما باعتبار تعلقه بالبدن ‌و‌ بجوهر الروح البخارى، ‌و‌ اما باعتبار ‌ان‌ الغذاء اذا كان جيدا مولدا للدم ينتفع الروح ‌به‌ ‌من‌ حيث البهجه ‌و‌ السرور، كما يتضرر ‌به‌ اذا كان مولدا للسوداء ‌من‌ حيث الحزن ‌و‌ الغم، انتهى.
 ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ الاعتبار الثانى ساقط عن درجه الاعتبار.
 ‌و‌ وقع ‌فى‌ نسخه ابن ادريس: لكل زوج، بالزاى ‌و‌ الجيم، ‌و‌ الزوج: ‌ما‌ يكون له نظير كالاصناف ‌و‌ الالوان، ‌او‌ نقيض كالذكر ‌و‌ الانثى.
 قال ابن دريد: ‌و‌ الزوج كل اثنين ‌ضد‌ الفرد، ‌و‌ تبعه الجوهرى فقال: ‌و‌ يقال للاثنين المتزاوجين: زوجان ‌و‌ زوج ايضا، تقول: عندى زوج نعال تريد
 
اثنين، ‌و‌ زوجان تريد اربعه.
 ‌و‌ قال ابن قتيبه: الزوج يكون واحدا ‌و‌ يكون اثنين ‌و‌ قوله تعالى: «من كل زوجين اثنين» ‌هو‌ هنا واحد، ‌و‌ كذلك قال ابوعبيده، ‌و‌ ابن فارس.
 ‌و‌ قال الازهرى: ‌و‌ انكر النحويون، ‌ان‌ يكون الزوج اثنين، ‌و‌ الزوج عندهم الفرد، ‌و‌ هذا ‌هو‌ الصواب.
 ‌و‌ قال ابن الانبارى: ‌و‌ العامه تخطى ء فتظن ‌ان‌ الزوج اثنان، ‌و‌ ليس ذلك ‌من‌ مذهب العرب اذ كانوا ‌لا‌ يتكلمون بالزوج موحدا ‌فى‌ مثل قولهم: زوج حمام، ‌و‌ انما يقولون زوجان ‌من‌ حمام ‌و‌ زوجان ‌من‌ خفاف ‌و‌ ‌لا‌ يقولون للواحد زوج بل للذكر فرد ‌و‌ للانثى فرده.
 ‌و‌ قال السجستانى ايضا: ‌لا‌ يقال للاثنين زوج ‌لا‌ ‌من‌ الطير ‌و‌ ‌لا‌ ‌من‌ غيره، فان ذلك ‌من‌ كلام الجهال ‌و‌ لكن كل اثنين زوجان.
 ‌و‌ استدل بعضهم لهذا بقوله تعالى: «خلق الزوجين الذكر ‌و‌ الانثى» ‌و‌ اما تسميتهم الواحد بالزوج فمشروط ‌ان‌ يكون معه آخر ‌من‌ جنسه، انتهى.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: كل شيئين مقترنين شكلين كانا ‌او‌ نقيضين فكل
 
واحد منهما زوج ‌و‌ هما زوجان كقولك: معه زوجا حمام، ‌و‌ زوجا نعال.
 ‌و‌ قال الهروى ‌فى‌ الغريبين: الزوج ‌فى‌ اللغه: الواحد الذى يكون معه آخر، ‌و‌ الاثنان زوجان يقال: زوجا خف.
 ‌و‌ قال الراغب ‌فى‌ تفسيره: الزوج يقال لكل واحد ‌من‌ القرينين ‌من‌ الذكر ‌و‌ الانثى ‌فى‌ الحيوان ‌و‌ غيره كزوج الخف ‌و‌ النعل، ‌و‌ لكل ‌ما‌ معه مقارن مماثل، ‌او‌ مضاد مركب معه، ‌او‌ مفرد انتهى
 اذا عرفت ذلك فالمراد بالزوج هنا: الفرد الذى له قرين كانه قال: ‌و‌ جعل لكل واحد ‌من‌ الزوجين منهم قوتا معلوما، فان كل ‌ما‌ خلقه الله تعالى جعله زوجين كما قال سبحانه: «و ‌من‌ كل شى ء خلقنا زوجين».
 ‌و‌ قيل: المراد بالزوج هنا: النوع ‌او‌ الصنف ‌لا‌ المتزاوجان، فالمعنى لكل نوع ‌و‌ صنف.
 قال ابن الاثير: الاصل ‌فى‌ الزوج: الصنف، ‌او‌ النوع لكل شى ء.
 
و قال بعضهم: ‌لا‌ يبعد ‌ان‌ يكون المراد بالزوج على هذه النسخه، النفس الناطقه مع البدن فيوول الى معنى الروح، على النسخه المشهوره ‌و‌ ذلك لكونهما شفعا مركبا بينهما، انتهى.
 ‌و‌ ‌لا‌ خفاء بما فيه ‌من‌ التمحل.
 ‌و‌ قال آخر: كل ممكن زوج تركيبى: لتركيبه ‌من‌ الذات ‌و‌ الوجود الزائد عليها مثلا، ‌و‌ كل واحد منهما مزدوج بالاخر ‌و‌ زوج لصاحبه ‌و‌ هما زوجان.
 ‌و‌ قال العلامه النيسابورى: ‌فى‌ تفسير قوله تعالى: «و ‌من‌ كل شى ء خلقنا زوجين» ‌و‌ قد يدور ‌فى‌ الخلد ‌ان‌ الايه اشاره الى ‌ان‌ كل ‌ما‌ سوى الله تعالى فانه مركب نوع تركيب ‌لا‌ اقل ‌من‌ الامكان ‌و‌ الوجود ‌او‌ الجنس ‌و‌ الفصل، ‌او‌ الماده ‌و‌ الصوره، انتهى.
 ‌و‌ القوت بالضم: ‌ما‌ يوكل ليمسك الرمق، ‌و‌ منه الحديث: «اللهم اجعل رزق ‌آل‌ محمد قوتا» ‌اى‌ بقدر ‌ما‌ يمسك الرمق ‌من‌ المطعم.
 ‌و‌ ‌فى‌ الدعاء ‌من‌ طريق العامه: «و جعل لكل منهم قيته مقسومه ‌من‌ رزقه» ‌و‌ هى فعله ‌من‌ القوت، كميته ‌من‌ الموت.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه قديمه: ‌و‌ جعل لكل ذى روح، ‌و‌ ‌هو‌ ظاهر المعنى.
 ‌و‌ (من) ‌فى‌ قوله: «منهم»، ابتدائيه ‌او‌ بيانيه.
 قوله (عليه السلام): «معلوما» ‌اى‌ معلوم الوصف ‌و‌ القدر ‌و‌ الوقت على حسب ‌ما‌ تقتضيه الحكمه، ‌و‌ تستدعيه الاراده التابعه لها، ‌لا‌ بما تقتضيه القدره فان ذلك غير
 
متناه اذ تخصيص كل شى ء بصفه معينه ‌و‌ قدر معين ‌و‌ وقت محدود، دون ‌ما‌ عدا ذلك مع استواء الكل ‌فى‌ الامكان.
 ‌و‌ استحقاق تعلق القدره ‌به‌ لابد له ‌من‌ حكمه تقتضى اختصاص كل ‌من‌ ذلك بما اختص به، ‌و‌ هذا البيان ‌سر‌ عدم تكوين الاشياء ‌لا‌ على وجه الكثره حسبما ‌هو‌ ‌فى‌ خزائن القدره كما قال تعالى: «و ‌ان‌ ‌من‌ شى ء الا عندنا خزائنه ‌و‌ ‌ما‌ ننزله الا بقدر معلوم»
 قوله: «مقسوما» اى: معينا مفروزا عن غيره، قسمه تقتضيها مشيته المبنيه على الحكمه ‌و‌ المصلحه ‌و‌ لم يفوض امره اليهم علما منه بعجزهم عن تدبير انفسهم كما قال تعالى: «نحن قسمنا بينهم معيشتهم ‌فى‌ الحيوه الدنيا».
 قوله: «من رزقه» اما متعلق بجعل ‌او‌ بقوله مقسوما.
 ‌و‌ (من): يحتمل ‌ان‌ تكون ابتدائيه ‌و‌ بيانيه ‌و‌ تبعيضيه.
 ‌و‌ الضمير: اما راجع الى الله تعالى فيكون ‌من‌ باب اضافه الشى ء الى فاعله تاكيدا لجعله ‌او‌ قسمته، ليثق الانسان بوصول ‌ما‌ قدره الله اليه، فيكف عن الحرص ‌و‌ الهلع ‌فى‌ طلبه، ‌او‌ الى الروح، فيكون ‌من‌ باب اضافه الشى ء الى صاحبه بيانا لعنايته سبحانه ‌به‌ ‌و‌ تمليكه ‌ما‌ يحتاج اليه.
 ‌و‌ الرزق ‌فى‌ اللغه: العطاء، ‌و‌ يطلق على النصيب المعطى نحو ذبح ‌و‌ رعى- بالكسر- للمذبوح ‌و‌ المرعى.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ بالفتح: مصدر، ‌و‌ بالكسر: اسم.
 ‌و‌ ‌فى‌ العرف: اما عند الاشاعره فهو ‌ما‌ انتفع ‌به‌ حى سواء كان بالتغذى ‌او‌
 
غيره، مباحا كان ‌او‌ حراما.
 ‌و‌ ربما قال بعضهم: ‌هو‌ ‌ما‌ يتربى ‌به‌ الحيوانات ‌من‌ الاغذيه ‌و‌ الاشربه ‌لا‌ غير.
 قال الامدى: ‌و‌ التعويل على الاول.
 ‌و‌ اما المعتزله: فلما احالوا تمكين الله تعالى ‌من‌ الحرام لانه منع ‌من‌ الانتفاع ‌به‌ ‌و‌ امر بالزجر عنه، قالوا: ‌هو‌ ‌ما‌ صح انتفاع الحيوان ‌به‌ ‌و‌ ليس لاحد منعه منه، فلا يكون الحرام رزقا، ‌و‌ استدلوا بقوله تعالى: «و مما رزقناهم ينفقون» حيث اسند الرزق الى نفسه ايذانا بانهم ينفقون ‌من‌ الحلال الطيب الطلق، فان انفاق الحرام بمعزل عن ايجاب المدح ‌و‌ بقوله تعالى: «قل ارايتم ‌ما‌ انزل الله لكم ‌من‌ رزق فجعلتم منه حراما ‌و‌ حلالا» حيث ذم المشركين على تحريم ‌ما‌ رزقهم الله.
 ‌و‌ تمسكت الاشاعره لشمول الرزق لهما بما رووه عن صفوان ‌بن‌ اميه، قال: كنا عند رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) اذ جاء عمر ‌بن‌ قره فقال: ‌يا‌ رسول الله ‌ان‌ الله كتب على الشقوه فلا ارانى ارزق الا ‌من‌ دفى بكفى فاذن لى ‌فى‌ الغناء، فقال (عليه السلام): «لا آذن لك ‌و‌ ‌لا‌ كرامه ‌و‌ ‌لا‌ نعمه، كذبت ‌اى‌ عدو الله، ‌و‌ الله لقد رزقك الله حلالا طيبا فاخترت ‌ما‌ حرم الله عليك ‌من‌ رزقه مكان ‌ما‌ احل الله لك
 
من حلاله، ‌و‌ بانه لو لم يكن الحرام رزقا لم يكن المتغذى ‌به‌ طول عمره مرزوقا ، ‌و‌ قد قال الله تعالى: «و ‌ما‌ ‌من‌ دابه ‌فى‌ الارض الا على الله رزقها».
 ‌و‌ اجابت المعتزله عن الحديث: بالطعن ‌فى‌ سنده تاره، ‌و‌ بالتاويل على تقدير صحته اخرى، بان اطلاق الرزق على الحرام لمشاكله قوله: فلا ارانى ارزق، كقوله تعالى: «و مكروا ‌و‌ مكر الله».
 ‌و‌ باب المشاكله ‌و‌ ‌ان‌ كان نوعا ‌من‌ المجاز لكنه واسع كثير الورود ‌فى‌ القرآن ‌و‌ الحديث، فاش ‌فى‌ نظم البلغاء ‌و‌ نثرهم. ‌و‌ عن قولهم: «لو لم يكن الحرام رزقا لم يكن المتغذى ‌به‌ طول عمره مرزوقا»، بان ماده النقض لابد ‌و‌ ‌ان‌ تكون متحققه ‌و‌ ليس كذلك، اذ ‌لا‌ يتصور حيوان كذلك. اما غير الانسان فلانه ‌لا‌ يتصور بالنسبه اليه ‌حل‌ ‌و‌ ‌لا‌ حرمه.
 ‌و‌ اما الانسان فلو لم ياكل ‌من‌ الحلال الا مده عدم التكليف لكفى ‌فى‌ دفع النقض.
 ‌و‌ ايضا: فالرزق اعم ‌من‌ الغذاء باجماع المعتزله ‌و‌ جمهور الاشاعره، ‌و‌ ‌لا‌ يشترط الانتفاع ‌به‌ بالفعل فالمتغذى طول عمره بالحرام انما يرد لو لم ينتفع مده عمره بشى ء انتفاعا محللا ‌و‌ ‌لا‌ يشرب الماء ‌و‌ التنفس ‌فى‌ الهواء، بل ‌و‌ ‌لا‌ تمكن ‌من‌ الانتفاع بذلك اصلا، ‌و‌ ظاهر ‌ان‌ هذا مما ‌لا‌ يوجد.
 ‌و‌ للمعتزله ‌ان‌ يقولوا ايضا: لو مات حيوان قبل ‌ان‌ يتناول شيئا حلالا ‌و‌ ‌لا‌ حراما، يلزم ‌ان‌ يكون غير مرزوق فما ‌هو‌ جوابكم فهو جوابنا.
 
تبصره
 
 لك ‌ان‌ تجعل كلا ‌من‌ القوت ‌و‌ الرزق ‌فى‌ الدعاء اعم ‌من‌ الجسمانى ‌و‌ الروحانى، فان الانسان كما علمت مركب ‌من‌ البدن ‌و‌ الروح، فكما ‌ان‌ البدن محتاج ‌فى‌ بلوغ كماله الى قوت شبيه ‌به‌ ‌فى‌ الجسميه ليزيد ‌فى‌ قدره اللائق ‌به‌ ‌و‌ يكمل ‌فى‌ ذاته، كذلك الروح محتاج الى قوت مناسب له شبيه ‌به‌ ‌فى‌ الروحانيه ليقويه ‌و‌ يبلغ ‌به‌ غايه كماله، ‌و‌ ‌هو‌ العلم ‌و‌ المعرفه.
 ‌و‌ اطلاق القوت ‌و‌ الطعام على الغذاء الروحانى شائع كقوله (عليه السلام): «ابيت عند ربى يطعمنى ‌و‌ يسقينى» ‌و‌ معلوم ‌ان‌ طعامه (صلى الله عليه ‌و‌ آله) عند ربه ليس ‌من‌ جنس اطعمه الحيوانات اللحميه، ‌و‌ ‌لا‌ شرابه ‌من‌ جنس هذه الاشربه، ‌و‌ انما المراد طعام العلم ‌و‌ شراب المعرفه.
 ‌و‌ عن زيد الشحام عن ابى جعفر (عليه السلام) ‌فى‌ قول الله تعالى: «فلينظر الانسان الى طعامه» قال: قلت: ‌ما‌ طعامه؟ قال: علمه الذى ياخذه عمن ياخذه.
 فاذن الانسان محتاج الى كل ‌من‌ القوتين، فكما جعل لكل قوتا جسمانيا معلوما
 
مقسوما ‌من‌ رزقه جعل له قوتا روحانيا معلوما مقسوما ‌من‌ رزقه ‌و‌ بذلك احتج عليه ‌و‌ وجه الخطاب اليه.
 قال بعض العارفين: لكل احد نصيب ‌من‌ لوامع اشراقات نوره ‌قل‌ ‌او‌ كثر، فله الحجه على كل احد بما عرفه ‌من‌ آيات وجوده، ‌و‌ دلائل صنعه وجوده، فوقع التكليف بمقتضى المعرفه، ‌و‌ العمل بموجب العلم، ‌و‌ الله اعلم.
 نقص الشى ء نقصا ‌من‌ باب قتل: ذهب منه شى ء بعد تمامه، ‌و‌ نقصته انا: يتعدى ‌و‌ ‌لا‌ يتعدى، هذه هى اللغه الفصيحه ‌و‌ بها جاء التنزيل ‌فى‌ قوله تعالى: «ننقصها ‌من‌ اطرافها» ‌و‌ قوله: «غير منقوص».
 ‌و‌ ‌فى‌ لغه ضعيفه يتعدى بالهمزه ‌و‌ التضعيف، قالوا: ‌و‌ لم يات ‌فى‌ كلام فصيح ‌و‌ يتعدى بنفسه ايضا الى مفعولين فيقال: نقصت زيدا حقه.
 ‌و‌ كذا (زاد): يستعمل لازما ‌و‌ متعديا الى واحد ‌و‌ الى اثنين فيقال: زاد الشى ء وزدته انا، وزدت زيدا درهما.
 اذا عرفت ذلك فقوله ينقص مضارع نقص المتعدى الى واحد، ‌و‌ ‌من‌ زاده مفعول مقدم، ‌و‌ ناقص فاعله ‌و‌ ‌هو‌ اسم فاعل منه.
 ‌و‌ كذا قوله يزيد، مضارع زاد المتعدى الى واحد، ‌و‌ ‌من‌ نقص منهم: مفعول. ‌و‌ مفعول نقص محذوف ‌اى‌ نقصه منهم.
 ‌و‌ حذف المفعول يكثر اذا كان ضميرا عائدا الى الموصول كقوله تعالى: «اهذا الذى بعث الله رسولا» اى: بعثه.
 
و قوله: «زائد» فاعل يزيد ‌و‌ الكلام على حذف مضاف اذ ليس المراد تعلق النقص ‌و‌ الزياده بالذات، ‌و‌ المعنى: ‌ان‌ ‌من‌ زاده الله تعالى قوته ‌او‌ رزقه منهم ‌لا‌ ينقصه ناقص، ‌و‌ ‌من‌ نقصه سبحانه ‌لا‌ يزيده زائد.
 ‌و‌ قدم المفعول ‌فى‌ الفقرتين لمزيد الاعتناء ببيان فعله تعالى ‌من‌ الزياده ‌و‌ النقصان.
 ‌و‌ وقع ‌فى‌ نسخه ابن ادريس: ضبط (نقص) بالبناء للمجهول ‌و‌ المعنى كما ذكر، غير ‌ان‌ فيه نكته لطيفه ‌و‌ هى عدم اسناد النقص اليه سبحانه مع التصريح باسناد عديله اعنى الزياده اليه تعالى تادبا معه ‌جل‌ شانه، ‌و‌ تشييدا لمعالم جوده ‌و‌ كرمه حتى كان الصادر عنه تعالى ‌هو‌ الزياده ‌لا‌ غير، ‌و‌ ‌ان‌ النقص صادر عن غيره جريا على منهاج الاداب التنزيليه ‌فى‌ نسبه النعم ‌و‌ الخيرات اليه ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ دون اضدادها كما ‌فى‌ قوله تعالى: «و انا ‌لا‌ ندرى اشر اريد بمن ‌فى‌ الارض، ‌ام‌ اراد بهم ربهم رشدا».
 ‌و‌ قوله تعالى: «الذى خلقنى فهو يهدين ‌و‌ الذى ‌هو‌ يطعمنى ‌و‌ يسقين ‌و‌ اذا مرضت فهو يشفين» ‌و‌ فائده هاتين الفقرتين التاكيد لكون القوت ‌من‌ الرزق معلوما مقسوما ‌من‌ لدنه سبحانه ‌و‌ تعالى ‌لا‌ يستطيع غيره ‌ان‌ يتصرف فيه بزياده ‌او‌ نقصان.
 
ثم: حرف عطف يقتضى الترتيب ‌و‌ التراخى، ‌و‌ فيه دلاله على ‌ان‌ تقدير الرزق مقدم على تقدير الاجل.
 ‌و‌ يويده الحديث المشهور: «خلق الله الارزاق قبل الارواح باربعه آلاف عام».
 
و ضرب له: ‌اى‌ قدر ‌و‌ قرر، ‌و‌ منه الضريبه ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يودى العبد الى سيده ‌من‌ الخراج المقرر عليه.
 ‌و‌ الحياه: قيل: هى قوه الحس ‌و‌ الحركه.
 ‌و‌ قيل: هى اعتدال المزاج.
 ‌و‌ قيل: قوه تتبع اعتدال المزاج.
 ‌و‌ قيل: صفه توجب للمتصف بها ‌ان‌ يعلم ‌و‌ يقدر.
 ‌و‌ قال الفخر الرازى: الحياه يوصف بها الواجب ‌جل‌ شانه، ‌و‌ الانسان، ‌و‌ الحيوان، ‌و‌ النبات، ‌و‌ الجهه التى تصحح وصف كل منها بها، هى كونها على الوجه اللايق الذى تترتب عليه الاحكام التى ‌من‌ شانه.
 ‌و‌ قد احسن ‌فى‌ جميع معانيها المتعدده ‌فى‌ تعريف واحد
 ‌و‌ الاجل: يطلق على معنيين:
 احدهما: ‌و‌ ‌هو‌ الاكثر، الوقت الذى يضرب لانقضاء الشى ء، ‌و‌ منه اجل الانسان الذى ينقضى فيه عمره ‌و‌ تنقطع فيه حياته كقوله تعالى: «فاذا جاء اجلهم ‌لا‌ يستاخرون ساعه ‌و‌ ‌لا‌ يستقدمون».
 الثانى: المده التى يكون الانقضاء ‌فى‌ آخرها كما ‌فى‌ قولهم: اجل الدين شهران، ‌و‌ على هذا يقال: اجل الانسان لمده عمره، ‌و‌ اراده هذا المعنى هنا اولى ‌و‌ انسب ‌من‌ المعنى الاول، لتكون الفقره الاخرى تاسيسا، ‌و‌ ‌هو‌ خير ‌من‌ التاكيد.
 قوله: «موقوتا» اى: محدود الوقت ‌من‌ وقته يقته، ‌من‌ باب وعد: اذا ‌حد‌ له وقتا ‌و‌ ‌هو‌ المقدار ‌من‌ الزمان المفروض لامر ما.
 
و نصب الشى ء، ينصبه نصبا، ‌من‌ باب ضرب: وضعه.
 ‌و‌ الامد: الغايه، يقال: بلغ امده، اى: غايته.
 ‌و‌ قال الجوهرى: يقال: ‌ما‌ امدك، اى: منتهى عمرك.
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه ‌فى‌ حديث الحجاج: قال للحسن ‌ما‌ امدك؟ قال: سنتان لخلافه عمر، اراد انه ولد لسنتين ‌من‌ خلافه عمر، ‌و‌ للانسان امدان مولده ‌و‌ موته، ‌و‌ الامد: الغايه، انتهى.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: اراد بالامد مبلغ سنه ‌و‌ الغايه التى ارتقى اليها عدد سنيه. قال الطرماح:
 كل حى مستكمل مده العمر
 ‌و‌ مود اذا انقضى امده
 ‌و‌ قوله: سنتان: ‌اى‌ صدر ذلك ‌و‌ اوله سنتان فحذف المبتدا لانه مفهوم ‌و‌ معناه: ولدت ‌و‌ قد بقيت سنتان ‌من‌ خلافه عمر، انتهى.
 ‌و‌ المراد ‌به‌ ‌فى‌ الدعاء امد الموت كما ‌هو‌ ظاهر، ‌و‌ اغرب ‌من‌ فسره بمده العمر ‌و‌ قال: ‌ان‌ هذه الفقره بمنزله العطف التفسيرى على الفقره السابقه فان الامد قد ورد بمعنى الغايه ‌فى‌ جميع كتب اللغه.
 
و المحدود: مفعول ‌من‌ حددت الشى ء: اذا ميزته ‌اى‌ غايه معلومه مميزه ‌لا‌ يقع فيها اشتباه.
 
 تنبيه
 
 الاجل الموقوت ‌لا‌ ينافى الموقوف، ‌و‌ يقال له: المعلق فانه موقوف ايضا بشرط ‌و‌ ‌هو‌ الذى يقع فيه التقديم ‌و‌ التاخير ‌و‌ الزياده ‌و‌ النقصان كما دلت عليه الايات ‌و‌ الاخبار قال تعالى ‌فى‌ سوره نوح: «ان اعبدوا الله ‌و‌ اتقوه ‌و‌ اطيعون يغفر لكم ‌من‌ ذنوبكم ‌و‌ يوخركم الى اجل مسمى ‌ان‌ اجل الله اذا جاء ‌لا‌ يوخر».
 قال المفسرون: الاجل المسمى ‌هو‌ الامد الاقصى الذى قدره الله تعالى لهم بشرط الايمان ‌و‌ الطاعه وراء ‌ما‌ قدره لهم على تقدير بقائهم على الكفر ‌و‌ العصيان فان وصف الاجل بالمسمى، ‌و‌ تعليق تاخيرهم اليه بالايمان صريح ‌فى‌ ‌ان‌ لهم اجلا آخر ‌لا‌ يجاوزونه ‌ان‌ لم يومنوا ‌و‌ ‌هو‌ المراد بقوله: ‌ان‌ اجل الله اذا جاء ‌لا‌ يوخر ‌اى‌ ‌ما‌ قدر لكم على تقدير بقائكم على الكفر اذا جاء ‌و‌ انتم على ‌ما‌ انتم عليه ‌من‌ الكفر ‌و‌ العصيان ‌لا‌ يوخر فبادروا الى الايمان ‌و‌ الطاعه قبل مجيئه حتى ‌لا‌ يتحقق شرطه الذى ‌هو‌ بقائكم على الكفر فلا يجى ء ‌و‌ يتحقق شرط التاخير الى الاجل المسمى فتوخروا اليه.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى: باسناده عن حمران عن ابى جعفر (عليه السلام) قال: سالته عن قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «قضى اجلا، ‌و‌ اجل مسمى عنده». قال: هما اجلان: اجل محتوم، ‌و‌ اجل موقوف.
 
و روى على ‌بن‌ ابراهيم باسناده عن ابى عبدالله (عليه السلام) ‌فى‌ تفسير هذه الايه قال: الاجل المقضى ‌هو‌ المحتوم الذى قضاه الله وحتمه، ‌و‌ المسمى ‌هو‌ الذى فيه البداء ‌و‌ يقدم ‌ما‌ يشاء ‌و‌ يوخر ‌ما‌ يشاء، ‌و‌ المحتوم ليس فيه تقديم ‌و‌ ‌لا‌ تاخير.
 ‌و‌ الروايات ‌فى‌ هذا الباب كثيره.
 
 تذنيب
 
 اختلفوا ‌فى‌ المقتول ‌و‌ نحوه، فقالت الاشاعره: ‌هو‌ ميت باجله بحيث لو لم يقتل ‌فى‌ هذا الوقت لمات فيه ‌و‌ موته بفعل الله تعالى.
 ‌و‌ وافقهم على ذلك ابوالهذيل ‌من‌ المعتزله، ‌و‌ استدلوا بقوله تعالى: «ما تسبق ‌من‌ امه اجلها» ‌و‌ قوله «و ‌ما‌ كان لنفس ‌ان‌ تموت الا باذن الله كتابا موجلا».
 ‌و‌ قال حكماء الاسلام: لكل ذى حياه اجلان: طبيعى ‌و‌ ‌هو‌ الذى يمكن بالنسبه الى المزاج الاول لكل شخص لو بقى مصونا عن الافات الخارجيه.
 ‌و‌ اخترامى: ‌و‌ ‌هو‌ الذى يحصل بسبب ‌من‌ الاسباب الخارجيه كالقتل ‌و‌ الغرق
 
و الحرق ‌و‌ اللدغ ‌و‌ غيرها ‌من‌ الامور المنفصله، فالمقتول ‌و‌ نحوه لو لم يقتل مثلا لعاش الى اجله الطبيعى، ‌و‌ ذهب الى هذا القول سائر المعتزله ‌و‌ قالوا: ‌ان‌ موته ‌من‌ فعل القاتل، ‌لا‌ ‌من‌ فعله تعالى ‌و‌ الا لما توجه الذم اليه، ‌و‌ احسن ‌ما‌ استدلوا ‌به‌ قوله تعالى: «و لكم ‌فى‌ القصاص حيوه» تقريره: ‌ان‌ القاتل متى علم انه اذا قتل قتل، ارتدع عن القتل، فيكون شرع القصاص سببا لحياه القاتل ‌و‌ المقتول، ‌و‌ لو كانا بحيث لم يقتلا لماتا، لم يكن كذلك، ‌و‌ حمل الحياه على الاخرويه بعيد جدا.
 ‌و‌ ذهب اكثر المحققين: الى جواز الامرين فيه لو ‌لا‌ القتل، فيجوز ‌ان‌ يموت ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يعيش، ‌و‌ ‌هو‌ اختيار المحقق الطوسى ‌فى‌ التجريد.
 ‌و‌ قال ابن نوبخت ‌من‌ اصحابنا ‌فى‌ كتاب الياقوت: ‌من‌ المقتولين ‌من‌ لو لم يقتل لعاش قطعا، ‌و‌ منهم ‌من‌ يجوز عليه الامران، ‌و‌ احتج على القطع بحياه البعض ‌ان‌
 
ملكا لو قتل اهل بلده فانا نحكم بانه لو لم يقتلهم لعاشوا لانه لو ‌لا‌ ذلك لزم خرق العاده، اذ ‌من‌ المستحيل عاده موت اهل تلك البلده ‌فى‌ يوم واحد، ‌و‌ خرق العاده ‌لا‌ يجوز الا ‌فى‌ زمان الرساله.
 ‌و‌ ‌رد‌ بان استحالته عاده ممنوع، لان مثله يقع ‌فى‌ الوباء.
 يتخطا: ‌من‌ الخطوه ‌و‌ ‌هو‌ المشى لكن وقع ‌فى‌ اكثر النسخ بالهمزه.
 ‌و‌ انكره الجوهرى فقال: تخطيته: اذا تجاوزته يقال: تخطيت رقاب الناس ‌و‌ تخطيت الى كذا، ‌و‌ ‌لا‌ تقل تخطات بالهمزه، انتهى.
 ‌و‌ اثبته الزمخشرى، ‌و‌ ‌هو‌ الثقه الثبت فيما ينقله قال ‌فى‌ اساس اللغه: ناقتك هذه ‌من‌ المتخطئات الجيف، اى: تمضى لقوتها ‌و‌ تخلف ورائها التى سقطت ‌من‌ الحسرى انتهى.
 ‌و‌ ‌لا‌ نكير ‌فى‌ ذلك فان العرب قد تهمز غير المهموز.
 قال الفراء: ربما خرجت بهم فصاحتهم الى ‌ان‌ يهمزوا ‌ما‌ ليس بمهموز، قالوا: رثات الميت، ‌و‌ لبات بالحج ‌و‌ حلات السويق، كل ذلك بالهمز ‌و‌ انما ‌هو‌ ‌من‌ الرثى ‌و‌ التلبيه ‌و‌ الحلاوه ‌و‌ قالوا ايضا: افتات برايه: ‌اى‌ انفرد ‌و‌ استبد.
 قال الجوهرى: هذا الحرف سمع مهموزا ذكره ابوعمرو، ‌و‌ ابوزيد، ‌و‌ ابن السكيت ‌و‌ غيرهم، فلا يخلوا اما ‌ان‌ يكون همزوا ‌ما‌ ليس بمهموز كما قالوا: حلات
 
السويق ‌و‌ لبات بالحج ورثات الميت، ‌او‌ يكون اصل هذه الكلمه ‌من‌ غير الفوت، انتهى.
 فقوله: «يتخطا» بالهمزه على ‌ما‌ وقع ‌فى‌ اكثر النسخ ‌من‌ باب همزهم ‌ما‌ ليس بمهموز.
 ‌و‌ اما جعله ‌من‌ الخطا الذى ‌هو‌ نقيض الصواب فخطا محض.
 ‌و‌ لبعضهم ‌فى‌ توجيه الهمز هنا خرافات تضحك الثكلى.
 ‌و‌ الايام: جمع يوم اصله ايوام ثم ادغم.
 قال الخوارزمى: الغالب ‌فى‌ الايام ‌و‌ اليوم ‌ان‌ ‌لا‌ يذكر الا ‌فى‌ الشر كقوله تعالى: «و ذكرهم بايام الله» اى: عقوبته.
 ‌و‌ قال غيره: تقع الايام ‌فى‌ الخير ‌و‌ الشر قال تعالى: «تلك الايام نداولها بين الناس» ‌و‌ قال الشاعر: ‌و‌ الفاظ كايام الشباب.
 ‌و‌ العمر، بالضم ‌و‌ بضمتين، ‌و‌ يفتح: الحياه.
 ‌و‌ رهقت الشى ء رهقا، ‌من‌ باب تعب: قربت منه.
 قال ابوزيد: طلبت الشى ء حتى رهقته، ‌و‌ كدت آخذه ‌او‌ اخذته.
 
و قال الفارابى: رهقته: ادركته.
 ‌و‌ الاعوام: جمع عام ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ تقدير فعل بفتحتين كسبب ‌و‌ اسباب، ‌و‌ معناه الحول.
 قال ابن الجواليقى: ‌و‌ ‌لا‌ تفرق عوام الناس بين العام ‌و‌ السنه، ‌و‌ يجعلونهما بمعنى فيقولون لمن سافر ‌فى‌ وقت ‌من‌ السنه: ‌اى‌ وقت كان الى مثله عام، ‌و‌ ‌هو‌ غلط ‌و‌ الصواب ‌ما‌ اخبرت ‌به‌ عن احمد ‌بن‌ يحيى انه قال: السنه ‌من‌ اول يوم اعددته الى مثله. ‌و‌ العام ‌لا‌ يكون الاشتاء وصيفا.
 ‌و‌ ‌فى‌ التهذيب ايضا: العام: حول ياتى على شتوه وصيفه.
 ‌و‌ على هذا فالعام اخص ‌من‌ السنه، ‌و‌ ليس كل سنه عاما، فاذا عددت ‌من‌ يوم الى مثله فهو سنه، ‌و‌ قد يكون فيه نصف الصيف ‌و‌ نصف الشتاء، ‌و‌ العام لايكون الا صيفا ‌و‌ شتاء متواليين.
 ‌و‌ تظهر فائده ذلك ‌فى‌ الايمان ‌و‌ النذور فاذا نذر ‌ان‌ يصوم عاما ‌لا‌ يدخل بعضه ‌فى‌ بعض، انما ‌هو‌ الشتاء ‌و‌ السيف بخلاف سنه.
 ‌و‌ الدهر: الزمان، ‌قل‌ ‌او‌ كثر.
 قال الازهرى: الدهر عند العرب يطلق على الزمان، ‌و‌ على الفصل ‌من‌ فصول السنه ‌و‌ اقل ‌من‌ ذلك، ‌و‌ يقع على مده الدنيا كلها، ‌و‌ قال: سمعت غير واحد ‌من‌
 
العرب يقول: اقمنا على ماء كذا دهرا، ‌و‌ هذا المرعى يكفينا دهرا ‌و‌ يحملنا دهرا.
 قال: لكن ‌لا‌ يقال الدهر اربعه ازمنه ‌و‌ ‌لا‌ اربعه فصول لان اطلاقه على الزمن القليل مجاز ‌و‌ اتساع، فلا يخالف ‌به‌ المسموع ‌و‌ ينسب الرجل الذى يقول: بقدم الدهر، ‌و‌ ‌لا‌ يقول بالبعث، دهرى- بالفتح- على القياس، ‌و‌ اما الرجل المسن اذا نسب الى الدهر فيقال: دهرى- بالضم- على غير قياس.
 ‌و‌ الضمير ‌فى‌ اليه ‌و‌ يرهقه راجع الى الاجل ‌و‌ الامد، ‌و‌ ‌ان‌ فسر الاجل بمده العمر فهو راجع الى الامد فقط، ‌و‌ ‌فى‌ عمره ‌و‌ دهره الى كل روح.
 ‌و‌ الباء: للاستعانه، ‌و‌ المعنى: ‌ان‌ كل شخص يتجاوز الى غايه عمره بايام حياته ‌و‌ يقرب منه باعوام زمانه كان كل يوم خطوه، ‌و‌ كل عام مرحله يقطعها الى ‌ان‌ يبلغ منتهاه.
 بلغ: ‌اى‌ وصل ‌من‌ قولهم: بلغت المنزل، اى: وصلته.
 ‌و‌ اقصى الشى ء: منتهاه ‌و‌ غايته القصوى.
 ‌و‌ الاثر: الاجل، ‌و‌ منه الحديث: «من سره ‌ان‌ يبسط الله رزقه ‌و‌ ينسا ‌فى‌ اثره، فليصل رحمه» ‌اى‌ ‌فى‌ اجله، ‌و‌ سمى ‌به‌ لانه يتبع العمر.
 قال زهير:............... ‌لا‌ ينتهى العمر حتى ينتهى الاثر ‌و‌ قال ابن الاثير: اصله ‌من‌ اثر مشيه ‌فى‌ الارض. فان ‌من‌ مات ‌لا‌ يبقى له اثر فلا يرى لاقدامه ‌فى‌ الارض اثر.
 ‌و‌ استوعبه: استقصاه ‌و‌ استاصله، اى: اخذه جميعه.
 
و حسبه يحسبه، ‌من‌ باب قتل، حسبا ‌و‌ حسبه ‌و‌ حسابا- بالكسر- فيهما، ‌و‌ حسبانا - بالضم-: احصاه عددا.
 ‌و‌ حتى: حرف ابتداء يبتدا ‌به‌ الجمل اى: يستانف فهو داخل على الجمله باسرها ‌لا‌ عمل له.
 ‌و‌ اذا: ظرف للمستقبل متضمن معنى الشرط ‌فى‌ موضع نصب بشرطه ‌و‌ ‌هو‌ قوله بلغ، ‌او‌ بجوابه ‌و‌ ‌هو‌ قوله قبضه ‌فى‌ اول الفقره الاتيه. هذا على راى الجمهور.
 ‌و‌ زعم ابوالحسن الاخفش، ‌و‌ نبعه ابن مالك: ‌ان‌ حتى هى الجاره ‌و‌ (اذا) ‌فى‌ موضع جربها، ‌و‌ هى على هذا ‌لا‌ جواب لها، ‌و‌ المعنى: ثم ضرب له ‌فى‌ الحياه اجلا موقوتا ‌و‌ نصب له امدا محدودا الى بلوغ اقصى اثره، ‌و‌ استيعاب حساب عمره فيكون قوله قبضه الى ‌ما‌ ندبه اليه فيما ياتى استيناف ‌و‌ جواب سئوال كانه قيل : فما جرى اذ ذاك؟ فقيل: قبضه الى ‌ما‌ ندبه اليه.
 ‌و‌ ممن قال بهذا الوجه الزمخشرى، فانه جوزه مع الوجه المذكور عن الجمهور.
 قبضه الله، ‌من‌ باب ضرب: اماته، ‌و‌ عبر عن الاماته بالقبض الذى ‌هو‌ ‌فى‌ الاصل بمعنى جمع المنبسط وطيه لما ‌فى‌ ضدها ‌و‌ ‌هو‌ الاحياء ‌من‌ معنى المد الذى ‌هو‌ البسط طولا ‌و‌ ‌هو‌ جعله ممتدا الى اجل موقوت ‌و‌ امد محدود.
 ‌و‌ عداه الى الثانى بالى لتضمينه معنى التوجيه، اى: قبضه موجها له الى ‌ما‌ ندبه، اى: دعاه اليه، بقال: ندبه الى الامر ندبا، ‌من‌ باب قتل: اذا دعاه، ‌و‌ الفاعل نادب ‌و‌ المفعول مندوب ‌و‌ الامر مندوب اليه، ‌و‌ الاسم الندبه كغرفه ‌و‌ منه المندوب ‌فى‌ الشرع، ‌و‌ الاصل: المندوب اليه لكن حذفت الصله منه لفهم المعنى.
 ‌و‌ الموفور: المتمم، المكمل، وفر الشى ء يفر وفورا ‌من‌ باب وعد: تم ‌و‌ كمل،
 
و وفرته وفرا، ‌من‌ باب وعد ايضا: اتممته ‌و‌ اكملته، يستعمل لازما ‌و‌ متعديا، ‌و‌ المصدر فارق
 ‌و‌ الثواب ‌فى‌ اللغه: الجزاء.
 ‌و‌ المحذور: المخوف، قال تعالى: «ان عذاب ربك كان محذورا».
 ‌و‌ العقاب: العقوبه ماخوذ ‌من‌ العقب لان المعاقب يتبع عقب الخصم، طالبا حقه يقال: عاقبه: اذا جاء بعقبه، ‌و‌ المراد بقوله: ندبه اليه، اما الاشاره الى توجيه اسبابه بحسب القضاء الالهى عليه، فيكون قوله ‌او‌ محذور عقابه عطفا على موفور ثوابه، ‌او‌ حقيقه الدعاء كقوله تعالى: «و الله يدعوا الى دار السلام» ‌و‌ قوله: «و سارعوا الى مغفره ‌من‌ ربكم، ‌و‌ جنه عرضها السماوات ‌و‌ الارض اعدت للمتقين».
 فقوله: ‌او‌ محذور عقابه، اما عطف على ‌ما‌ ندبه اليه، ‌و‌ المعنى: قبضه الى ‌ما‌ ندبه اليه، ‌او‌ الى محذور عقابه، ‌و‌ اما على موفور ثوابه بتضمين ندبه معنى بينه كما قيل: ‌فى‌ قوله: «علفتها تبنا ‌و‌ ماء باردا» ضمن علفتها معنى انلتها.
 ‌و‌ اما عطفه عليه مع حمل العباره على ظاهرها فلا يصح الا على اعتقاد المجبره ، ‌و‌ ‌هو‌ باطل.
 
 تبصره
 
 عرف المعتزله الثواب: بانه النفع المستحق المقارن للتعظيم، ‌و‌ العقاب: بانه
 
الضرر المستحق المقارن للاهانه ‌و‌ قالوا بوجوبهما عقلا.
 اما الاول: فلان الطاعه مشقه الزمها الله المكلفين، ‌و‌ هى ‌من‌ غير عوض ظلم ‌لا‌ يصدر عن الحكيم العدل فلابد ‌من‌ العوض، ‌و‌ ‌لا‌ يكون الا نفعا، ‌و‌ لو امكن الابتداء ‌به‌ كان التكليف قبيحا.
 ‌و‌ اما الثانى: فلاشتماله على اللطف، فان علم المكلف باستحقاق العقاب على المعصيه يبعده ‌من‌ فعلها ‌و‌ يقربه ‌من‌ فعل ضدها، ‌و‌ اللطف واجب على الله تعالى، ‌و‌ هذا الدليل يجرى ‌فى‌ الاول ايضا.
 ‌و‌ عند الاشاعره: سمعى واقع ‌فى‌ الثواب، لان الخلف ‌فى‌ الوعد نقص يجب تنزيه الله تعالى عنه، ‌و‌ اما العقاب فيجوز ‌ان‌ ‌لا‌ يقع، ‌و‌ وافقهم على ذلك معتزله البصره ‌و‌ بغداد، ‌و‌ اختلفت الاماميه، فذهب جماعه منهم المحقق الطوسى الى ‌ما‌ ذهب اليه المعتزله.
 قال ‌فى‌ التجريد: ‌و‌ يستحق الثواب ‌و‌ المدح بفعل الواجب ‌و‌ المندوب ‌و‌ فعل ‌ضد‌ القبيح ‌و‌ الاخلال ‌به‌ بشرط فعل الواجب لوجوبه، ‌او‌ لوجه وجوبه، ‌و‌ المندوب كذلك، ‌و‌ الضد، لانه ترك قبيح، ‌و‌ الاخلال لانه اخلال ‌به‌ لان المشقه ‌من‌ غير عوض ظلم، ‌و‌ لو امكن الابتداء ‌به‌ كان التكليف عبثا. ‌و‌ كذا يستحق العقاب ‌و‌ الذم بفعل القبيح ‌و‌ الاخلال بالواجب لاشتماله على اللطف، ‌و‌ للسمع، انتهى.
 ‌و‌ ذهبت طائفه منهم الشيخ ابواسحاق ‌بن‌ نوبخت الى وجوبهما سمعا ‌لا‌ عقلا. قال ‌فى‌ الياقوت: ليس ‌فى‌ العقل ‌ما‌ يدل على ثواب لكثره النعم التى ‌لا‌ يستحق العبد معها جزاء على طاعاته، ‌و‌ ‌لا‌ عقاب اذ ‌لا‌ يقتضى العقل تعذيب المسى ء ‌فى‌
 
الشاهد ابدا، انتهى.
 ‌و‌ قال آخرون: بوجوب الثواب عقلا ‌و‌ العقاب سمعا ‌و‌ ‌هو‌ مختار العلامه الحلى (قدس سره).
 ‌و‌ يتعلق بهذا المقام مسائل:
 الاولى: ذهب المعتزله، ‌و‌ وافقهم المحقق الطوسى الى ‌ان‌ الثواب ‌و‌ العقاب يجب خلوصهما ‌من‌ الشوائب بمعنى ‌ان‌ الثواب يجب ‌ان‌ يكون خالصا ‌من‌ جميع انواع المشاق ‌و‌ المكاره، ‌و‌ العقاب ‌من‌ جميع انواع السرور.
 اما الاول: فلانه لو لم يكن خالصا لكان انقص حالا ‌من‌ العوض ‌و‌ التفضل اذا كانا خالصين، ‌و‌ انه غير جائز.
 ‌و‌ اما الثانى: فلانه ادخل ‌فى‌ باب الزجر ‌من‌ الثواب، فيجب خلوصه بالطريق الاولى.
 ‌و‌ اورد ‌ان‌ اهل الجنه درجاتهم متفاوته، فمن كان ادنى درجه يكون مغتما اذا شاهد ‌من‌ ‌هو‌ ارفع درجه منه، ‌و‌ انه يجب عليهم الشكر على نعمه تعالى، ‌و‌ الاخلال بالقبائح ‌و‌ كل ذلك مشقه فلا يكون الثواب خالصا عن الشوب.
 ‌و‌ ايضا: فان اهل النار يتركون القبائح فيجب ‌ان‌ يثابوا بتركها، فلا يكون عقابها خالصا عن شوب ‌من‌ الثواب.
 ‌و‌ اجيب: بان كل ذى مرتبه ‌فى‌ الجنه ‌لا‌ يطلب الازيد ‌من‌ مرتبته، لان شهوته مقصوره على ‌ما‌ حصل له، فلا يكون مغتما بمشاهده ‌من‌ ‌هو‌ ارفع درجه منه،
 
و سرورهم بالشكر على النعمه يبلغ الى ‌حد‌ تنتفى المشقه معه، ‌و‌ اما الاخلال بالقبائح فغناهم بالثواب ينفى عنهم مشقه الاخلال بها، ‌و‌ اما اهل النار، فملجوون الى ترك القبائح فلا يثابون عليه.
 الثانيه: ذهبوا ايضا الى انه يجب دوام ثواب اهل النعيم، ‌و‌ عقاب اهل الجحيم. ‌و‌ احتج عليه المحقق الطوسى بوجوه:
 احدها: ‌ان‌ العلم بدوامهما يبعث المكلف على الطاعه ‌و‌ يزجره عن المعصيه، فيكون لطفا، ‌و‌ اللطف واجب.
 الثانى: ‌ان‌ المدح ‌و‌ الذم دائما، اذ ‌لا‌ وقت الا ‌و‌ يحسن فيه مدح المطيع ‌و‌ ذم العاصى ‌و‌ هما معلولا الطاعه ‌و‌ المعصيه، فيجب دوام الثواب ‌و‌ العقاب لان دوام احد المعلولين يستلزم دوام المعلول الاخر.
 الثالث: ‌ان‌ الثواب لو كان منقطعا لحصل لصاحبه الالم بانقطاعه، ‌و‌ لو كان العقاب منقطعا لحصل لصاحبه السرور بانقطاعه، فلم يكونا خالصين عن الشوب لكن يجب خلوصهما عنه كما مر.
 الثالثه: استحقاق الثواب ‌و‌ العقاب، هل ‌هو‌ ‌فى‌ وقت وجود الطاعه ‌و‌ المعصيه بدون شرط، ‌او‌ ‌فى‌ الدار الاخره، ‌او‌ ‌فى‌ حاله الموت، ‌او‌ ‌فى‌ الحال بشرط الموافاه؟.
 اقوال، ذهب الى كل جمع ‌من‌ المعتزله.
 ‌و‌ اختار المحقق الطوسى ‌و‌ العلامه الحلى ‌من‌ اصحابنا، الاخير.
 ‌و‌ معنى شرط الموافاه: انه ‌ان‌ كان ‌فى‌ علم الله تعالى موافاته بطاعه سليمه الى حال الموت، استحق الثواب ‌فى‌ الحال ‌و‌ كذا ‌فى‌ المعصيه، ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌فى‌ علمه تعالى انه يحبط الطاعه، ‌او‌ يتوب ‌من‌ المعصيه قبل الموافاه، فلا يستحق بهما ثوابا ‌و‌ ‌لا‌ عقابا.
 
اقتباس ‌من‌ قوله تعالى ‌فى‌ سوره النجم: «ان ربك ‌هو‌ اعلم بمن ضل عن سبيله ‌و‌ ‌هو‌ اعلم بمن اهتدى ‌و‌ لله ‌ما‌ ‌فى‌ السموات ‌و‌ ‌ما‌ ‌فى‌ الارض ليجزى الذين اسئوا بما عملوا ‌و‌ يجزى الذين احسنوا بالحسنى».
 ‌و‌ قوله: «ليجزى» الى آخره، متعلق ‌فى‌ الدعاء بقوله قبضه، ‌و‌ اما ‌فى‌ الايه فقيل: متعلق بما ‌دل‌ عليه، (اعلم) الى آخره.
 ‌و‌ ‌ما‌ بينهما اعتراض مقرر لما قبله فان كون الكل مخلوقا له تعالى مما يقرر علمه سبحانه باحوالهم: «الا يعلم ‌من‌ خلق» كانه قيل: فيعلم ضلال ‌من‌ ضل ‌و‌ اهتداء ‌من‌ اهتدى ‌و‌ يحفظهما، «ليجزى الذين اسئوا» الى آخره.
 ‌و‌ قيل: متعلق بما ‌دل‌ عليه قوله تعالى: «و لله ‌ما‌ ‌فى‌ السموات ‌و‌ ‌ما‌ ‌فى‌ الارض» كانه قيل: خلق ‌ما‌ فيهما ليجزى.
 ‌و‌ قيل: متعلق بضل ‌و‌ اهتدى على ‌ان‌ اللام للعاقبه اى: ‌هو‌ اعلم بمن ضل ليوول امره الى ‌ان‌ يجزيه تعالى بعمله ‌و‌ بمن اهتدى ليوول امره الى ‌ان‌ بجزيه بالحسنى. ‌و‌ فيه ‌من‌ البعد ‌ما‌ ‌لا‌ يخفى.
 ‌و‌ قوله: «بما عملوا» اى: بعقاب ‌ما‌ عملوا ‌من‌ الاساءه، ‌او‌ بسبب ‌ما‌ عملوا.
 ‌و‌ الحسنى: صفه المثوبه، ‌اى‌ بالمثوبه الحسنى التى هى احسن ‌من‌ اعمالهم عشر مرات فصاعدا، تفضلا منه جلت آلاوه، ‌او‌ بسبب اعمالهم الحسنى، ‌و‌ تكرير الفعل لاظهار كمال الاعتناء بشان الجزاء ‌و‌ التنبيه على تباين الجزائين.
 
 تذكره
 
 الاقتباس تضمين النظم ‌او‌ النثر بعض القرآن ‌لا‌ على انه منه بان ‌لا‌ يقال: قال الله تعالى ‌و‌ نحوه فان ذلك حينئذ ‌لا‌ يكون اقتباسا، ‌و‌ قد وقع ‌فى‌ خطب اميرالمومنين
 
صلوات الله عليه ‌و‌ دعاء اهل البيت عليهم السلام كثيرا، ‌و‌ ‌هو‌ يدل على جوازه ‌فى‌ مقام المواعظ ‌و‌ الدعاء ‌و‌ الثناء على الله سبحانه.
 ‌و‌ اما جوازه ‌فى‌ الشعر ‌و‌ ‌فى‌ غير ذلك ‌من‌ النثر فلم اجد فيه نصا ‌من‌ علمائنا.
 نعم قال الشيخ صفى الدين الحلى ‌من‌ اصحابنا ‌فى‌ شرح بديعيته: الاقتباس على ثلاثه اقسام: محمود مقبول، ‌و‌ مباح مبذول، ‌و‌ مردود مرذول.
 فالاول: ‌ما‌ كان ‌فى‌ الخطب ‌و‌ المواعظ ‌و‌ العهود ‌و‌ مدح النبى ‌و‌ آله عليهم السلام ‌و‌ نحو ذلك.
 ‌و‌ الثانى: ‌ما‌ كان ‌فى‌ الغزل ‌و‌ الصفات ‌و‌ القصص ‌و‌ الرسائل ‌و‌ نحوها.
 ‌و‌ الثالث: على ضربين:
 احدهما: تضمين ‌ما‌ نسبه الله سبحانه الى نفسه كما نقل عن احد بنى مروان انه وقع على مطالعه فيها شكايه عماله «ان الينا ايابهم ثم ‌ان‌ علينا حسابهم».
 الثانى: تضمين آيه كريمه ‌فى‌ معرض هزل ‌و‌ سخف نعوذ بالله ‌من‌ ذلك، انتهى كلامه.
 ‌و‌ ‌لا‌ اعلم مستنده ‌فى‌ هذا التفصيل.
 ثم الصحيح ‌ان‌ المقتبس ليس بقرآن حقيقه بل كلام يماثله بدليل جواز النقل عن معناه الاصلى ‌و‌ التغيير اليسير فيه.
 كقول اميرالمومنين (عليه السلام) ‌فى‌ كلام كلم ‌به‌ الخوارج: «ابعد ايمانى بالله ‌و‌ جهادى مع رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله)، اشهد على نفسى بالكفر، لقد ضللت
 
اذا ‌و‌ ‌ما‌ انا ‌من‌ المهتدين».
 ‌و‌ ‌هو‌ اقتباس ‌من‌ قوله تعالى: «قل ‌لا‌ اتبع اهواءكم قد ضللت اذا ‌و‌ ‌ما‌ انا ‌من‌ المهتدين» فنقله ‌من‌ معناه الاصلى، ‌و‌ ادخل على «قد» لام جواب القسم، ‌و‌ لو كان المراد ‌به‌ الايه بعينها لما جاز ذلك ‌و‌ قد استوفيت الكلام على ذلك بما ‌لا‌ مزيد عليه ‌فى‌ شرح بديعيتى المسمى بانوار الربيع ‌فى‌ انواع البديع فمن اراد الاطلاع عليه فليرجع اليه.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^