فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 12

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ ‌به‌ نستعين


 ‌يا‌ ‌من‌ اعترف له المذنبون ففازوا بغفرانه، ‌و‌ اناب اليه التائبون فسعدوا برضوانه، نحمدك على ‌ما‌ فتحت لنا ‌من‌ ابواب التوبه اليك، ‌و‌ نشكرك على ‌ما‌ منحت ‌من‌ الوفود بحسن الظن عليك، ‌و‌ نصلى على نبيك الذى هديت ‌به‌ ‌من‌ الزيغ ‌و‌ الضلال، ‌و‌ على اهل بيته الذين حليتهم ‌من‌ الهدايه باشرف الخلال.


 ‌و‌ بعد فهذه الروضه الثانيه عشره ‌من‌ رياض السالكين، تتضمن شرح الدعاء الثانى عشر ‌من‌ ادعيه صحيفه سيد العابدين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الطاهرين، املاء راجى فضل ربه السنى على صدرالدين الحسينى الحسنى، اصلح الله باله ‌و‌ منحه اقباله.
 
اعترف بالشى ء: اقر ‌به‌ على نفسه، يقال: عرف بذنبه عرفا بالضم ‌و‌ اعترافا بمعنى، ‌و‌ اعترف القوم: سالهم معروفهم، ‌و‌ اعترف اليه: انتسب اليه ليعرفه، ‌و‌ اعترف للامر: صبر. ‌و‌ الاول ‌من‌ هذه المعانى ‌هو‌ المقصود هنا، ‌و‌ الثانى محتمل.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى جعفر عليه السلام، قال: ‌لا‌ ‌و‌ الله ‌ما‌ اراد الله ‌من‌ الناس الا خصلتين، ‌ان‌ يعترفوا له بالنعم فيزيدهم، ‌و‌ بالذنوب فيغفرها لهم.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: ‌و‌ الله ‌ما‌ ينجو ‌من‌ الذنوب الا ‌من‌ اقربها.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌و‌ الله ‌ما‌ خرج عبد ‌من‌ ذنب باصرار، ‌و‌ ‌ما‌ خرج عبد ‌من‌ ذنب الا باقرار.
 ‌و‌ التوبه المطلوبه اما بمعنى الرجوع ‌من‌ الذنب لقبحه الى الطاعه، فيكون طلبها بمعنى الهامها ‌و‌ التوفيق لها.
 
و اما بمعنى الرجوع منه تعالى بالعبد ‌من‌ المعصيه الى الطاعه، فيكون طلبها بمعنى سوال ‌ان‌ يتوب عليه.
 قال عليه السلام.
 
الضمير ‌فى‌ انه للشان، ‌و‌ ‌هو‌ ضمير غائب ياتى صدر الجمله الخبريه دالا على قصد المتكلم استعظام السامع حديثه، ‌و‌ يسميه البصريون ضمير الشان ‌و‌ الحديث اذا كان مذكرا، ‌و‌ ضمير القصه اذا كان مونثا، ‌و‌ سماه الكوفيون ضمير المجهول، لانه ‌لا‌ يدرى على ‌ما‌ يعود.
 ‌و‌ حجبه حجبا- ‌من‌ باب قتل-: منعه، اى: يمنعنى.
 ‌و‌ المساله هنا: مصدر ميمى، يقال: سالت الله العافيه سوالا ‌و‌ مساله، اى: طلبتها.
 ‌و‌ الخلال بالكسر: جمع خله كخصله وزنا ‌و‌ معنى، ‌و‌ هى الحاله.
 حدوته على كذا: بعثته عليه، ‌و‌ اصله ‌من‌ حدوت الابل اذا حثثتها على السير بالحداء مثل غراب، ‌و‌ ‌هو‌ الغناء لها.
 قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: ‌و‌ ‌فى‌ حديث الدعاء «تحدونى عليها خله واحده» اى: تبعثنى ‌و‌ تسوقنى عليها خصله واحده ‌من‌ حدو الابل، فانه ‌من‌ اكبر الاشياء على سوقها ‌و‌ بعثها.
 
الجمله ‌فى‌ محل الرفع بدل ‌من‌ الجمله الاولى، ‌و‌ هى قوله: يحجبنى عن مسالتك، لكونها اوفى منها بتاديه المعنى المراد، لدلالتها على الخلال الحاجبه مفصله دون الاولى، ‌و‌ مثلها قوله تعالى: «و اتقوا الذى امدكم بما تعلمون امدكم بانعام ‌و‌ بنين ‌و‌ جنات ‌و‌ عيون»، فان دلاله الثانيه على نعم الله تعالى مفصل بخلاف الاولى.
 ‌و‌ الابطاء: خلاف الاسراع، يقال: ابطا الرجل، اى: تاخر مجيوه.
 ‌و‌ الامر ‌و‌ النهى هنا اما بمعنييهما المصدريين، فيكون معنى ابطات عنه ‌و‌ اسرعت اليه ابطات عن امتثاله ‌و‌ اسرعت الى خلافه، ‌او‌ بمعنى مامور ‌به‌ ‌و‌ منهى عنه، كالخلق بمعنى المخلوق ‌و‌ اللفظ بمعنى الملفوظ، فيكون المعنى ابطات عن فعله ‌و‌ اسرعت الى ارتكابه.
 ‌و‌ التقصير ‌فى‌ الامر: التوانى فيه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يبادر الى القيام ‌به‌ ولايتهم بشانه، اى: لم اهتم ‌و‌ لم احتفل بشكرها.
 
 تبصره
 
 اعلم ‌ان‌ الاماميه رضوان الله عليهم اتفقوا على عصمه الانبياء ‌و‌ الائمه عليهم السلام، ‌و‌ اطبقوا على انه ‌لا‌ يجوز عليهم شى ء ‌من‌ المعاصى ‌و‌ الذنوب، صغيره كانت
 
او كبيره، لاقبل النبوه ‌و‌ الامامه ‌و‌ ‌لا‌ بعدهما. ثم استشكلوا مع ذلك ‌ما‌ تضمنه كثير ‌من‌ الادعيه الماثوره عن الائمه عليهم السلام ‌من‌ الاعتراف بالذنوب ‌و‌ المعاصى ‌و‌ الاستغفار منها، كما وقع ‌فى‌ هذا الدعاء ‌و‌ غيره مما مر ‌و‌ ياتى.
 بل روى عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم ‌ما‌ يشعر بذلك، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌ان‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم كان يتوب الى الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ كل يوم سبعين مره.
 ‌و‌ اجابوا عن ذلك بوجوه:
 احدها: حمله على تاديب الناس ‌و‌ تعليمهم كيفيه الاقرار ‌و‌ الاعتراف بالتقصير ‌و‌ الذنوب ‌و‌ الاستغفار ‌و‌ التوبه منها.
 الثانى: حمله على التواضع ‌و‌ الاعتراف بالعبوديه ‌و‌ ‌ان‌ البشر ‌فى‌ مظنه التقصير.
 الثالث: ‌ان‌ الاعتراف بالذنوب ‌و‌ الاستغفار منها انما ‌هو‌ على تقدير وقوعها، ‌و‌ المعنى ‌ان‌ صدر منى شى ء ‌من‌ هذه الامور فاغفره لى، لما تقرر ‌من‌ انه ‌لا‌ يلزم ‌من‌ صدق الشرطيه صدق كل واحد ‌من‌ جزءيها.
 الرابع: انهم يكلمون على لسان امتهم ‌و‌ رعيتهم، فاعترافهم بالذنوب اعتراف بذنوب امتهم ‌و‌ رعيتهم ‌و‌ استغفارهم لاجلهم، لان كل راع مسوول عن رعيته، ‌و‌ انما اضافوا الذنوب الى انفسهم المقدسه للاتصال ‌و‌ السبب، ‌و‌ ‌لا‌ سبب اوكد مما بين الرسول ‌او‌ الامام عليهماالسلام ‌و‌ بين امته ‌و‌ رعيته، الا ترى ‌ان‌ رئيس القوم اذا وقع ‌من‌ قومه هفوه ‌او‌ تقصير قام ‌هو‌ ‌فى‌ الاعتذار عنهم ‌و‌ نسب ذلك الى نفسه،
 
و اذا اريد عتابهم ‌و‌ توبيخهم وجه الكلام اليه دون غيره منهم ‌و‌ ‌ان‌ لم يفعل ‌هو‌ ذلك بل ‌و‌ ‌لا‌ شهده. ‌و‌ هذا وجه ‌فى‌ الاستعمال معروف.
 الخامس: ‌ما‌ ذكره الشيخ على ‌بن‌ عيسى الاربلى ‌فى‌ كتاب كشف الغمه، قال رحمه الله: ‌ان‌ الانبياء ‌و‌ الائمه عليهم السلام تكون اوقاتهم مستغرقه بذكر الله تعالى، ‌و‌ قلوبهم مشغوله به، ‌و‌ خواطرهم متعلقه بالملا الاعلى، ‌و‌ ‌هم‌ ابدا ‌فى‌ المراقبه، كما قال عليه السلام: اعبد الله كانك تراه فان لم تره فانه يراك. فهم ابدا متوجهون اليه ‌و‌ مقبلون بكليتهم عليه، فمتى انحطوا عن تلك الرتبه العاليه ‌و‌ المنزله الرفيعه الى الاشتغال بالماكل ‌و‌ المشرب ‌و‌ التفرغ للنكاح ‌و‌ غيره ‌من‌ المباحات عدوه ‌و‌ اعتقدوه خطيئه فاستغفروا منه، الا ترى ‌ان‌ بعض عبيد ابناء الدنيا لوقعد ياكل ‌و‌ يشرب ‌و‌ ينكح ‌و‌ ‌هو‌ يعلم انه بمراى ‌من‌ سيده ‌و‌ مسمع لكان ملوما عند الناس ‌و‌ مقصرا فيما يجب عليه ‌من‌ خدمه سيده ‌و‌ مالكه، فما ظنك بسيد السادات ‌و‌ مالك الاملاك. ‌و‌ الى هذا اشار عليه السلام بقوله: انه ليران على قلبى ‌و‌ انى لاستغفر الله بالنهار سبعين مره، ‌و‌ قوله: حسنات الابرار سيئات المقربين. هذا ملخص كلامه.
 ‌و‌ ‌هو‌ احسن ‌ما‌ تضمحل ‌به‌ الشبهه المذكوره. ‌و‌ قد اقتفى اثره القاضى ناصرالدين البيضاوى ‌فى‌ شرح المصابيح عند شرح قوله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: انه ليغان على قلبى ‌و‌ انى لاستغفر الله ‌فى‌ اليوم مائه مره. قال: الغين لغه ‌فى‌ الغيم، ‌و‌ غان على كذا اى: غطى. قال ابوعبيده ‌فى‌ معنى الحديث: ‌اى‌
 
يتغشى قلبى ‌ما‌ يلبسه. ‌و‌ قد بلغنا عن الاصمعى انه سئل عن هذا، فقال للسائل: عن قلب ‌من‌ تروى هذا؟ فقال: عن قلب النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم، فقال: لو كان غير قلب النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم لكنت افسره لك.
 قال القاضى: ‌و‌ لله ‌در‌ الاصمعى ‌فى‌ انتهاجه منهج الادب، ‌و‌ اجلاله القلب الذى جعله الله موقع وحيه ‌و‌ منزل تنزيله.
 ثم قال: لما كان قلب النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم اتم القلوب صفاء، ‌و‌ اكثرها ضياء، ‌و‌ اغرقها عرفانا، ‌و‌ كان صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم معنيا مع ذلك بتشريع المله ‌و‌ تاسيس السنه، ميسرا غير معسر، لم يكن له ‌بد‌ ‌من‌ النزول الى الرخص ‌و‌ الالتفات الى حظوظ النفس مع ‌ما‌ كان ممتحنا ‌به‌ ‌من‌ احكام البشريه، فكان اذا تعاطى شيئا ‌من‌ ذلك اسرعت كدوره الى القلب لكمال رقته ‌و‌ فرط نورانيته، فان الشى ء كلما كان ادق ‌و‌ اصفى كان ورود المكدرات عليه ابين ‌و‌ اهدى، فكان صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم اذا احس بشى ء ‌من‌ ذلك عده على النفس ذنبا فاستغفر منه انتهى كلامه ملخصا.
 
التفضل: التطول، ‌و‌ ‌هو‌ ابتداء الاحسان بلا عله.
 ‌و‌ معنى اقبل بوجهه اليك اطاعك ‌و‌ اناب اليك ‌و‌ اخلص نيته لك، لان ‌من‌ كان مطيعا لغيره منقادا له مخلصا سريرته له فانه يقبل بوجهه اليه، فجعل الاقبال بالوجه كنايه عن الطاعه ‌و‌ الانابه. ‌او‌ معناه اقبل بوجه قلبه ‌و‌ روحه ‌فى‌ المحبه  
 
و العباده ‌و‌ التوبه ‌و‌ الانابه لك.
 ‌و‌ وفد اليه ‌و‌ عليه وفدا ‌و‌ وفودا ‌و‌ وفاده: قدم ‌و‌ ورد، ‌و‌ ‌هو‌ كنايه عن رجائه ‌و‌ تاميله ‌و‌ القصد لمرضاته تعالى بالعمل ‌و‌ النيه، فان ‌من‌ رجا احدا ‌و‌ امله وفد اليه ‌و‌ قدم عليه.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «بحسن ظنه» قيد يفيد كمال حسن الرجاء له سبحانه. ففى الحديث النبوى: ‌و‌ الذى ‌لا‌ اله الا ‌هو‌ ‌لا‌ يحسن ظن عبد مومن بالله الا كان الله عند ظن عبده المومن، لان الله كريم بيده الخيرات، يستحى ‌ان‌ يكون عبده المومن قد احسن ‌به‌ الظن ثم يخلف ظنه ‌و‌ رجاءه، فاحسنوا بالله الظن ‌و‌ ارغبوا اليه.
 حكى ‌ان‌ رجلا قال لرابعه العدويه: انى قد عصيت الله افترينه يقبلنى ‌ان‌ انا انبت اليه؟ قالت: ويحك انه يدعو المدبرين عنه، فكيف ‌لا‌ يقبل المقبلين عليه؟!.
 اذ: للتعليل، متعلق بتفضلك، كانه قال: ‌ان‌ تفضلك ‌من‌ غير استحقاق ثابت متحقق، لان جميع احسانك تفضل ‌من‌ غير استحقاق اذ كان ابتداء بما ‌لا‌ يلزم، ‌و‌ لان كل نعمك ابتداء ‌لا‌ مجازاه لحق سابق لديك، ‌و‌ هذا ‌لا‌ ينافى كون العمل سببا لدخول الجنه، كيف ‌و‌ قد قال تعالى: «ادخلوا الجنه بما كنتم تعملون»؟ ولكن لما كانت الاعمال الموجبه للثواب متوقفه على الوجود ‌و‌ القدره ‌و‌ القوه ‌و‌ الالات ‌و‌ التوفيق، ‌و‌ كان كل ذلك ‌من‌ الله سبحانه تفضلا ‌و‌ تطولا
 
و ابتداء منه بما ‌لا‌ يلزمه، كان استحقاق العبد بمنزله عدمه. ‌و‌ ايضا فجعل العبد مستحقا للثواب بعمله تفضل منه تعالى، ‌و‌ الا فلو ناقشه ‌فى‌ الالات التى تسبب باستعمالها الى ثوابه لذهبت صغرى اياديه تعالى بجميع ‌ما‌ كدح له ‌و‌ جمله ‌ما‌ سعى فيه، ‌و‌ لبقى رهينا بسائر نعمه، فمتى كان يستحق شيئا ‌من‌ ثوابه.
 ‌و‌ قد شرح عليه السلام هذا المعنى بما ‌لا‌ مزيد عليه ‌فى‌ دعائه، اذ اعترف بالتقصير عن تاديه الشكر كما ستراه.
 ‌و‌ اما ‌ما‌ ذهب اليه الاشاعره ‌من‌ ‌ان‌ العمل ليس سببا للثواب، بناء على اصلهم الفاسد ‌من‌ ‌ان‌ الله تعالى يجوز ‌ان‌ يعذب المومن المطيع ‌و‌ يثيب الكافر، ففساده ظاهر.
 ‌و‌ على هذا فالتفضل قسمان: قسم يترتب على العمل ‌و‌ يسمى اجرا ‌و‌ جزاء، ‌و‌ قسم ‌لا‌ يترتب على العمل، فمنه ‌ما‌ ‌هو‌ محض التفضل حقيقه ‌و‌ اسما كالايجاد ‌و‌ الهدايه ‌و‌ العفو ‌و‌ نحو ذلك، ‌و‌ منه ‌ما‌ ‌هو‌ تتميم للاجر كما ‌او‌ كيفا، كما وعده تعالى ‌من‌ الاضعاف ‌و‌ غير ذلك.
 
الفاء: للسببيه، اى: فبسبب ‌ما‌ يحدونى على مسالتك ‌من‌ تفضلك على ‌من‌ اقبل بوجهه اليك ‌ها‌ اناذا ‌يا‌ الهى واقف.
 ‌و‌ جمله «اناذا» متبدا ‌و‌ خبره، ‌و‌ صدرت بحرف التنبيه لكمال العنايه ‌و‌ الاهتمام بمضمونها، اى: انا المتكلم ذا الموصوف.
 ‌و‌ واقف: بيان للوصف، ‌و‌ ‌هو‌ خبر شان ل«انا» ‌او‌ خبر ل«ذا»، ‌و‌ الجمله خبر ل«انا».
 
و الوقوف بباب عزه تعالى كنايه عن الالتجاء ‌به‌ ‌و‌ الانقياد له، كما يقف الملتجى ء ‌و‌ المطيع بباب ‌من‌ يلتجى ء ‌به‌ ‌و‌ ينقاد له.
 ‌و‌ استسلم: انقاد، يقال: اسلم لله ‌و‌ سلم ‌و‌ استسلم اى: انقاد لامره ‌و‌ نهيه، كانه سلم انه ‌لا‌ قدره له على جلب نفع ‌و‌ ‌لا‌ دفع ضر.
 ‌و‌ على ‌من‌ قوله «على الحياء منى»: للمصاحبه بمعنى مع، كقوله تعالى: «و ‌ان‌ ربك لذو مغفره للناس على ظلمهم».
 ‌و‌ الحياء: ملكه نفسانيه توجب انقباض النفس ‌من‌ شى ء تلام عليه.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: ‌هو‌ تغير ‌و‌ انكسار يعترى الانسان ‌من‌ تخوف ‌ما‌ يعاب ‌به‌ ‌و‌ يذم.
 قال التفتازانى: ‌و‌ ‌هو‌ تفسير للفظ الحياء ‌و‌ نوع تنبيه على معناه الوجدانى الغنى عن التعريف، ‌و‌ تخوف ‌ما‌ يعاب ‌به‌ ليس يلزم ‌ان‌ يكون بصدور ذلك عنه بل بمجرد توهمه، كما يستحى الارقاء ‌و‌ ضعفاء القلوب ‌فى‌ حضور اهل الاحتشام انتهى.
 ‌و‌ الى ذلك اشار صاحب الكشف حيث قال: لم يرد ‌به‌ التعريف، فقد يكون لاحتشام ‌من‌ يستحى منه، بل ‌هو‌ اكثر ‌فى‌ النفوس الطاهره.
 قيل: ‌و‌ اشتقاقه ‌من‌ الحياه، يقال: حى الرجل، كما يقال: نسى وحشى اذا اشتكى: نساء ‌و‌ حشاه.
 
فكان الحى صار منتقص القوه منتكس الحياه لما اعتراه ‌من‌ الانكسار.
 ‌و‌ البائس: ‌من‌ بئس يباس بوسا- ‌من‌ باب علم- اذا افتقر، ‌و‌ اشتدت حاجته، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ البوس بمعنى الضر.
 ‌و‌ عن الصادق عليه السلام: الفقير الذى ‌لا‌ يسال الناس، ‌و‌ المسكين اجهد منه، ‌و‌ البائس اجهدهم.
 ‌و‌ المعيل: اسم فاعل ‌من‌ اعال، اما بمعنى كثر عياله، فان المعيل اذا كثر عياله زاد جهده ‌و‌ اشتد اضطراره. ‌و‌ اما بمعنى افتقر، فقد حكى صاحب القاموس: اعال بالالف بمعنى افتقر. فيكون الغرض التاكيد، الا ‌ان‌ المشهور ‌فى‌ المعنى الاول اعال بالالف، ‌و‌ ورد ثلاثيا ايضا.
 نقل الكسائى عن العرب الفصحاء: عال يعول اذا كثر عياله، ذكره الازهرى، ‌و‌ نقله غيره عن الاصمعى ايضا. ‌و‌ ‌فى‌ المعنى الثانى بالعكس.
 ‌و‌ المصدران كلاهما- اعنى وقوف المستسلم ‌و‌ سوال البائس- مفعولان مطلقان مبينان لنوعى عامليهما.
 ‌و‌ التقدير: وقوفا مثل وقوف المستسلم ‌و‌ سوالا مثل سوال البائس، كما تقدره ‌فى‌ نحو قولك: ضربت ضرب الامير، اى: ضربا مثل ضرب الامير، فحذفت الموصوف ثم المضاف ‌و‌ اقمت المضاف اليه مقامه، غير ‌ان‌ المراد بالمستسلم ‌و‌ البائس هنا نفسه على طريقه التجريد، بخلاف الامير ‌فى‌ المثال، فهو كقوله
 
تعالى: «فاخذناه اخذ عزيز مقتدر»، لان العزيز المقتدر انما ‌هو‌ الله تعالى ‌و‌ ‌هو‌ الاخذ، ولكنه جرد ‌من‌ نفسه عزيزا مقتدرا، كما جرد ‌من‌ نفسه خبيرا ‌فى‌ قوله تعالى: «فاسئل ‌به‌ خبيرا» لقصد المبالغه، كما تقرر ‌فى‌ علم البلاغه ‌و‌ بين ‌فى‌ نوع التجريد، ‌و‌ جعل اخذه بيانا لنوع العامل، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ الدعاء كذلك.
 ‌و‌ قس على ذلك ‌ما‌ ياتيك ‌من‌ نظائر هذه العباره ‌فى‌ هذا الدعاء ‌و‌ غيره، كقوله عليه السلام: «بل اقول مقال العبد الذليل الظالم لنفسه المستخف بحرمه ربه»، ‌و‌ غير ذلك ‌فى‌ سائر الادعيه.
 ‌و‌ منه قول الصادق عليه السلام ‌فى‌ دعاء العافيه: اللهم انى ادعوك دعاء العليل، اذ ‌من‌ المعلوم ‌ان‌ العليل ‌هو‌ الداعى، لان هذا الدعاء موضوع لطلب العافيه ممن ‌به‌ عله.
 ‌و‌ اما ‌ما‌ قيل ‌من‌ ‌ان‌ الغرض ‌من‌ قوله عليه السلام: «و اقف بباب عزك وقوف المستسلم الذليل» اعترافه بانه واقف بباب عزه وقوفا مثل وقوف المستسلم المنقاد ‌لا‌ انه مستسلم منقاد، فتوهم منشوه قياسه ‌فى‌ المعنى على نحو ضربت ضرب الامير، فظن ‌ان‌ معنى هذا التركيب مطرد ‌فى‌ جميع نظائر هذا التركيب، وليت شعرى كيف يصنع ‌فى‌ الايه المذكوره؟ ‌و‌ هل يسوغ له ‌ان‌ يقول: ‌ان‌ اخذه مثل اخذ عزيز مقتدر ‌لا‌ انه عزيز مقتدر؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
 ‌و‌ ‌من‌ عرف حقيقه التجريد ‌و‌ تامل التعريف الذى ذكروه له، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ ينتزع
 
من امر متصف بصفه امر آخر مثله مبالغه، لكمالها فيه حتى كانه بلغ ‌من‌ الاتصاف بها مبلغا يصح ‌ان‌ ينتزع منه آخر موصوف بتلك الصفه، كقولهم: مررت بالرجل الكريم، ‌و‌ النسمه المباركه، فانهم جردوا ‌من‌ الرجل الكريم آخر مثله متصفا بصفه البركه، ‌و‌ عطفوه عليه كانه غيره، ‌و‌ ‌هو‌ هو ‌فى‌ نفس الامر، تحقق ‌ان‌ ‌ما‌ نحن فيه منه، ‌و‌ ‌ان‌ التعريف المذكور منطبق عليه.
 فان قلت: ‌من‌ ‌اى‌ اقسام التجريد هو؟
 قلت: ‌هو‌ ‌من‌ قسم ‌ما‌ ‌دل‌ عليه السياق، كقول الشاعر:
 ‌و‌ لئن بقيت لارحلن بغزوه
 تحوى الغنائم ‌او‌ يموت كريم
 فان السياق ‌دل‌ على انه اراد بالكريم نفسه، ‌و‌ كذلك ‌ما‌ نحن فيه ‌من‌ عباره الدعاء ‌و‌ نحوها، ‌و‌ تقدير المثل فيها حفظا للقاعده النحويه ‌لا‌ ينافى ‌ما‌ قررناه ‌من‌ التجريد، بل ‌هو‌ مقتضاه لحصول المغايره به، فاحفظ ذلك فانه عزيز، ‌و‌ ربما زل فيه كثير ‌من‌ الافهام، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ خصائص هذا الكتاب «و الله يقول الحق ‌و‌ ‌هو‌ يهدى السبيل».
 
الاقلاع عن الامر: الكف عنه، ‌و‌ اقلعت عنه الحمى: تركته.
 ‌و‌ الباء: للملابسه ‌و‌ المعنى انى ‌ما‌ استسلمت ‌و‌ انقدت لامرك وقت احسانك الا متلبسا بالكف عن عصيانك فقط، ‌و‌ لم تقع منى طاعه اخرى، ‌و‌ الغرض ‌من‌ ذلك الاقرار بانه لم يقم بجميع ‌ما‌ يقتضيه الاستسلام ‌من‌ امتثال الاوامر ‌و‌ اجتناب
 
المناهى، كما ‌هو‌ شان المستسلم المنقاد.
 ‌و‌ اما ‌ما‌ قيل: ‌من‌ ‌ان‌ المعنى انه مقر بانه غير منقاد ‌فى‌ وقت الاحسان الا بترك العصيان ‌و‌ لم يحصل منه الترك. فلا تفيده هذه العباره كما ‌لا‌ يخفى.
 نعم، لو قال: مقر لك بانى ‌لا‌ استسلم وقت احسانك الا بالاقلاع عن عصيانك بابدال «لم» ب«لا» كان المعنى المذكور محتملا.
 خلا الشى ء يخلو خلوا ‌و‌ خلاء: فرغ.
 ‌و‌ الحالات: جمع حاله بمعنى الحال، ‌و‌ هى ‌ما‌ يكون عليه الانسان ‌من‌ الصفه.
 ‌و‌ لم يجعل الجوهرى الحال ‌و‌ الحاله بمعنى، بل جعله ‌من‌ باب تمر ‌و‌ تمره، فقال: الحاله واحده حال الانسان. ‌و‌ ‌هو‌ غريب.
 ‌و‌ الامتنان: افتعال ‌من‌ المنه بمعنى الانعام ‌و‌ الاحسان، ‌و‌ الغرض الاقرار بانه عليه السلام لم يكن فارغا ‌فى‌ جميع حالاته، ‌لا‌ قبل استسلامه ‌و‌ ‌لا‌ بعده، ‌من‌ انعامه ‌و‌ احسانه تعالى.
 
ساء الشى ء يسوء سوء: قبح. ‌و‌ قيل: السوء: ‌ما‌ يظهر مكروهه لصاحبه، ‌و‌ القبيح: ‌ما‌ ليس للقادر عليه ‌ان‌ يفعله.
 ‌و‌ قيل: القبيح: ‌ما‌ يكون متعلق الذم ‌فى‌ العاجل ‌و‌ العقاب ‌فى‌ الاجل.
 ‌و‌ كسب الاثم ‌و‌ اكتسبه: تحمله.
 
قال الواحدى: ‌ان‌ الكسب ‌و‌ الاكتساب واحد. قال تعالى: «و ‌لا‌ تكسب كل نفس الا عليها».
 ‌و‌ قيل: الاكتساب اخص، لان الكسب لنفسه ‌و‌ لغيره، ‌و‌ الاكتساب ‌ما‌ يكتسب لنفسه خاصه.
 ‌و‌ قيل: ‌فى‌ الاكتساب مزيد اعتمال ‌و‌ تصرف، ‌و‌ لهذا خص بجانب الشر ‌فى‌ قوله تعالى: «لها ‌ما‌ كسبت ‌و‌ عليها ‌ما‌ اكتسبت»، دلاله على ‌ان‌ العبد ‌لا‌ يواخذ ‌من‌ السيئات الا بما عقد الهمه عليه ‌و‌ ربط القلب به، بخلاف الخير فانه يثاب عليه كيفما صدر عنه.
 قال الزمخشرى: فان قلت: لم خص الخير بالكسب، ‌و‌ الشر بالاكتساب؟ قلت: ‌فى‌ الاكتساب اعتمال، فلما كان الشر مما تشتهيه النفس ‌و‌ هى منجذبه اليه ‌و‌ اماره به، كانت ‌فى‌ تحصيله اعمل ‌و‌ اجد، فجعلت لذلك مكتسبه فيه، ‌و‌ لما لم تكن كذلك ‌فى‌ باب الخير ‌و‌ صفت بما ‌لا‌ دلاله فيه على الاعتمال انتهى.
 ‌و‌ الاصل ‌فى‌ الركوب ‌ان‌ يكون ‌فى‌ الدابه، ركبت الدابه ‌و‌ عليها ركوبا، ثم استعير ‌فى‌ الدين ‌و‌ الاثم، فقيل: ركبت الدين ‌و‌ ارتكبته: اذا اكثرت ‌من‌ اخذه، ‌و‌ ركبت الاثم ‌و‌ ارتكبته: اذا اكثرت ‌من‌ فعله ‌او‌ تخملته.
 قال ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز ركب ذنبا ‌و‌ ارتكبه، ‌و‌ هذا الاستفهام ‌من‌ باب تجاهل العارف ‌و‌ سوق المعلوم مساق غيره، ‌و‌ الا فالاقرار بالذنب ‌و‌ الاعتراف
 
بالمعصيه ‌فى‌ هذه الدار مما وردت النصوص القاطعه بانه ينفع ‌و‌ ينجى، كما ورد عن ابى جعفر عليه السلام: ‌و‌ الله ‌ما‌ ينجو ‌من‌ الذنوب الا ‌من‌ اقربها.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذا المعنى احاديث كثيره تقدم ذكر بعضها ‌فى‌ شرح عنوان هذا الدعاء، ‌و‌ النكته فيه الاعتراف باستعظام سوء ‌ما‌ اكتسبه ‌و‌ قبيح ‌ما‌ ارتكبه، حتى كانه ‌شك‌ لعظمته هل ‌هو‌ داخل ‌فى‌ الذنوب التى ينفع فيها الاقرار ‌و‌ ينجى منها الاعتراف؟ ‌ام‌ ‌هو‌ اعظم ‌من‌ ذلك؟ فاستفهم استفهام ‌من‌ ‌لا‌ يعلم.
 وجب الشى ء يجب وجوبا: لزم ‌و‌ ثبت، ‌و‌ اوجبه: الزمه ‌و‌ اثبته.
 ‌و‌ المقام بالفتح: موضع القيام، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد ‌به‌ المقام الحسى ‌و‌ المعنوى.
 ‌و‌ سخط سخطا بالفتح ‌و‌ التحريك- ‌من‌ باب تعب-: غضب، ‌و‌ السخط بالضم ‌و‌ السكون: اسم منه، ‌و‌ المراد بسخطه تعالى عقابه، ‌او‌ ‌هو‌ راجع الى اراده العقوبه.
 ‌و‌ لزم الشى ء يلزم لزوما- ‌من‌ باب علم-: ثبت ‌و‌ دام.
 ‌و‌ مقته مقتا- ‌من‌ باب قتل-: ابغضه اشد البغض عن امر قبيح، فيكون المراد ‌به‌ اشد عقابه تعالى ‌او‌ ارادته.
 
قد تقدم ‌ان‌ سبحان مصدر كغفران بمعنى: التنزيه، ‌و‌ ‌لا‌ يكاد يستعمل الا مضافا منصوبا باضمار فعله كمعاذ الله، فمعنى سبحانك انزهك تنزيها عما
 
لا يليق بجناب قدسك ‌و‌ ‌عز‌ جلالك، ‌و‌ ‌هو‌ مضاف الى المفعول، ‌و‌ جوز كونه مضافا الى الفاعل بمعنى: التنزه.
 ‌و‌ يئس ‌من‌ الشى ء يياس- ‌من‌ باب تعب-: قنط، فهو يائس ‌و‌ الشى ء مايوس منه على فاعل ‌و‌ مفعول، ‌و‌ المصدر الياس مثل فلس، ‌و‌ يجوز قلب الفعل دون المصدر، فيقال: ايس ياسا، هكذا قال بعض اهل اللغه.
 ‌و‌ قال الجوهرى: ايست ‌من‌ الشى ء آيس ياسا: لغه ‌فى‌ يئست منه اياس ياسا، ‌و‌ مصدرهما واحد انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: ايس منه كسمع اياسا: قنط، فجعل اياسا مصدر ايس.
 لكن قال ابن سيده ‌فى‌ محكم اللغه: اما يئس ‌و‌ ايس فالاخيره مقلوبه عن الاولى، لانه ‌لا‌ مصدر لايس، ‌و‌ ‌لا‌ يحتج باياس اسم رجل، فانه فعال ‌من‌ الاوس ‌و‌ ‌هو‌ العطاء، كما يسمى الرجل عطيه وهبه الله. انتهى.
 ‌و‌ الروايه ‌فى‌ الدعاء وردت بالوجهين «لا ايئس منك» على مستقبل ايس، ‌و‌ الاصل اياس بهمزتين الاولى للمضارعه ‌و‌ الثانيه فاء الكلمه، فلينت ‌و‌ قلبت ياء للاستثقال، ‌و‌ هذه الروايه هى المشهوره ‌فى‌ متون النسخ. «و ‌لا‌ اياس منك» على انه مستقبل يئس، ‌و‌ هى نسخه ابن ادريس رحمه الله.
 ‌و‌ لما كان ‌فى‌ استفهامه السابق عليه السلام ‌ما‌ يشم منه رائحه الياس ‌و‌ القنوط، حيث توقف مع الاعتراف ‌و‌ الاقرار ‌فى‌ العفو ‌و‌ التجاوز، مع علمه بسعه
 
رحمه الله تعالى، ‌و‌ منعه ‌من‌ القنوط، ‌و‌ وعده بمغفره الذنوب جميعا، نزهه عن ‌ان‌ يياس منه ‌و‌ يقنط ‌من‌ رحمته، ‌و‌ الحال انه قد فتح له باب التوبه الذى ‌من‌ دخله نجا ‌و‌ بلغ مارجا، فكيف يياس ‌من‌ عفوه ‌و‌ غفرانه؟ ‌ام‌ كيف يقنط ‌من‌ فضله ‌و‌ احسانه؟
 فالواو ‌من‌ قوله «و قد فتحت»: للحال.
 ‌و‌ فتح الباب: مستعار للامر بالتوبه ‌و‌ جعلها مدخلا الى عفوه ‌و‌ مرضاته تعالى.
 بل: حرف اضراب، فان تلاها جمله، كان معنى الاضراب اما الابطال لما قبلها نحو «و قالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون»، اى: بل ‌هم‌ عباد، ‌و‌ نحو «ام يقولون ‌به‌ جنه بل جاءهم بالحق».
 ‌و‌ اما الانتقال ‌من‌ غرض الى استئناف غرض آخر، نحو «قد افلح ‌من‌ تزكى ‌و‌ ذكر اسم ربه فصلى بل توثرون الحياه الدنيا»، ‌و‌ نحوه عباره الدعاء، اذ ليس الغرض ‌من‌ الاضراب فيها الا الانتقال ‌من‌ الكلام الاول الى معنى آخر، ‌و‌ هى ‌فى‌ ذلك كله حرف ابتداء ‌لا‌ عاطفه على الصحيح. ‌و‌ ‌ان‌ تلاها مفرد فهى عاطفه.
 ‌و‌ الظالم لنفسه: العاصى الذى بخس نفسه الثواب، اى: نقصها بمخالفه اوامر الله ‌و‌ ارتكاب مناهيه، ‌و‌ اصل الظلم النقص، قال تعالى: «كلتا الجنتين اتت اكلها ‌و‌ لم تظلم منه شيئا»، اى: لم تنقص.
 
و قيل: اصل الظلم وضع الشى ء ‌فى‌ غير موضعه، ‌و‌ ‌لا‌ ‌بد‌ فيه ‌من‌ تعدى ضرر، فالمخالف لاوامر الله المرتكب لمناهيه واضع للشى ء ‌فى‌ غير موضعه، لاستعماله قواه ‌فى‌ غير ‌ما‌ خلقت له ‌و‌ ‌هو‌ مضر بنفسه، فصح انه ظالم لنفسه.
 ‌و‌ استخف بحقه: استهان به، كانه عده خفيفا فلم يعبا به.
 ‌و‌ الحرمه بالضم: ‌ما‌ وجب القيام ‌به‌ ‌و‌ حرم التفريط فيه ‌و‌ لم يحل انتهاكه، ‌و‌ جميع التكاليف ‌و‌ احكام الله تعالى بهذه الصفه. ‌و‌ لاستخفاف بها عدم مراعاتها ‌و‌ القيام بها ‌و‌ ترك العمل بموجبها. ‌و‌ قد فسر قوله تعالى: «و ‌من‌ يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه» باحكامه ‌و‌ سائر ‌ما‌ ‌لا‌ يحل هتكه.
 ‌و‌ مقول القول قوله عليه السلام فيما ياتى: «اتوب اليك ‌فى‌ مقامى هذا»، ‌و‌ سياتى الكلام عليه.
 
الفاء: للتعقيب، ‌و‌ العطف بها يدل على ‌ان‌ بين العظم ‌و‌ الجلاله فرقا، لانهما لو كانا مترادفين- كما يظهر ‌من‌ كتب اللغه- لما جاز العطف بها، لان عطف الشى ء على مرادفه مما تختص ‌به‌ الواو، ‌و‌ ‌لا‌ يشاركها فيه غيرها ‌من‌ حروف العطف، فيمكن ‌ان‌ يعتبر العظم بحسب الكميه، كما يقال: جيش عظيم اذا كان كثير العدد، ‌و‌ الجلاله بحسب الكيفيه! فان الذنوب اذا كثرت ‌و‌ ترادفت عظم خطرها فصارت جليله.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌ان‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم نزل بارض قرعاء، فقال لاصحابه: ائتوا بحطب، فقالوا: ‌يا‌ رسول الله نحن بارض
 
قرعاء ‌ما‌ بها خطب، قال: فليات كل انسان بما قدر عليه، فجاوا ‌به‌ حتى رموه بين يديه بعضه على بعض، فقال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: هكذا تجتمع الذنوب.
 ‌و‌ ادبر الشى ء: خلاف اقبل، كانه ولى دبره، ‌و‌ ولى ‌و‌ تولى اى: ذهب، فالتولى بعد الادبار، فصح العطف بالفاء التعقيبيه، ‌و‌ اراد بايامه مده حياته.
 حتى هذه عند الجمهور هى الابتدائيه التى يبتدا بها الكلام، دخلت على الجمله الشرطيه ‌و‌ هى مع ذلك غايه لما قبلها، ‌و‌ ‌هو‌ هنا ‌ما‌ اعترف ‌به‌ ‌من‌ الظلم لنفسه ‌و‌ الاستخفاف بحرمه ربه ‌و‌ عظم ذنوبه ‌و‌ ادبار ايامه.
 ‌و‌ استشكل بعضهم مجى ء هذه الجمله الشرطيه ‌من‌ اذا ‌و‌ جوابها بعد حتى، ‌و‌ قال: كيف تكون حتى غايه ‌و‌ بعدها جمله الشرط؟
 ‌و‌ اجيب بان الغايه ‌فى‌ الحقيقه ‌هو‌ ‌ما‌ ينسبك ‌من‌ الجواب مرتبا على فعل الشرط، فالتقدير الاعرابى المعنوى فيما نحن فيه: بل اقول مقال ‌من‌ لم يزل ظالما لنفسه مستخفا بحرمه ربه، الى ‌ان‌ تلقاك بالانابه ‌و‌ اخلص لك التوبه، وقت رويته مده العمل قد انقضت ‌و‌ غايه العمر قد انتهت، الى آخره.
 ‌و‌ قيل: هى ‌فى‌ مثل ذلك غايه لجواب الشرط، على معنى انه لما راى مده العمل قد انقضت ‌و‌ غايه العمر قد انتهت تلقاك بالانابه.
 ‌و‌ زعم الاخفش ‌و‌ ابن مالك انها الجاره ‌و‌ ‌ان‌ اذا ‌فى‌ موضع جر بها، ‌و‌ على هذا فيكون تقدير الغايه: لم يزل ظالما لنفسه مستخفا بحرمه ربه الى وقت
 
رويته مده العمل قد انقضت، ‌و‌ هى على هذا ‌لا‌ جواب لها، لانها معموله لما قبلها، فيكون قوله: «تلقاك بالانابه» استئنافا ‌و‌ جواب سوال، كانه سئل فما كان منه اذ ذاك؟ فقال: تلقاك بالانابه.
 ‌و‌ العمل: فعل الانسان الصادر عن قصد ‌و‌ علم، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا ‌ما‌ يستحق ‌به‌ الثواب ‌و‌ ينجى ‌من‌ العقاب.
 ‌و‌ غايه الشى ء: مداه.
 ‌و‌ العمر: الحياه. ‌و‌ قوله: انقضت ‌و‌ انتهت ‌من‌ باب التعبير بالفعل عن مشارفته، اى: راى مده العمل قد شارفت الانقضاء ‌و‌ غايه العمر قد شارفت الانتهاء.
 ‌و‌ منه قوله تعالى: «و اذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فامسكوهن»، اى: فشار فن انقضاء العده، ‌و‌ مثله كثير ‌فى‌ القرآن المجيد.
 اليقين: العلم الذى ‌لا‌ ‌شك‌ فيه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ العلم الحاصل عن نظر ‌و‌ استدلال، ‌و‌ لذلك ‌لا‌ يسمى علم الله تعالى يقينا، ‌و‌ يقن الامر ييقن يقنا- ‌من‌ باب تعب-: اذا ثبت ‌و‌ وضح فهو يقين فعيل بمعنى فاعل، ‌و‌ يستعمل ايضا متعديا بنفسه ‌و‌ بالباء ‌و‌ بالهمزه ‌و‌ الباء، فيقال: يقنته ‌و‌ يقنت ‌به‌ ‌و‌ ايقنت به، ‌و‌ تيقنت ‌و‌ استيقنته: اذا علمته، ‌و‌ الاصل: ‌و‌ ايقن بانه ‌لا‌ محيص، فحذف الباء، ‌و‌ حذف حرف الجر مطرد مع ‌ان‌ ‌و‌ ان.
 ‌و‌ المحيص: الملجا ‌و‌ المنجى، ‌من‌ حاص يحيص حيصا: اذا عدل وحاد.
 
و قيل: ‌من‌ حاص الحمار اذا عدل بالفرار، ‌و‌ ‌هو‌ اما اسم مكان كالمبيت ‌و‌ المصيف، ‌او‌ مصدر كالمغيب ‌و‌ المشيب، ‌و‌ مثله المهرب.
 ‌و‌ قوله: «منك ‌و‌ عنك» اى: ‌من‌ امرك ‌و‌ عن امرك، ‌و‌ المراد ‌به‌ الموت.
 فان قلت: الم يكن موقنا قبل ذلك بانه ‌لا‌ محيص ‌و‌ ‌لا‌ مهرب له عنه حتى جعل ايقانه شرطا حاصلا لتلقيه تعالى بالانابه، كما يقتضيه العطف على الجمله الشرطيه، فيكون قد حصل له الايقان بعد ‌ان‌ لم يكن؟
 قلت: المراد انه ايقن بحلول الموت ‌به‌ عند ادبار ايامه ‌و‌ توليها، كما راى ‌ان‌ مده العمل قد انقضت ‌و‌ غايه العمر قد انتهت، فتحقق انه ‌لا‌ محيص ‌و‌ ‌لا‌ مهرب له عنه، بتاميل فسحه ‌فى‌ الاجل ‌و‌ رجاء نفس ‌فى‌ العمر، ‌او‌ ‌ان‌ نفسه قد استسلمت لحلوله بها فلم يكن لها نفره ‌و‌ ‌لا‌ مهرب عنه، كما ‌هو‌ شان المستسلم. ‌و‌ اما قبل ذلك فانه كان موقنا بانه سيحل ‌به‌ الموت، الا انه كان يومل الحياه ‌و‌ يرجو البقاء بعد، فكان ذلك كالمحيص ‌و‌ المهرب له عن حلوله، ‌او‌ ‌ان‌ نفسه كانت تحيد ‌و‌ تهرب نفره عنه بحسب الطبع، كما قال تعالى: «و جاءت سكره الموت بالحق ذلك ‌ما‌ كنت منه تحيد»، اى: تنفر ‌و‌ تهرب، ‌و‌ الخطاب فيه للانسان، فان النفره عنه شامله لكل فرد ‌من‌ افراده طبعا، ‌و‌ الله اعلم.
 تلقاه: استقبله، اى: وجه وجهه تلقاءه ‌و‌ قبله.
 ‌و‌ الانابه: الرجوع الى الله بالتوبه ‌من‌ اناب اذا اقبل ‌و‌ رجع.
 ‌و‌ اخلص لله العمل: لم يراء فيه ‌من‌ اخلص الماء ‌من‌ الكدر اذا صفا،
 
و خلص الشى ء ‌من‌ التلف خلوصا- ‌من‌ باب قعد-: سلم ‌و‌ نجا، كانه اصفاه ‌و‌ سلمه ‌من‌ شوب رياء ‌و‌ نفاق.
 ‌و‌ اخلاص التوبه: ‌ان‌ ياتى بها على طريقها لتصفو ‌و‌ تسلم مما ينافيها، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ يتوب عن القبائح لقبحها، نادما عليها، مغتما اشد الاغتمام لارتكابها، عازما على انه ‌لا‌ يعود ‌فى‌ قبيح ‌من‌ القبائح، موطنا نفسه على ذلك بحيث ‌لا‌ يلويه عنه صارف اصلا، فاذا تاب كذلك فقد اخلص التوبه.
 ‌و‌ عن اميرالمومنين عليه السلام: ‌ان‌ التوبه يجمعها سته اشياء: على الماضى ‌من‌ الذنوب الندامه، ‌و‌ للفرائض الاعاده، ‌و‌ ‌رد‌ المظالم ‌و‌ استحلال الخصوم، ‌و‌ ‌ان‌ تعزم على ‌ان‌ ‌لا‌ تعود، ‌و‌ ‌ان‌ تذيب نفسك ‌فى‌ طاعه الله تعالى كما ربيتها ‌فى‌ المعصيه، ‌و‌ ‌ان‌ تذيقها مراره الطاعه كما اذقتها حلاوه المعاصى.
 ‌و‌ فرق بعضهم بين الانابه ‌و‌ التوبه، فقال: الانابه ‌ان‌ يتوب العبد خوفا ‌من‌ عقوبته، ‌و‌ التوبه ‌ان‌ يتوب حياء ‌من‌ كرمه، فالاولى توبه انابه ‌و‌ الثانيه توبه استجابه.
 الفاء: للسببيه، فبسبب ذلك قام اليك، مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «فوكزه موسى فقضى عليه».
 ‌و‌ عدى القيام بالى لتضمينه معنى التوجه، اى: قام متوجها اليك.
 ‌و‌ الباء: للملابسه.
 ‌و‌ طهر الشى ء- ‌من‌ باب قتل ‌و‌ قرب- طهاره، ‌و‌ الاسم الطهر بالضم، ‌و‌ ‌هو‌ لغه
 
النقاء ‌من‌ الدنس ‌و‌ النجس، ‌و‌ يخص شرعا بالثانى.
 ‌و‌ نقى الشى ء ينقى- ‌من‌ باب تعب- نقاء بالفتح ‌و‌ المد ‌و‌ نقاوه: نظف ‌من‌ الوسخ ‌و‌ الدنس فهو نقى على فعيل.
 ‌و‌ المراد بطهاره القلب ‌و‌ نقاوته: نقاوه ‌من‌ الانجاس ‌و‌ الادناس الروحانيه، كالشرك ‌و‌ الجهل ‌و‌ سائر الاعتقادات ‌و‌ الاخلاق الذميمه، ‌و‌ يندرج ‌فى‌ طهارته ‌و‌ نقاوته نقاء سائر الجوارح لانه رئيسها.
 ‌و‌ دعا الله تعالى يدعوه دعاء: ابتهل اليه بالسوال ‌و‌ رغب فيما عنده ‌من‌ الخير.
 ‌و‌ الصوت: كيفيه قائمه بالهواء يحملها الى الصماخ.
 ‌و‌ حال الشى ء يحول حولا: اذا تغير عن طبعه ‌و‌ وصفه، ‌و‌ مثله استحال.
 ‌و‌ خفى الشى ء- ‌من‌ باب تعب- خفاء: استتر فهو خفى.
 ‌و‌ انما وصف الصوت بالحيلوله ‌و‌ الخفاء لما اعتراه ‌من‌ الخوف ‌و‌ الحياء، فان الخائف ‌و‌ المستحى ‌من‌ شانه ‌ان‌ يتغير صوته ‌و‌ يخفى كلامه، لضعف نفسه ‌و‌ انقباضها عن استعمال الايه على جارى عادتها، حتى ‌ان‌ بعضهم ينقطع صوته فلا يستطيع الكلام.
 
التطاطو: ‌هو‌ ‌ان‌ بذل ‌و‌ يخفض نفسه، ‌من‌ طاطا راسه اذا صوبه ‌و‌ خفضه، ‌و‌ ‌فى‌ حديث عثمان: تطاطات لكم تطاطا الدلاه، قال ابن الاثير: ‌اى‌ خفضت لكم نفسى كما يخفضها المستقون بالدلاء ‌و‌ تواضعت لكم ‌و‌ انحنيت، ‌و‌ الدلاه: جمع دال ‌و‌ ‌هو‌ الذى يستسقى بالدلو، كقاض ‌و‌ قضاه. انتهى.
 
و انحنى: انعطف ‌من‌ حنى العود يحنيه حنيا، ‌و‌ حناه يحنوه حنوا: عطفه.
 ‌و‌ نكس راسه- ‌من‌ باب قتل- ‌و‌ نكسه بالتثقيل: خفضه ‌و‌ طاطاه.
 ‌و‌ انثنى: انعطف ‌و‌ انحنى، ‌من‌ ثناه يثنيه ثنيا- ‌من‌ باب رمى-: اذا عطفه. ‌و‌ كل ذلك كنايه عن تواضعه ‌و‌ خشوعه ‌و‌ ذله له تعالى. ‌و‌ الجمله ‌فى‌ محل نصب على الحال، ‌و‌ يحتمل الاستئناف، كانه سئل ثم ‌ما‌ كان منه بعد ذلك؟ فقال: قد تطاطا لك فانحنى، الى آخره.
 رعش رعشا ‌و‌ رعشا- ‌من‌ باب تعب ‌و‌ منع-: اخذته الرعده ‌و‌ يتعدى بالهمزه فيقال: ارعشه الله، ‌و‌ ارتعش: ارتعد.
 ‌و‌ الخشيه: الخوف، ‌و‌ قيل: الخوف: تالم النفس ‌من‌ توقع العقاب.
 ‌و‌ الخشيه: الحاله الحاصله عند الشعور بعظمه الحق ‌و‌ هيبته، ‌و‌ سياتى الكلام على ذلك ‌فى‌ الروضه الثالثه ‌و‌ العشرين ‌ان‌ شاء الله تعالى.
 ‌و‌ اسناد الارعاش الى الخشيه ‌من‌ اسناد الفعل الى السبب، فان القوه المحركه اذا ضعفت لاعتراض الخوف ‌او‌ لوصول شى ء مفظع هائل، كالنظر ‌من‌ موضع عال ‌او‌ المشى على الحائط ‌او‌ مخاطبه محتشم مهيب، ‌او‌ غير ذلك مما يفيض القوى النفسانيه، ‌او‌ ‌غم‌ ‌او‌ حزن ‌او‌ فرح مشوش لنظام حركات القوه، عرضت الرعشه، ‌و‌ الغضب قد يفعل ذلك، لانه يحدث اختلافا ‌فى‌ حركه الروح، ‌و‌ خص الرجلين بالارعاش ايذانا بشده الخشيه ‌و‌ قوتها، لان الرعشه فيهما ‌لا‌ تحدث الا عن سبب قوى جدا ينفعل عنه الروح المحرك ‌فى‌ اسافل البدن انفعالا شديدا بخلاف اليدين.
 
يدل على ذلك قول الشيخ الرئيس ‌فى‌ القانون: قد تكون الرعشه ‌فى‌ اليدين دون الرجلين، لان الروح المحرك ‌فى‌ اسافل البدن اقوى ‌و‌ اشد، لحاجه تلك الاعضاء الى مثله، فلا تنفعل عن الاسباب التى ليست بقويه جدا انفعالا شديدا، ‌و‌ ‌ان‌ انفعلت الاله قوى على نهزها، ‌و‌ اليد ليست كذلك انتهى.
 فانظر ايها المتامل الى ملاحظته عليه السلام ‌فى‌ هذه العباره لهذه النكته الدقيقه، التى ‌لا‌ يطلع عليها ‌و‌ ‌لا‌ يفطن لها الا ‌من‌ اطلع على دقائق الطب ‌و‌ اسراره، ‌و‌ كشف عن خفى مسائله حجب استاره. ‌و‌ ‌هو‌ عليه السلام مع ذلك متوجه الى خطاب ربه ‌و‌ متبتل باعتراف ذنبه، ‌و‌ ‌هو‌ المقام الذى تذهل فيه العقول ‌و‌ الافهام ‌و‌ ترجف عنده القلوب ‌و‌ الاقدام، تعلم ‌ان‌ مثل ذلك ليس الا عن فيض ربانى ‌و‌ امداد سبحانى.
 ‌و‌ ‌كم‌ ‌فى‌ مطاوى كلامه عليه السلام ‌من‌ نكت ‌و‌ اسرار ‌لا‌ يدركها الا ‌من‌ انفتح له بصر الهدى ‌و‌ انقشعت عنه سحائب العمى، ففى كل معنى منه روض ‌من‌ المنى، ‌و‌ ‌فى‌ كل لفظ منه عقد ‌من‌ الدر. وفقنا الله تعالى للاطلاع عليها ‌و‌ هدانا بارشاده اليها.
 ‌و‌ غرق الشى ء ‌فى‌ الماء غرقا- ‌من‌ باب تعب-: رسب فيه فهو غرق ‌و‌ غارق ايضا، ‌و‌ يتعدى بالهمزه ‌و‌ التضعيف، فيقال: اغرقته ‌و‌ غرقته، ‌و‌ لما كانت كثره الدموع تغطى ‌و‌ تستر الخدين كما يستر الماء الكثير الغريق عبر عن ذلك بالتغريق ايذانا بكثرتها ‌و‌ دوام ذرفانها.
 
و الجمله ‌فى‌ محل نصب على الحال كالتى قبلها، ‌و‌ هى اما حال ‌من‌ فاعل دعاك كالاولى، كما ‌هو‌ مذهب الجمهور ‌من‌ جواز تعدد الحال، ‌او‌ ‌من‌ الضمير ‌فى‌ تطاطا فيكون ‌من‌ باب التداخل، ‌و‌ ذلك واجب عند ‌من‌ منع تعدد الحال، ‌و‌ العامل فيها على الاول دعاك، ‌و‌ على الثانى تطاطا، ‌و‌ تحتمل الاستئناف على قياس مامر.
 اى: يناديك، ‌من‌ دعوت زيدا اى: ناديته ‌و‌ طلبت اقباله، ‌و‌ مدخول الباء محذوف، ‌و‌ التقدير يدعوك بقوله ‌يا‌ ارحم الراحمين.
 ‌و‌ يا: حرف موضوع لنداء البعيد حقيقه ‌او‌ حكما، ‌و‌ قد ينادى بها القريب توكيدا.
 ‌و‌ قيل: هى مشتركه بين البعيد ‌و‌ القريب.
 ‌و‌ قيل: بينهما ‌و‌ بين المتوسط، قاله ابن هشام ‌فى‌ المغنى.
 ‌و‌ قال ابن المنير: ‌و‌ اصله صوت يهتف ‌به‌ لمن كان بعيدا منك، ثم استعمل ‌فى‌ كل نداء ‌و‌ ‌ان‌ قرب المنادى، كانك تقدر المخاطب ساهيا عنك، ‌و‌ كفى بالغفله بعدا فتوقظه بذلك الصوت ‌من‌ سنه السهو، ثم توذنه بخطابك ‌و‌ ‌ان‌ كان مصغيا بان الامر الذى بعده مهم عندك ‌و‌ كانك ‌فى‌ غفله عنه، فتزيده يقظه الى يقظه بالتصويت.
 
فان قلت: فقد استعمل هذا الحرف ‌فى‌ الدعاء، ‌و‌ قد علم ‌ان‌ الله تعالى ‌لا‌ يجوز عليه السهو ‌و‌ ‌لا‌ الغفله ‌و‌ ‌لا‌ البعد، فانه اقرب الى الداعى ‌من‌ حبل الوريد.
 قلت: قد استقر انها بالاتساع صارت موذنه باهتمام المتكلم بالمقصود، ‌و‌ الذى ياتى بعدها اعم ‌من‌ كون الساهى غافلا ‌او‌ حاضرا، ‌و‌ اظهار الاهتمام بالحاجه ‌من‌ قبيل الضراعه ‌و‌ الالحاح المطلوب ‌فى‌ الدعاء.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: ‌و‌ قول الداعى ‌فى‌ جواره ‌يا‌ رب ‌و‌ ‌يا‌ الله مع كونه اقرب اليه ‌من‌ حبل الوريد استقصار منه لنفسه، ‌و‌ استبعاد لها ‌من‌ مظان الزلفى، ‌و‌ ‌هو‌ اقناعى، لان الداعى يقول ‌فى‌ دعائه: ‌يا‌ قريبا غير بعيد، ‌و‌ ربما قال: ‌يا‌ ‌من‌ ‌هو‌ اقرب الى ‌من‌ حبل الوريد، فاين هذا ‌من‌ الانتصاب ‌فى‌ مقام البعد؟ انتهى كلام ابن المنير.
 ‌و‌ اجيب عن تعقبه كلام الزمخشرى بان هذا الكلام ‌من‌ الداعى غير مناف لانتصابه ‌فى‌ مقام البعد ‌و‌ ‌لا‌ بعيد منه، لان المراد استقصار نفسه ‌و‌ استبعادها مما يقربه الى رضوان الله تعالى. انتهى.
 ‌و‌ الجمله ‌فى‌ محل نصب على الحال ‌من‌ الضمير ‌فى‌ قوله: «فقام اليك»، كانه قال: فقام اليك ثم دعاك مناديا لك بقوله: ‌يا‌ ارحم الراحمين، ‌و‌ تقديمه النداء بهذا الوصف لانه الاهم بالمقام، لاشتماله على صفه الرحمه التى ‌لا‌ تساويها رحمه، ‌و‌ ‌لا‌ تكون توبه ‌و‌ ‌لا‌ عفو ‌و‌ ‌لا‌ غفران ‌و‌ ‌لا‌ فضل ‌و‌ ‌من‌ ‌و‌ احسان الا بعدها.
 
 
و ‌فى‌ الحديث: ‌ان‌ لله ملكا موكلا بمن يقول ‌يا‌ ارحم الراحمين، فمن قالها ثلاثا قال له الملك: ‌ان‌ ارحم الراحمين قد اقبل عليك فسل.
 ‌و‌ مر رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم برجل ‌و‌ ‌هو‌ يقول: ‌يا‌ ارحم الراحمين، فقال له: سل فقد نظر الله اليك.
 انتابه انتيابا: اتاه مره بعد اخرى ‌او‌ غدا عليه وراح.
 قال ‌فى‌ الاساس: ‌هو‌ ينتابنا ‌و‌ ‌هو‌ منتاب: مغاد مراوح.
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: انتابه اذا قصده مره بعد اخرى. ‌و‌ منه حديث الدعاء «يا ارحم ‌من‌ انتابه المسترحمون» انتهى.
 ‌و‌ استرحمه: ساله الرحمه.
 ‌و‌ عطف عليه عطفا- ‌من‌ باب ضرب-: اشفق ‌و‌ تحنن.
 ‌و‌ اطاف به: الم، اى: نزل به، ‌و‌ اطاف بالشى ء: احاط به، اى: استدار بجوانبه.
 ‌و‌ الانتياب: تمثيل لطلب المسترحمين منه الرحمه مره بعد اخرى، كما ينتاب المحتاج الغنى ‌و‌ يغاديه ‌و‌ يراوحه ‌فى‌ طلب حاجته.
 ‌و‌ الاطافه بمعنى الالمام، تمثيل لالتجاء المستغفرين ‌به‌ كما ينزل طالب الحاجه بمن يومل عنده نيلها، ‌و‌ بمعنى الاحاطه تمثيل لطلبهم المغفره منه ‌من‌ كل جهه كما
 
يحيط المحتاجون بمن يقوم بهم، قال الشاعر:
 اخوصبيه شعث يطيف بشخصه
 كوالح امثال اليعاسيب ضمر
 ‌و‌ قال ابوطالب رضى الله عنه ‌فى‌ مدحه عليه السلام:
 يطيف ‌به‌ الهلاك ‌من‌ ‌آل‌ هاشم
 فهم عنده ‌فى‌ نعمه ‌و‌ فواضل
 ‌و‌ تفضيله تعالى على غيره ‌فى‌ هذه الافعال ‌من‌ الرحمه ‌و‌ العطف ‌و‌ نحوها انما ‌هو‌ بالنظر الى عاده الناس ‌و‌ ضعف عقولهم، حيث يثبتون اصل تلك الافعال ‌فى‌ الجمله لغيره ايضا، فينبهون على الرجوع اليه تعالى بانه اكمل فيها ‌من‌ غيره، لان النفس الى الاكمل ارغب، ‌و‌ الا فلا نسبه بين الخالق ‌و‌ الخلق ‌و‌ ‌لا‌ بين فعله ‌و‌ فعلهم حتى يجرى فيه معنى التفضيل.
 وفر الشى ء يفر- ‌من‌ باب وعد-: تم ‌و‌ كمل، ‌و‌ وفرته وفرا- ‌من‌ باب وعد ايضا-: اتممته ‌و‌ اكملته، يتعدى ‌و‌ ‌لا‌ يتعدى، ‌و‌ المصدر فارق، ‌و‌ وفر المال- ‌من‌ باب كرم ‌و‌ وعد- وفرا ‌و‌ وفورا: كثر ‌و‌ اتسع فهو وفر، ‌و‌ يتعدى هذا بالتثقيل فيقال: وفره توفيرا، ‌و‌ اراده هذا المعنى هنا اظهر ‌من‌ الاول، اى: ‌يا‌ ‌من‌ رضاه اكثر ‌و‌ اوسع ‌من‌ سخطه.
 قيل: ‌و‌ انما قدم ذكر العفو ‌و‌ النقمه على الرضا ‌و‌ السخط لانهما ‌من‌ صفات الافعال كالاحياء ‌و‌ الاماته، ‌و‌ الرضا ‌و‌ السخط ‌من‌ صفات الذات، ‌و‌ صفات الافعال ادنى رتبه فترقى منها الى الاعلى.
 ‌و‌ هذا ‌لا‌ يصح على مذهب الاماميه، لان الرضا ‌و‌ السخط عندهم ‌من‌ صفات الافعال ايضا باجماع منهم، لانهم قالوا: كل شيئين متضادين وصفت الله تعالى بهما ‌و‌ هما ‌فى‌ الوجود فهما ‌من‌ صفات الفعل كالعفو ‌و‌ الانتقام ‌و‌ الرضا
 
و السخط، فانه يقال: عفا عمن تاب، ‌و‌ انتقم ممن اصر، ‌و‌ رضى عمن اطاعه، ‌و‌ سخط على ‌من‌ عصاه. فالرضا ‌و‌ السخط ‌من‌ صفات الفعل ‌لا‌ ‌من‌ صفات الذات، لانه ‌لا‌ يجوز وصفه تعالى بصفات الذات ‌و‌ بضدها، فلا يجوز ‌ان‌ يقال مثلا: ‌هو‌ عالم ‌و‌ جاهل ‌و‌ قادر ‌و‌ عاجز.
 ‌و‌ الحاصل: ‌ان‌ كل صفه توجد فيه سبحانه دون نقيضها فهى ‌من‌ الصفات الذاتيه، ‌و‌ كل صفه توجد فيه مع نقيضها فهى ‌من‌ الصفات الفعليه، فلا يصح التوجيه المذكور على مذهبنا.
 نعم قد يراد بالرضا العلم الازلى بالخيرات ‌و‌ بافاضتها ‌فى‌ اوقاتها، فيكون ‌من‌ صفاته الذاتيه التى ‌لا‌ تفارق الذات ‌فى‌ مرتبتها، لكن هذا المعنى غير مراد هنا، بل المراد ‌من‌ الرضا نفس الفعل الذى ‌هو‌ الاحسان ‌و‌ الاكرام، لمقابلته بالسخط الذى ‌هو‌ العقوبه ‌و‌ الانتقام، فتعين كونه ‌من‌ صفات الفعل.
 ‌و‌ الصواب ‌فى‌ توجيه تقديم العفو ‌فى‌ الذكر على الرضا ‌و‌ ‌ان‌ كان كلاهما ‌من‌ صفات الفعل: ‌ان‌ العفو ادنى رتبه ‌من‌ الرضا، لان الرضا يستلزم العفو ‌من‌ غير عكس، اذ قد يعفو السيد عن عبده ‌و‌ ليس عنه براض، فكان ذكره للعفو ثم الرضا ‌من‌ باب الترقى ‌من‌ الادنى الى الاعلى.
 قالوا: ‌و‌ معنى كون عفوه اكثر ‌من‌ نقمته ‌و‌ رضاه اوفر ‌من‌ سخطه، ‌ان‌ تعلق ارادته بايصال الرحمه اكثر ‌من‌ تعلقها بايصال العقوبه، فان الاول ‌من‌ مقتضيات صفته، ‌و‌ الغضب باعتبار المعصيه، كما قال تعالى: «و ‌ما‌ اصابكم ‌من‌ مصيبه فبما كسبت ايديكم ‌و‌ يعفو عن كثير»، فالرحمه ذاتيه ‌و‌ الغضب
 
عرضى، فلولا المعصيه ‌و‌ الكفر لم يكن غضب ‌و‌ لم يخلق جحيم، كما ‌دل‌ عليه قوله تعالى: «و ‌لا‌ تطغوا فيه فيحل عليكم غضبى».
 
تحمد: هنا بمعنى استحمد، يدل على ذلك قول الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: استحمد الله الى خلقه باحسانه اليهم ‌و‌ انعامه عليهم انتهى. ‌و‌ تفعل ترد بمعنى استفعل ‌فى‌ معنى الطلب، نحو: تنجزته، اى: استنجزته اذا طلبت نجازه، فتحمد الى خلقه ‌و‌ استحمد بمعنى طلب اليهم ‌ان‌ يحمدوه، كما قال تعالى: «و ‌قل‌ الحمد لله» «و اشكروا لى ‌و‌ ‌لا‌ تكفرون»، ‌و‌ انما عداه بالى- ‌و‌ الاصل ‌ان‌ يتعدى بنفسه- لتضمينه معنى خطب، اى: تحمدهم خاطبا اليهم حمده.
 ‌و‌ اما تفسيره بمعنى امتن، كما فعله كثير ‌من‌ المحشين ‌و‌ المترجمين، اخذا ‌من‌ قول الجوهرى ‌فى‌ الصحاح: فلان يتحمد على، اى، يمتن على، يقال: ‌من‌ انفق ماله على نفسه فلا يتحمد ‌به‌ على الناس. انتهى. فليس بصواب ‌و‌ ذلك لوجهين:
 احدهما: ‌ان‌ التحمد بمعنى الامتنان انما يعدى بعلى كما ‌هو‌ صريح عباره الجوهرى، ‌و‌ التحمد ‌فى‌ الدعاء معدى بالى فاختلف المعنى. يدل على ذلك قول الامام ابى الفضل الميدانى ‌فى‌ مجمع الامثال: قولهم: ‌من‌ انفق ماله على نفسه فلا يتحمد ‌به‌ على الناس، ‌و‌ يروى الى الناس، فمن وصله بعلى اراد فلا يمتن ‌به‌ على
 
الناس، ‌و‌ ‌من‌ وصله بالى اراد فلا يخطبن اليهم حمده. انتهى.
 الثانى: انه قد ورد ‌فى‌ دعائهم عليهم السلام تنزيهه تعالى عن الامتنان، كما سياتى ‌فى‌ دعاء وداع شهر رمضان «و لم تشب عطاءك بمن»، فلا يصح حمل التحمد هنا على معنى الامتنان، ‌و‌ ‌لا‌ حاجه الى التكلف ‌فى‌ الجواب ‌ان‌ معنى امتنانه كون نعمه جديره بان يمتن بها ‌و‌ الا فهو مبرا عن ذلك.
 فان قلت: فقد ورد الامتنان ‌فى‌ القرآن المجيد كثيرا، كقوله تعالى: «يا بنى اسرائيل اذكروا نعمتى التى انعمت عليكم»، ‌و‌ قوله تعالى: «و اذكروا اذ انتم قليل مستضعفون ‌فى‌ الارض» الايه، الى غير ذلك.
 قلت: هذا ‌و‌ نحوه ‌من‌ قبيل التنبيه على شكر النعمه ‌و‌ النهى عن كفرها، ‌و‌ ليس الغرض منه اعتداد النعمه كما يفعله المعتد بنعمه ‌و‌ المتطاول بها على المنعم عليه.
 ‌و‌ التجاوز: العوف ‌و‌ الصفح عن الذنب، ‌من‌ جازه يجوزه اذا تعداه ‌و‌ عبر عليه كانه لم يقف عنده.
 ‌و‌ حسن التجاوز عباره عن الصفح الجميل. ‌و‌ عن على عليه السلام: ‌ان‌ الصفح الجميل ‌هو‌ العفو ‌من‌ غير عتاب ‌و‌ كذلك روى عن الرضا عليه السلام.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ العفو بغير تعنيف ‌و‌ توبيخ، ‌و‌ ‌فى‌ بعض الاخبار: ربما اتى العبد ‌فى‌
 
صحيفته يوم القيامه على عظيمه كان اقترفها يشق عليه النظر اليها، فتدركه رحمه ربه فتستر عليه تلك العظيمه، ‌و‌ يقال له: جاوزها لانه كان دعاوه ايام الحياه ‌يا‌ عظيم العفو ‌يا‌ حسن التجاوز.
 ‌و‌ عوده كذا فاعتاده ‌و‌ تعوده: ‌اى‌ صيره له عاده اى: ديدنا يعود اليه، اى: جعل لهم قبول الرجوع كلما رجعوا اليه عن ذنوبهم عاده. ‌و‌ فيه اشاره الى قوله تعالى: «و ‌من‌ يعمل سوءا ‌او‌ يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما».
 ‌و‌ عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم انه قال: ‌ان‌ الله ‌لا‌ ينام ‌و‌ ‌لا‌ ينبغى له ‌ان‌ ينام، باسط يده لمسى ء النهار ‌ان‌ يتوب بالليل، ‌و‌ لمسى ء الليل ‌ان‌ يتوب بالنهار.
 ‌و‌ عن ابى جعفر عليه السلام: كلما عاد المومن بالاستغفار ‌و‌ التوبه عاد الله عليه بالمغفره، ‌و‌ ‌ان‌ الله غفور رحيم ‌و‌ يقبل التوبه ‌و‌ يعفو عن السيئات. ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى ‌لا‌ تكاد تحصى.
 ‌و‌ استصلح الشى ء: طلب صلاحه، اى: فتح لهم باب التوبه ‌و‌ شرعها لهم، ليصلح ‌ما‌ افسدته الذنوب ‌و‌ المعاصى منهم، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ الذنب بمنزله المرض العارض ‌فى‌ النفس، ‌و‌ التوبه بمثابه معالجتها حتى تصلح ‌و‌ تعود الى صحتها.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: لكل شى ء دواء ‌و‌ دواء الذنوب الاستغفار.
 ‌و‌ روى ابن عباس عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم انه قال: لم ار شيئا احسن طلبا ‌و‌ ‌لا‌ اسرع ادراكا ‌من‌ حسنه حديثه لذنب قديم، ‌ان‌ الحسنات يذهبن
 
السيئات ذلك ذكرى للذاكرين.
 قال بعض العلماء: سيئه العبد ظلمه ‌و‌ توبته حسنه ‌و‌ هى نور ‌من‌ انوار ايمانه، ‌و‌ ادراك النور الظلمه اسرع شى ء، كالصبح ‌و‌ الليل اذا حط عن الصبح نقابه نصل ‌من‌ الليل خضابه.
 كالليل يطلبه النهار بضوئه
 فظلامه بضيائه مطرود
 رضى بالشى ء: قنع ‌به‌ ‌و‌ لم يطلب معه غيره.
 ‌و‌ اليسير: القليل، ‌من‌ يسر يسرا- ‌من‌ باب قرب-: ‌اى‌ ‌قل‌ فهو يسير، ‌و‌ رضاه تعالى باليسير ‌من‌ فعل عباده عباره عن تكليفهم اقل مما ‌هو‌ ‌فى‌ قدرتهم ‌و‌ طاقتهم، الا ترى انه كان ‌من‌ امكان الانسان ‌و‌ طاقته ‌ان‌ يصلى اكثر ‌من‌ الخمس ‌و‌ يصوم اكثر ‌من‌ الشهر ‌و‌ يحج اكثر ‌من‌ حجه، ولكنه تعالى ‌ما‌ جعل ‌فى‌ الدين ‌من‌ حرج، لكمال رحمته ‌و‌ شمول رافته، فما كلفهم ‌به‌ قليل بالنسبه الى ‌ما‌ يستطيعونه، ‌و‌ تكليفهم بذلك رضا منه به.
 ‌و‌ كافاه مكافاه ‌و‌ كفاء بالكسر ‌و‌ المد: جازاه، ‌و‌ ‌هو‌ مهموز اللام، الا ‌ان‌ الروايه ‌فى‌ الدعاء وردت بدون الهمزه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ باب قلب الهمزه الفا، ‌و‌ ‌هو‌ كثير ‌فى‌ كلامهم.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذه الفقره اشاره الى قوله تعالى: «للذين احسنوا الحسنى ‌و‌ زياده»،
 
و قوله تعالى: «ليوفيهم اجورهم ‌و‌ يزيدهم ‌من‌ فضله»، ‌و‌ نحو ذلك مما ورد ‌به‌ النص القاطع بمضاعفه الثواب ‌و‌ زياده الاجر على ‌ان‌ اقل قليل منه اكثر ‌من‌ كثير العمل، اذ ‌لا‌ نسبه بين المتناهى المنقطع ‌و‌ غير المتناهى الباقى لولا فضل الله وسعه جوده ‌و‌ كرمه ‌و‌ الله غنى كريم.
 ضمنت الشى ء- ‌من‌ باب علم-: تكلفت به، ‌و‌ ضمنت المال ضمانا: التزمته.
 ‌و‌ اجاب الله دعاءه: قبله، ‌و‌ استجاب له كذلك، اى: تكفل ‌و‌ التزم لهم قبول الدعاء، ‌و‌ فيه اشاره الى قوله تعالى: «ادعونى استجب لكم»، ‌و‌ قوله تعالى: «و اذا سئلك عبادى عنى فانى قريب اجيب دعوه الداع اذا دعان».
 ‌و‌ الوعد: ‌هو‌ الخبر عن ايصال نفع الى الغير ‌او‌ دفع ضرر عنه ‌فى‌ المستقبل، سواء كان النفع مستحقا ‌او‌ لا، ‌و‌ عداه بعلى لتضمينه معنى الايجاب، اى: وعدهم موجبا على ذاته الشريفه ايجاب كرم ‌و‌ تفضل.
 ‌و‌ حسن الجزاء: ‌هو‌ حسن الثواب على الاعمال، كما قال تعالى: «و الله عنده حسن الثواب».
 قيل: ‌هو‌ ‌ما‌ ‌لا‌ يبلغه وصف واصف ‌و‌ ‌لا‌ يدركه نعت ناعت، مما ‌لا‌ عين رات ‌و‌ ‌لا‌ اذن سمعت ‌و‌ ‌لا‌ خطر على قلب بشر.
 
و قيل: حسنه ‌فى‌ دوامه ‌و‌ سلامته ‌من‌ كل شوب ‌و‌ ‌من‌ النقصان، الا ترى الى قوله تعالى: «فاتاهم الله ثواب الدنيا ‌و‌ حسن ثواب الاخره» كيف وصف ثواب الاخره بالحسن، ‌و‌ لم يصف ‌به‌ ثواب الدنيا، لامتزاجه بالمضار ‌و‌ كدر صفوه بالانقطاع ‌و‌ الزوال، بخلاف ثواب الاخره.
 قال القفال: يحتمل ‌ان‌ يكون الحسن ‌هو‌ الحسن، كقوله تعالى: «و قولوا للناس حسنا» ‌و‌ الغرض منه المبالغه، كما يقال: فلان جود ‌و‌ عدل اذا كان غايه ‌فى‌ الجود ‌و‌ نهايه ‌فى‌ العدل، ‌و‌ ثواب الله كله حسن فما ظنك بحسنه.
 
 تبصره
 
 قال بعض ارباب القلوب: ‌لا‌ ريب ‌ان‌ اللذه العقليه اتم ‌و‌ اعظم ‌من‌ الحسيه بما ‌لا‌ يتناهى، ‌و‌ الترقى الى الله سبحانه بالاعمال الحميده ‌و‌ الاخلاق المجيده ‌و‌ لذه مناجاته السعيده ‌من‌ افضل الكمالات ‌و‌ اعظم اللذات، فمن العجب كيف جعل الله على طاعته ‌و‌ ‌ما‌ يقرب اليه جزاء، فان الدال على الهدى فضلا عن الموفق ‌و‌ الممد على فعله اولى بان يكون له الجزاء ‌لا‌ عليه، لكن بسطه جوده وسعه رحمته اقتضى الامرين معا، قال تعالى: «هل جزاء الاحسان الا الاحسان»، فانظر كيف افاد احسانا ‌و‌ سماه جزاء؟ واقض ‌حق‌ العجب ‌من‌ ذلك، ‌و‌ اشكر ‌من‌ سلك بك هذه المسالك.
 
الجمله الاولى ‌فى‌ محل نصب بالقول المقدر المجرور بالباء ‌من‌ قوله فيما تقدم: «يدعوك بيا ارحم الراحمين»، ‌اى‌ بقوله: ‌يا‌ ارحم الراحمين ‌ما‌ انا باعصى ‌من‌ عصاك ‌و‌ ‌ما‌ بعدها معطوف عليها.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ «فغفرت له»: عاطفه مفيده للتعقيب.
 ‌و‌ وهم ‌من‌ قال: انها رابطه لشبه الجواب بشبه الشرط، اذ ‌لا‌ يترتب لزوم الغفران على العصيان كما يترتب لزوم الدرهم على الاتيان ‌فى‌ قولك: ‌من‌ ياتينى فله درهم، ‌و‌ الا لزم الغفران لكل عاص، ‌و‌ ‌هو‌ باطل.
 ثم الفاء الرابطه لشبه الجواب بشبه الشرط مختصه بالخبر كالمثال المذكور، ‌و‌ هى هنا عاطفه داخله على المعطوف، ‌و‌ الرابطه قسيمه للعاطفه ‌لا‌ قسم منها، فكيف يدعى انها رابطه؟ نسال الله الهدايه الى سلوك جاده الصواب بمنه ‌و‌ كرمه.
 ‌و‌ الوم: افعل تفضيل ‌من‌ لامه يلومه لوما اى: عذله، ‌و‌ هذا مما استعمل فيه اسم التفضيل لتفضيل المفعول على غيره، ‌و‌ ‌ان‌ كان القياس كونه للفاعل، لكنه قد سمع ‌فى‌ المفعول ايضا.
 قال ابن الحاجب: ‌و‌ قياسه للفاعل، ‌و‌ قد جاء للمفعول نحو: اعذر ‌و‌ الوم اى: اكثر معذوريه ‌و‌ ملوميه، ‌و‌ روى: ‌و‌ ‌ما‌ انا بالام بالهمزه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ اللوم بالضم ‌و‌ الهمزه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ضد‌ الكرم ‌و‌ النجابه.
 ‌و‌ اعتذر اليه: طلب قبول معذرته، ‌و‌ هى الحجه التى بها رفع اللوم عنه. ‌و‌ جميع
 
المعاذير ‌لا‌ تنفك عن ثلاثه اوجه:
 اما ‌ان‌ يقول المعتذر: لم افعل، ‌او‌ يقول: فعلت لاجل كذا فيبين ‌ما‌ يخرجه عن كونه ذنبا مطلقا ‌او‌ عن كونه عتوا ‌و‌ استكبارا، ‌او‌ يقول: فعلت ‌و‌ ارجو العفو.
 اما الاول فلا يجوز مع الله تعالى، لانه ‌لا‌ يخلو ‌من‌ ‌ان‌ يكون صادقا ‌فى‌ انكاره فهو برى ء الساحه، ‌و‌ الله سبحانه اكرم ‌من‌ ‌ان‌ يعاتب ‌او‌ يعاقب ‌من‌ يكون كذلك، ‌و‌ اما ‌ان‌ يكون كاذبا جاحدا فهو تعالى ‌لا‌ تخفى عليه خافيه، فلا يصح الانكار ‌و‌ الجحود.
 ‌و‌ اما القسمان الاخران فيجوزان، اما الثانى فكان يقول: فعلت لاجل اعتمادى على حلمك ‌و‌ كرمك، فيخرج ارتكابه للذنب عن كونه تجريا منه على الله ‌و‌ استخفافا لامره ‌و‌ نهيه ‌و‌ تهاونا بوعيده، الا ترى الى قول بعض المحققين ‌من‌ المفسرين ‌فى‌ قوله تعالى: «يا ايها الانسان ‌ما‌ غرك بربك الكريم»: انه ‌من‌ باب تلقين الحجه.
 قال امين الاسلام الطبرسى ‌فى‌ مجمع البيان: انما قال سبحانه: الكريم دون سائر اسمائه ‌و‌ صفاته، لانه كانه لقنه الاجابه حتى يقول: غرنى كرم الكريم.
 ‌و‌ عن الفضيل ‌بن‌ عياض: اذا قال لى ‌ما‌ غرك بربك الكريم؟ اقول: غرنى ستورك المرخاه.
 ‌و‌ قال يحيى ‌بن‌ معاذ: اذا اقامنى الله بين يديه فقال: ‌ما‌ غرك بى؟ اقول:
 
غرنى بك برك سالفا ‌و‌ آنفا.
 ‌و‌ عن بعضهم: اقول غرنى حلمك.
 ‌و‌ عن على عليه السلام: انه دعا غلامه مرات فلم يجبه، فنظر فاذا ‌هو‌ بالباب، فقال: لم لم تجيبنى؟ فقال: لثقتى بحلمك ‌و‌ امنى ‌من‌ عقوبتك، فاستحسن جوابه ‌و‌ اعتقه.
 ‌و‌ اما الثالث فهو الاقرار، ‌و‌ ‌من‌ اقر فقد استوجب العفو لحسن ظنه، ‌و‌ قد تقدم ‌ما‌ ورد فيه ‌و‌ انه ‌لا‌ نجاه ‌من‌ الذنوب الا به.
 ‌و‌ التوبه ‌ان‌ يقول: فعلت ‌و‌ ‌لا‌ اعود، ‌و‌ لها شرائط مقرره فرضا ‌و‌ نفلا.
 ‌و‌ عاد عليه بمعروفه اى: افضل، ‌و‌ الاسم: العائده، اى: فعدت عليه بمعروفك ‌من‌ قبول توبته ‌او‌ رضاك عنه.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ العفو ‌من‌ الله سبحانه اما ‌ان‌ يكون ابتداء منه تعالى ‌و‌ ‌هو‌ العفو مع الاصرار، كما قال تعالى: «و ‌ان‌ ربك لذو مغفره للناس على ظلمهم»، ‌و‌ قد سمع رجل حكيما يقول: ذنب الاصرار اولى بالاغتفار، فقال: صدق، ليس فضل ‌من‌ يعفو عن السهو القليل كمن عفا عن العمل الجليل. ‌و‌ الى هذا القسم وقعت الاشاره بالفقره الاولى ‌و‌ هى قوله عليه السلام: «ما انا باعصى ‌من‌ عصاك فغفرت له».
 ‌و‌ اما ‌ان‌ يكون عن اعتذار ‌و‌ اقرار، ‌و‌ اليه الاشاره بالفقره الثانيه.
 
و اما ‌ان‌ يكون عن توبه ‌و‌ استغفار، ‌و‌ اليه الاشاره بالفقره الثالثه، ‌و‌ الله اعلم.
 
الجمله ‌فى‌ محل نصب على انها مفعول للقول ‌من‌ قوله عليه السلام فيما سبق: «بل اقول مقال العبد الذليل»، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون مفسره للمقال فلا محل لها ‌من‌ الاعراب، ‌و‌ صح وقوعها مفسره مع كونها انشائيه لكون المفسر مفردا موديا عن جمله، كقوله تعالى: «و اسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا الا بشر مثلكم»، فان جمله الاستفهام مفسره للنجوى لكونه مفردا موديا عن جمله.
 ‌و‌ الندم: تمنى الانسان ‌ان‌ ‌ما‌ وقع منه لم يقع.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ الغم اللازم لصاحبه بسبب ‌ما‌ اطلع عليه ‌فى‌ العاقبه ‌من‌ سوء آثاره.
 ‌و‌ فرط منه كلام يفرط- ‌من‌ باب قتل-: سبق ‌و‌ تقدم.
 ‌و‌ اشفقت ‌من‌ كذا: حذرت فانا مشفق، ‌و‌ حكى ابن دريد شفقت ايضا- ‌من‌ باب ضرب- فقال: شفقت ‌و‌ اشفقت اذا حاذرت، ‌و‌ انكر ‌جل‌ اهل اللغه ذلك، ‌و‌ قالوا: ‌لا‌ يقال الا اشفقت بالالف. ‌و‌ اما قوله: كما شفقت على الزاد العيال فمعناه بخلت به.
 ‌و‌ قد تقدم تفسير الحياء ‌فى‌ اوائل هذه الروضه.
 ‌و‌ المراد بخالصه كونه ‌من‌ الله تعالى ‌لا‌ ‌من‌ مطلع عليه غيره.
 
و ‌من‌ ‌فى‌ قوله «مما وقع فيه»: للسببيه، كقوله تعالى: «مما خطيئاتهم اغرقوا»، اى: لاجل ‌ما‌ وقع فيه اى: سقط، شبه الذنوب ‌و‌ المعاصى ‌و‌ التقصير بالمهاوى التى يسقط فيها فعبر عن ارتكابها بالوقوع فيها على طريق الاستعاره.
 قال بعض العلماء: الحياء على وجوه:
 حياء الجنايه: كحياء آدم نودى: افرار منا؟ قال: بل حياء منك.
 ‌و‌ حياء التقصير: كالملائكه يقولون: سبحانك ‌ما‌ عبدناك ‌حق‌ عبادتك. قيل: عند رويه الالاء ‌و‌ التقصير يتولد بينهما حال للعبد يسمى الحياء.
 ‌و‌ حياء الاجلال: ‌و‌ ذلك كحياء اسرافيل يتغطى بجناحيه حياء حتى يصير ‌من‌ الحياء كالوصع ‌و‌ ‌هو‌ طائر اصغر ‌ما‌ يكون. ‌و‌ لهذا يقال: الحياء ذوبان الحشاء لاطلاع المولى.
 ‌و‌ قيل: ‌ان‌ الحياء مقسوم بين اربعه اشياء:
 احدها: النفس، ‌و‌ حياوها ‌من‌ العصيان اذا كان ذلك بمراى ‌من‌ الرحمن، قال تعالى: «ما يكون ‌من‌ نجوى ثلاثه الا ‌هو‌ رابعهم»، ‌و‌ قيل: اشد الحياء حياء النفس ‌من‌ قله الحياء يوم كشف الغطاء.
 ‌و‌ الثانى: الروح، ‌و‌ حياوها ‌من‌ قله الاحسان، قال تعالى: «و احسن كما احسن الله اليك»، ‌و‌ قيل ‌فى‌ تفسير قوله تعالى: «و المستغفرين بالاسحار»: ‌ان‌ ذلك للحياء ‌من‌ عيوب الطاعات ‌و‌ ‌ما‌ كان ‌من‌ القيام بالليل.
 
و الثالث: العقل، ‌و‌ حياوه ‌من‌ النسيان، كما حكى الله عن قوم قولهم: «قال ربى لم حشرتنى اعمى ‌و‌ قد كنت بصيرا قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها».
 ‌و‌ الرابع: السر، ‌و‌ حياوه ‌من‌ الالتفات الى كل ‌من‌ على وجه الارض، كما حكى بعضهم قال: خرجنا ليله فمررنا باجمه، فاذا رجل نائم ‌و‌ فرسه عند راسه يرعى، فحركناه ‌و‌ قلنا له: ‌يا‌ فتى الا تخاف تنام ‌فى‌ مسبعه؟ فرفع راسه ‌و‌ قال: انا استحى منه ‌ان‌ اخاف غيره. ‌و‌ ربما زاد حياء السر على الالتفات الى الغير، ‌و‌ اوجب الحياء ‌من‌ الاقبال على الحبيب ‌و‌ النظر اليه، كما قال:
 تتوق اليك النفس ثم اردها
 حياء ‌و‌ مثلى بالحياء حقيق
 على كل حال استحيك ‌و‌ اتقى
 ‌و‌ ‌ان‌ طار ‌من‌ قلبى اليك فريق.
 
تعاظمه الامر: عظم عليه، ‌و‌ استصعب عليه الامر: صعب، ‌و‌ استصعب الامر: اذا وجدته صعبا.
 ‌و‌ المراد هنا المعنى الاول اى: ‌لا‌ يستصعب عليك. ‌و‌ عداه بنفسه لتضمينه معنى يتكادك، ‌و‌ انما الاصل فيه ‌ان‌ يتعدى بعلى، ‌و‌ مثله قوله تعالى: «و ‌لا‌ تعزموا عقده النكاح»، عدى تعزموا بنفسه ‌و‌ انما اصل العزم ‌ان‌ يتعدى بعلى لتضمينه معنى تنووا، اى: ‌لا‌ تنووا عقده النكاح.
 ‌و‌ احتملته على افتعلته بمعنى: حملته، ثم استعمل بمعنى العفو ‌و‌ الاغضاء. قال
 
الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز حملت ادلاله على ‌و‌ احتملته ‌و‌ احتمل ‌ما‌ كان منه ‌و‌ ‌لا‌ تعاتبه.
 ‌و‌ جنى جنايه: اذنب ذنبا يواخذ عليه، ‌و‌ عرفوا الجنايه بانها كل فعل محظور يتضمن ضررا على النفس ‌او‌ غيرها. ‌و‌ غلبت الجنايه ‌فى‌ السنه الفقهاء على الجرح ‌و‌ القطع ‌و‌ الجمع جنايات، ‌و‌ اما جنايا مثل عطايا فقليل.
 ‌و‌ فحش الشى ء فحشا: مثل قبح قبحا وزنا ‌و‌ معنى، ‌و‌ ‌فى‌ لغه- ‌من‌ باب قتل-، ‌و‌ كل شى ء جاوز الحد فهو فاحش، ‌و‌ منه: غبن فاحش اذا جاوزت الزياده ‌ما‌ يعتاد مثله، ‌و‌ كلا المعنيين هنا محتمل، اى: الجنايات القبيحه ‌او‌ المتجاوزه للحد.
 ‌و‌ تكاده الشى ء على تفاعل ‌و‌ تكاده على تفعله: صعب عليه وشق، ‌و‌ وردت الروايه ‌فى‌ الدعاء بالوجهين.
 ‌و‌ هذه الفقرات الثلاث بمعنى واحد، ‌و‌ انما اورده بعبارات شتى بسطا للكلام حيث الاصغاء مطلوب، ‌و‌ اهتماما بالغرض الذى ‌هو‌ وصف عظمه عفوه ‌و‌ اتساع مغفرته، فان جرائم العباد ‌و‌ آثام اهل العناد ‌فى‌ جنب عظمه عفوه ‌و‌ غفرانه كقطره ‌فى‌ جنب بحر بل اقل منها.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث المشهور عن انس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم يقول: قال الله تعالى: يابن آدم انك ‌ما‌ دعوتنى ‌و‌ رجوتنى غفرت لك ‌ما‌ كان منك ‌و‌ ‌لا‌ ابالى، يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك،
 
يابن آدم لو اتيتنى بقراب الارض خطايا ثم لقيتنى ‌لا‌ تشرك ‌بى‌ شيئا لاتيتك بقرابها مغفره.
 ‌و‌ ‌ما‌ احسن قول القائل ‌فى‌ هذا المعنى:
 ‌و‌ لما قسى قلبى ‌و‌ ضاقت مذاهبى
 جعلت رجائى نحو عفوك سلما
 تعاظمنى ذنبى فلما قرنته
 بعفوك ربى كان عفوك اعظما
 محبه الله للعباد بمعنى رحمته لهم ‌و‌ ارادته للجميل بهم ‌و‌ مدحه ‌و‌ انعامه عليهم.
 ‌و‌ قال شيخنا البهائى ‌فى‌ شرح الاربعين: معنى محبه الله للعبد ‌هو‌ كشف الحجاب عن قلبه، ‌و‌ تمكينه ‌من‌ ‌ان‌ يطا على بساط قربه، فانما يوصف ‌به‌ سبحانه انما يوخذ باعتبار الغايات ‌لا‌ باعتبار المبادى. انتهى. ‌و‌ قد سبق منا ‌فى‌ المحبه كلام شاف فليرجع اليه.
 ‌و‌ تكبر ‌و‌ استكبر: اعتقد ‌فى‌ نفسه انها كبيره، ‌و‌ استكبر ‌و‌ تكبر: راى انه اكبر منه.
 قال بعضهم: ‌و‌ الاستكبار على الله كنايه عن ترك سواله ‌و‌ الخشوع له، ‌و‌ ‌لا‌ يراد ‌به‌ حقيقته، اذ ‌لا‌ يستكبر عليه احد ‌من‌ القائلين بوجوده ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ حقيقه.
 ‌و‌ على هذا فمعنى ترك الاستكبار عليه ‌ان‌ يعرف العبد قدر نفسه بالنسبه الى ربه ‌و‌ خالقه ‌و‌ رازقه ‌و‌ مدبره، فيقيمها ‌فى‌ مقام طاعته ‌و‌ يبعدها عن مقام معصيته،
 
و يذكره ‌فى‌ جميع الحالات بقلب سليم ذليل منقاد، راضيا بجميع ‌ما‌ فعله ‌من‌ البلاء ‌و‌ الالاء، فمن فعل ذلك فقد ترك الاستكبار على الله تعالى ‌و‌ تواضع له، فكان احب عباده اليه.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام قال: فيما اوحى الله الى داود عليه السلام: ‌يا‌ داود كما ‌ان‌ اقرب الناس الى الله المتواضعون، كذلك ابعد الناس ‌من‌ الله المتكبرون.
 ‌و‌ جانب الشى ء مجانبه: باعده ‌و‌ تركه، ‌و‌ معنى المجانبه: كون كل ‌من‌ الشيئين ‌فى‌ جانب، ‌و‌ استعملت ‌فى‌ الترك لانه اذا ترك الشى ء فكانه صار ‌فى‌ جانب ‌و‌ ذلك الشى ء ‌فى‌ جانب آخر.
 ‌و‌ الاصرار: ملازمه الامر ‌و‌ المداومه عليه، ‌و‌ اشتهر استعماله ‌فى‌ الذنوب ‌و‌ المعاصى، ‌و‌ قد تقدم الكلام عليه مبسوطا.
 ‌و‌ لازمه ملازمه ‌و‌ لزمه ايضا: تعلق به.
 ‌و‌ لما كان الاستغفار ‌هو‌ طلب غفر الذنوب ‌و‌ سترها على العبد ‌ان‌ يفتضح بها، ‌و‌ ذلك انما يكون بمحوها ‌من‌ لوح نفسه، كان المستغفر المخلص التارك للاصرار الملازم للاستغفار ماحيا لخطاياه باستغفاره عن لوح نفسه، ‌و‌ بذلك يكمل استعداده لمحبه الله تعالى ‌و‌ افاضه رحمته عليه ‌فى‌ الدنيا بانزال البركات ‌و‌ ‌فى‌ الاخره برفع الدرجات.
 
ابرا اليك: ‌اى‌ اتباعد.
 
قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: برى ‌من‌ المرض ‌و‌ برا فهو بارى، ‌و‌ معناه: مزايله المرض اى: مفارقته ‌و‌ التباعد منه، ‌و‌ منه برى ‌من‌ كذا براءه. انتهى.
 وعداه بالى لتضمينه معنى الالتجاء، اى: ابرا ملتجا اليك ‌من‌ الاستكبار.
 ‌و‌ اعوذ بك اى: اعتصم.
 ‌و‌ التقصير ‌فى‌ الامر: التوانى فيه ‌و‌ عدم الاهتمام به.
 ‌و‌ الاستعانه: طلب المعونه، يقال: استعان ‌به‌ ‌و‌ استعانه فاعانه اى: صار عونا له، اى: ظهيرا له.
 ‌و‌ عجز عن الشى ء عجزا- ‌من‌ باب ضرب-: ضعف عنه.
 ثم المسوول هنا ‌هو‌ المعونه على ‌ما‌ عجز عنه ‌من‌ الطاعات ‌و‌ الامور الدينيه، كما يقتضيه المقام ‌و‌ يناسب حال التائب المستغفر، فان استعانته مسبوقه بملاحظه ‌ما‌ ضعف عنه ‌من‌ الطاعات، فيستعينه على اعداده له بافاضه قوه عليه يستعد بها لايقاعه. ‌و‌ ‌من‌ البين انه عند استغراقه ‌فى‌ هذه الملاحظه ‌لا‌ يكاد يخطر بباله ‌و‌ افعاله ‌و‌ احواله الا الاقبال الكلى عليه ‌و‌ التوجه التام اليه، فلا يتصور ‌ان‌ يلتفت الى شى ء ‌من‌ امور دنياه فيتناول كل ‌ما‌ عجز عنه ‌من‌ امور دينه ‌او‌ دنياه.
 
و قال الرمانى ‌و‌ العكبرى: تستعمل ظرفا غالبا ‌و‌ كغير قليلا.
 قال ابن هشام ‌فى‌ الاوضح: ‌و‌ الى هذا اذهب.
 ‌و‌ انما قصر عليه السلام موضع طلب حاجته عليه تعالى، لانها لم تكن حاجه ‌فى‌ امر دنيوى يمكن المخلوقين قضاوها، فلم يكن لها محل سوال ‌و‌ طلب غيره تعالى، ‌او‌ لم ير غيره اهلا لها ‌و‌ ‌ان‌ كانت دنيويه. ثم قصر مغفره ذنبه عليه لاستحاله صدور مغفره الذنوب التى يستحق عليها العقاب ‌من‌ غيره، قال تعالى: «و ‌من‌ يغفر الذنوب الا الله».
 ‌و‌ قوله: حاشاك اى: سبحانك، فحاشا هنا اسم بمعنى التنزيه، اى: انزهك تنزيهك اى: تنزيها لائقا بك عن ‌ان‌ يكون لذنبى غافر غيرك، ‌و‌ ليست بفعل ‌و‌ ‌لا‌ حرف خلافا لمن زعم ذلك، ثم قصر الخوف على نفسه عليه سبحانه لغيبه كل مخوف عنه بمشاهدته عظمه الله ‌و‌ جلاله ‌و‌ عزه ‌و‌ قهره فلم يخف سواه، ‌و‌ لهذا قال بعضهم: الخائف يهرب ‌من‌ ربه الى ربه.
 
وهب له شيئا: اعطاه بلا عوض، يتعدى الى الاول باللام ‌و‌ الى الثانى بنفسه، كما قال تعالى: «يهب لمن يشاء اناثا ‌و‌ يهب لمن يشاء الذكور».
 قال ابن القوطيه ‌و‌ السرقسطى ‌و‌ المطرزى ‌و‌ جماعه: ‌و‌ ‌لا‌ يتعدى الى الاول بنفسه،
 
فلا يقال: وهبتك مالا، ‌و‌ ‌ان‌ سمع فليس ‌فى‌ كلام فصيح.
 ثم توسعوا ‌فى‌ الهبه فاستعملوها بمعنى المغفره، يقال: اللهم هب لى ذنوبى، اى: اغفرها لى.
 ‌و‌ وجب الحق يجب وجوبا: لزم ‌و‌ ثبت.
 ‌و‌ استوجب الشى ء: استحقه.
 ‌و‌ عافاه الله: محى عنه الاسقام، ‌و‌ الغرض سوال عدم المواخذه بالحقوق التى تجب لله عليه، ‌و‌ محو ‌ما‌ يستحقه ‌هو‌ ‌من‌ المواخذه على ‌ما‌ فرط منه.
 ‌و‌ اجاره مما يخاف: آمنه منه.
 ‌و‌ اهل الاساءه: الذين يعملون السيئات، ‌و‌ ‌ما‌ يخافونه: ‌هو‌ العقوبه التى هى اسوا العقوبات ‌و‌ افظعها ‌و‌ هى العقوبه بالنار، كما قال تعالى: «ثم كان عاقبه الذين اساوا السواى»، فان السواى تانيث الاسوا كالحسنى تانيث الاحسن، ‌او‌ مصدر كالبشرى، وصف بها العقوبه مبالغه كانها نفس السوء، ‌و‌ الله تعالى اعلم.
 الهاء: للتعليل، اى: لانك ملى ء، ‌و‌ الملى ء مهموز على فعيل ‌هو‌ الغنى المقتدر، ‌و‌ يجوز البدل ‌و‌ الادغام، ‌و‌ بالوجهين وردت الروايه ‌فى‌ الدعاء، ‌و‌ ملو الرجل بالضم، ملاه اى: غنى ‌و‌ اثرى، ‌و‌ ‌هو‌ املاء القوم اى: اقدرهم ‌و‌ اغناهم.
 ‌و‌ الفرق بين العفو ‌و‌ المغفره ‌ان‌ العفو اسقاط العذاب، ‌و‌ المغفره ‌ان‌ يستر عليه بعد ذلك جرمه صونا له عن عذاب الخزى ‌و‌ الفضيحه، فان الخلاص ‌من‌ عذاب النار
 
انما يطيب اذا حصل عقيبه الخلاص ‌من‌ عذاب الفضيحه، فالعفو اسقاط العذاب الجسمانى، ‌و‌ المغفره اسقاط العذاب الروحانى، ‌و‌ التجاوز يعمهما.
 قال بعضهم: ‌و‌ لعل معنى التجاوز ‌ان‌ الله تعالى يطالب المذنب بالذنب، ‌و‌ المذنب يطالبه بالعفو ‌و‌ المغفره الى ‌ان‌ يتمسك عند الخوف ‌من‌ عذابه برحمته، فاذا غفر الرب فقد تجاوز عن المطالبه، فصح معنى المفاعله فيه.
 المطلب: يكون مصدرا ‌و‌ موضع الطلب، ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا.
 ‌و‌ سوى: بالكسر ‌و‌ القصر هذا اشهر لغاتها، ‌و‌ يقال فيها: سوى كهدى ‌و‌ سواء كسماء ‌و‌ سواء كبناء.
 لكن قال ابن عصفور: لم يستثن ‌من‌ هذه اللغات الا بسوى المكسوره المقصوره، ‌و‌ ‌ان‌ استثنى مما سواها فبالقياس عليها، ‌و‌ هى عند الزجاجى ‌و‌ ابن مالك كغير معنى ‌و‌ تصرفا ‌فى‌ وجوه الاعراب.
 ‌و‌ ذهب سيبويه ‌و‌ البصريون الى انها منصوبه ابدا على الظرفيه المكانيه ‌و‌ ‌لا‌ تخرج عن ذلك الا ‌فى‌ الشعر، فاذا قلت: جاءنى القوم سوى زيد كان ‌فى‌ قوه قولك: جاءنى القوم مكان زيد اى: بدله، فيفيد ‌ان‌ زيدا لم ياتك، فجرد عن معنى البدليه لمطلق الاستثناء، فلزم نصبه على كونه ظرفا ‌فى‌ الاصل ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن فيه الان معنى الظرفيه.
 
و اياك على المختار ضمير بارز منفصل مردف بحرف الخطاب. ‌و‌ الكلام اما على حذف مضاف اى: ‌لا‌ اخاف على نفسى الا عذابك، فحذف المضاف ‌و‌ اقام المضاف اليه مقامه، كما قالوه ‌فى‌ قوله تعالى: «يخافون ربهم» اى: عذابه، بدليل قوله: «و يخافون عذابه».
 ‌او‌ ‌هو‌ ‌من‌ باب الترقى عن مقام مشاهده الافعال ‌و‌ الصفات الى ملاحظه
 
 
الذات، ‌و‌ هى الاقبال على الله تعالى ‌و‌ توجيه وجه النفس الى قبله ذاته المقدسه مع قطع النظر عن الافعال ‌و‌ الصفات، ‌و‌ ‌هو‌ اول مقام الوصول الى ساحل العزه، فهو ‌من‌ قبيل ‌ما‌ وقع ‌فى‌ الدعاء النبوى: «و اعوذ بك منك»، ‌و‌ قد سبق الكلام على ذلك.
 تعليل ‌او‌ تقرير لما سبق ‌من‌ رجاء مغفرته لذنبه ‌و‌ الخوف منه على نفسه، اى: انك حقيق بان يتقى اى: يخشى، ‌و‌ جدير بان يغفر لمن آمن ‌به‌ ‌و‌ تاب اليه، ‌و‌ ‌هو‌ اعتراف بكمال قدرته الجامعه لصفه القهر الذى بسببه يجب ‌ان‌ يتقى، ‌و‌ صفه اللطف الذى بواسطته يحق ‌ان‌ يرجى.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام ‌فى‌ قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «هو اهل التقوى ‌و‌ اهل المغفره»: قال الله تبارك ‌و‌ تعالى: انا اهل ‌ان‌ اتقى ‌و‌ ‌لا‌ يشرك ‌بى‌ عبدى شيئا، ‌و‌ انا اهل ‌ان‌ لم يشرك ‌بى‌ عبدى شيئا ‌ان‌ ادخله الجنه.
 لما ذكروا اولا ‌ان‌ موضع طلب حاجته ‌و‌ مغفره ذنبه ‌و‌ خوفه على نفسه مقصور عليه تعالى، اردفه بسوال قضاء حاجته ‌و‌ غفران ذنبه ‌و‌ امن خوفه.
 ‌و‌ انجح حاجته انجاحا: قضاها له ‌و‌ اظفره بها.
 ‌و‌ الطلبه بفتح الطاء المهمله ‌و‌ كسر اللام على وزن كلمه: ‌ما‌ يطلبه الانسان ‌من‌
 
غيره، ‌و‌ كان الحاجه اخص ‌من‌ الطلبه، لانها ‌من‌ الحوج بالضم بمعنى الفقر، فيكون المراد بها المطلوب الذى لابد له منه ‌و‌ ‌لا‌ غناء ‌به‌ عنه، كالفوز بالجنه ‌و‌ النجاه ‌من‌ النار، ‌و‌ الطلبه اعم منها كرفع الدرجات ‌و‌ اضعاف المثوبات، فيكون قوله: «و انجح طلبتى» تاسيسا ‌لا‌ تاكيدا.
 ‌و‌ الامن: سكون القلب ‌و‌ اطمئنانه، امن يامن- ‌من‌ باب تعب-، ‌و‌ يعدى بالهمزه فيقال: امنته.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ الامن ‌لا‌ يكون للخوف بل للخائف، لكن لما كان الخوف سببا موجبا لاضطراب الخائف نسب الامن اليه.
 تعليل بطريق التحقيق، لاستدعاء قضاء حاجته ‌و‌ انجاح طلبته ‌و‌ غفران ذنبه ‌و‌ امن خوفه، ‌و‌ اليها الاشاره بقوله «و ذلك».
 ‌و‌ القدير: ‌هو‌ الفعال لكل ‌ما‌ يشاء، ‌و‌ لذلك لم يوصف ‌به‌ غير البارى ‌جل‌ جلاله.
 ‌و‌ يسر الشى ء يسرا- ‌من‌ باب قرب- فهو يسير: ‌اى‌ سهل ‌و‌ لم يشق.
 ‌و‌ وجه التعليل ظاهر، فكانه قال: ‌ان‌ قدرتك التامه متحققه، ‌و‌ شمولها لجميع الاشياء ثابت، ‌و‌ ‌ما‌ سالتك عليك يسير، لعدم الاحتياج فيه الى استعمال الرويه ‌و‌ الالات، بل ‌هو‌ مترتب على مجرد الاراده، ‌و‌ الفعل المترتب عليه ‌فى‌ غايه السهوله، فلذلك استدعيت منك مطالبى ‌و‌ افضيت اليك بماربى.
 ‌و‌ الواو ‌من‌ قوله «و ذلك»: يحتمل ‌ان‌ تكون للحال فالجمله حاليه، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون عاطفه لاسم الاشاره على الضمير المتصل المنصوب بان، ‌و‌ التقدير: ‌و‌ ‌ان‌ ذلك عليك يسير. ‌و‌ تقديم الظرف للاختصاص، فان ذلك ‌لا‌ يتيسر الا على القادر
 
لذاته الذى عم كرمه ‌و‌ وسعت رحمته كل شى ء.
 آمين: اسم فعل مبنى على الفتح لالتقاء الساكنين، ‌و‌ بنى عليه لانه اخف الحركات ‌و‌ ليكون مستعقبا للفتح تفاولا، ‌و‌ فيه اربع لغات:
 احدها: آمين بالمد بعد الهمزه ‌من‌ غير اماله، ‌و‌ هذه اللغه اكثر اللغات استعمالا، ولكن فيها بعد ‌فى‌ القياس، اذ ليس ‌فى‌ العربيه فاعيل، ‌و‌ انما ذلك ‌فى‌ الاسماء الاعجميه كقابيل ‌و‌ هابيل، ‌و‌ ‌من‌ ثم زعم بعضهم انه اعجمى، ‌و‌ على هذه اللغه قوله:
 ‌و‌ يرحم الله عبدا قال آمينا
 قيل: ‌و‌ الوجه فيها ‌ان‌ تكون اشبعت الفتحه فنشات الالف فلا يكون خارجا عن الاوزان العربيه.
 قال ابن هشام: ‌و‌ فيه نظر، لان الاشباع بابه الفتح، ‌و‌ نوقش بما قاله ابن مالك ‌فى‌ التوضيح ‌من‌ ‌ان‌ الاشباع ‌فى‌ الحركات الثلاث لغه معروفه، ‌و‌ جعل منه قوله: بينا زيد قائم جاء عمرو، اى: بين اوقات قيام زيد.
 الثانيه: كالاولى الا ‌ان‌ الالف مماله للكسره بعدها، رويت عن حمزه ‌و‌ الكسائى.
 الثالثه: آمين بقصر الالف على وزن قدير، قال: آمين فزاد الله ‌ما‌ بيننا بعدا،
 
و هذه اللغه افصح ‌فى‌ القياس ‌و‌ اقل ‌فى‌ الاستعمال حتى ‌ان‌ بعضهم انكرها.
 قال صاحب الاكمال: حكى ثعلب القصر ‌و‌ انكره غيره، ‌و‌ قال: انما جاء مقصورا ‌فى‌ الشعر. انتهى.
 ‌و‌ انعكس النقل عن ثعلب على ابن قرقول فقال: انكر ثعلب القصر الا ‌فى‌ الشعر، ‌و‌ صححه غيره.
 ‌و‌ قال صاحب التحرير: ‌و‌ قد قال جماعه: ‌ان‌ القصر لم يجى ء عن العرب، ‌و‌ ‌ان‌ البيت انما هو: فامين زاد الله ‌ما‌ بيننا بعدا.
 الرابعه: آمين بالمد ‌و‌ تشديد الميم. قال صاحب الاكمال: حكى الداودى تشديد الميم مع المد، ‌و‌ قال: هى لغه شاذه ‌و‌ لم يعرفها غيره. انتهى.
 ‌و‌ انكر ثعلب ‌و‌ الجوهرى ‌ان‌ يكون ذلك لغه، ‌و‌ قالا: ‌لا‌ نعرف آمين الا جمعا بمعنى قاصدين، كقوله تعالى: «و ‌لا‌ آمين البيت الحرام».
 ‌و‌ قال بعضهم: القول بان التشديد لغه ‌و‌ ‌هم‌ قديم، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ اباالعباس احمد ابن يحيى ثعلب قال: ‌و‌ آمين مثل عاصين لغه، فتوهم ‌ان‌ المراد صيغه الجمع لانه قابله بالجمع، ‌و‌ ‌هو‌ مردود بقول ابن جنى ‌و‌ غيره: ‌ان‌ المراد موازنه اللفظ ‌لا‌ غير.
 ‌و‌ يويده قول صاحب التمثيل: ‌و‌ التشديد خطا.
 ‌و‌ اختلفوا ‌فى‌ معناها، فقال الجمهور: معناها استجب.
 
و عن ابن عباس قال: سالت النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم عن معنى آمين، فقال: افعل.
 ‌و‌ قال ابوحاتم: معناه يكون كذلك.
 ‌و‌ قيل: كذلك مثله فليكن.
 ‌و‌ قيل: كذلك فافعل.
 ‌و‌ قيل: انه اسم ‌من‌ اسماء الله تعالى بمعنى المومن، ‌و‌ معناه ‌يا‌ امين استجب.
 قال صاحب المطالع: ‌و‌ هذا ‌لا‌ يصح، اذ ليس ‌فى‌ اسماء الله تعالى اسم مبنى ‌و‌ ‌لا‌ غير معرب، مع ‌ان‌ اسماء الله تعالى ‌لا‌ تثبت الا قرآنا ‌او‌ سنه، ‌و‌ قد عدم الطريقان ‌فى‌ امين انتهى.
 ‌و‌ عن ابى على الفارسى انه تاول هذا القول على ‌ان‌ ‌فى‌ آمين ضميرا لله تعالى.
 ‌و‌ ‌هو‌ حسن لو لم يصرح صاحبه انه بمعنى المومن.
 ‌و‌ قال الواحدى: روى عن جعفر الصادق رضى الله عنه انه قال: تاويله قاصدين نحوك ‌و‌ انت اكرم ‌من‌ ‌ان‌ تخيب قاصدا. ‌و‌ هذا يحقق لغه التشديد مع المد.
 ‌و‌ قال الترمذى: معناه ‌لا‌ تخيب رجاءنا.
 
و قال سهل: معناه: ‌لا‌ يقدر على هذا سواك.
 ‌و‌ قيل: هى كلمه عبرانيه عربت مبنيه على الفتح. ‌و‌ الله اعلم.
 قوله: «رب العالمين» اى: ‌يا‌ رب العالمين، حذف حرف النداء استغناء عنه، لاستشعاره كون المنادى مقبلا عليه سامعا لما يقول.
 ‌و‌ الرب: ‌فى‌ الاصل مصدر بمعنى التربيه ‌و‌ هى: تبليغ الشى ء الى كماله تدريجا، وصف ‌به‌ الفاعل مبالغه كالعدل.
 ‌و‌ قيل: صفه مشبهه ‌من‌ ربه يربه بعد جعله لازما بنقله الى فعل بالضم كما ‌هو‌ المشهور، سمى ‌به‌ المالك لانه يحفظ ‌ما‌ يملكه ‌و‌ يربيه، ‌و‌ ‌لا‌ يطلق على غيره تعالى الا مقيدا كرب الدار ‌و‌ رب الدابه.
 ‌و‌ العالم: اسم لما يعلم ‌به‌ كالخاتم ‌و‌ القالب، غلب فيما يعلم ‌به‌ الصانع تعالى ‌من‌ المصنوعات، اى: ‌فى‌ القدر المشترك بين اجناسها ‌و‌ بين مجموعها، فانه كما يطلق على كل جنس جنس منها ‌فى‌ قولهم: عالم الافلاك ‌و‌ عالم العناصر ‌و‌ عالم النبات ‌و‌ عالم الحيوان الى غير ذلك، يطلق على المجموع ايضا كما ‌فى‌ قولنا: العالم بجميع اجزائه محدث.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ اسم لاولى العلم ‌من‌ الملائكه ‌و‌ الثقلين، ‌و‌ تناوله لما سواهم بطريق الاستتباع، ‌و‌ الاول ‌هو‌ الاظهر.
 ‌و‌ ايثار صيغه الجمع لبيان شمول ربوبيته تعالى لجميع الاجناس، ‌و‌ التعريف لاستغراق افراد كل منها باسرها، اذ لو افرد لربما توهم ‌ان‌ المقصود
 
بالتعريف ‌هو‌ الحقيقه ‌من‌ حيث هى، ‌او‌ استغراق افراد جنس واحد حيث صح ذلك بمساعده التعريف، نزل العالم ‌و‌ ‌ان‌ لم يطلق على آحاد مدلوله منزله الجمع حتى قيل: انه جمع ‌لا‌ واحد له ‌من‌ لفظه، فكما ‌ان‌ الجمع المعرف يستغرق آحاد مفرده ‌و‌ ‌ان‌ لم يصدق عليها، كما ‌فى‌ مثل قوله تعالى: «و الله يحب المحسنين» اى: كل محسن، كذلك العالمين يشمل افراد الجنس المسمى ‌به‌ ‌و‌ ‌ان‌ لم يطلق عليها، كانها آحاد مفرده التقديرى، ‌و‌ ‌من‌ قضيه هذا التنزيل تنزيل جمعه منزله جمع الجمع، فكما ‌ان‌ الاقاويل تتناول كل واحد ‌من‌ آحاد الاقوال، يتناول لفظ العالمين كل واحد ‌من‌ آحاد الاجناس التى ‌لا‌ تكاد تحصى.
 روى: ‌ان‌ لله ثمانيه عشر الف عالم ‌و‌ الدنيا عالم منها.
 ‌و‌ انما جمع بالواو ‌و‌ النون مع اختصاص ذلك بصفات العقلاء ‌و‌ ‌ما‌ ‌فى‌ حكمها ‌من‌ الاعلام، لدلالته على معنى العلم مع اعتبار تغليب العقلاء على غيرهم.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ عدم انطلاق اسم العالم على كل واحد ‌من‌ تلك الاجناس ليس الا باعتبار الغلبه ‌و‌ الاصطلاح، ‌و‌ اما باعتبار الاصل فلا ريب ‌فى‌ صحه الاطلاق قطعا، لتحقق المصداق حتما. فانه كما يستدل على الله بمجموع ‌ما‌ سواه ‌و‌ بكل جنس ‌من‌ اجناسه، يستدل عليه تعالى بكل جزء ‌من‌ اجزاء ذلك المجموع ‌و‌ بكل فرد ‌من‌ افراد تلك الاجناس، لتحقق الحاجه الى الموثر الواجب لذاته ‌فى‌ الكل، فان كل ‌ما‌ ظهر ‌فى‌ المظاهر مما ‌عز‌ ‌و‌ هان، ‌و‌ حضر ‌فى‌ المحاضر كائنا ‌ما‌ كان، دليل لائح على الصانع المجيد ‌و‌ سبيل واضح الى عالم التوحيد.
 
و ‌فى‌ الاضافه اظهار عظمه المضاف بانه له الاستيلاء على الكل، ‌و‌ تعظيم المضاف اليه بان له هذا الرب الشامل التربيه ‌و‌ الكاملها، ‌و‌ الله اعلم.
 هذا آخر الروضه الثانيه عشره ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيد العابدين، ‌و‌ قد وفق الله سبحانه لاتمامها ‌و‌ قطف ‌و‌ جنى وردها ‌من‌ اكمامها ‌فى‌ الليله الزهراء المسفر صباحها عن اليوم الاغر، ‌و‌ هى ليله الجمعه لاحدى عشره خلت ‌من‌ ذى القعده الحرام احد شهور سنه ثمان ‌و‌ تسعين بعد الالف.
 ‌و‌ ‌من‌ الله نستمد ‌و‌ نستعين ‌ان‌ يوفق لاتمام الرياض الباقيه، ‌و‌ ‌ان‌ يجعل علينا ‌من‌ عوارض العوائق جنه واقيه، انه على كل شى ء قدير ‌و‌ بالاجابه جدير.
 ‌و‌ كتبه مولفه العبد على ‌بن‌ احمد الحسينى عفا الله عنهما ‌و‌ لله الحمد.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^