فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 6- 1

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ ‌به‌ نستعين


 الحمد لله فالق الاصباح ‌و‌ جاعل الليل سكنا، ‌و‌ سبحان الله حين تمسون ‌و‌ حين تصبحون سرا ‌و‌ علنا، ‌و‌ الصلاه ‌و‌ السلام على نبيه الذى شرع بملته فروضا ‌و‌ سننا، ‌و‌ على اهل بيته الذين نهج بولايتهم لسلوك الحق سننا.


 ‌و‌ بعد: فهذه الروضه السادسه ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيد العابدين، املاء راجى فضل ربه السنى على صدرالدين الحسينى الحسنى، وفقه الله لمراضيه ‌و‌ جعل مستقبله خيرا ‌من‌ ماضيه.
 
الصباح: اول النهار اذا جاء ضياوه ‌و‌ ‌هو‌ الفجر، ‌و‌ مثله الصبح، ‌و‌ قد يطلق على منتصف الليل الى آخر الزوال.
 ‌و‌ المساء. مجى ء ظلام الليل ‌اى‌ اوله، ‌و‌ قد يطلق على منتصف النهار الى آخر نصف الليل.
 قال ابن الجواليقى: الصباح عند العرب ‌من‌ نصف الليل الى آخر الزوال، ثم المساء الى آخر نصف الليل الاول.
 ‌و‌ قال ابن القوطيه: المساء ‌ما‌ بين الظهر الى المغرب. ‌و‌ المراد بهما هنا اول النهار ‌و‌ اول الليل، ‌و‌ بذلك فسر قوله تعالى: «فسبحان الله حين تمسون ‌و‌ حين تصبحون» لانه لو فسر بالمعنى الذى ذكره ابن الجواليقى عن العرب لكان قوله: «و عشيا» داخلا ‌فى‌ المساء، ‌و‌ قوله: «حين تظهرون» داخلا ‌فى‌ الصباح.
 ‌و‌ قد روى عن ابن عباس: ‌ان‌ الايه جامعه للصلوات الخمس، «تمسون» صلاه المغرب ‌و‌ العشاء، ‌و‌ «تصبحون» صلاه الفجر، ‌و‌ «عشيا» صلاه العصر،
 
و «تظهرون» صلاه الظهر.
 ثم الذى يدل عليه متن هذا الدعاء انه مختص بالصباح، لابه ‌و‌ بالمساء، كما وقع ‌فى‌ عنوانه، ‌و‌ لذلك خصصه شيخ الطائفه قدس سره ‌و‌ غيره بالصباح، ‌و‌ الله اعلم.
 قال صلوات الله عليه:
 
الخلق: احداث الشى ء ‌من‌ غير احتذاء على مثال، ‌و‌ لذلك ‌لا‌ يجوز اطلاقه الا ‌فى‌ صفات الله سبحانه، اذ ‌لا‌ احد سواه تكون افعاله ‌من‌ غير احتذاء على مثال.
 ‌و‌ الليل: ‌هو‌ الزمان الذى يقع ‌ما‌ بين غروب الشمس ‌و‌ طلوعها عند اهل اللغه، ‌و‌ ‌ما‌ بين غروبها ‌و‌ طلوع الفجر الصادق عند اهل الشرع.
 ‌و‌ النهار: ماخوذ ‌من‌ النهر بمعنى السعه ‌لا‌ تساع ضوئه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ طلوع الشمس الى غروبها عند ارباب اللغه.
 قال النضر ‌بن‌ شميل: ‌و‌ ‌لا‌ يعد ‌ما‌ قبل طلوعها ‌من‌ النهار.
 ‌و‌ ‌فى‌ عرف الشرع ‌من‌ طلوع الفجر الصادق الى غروب الشمس، ‌و‌ ‌هو‌ حقيقه شرعيه ‌فى‌ ذلك.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: انما ‌هو‌ بياض النهار ‌و‌ سواد الليل.
 ‌و‌ قال الفيومى ‌فى‌ المصباح المنير: النهار ‌فى‌ اللغه ‌من‌ طلوع الفجر الى غروب الشمس، ‌و‌ ‌هو‌ مرادف لليوم، ‌و‌ ‌لا‌ واسطه بين الليل ‌و‌ النهار، ‌و‌ ربما توسعت
 
العرب فاطلقت النهار ‌من‌ وقت الاسفار الى الغروب، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ عرف الناس ‌من‌ طلوع الشمس الى غروبها، ‌و‌ اذا اطلق النهار ‌فى‌ الفروع انصرف الى اليوم، نحو: صم نهارا ‌و‌ اعمل نهارا، لكن قالوا: اذا استاجره ‌ان‌ يعمل له نهار يوم الاحد مثلا فهل يحمل على الحقيقه اللغويه حتى يكون اوله ‌من‌ طلوع الفجر؟ ‌او‌ يحمل على العرف حتى يكون اوله ‌من‌ طلوع الشمس لاشعار الاضافه به، لان الشى ء ‌لا‌ يضاف الى مرادفه؟ ‌و‌ الاول ‌هو‌ الراجح دليلا، لان الشى ء قد يضاف الى نفسه عند اختلاف اللفظين نحو: ‌و‌ لدار الاخره ‌و‌ ‌حق‌ اليقين ‌و‌ ‌ما‌ اشبه ذلك، ‌و‌ نقل: فيه ‌و‌ جهان، ‌و‌ قياس هذا اطراده ‌فى‌ كل صوره يضاف فيها النهار الى اليوم، كما لو حلف ‌لا‌ ياكل ‌او‌ ‌لا‌ يسافر نهار يوم كذا انتهى كلامه.
 قالوا: ‌و‌ ‌لا‌ يثنى النهار ‌و‌ ‌لا‌ يجمع، لانه بمنزله المصدر يقع على القليل ‌و‌ الكثير، ‌و‌ ربما جمع على نهر ‌و‌ انهره.
 ‌و‌ قوته سبحانه عباره عن كمال قدرته، ‌و‌ لذلك قيل: القوه ‌و‌ القدره متقاربتان.
 
 تنبيه
 
 قيل: قدم الليل على النهار ‌فى‌ الذكر، لان الليل مخلوق قبل النهار، لان الظلمه هى الاصل ‌و‌ النور طار عليها يسترها.
 
و استدل بعضهم بقوله تعالى: «او لم ير الذين كفروا ‌ان‌ السموات ‌و‌ الارض كانتا رتقا ففتقناهما» ‌اى‌ كانتا مظلمتين فتقهما الله باظهار النور فيهما، اذ ‌لا‌ يكون مع الرتق الا الظلام، فهو سابق على النور.
 ‌و‌ قال الجلال السيوطى: قد ثبت ‌ان‌ القيامه ‌لا‌ تقوم الا نهارا، فدل على ‌ان‌ ليله اليوم سابقه على نهاره، اذ كل يوم له ليله، فكان الليل قبل النهار.
 ‌و‌ الصحيح: ‌ان‌ النهار خلق قبل الليل، لما رواه العياشى ‌فى‌ تفسيره باسناده عن الاشعث ‌بن‌ حاتم، قال: كنت بخراسان حيث اجتمع الرضا عليه السلام ‌و‌ الفضل ‌بن‌ سهل، ‌و‌ المامون ‌فى‌ الايوان بمرو، فوضعت المائده، فقال الرضا عليه السلام: ‌ان‌ رجلا ‌من‌ بنى اسرائيل سالنى بالمدينه، النهار خلق قبل ‌ام‌ الليل فما عندكم؟ قال: فاداروا الكلام فلم يكن ‌فى‌ ذلك شى ء، فقال الفضل للرضا عليه السلام: اخبرنا بها اصلحك الله، قال: نعم، ‌من‌ القرآن ‌ام‌ ‌من‌ الحساب؟ قال الفضل: ‌من‌ جهه الحساب، قال: قد علمت ‌يا‌ فضل ‌ان‌ طالع الدنيا السرطان، ‌و‌ الكواكب ‌فى‌ مواضع شرفها: زحل ‌فى‌ الميزان، ‌و‌ المشترى ‌فى‌ السرطان، ‌و‌ الشمس ‌فى‌ الحمل، ‌و‌ القمر ‌فى‌ الثور، فذلك يدل على كينونه الشمس ‌فى‌ الحمل ‌فى‌ العاشر ‌من‌ الطالع ‌فى‌ وسط السماء، فالنهار خلق قبل الليل انتهى.
 ‌و‌ على هذا: فالنكته ‌فى‌ تقديم الليل ‌فى‌ الذكر اما لان الشهور غررها الليالى، ‌او‌ لانه وقت العباده ‌و‌ الخلوه، فقدم لشرفه.
 ‌و‌ قال النيسابورى ‌فى‌ تفسيره: قال اهل البرهان: قدم الليل على النهار، لان
 
ذهاب الليل بطلوع الشمس اكثر فائده ‌من‌ ذهاب النهار بدخول الليل.
 
ماز الشى ء ‌من‌ الشى ء: ‌من‌ باب باع، فرق بينهما ‌و‌ فصل، ‌و‌ التثقيل مبالغه، فيقال: ميزه تمييزا، ‌و‌ ميز بينهما، ‌و‌ منه سن التمييز ‌و‌ هى: السن التى اذا بلغ اليها الانسان عرف مضاره ‌و‌ منافعه، ‌و‌ ميز بينهما.
 ‌و‌ بين: ظرف مبهم ‌لا‌ يبين معناه الا باضافته الى متعدد ‌او‌ ‌ما‌ يقوم مقامه، كقوله تعالى: «عوان بين ذلك» اشاره الى ‌ما‌ ذكر ‌من‌ الفارض ‌و‌ البكر، ‌و‌ لذلك اختص بالاضافه الى متعدد.
 قال الزنجانى: ‌و‌ هى بحسب ‌ما‌ تضاف اليه، فان اضيفت الى مكان كانت ظرف مكان، ‌او‌ الى زمان فظرف زمان.
 ‌و‌ قيل: اصلها ‌ان‌ تكون ظرفا للزمان، ‌و‌ قيل بالعكس.
 ‌و‌ معنى التمييز بينهما: جعل كل منهما منفصلا عن الاخر بحيث ‌لا‌ يشتبه احدهما بالاخر، فجعل الليل مظلما ‌و‌ النهار مضيئا، حتى ‌ان‌ انشقاق ظلمه الليل بظهور الصبح المستطير، ‌و‌ ‌هو‌ اثر ضوء الصبح يرى كانه جدول ماء صاف يسيل ‌فى‌ بحر كدر، بحيث ‌لا‌ يتكدر الصافى بالكدر ‌و‌ ‌لا‌ يختلط الكدر بالصافى. ‌و‌ مساق الكلام يقتضى ‌ان‌ يكون لخلق الليل ‌و‌ النهار ‌و‌ التمييز بينهما الى غير ذلك مما سياتى مدخل ‌فى‌ اقتضاء الحمد، لان ترتيب الوصف على الحكم مشعر بالعليه، كما تقرر ‌فى‌ الاصول، ‌و‌ ‌هو‌ كذلك، ‌و‌ وجهه ظاهر فان خلق الليل ‌و‌ النهار ‌و‌ التمييز بينهما ‌و‌ تخصيص كل منهما بحد ‌و‌ امد ‌من‌ المنح الجليله، التى ‌لا‌ يحيط نطاق البيان بما فيها،
 
من المصالح ‌و‌ المنافع، ‌و‌ لذلك تمدح سبحانه ‌و‌ امتن على عباده بذلك مكررا ‌فى‌ كتابه الكريم، فقال ‌عز‌ ‌من‌ قائل: «و ‌من‌ رحمته جعل لكم الليل ‌و‌ النهار لتسكنوا فيه ‌و‌ لتبتغوا ‌من‌ فضله ‌و‌ لعلكم تشكرون».
 ‌و‌ قال سبحانه: «الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ‌و‌ النهار مبصرا، ‌ان‌ الله لذو فضل على الناس ولكن اكثر الناس ‌لا‌ يشكرون». ‌و‌ قال تعالى: «ان ‌فى‌ خلق السموات ‌و‌ الارض ‌و‌ اختلاف الليل ‌و‌ النهار لايات لاولى الالباب». الى غير ذلك ‌من‌ الايات.
 ‌و‌ قد تقدم الكلام على معنى «قدرته تعالى» ‌فى‌ اوائل شرح الدعاء الاول. ‌و‌ قرن الخلق بالقوه ‌و‌ التمييز بالقدره لمناسبه ظاهره، فان احداث الشى ء ‌من‌ غير احتذاء على مثال يستدعى كمال القدره بخلاف التمييز.
 
حد كل شى ء: غايته ‌و‌ منتهاه، ‌و‌ منه: حددت الدار حدا ‌من‌ باب قتل: اذا ذكرت نهايتها لتمييزها عن مجاوراتها.
 ‌و‌ محدودا: ‌اى‌ مميزا معينا ‌لا‌ اشتباه فيه.
 ‌و‌ الامد: يطلق على معنيين:
 احدهما: الغايه، ‌و‌ منه قوله تعالى: «تود لو ‌ان‌ بينها ‌و‌ بينه امدا بعيدا».
 الثانى: الوقت ‌و‌ الزمان كالمده، ‌و‌ منه قوله تعالى: «فطال عليهم الامد، فقست قلوبهم» اى: طال عليهم الزمان.
 
و هذا المعنى ‌هو‌ المراد هنا، اى: جعل لكل واحد ‌من‌ الليل ‌و‌ النهار وقتا مبسوطا لمصالح العباد ‌و‌ منافعهم التى ‌لا‌ تحصى.
 
 تبصره
 
 مجموع زمان الليل ‌و‌ النهار عند الجميع اربع ‌و‌ عشرون ساعه ‌من‌ غير زياده ‌و‌ ‌لا‌ نقصان، ‌و‌ كل ‌ما‌ نقص ‌من‌ الليل زاد ‌فى‌ النهار ‌و‌ بالعكس.
 ‌و‌ اطول ‌ما‌ يكون ‌من‌ النهار يوم سابع عشر حزيران عند حلول الشمس آخر الجوزاء، فيكون النهار حينئذ خمس عشره ساعه، ‌و‌ الليل تسع ساعات، ‌و‌ ‌هو‌ اقصر ‌ما‌ يكون ‌من‌ الليل.
 ثم ياخذ النهار ‌فى‌ النقصان، ‌و‌ الليل ‌فى‌ الزياده الى ثامن عشر ايلول، ‌و‌ ‌هو‌ عند حلول الشمس آخر السنبله، فيستوى الليل ‌و‌ النهار، ‌و‌ يسمى الاعتدال الخريفى، فيصير كل منهما اثنتى عشره ساعه، ثم ينقص النهار ‌و‌ يزيد الليل الى سابع عشر ‌من‌ كانون الاول عند حلول الشمس آخر القوس، فيصير الليل خمس عشره ساعه، ‌و‌ النهار تسع ساعات، فيكون الليل ‌فى‌ غايه الطول ‌و‌ النهار ‌فى‌ غايه القصر، ثم ياخذ الليل ‌فى‌ الزياده ‌و‌ النهار ‌فى‌ النقصان الى سادس عشر آذار، عند حلول الشمس آخر الحوت، فيستوى الليل ‌و‌ النهار، ‌و‌ يصير كل واحد منهما اثنتى عشره ساعه، ‌و‌ يسمى الاعتدال الربيعى، ثم يستانف الدور ‌و‌ يرجع الى الاول، كما قال تعالى: «و الشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم».
 
تتمه
 
 كلما ازداد البلد عرضا عن ‌خط‌ الاستواء، ‌و‌ ‌هو‌ الموضع المحاذى لمنطقه الفلك الاعظم المسماه معدل النهار، ازداد نهاره ‌فى‌ الصيف طولا ‌و‌ ‌فى‌ الشتاء قصرا، ‌و‌ بالعكس ‌فى‌ الليل.
 ‌و‌ قد يرتقى طول النهار بحسب تزايد ارتفاع القطب الى حيث يصير اليوم بليلته نهارا كله ‌و‌ بازائه الليل، ثم الى اكثر ‌من‌ ذلك الى حيث يكون نصف السنه نهارا ‌و‌ نصفها الاخر ليلا، فتكون السنه كلها يوما ‌و‌ ليله، ‌و‌ ذلك اذا صار قطب الفلك الاعظم محاذيا لسمت الراس ‌و‌ ‌لا‌ عماره هناك ‌و‌ ‌لا‌ فيما يقرب منه، اذ لايتم ‌به‌ النضج لشده البرد اللازم ‌من‌ انخفاض الشمس، ‌و‌ ‌لا‌ يصلح المسكن للحيوان، ‌و‌ ‌لا‌ يتهيا فيه شى ء ‌من‌ اسباب المعيشه.
 ‌و‌ اما البلاد التى هى تحت ‌خط‌ الاستواء، فالليل ‌و‌ النهار فيها ‌فى‌ جميع السنه متساويان، كل واحد منهما اثنتى عشره ساعه متساويه، ‌و‌ الله اعلم.
 
ولج الشى ء ‌فى‌ غيره يلج ‌و‌ لوجا، ‌من‌ باب وعد: دخل فيه، ‌و‌ اولجه ايلاجا: ادخله اى: يدخل كل واحد ‌من‌ الليل ‌و‌ النهار ‌فى‌ الاخر، بان يقلب بعض اجزاء الليل المظلمه باجزاء النهار المنيره ‌و‌ يدخله فيه ‌و‌ بالعكس، فيكون قد نقص ‌من‌ احدهما شيئا ‌و‌ زاده ‌فى‌ الاخر، كنقصان ليل الصيف ‌و‌ زياده نهاره، ‌و‌ زياده ليل الشتاء ‌و‌ نقصان نهاره.
 
قال العلامه البهائى ‌فى‌ مفتاح الفلاح: فان قلت: هذا المعنى يستفاد ‌من‌ قوله عليه السلام: «يولج كل واحد منهما ‌فى‌ صاحبه»، فاى فائده ‌فى‌ قوله عليه السلام: «و يولج صاحبه فيه»؟ قلت: مراده عليه السلام التنبيه بالواو الحاليه على امر مستغرب، ‌و‌ ‌هو‌ حصول الزياده ‌و‌ النقصان معا ‌فى‌ كل ‌من‌ الليل ‌و‌ النهار ‌فى‌ ‌آن‌ واحد، ‌و‌ ذلك بحسب اختلاف البقاع كالشماليه عن ‌خط‌ الاستواء ‌و‌ الجنوبيه عنه، سواء كانت مسكونه ‌ام‌ لا، فان صيف الشماليه شتاء الجنوبيه ‌و‌ بالعكس، فزياده النهار ‌و‌ نقصانه واقعان ‌فى‌ وقت واحد لكن ‌فى‌ بقعتين، ‌و‌ كذلك زياده الليل ‌و‌ نقصانه، ‌و‌ لو لم يصرح عليه السلام بقوله: «و يولج صاحبه فيه» لم يحصل التنبيه على ذلك، بل كان الظاهر ‌من‌ كلامه عليه السلام وقوع زياده النهار ‌فى‌ وقت ‌و‌ نقصانه ‌فى‌ آخر، ‌و‌ كذا الليل كما ‌هو‌ محسوس معروف للخاص ‌و‌ العام، فالواو ‌فى‌ قوله عليه السلام: «و يولج صاحبه فيه». واو الحال باضمار مبتدا، كما ‌هو‌ المشهور بين النحاه. انتهى كلامه رفع مقامه.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون الواو عاطفه، كما ‌هو‌ المتبادر ‌من‌ ظاهر العباره، ‌و‌ يكون المراد باحد الايلاجين: ايجاد كل عقيب الاخر باعتبار ايلاجه ‌فى‌ مكانه، ‌و‌ بالايلاج الاخر: الزياده ‌و‌ النقص كما مر، فقد فسر بعضهم قوله تعالى: «يولج الليل ‌فى‌ النهار، ‌و‌ يولج النهار ‌فى‌ الليل» بالاتيان باحدهما ‌فى‌ مكان الاخر.
 قال الشيخ الجليل امين الاسلام الطبرسى ‌فى‌ مجمع البيان: قيل ‌فى‌ معناه
 
قولان:
 احدهما: ‌ان‌ معناه ينقص ‌من‌ الليل، فيجعل ذلك النقصان زياده ‌فى‌ النهار، ‌و‌ ينقص ‌من‌ النهار، فيجعل ذلك النقصان زياده ‌فى‌ الليل على قدر طول النهار ‌و‌ قصره، عن ابن عباس ‌و‌ الحسن ‌و‌ مجاهد.
 ‌و‌ الاخر: معناه: يدخل احدهما ‌فى‌ الاخر باتيانه بدلا ‌فى‌ مكانه. عن ابى على الجبائى انتهى.
 ‌و‌ على هذا المعنى اقتصر الزمخشرى ‌فى‌ الكشاف
 ‌و‌ قال البيضاوى: ايلاج الليل ‌فى‌ النهار: ادخال احدهما ‌فى‌ الاخر بالتعقيب، ‌او‌ الزياده ‌و‌ النقص انتهى.
 فكانه عليه السلام قصد المعنيين معا، فان حملت الايلاج ‌فى‌ الفقره الاولى على معنى الزياده ‌و‌ النقص كان ‌فى‌ الفقره الثانيه، بمعنى المعاقبه، ‌و‌ الا فبالعكس، فيكون المستفاد ‌من‌ الجمله المعطوفه غير ‌ما‌ يستفاد ‌من‌ الجمله المعطوف عليها، ‌و‌ الله اعلم بمقاصد اوليائه.
 التقدير: تعيين ذات الشى ء ‌و‌ صفاته ‌و‌ حدوده ‌و‌ كيفياته ‌و‌ سائر ‌ما‌ يدخل ‌فى‌ خصوصياته.
 
و قيل: ‌هو‌ عباره عن تصوير الاشياء المعلومه على الوجه العقلى الكلى، جزئيه مقدره باقدار معينه، متشكله باشكال ‌و‌ هيئات شخصيه، مقارنه لاوقات مخصوصه، على الوجه الذى يظهر ‌فى‌ الخارج قبل اظهارها ‌و‌ ايجادها.
 ‌و‌ الباء: للسببيه، متعلقه ب«يولج» ‌ان‌ جعلت جمله مستانفه، ‌و‌ ب«خلق» اول الدعاء ‌ان‌ جعلت جمله حاليه.
 ‌و‌ منه: متعلق بمحذوف صفه لتقدير، اى: كائن ‌من‌ عنده تعالى، ‌و‌ هى صفه مبينه لفخامه التقدير.
 ‌و‌ اللام ‌فى‌ «للعباد»: للتعليل، اى: لاجلهم متعلقه بتقدير.
 ‌و‌ ‌فى‌ ‌من‌ قوله «فيما» ظرفيه مجازيه متعلقه بمحذوف صفه اخرى لتقدير، اى: تقدير منه كائن فيما يغذو العباد به، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون للتعليل كقوله تعالى: (لمسكم فيما افضتم)، اى: لاجل ‌ما‌ يغذوهم به.
 ‌و‌ غذوته بالشى ء: جعلته له غذاء ككتاب، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يغتذى ‌به‌ ‌من‌ طعام ‌و‌ شراب. تقول: غذوته باللبن فاغتذى، ‌و‌ غذيته بالتثقيل تغذيه مبالغه.
 ‌و‌ ينشئهم: ‌اى‌ يربيهم، ‌و‌ منه قوله تعالى: «او ‌من‌ ينشو ‌فى‌ الحليه ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ الخصام غير مبين». اى: يربى ‌فى‌ الزينه، ‌و‌ انشى ء ‌و‌ نشى ء بالهمزه ‌و‌ التثقيل: بمعنى واحد.
 ‌و‌ على ‌من‌ قوله «عليه»: متعلقه بينشئهم، ‌و‌ هى للاستعلاء المعنوى، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون بمعنى الباء، كقولهم: اركب على اسم الله.
 
و ‌فى‌ هذا الكلام اشاره الى حكمه اختلاف الليالى ‌و‌ الايام، ‌و‌ تفاوت زمان النور ‌و‌ الظلام، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ لطائف صنع الله تعالى ‌و‌ عجائب رحمته للعباد، كما قال سبحانه: «ان ‌فى‌ خلق السموات ‌و‌ الارض ‌و‌ اختلاف الليل ‌و‌ النهار، لايات لاولى الالباب».
 فان ‌من‌ الغرائب تعاون المتنافيين على امر واحد، ‌و‌ ‌هو‌ اصلاح مزاج الحيوان ‌و‌ معاشه.
 قال بعض العارفين ‌من‌ اصحابنا: انظر ايها العارف المتعمق ‌فى‌ اسرار حكمه الله تعالى وجوده، انه لو لم يخلق هذه الاجرام النيرات على الوضع الذى يقع ‌به‌ التفاوت بين الليل ‌و‌ النهار، بان تلج مده ‌من‌ هذا ‌فى‌ ذلك ‌و‌ مده اخرى بالعكس، ‌و‌ يقدر التعاقب بينهما على نظام محكم ‌و‌ نسق مضبوط، لما صلحت احوال الخلائق ‌و‌ البلاد، ‌و‌ لادت امزجه الحيوان ‌و‌ النبات- الذى ‌به‌ قوامه- الى الفساد، الم ‌تر‌ كيف خلق الله تعالى اوضاع النيرات العلويه ‌و‌ مناطق حركاتها ‌و‌ مدارات سيرها، على نحو تنتظم ‌به‌ احوال الكائنات، ‌و‌ تنتفع ‌به‌ السفليات، فلو ثبت انوارها، ‌او‌ تحركت ولكن لزمت دائره واحده، لاثرت بافراط فيما قابلها ‌و‌ تفريط فيما وراء ذلك، ‌و‌ لو لم تكن لها حركه لفعلت ‌ما‌ يفعله السكون ‌و‌ اللزوم، ‌و‌ لو لم تكن تاره سريعه ‌و‌ اخرى بطيئه، ‌و‌ لم تجعل دوائر الحركات البطيئه ‌و‌ سموتها مائله عن سمت الحركه السريعه، لما مالت تلك الانوار الى النواحى شمالا ‌و‌ جنوبا، فلم تنتشر آثارها ‌و‌ منافع ضوئها على بقاع الارض، ‌و‌ لو ‌لا‌ حركه الشمس على هذا المنوال، ‌من‌ مخالفه سمت حركتها الذاتيه لسمت حركتها العرضيه، لما حصلت الفصول
 
الاربعه، التى يوجبها تفاوت ازمنه الليالى ‌و‌ الايام، ‌و‌ لو ‌لا‌ حصولها لما تم النظام ‌و‌ ‌لا‌ صلحت امزجه العباد، ‌و‌ فسد الحرث ‌و‌ النسل ‌فى‌ البلاد، ‌و‌ قد علمت ‌ان‌ نشاه الاخره ‌من‌ الدنيا ‌و‌ ‌ان‌ الدنيا قنطره الاخره، ‌و‌ ‌فى‌ فساد القنطره قبل العبور بطلان العبور ‌و‌ الحرمان عن الوصول الى دار السرور.
 فاذن قد تحقق ‌و‌ تبين عند اولى الالباب غايه الحكمه ‌فى‌ اختلاف الليل ‌و‌ النهار، ‌و‌ توالجهما على هذا الوجه المودى، للنتائج ‌و‌ الاثار، ‌و‌ الله اعلم.
 
الفاء هنا: للترتيب الذكرى، ‌و‌ ‌هو‌ عطف مفصل على مجمل، نحو: توضا فغسل وجهه ‌و‌ يديه ‌و‌ مسح راسه ‌و‌ رجليه. فانه عليه السلام لما ذكر خلق الليل ‌و‌ النهار، ‌و‌ ايلاج احدهما ‌فى‌ الاخر بتقدير منه للعباد، اخذ يفصل بعض المنافع المخصوصه بالليل، ‌و‌ بعض المصالح المخصوصه بالنهار، ‌و‌ بدا بذكر منافع الليل على الترتيب السابق.
 ‌و‌ السكون: ذهاب حركه المتحرك، سكن يسكن ‌من‌ باب قتل سكونا، ‌و‌ سياتى بيان معنى الحركه ‌فى‌ هذه الروضه ‌ان‌ شاء الله تعالى.
 ‌و‌ التعب: الاعياء ‌و‌ الكلال.
 ‌و‌ النهضات: جمع نهضه، ‌من‌ نهض بمعنى قام.
 ‌و‌ قال الفيومى ‌فى‌ المصباح: كان منه نهضه الى كذا اى: حركه، ‌و‌ الجمع نهضات.
 
و النصب: التعب، نصب نصبا كتعب تعبا وزنا ‌و‌ معنى.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: نصب كتعب: اعيا، ‌و‌ الرجل: جد، ‌و‌ عيش ناصب: فيه كد ‌و‌ جهد انتهى.
 فلك حمل النصب هنا على معنى الجد ‌و‌ الكد ‌و‌ الجهد، ليكون تاسيسا ‌لا‌ تاكيدا، فيكون معنى حركات التعب الحركات الموجبه للتعب، ‌و‌ معنى نهضات النصب الحركات التى اوجبها الجد ‌و‌ الجهد ‌فى‌ تحصيل المارب.
 ‌و‌ ‌فى‌ بعض النسخ: بهضات النصب، بالباء الموحده ‌و‌ الظاء المشاله، ‌من‌ بهضه الحمل اذا اثقله.
 ‌و‌ ‌من‌ ‌فى‌ قوله عليه السلام: «من حركات التعب»: للبدل، اى: ليسكنوا فيه بدلا ‌و‌ عوضا ‌من‌ حركات التعب، مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «ارضيتم بالحياه الدنيا ‌من‌ الاخره».
 اى: بدلا منها، ‌او‌ ابتدائيه بتضمين السكون معنى الخلاص، اى: ليسكنوا فيه خالصين ‌من‌ حركات التعب ‌و‌ نهضات النصب، ‌و‌ فيه اشاره الى قوله تعالى: «الله الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ‌و‌ النهار مبصرا».
 ‌و‌ انما خص الليل بالسكون لخلقه باردا مظلما، ليودى الى ضعف الحركات ‌و‌ هدوء الحواس، ليستريحوا فيه ‌من‌ متاعب الاشغال، ‌و‌ ‌لا‌ كذلك النهار، ‌و‌ ‌ان‌ كان السكون فيه ممكنا.
 
اللباس: على وزن كتاب، ‌ما‌ يلبس، لبس الثوب ‌من‌ باب تعب، لبسا بضم اللام، ‌و‌ اما اللبس بالكسر فبمعنى اللباس، شبه الليل باللباس لستره بظلامه كما يستر اللباس. قال تعالى: «و ‌هو‌ الذى جعل لكم الليل لباسا»، ‌و‌ قال: «و جعلتا الليل لباسا».
 قال المفسرون: ‌اى‌ غطاء يستتر بظلمته ‌من‌ اراد الاختفاء.
 ‌فى‌ تفسير على ‌بن‌ ابراهيم قال: يلبس على النهار اى: يغطى عليه، يقال: البسه اى: غطاه، ‌و‌ ‌هو‌ معنى قوله تعالى: «يغشى الليل النهار» اى: يغطيه به.
 ‌و‌ قوله: «ليلبسوا ‌من‌ راحته ‌و‌ منامه» استعاره مكنيه تخييليه، شبه الراحه ‌و‌ المنام بالثوب ‌فى‌ شموله للبدن، ‌و‌ الجامع الشمول، ‌و‌ هى استعاره بالكنايه، ‌و‌ اثبت لهما اللبس الذى ‌لا‌ يكمل شمول الثوب للبدن الا به، ‌و‌ هى استعاره تخييليه.
 ‌و‌ ‌من‌ من قوله «من راحته»: للابتداء مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «يحلون فيها ‌من‌ اساور» عند الجمهور، ‌و‌ قال الاخفش: انها ‌فى‌ الايه زائده، بدليل قوله تعالى: «و حلوا اساور». ‌و‌ لو قيل بزيادتها هنا لم يكن بعيدا، لصحه المعنى بدونها.
 ‌و‌ الضمير ‌فى‌ «راحته ‌و‌ منامه»: لليل، ‌و‌ الاضافه اما بمعنى «فى» مثل «مكر
 
الليل»، ‌او‌ بمعنى اللام الاختصاصيه، ‌و‌ اجاز بعضهم عود الضمير فيهما الى الله سبحانه باعتبار خلقه لهما.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله «فيكون»: عاطفه سببيه، ‌و‌ ذلك اشاره الى لبس الراحه ‌و‌ المنام.
 ‌و‌ الجمام بفتح الجيم: الراحه ‌و‌ النشاط، ‌و‌ يقال: جم الفرس جما ‌و‌ جماما: اذا ترك فلم يركب فذهب اعياوه ‌و‌ تعبه.
 فقوله: «جماما» اشاره الى استراحه القوى النفسانيه.
 ‌و‌ قوله: «قوه» الى تقوى القوى الطبيعيه.
 نال الشى ء- ‌من‌ باب تعب- يناله نيلا: اصابه.
 ‌و‌ اللذه: قيل: ادراك المشتهى، ‌و‌ قيل: ادراك الملائم ‌من‌ حيث انه ملائم، كطعم الحلاوه عند حاسه الذوق، ‌و‌ النور عند البصر، ‌و‌ حضور المرجو عند الوهميه، ‌و‌ الامور الماضيه عند القوه الحافظه تلتذ بتذكرها.
 ‌و‌ قيد الحيثيه للاحتراز عن ادراك الملائم ‌لا‌ ‌من‌ حيث ملائمته فانه ليس بلذه، كالدواء النافع المر، فانه ‌من‌ حيث انه نافع يكون ملائما ‌لا‌ ‌من‌ حيث انه مر.
 ‌و‌ الشهوه: انبعاث النفس ‌و‌ حركتها طلبا للملائم، ‌و‌ المراد بها هنا المشتهى، اذ الشهوه نفسها ‌لا‌ اختصاص لها بالليل.
 ‌و‌ عبر عليه السلام بالشهوه عن المشتهى، كما عبر سبحانه بالشهوات عن المشتهيات ‌فى‌ قوله تعالى: «زين للناس حب الشهوات».
 
قال المفسرون: جعل الاعيان المشتهيات شهوات مبالغه ‌فى‌ كونها مشتهاه محروصا على الاستمتاع بها، ‌و‌ ذلك للتعلق ‌و‌ الاتصال، كما يقال للمقدور قدره ‌و‌ للمرجو رجاء، انتهى.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله «به»: ظرفيه بمعنى «فى»، ‌و‌ الضمير عائد الى الليل.
 ‌و‌ المراد باللذه ‌و‌ الشهوه اللتين تنالان ‌فى‌ الليل: الرفث الى النساء، ‌و‌ انما خص ذلك بالليل لانه استر ‌من‌ النهار، ‌و‌ الفعل فيه اخفى منه ‌فى‌ النهار، ‌و‌ قد جاء النص على اخفاء هذا الفعل، ‌و‌ لانه احمد اوقاته.
 قالت الاطباء: اجود اوقاته النصف الاخير ‌من‌ الليل ‌و‌ قد انهضم الطعام ‌و‌ سخن باطن الرحم.
 
مبصرا: ‌اى‌ ذا ابصار، باعتبار اصحابه لابصارهم بما فيه ‌من‌ الضياء طرق التقلب ‌فى‌ امور المعاش.
 فبولغ فيه حيث جعل الابصار الذى ‌هو‌ حال الناس حالا له ‌و‌ وصفا ‌من‌ اوصافه التى خلق عليها بحيث ‌لا‌ ينفك عنها، ‌و‌ لم يسلك ‌فى‌ الليل هذا المسلك لما ‌ان‌ تاثير الظلام ‌فى‌ السكون ليس بمثابه تاثير ضوء النهار ‌فى‌ الابصار.
 ‌و‌ بغى الشى ء يبغيه ‌و‌ يبتغيه: طلبه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الابتغاء مزيد اعتمال ناشى ء ‌من‌ اعتناء النفس بتحصيل الفضل ‌و‌ سعيها ‌فى‌ طلبه.
 
و فيه اقتباس ‌من‌ قوله تعالى: «جعل لكم الليل ‌و‌ النهار لتسكنوا فيه ‌و‌ لتبتغوا ‌من‌ فضله».
 ‌و‌ تسبب اليه: توصل، ماخوذ ‌من‌ السبب ‌و‌ ‌هو‌ الحبل، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يتوصل ‌به‌ الى الاستعلاء، ثم استعير لكل شى ء يتوصل ‌به‌ الى الامر ‌من‌ الامور، فقيل: هذا سبب هذا، ‌و‌ ‌هو‌ مسبب عنه، ‌و‌ قد تسبب اليه: ‌اى‌ توصل، ‌و‌ اتخذ اليه اسبابا، توصله اليه.
 ‌و‌ قد تقدم الكلام على الرزق ‌فى‌ الروضه الاولى، فليرجع اليه.
 سرحت الابل- ‌من‌ باب نفع- سرحا ‌و‌ سروحا: خرجت بالغداه الى المرعى، ‌و‌ سرحتها انا بالتخفيف يتعدى ‌و‌ ‌لا‌ يتعدى، ‌و‌ سرحتها بالتثقيل للمبالغه ‌و‌ التكثير، ‌و‌ اذا رجعت بالعشى قيل: راحت.
 ‌و‌ منه قوله تعالى: «و لكم فيها جمال حين تريحون ‌و‌ حين تسرحون».
 شبه عليه السلام انتشار الناس لطلب المعاش ‌فى‌ اول النهار بخروج الابل الى مراعيها، ‌و‌ هى استعاره تبعيه.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «طلبا» مفعول له، ‌او‌ مصدر ‌فى‌ موقع الحال، اى: لاجل الطلب، ‌او‌ طالبين.
 ‌و‌ ما: موصوله ‌او‌ موصوفه.
 ‌و‌ نيل الشى ء: اصابته ‌و‌ ادراكه.
 
و العاجل: اسم فاعل ‌من‌ عجل بمعنى حضر، ‌لا‌ بمعنى اسرع.
 قال الفيومى ‌فى‌ المصباح: عجل عجلا- ‌من‌ باب تعب- ‌و‌ عجله: اسرع ‌و‌ حضر فهو عاجل، ‌و‌ منه العاجله للساعه الحاضره.
 ‌و‌ الدنيا: تانيث الادنى، ‌و‌ وزنها فعلى كصغرى ‌و‌ كبرى، تانيث الاصغر ‌و‌ الاكبر. ‌و‌ قد وردت على خلاف القياس لانسلاخها عن معنى الوصفيه ‌و‌ اجرائها مجرى الاسماء، ‌و‌ هى اسم هذه الحياه.
 قيل: سميت بها لدنوها ‌من‌ الاخره، ‌و‌ قيل: لبعد الاخره عنها.
 ‌و‌ الدرك بفتح الراء: الادراك، ‌و‌ ‌هو‌ اللحاق ‌و‌ الوصول. ‌و‌ تسكين الراء لغه.
 قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: الدرك لغه ‌فى‌ الدرك ‌و‌ ‌هو‌ ادراك الشى ء. انتهى.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ بالتحريك اسم، ‌و‌ بالسكون مصدر.
 ‌و‌ الاجل خلاف العاجل، اسم فاعل ‌من‌ اجل- ‌من‌ باب تعب- بمعنى تاخر.
 ‌و‌ الاخرى: بمعنى الاخره، اسم لدار البقاء، سميت بها لتاخرها عن الدنيا.
 ‌و‌ هى ‌فى‌ الاصل صفه فاجريت مجرى الاسماء، كالاخره ‌و‌ الدنيا، بدليل قوله
 
تعالى: «و ‌ان‌ عليه النشاه الاخرى»، «ثم الله ينشى ء النشاه الاخره».
 فان قلت: اذا كانت الاخرى بمعنى الاخره فكيف منعوا ‌ان‌ يقال: جمادى الاخرى مع قولهم جمادى الاخره؟ قلت: انما منعوا ذلك لخوف اللبس، فان الاخرى كما تكون بمعنى الاخره تكون مونث الاخر- بفتح الخاء- بمعنى المغائر لمتقدم ذكره ‌و‌ ‌ان‌ كان متقدما ‌فى‌ الوجود، ‌و‌ كذلك مونثه ‌و‌ مجموعه، فلو قيل: جمادى الاخرى احتمل ‌ان‌ يراد بها هذا المعنى، فيتناول المتقدمه ‌و‌ المتاخره فيحصل اللبس، بخلاف الاخره، فانها نص ‌فى‌ التاخر الوجودى.
 ‌و‌ المراد بنيل العاجل ‌فى‌ الدنيا: نيل المنافع الدنيويه ‌و‌ المطالب المتعلقه بهذه النشاه، ‌و‌ يدرك الاجل ‌من‌ الاخرى: ادراك ثمرات الاعمال الصالحه الموجبه للسعاده الابديه ‌فى‌ النشاه الاخرويه.
 
 تنبيه
 
 ‌دل‌ هذا الكلام منه عليه السلام على ‌ان‌ الله ‌جل‌ جلاله خلق الليل ‌و‌ النهار لعباده ليراعوا امر دنياهم ‌و‌ اخراهم معا، دون الاقتصار على مراعاه احدهما ‌من‌ غير التفات الى الاخرى.
 ‌و‌ الناس ‌فى‌ ذلك ثلاثه اصناف: صنف ‌هم‌ المنهمكون ‌فى‌ الدنيا بلا التفات منهم الى الاخرى، ‌و‌ ‌هم‌ المسمون عبده الطاغوت ‌و‌ ‌شر‌ الدواب، ‌و‌ ‌ما‌ شاكل ذلك
 
من الاسماء. ‌و‌ صنف مخالفون لهم غايه المخالفه، يراعون الاخرى ‌من‌ غير التفات منهم الى مصالح الدنيا. ‌و‌ صنف متوسط وفوا الدارين حقهما، ‌و‌ هذا الصنف ‌هم‌ عند الحكماء الافضلون، لان بهم قوام اسباب الدنيا ‌و‌ الاخره، ‌و‌ منهم عامه الانبياء، لان الله تعالى بعثهم لاقامه مصالح المعاد ‌و‌ المعاش، ‌و‌ لان امورهم مبنيه على الاعتدال الذى ‌هو‌ اشرف الاحوال.
 قال بعض العلماء: اجدر ‌ان‌ تكون هذه الاصناف الثلاثه داخله ‌فى‌ عموم قوله تعالى: «و كنتم ازواجا ثلثه فاصحاب الميمنه ‌ما‌ اصحاب الميمنه ‌و‌ اصحاب المشئمه ‌ما‌ اصحاب المشئمه ‌و‌ السابقون السابقون» الايه. فالمراعى للدنيا ‌و‌ الاخره- على ‌ما‌ يحسن ‌و‌ كما يحسن- ‌من‌ السابقين.
 قال: ‌و‌ جعل قوم السابقين ‌هم‌ النساك الذين رفضوا الدنيا ‌و‌ زهدوا فيها بالكليه، محتجين بقوله تعالى: «و ‌ما‌ خلقت الجن ‌و‌ الانس الا ليعبدون». ‌و‌ خفى على هذا ‌ان‌ اعظم عباده الله ‌ما‌ يكون عائدا بمصالح عباده.
 روى ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله انه قال: «الخلق كلهم عيال الله ‌و‌ احب الناس اليه انفعهم لعياله».
 ‌و‌ قال بعض المحققين ‌من‌ اصحابنا رضوان الله عليهم: ‌ان‌ ترك الدنيا بالكليه ليس ‌هو‌ مطلوب الشارع ‌من‌ الزهد فيها ‌و‌ التخلى عنها، لان الشارع يراعى نظام العالم باشتراك الخلق ‌فى‌ عماره الدنيا، ‌و‌ تعاونهم على المصالح، ليتم بقاء النوع
 
الانسانى، ‌و‌ ترك الدنيا ‌و‌ اهمالها بالكليه يهدم ذلك النظام ‌و‌ ينافيه، بل الذى تامر ‌به‌ الشريعه القصد ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ استعمال متاعها على القوانين التى وردت ‌به‌ الرسل، ‌و‌ الوقوف فيها عند الحدود المضروبه ‌فى‌ شرائعهم دون تعديها.
 ‌و‌ قد كان رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ على عليه السلام ‌و‌ جماعه ‌من‌ اكابر الصحابه رضوان الله عليهم اميل الى طريق التقشف، لكن مع مشاركتهم لاهل الدنيا ‌فى‌ تدبير احوال المدن ‌و‌ صلاح العالم، غير منقطعين عن اهلها ‌و‌ ‌لا‌ منعزلين.
 ‌و‌ اما السالكون ‌من‌ الصوفيه بعد عصر الصحابه، فمنهم ‌من‌ اختار التقشف ‌و‌ ترك الطيبات ‌و‌ هجر اللذات راسا، ‌و‌ منهم ‌من‌ آثر الترف.
 ‌و‌ الذى يفعله المحققون ‌من‌ السالكين ‌من‌ التقشف ‌لا‌ ينافى الشريعه، لعلمهم باسرارها، ‌و‌ طريقتهم اقرب الى السلامه ‌من‌ طريق المترفين، لكون الترف محال الشيطان. ‌و‌ الله اعلم.
 
الباء: للاستعانه متعلقه ب«يصلح»، قدمت مع مجرورها عليه لتاكيد الشمول.
 ‌و‌ ذلك: اشاره الى خلق الليل لباسا ‌و‌ النهار مبصرا، ‌و‌ اعدادهما لمصالحهم ‌من‌ لبس الراحه ‌و‌ المنام، ‌و‌ نيل اللذه ‌و‌ الشهوه، ‌و‌ الابتغاء ‌من‌ فضله، ‌و‌ التسبب الى رزقه، ‌و‌ السروح ‌فى‌ ارضه لطلب منافعهم الدنيويه ‌و‌ الاخرويه.
 ‌و‌ الشان. الامر بمعنى الحال. ‌و‌ ‌هو‌ مهموز العين. ‌و‌ قد تسهل الهمزه، فيقال: شان بالالف.
 
و بلاه يبلوه: بمعنى اختبره، ‌و‌ يقال: ابتلاه يبتليه ايضا.
 ‌و‌ الاخبار: جمع خبر محركه ‌و‌ ‌هو‌ اسم ‌ما‌ ينقل ‌و‌ يتحدث به.
 ‌و‌ المراد باخبارهم ‌ما‌ يخبر ‌به‌ ‌من‌ اعمالهم فيظهر حسنها ‌و‌ قبيحها.
 ‌و‌ اعلم انه لما كانت حقيقه الابتلاء ‌و‌ الاختبار طلب الخبر بالشى ء، ‌و‌ معرفته لمن ‌لا‌ يكون عارفا به، ‌و‌ كان ‌هو‌ تعالى عالما بما كان ‌و‌ ‌ما‌ يكون قبل كونه، كما قال تعالى: «و ‌ما‌ ‌من‌ غائبه ‌فى‌ السماء ‌و‌ الارض الا ‌فى‌ كتاب مبين»، ‌و‌ قال تعالى: «ما اصاب ‌من‌ مصيبه ‌فى‌ الارض ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ انفسكم الا ‌فى‌ كتاب ‌من‌ قبل ‌ان‌ نبراها ‌ان‌ ذلك على الله يسير»، لم يكن اطلاق هذا اللفظ ‌فى‌ حقه سبحانه حقيقه، بل على وجه الاستعاره، باعتبار انه لما كان ثوابه ‌و‌ عقابه موقوفين على تكليفهم بما كلفهم به، فان اطاعوه فيما امرهم ‌به‌ اثابهم، ‌و‌ ‌ان‌ عصوه عاقبهم، اشبه ذلك اختبار الانسان لعبيده، ‌و‌ تمييزه لمن اطاعه منهم ممن عصاه، فاطلق عليه لفظه.
 فقوله عليه السلام: «و يبلو اخبارهم» كقوله تعالى: «و لنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم ‌و‌ الصابرين ‌و‌ نبلو اخباركم». ‌و‌ المعنى: يعاملهم معامله المبتلى ‌و‌ المختبر فيما يخبر ‌به‌ عن اعمالهم.
 اى: يرى كيف هم.
 ‌و‌ اطلاق «النظر» عليه سبحانه ‌من‌ باب الاستعاره، ‌و‌ الا فالنظر حقيقه ‌لا‌ يجوز عليه تعالى، لانه انما يكون بالقلب، ‌و‌ ‌هو‌ ملاحظه معقول لتحصيل مجهول،
 
او بالعين، ‌و‌ ‌هو‌ تقليب الحدقه السالمه نحو المرئى التماسا لرويته. ‌و‌ كل ‌من‌ هذين المعنيين ‌لا‌ يجوز عليه سبحانه، ‌و‌ انما يستعمل ذلك ‌فى‌ صفاته العليا على وجه المجاز ‌و‌ الاتساع.
 فيقال: استعير «النظر» للعلم الحقيقى الذى ‌لا‌ يتطرق اليه شك، ‌و‌ يعنى ‌به‌ العلم الذى يتعلق ‌به‌ الجزاء، فان النظر انما ‌هو‌ لطلب العلم، ‌و‌ ‌هو‌ تعالى يعامل عباده معامله المختبر الذى ‌لا‌ يعلم ‌ما‌ يكون منهم، فيطلب العلم بما يكون منهم ليجازيهم على ‌ما‌ يظهر منهم، دون ‌ما‌ قد علم انهم يفعلونه، مظاهره ‌فى‌ العدل.
 قال الزجاج: ‌ان‌ الله تعالى ‌لا‌ يجازيهم على ‌ما‌ يعلمه منهم قديما، ‌و‌ انما يجازيهم على ‌ما‌ يعلمه منهم حديثا، فيتعلق النظر الازلى به.
 ‌و‌ قال بعض العلماء: قد وقع ‌فى‌ مواضع ‌من‌ القرآن ‌ما‌ يوهم ‌ان‌ علمه تعالى ببعض الاشياء حادث، كقوله تعالى: «و لنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم ‌و‌ الصابرين» ‌و‌ قوله تعالى: «ثم بعثناهم لنعلم ‌اى‌ الحزبين احصى لما لبثوا امدا» ‌و‌ امثال ذلك.
 ‌و‌ التفصى عن هذا الاشكال، اما بما ذهب اليه المتكلمون ‌من‌ ‌ان‌ علمه سبحانه قديم ‌و‌ متعلقه حادث، فمعنى «حتى نعلم» حتى يتعلق علمنا القديم بالمجاهدين منكم ‌و‌ الصابرين، ‌و‌ اما بان المراد بالعلم الشهود، فان الاشياء قبل وجودها العينى معلومه للحق سبحانه ‌و‌ بعده مشهوده له، فالشهود خصوص نسبه للعلم، فانه قد يلحق العلم بواسطه وجود متعلقه نسبه باعتبارها نسميه شهودا
 
و حضورا، الا انه حدث هناك علم، فمعنى «حتى نعلم» حتى نشاهد، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «كيف هم» جمله اسميه ف«هم» مبتدا ‌و‌ «كيف» خبره، قدم عليه لتضمنه ‌ما‌ يقتضى صدر الكلام ‌و‌ ‌هو‌ الاستفهام، ‌و‌ الجمله ‌فى‌ موضع مفعول مقيد بالجار، لانه يقال: نظرت فيه ‌او‌ اليه، ولكن علق الفعل بالاستفهام عن الوصول ‌فى‌ اللفظ الى المفعول، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ حيث المعنى طالبه له على معنى ذلك الحرف، هذا على مذهب ابن خروف ‌و‌ ابن عصفور ‌و‌ ابن مالك ‌من‌ الحاق نظر قلبيه كانت نحو «فانظرى ماذا تامرين»، ‌او‌ بصريه نحو «فلينظر ايها ازكى طعاما» بافعال القلوب ‌فى‌ التعليق.
 ‌و‌ لك جعل «كيف» حالا ‌و‌ خبر المبتدا الظرف بعده، ‌و‌ قدمت الحال لما تقدم.
 ‌و‌ المعنى على الاول: ينظر على ‌اى‌ حال ‌هم‌ حال كونهم ‌فى‌ اوقات طاعته.
 ‌و‌ على الثانى: ينظر كونهم ‌فى‌ اوقات طاعته على ‌اى‌ حال، لان مفعول «النظر» انما ‌هو‌ مضمون الجمله.
 قوله عليه السلام: «فى اوقات طاعته» اما حال ‌من‌ ضمير الجمع، ‌او‌ خبر له على ‌ما‌ ذكرنا.
 ‌و‌ الاوقات: جمع وقت، ‌و‌ ‌هو‌ مقدار ‌من‌ الزمان مفروض لامر ما.
 
و الطاعه: موافقه الامر. ‌و‌ قيل: هى الانقياد لامر الامر ‌و‌ نهيه، ‌و‌ المراد: الاوقات التى وقتها سبحانه لطاعته مستحبه كانت، كاوقات النوافل ‌و‌ زمان الصوم المندوب، ‌او‌ واجبه، كاوقات الصلاه ‌و‌ شهر الصيام ‌و‌ اشهر الحج ‌و‌ نحو ذلك.
 قوله عليه السلام: «و منازل فروضه» المنازل: جمع منزل، ‌و‌ ‌هو‌ موضع النزول.
 ‌و‌ الفروض: جمع فرض ‌و‌ ‌هو‌ هنا بمعنى الايجاب، ‌من‌ فرض الله الاحكام فرضا- ‌من‌ باب ضرب-: اوجبها. ‌و‌ انما جمعه لتنوعه ‌و‌ يكون بمعنى المفروض، ‌و‌ ‌هو‌ هنا بمعنى الايجاب الى ‌ما‌ امر الله عباده ‌ان‌ يفعلوه، كالصلاه ‌و‌ الزكاه. ‌و‌ يرادفه الامر ‌و‌ المكتوب ‌و‌ الواجب.
 ‌و‌ فرق اصحاب ابى حنيفه بين الفرض ‌و‌ الواجب، فالفرض عندهم ‌ما‌ يثبت وجوبه بدليل مقطوع به، ‌و‌ الواجب ‌ما‌ يثبت وجوبه بدليل مجتهد فيه.
 ‌و‌ المراد بمنازل الفروض: متعلقاتها- اعنى المفروضات- جعل ‌ما‌ تعلق ‌به‌ الفرض كالمنزل له.
 قوله عليه السلام: «و مواقع احكامه». المواقع: جمع موقع، ‌و‌ ‌هو‌ المحل الذى يقع فيه الشى ء. ‌و‌ الحكم لغه: القضاء، ‌و‌ اصطلاحا: خطاب الله تعالى المتعلق بالمكلفين. ‌و‌ المراد بموقعه: مناطه ‌و‌ متعلقه.
 ‌و‌ المعنى: ‌و‌ يرى على ‌اى‌ حال ‌هم‌ ‌فى‌ اوقات طاعته، ايطيعونه فيها ‌ام‌ لا؟ ‌و‌ فيما فرضه عليهم ‌و‌ امرهم به، ايودونه ‌و‌ يمتثلون الامر بالقيام ‌به‌ ‌ام‌ لا؟ ‌و‌ فيما حكم ‌به‌ ‌من‌ التكاليف، ايعملون باحكامه ‌و‌ يوثرون طاعته فيها ‌ام‌ لا؟.
 اى: ليجزى الذين اساووا بعقاب ‌ما‌ عملوا، ‌و‌ يجزى الذين احسنوا بالمثوبه
 
 
الحسنى ‌او‌ المنزله ‌و‌ المرتبه الحسنى ‌و‌ هى الزلفى ‌و‌ الجنه.
 ‌و‌ ‌فى‌ جعل جزاء الاساءه ‌ما‌ عملوا ‌و‌ جزاء الاحسان الحسنى تنبيه على ‌ان‌ جزاء السيئه ‌لا‌ يضاعف ‌و‌ جزاء الحسنه يضاعف، لان الحسنى مونث الاحسن ‌و‌ ‌هو‌ يقتضى الزياده، كما صرح سبحانه بذلك ‌فى‌ قوله تعالى ‌فى‌ سوره الاعراف: «من جاء بالحسنه فله عشر امثالها ‌و‌ ‌من‌ جاء بالسيئه فلا يجزى الا مثلها ‌و‌ ‌هم‌ ‌لا‌ يظلمون»، ‌و‌ قد تقدم الكلام على هذه الايه ‌فى‌ الروضه الاولى، فليرجع اليه.
 هذا التفات ‌من‌ الغيبه الى الخطاب، ‌و‌ تلوين للنظم ‌من‌ باب الى باب، جار على نهج البلاغه ‌فى‌ افتنان الكلام، ‌و‌ مسلك البراعه حسب ‌ما‌ يقتضيه المقام. قالوا: ‌و‌ فائدته العامه ‌ان‌ التنقل ‌من‌ اسلوب الى اسلوب ادخل ‌فى‌ استجلاب النفوس ‌و‌ استماله القلوب، حتى ‌ان‌ نفس المتكلم لتجد ‌فى‌ ذلك ‌ما‌ ‌لا‌ تجده ‌فى‌ اجراء الكلام كله على نمط واحد ‌و‌ حركه على منوال مطرد، ‌و‌ قد يختص كل موقع بنكت ‌و‌ لطائف باختلاف محله.
 فمما يمكن ‌ان‌ يقال هنا ‌من‌ النكت الرائقه امور:
 احدها: الاشاره الى ‌ان‌ ‌حق‌ الكلام ‌ان‌ يجرى ‌من‌ اول الامر على طريق الخطاب، لان الله تعالى حاضر ‌لا‌ يغيب، بل ‌هو‌ اقرب ‌من‌ حبل الوريد، لكن انما
 
اجرى على طريق الغيبه ‌و‌ البعد عن مقام الحضور ‌و‌ القرب رعايه للادب الذى ‌هو‌ داب السالكين ‌و‌ شعار المحبين، فلما حصل القيام بهذه الوظيفه جرى الكلام على ‌ما‌ كان حقه ‌ان‌ يجرى عليه ‌فى‌ ابتداء الذكر، ففى الحديث القدسى: «انا جليس ‌من‌ ذكرنى».
 الثانى: التنبيه على ‌ان‌ الدعاء ينبغى ‌ان‌ يكون عن قلب حاضر ‌و‌ توجه كامل، بحيث كلما اجرى الداعى صفه ‌من‌ تلك الصفات العظمى على لسانه، ‌و‌ نقشه على صفحه جنانه، حصل للمدعو مزيد انكشاف ‌و‌ انجلاء، ‌و‌ للداعى زياده قرب ‌و‌ اعتلاء، ‌و‌ هكذا شيئا فشيئا الى ‌ان‌ يترقى الى درجه الحضور ‌و‌ يفوز بمرتبه العيان فيناجيه بصيغه الخطاب.
 الثالث: انه لما شرع ‌فى‌ الدعاء نوى القربه، فاثنى على الله تعالى بما ناسب الوقت بطريق الغيبه، فكانه استشعر اجابه دعائه ‌فى‌ حصول القربه، فانتقل ‌من‌ مقام الغيبه الى مقام الحضور.
 الرابع: انه لما اخذ يدعو كان ذاكرا مفكرا فحمد الله بلفظ الغيبه، ثم صار واصلا فحمده بصيغه الخطاب.
 الخامس: انه لما ابتداء الدعاء كان ناظرا ‌و‌ ملاحظا عظمه مخلوقاته تعالى، ثم التفت الى عظمه الخالق فناجاه مخاطبا.
 
و الفاء ‌من‌ قوله «فلك الحمد»: فصيحه، اى: اللهم اذا كان خلق الليل ‌و‌ النهار لهذه المصالح العظيمه ‌و‌ المنافع الجليله فلك الحمد.
 
و تقديم الظرف للتخصيص، اى: لك الحمد خاصه.
 ‌و‌ فلقت الشى ء فلقا- ‌من‌ باب ضرب-: شققته.
 ‌و‌ الاصباح: مصدر سمى ‌به‌ الصبح، قال تعالى: «فالق الاصباح». قيل: المراد فالق ظلمه الاصباح، ‌و‌ هى الغبش ‌فى‌ آخر الليل. ‌و‌ كان الافق كان بحرا مملوء ‌من‌ الظلمه، ثم انه تعالى شق ذلك البحر المظلم بان اجرى فيه جدولا ‌من‌ النور. فالمعنى: فالق ظلمه الاصباح بنور الاصباح. ‌و‌ حسن الحذف للعلم به، ‌او‌ المراد فالق الاصباح بضياء النهار ‌و‌ اسفاره، ‌و‌ منه قولهم: انشق عمود الفجر ‌و‌ انصدع الفجر، ‌او‌ المراد مظهر الاصباح بواسطه فلق الظلمه. فذكر السبب ‌و‌ اراد المسبب. ‌او‌ الفالق بمعنى الخالق، ‌و‌ عن ابن عباس ‌و‌ الضحاك: الفلق بالسكون بمعنى الخلق.
 ‌و‌ اما الفلق بالتحريك فهو ضوء الصبح، لانه بمعنى مفعول.
 ‌و‌ ‌من‌ من قوله «من الاصباح»: مبينه ل«ما».
 ‌و‌ مفعول «فلقت» محذوف. اى: على ‌ما‌ فلقته لنا.
 ‌و‌ متعته بالتثقيل ‌و‌ امتعته ‌به‌ بالهمزه: جعلته له متاعا، ‌و‌ ‌هو‌ اسم لما ينتفع به.
 ‌و‌ الضوء: النور، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ انتشر ‌من‌ الاجسام النيره. ‌و‌ قيل: ‌هو‌ اقوى ‌من‌ النور، فهو فرط الاناره.
 ‌و‌ قال المتكلمون: القائم بالمضى ء لذاته ‌هو‌ الضوء، كما ‌فى‌ الشمس،
 
و بالمضى ء بغيره ‌هو‌ النور، كما ‌فى‌ القمر ‌و‌ وجه الارض. قال تعالى: «جعل الشمس ضياء ‌و‌ القمر نورا» ‌و‌ قد يتعاوران.
 
 «تبصره»
 
 اعلم ‌ان‌ ضوء الصبح انما ‌هو‌ ‌من‌ ضياء الشمس قطعا. ‌و‌ بيان ذلك- على ‌ما‌ حرره ارباب الهيئه-: ‌ان‌ المستضى ء بالشمس ‌من‌ الارض اكثر ‌من‌ نصفها دائما، لان الشمس اعظم ‌من‌ الارض، كما قام عليه البرهان ‌فى‌ محله، ‌و‌ متى استضاءت كره صغرى ‌من‌ كره عظمى كان المستضى ء ‌من‌ الصغرى اكثر ‌من‌ نصفها، ‌و‌ المظلم اقل منه، ‌و‌ يكون ظلها مخروطيا، فظل الارض على هيئه مخروط يلازم راسه مدار الشمس ‌و‌ ينتهى ‌فى‌ فلك الزهره، كما علم بالحساب، ‌و‌ النهار مده كون المخروط تحت الافق، ‌و‌ الليل مده كونه فوقه، فاذا ازداد قرب الشمس ‌من‌ شرقى الافق ازداد ميل المخروط الى غربيه، ‌و‌ ‌لا‌ يزال كذلك حتى يرى الشعاع المحيط به، ‌و‌ اول ‌ما‌ يرى منه ‌هو‌ الاقرب الى موضع الناظر، لانه اصدق رويه، ‌و‌ ‌هو‌ موضع ‌خط‌ يخرج ‌من‌ بصره عمودا على الخط المماس للشمس ‌و‌ الارض، فيرى الضوء مرتفعا عن الافق مستطيلا، ‌و‌ ‌ما‌ بينه ‌و‌ بين الافق مظلما، لقربه ‌من‌ قاعده المخروط الموجب لبعد الضوء هناك عن الناظر ‌و‌ ‌هو‌ الصبح الكاذب. ثم اذا قربت الشمس جدا يرى الضوء معترضا منبسطا ‌و‌ ‌هو‌ الصبح الصادق. فسبحان
 
فالق الاصباح، ‌و‌ هذا ‌لا‌ ينافى كونه تعالى فالقه بالحقيقه، كما ‌ان‌ وجود النهار بسبب طلوع الشمس ‌لا‌ ينافى كونه تعالى خالقه.
 ‌و‌ الفخر الرازى اراد ‌ان‌ يبين ‌ان‌ ذلك بقدره الفاعل المختار، فنفى كون الصبح بسبب ضوء الشمس بحجج اخترعها ‌من‌ عند نفسه، ‌و‌ كلها خلاف المعقول ‌و‌ المنقول ‌من‌ علم الرياضه، فكانت ساقطه عن درجه الاعتبار، زائفه عند اولى الابصار.
 بصره اياه ‌و‌ بصره ‌به‌ تبصيرا: عرفه ‌و‌ اوضحه له حتى كانه مبصر له، ‌او‌ ‌هو‌ ‌من‌ البصيره بمعنى العلم ‌و‌ الخبره، اى: اعلمتنا.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ «به» ‌ان‌ جعلت للتعديه كان الضمير المجرور بها راجعا الى «ما»، ‌و‌ التقدير: ‌و‌ على ‌ما‌ بصرتنا ‌به‌ ‌من‌ مطالب الاقوات، ‌و‌ ‌ان‌ جعلت ظرفيه كان راجعا الى ضوء النهار.
 ‌و‌ مفعول «بصرتنا» محذوف، ‌و‌ التقدير: ‌و‌ على ‌ما‌ بصرتناه ‌فى‌ ضوء النهار ‌من‌ مطالب الاقوات، ‌و‌ حذف المفعول كثير ‌فى‌ مثل هذا المقام.
 ‌و‌ ‌من‌ على الوجهين بيانيه.
 ‌و‌ المطالب: جمع مطلب، يكون مصدرا ‌او‌ اسم مكان، اى: موضع الطلب ‌و‌ كل ‌من‌ المعنيين محتمل هنا، اى: عرفتناه ‌من‌ طلب الاقوات، ‌او‌ اماكن طلبها.
 ‌و‌ الاقوات جمع قوت بالضم: ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يوكل ليمسك الرمق.
 
و وقاه الله يقيه وقايه بالكسر: حفظه.
 ‌و‌ الطوارق: جمع طارق ‌او‌ طارقه، بمعنى حادث ‌او‌ حادثه، اى: حوادث الافات.
 ‌و‌ انما سميت الحوادث طوارق تشبيها لها بالاتى ليلا، لاحتياجه غالبا الى طرق الباب- اى: دقه- ‌و‌ لذلك اضيفت ‌فى‌ بعض الادعيه الى الليل، ‌و‌ منه: «اعوذ ‌من‌ طوارق الليل»، ثم توسع فيها فاطلقت على مطلق الحوادث ليلا كانت ‌او‌ نهارا.
 ‌و‌ الافات: جمع آفه، ‌و‌ هى عرض يفسد ‌ما‌ اصابه، ‌و‌ هى العاهه.
 ‌و‌ ايف الشى ء- كقيل، بالبناء للمفعول-: اصابته الافه، ‌و‌ ‌هو‌ مووف- كرسول- ‌و‌ الاصل: ماووف على مفعول، لكنه استعمل على نقص العين فوزنه «مفول».
 
اصبحنا: جمله مستانفه ‌لا‌ محل لها ‌من‌ الاعراب، اى: دخلنا ‌فى‌ الصباح.
 ‌و‌ الاشياء: جمع شى ء، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ اللغه عباره عن كل موجود اما حسا كالاجسام، ‌او‌ حكما كالاقوال. ‌و‌ قد اسلفنا الكلام على اختلافهم ‌فى‌ اطلاقه على المعدوم ‌فى‌ اوائل الروضه الثانيه، فليرجع اليه.
 ‌و‌ كلها: تاكيد للاشياء، افادت عموم افرادها.
 ‌و‌ بجملتها: حال موكده لصاحبها، ‌و‌ الجمله بالضم: جماعه الشى ء اى: ‌و‌ اصبحت الاشياء كلها جميعا. فهو كقوله تعالى: «و لو شاء ربك لامن ‌من‌ ‌فى‌
 
الارض كلهم جميعا».
 ‌و‌ الباء ‌فى‌ «بجملتها»: للملابسه متعلقه بمحذوف وجوبا، اى: متلبسه بجملتها. ‌و‌ انما لم تجعلها متعلقه ب«اصبحت»، لان الظرف ‌و‌ الجار ‌و‌ المجرور اذا وقعا حالا وجب تعلقهما بمحذوف.
 ‌و‌ لك: حال ‌من‌ «الاشياء». ‌و‌ المعنى: دخلنا ‌فى‌ الصباح ‌و‌ دخلت فيه الاشياء كلها بجملتها كائنه لك، اى: عرفنا الاشياء كلها لك، كذا قال شارح الحصن الحصين ‌فى‌ نظير هذا الموضع.
 ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ «لك» حال ‌من‌ الضمير ‌فى‌ «اصبحنا» ‌و‌ ‌من‌ «الاشياء» معا، اى: مملوكين لك.
 ‌و‌ هذا الكلام انشاء ‌فى‌ صوره الخبر، كقولك: بعت ‌و‌ اشتريت، لان المقصود ‌به‌ الاقرار لله سبحانه بالمملوكيه ‌و‌ التضرع اليه تعالى، ‌لا‌ الاخبار عن ذلك، فهو ‌لا‌ يحتمل التصديق ‌و‌ التكذيب، فتعين كونه انشاء.
 ‌لا‌ يقال: كيف يكون انشاء ‌و‌ لنسبته خارج، ‌و‌ قد قالوا: ‌ان‌ الكلام اما ‌ان‌ يكون لنسبته خارج ‌او‌ لا، فالاول الخبر ‌و‌ الثانى الانشاء؟ لانا نقول: انما يكون لنسبته خارج اذا اريد ‌به‌ الاخبار، ‌و‌ اما حال الدعاء فلا ملاحظه لنسبته الخارجيه اصلا، بل الغرض مجرد الاعتراف ‌و‌ الاقرار.
 فان قلت: فليكن الغرض ‌من‌ ذلك افاده لازم الحكم، كما اشار اليه شارح الحصن بقوله: «اى عرفنا الاشياء كلها لك». قلت: انما يفاد الحكم ‌او‌ لازمه
 
من ‌لا‌ يكون عالما باحدهما، ‌و‌ الله سبحانه ‌لا‌ يخفى عليه شى ء، فلم يبق الا ‌ان‌ يكون الغرض انشاء الاقرار ‌و‌ التضرع كما ذكرنا، ‌و‌ قس على ذلك ‌ما‌ يرد عليك ‌فى‌ الدعاء ‌من‌ امثاله.
 قال المحقق التفتازانى ‌فى‌ شرح التلخيص: كثيرا ‌ما‌ تورد الجمله الخبريه لاغراض اخرى سوى افاده الحكم ‌او‌ لازمه، كقوله تعالى حكايه عن امراه عمران: «رب انى وضعتها انثى» اظهارا للتحسر على خيبه رجائها ‌و‌ عكس تقديرها ‌و‌ التحزن الى ربها، لانها كانت ترجو ‌و‌ تقدر ‌ان‌ تلد ذكرا، ‌و‌ قوله تعالى حكايه عن زكريا «رب انى ‌و‌ هن العظم منى» اظهارا للضعف ‌و‌ التخشع. انتهى.
 قال بعضهم: ‌و‌ ‌هو‌ جار ‌فى‌ كل خبر يخاطب ‌به‌ ‌من‌ يستحيل عليه الجهل، كقول الداعى: «ربنا اننا سمعنا مناديا ينادى للايمان».
 قال بعض المحققين: ‌ان‌ الكلام الذى اريد ‌به‌ مثل هذه المعانى ليس بخبر بل انشاء، فالمتكلم بهذا الكلام ليس بمخبر. ‌و‌ يدل عليه قول الامام المرزوقى ‌فى‌ قوله:
 قومى ‌هم‌ قتلوا اميم اخى
 هذا الكلام تفجع ‌و‌ تحزن ‌و‌ ليس باخبار. انتهى.
 بدل بعض ‌من‌ «الاشياء»، ‌و‌ الغرض التفصيل بعد الاجمال بسطا للكلام حيث الاصغاء مطلوب.
 
و السماء: اسم جنس يطلق على الواحد ‌و‌ المتعدد. ‌و‌ قيل: جمع سماوه كسحاب ‌و‌ سحابه، ‌و‌ ‌فى‌ تقديم السماء على الارض ‌فى‌ الذكر مع تقدم خلق الارض على خلق السماء- كما ورد عن ابى جعفر عليه السلام، ‌و‌ عليه اطباق اكثر المفسرين- ايماء الى شرفها ‌و‌ افضليتها.
 ‌و‌ المساله محل خلاف، فقال بعضهم: السماء افضل، لانها متعبد الملائكه ‌و‌ ‌ما‌ فيها بقعه عصى الله فيها، ‌و‌ قال تعالى: «و جعلنا السماء سقفا محفوظا»، ‌و‌ ورد ‌فى‌ الاكثر ذكر السماء مقدما على الارض، ‌و‌ السماويات موثره ‌و‌ السفليات متاثره، ‌و‌ الموثر اشرف ‌من‌ المتاثر.
 ‌و‌ قال آخرون: بل الارض افضل، لانه تعالى وصف بقاعا ‌من‌ الارض بالبركه، فقال: «ان اول بيت وضع للناس للذى ببكه مباركا»، «فى البقعه المباركه»، «الى المسجد الاقصى الذى باركنا حوله»، «مشارق الارض ‌و‌ مغاربها التى باركنا فيها»، يعنى ارض الشام، ‌و‌ وصف جمله الارض بالبركه: «و بارك فيها ‌و‌ قدر فيها اقواتها ‌فى‌ اربعه ايام».
 فان قيل: ‌و‌ ‌اى‌ بركه ‌فى‌ المفاوز المهلكه؟
 قلنا: انها مساكن الوحوش ‌و‌ مرعاها، ‌و‌ مساكن الناس اذا احتاجوا اليها، ‌و‌ مساكن خلق ‌لا‌ يعلمهم الا الله تعالى، فلهذه البركات قال تعالى: «و ‌فى‌ الارض
 
آيات للموقنين» تشريفا لهم، لانهم ‌هم‌ المنتفعون بها، كما قال: «هدى للمتقين». ‌و‌ خلق الانبياء ‌من‌ الارض «منها خلقناكم» ‌و‌ اودعهم فيها: «و فيها نعيدكم»، ‌و‌ اكرم نبيه المصطفى فجعل الارض كلها له مسجدا ‌و‌ طهورا. هكذا ذكر بعض المفسرين.
 ‌و‌ قال ابن ابى الحديد ‌فى‌ شرح نهج البلاغه: ‌لا‌ شبهه ‌ان‌ السماء اشرف ‌من‌ الارض على راى المليين ‌و‌ على راى الحكماء. اما اهل المله: فلان السماء مصعد الاعمال الصالحه، ‌و‌ محل الانوار، ‌و‌ مكان الملائكه، ‌و‌ فيها العرش ‌و‌ الكرسى، ‌و‌ الكواكب المدبرات امرا. ‌و‌ اما الحكماء: فلامور اخرى تقتضيها اصولهم. انتهى.
 قلت: ‌و‌ مما يدل على ‌ان‌ السماء اشرف ‌من‌ الارض قول اميرالمومنين صلوات الله عليه ‌فى‌ خطبه له: «من ملائكه اسكنتهم سماواتك ‌و‌ رفعتهم عن ارضك، ‌هم‌ اعلم خلقك بك ‌و‌ اخوفهم لك ‌و‌ اقربهم منك»، فقوله عليه السلام: «و رفعتهم عن ارضك» صريح ‌فى‌ اشرفيه السماء، اذ المعنى: شرفتهم ‌و‌ اعليت اقدارهم عن سكنى ارضك، لخساستها بالنسبه الى شرف اقدارهم، كما تقول لمن يعز عليك اذا زاول امرا خسيسا: «انا ارفعك عن هذا» اى: اجل شانك عنه.
 ثم التفضيل بين السماء ‌و‌ الارض انما يتم على قول ‌من‌ زعم ‌ان‌ الفلك جماد غير ذى روح ‌و‌ نطق، ‌و‌ ‌ان‌ الكواكب كالدرر ‌و‌ اليواقيت ‌و‌ سائر الاحجار جمادات. ‌و‌ اما
 
على القول بان السماوات ‌و‌ ‌ما‌ فيها كلها حيه ناطقه مطيعه لله تعالى ‌فى‌ حركاتها ‌و‌ ‌ان‌ حركاتها عباده ملكيه- كما ذهب اليه جمع كثير ‌من‌ محققى الحكماء الاسلاميين، ‌و‌ استدلوا على ذلك ببراهين عقليه ‌و‌ دلائل نقليه- فلا مجال للتفضيل بينهما. ‌و‌ الله اعلم.
 بث الله الخلق بثا- ‌من‌ باب قتل-: خلقهم. ‌و‌ بث السلطان الجند ‌فى‌ البلاد: نشرهم.
 ‌و‌ ما: موصوله بمعنى «الذى». اى: ‌و‌ الذى خلقت ‌او‌ نشرت ‌فى‌ كل واحد ‌من‌ السماء ‌و‌ الارض كالملائكه ‌و‌ الكواكب ‌فى‌ السماء ‌و‌ اصناف الحيوان ‌و‌ النبات ‌و‌ الجماد ‌فى‌ الارض. ‌و‌ انما قال: ‌فى‌ كل واحد منهما دون فيهما تنصيصا على ‌ان‌ المبثوث ‌فى‌ كل منهما غير ‌ما‌ ‌فى‌ الاخر، رفعا لتوهم ‌ان‌ المبثوث انما ‌هو‌ ‌فى‌ الارض، ‌و‌ نسب اليهما لان ‌ما‌ يكون ‌فى‌ احد الشيئين يصدق انه فيهما ‌فى‌ الجمله، كما ‌هو‌ ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌من‌ آياته خلق السموات ‌و‌ الارض ‌و‌ ‌ما‌ بث فيهما ‌من‌ دابه».
 قال المفسرون: انما قال فيهما ‌من‌ دابه مع ‌ان‌ الدواب ‌فى‌ الارض وحدها، لان ‌ما‌ يختص باحد الشيئين المتجاورين يصح نسبته اليهما، ‌و‌ منه قوله: «يخرج منهما اللولو ‌و‌ المرجان» ‌و‌ انما يخرج ‌من‌ الملح ‌و‌ لم يقل «كل واحده منهما»- بالتانيث- مع ‌ان‌ كلا منهما مونث سماعى، لانه اراد النوع ‌او‌ الفرد.
 بالضم- على الروايه المشهوره-: بدل بعض ‌من‌ الموصول، ‌و‌ بالكسر قيل: بدل ‌من‌ «كل واحد»، ‌و‌ ‌لا‌ يصح معنى الا ‌ان‌ يجعل «ساكنه» ‌و‌ ‌ما‌ عطف عليه ‌من‌
 
باب «نهر جار»، مما اسند فيه معنى الفعل الى المكان، ‌و‌ ‌لا‌ يخفى تعسفه، ‌و‌ الصواب ‌ما‌ وقع ‌فى‌ نسخه قديمه ‌من‌ اثبات «من» ‌فى‌ روايه الكسر، ‌و‌ صورته: «و ‌ما‌ بثثت ‌فى‌ كل منهما ‌من‌ ساكنه ‌و‌ متحركه ‌و‌ مقيمه ‌و‌ شاخصه» ‌و‌ هى بيان ل«ما»، ‌و‌ كان الجامع بين الروايتين اغفل ‌من‌ هذه الروايه اثبات «من»، فتوهم انها روايه بدون «من».
 ‌و‌ السكون عند الحكماء: عدم الحركه عما ‌من‌ شانه ‌ان‌ يتحرك، ‌و‌ بهذا القيد احترزوا عن المفارقات- اعنى الجواهر المجرده عن الماده القائمه بانفسها- فان الحركه مسلوبه عنها لكن ليس ‌من‌ شانها الحركه، فلا تتصف بحركه ‌و‌ ‌لا‌ سكون. ‌و‌ عند المتكلمين: حصول الجسم ‌فى‌ المكان اكثر ‌من‌ زمان واحد، ‌و‌ بين المعنيين تلازم ‌فى‌ الوجود ‌و‌ تغاير ‌فى‌ المفهوم. ‌و‌ على الاول التقابل بين الحركه ‌و‌ السكون تقابل العدم ‌و‌ الملكه، ‌و‌ على الثانى تقابل الضدين.
 قال ‌فى‌ الملخص: ماخذ الخلاف ‌ان‌ الجسم اذا لم يكن متحركا عن مكانه كان هناك امران:
 احدهما: حصوله ‌فى‌ ذلك المكان المعين.
 ‌و‌ الثانى: عدم حركته عنه مع ‌ان‌ ‌من‌ شانه ‌ان‌ يتحرك، ‌و‌ الاول امر ثبوتى ‌من‌ مقوله الاين، ‌و‌ الثانى عدمى بالاتفاق. ‌و‌ المتكلمون اطلقوا لفظ السكون على الاول، ‌و‌ الحكماء على الثانى، فالنزاع لفظى.
 ‌و‌ الحركه قيل: هى الخروج ‌من‌ القوه الى الفعل على سبيل التدريج. ‌و‌ بهذا
 
القيد احترز عن الكون ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ حدث دفعه. كانقلاب الهواء ماء، فان الصوره الهوائيه كانت للماء بالقوه فخرجت منها الى الفعل دفعه.
 ‌و‌ قيل: هى انتقال المتحيز ‌من‌ حيز الى حيز آخر.
 ‌و‌ قيل: هى حصول المتحيز ‌فى‌ حيز بعد ‌ان‌ كان ‌فى‌ حيز آخر. ثم المتحرك هنا يشمل ‌ما‌ كان حركته كميه، ‌و‌ هى انتقال الجسم ‌من‌ كميه الى اخرى، كالنمو ‌و‌ الذبول، ‌او‌ كيفيه، كانتقال الجسم ‌من‌ البروده الى الحراره على التدريج ‌و‌ بالعكس، ‌و‌ تسمى هذه الحركه استحاله ‌او‌ اينيه، ‌و‌ هى حركه الجسم ‌من‌ مكان الى آخر، ‌و‌ تسمى نقله ‌او‌ وضعيه، ‌و‌ هى الحركه المستديره التى يلازم الجسم معها مكانه، كحركه الرحى ‌و‌ الكره ‌فى‌ مكانها ‌و‌ ‌ما‌ كانت حركته اراديه، ‌و‌ هى ‌ما‌ يكون مبدوها بسبب امر خارج مقارنا بشعور ‌و‌ اراده، كالحركه الصادره ‌من‌ الحيوان بارادته، ‌او‌ قسريه، ‌و‌ هى ‌ما‌ يكون مبدوها بسبب ميل مستفاد ‌من‌ خارج، كالحجر المرمى الى فوق، ‌او‌ طبيعيه، ‌و‌ هى ‌ما‌ ‌لا‌ تحصل بسبب امر خارج ‌و‌ ‌لا‌ تكون مع شعور ‌و‌ اراده، كحركه الحجر الى اسفل، ‌او‌ عرضيه، ‌و‌ هى ‌ما‌ يكون عروضها للجسم بواسطه عروضها لشى ء آخر بالحقيقه، كحركه الدره المتحركه بحركه الحقه. اذا عرفت ذلك فتقديم «الساكن» على «المتحرك» ‌فى‌ الذكر لكون السكون مقدما على الحركه.
 اقام بالمكان اقامه: دام، فهو مقيم.
 
و شخص يشخص- ‌من‌ باب منع- شخوصا: خرج ‌من‌ موضع الى غيره فهو شاخص. ‌و‌ يتعدى بالهمزه فيقال اشخصته، ‌و‌ اغرب ‌من‌ فسر الشاخص هنا بمعنى المرتفع ‌من‌ شخص شخوصا ايضا بمعنى ارتفع.
 فان قلت: ‌ما‌ المراد بالمقيم ‌و‌ الشاخص مما بثه الله سبحانه ‌فى‌ السماء؟
 قلت: يحتمل ‌ان‌ يراد بالمقيم الملائكه الذين ‌لا‌ يبرحون ‌من‌ السماء ‌و‌ ‌هم‌ ارباب العباده، فمنهم ‌من‌ ‌هو‌ ساجد ابدا ‌لا‌ يقوم ‌من‌ سجوده ليركع، ‌و‌ منهم ‌من‌ ‌هو‌ راكع ابدا لم ينتصب قط، ‌و‌ منهم الصافون بالصلاه بين يدى خالقهم ‌لا‌ يتزايلون، كما ورد ‌فى‌ كلام اميرالمومنين صلوات الله عليه حيث قال: ثم فتق ‌ما‌ بين السماوات العلى فملاهن اطوارا ‌من‌ ملائكته، منهم سجود ‌لا‌ يركعون ‌و‌ ركوع ‌لا‌ ينتصبون ‌و‌ صافون ‌لا‌ يتزايلون.
 ‌و‌ يكون المراد بالشاخص الملائكه الذين يخرجون ‌من‌ السماء بامر ربهم، ‌و‌ يهبطون الى الارض لامور ‌و‌ كلوا بها، كالمعقبات ‌و‌ ‌هم‌ الملائكه الذين ينزلون بالبركات ‌و‌ يصعدون بارواح بنى آدم ‌و‌ اعمالهم، ‌و‌ كالملائكه الذين يكتبون الصلاه على النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله، كما روى عن ابى عبدالله عليه السلام انه اذا كان يوم الخميس عند العصر اهبط الله تعالى ملائكه ‌من‌ السماء الى الارض، معها صحائف ‌من‌ فضه، بايديها اقلام ‌من‌ ذهب تكتب الصلاه على محمد ‌فى‌ ذلك اليوم ‌و‌ تلك الليله الى الغد الى غروب الشمس.
 ‌و‌ كالملائكه الموكلين بقبره صلى الله عليه ‌و‌ آله، فقد ورد: ‌ما‌ ‌من‌ فجر يطلع الا
 
نزل سبعون الف ملك حتى يحفو بقبر النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله، حتى اذا امسوا عرجوا ‌و‌ هبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك، حتى اذا انشقت الارض خرج ‌فى‌ سبعين الف ملك يوقرونه، ‌و‌ الله اعلم.
 علا الشى ء يعلو علوا- ‌من‌ باب قعد-: ارتفع، يقال: علوت ‌فى‌ الجبل ‌و‌ علوته ‌و‌ علوت عليه: ‌اى‌ رقيته.
 ‌و‌ على ‌فى‌ المكارم، يعلى- ‌من‌ باب تعب- علاء بالفتح ‌و‌ المد. ‌و‌ بالمضارع سمى، ‌و‌ منه: يعلى ‌بن‌ اميه.
 ‌و‌ الهواء بالمد: الجو. ‌و‌ ‌هو‌ المسخر بين السماء ‌و‌ الارض. ‌و‌ الجمع: اهويه. ‌و‌ يطلق ايضا على الخلاء الذى لم تشغله الاجرام.
 ‌و‌ كن- بالفتح على الروايه المشهوره-: بمعنى استكن اى: استتر ‌و‌ اختفى. ‌و‌ على هذا فيستعمل لازما ‌و‌ متعديا. يقال: كننته، اكنه- ‌من‌ باب قتل- بمعنى: سترته فكن هو.
 ‌و‌ اما اكننته بالالف فبمعنى: اضمرته.
 قال الكسائى: كننت الشى ء: سترته ‌فى‌ الكن بالكسر ‌و‌ ‌هو‌ الستره. ‌و‌ اكننته ‌فى‌ نفسى: اسررته.
 ‌و‌ قال ابوزيد: كننته ‌و‌ اكننته بمعنى ‌فى‌ الكن ‌و‌ ‌فى‌ النفس جميعا.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس: «و ‌ما‌ ‌كن‌ تحت الثرى» بضم الكاف على البناء
 
للمفعول، ‌من‌ كننت الشى ء بمعنى: سترته.
 ‌و‌ الثرى بالقصر: التراب الندى. ‌و‌ عن محمد ‌بن‌ كعب: انه ‌ما‌ تحت الارضين السبع.
 ‌و‌ عن السدى: ‌ان‌ الثرى ‌هو‌ الصخره التى عليها الارض السابعه.
 ‌و‌ قيل: الثور ‌او‌ الحوت.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ الطبقه الترابيه ‌من‌ الارض ‌و‌ ‌هو‌ آخر طبقاتها.
 ‌و‌ قال بعض المفسرين: التحقيق ‌ان‌ الثرى ‌هو‌ التراب الندى، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ جاور البحر ‌من‌ جرم الارض، فالذى تحته ‌هو‌ ‌ما‌ بقى ‌من‌ جرم الارض الى المركز. فيحتمل ‌ان‌ يكون هناك اشياء ‌لا‌ يعلمها الا الله تعالى ‌من‌ المعادن ‌و‌ غيرها، ‌و‌ ‌لا‌ ريب ‌ان‌ الكل له سبحانه.
 ‌و‌ يويده قول اهل اللغه: الثرى: التراب الندى، فان لم يكن نديا فهو تراب ‌و‌ ‌لا‌ يقال حينئذ: «ثرى».
 ‌و‌ الحاصل: ‌ان‌ له سبحانه ‌و‌ تعالى ‌ما‌ علا ‌و‌ ‌ما‌ سفل ‌و‌ ‌ما‌ توسط ‌و‌ ‌ما‌ نزل.
 
قبض الشى ء قبضا- ‌من‌ باب ضرب-: اخذه بكفه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ قبضه ‌و‌ ‌فى‌ قبضته بالفتح اى: ‌فى‌ ملكه. ‌و‌ اما القبضه بالضم فاسم للمبقوض، كالغرفه بمعنى المغروف، ‌و‌ قد تفتح بهذا المعنى ايضا.
 قال ‌فى‌ القاموس: ‌و‌ القبضه: ‌ما‌ قبضت عليه ‌من‌ شى ء، ‌و‌ بالضم اكثر.
 اى: اصبحنا ‌فى‌ ملكك ‌و‌ تحت قدرتك، تتصرف فينا كيف تشاء بلا مانع
 
و ‌لا‌ دافع.
 ‌و‌ عبر عن ذلك بالكون ‌فى‌ القبضه، جريا على سنن التمثيل الذى يسميه اهل البيان تمثيلا تخييليا، ‌اى‌ الايقاع ‌فى‌ الخيال بتصوير المعانى العقليه بصور الاعيان الحسيه، لكونها اظهر حضورا ‌و‌ اكثر خطورا.
 ‌و‌ هذا ‌ما‌ قال الحكماء: ‌ان‌ الناس للتخييل اطوع منهم للتصديق، فاكثروا ‌من‌ استعمال القضايا المخيله ‌فى‌ مقام الترغيب ‌و‌ التنفير ‌و‌ الاستماحه ‌و‌ الاستعطاف ‌و‌ نحو ذلك. ‌و‌ هى ‌و‌ ‌ان‌ كانت ترى بحسب الظاهر كاذبه فليست بكاذبه، لان القصد منها تشبيه تلك الحال بحال ‌من‌ تفرض له تلك الصوره الحسيه مثلا، مثل حال تسلطه تعالى على عباده، ‌و‌ احاطته بامورهم، ‌و‌ قدرته على التصرف فيهم كيف يشاء، بحال ‌من‌ تكون له قبضه تحتوى عليهم ‌و‌ يكونون فيها، ‌من‌ غير ‌ان‌ يذهب بها الى جهه حقيقه بالنسبه الى الله تعالى، كما يذهب اليه المجسمه، ‌او‌ مجاز بان يراد بالقبضه الملك. ‌و‌ انما المراد بالمفردات ‌فى‌ مثل ذلك حقائقها ‌فى‌ نفسها، كما ‌فى‌ قولهم: اراك تقدم رجلا ‌و‌ توخر اخرى، لكن ‌لا‌ بالنسبه الى الممثل له، بل بالنسبه الى الممثل به، ‌و‌ ‌هو‌ باب جليل ‌فى‌ علم البيان، عليه يحمل كثير ‌من‌ متشابهات القرآن، كقوله تعالى: «و الارض جميعا قبضته يوم القيامه ‌و‌ السموات مطويات بيمينه»، ‌و‌ قوله تعالى: «و السماء بنيناها بايد».
 قال صاحب الكشاف: ‌ان‌ ذلك تمثيل ‌و‌ تصوير لعظمته تعالى، ‌و‌ توقيف على كنه جلاله، ‌من‌ غير ذهاب بالقبضه ‌و‌ اليمين ‌و‌ الايدى الى جهه حقيقه ‌او‌ مجاز.
 
بل يذهب الى آخر الزبده ‌و‌ الخلاصه ‌من‌ الكلام ‌من‌ غير ‌ان‌ يتمحل بمفرداته حقيقه ‌او‌ مجاز، كقوله تعالى: «و قالت اليهود يد الله مغلوله» اى: ‌هو‌ بخيل، «بل يداه مبسوطتان» اى: ‌هو‌ جواد ‌من‌ غير تصور يد ‌و‌ ‌لا‌ ‌غل‌ ‌و‌ ‌لا‌ بسط.
 ‌و‌ شدد النكير على ‌من‌ تاول القبضه بالملك، ‌و‌ اليمين ‌و‌ اليد بالقدره، ‌و‌ قال: انه ‌من‌ ضيق العطن ‌و‌ المسافره ‌من‌ علم البيان مسافه اعوام. قال: ‌و‌ ‌كم‌ ‌من‌ آيه ‌من‌ آيات الله ‌فى‌ التنزيل، ‌و‌ حديث ‌من‌ احاديث الرسول، قد ضيم ‌و‌ سيم الخسف بالتاويلات الغثه ‌و‌ الوجوه الرثه.
 ‌و‌ اعتذر الشيخ عبدالقاهر ‌من‌ تاويلهم القبضه بالملك ‌و‌ اليد بالقدره ‌و‌ نحو ذلك بان الغرض منه ‌ان‌ ‌لا‌ يقع السامع ‌فى‌ التشبيه ‌و‌ التجسيم ريثما ينبه على كون الكلام للتصوير ‌و‌ التمثيل.
 حوى الشى ء يحويه: اذا ضمه ‌و‌ استولى عليه.
 ‌و‌ الملك بالضم: اسم ‌من‌ ملك على الناس اى: تولى امرهم.
 
و جمله «يحوينا ملكك» حال موكده لمضمون الجمله قبلها.
 ‌و‌ السلطان هنا بمعنى: الولايه، ‌و‌ عطفه على الملك ‌من‌ عطف الشى ء على مرادفه، نحو «انما اشكوا بثى ‌و‌ حزنى الى الله».
 ‌و‌ زعم بعض اهل البيان ‌ان‌ التطويل ‌لا‌ لفائده ‌من‌ طرق التعبير عن المراد مما ‌لا‌ يقبل. ‌و‌ اعترض بان ذكر الشى ء مرتين فيه فائده التاكيد. ‌و‌ قد قال النحاه: ‌ان‌ الشى ء يعطف على نفسه تاكيدا، ‌و‌ الفائده التاكيديه معتبره ‌فى‌ الاطناب.
 ‌و‌ ضم الشى ء ضما- ‌من‌ باب قتل-: جمعه.
 ‌و‌ ضم المشيئه: كنايه عن جريانها ‌فى‌ جميع مخلوقاته سبحانه ‌و‌ اجتماعهم تحتها ، فكانها حمعتهم حميعا بحيث ‌لا‌ يشذ عنها منهم شاذ.
 ‌و‌ اتفقت النسخ هنا على ترك الهمزه ‌من‌ المشيئه ‌و‌ تشديد الياء منها. ‌و‌ قد سبق الكلام على توجيهه ‌فى‌ الروضه الاولى.
 قوله عليه السلام: «و نتصرف عن امرك» التصرف ‌و‌ التقلب بمعنى: صرفته ‌فى‌ الامر، تصريفا فتصرف: قلبته فتقلب.
 ‌و‌ عن: يحتمل ‌ان‌ يكون سببيه، اى: بسبب امرك، مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌ما‌ نحن بتاركى آلهتنا عن قولك»، فالظرف لغو متعلق ب«نتصرف». ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون مستقرا على انه حال ‌من‌ الضمير، اى: نتصرف صادرين عن امرك.
 قيل: المراد ‌به‌ الامر التكوينى، ‌و‌ قيل: امر المخلوق بالتوجه الى وجهته على وفق اراده الله تعالى ‌و‌ سوق الحكمه الالهيه كلا الى غايته. ‌و‌ ‌هو‌ اشاره الى توجيه اسبابه
 
بحسب القضاء الالهى عليه بذلك.
 قوله عليه السلام: «و نتقلب ‌فى‌ تدبيرك» التقلب: الصيروره ‌من‌ حال الى حال. ‌و‌ اصله ‌من‌ التقلب ظهرا لبطن.
 ‌و‌ التدبير: فعل الشى ء عن فكر ‌و‌ رويه ‌و‌ نظر الى دبره ‌و‌ ‌هو‌ عاقبته ‌و‌ آخره.
 ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا تعلق العلم بصلاح آخره كتعلقه بصلاح اوله ‌من‌ غير رويه ‌و‌ فكر. ‌و‌ قيل: ايجاده على وفق المصلحه.
 
ما قضيت: اسم ليس، ‌و‌ لنا: خبرها، قدم وجوبا لاقتران الاسم ب«الا».
 ‌و‌ من: بيانيه.
 ‌و‌ الامر هنا بمعنى: الشان ‌و‌ الحاله. ‌و‌ الالف ‌و‌ اللام فيه جنسيه لاستغراق الافراد، اى: ليس لنا ‌من‌ كل امر الا ‌ما‌ قضيته. ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون لتعريف الماهيه.
 قال العلامه البهائى قدس سره ‌فى‌ المفتاح: المراد بالامر هنا النفع، فالمعطوفه عليها كالمفسره لها. انتهى.
 ‌و‌ انما فسره بالنفع لما يدل عليه بحسب الظاهر ‌من‌ الجبر ‌و‌ سلب اختيار العبد، لو اريد بالامر مطلقه، فتكون افعال العباد كلها خيرها ‌و‌ شرها بقضائه تعالى. ‌و‌ بطلانه معلوم عندنا عقلا ‌و‌ نقلا، فوجب التاويل. فاذا اول الامر بالنفع كان ‌من‌ فعله تعالى، ‌و‌ فعله ‌لا‌ يكون الا بقضائه سبحانه، فكانت افعال العباد خارجه عنه.
 
و قال بعض المحققين ‌من‌ اصحابنا: ‌و‌ قد يفسر القضاء بمعنى العلم الملزوم، ‌و‌ الايجاد الواجب على وفقه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ القضاء عباره عن ابداع الاول تعالى لصور الموجودات الكليه ‌و‌ الجزئيه، التى ‌لا‌ نهايه لها ‌من‌ حيث هى معقوله ‌فى‌ العالم العقلى. ثم لما كان ايجاد ‌ما‌ يتعلق منها بمواد الاجسام ‌فى‌ موادها، ‌و‌ اخراج الماده ‌من‌ القوه الى الفعل، غير ممكن الا على سبيل التعاقب، لامتناع قبول الماده الصور الكثيره دفعه، ‌و‌ كان الجود الالهى مقتضيا لايجادها، ‌و‌ لتكميل الماده بايداعها فيها، ‌و‌ اخراج ‌ما‌ فيها ‌من‌ قبول تلك الصوره ‌من‌ القوه الى الفعل، قدر بلطيف حكمته وجود الزمان المديد، لتخرج فيه تلك الامور ‌من‌ القوه الى الفعل واحدا بعد واحد، فتصير ‌فى‌ جميع ذلك الزمان موجوده ‌فى‌ موادها، ‌و‌ تكون الماده كامله بها. فالقدر عباره عن وجود هذه الاشياء مفصله واحدا بعد واحد ‌فى‌ موادها السفليه الخارجيه، بعد ‌ان‌ كانت مقدره ‌فى‌ صحائفها العلويه، كما قال تعالى: «و ‌ان‌ ‌من‌ شى ء الا عندنا خزائنه ‌و‌ ‌ما‌ ننزله الا بقدر معلوم». ‌و‌ القضاء بالمعنى المذكور ‌لا‌ ينافى اختيار العبد ‌و‌ حسن تكليفه ‌و‌ ثوابه ‌و‌ عقابه، لان معنى الاختيار ‌ان‌ يكون للعبد قوه فاعليه صالحه للفعل ‌و‌ الترك يقال لها: القدره، ‌و‌ قوه اخرى علميه مدركه للنفع ‌و‌ الضرر ‌و‌ الافه ‌و‌ الشر ‌فى‌ جانبى ‌ما‌ يقدر عليه، ‌و‌ قوه اخرى اراديه باعثه تطيعها القوه المسماه بالقدره، بحيث متى انبعثت الاراده لفعل ‌او‌ ترك، بحسب ‌ما‌ ادركته النفس بقوتها الادراكيه، اطاعتها تلك القوه ففعلت ‌او‌ تركت. ‌و‌ ذلك امر ‌لا‌ ينافى علم الله تعالى بما يقع ‌او‌ ‌لا‌ يقع ‌من‌ الطرفين. فان حصل وجوب بعد تصور نفع
 
مظنون ‌او‌ مجزوم ‌و‌ انبعاث اراده عازمه، فذلك وجوب عارض ‌لا‌ ‌حق‌ ‌لا‌ ينافيه امكان سابق انتهى.
 اذا عرفت ذلك فبقاء معنى الامر على عمومه ‌لا‌ محذور فيه.
 قوله عليه السلام: «و ‌لا‌ ‌من‌ الخير الا ‌ما‌ اعطيت» الخير: لفظ جامع لجميع الامور الحسنه، كما ‌ان‌ الشر جامع لجميع الامور القبيحه، فهو مفهوم كلى يندرج تحته افراد كثيره.
 ‌و‌ قيل: الخير ‌هو‌ الوجود، ‌و‌ اطلاقه على غيره انما ‌هو‌ بالعرض، ‌و‌ ‌هو‌ ينقسم الى خير مطلق، كوجود العقل، ‌و‌ الى خير مقيد، كوجود كل واحده ‌من‌ الصفات المرضيه ‌و‌ الشرائع النبويه.
 ‌و‌ الاول ‌هو‌ الحق، ‌و‌ ‌هو‌ معنى قول بعض العلماء: الخير ‌ما‌ يرغب فيه الكل، كالعقل مثلا ‌و‌ العدل ‌و‌ الشى ء النافع، ‌و‌ الشر ضده.
 ‌و‌ المال سمى بالخير تاره ‌و‌ بالشر اخرى، نحو «ان ترك خيرا»، ‌و‌ «ايحسبون انما نمدهم ‌به‌ ‌من‌ مال ‌و‌ بنين نسارع لهم ‌فى‌ الخيرات»، لانه خير لشخص ‌و‌ ‌شر‌ لاخر، فمن انفقه ‌فى‌ سبيل الله تعالى ‌و‌ امسكه عن سبيل الشيطان كان له خيرا، ‌و‌ ‌من‌ عكس كان له شرا.
 
اليوم ‌فى‌ اللغه: عباره عن الزمن الذى يقع ‌ما‌ بين طلوع الشمس الى غروبها، ‌و‌ ‌فى‌ الشرع عباره عما يقع بين طلوع الفجر الى غروب الشمس، ‌و‌ ‌فى‌ عرف المنجمين: عباره عن مفارقه الشمس دائره نصف النهار الى عودها اليها
 
 
بحركه الكل.
 ‌و‌ حدث الشى ء حدوثا- ‌من‌ باب قعد-: وجد بعد عدمه.
 ‌و‌ شهد على الشى ء: اطلع عليه ‌و‌ عاينه، فهو شاهد ‌و‌ شهيد.
 ‌و‌ شهد عليه بكذا: اخبر بما اطلع عليه منه، ‌و‌ منه قوله تعالى: «يوم تشهد عليهم السنتهم ‌و‌ ايديهم ‌و‌ ارجلهم بما كانوا يعملون».
 ‌و‌ كثيرا ‌ما‌ يحذف متعلق الشهاده، اعنى الاخبار بما قد شوهد، فيقال: شهد فلان على فلان، اى: اخبر بما شاهده منه، فهو شاهد عليه ‌و‌ شهيد ايضا، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و قالوا لجلودهم لم شهدتم علينا»، ‌و‌ يمكن ‌ان‌ يكون هذا المعنى ‌هو‌ المراد هنا.
 ‌و‌ ‌فى‌ معناه ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: «مامن يوم ياتى على ابن آدم الا قال له ذلك اليوم: يابن آدم انا يوم جديد، ‌و‌ انا عليك شهيد، فقل ‌فى‌ خيرا، ‌و‌ اعمل ‌فى‌ خيرا، اشهد لك يوم القيامه، فانك لن ترانى بعدها ابدا». قال بعض العلماء: هذا القول بلسان الحال، ‌و‌ ينبغى للمومن ‌ان‌ يسمعه باذن قلبه ‌و‌ يعمل بمقتضاه.
 قلت: ‌و‌ هذه الشهاده ايضا بلسان الحال ‌و‌ النطق به، فان اليوم لما كان ظرفا لمباشره الفعل كان حضور ذلك اليوم ‌و‌ ‌ما‌ صدر فيه ‌فى‌ علم الله تعالى بمنزله الشهاده بين يديه ‌و‌ آكد ‌فى‌ الدلاله.
 ‌و‌ العتيد: فعيل بمعنى فاعل، ‌من‌ عتد الشى ء، كعظم، عتادا بالفتح بمعنى:
 
حضر. فهو عتد بفتحتين ‌و‌ عتيد. ‌و‌ يتعدى بالهمزه ‌و‌ التضعيف، فيقال: اعتده صاحبه ‌و‌ عتده، اذا اعده ‌و‌ هياه، فهو معتد، ‌و‌ منه قوله تعالى: «انا اعتدنا للظالمين نارا».
 احسن: فعل الحسن، كما يقال: اجاد اذا فعل الجيد.
 ‌و‌ اساء: فعل سوء.
 ‌و‌ ودع المسافر الناس توديعا: خلفهم خافضين ‌فى‌ دعه ‌و‌ ‌هم‌ يودعونه اذا سافر، تفاولا بالدعه التى يصير اليها اذا قفل. ‌و‌ الاسم الوداع بالفتح. فهو على هذا ماخوذ ‌من‌ الدعه بمعنى الخفض ‌و‌ السعه ‌فى‌ العيش. ‌و‌ قيل ماخوذ ‌من‌ الودع بمعنى الترك، ‌و‌ وجهه ظاهر.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بحمد» ‌و‌ «بذم» للملابسه، اى: ودعنا ملتبسا بحمد ‌و‌ فارقنا ملتبسا بذم.
 ‌و‌ اسناد التوديع ‌و‌ المفارقه لليوم مجاز عقلى، ‌و‌ لك جعله ‌من‌ باب الاستعاره المكنيه التخييليه، ‌او‌ ‌من‌ باب الاستعاره التمثيليه، بان يعتبر تشبيه التلبس الغير الفاعلى بالتلبس الفاعلى، ‌و‌ يستعمل فيه اللفظ الموضوع لافاده التلبس الفاعلى، كما فى: «اراك تقدم رجلا ‌و‌ توخر اخرى». ‌و‌ يمكن ‌ان‌ يكون ذلك على وجه التقدير، اى: لو كان اليوم عاقلا ثم اراد الذهاب عنا لكان ‌ان‌ احسنا مودعا لنا بحمد، ‌و‌ ‌ان‌ اسانا مفارقا لنا بذم. ‌و‌ انما جى ء بلفظ الواقع لان الواقع ابلغ ‌من‌ المقدر.
 
رزقه الله، رزقا بالفتح: اعطاه ‌و‌ وهبه، اى: وهب لنا حسن مصاحبته.
 ‌و‌ المصاحبه: مفاعله ‌من‌ الصحبه بمعنى المعاشره. ‌و‌ تطلق على مطلق الملازمه. قال ابن فارس: كل شى ء لازم شيئا فقد اصطحيه.
 ‌و‌ حسن مصاحبته: كنايه عن الكون فيه بالطاعات، ‌و‌ اجتناب المعاصى، ‌و‌ السلامه فيه ‌من‌ الافات الدينيه ‌و‌ الدنيويه.
 ‌و‌ عصمه الله ‌من‌ المكروه يعصمه- ‌من‌ باب ضرب-: حفظه ‌و‌ وقاه.
 اى: احفظنا وقنا ‌من‌ سوء مفارقته بحسم اسباب المعاصى ‌و‌ عدم الاعداد لها، اذ كان ارتكابها ‌هو‌ الموجب لسوء مفارقته، كما اشار اليه عليه السلام بقوله:.
 الباء: للسببيه، متعلقه بسوء مفارقته.
 ‌و‌ ارتكاب الذنب ‌و‌ اقترافه بمعنى، اى: اكتسابه.
 ‌و‌ الجريره: ‌ما‌ يجره الانسان ‌من‌ ذنب. فعيله بمعنى مفعوله.
 ‌و‌ الصغيره ‌و‌ الكبيره: ‌من‌ الصفات الغالبه. قيل: الصغيره هى الزله التى ‌لا‌ تكسب النفس هيئه رديه باقيه، بل حاله يسرع زوالها، ‌و‌ الكبيره بخلافها.
 ‌و‌ قد اختلفت اقوال الاكابر ‌فى‌ تحقيق الكبائر، فروى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: «الكبائر: التى اوجب الله
 
عز ‌و‌ ‌جل‌ عليها النار».
 ‌و‌ قال قوم: هى كل ذنب رتب عليه الشارع حدا، ‌او‌ صرح فيه بالوعيد.
 ‌و‌ قيل: هى كل معصيه يلحق صاحبها الوعيد الشديد بنص ‌من‌ كتاب ‌او‌ سنه.
 ‌و‌ قال بعضهم: هى كل جريره توذن بقله اكتراث صاحبها بالدين.
 ‌و‌ قالت طائفه: كل ذنب علمت حرمته بدليل قاطع.
 ‌و‌ عن ابن مسعود انه قال: اقراوا ‌من‌ اول سوره النساء الى قوله تعالى: «ان تجتنبوا كبائر ‌ما‌ تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم» فكلما نهى عنه ‌فى‌ هذه السوره الى هذه الايه فهو كبيره.
 ‌و‌ ضعف بانه تعالى ذكر الكبائر ‌فى‌ سائر السور، فلا وجه للتخصيص.
 ‌و‌ قال جماعه: هى الذنوب التى نص عليها النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله باعيانها، فقال: «اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، ‌و‌ السحر، ‌و‌ قتل النفس التى حرم الله الا بالحق، ‌و‌ اكل الربا، ‌و‌ اكل مال اليتيم، ‌و‌ التولى يوم الزحف، ‌و‌ قذف المحصنات الغافلات المومنات».
 ‌و‌ ضعف بانه ذكر عند ابن عباس انها سبعه فقال: هى الى السبعين، ‌و‌ ‌فى‌ روايه الى السبعمائه اقرب منها الى السبع.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه عن الرضا عليه السلام: انها السبع المذكوره، ‌و‌ الياس ‌من‌ روح
 
الله، ‌و‌ الامن ‌من‌ مكر الله، ‌و‌ عقوق الوالدين، ‌و‌ الزنا، ‌و‌ اليمين الغموس، ‌و‌ الغلول، ‌و‌ منع الزكاه المفروضه، ‌و‌ شهاده الزور، ‌و‌ كتمان الشهاده، ‌و‌ شرب الخمر، ‌و‌ ترك الصلاه متعمدا ‌او‌ شى ء مما فرض الله ‌عز‌ ‌و‌ جل، ‌و‌ نقض العهد، ‌و‌ قطيعه الرحم.
 ‌و‌ زاد بعضهم اللواط، ‌و‌ الغيبه، ‌و‌ استحلال الكعبه، ‌و‌ التعرب بعد الهجره.
 ‌و‌ زاد بعض اكل الميته ‌و‌ الدم ‌و‌ لحم الخنزير ‌و‌ ‌ما‌ اهل لغير الله ‌به‌ ‌من‌ غير ضروره، ‌و‌ السحت، ‌و‌ القمار، ‌و‌ البخس ‌فى‌ الكيل ‌و‌ الوزن، ‌و‌ معاونه الظالمين، ‌و‌ حبس الحقوق ‌من‌ غير عسر، ‌و‌ السعايه الى الظالم، ‌و‌ تاخير الحج عن عام الوجوب اختيارا، ‌و‌ الظهار، ‌و‌ الاسراف، ‌و‌ التبذير، ‌و‌ الخيانه، ‌و‌ الاشتغال بالملاهى، ‌و‌ الاصرار على الذنوب، ‌و‌ الرشوه، ‌و‌ المحاربه بقطع الطريق، ‌و‌ القياده، ‌و‌ الدياثه، ‌و‌ النميمه، ‌و‌ الغصب، ‌و‌ الكذب- خصوصا على رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله-، ‌و‌ ضرب المسلم بغير حق، ‌و‌ تاخير الصلاه عن وقتها.
 ‌و‌ قال قوم: جميع الذنوب ‌و‌ المعاصى كبائر. قال الشيخ امين الاسلام الطبرسى ‌فى‌ تفسيريه الكبير ‌و‌ الصغير: ‌و‌ الى هذا ذهب اصحابنا رضوان الله عليهم، فانهم قالوا: المعاصى كلها كبائر ‌من‌ حيث كانت قبائح، لكن بعضها اكبر ‌من‌ بعض، ‌و‌ ليس ‌فى‌ الذنوب صغير، ‌و‌ انما يكون صغيرا بالاضافه الى ‌ما‌ ‌هو‌ منه اكبر، ‌و‌ يستحق عليه العقاب اكثر. انتهى كلامه.
 
و ‌لا‌ يخفى انه مشعر بان هذا القول متفق عليه بين الاماميه. لكن قال شيخنا الشهيد الثانى قدس سره ‌فى‌ شرح الشرائع: اختلف الاصحاب ‌و‌ غيرهم ‌فى‌ ‌ان‌ الذنوب هل هى كلها كبائر؟ ‌ام‌ تنقسم الى كبائر ‌و‌ صغائر؟ فذهب جماعه منهم المفيد ‌و‌ ابن البراج ‌و‌ ابو الصلاح ‌و‌ ابن ادريس ‌و‌ الطبرسى الى الاول، نظرا الى اشتراكها ‌فى‌ مخالفه امره ‌و‌ نهيه تعالى، ‌و‌ جعلوا الوصف بالكبر ‌و‌ الصغر اضافيا، فالقبله المحرمه صغيره بالنسبه الى الزنا ‌و‌ كبيره بالنسبه الى النظر، ‌و‌ كذلك غصب الدرهم كبيره بالنسبه الى غصب اللقمه ‌و‌ صغيره بالاضافه الى غصب الدينار، ‌و‌ هكذا.
 ‌و‌ ذهب المصنف ‌و‌ اكثر المتاخرين الى الثانى، عملا بظاهر قوله تعالى: «ان تجتنبوا كبائر ‌ما‌ تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم»، ‌دل‌ بمفهومه على ‌ان‌ اجتناب بعض الذنوب- ‌و‌ هى الكبائر- يكفر السيئات، ‌و‌ ‌هو‌ يقتضى كونها غير كبائر، ‌و‌ قال تعالى: «الذين يجتنبون كبائر الاثم ‌و‌ الفواحش»، مدحهم على اجتناب الكبائر ‌من‌ غير ‌ان‌ يضائقهم ‌فى‌ الصغائر، ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌ان‌ الاعمال الصالحه تكفر الصغائر. اذا تقرر ذلك فعلى القول الاول يقدح ‌فى‌ العداله مواقعه ‌اى‌ معصيه كانت، ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ما‌ ‌فى‌ هذا ‌من‌ الحرج ‌و‌ الضيق، لان غير المعصوم ‌لا‌ ينفك عن ذلك، ‌و‌ قد قال تعالى: «ما جعل عليكم ‌فى‌ الدين ‌من‌ حرج». ‌و‌ اجاب ابن ادريس: بان الحرج ينتفى بالتوبه، ‌و‌ اجيب: بان التوبه تسقط الكبائر ‌و‌ الصغائر، ‌و‌ ‌لا‌ يكفى ‌فى‌ الحكم بالتوبه مطلق الاستغفار ‌و‌ اظهار الندم
 
حتى يعلم ‌من‌ حاله ذلك، ‌و‌ هذا قد يودى الى زمان طويل يفوت معه الغرض ‌من‌ الشهاده ‌و‌ نحوها، فيبقى الحرج. ‌و‌ على الثانى: يعتبر اجتناب الكبائر كلها، ‌و‌ عدم الاصرار على الصغائر، فان الاصرار عليها يلحقها بالكبيره، ‌و‌ ‌من‌ ثم ورد: ‌لا‌ صغيره مع الاصرار ‌و‌ ‌لا‌ كبيره مع الاستغفار. ‌و‌ المراد بالاصرار: الاكثار منها، سواء كان ‌من‌ نوع واحد ‌او‌ انواع مختلفه. ‌و‌ قيل: المداومه على نوع واحد منها، ‌و‌ لعل الاصرار يتحقق بكل منها. ‌و‌ ‌فى‌ حكمه العزم على فعلها ثانيا ‌و‌ ‌ان‌ لم يفعل، ‌و‌ اما ‌من‌ فعل الصغيره ‌و‌ لم يخطر على باله بعدها العزم على فعلها ‌و‌ ‌لا‌ التوبه منها فهذا الذى ‌لا‌ يقدح ‌فى‌ العداله، ‌و‌ الا لادى الى ‌ان‌ ‌لا‌ تقبل شهاده احد، ‌و‌ لعل هذا مما تكفره الاعمال الصالحه ‌من‌ الصلاه ‌و‌ الصيام ‌و‌ غيرهما كما جاء ‌فى‌ الخبر. انتهى كلام الشهيد طاب ثراه.
 
 تنبيهان
 
 الاول:
 
 قال بعضهم: ‌ان‌ تكفير الصغائر باجتناب الكبائر على القول بان كلا منها امور مخصوصه معقول، فما معناه على القول بان الوصف بالكبر ‌و‌ الصغر اضافى؟
 ‌و‌ اجيب: بان معناه ‌ان‌ ‌من‌ عن له امران منها، ودعته نفسه اليهما بحيث ‌لا‌ يتمالك، فكفها عن اكبرهما مرتكبا اصغرهما، فانه يكفر عنه ‌ما‌ ارتكبه، لما
 
استحقه ‌من‌ الثواب على اجتناب الاكبر، كمن عن له التقبيل ‌و‌ النظر بشهوه فكف عن التقبيل ‌و‌ ارتكب النظر.
 ‌و‌ فيه: انه يلزم منه ‌ان‌ ‌من‌ ‌كف‌ نفسه عن قتل شخص ‌و‌ قطع يده مثلا يكون مرتكبا للصغيره ‌و‌ تكون مكفره، اللهم الا ‌ان‌ يراد بقوله: «مرتكبا اصغرهما» ‌ما‌ ‌لا‌ اصغر منه ‌فى‌ نوعه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ المثال اقل ‌ما‌ يصدق عليه الضرر. ‌و‌ فيه ‌ما‌ فيه.
 
 الثانى:
 
 قال العلامه البهائى قدس سره ‌فى‌ شرح الاربعين: الظاهر ‌ان‌ قولهم: العدل ‌من‌ يجتنب الكبائر ‌و‌ ‌لا‌ يصر على الصغائر، ينبغى ‌ان‌ يراد ‌به‌ انه اذا عن له امران ‌كف‌ عن الاكبر ‌و‌ لم يصر على الاصغر. ‌و‌ هذا المعنى ‌و‌ ‌ان‌ كان غير مشهور فيما بينهم، ‌و‌ ‌لا‌ مسطور ‌فى‌ مصنفاتهم، بل المتعارف بينهم خلافه، لكنه ‌هو‌ الذى يقتضيه النظر- بناء على القول بان الذنوب كلها كبائر- فما ‌فى‌ كلام بعض الاعلام بانه يلزمهم ‌ان‌ يكون كل معصيه مخرجه عن العداله محل نظر انتهى.
 
 تذنيب
 
 قال العلامه النيسابورى ‌فى‌ تفسيره: الحق ‌فى‌ هذه المساله- ‌و‌ عليه الاكثر بعد اثبات تقسيم الذنب الى الصغير ‌و‌ الكبير- انه تعالى لم يميز جمله الكبائر عن جمله الصغائر، لما بين ‌فى‌ قوله تعالى: «ان تجتنبوا كبائر ‌ما‌ تنهون عنه نكفر عنكم
 
سيئاتكم» ‌ان‌ اجتناب الكبائر يوجب تكفير الصغائر. فلو عرف المكلف جميع الكبائر اجتنبها فقط ‌و‌ اجترا على الاقدام على الصغائر، اما اذا عرف انه ‌لا‌ ذنب الا ‌و‌ يجوز كونه كبيرا، صار هذا المعنى زاجرا له عن الذنوب كلها. ‌و‌ نظير هذا ‌فى‌ الشرع اخفاء ليله القدر ‌فى‌ ليالى شهر رمضان، ‌و‌ ساعه الاجابه ‌فى‌ ساعات الجمعه، ‌و‌ وقت الموت ‌فى‌ جمله الاوقات، هذا. ‌و‌ ‌لا‌ مانع ‌ان‌ يبين الشارع ‌فى‌ بعض الذنوب انه كبيره، كما روى انه صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات... الى غير ذلك.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^