فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 20- 4

‌و‌ فسد الشى ء- ‌من‌ باب قعد-: خرج عن كونه منتفعا به. ‌و‌ مقابله الصلاح، ‌و‌ ‌هو‌ الحصول على الحاله المستقيمه النافعه.


 ‌و‌ انكرت عليه فعله انكارا: عبته ‌و‌ هجنته.
 ‌و‌ غيرت الشى ء تغييرا: ازلته عما كان عليه فتغير، يعنى انك قادر على تغيير مالا ترتضيه بما ترتضيه، ‌و‌ ‌فى‌ امثالهم: ‌من‌ انكر غير.
 ‌و‌ ‌من‌ عليه بالعتق منا- ‌من‌ باب قتل- ‌و‌ امتن عليه ‌به‌ ايضا: انعم عليه به.
 ‌و‌ الفاء: فصيحه، اى: اذا كنت بهذه الصفات فانعم على قبل حصول البلاء بالعافيه.
 ‌و‌ المراد بالبلاء هنا: الاصابه بالمكروه.
 ‌و‌ العافيه: دفع الله تعالى عن العبد ‌ما‌ يكرهه. ‌و‌ كل منهما يكون جسمانيا ‌و‌ نفسانيا.
 ‌و‌ طلب الشى ء- ‌من‌ باب قتل- طلبا محركه: حاول حصوله لديه.
 ‌و‌ الجده: الغنى، يقال: وجد يجد جده: اذا استغنى غنى ‌لا‌ فقر بعده.
 ‌و‌ الضلال: فقدان ‌ما‌ يوصل الى المطلوب.
 ‌و‌ قيل: سلوك طريق ‌لا‌ يوصل الى المطلوب.
 ‌و‌ الرشاد: اسم ‌من‌ رشد يرشد رشدا- ‌من‌ باب تعب- ‌و‌ رشد يرشد- ‌من‌ باب قتل-: اذا اهتدى ‌و‌ عرف الصواب.
 ‌و‌ الموونه قيل: ‌من‌ مان يمونه: اذا قام بكفايه امره، ‌و‌ اصلها موونه بواوين على فعوله، قلبت الواو الاولى همزه، لان الواو المضمومه المتوسطه تقلب همزه، نحو: ادور
 
فى جمع دار.
 ‌و‌ قيل: الهمزه اصليه، فهو فعوله بمعنى الثقل ‌من‌ مانت القوم: اذا احتملت موونتهم.
 ‌و‌ قيل: بمعنى العده ‌من‌ قولهم: اتانى هذا الامر ‌و‌ ‌ما‌ مانت له مانا بالهمزه: اذا لم يستعد له.
 ‌و‌ قيل: ‌من‌ الاون: بمعنى الثقل لكون الموونه مستلزمه للثقل، ‌و‌ الاصل ماونه، نقلت حركه الواو الى الهمزه ‌و‌ صارت موونه، ‌و‌ وزنها على هذا مفعله.
 ‌و‌ قيل: هى ‌من‌ الاون بمعنى العدل ‌و‌ احد جانبى الخرج لانه يثقل على الانسان.
 ‌و‌ قال الفراء: هى ‌من‌ الاين ‌و‌ ‌هو‌ التعب ‌و‌ الشده.
 ‌و‌ الاصل ماينه، نقلت حركه الياء الى الهمزه فصارت موينه، ثم قلبت الياء واوا، لسكونها ‌و‌ انضمام ‌ما‌ قبلها، فصارت موونه، ‌و‌ وزنها على هذا مفعله، ‌و‌ استبعد بكثره التغيير فيه، ‌و‌ قد تستعمل بدون همزه فيقال: موونه كسوره.
 ‌و‌ المعره: مفعله ‌من‌ عر فلان فلانا: اذا شانه ‌و‌ الحق ‌به‌ عيبا.
 ‌و‌ تطلق على الامر القبيح المكروه ‌و‌ على الفساد ‌و‌ المشقه، ‌و‌ اضافتها الى العباد ‌من‌ باب الاضافه الى الفاعل.
 ‌و‌ المعنى: ادفع عنى موونه ‌ما‌ يلحقنى ‌من‌ العباد، ‌من‌ العيب ‌و‌ المكروه ‌و‌ المشقه ‌و‌ الفساد.
 ‌و‌ المعاد: اما مصدر ‌او‌ ظرف، كما تقدم.
 ‌و‌ منحه يمنحه منحا- ‌من‌ بابى نفع ‌و‌ ضرب-: اعطاه.
 ‌و‌ حسن الارشاد: حسن الهدايه، ‌و‌ الدلاله على الصواب. ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: «حسن
 
الارتياد» اى: الطلب.
 يقال: ارتاد الرجل الشى ء ارتيادا اى: طلبه. ‌و‌ حسن الطلب ‌من‌ مهمات الامور، لانه انحج للمطلب ‌و‌ آكد ‌فى‌ قضاء الارب، ‌و‌ الله اعلم.
 
درا الشى ء درا- ‌من‌ باب نفع- دفعه، ‌و‌ حذف المفعول للتعميم مع الاختصار، اى: ادرا عنى كل سوء، ‌و‌ هذا التعميم ‌و‌ ‌ان‌ امكن ‌ان‌ يستفاد ‌من‌ ذكر المفعول بصيغه العموم لكنه يفوت الاختصار. ‌و‌ انما لم يجعله ‌من‌ قبيل ‌ما‌ نزل منزله اللازم، لان التامل الذوقى يشهد ‌ان‌ القصد ‌فى‌ هذا المقام الى المفعول، فان الحمل على امثال هذه المعانى مما يتعلق بقصد المتكلم ‌و‌ مناسبه المقام، ‌و‌ لذا جعل صاحب المفتاح «فلان يعطى» محتملا للتنزيل منزله اللازم ‌و‌ للقصد الى تعميم المفعول.
 ‌و‌ اللطف: الرفق، ‌و‌ البر.
 ‌و‌ غذوت الصبى باللبن فاغتذى اى: ربيته به، ‌و‌ غذيته بالتثقيل مبالغه، ‌و‌ الغذاء: ‌ما‌ يغتذى ‌به‌ ‌من‌ الطعام ‌و‌ الشراب ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ ‌به‌ نماء الجسم ‌و‌ قوامه.
 ‌و‌ النعمه: ‌ما‌ قصد ‌به‌ الاحسان ‌و‌ النفع، ‌و‌ استعمال الغذاء فيها استعاره تبعيه، ‌او‌ هى استعاره مكنيه تخييليه ‌او‌ تمثيليه، على ‌ما‌ تقدم بيانه.
 ‌و‌ الاصلاح: اعاده ‌ما‌ فسد الى الصلاح.
 ‌و‌ الكرم: افاده ‌ما‌ ينبغى لالغرض.
 ‌و‌ داويته مداواه عالجته بالدواء، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يتداوى ‌به‌ لدفع المرض. ‌و‌ حذف متعلق
 
المداواه للتعميم، اى: داونى ‌من‌ كل داء جسمانى ‌و‌ نفسانى.
 ‌و‌ الصنع بالضم ‌و‌ الصنيعه: ‌ما‌ اصطنع ‌من‌ خير ‌و‌ احسان.
 يقال: ‌ما‌ احسن صنع الله عندك.
 ‌و‌ اظله: ستره عن الشمس، ‌و‌ القى عليه ظله.
 ‌و‌ الذرى بالفتح: كل ‌ما‌ استترت به.
 يقال: انا ‌فى‌ ظل فلان ‌و‌ ‌فى‌ ذراه، اى: ‌فى‌ كنفه ‌و‌ ستره، ‌و‌ حكاه الجوهرى عن الاصمعى.
 ‌و‌ قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: الذرى الظل، يقال: كنا ‌فى‌ ذراه اى: ‌فى‌ كنفه.
 ‌و‌ المعنى: استرنى ‌فى‌ سترك ‌و‌ كنفك.
 ‌و‌ جللنى رضاك اى: البسنى اياه ‌و‌ غطنى به.
 قال ابن فارس ‌فى‌ متخير الالفاظ: جلل الارض المطر بالتثقيل: عمها ‌و‌ طبقها فلم يدع شيئا الا غطى عليه، ‌و‌ منه يقال: جللت الشى ء: اذا غطيته.
 ‌و‌ اشتكلت الامور: التبست. ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: «اشكلت» ‌و‌ ‌هو‌ المسموع.
 ‌و‌ اهدى الامور: اقربها الى الصواب، ‌او‌ اعظمها دلاله على الحق.
 ‌و‌ تشابهت الاشياء ‌و‌ اشتبهت اشبه كل منها الاخر فالتبست.
 ‌و‌ ازكاها: اطهرها، ‌او‌ اكثرها نفعا ‌و‌ زياده ‌فى‌ الثواب.
 ‌و‌ تناقض الكلامان: تدافعا، كان كل واحد نقض الاخر اى: ابطله، ‌و‌ ‌فى‌ كلامه تناقض: اذا كان بعضه يقتضى ابطال بعض.
 ‌و‌ الملل: جمع مله ‌و‌ هى المذهب.
 
و ارضاها اى: اعظمها ارضاء لك، ‌او‌ اعظم ‌ما‌ ترضاه منها.
 فان قلت: افعل التفضيل انما يصح ‌فى‌ شيئين يشتركان ‌فى‌ معنى ثم يكون للمفضل فضل على الاخر فيه، ‌و‌ كيف يتصور ‌فى‌ غير هذه المله رضا الله تعالى حتى يستقيم هذا التفضيل؟ قلت: ‌لا‌ شى ء ‌من‌ الملل الا ‌و‌ فيه نوع مما يرضى الله تعالى ‌او‌ يرضاه الله تعالى، كالاعتراف بالله سبحانه ‌و‌ مكارم العادات ‌و‌ قوانين السياسات، الا ‌ان‌ بعض الخلل ابطل الكل فالكل ينهدم بانهدام الجزء، فصح التفضيل، ‌و‌ الله اعلم.
 
توجه: البسه التاج، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يصاغ للملوك ‌من‌ الذهب ‌و‌ الجوهر فتضعه على رووسها.
 ‌و‌ الكفايه: الاستغناء، ‌من‌ كفى الشى ء يكفى كفايه: اذا حصل ‌به‌ الاستغناء عن غيره.
 شبه الكفايه ‌فى‌ نفسه بالتاج ‌فى‌ الاجلال ‌و‌ التوقير ‌و‌ العظمه، ‌و‌ ‌دل‌ على ذلك بالتتويج، فتكون استعاره بالكنايه، ‌و‌ اثبات التتويج تخييل، ‌و‌ لك جعلها ‌من‌ باب الاستعاره التبعيه ‌او‌ التمثيليه، كما بيناه فيما سبق.
 ‌و‌ سامه الامر يسومه اولاه اياه.
 قال الجوهرى: سمته خسفا: اوليته اياه، ‌و‌ سمته الامر ايضا: اردته منه.
 قال الزمخشرى: ‌فى‌ الاساس: سمت المراه المعانقه: اردتها منها ‌و‌ عرضتها عليها.
 
اى: اولنى حسن الولايه، ‌او‌ اردها منى.
 ‌و‌ الولايه بالفتح ‌و‌ الكسر: مصدر وليت الشى ء اذا قمت به.
 ‌و‌ قال سيبويه: الولايه بالفتح المصدر، ‌و‌ الولايه بالكسر الاسم مثل الاماره ‌و‌ النقابه، لانه اسم لما توليته وقمت به، فاذا ارادوا المصدر فتحوا.
 ‌و‌ المراد بحسن الولايه: حسن القيام بما يتولاه ‌و‌ يقوم ‌به‌ ‌من‌ الامور.
 ‌و‌ الولايه بالفتح ‌و‌ الكسر ايضا: النصره. ‌و‌ اراده هذا المعنى محتمل هنا، اى: اولنى حسن نصرتك لى.
 ‌و‌ الصدق ‌فى‌ اللغه: مطابقه الحكم للواقع، ‌و‌ قد يراد ‌به‌ مطلق الجوده، ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا، ‌و‌ ذلك لما كان الصدق ‌فى‌ الحديث مستحسنا جيدا صاروا يستعملونه ‌فى‌ مطلق الجوده، حتى قالوا: خل صادق الحموضه، ‌و‌ عنب صادق الحلاوه.
 ‌و‌ الصدق ‌فى‌ اصطلاح اهل الحقيقه: قول الحق ‌فى‌ مواطن الهلاك.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌ان‌ تصدق ‌فى‌ موضع ‌لا‌ ينجيك منه الا الكذب.
 ‌و‌ قيل: الصدق ‌ان‌ ‌لا‌ يكون ‌فى‌ احوالك شوب، ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ اعتقادك ريب، ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ اعمالك عيب. ‌و‌ اراده هذا المعنى هنا حسنه.
 ‌و‌ المراد بالهدايه: اما اهتداوه، ‌او‌ هدايه الله تعالى له، ‌او‌ هدايته ‌هو‌ لغيره، فيكون المراد بصدقها على المعنى الاول الثبات عليها ‌و‌ الرسوخ فيها، ‌و‌ على المعنيين الاخرين الايصال الى المطلوب، اذ كان الصحيح انها عباره عن الدلاله على ‌ما‌ ‌من‌ شانه الايصال الى البغيه ‌من‌ غير ‌ان‌ يشترط ‌فى‌ مدلولها الوصول، ‌و‌ لذلك كانت الدلالات التكوينيه المنصوبه ‌فى‌ الافاق ‌و‌ الانفس، ‌و‌ البينات التشريعيه الوارده ‌فى‌ الكتب السماويه على الاطلاق، بالنسبه الى البريه كافه برها ‌و‌ فاجرها،
 
هدايات حقيقيه فائضه ‌من‌ عند الله ‌جل‌ جلاله.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يراد بصدق الهدايه هنا الهدايه الخاصه، ‌و‌ هى كشف الاسرار على قلب المهدى بالوحى ‌او‌ الالهام، ‌و‌ هى مرتبه صاحب الدعاء ‌و‌ ‌من‌ ‌هو‌ ‌فى‌ رتبته.
 ‌و‌ ‌لا‌ تفتنى بالسعه اى: ‌لا‌ تضلنى بالغنى، ‌و‌ قد تقدم ‌ان‌ الفتنه هى الضلال عن الحق بمحبه امر ‌ما‌ ‌من‌ الامور الباطله، ‌و‌ الاشتغال ‌به‌ عما ‌هو‌ الواجب ‌من‌ سلوك سبيل الله تعالى.
 ‌و‌ المنح: العطاء، منحه ‌من‌ بابى نفع ‌و‌ ضرب.
 ‌و‌ الروايه ‌فى‌ الدعاء وردت بالوجهين.
 ‌و‌ الدعه: الراحه ‌و‌ خفض العيش، ‌و‌ الهاء عوض ‌من‌ الواو، تقول منه: ودع الرجل- ‌من‌ باب حسن- فهو وادع اى: مستريح ‌لا‌ كلفه عليه، ‌و‌ رجل متدع اى: صاحب دعه ‌و‌ راحه.
 ‌و‌ العيش: الحياه، ‌و‌ ‌ما‌ يعاش به.
 ‌و‌ الكد: الشده ‌و‌ التعب ‌فى‌ الكسب، كد ‌فى‌ عمله كدا: اذا جهد ‌و‌ تعب، ‌و‌ كرر الكد لدلاله التكرير على التتابع ‌و‌ التكثير، اى: كدا متتابعا، كقوله تعالى: «كلا اذا دكت الارض دكا دكا» اى: مره بعد اخرى، ‌و‌ ليس الثانى: تاكيدا للاول فيها كما توهمه كثير ‌من‌ الناس.
 قال ابن هشام ‌فى‌ شرح القطر: ليس ‌من‌ توكيد الاسم قوله تعالى: «كلا اذا دكت الارض دكا دكا ‌و‌ جاء ربك ‌و‌ الملك صفا صفا»، خلافا لكثير ‌من‌ النحويين، لانه جاء ‌فى‌ التفسير ‌ان‌ معنى دكا دكا: دكا بعد دك، ‌و‌ ‌ان‌ الدك كرر عليها حتى صارت هباء منثورا، ‌و‌ ‌ان‌ معنى «صفا صفا» انه تنزل ملائكه كل
 
سماء فيصطفون صفا بعد ‌صف‌ محدقين بالجن ‌و‌ الانس، ‌و‌ على هذا فليس الثانى منهما توكيدا للاول بل المراد التكرير، كما تقول علمته الحساب بابا بابا، انتهى.
 فان قلت: اذا لم يكن الثانى توكيدا للاول فعلام نصب ‌و‌ ‌ما‌ العامل فيه؟
 قلت: المختار فيه ‌و‌ ‌فى‌ نظائره ‌ان‌ يكون الجزء الثانى معمولا للعامل الاول ايضا، لان مجموع الجزءين ‌هو‌ المعمول ‌فى‌ المعنى، اذ معنى «و ‌لا‌ تجعل عيشى كدا كدا»: ‌لا‌ تجعله متتابع الكد، ‌و‌ نظيره ‌فى‌ الفاعل: تلقفها رجل رجل. ‌و‌ ‌فى‌ الخبر: الرمان حلو حامض، ‌و‌ ‌فى‌ الحال: دخلوا رجلا رجلا، ‌و‌ حسبته بابا بابا، ‌و‌ ‌فى‌ المضاف اليه. كل فرد فرد، فالمجموع يستحق اعرابا واحدا، الا انه لما تعدد ذلك المستحق مع صلاحيه كل واحد للاعراب اجرى عليها اعراب الجميع دفعا للتحكم. ‌و‌ قد استوفيت الكلام على هذه المساله ‌فى‌ شرح الصمديه، ‌و‌ نقلت اقوال العلماء فيها ‌و‌ ‌ما‌ يرد على كل منها بما ‌لا‌ مزيد عليه، فليرجع اليه.
 ورد على زيد قوله: لم يقلبه، فرد الدعاء هنا بمعنى عدم قبوله. وردا: مفعول مطلق موكد لعامله.
 ‌و‌ الضد: النظير ‌و‌ الكفو.
 ‌و‌ قال ابوعمرو: الضد مثل الشى ء، ‌و‌ الضد خلافه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الضد بالكسر: المثل، ‌و‌ المخالف ضده.
 قوله عليه السلام: «لا اجعل» اى: ‌لا‌ اعتقد، ‌من‌ الجعل بمعنى التصيير الذى يكون بالاعتقاد، ‌و‌ منه: «و جعلوا الملائكه الذين ‌هم‌ عباد الرحمن اناثا».
 ‌و‌ قوله: «و ‌لا‌ ادعو» اى: ‌لا‌ اعبد ‌و‌ استعمال الدعاء بمعنى العباده كثير ‌فى‌
 
القرآن، ‌و‌ منه: «قل انما ادعو ربى ‌و‌ ‌لا‌ اشرك ‌به‌ احدا» ‌و‌ قوله: «ان يدعون ‌من‌ دونه الا اناثا»، اى: ‌لا‌ يعبدون. ‌و‌ الند بالكسر: المثل، قالوا: ‌و‌ ‌لا‌ يقال الا للمثل المخالف المناد، ‌من‌ نادوت الرجل: اذا خالفته ‌و‌ نافرته، ‌من‌ ند ندودا: اذا نفر، خص بالمماثل بالذات المخالف بالافعال، كما خص المساوى بالمماثل ‌فى‌ المقدار.
 ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ المراد بالضد هنا: المخالف، ‌و‌ بالند: المماثل مطلقا، فان استعمال الضد بمعنى المخالف اشهر ‌من‌ استعماله بمعنى الكفو ‌و‌ النظير.
 قال الزمخشرى: ‌و‌ النيسابورى: معنى قول الموحد: ليس لله ند ‌و‌ ‌لا‌ ضد: نفى ‌ما‌ يسد مسده ‌و‌ نفى ‌ما‌ ينافيه، ‌و‌ الله اعلم.
 
منعه ‌من‌ الامر: كفه عنه.
 ‌و‌ السرف محركه: اسم ‌من‌ اسرف اسرافا: اذا جاوز الحد ‌فى‌ النفقه ‌و‌ غيرها.
 ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا الاول، ‌و‌ يرادفه التبذير.
 ‌و‌ قد تقدم الكلام عليه مبسوطا ‌فى‌ الروضه الثامنه عند قوله عليه السلام: «و نعوذ بك ‌من‌ تناول الاسراف».
 ‌و‌ حصنه تحصينا: حماه ‌و‌ منعه.
 ‌و‌ الرزق: ‌ما‌ اعطى الله عبده ‌و‌ امكنه ‌من‌ التصرف فيه. ‌و‌ تلف تلفا- ‌من‌ باب
 
تعب-: فلك ‌و‌ فنى فهو تالف، ‌و‌ اتلف ماله: افناه، ‌و‌ اجل متلف لما له ‌و‌ متلاف للمبالغه.
 ‌و‌ المراد بتحصين الرزق ‌من‌ التلف: صونه عن الضياع ‌و‌ الهلاك، اما بالهام صاحبه ادب الانفاق فينفق منه بدون تبذير ياتى عليه، او: بحفظه ‌من‌ حوادث الدهر كالنهب ‌و‌ السرقه. ‌و‌ وفرت الشى ء توفيرا: كثرته.
 ‌و‌ الملكه محركه: هى القيام بالمماليك ‌و‌ ‌ما‌ يملك ‌من‌ ذات اليد.
 قال عليه السلام: حسن الملكه نماء، ‌و‌ سوء الملكه شوم.
 ‌و‌ المراد بتوفير الملكه توفير متعلقها اعنى ‌ما‌ يملك، ‌و‌ ‌هو‌ الرزق المقدم ذكره. ‌و‌ ايقاع التوفير عليها مجاز عقلى، نحو قوله تعالى: «و ‌لا‌ تطيعوا امر المسرفين»، جعل الامر مطاعا ‌و‌ انما المطاع ‌فى‌ الحقيقه ‌هو‌ الامر ‌و‌ ‌من‌ لم يهتد لهذا المعنى مع وضوحه جعل الملكه بمعنى الملك، ‌و‌ ‌هو‌ خطا صريح.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: «و وفر ملكى»، فيكون نسبه التوفير اليه حقيقه. ‌و‌ البركه: الزياده ‌و‌ النماء.
 ‌و‌ الضمير ‌من‌ «فيه» راجع الى الرزق.
 ‌و‌ قول بعضهم: انه للملكه ‌و‌ تذكيره لانها بمعنى الملك، غلط ‌و‌ جهل، نعم ‌هو‌ على روايه «ملكى» عائد اليه.
 ‌و‌ اصب ‌بى‌ سبيل الهدايه: ‌اى‌ اقصد ‌بى‌ ‌و‌ ‌ام‌ ‌بى‌ طريق الهدايه، ‌من‌ الاصابه بمعنى القصد.
 ‌و‌ البر: الخير، ‌و‌ الاتساع ‌فى‌ الاحسان.
 
و الانفاق: صرف المال ‌فى‌ الحاجه.
 ‌و‌ ضمير: «منه» للرزق، ‌او‌ للملك على الروايه الاخرى.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ مدار هذا الفصل ‌من‌ الدعاء على سئوال صيانه المال ‌و‌ توفيره ‌و‌ انفاقه ‌فى‌ ابواب البر، ‌و‌ لما كان المال قوام العباد ‌فى‌ امر المعاش ‌و‌ المعاد، ظاهر النفع ‌فى‌ باب الحسنات بين الجدوى ‌فى‌ اسباب الخيرات، ‌و‌ عن هذا سماه الله خيرا ‌فى‌ مواضع ‌من‌ كتابه، سال عليه السلام منعه فيه عن السرف، ‌و‌ صونه عن التلف، ‌و‌ توفير الملكه بالبركه.
 ثم لما كان الغرض ‌من‌ المال اقامه اوامر الله تعالى ‌و‌ مرضياته، ‌من‌ اداء الحج ‌و‌ اراقه دماء القرابين، ‌و‌ الشفقه على ضعفاء المسلمين، وصله الرحم، ‌و‌ قرى الضيف، ‌و‌ حماله الديات، ‌و‌ كفايه الموونات، الى غير ذلك ‌من‌ ابواب البر، سال عليه السلام اصابته ‌به‌ سبيل البر فيما ينفق منه. ‌و‌ هذا المعنى حمل سليمان عليه السلام على ‌ان‌ سال ربه ‌جل‌ جلاله ملكا ‌لا‌ ينبغى لاحد ‌من‌ بعده، ‌لا‌ انه سال ذلك لحب المال نفسه ‌و‌ صرفه الى لذات النفس ‌و‌ شهواتها، حاشاه ‌من‌ ذلك.
 حكى الزمخشرى ‌فى‌ ربيع الابرار قال: لما وجه يزيد ‌بن‌ معاويه مسلم ‌بن‌ عقبه لاستباحه اهل المدينه، ضم على ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام الى نفسه اربعمائه منافيه بحشمهن يعولهن الى ‌ان‌ تقوض جيش مسلم، فقالت امراه منهن: ‌ما‌ عشت ‌و‌ الله بين ابوى بمثل ذلك التشريف.
 
كفاه الامر: اذا اقام به.
 ‌و‌ الموونه: الثقل ‌و‌ المشقه.
 
و كسب- ‌من‌ باب ضرب- كسبا ‌و‌ اكتسب اكتسابا: طلب المعيشه، ‌و‌ ‌فى‌ الاكتساب مزيد اعتمال ناشى ء عن اعتناء النفس بتحصيل الغرض. ‌و‌ سعيها ‌فى‌ طلبه.
 ‌و‌ الاحتساب: اما افتعال ‌من‌ حسبه- ‌من‌ باب علم- حسبانا بالكسر، اى: ظنه.
 ‌او‌ ‌من‌ حسبه- ‌من‌ باب قتل- حسبا ‌و‌ حسبانا بالضم اى: عده، اى: ‌من‌ غير ‌ان‌ يكون لى ‌فى‌ ظن ‌او‌ ‌فى‌ حساب.
 ‌و‌ روى عن الصادق عليه السلام ‌فى‌ قوله تعالى: «و يرزقه ‌من‌ حيث ‌لا‌ يحتسب» قال: يبارك له فيما آتاه.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ جعل ارزاق المومنين ‌من‌ حيث ‌لا‌ يحتسبون.
 ‌و‌ ذلك ‌ان‌ العبد اذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاوه.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه: ‌من‌ اتاه الله برزق لم يخط اليه برجله، ‌و‌ لم يمد اليه يده، ‌و‌ لم يتكلم فيه بلسانه، ‌و‌ لم يشد اليه ثيابه ‌و‌ لم يتعرص له، كان ممن ذكره الله ‌فى‌ كتابه: «و ‌من‌ يتق الله يجعل له مخرجا ‌و‌ يرزقه ‌من‌ حيث ‌لا‌ يحتسب».
 قال بعضهم: ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون الاحتساب ‌فى‌ الدعاء بمعنى الحساب، تلميحا الى قوله: «ان الله يرزق ‌من‌ يشاء بغير حساب»، اى: بغير تقدير لكثرته، ‌او‌ بغير استحقاق تفضلا منه، ‌او‌ ‌من‌ غير ‌ان‌ يكون لاحد عليه حساب ‌او‌ مطالبه، ‌او‌ بغير
 
تعب ‌و‌ كد، ‌او‌ بغير حساب عليه ‌فى‌ الاخره.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله: «فلا اشتغل»: سببيه، ‌و‌ نصب المضارع بعدها ب«ان» مضمره وجوبا، لكونها مسبوقه بالدعاء، كقوله:
 رب وفقنى فلا اعدل عن
 سنن الساعين ‌فى‌ خير سنن
 ‌و‌ اشتغل: مضارع اشتغلت بالبناء للفاعل.
 قال الازهرى: اشتغل بامره فهو مشتغل بالبناء للفاعل.
 قال ابن فارس: ‌و‌ ‌لا‌ يكادون يقولون: اشتغل، ‌و‌ ‌هو‌ جائز يعنى بالبناء للفاعل.
 ‌و‌ ‌من‌ هنا قال بعضهم: اشتغل بالبناء للمفعول ‌لا‌ يجوز بناوه للفاعل، لان الافتعال ‌ان‌ كان مطاوعا فلازم ‌لا‌ غير، ‌و‌ ‌ان‌ كان غير مطاوع فلا ‌بد‌ ‌ان‌ يكون فيه معنى التعدى، نحو: اكتسبت المال، ‌و‌ اكتحلت، ‌و‌ اختضبت، اى: كحلت عينى، ‌و‌ خضبت يدى، ‌و‌ اشتغلت ليس بمطاوع ‌و‌ ليس فيه معنى التعدى.
 ‌و‌ اجيب بانه ‌فى‌ الاصل مطاوع لفعل هجر استعماله ‌فى‌ فصيح الكلام، ‌و‌ الاصل اشغلته بالالف فاشتغل، مثل احرقته فاحترق، ‌و‌ فيه معنى التعدى، فانك تقول اشتغلت بكذا، ‌و‌ الجار ‌و‌ المجرور ‌فى‌ معنى المفعول.
 ‌و‌ قد نص الازهرى على استعمال مشتغل ‌و‌ مشتغل.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس: «فلا اشغل» بالبناء للمفعول مضارع شغلت به، ‌و‌ هى احسن.
 ‌و‌ احتمل الشى ء- على افتعله- بمعنى: حمله.
 ‌و‌ الاصر بالكسر: الحمل الثقيل الذى ياصر صاحبه، اى: يحبسه مكانه.
 
و قيل: ‌هو‌ الثقل ‌و‌ الشده.
 ‌و‌ التبعات: جمع تبعه على وزن كلمه.
 قال صاحب المحكم: التبعه ‌و‌ التباعه: ‌ما‌ اتبعت ‌به‌ صاحبك ‌من‌ ظلامه ‌و‌ نحوها، ‌و‌ التبعه ‌و‌ التباعه: ‌ما‌ فيه اثم يتبع به، انتهى.
 ‌و‌ اراده المعنى الثانى هنا انسب، ‌و‌ اكثر اهل اللغه لم يذكروا للتبعه الا المعنى الاول.
 ‌و‌ المكسب: مصدر ميمى بمعنى الكسب. ‌و‌ ‌فى‌ هذه الفقره دلاله على عزه اكتساب المال ‌من‌ الوجه الذى يحل ‌و‌ يجمل، ‌و‌ ‌ان‌ المكاسب الطيبه الجميله قليله عند الحر العادل، ‌و‌ ‌من‌ هنا كان العالم العاقل ‌فى‌ اكثر الاحوال مقلا، لانه ‌لا‌ ياخذ المال الا كما يجب ‌و‌ ‌فى‌ الوقت الذى يجب، ‌و‌ الجاهل يسهل عليه الجمع ‌من‌ حيث ‌لا‌ يبالى فيما يتناول بارتكاب محظور، ‌و‌ استباحه محجور، ‌و‌ تناول محذور، ‌و‌ استنزال الناس عما ‌فى‌ ايديهم بالمكر، ‌و‌ مساعدتهم على ارتكاب الشر طعما ‌فى‌ نفعهم، ‌و‌ لهذا ‌ما‌ يوجد الكريم الفاضل ‌و‌ العالم العادل يتهم جده ‌و‌ يشكو بخته، كما قال القائل.
 ‌لا‌ تنكرى ‌ان‌ كان اعسر فيكم
 ذو المجد ‌و‌ استغنى لئيم المحتد
 ‌ان‌ البزاه رووسهن عواطل
 ‌و‌ التاج معقود براس الهدهد
 ‌و‌ قال ابوتمام:
 ‌لا‌ تنكرى عطل الكريم ‌من‌ الغنى
 فالسيل حرب للمكان العالى
 ‌و‌ قال آخر:
 ‌و‌ حكومه الايام يسعد جاهل
 فيها ‌و‌ يشقى العالم النحرير
 
قوله السلام: «فاطلبنى بقدرتك ‌ما‌ اطلب» اطلبه اطلابا: اسعفه بما طلب.
 
قال ‌فى‌ الفائق: اطلاب الحاجه: انجازها ‌و‌ الاسعاف بها، يقال: طلبته فاطلبنى اى: اسعفنى، كما يقال: سالته فاسالنى اى: اعطانى سولى.
 ‌و‌ اجاره اجاره: حفظه ‌و‌ امنه.
 ‌و‌ رهب رهبا- ‌من‌ باب تعب-: خاف، ‌و‌ الاسم الرهبه. ‌و‌ مدار هذا الفصل على سئوال الهامه عليه السلام الاجمال ‌فى‌ الكسب ‌و‌ الطلب، وصونه عن تحمل المشقه ‌و‌ ارتكاب الماثم فيهما.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الصحيح عن ابى جعفر عليه السلام، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌فى‌ حجه الوداع: الا ‌ان‌ الروح الامين نفث ‌فى‌ روعى انه ‌لا‌ تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله ‌و‌ اجملوا ‌فى‌ الطلب، ‌و‌ ‌لا‌ يحملنكم استبطاء شى ء ‌من‌ الرزق ‌ان‌ تطلبوه بشى ء ‌من‌ معصيه الله، فان الله تبارك ‌و‌ تعالى قسم الارزاق بين خلقه حلالا ‌و‌ لم يقسمها حراما، فمن اتقى الله ‌و‌ صبر اتاه الله برزقه ‌من‌ حله، ‌و‌ ‌من‌ هتك حجاب الستر ‌و‌ عجل فاخذه ‌من‌ غير حله قص ‌به‌ ‌من‌ رزقه الحلال، ‌و‌ حوسب عليه يوم القيامه.
 ‌و‌ عن اميرالمومنين عليه السلام: ‌كم‌ ‌من‌ متعب نفسه مقتر عليه، ‌و‌ مقتصد ‌فى‌ الطلب قد ساعدته المقادير.
 ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى كثيره جدا.
 ‌و‌ ‌لا‌ يتوهم انه عليه السلام سال ترك الاكتساب مطلقا، فان ذلك ‌لا‌ يجوز، فقد تظافرت الاخبار عنهم عليهم السلام ‌ان‌ احد ‌من‌ ‌لا‌ يستجاب له رجل جلس ‌فى‌ بيته ‌و‌ قال: ‌يا‌ رب ارزقنى، فيقال: الم آمرك بالطلب.
 
 
و عن على ‌بن‌ عبدالعزيز قال: قال لى ابوعبدالله عليه السلام: ‌ما‌ فعل عمر ‌بن‌ مسلم؟ قلت: جعلت فداك اقبل على العباده ‌و‌ ترك التجاره، فقال: ويحه اما علم ‌ان‌ تارك الطلب ‌لا‌ يستجاب له، ‌ان‌ قوما ‌من‌ اصحاب رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله لما نزلت «و ‌من‌ يتق الله يجعل له مخرجا ‌و‌ يرزقه ‌من‌ حيث ‌لا‌ يحتسب»، اغلقوا الابواب ‌و‌ اقبلوا على العباده ‌و‌ قالوا: قد كفينا، فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله، فارسل اليهم فقال: ‌ما‌ حملكم على ‌ما‌ صنعتم؟ فقالوا: ‌يا‌ رسول الله، الله تكفل لنا بارزاقنا فاقبلنا على العباده، فقال: انه ‌من‌ فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب.
 ‌و‌ الروايات ‌فى‌ هذا الباب اكثر ‌من‌ ‌ان‌ تحصى.
 
هذا الفصل ‌من‌ الدعاء اورده السيد الرضى ‌فى‌ نهج البلاغه، ‌و‌ نسبه الى اميرالمومنين صلوات الله عليه، الا ‌ان‌ بين الالفاظ اختلافا يسيرا، ‌و‌ عباره النهج: ‌و‌ ‌من‌ دعاء له عليه السلام: اللهم صن وجهى باليسار، ‌و‌ ‌لا‌ تبذل جاهى بالاقتار، فاسترزق طالبى رزقك، ‌و‌ استعطف شرار خلقك، ‌و‌ ابتلى بحمد ‌من‌ اعطانى، ‌و‌ افتتن بذم ‌من‌ منعنى، ‌و‌ انت ‌من‌ وراء ذلك ولى الاعطاء ‌و‌ المنع، انك على كل شى ء قدير.
 صانه صونا: حفظه ‌و‌ وقاه، وصان الرجل عرضه عن الدنس فهو صين، ‌و‌ صان الثوب: خلاف ابتذله.
 ‌و‌ الوجه هنا: بمعنى الجاه، ‌و‌ منه: كان لعلى عليه السلام وجه ‌من‌ الناس حياه فاطمه.
 
قال ابن الاثير: اى: جاه ‌و‌ ‌عز‌ فقدهما بعدها.
 ‌و‌ اليسار بالفتح: الغنى ‌و‌ الثروه.
 ‌و‌ ابتذله: امتهنه ‌و‌ لم يصنه.
 ‌و‌ الجاه: القدر ‌و‌ المنزله ‌و‌ الحرمه.
 قيل: ‌هو‌ مقلوب ‌من‌ الوجه.
 ‌و‌ قتر على عياله قترا ‌و‌ قتورا- ‌من‌ بابى ضرب ‌و‌ قعد- ‌و‌ اقتر اقتارا ‌و‌ قتر تقتيرا اى: ضيق ‌فى‌ النفقه، كل ذلك بمعنى واحد.
 ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا: ضيق الرزق ‌و‌ الفقر.
 سال عليه السلام صون جاهه ‌و‌ عزه باليسار، ‌و‌ عدم امتهان قدره ‌و‌ حرمته بالاقتار، لاستلزام الغنى احترام صاحبه عند عامه الناس.
 ‌و‌ استلزام الفقر مهانه المبتلى ‌به‌ عندهم. ‌و‌ ‌فى‌ بعض الاثار: احسنوا تعهد المال فانه ‌ما‌ افتقر احد قط الا اصابه ثلاث خلال: رقه ‌فى‌ دينه، ‌و‌ ضعف ‌فى‌ عقله، ‌و‌ ذهاب ‌من‌ مروته، ‌و‌ الرابعه هى العظمى ‌و‌ هى استخفاف الناس به.
 ‌و‌ ‌فى‌ وصايا لقمان: ‌يا‌ بنى اكلت الحنظل ‌و‌ ذقت الصبر فلم يكونا امر ‌من‌ الفقر، فان افتقرت فلا تحدث الناس كيلا ينتقصوك.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌لا‌ تدعوا التجاره فتهونوا.
 ‌و‌ كان بعضهم يقول: الناس لصاحب المال الزم ‌من‌ الشعاع للشمس، ‌و‌ ‌من‌ الذنب للمصر، ‌و‌ ‌من‌ الحكم للمقر، ‌و‌ ‌هو‌ عندهم ارفع ‌من‌ السماء ‌و‌ اعذب ‌من‌ الماء، ‌و‌ احلى ‌من‌ الشهد ‌و‌ ازكى ‌من‌ الورد، خطوه صواب ‌و‌ سيئته حسنه، ‌و‌ قوله مقبول
 
و حديثه معسول، يغشى مجلسه ‌و‌ ‌لا‌ تمل صحبته، ‌و‌ المفلس عند الناس اكذب ‌من‌ لمعان السراب، ‌و‌ ‌من‌ سحاب تموز، ‌لا‌ يسال عنه ‌ان‌ تخلف ‌و‌ ‌لا‌ يسلم عليه ‌ان‌ قدم، اذا غاب شتموه ‌و‌ ‌ان‌ حضر طردوه، ‌و‌ ‌ان‌ غضب ضعفوه، مصافحته تنقض الوضوء، ‌و‌ قراءته تقطع الصلاه، اثقل ‌من‌ الامانه، ‌و‌ ابغض ‌من‌ المبرم الملحف.
 ‌و‌ كان ينسد لعروه الصعاليك:
 ذرينى للغنى اسعى فانى
 رايت الناس شرهم الفقير
 ‌و‌ ابعدهم ‌و‌ اهونهم عليهم
 ‌و‌ ‌ان‌ امسى له حسب ‌و‌ خير
 ‌و‌ يكرهه الندى ‌و‌ تزدريه
 حليلته ‌و‌ ينهره الصغير
 ‌و‌ تلفى ذا الغنى ‌و‌ له جلال
 يكاد فواد صاحبه يطير
 قليل ذنبه ‌و‌ الذنب جم
 ‌و‌ لكن للغنى رب غفور
 ‌و‌ ‌من‌ كلام اميرالمومنين عليه السلام انه قال لابنه محمد: ‌يا‌ بنى انى اخاف عليك الفقر فاستعذ بالله منه، فان الفقر منقصه للدين، مدهشه للعقل، داعيه للمقت.
 امره عليه السلام بالاستعاذه ‌من‌ الفقر لما فيه ‌من‌ المكاره الثلاثه:
 اما كونه منقصه للدين، فللاشتغال بهمه ‌و‌ تحصيل مابه قوام البدن عن العباده.
 ‌و‌ اما كونه مدهشه للعقل، فلانه محل دهشه العقل ‌و‌ حيرته ‌و‌ ضيق الصدر به، ‌و‌ ‌هو‌ ظاهر.
 ‌و‌ اما كونه داعيه للمقت، فلمقت الخلق ‌و‌ بغضهم لصاحبه، كما قيل:
 الناس اعداء لكل مدقع
 صفر اليدين ‌و‌ اخوه للمكثر
 
قال بعضهم: ‌و‌ ربما يقدح ‌فى‌ عداله الرجل اقلاله.
 شهد بعض العدول المقلين عند قاض بشهاده، فتوقف ‌فى‌ شهادته مع انه نسيج وحده ‌فى‌ زهادته، فقال له بعضهم: انى لك ‌فى‌ العداله رجل مثله؟ قال: ‌هو‌ كذلك الا انه رجل فقير ‌و‌ الذى شهد ‌به‌ عظيم، فعجبوا ‌من‌ قوله. ‌و‌ ‌فى‌ هذا المعنى قال بعضهم:
 فصاحه سحبان ‌و‌ ‌خط‌ ابن مقله
 ‌و‌ حكمه لقمان ‌و‌ زهد ابن ادهم
 اذا اجتمعت ‌فى‌ المرء ‌و‌ المرء مفلس
 فليس له قدر بمقدار درهم
 ‌و‌ قال بعض الاكابر: المال ‌فى‌ هذا الزمان ‌عز‌ للمومن، ‌و‌ قال: المال سلاح المومن، ‌و‌ كان بين يديه دنانير يقلبها، فقيل له: انك لتحبها، فقال: لولا هذه لتمندل القوم باعراضنا تمندلا.
 ‌و‌ ترك ابن المبارك دنانير ‌و‌ قال: اللهم انك تعلم انى لم اجمعها الا لاصون بها حسبى ‌و‌ دينى.
 ‌و‌ قال الحكماء: المال يرفع صاحبه ‌و‌ ‌ان‌ كان وضيع النسب قليل الادب، ‌و‌ ينصره ‌و‌ ‌ان‌ كان جبانا، ‌و‌ يبسط لسانه ‌و‌ ‌ان‌ كان عيا، ‌به‌ تظهر المروءه ‌و‌ تتم الرئاسه، يصلك اذا قطعك الناس، ‌و‌ ينصرك اذا خذلك الاقربون، ‌و‌ لولاه ‌ما‌ مدح كريم ‌و‌ لاصين حريم.
 ‌و‌ قال الشاعر:
 ‌و‌ لم اربعد الدين خيرا ‌من‌ الغنى
 ‌و‌ لم اربعد الكفر شرا ‌من‌ الفقر
 
و قال جار الله الزمخشرى:
 ‌لا‌ تلمنى اذا وقيت الاواقى
 فالاواقى لماء وجهى واقى
 ‌و‌ كان بعض المعروفين بالحرص اذا صار الدرهم ‌فى‌ يده خاطبه ‌و‌ ناجاه ‌و‌ حياه ‌و‌ فداه، ‌و‌ قال: بابى انت ‌و‌ امى ‌كم‌ ‌من‌ ارض قطعت، ‌و‌ كيس خرقت، ‌و‌ ‌كم‌ ‌من‌ خامل رفعت، ‌و‌ رفيع بمقارقتك اياه اخملت، لك عندى الا تعرى ‌و‌ ‌لا‌ تضحى، ثم يلقيه ‌فى‌ كيسه ‌و‌ يقول: اسكن على بركه اسم الله ‌فى‌ مكان ‌لا‌ تزول عنه ‌و‌ ‌لا‌ تزعج.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ الغنى المطلوب ‌فى‌ الدعاء له عليه السلام ‌هو‌ ‌ما‌ دفع ضروره الحاجه بحسب الاقتصاد ‌و‌ القناعه، ‌و‌ قام باوامر الله تعالى ‌و‌ مراضيه، ‌من‌ الحج ‌و‌ الصدقات ‌و‌ صله الرحم ‌و‌ ‌ما‌ اشبه ذلك، ‌و‌ هذا ‌هو‌ الغنى المحمود الممدوح بقوله صلى الله عليه ‌و‌ آله: نعم المال الصالح للعبد الصالح.
 ‌لا‌ المفهوم المتعارف بين ارباب الدنيا ‌من‌ جمع المال ‌و‌ ادخاره ‌و‌ الاتساع ‌به‌ فوق الحاجه، فان على هذا الوجه مذموم، بل ‌هو‌ وبال على صاحبه.
 قال اميرالمومنين صلوات الله عليه: ‌من‌ آتاه الله منكم مالا فليحسن فيه الضيافه، ‌و‌ ليصل ‌به‌ القرابه، ‌و‌ ليصبر فيه على النائبه، ‌و‌ ليفك منه العانى ‌و‌ الاسير، ‌و‌ ليعطه ابن السبيل ‌و‌ الفقير فتلك تمام المروه ‌و‌ شرف الدنيا ‌و‌ الاخره.
 ثم الجاه ايضا له اعتباران، فما اريد لله ‌و‌ الاستعانه ‌به‌ على اداء حقوق الله
 
و طاعته، فهو الجاه المحمود الذى سال الله حفظه عليه باليسار ‌و‌ عدم الاقتار ، ‌و‌ ‌هو‌ الذى امتن الله سبحانه على الانبياء، كقوله: «يا مريم ‌ان‌ الله يبشرك بكلمه منه اسمه المسيح عيسى ‌بن‌ مريم، وجيها ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره».
 ‌و‌ ‌ما‌ اريد ‌به‌ الفخر ‌و‌ التروس ‌فى‌ الدنيا فهو المذموم.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث النبوى: اذا كان يوم القيامه دعا الله بعبد ‌من‌ عباده فيوقف بين يديه، فيساله عن جاهه كما يساله عن ماله.
 قوله عليه السلام: «فاسترزق اهل رزقك». الفاء: للسببيه، اى: فبسبب ابتذال جاهى بالاقتار استرزق اهل رزقك، الذين ‌من‌ شانهم ‌ان‌ يكونوا مرزوقين ‌لا‌ ‌ان‌ يطلب منهم الرزق، ‌و‌ استعطى شرار خلقك الذين ليسوا باهل الاستعطاء، ‌و‌ ظاهر ‌ان‌ الحاجه قد تدعو الى ذلك. ‌و‌ الفعلان منصوبان، اما الاول فبان مضمره بعد فاء السببيه وجوبا، لوقوعه جوابا للدعاء، ‌و‌ اما الثانى فبالعطف على الاول.
 ‌و‌ ‌فى‌ بيانه عليه السلام لهذا السبب تاكيد للالتجاء بالله تعالى ‌فى‌ اعادته ‌من‌ الفقر ‌و‌ صيانته عنه، اذ كان ‌فى‌ استرزاق الخلق ‌من‌ الذل ‌و‌ الخضوع للمطلوب منه، ‌و‌ مهانه النفس ‌و‌ اشتغالها عن التوجه الى المعبود، ‌ما‌ يجب ‌ان‌ يستعاذ بالله منه، ‌و‌ يضرع اليه ‌فى‌ الوقايه عنه، ‌و‌ ‌فى‌ استعطاء الاشرار ‌ما‌ يستلذ معه ذوالمروه طعم العلقم، ‌و‌ يستحلى مذاق الصبر ‌و‌ سم الارقم.
 ‌و‌ قد تواترت الروايات ‌و‌ الاثار، ‌و‌ تطابقت الاخبار ‌و‌ الاشعار، على ذم السئوال ‌و‌ كراهيه بذل الوجه ‌فى‌ الطلب الى الناس، خصوصا ممن لم يكن معروفا بالمعروف.
 فمن ذلك ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الصحيح عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌ان‌ الله تبارك ‌و‌ تعالى احب شيئا لنفسه ‌و‌ ابغضه
 
لخلقه، ابغض لخلقه المساله، ‌و‌ احب لنفسه ‌ان‌ يسال، ‌و‌ ليس شى ء احب الى الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌من‌ ‌ان‌ يسال، فلا يستحى احدكم ‌ان‌ يسال الله ‌من‌ فضله ‌و‌ لو شسع نعله.
 ‌و‌ روى عنه عليه السلام: اياكم ‌و‌ سئوال الناس، فانه ذل ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ فقر تعجلونه، ‌و‌ حساب طويل يوم القيامه.
 ‌و‌ عن الحسين ‌بن‌ ابى العلاء قال: قال ابوعبدالله عليه السلام: رحم الله عبدا عف ‌و‌ تعفف ‌و‌ ‌كف‌ عن المساله، فانه يتعجل الدنيه ‌فى‌ الدنيا، ‌و‌ ‌لا‌ يغنى الناس عنه شيئا.
 ‌و‌ ‌فى‌ الصحيح عن ابى جعفر عليه السلام: لو يعلم السائل ‌ما‌ ‌فى‌ المساله ‌ما‌ سال احد احدا، ‌و‌ لو يعلم المعطى ‌ما‌ ‌فى‌ العطيه ‌ما‌ ‌رد‌ احد احدا.
 ‌و‌ ‌فى‌ وصيه اميرالمومنين صلوات الله عليه لابنه الحسن عليه السلام: اكرم نفسك عن كل دنيه ‌و‌ ‌ان‌ ساقتك الى الرغائب، فانك لن تعتاض مما تبذل ‌من‌ نفسك عوضا، ‌و‌ ‌لا‌ تكن عبد غيرك ‌و‌ قد جعلك الله حرا، ‌و‌ ‌ان‌ استطعت ‌ان‌ ‌لا‌ يكون بينك ‌و‌ بين الله ذو نعمه فافعل، فانك مدرك قسمك ‌و‌ آخذ سهمك، فان اليسير ‌من‌ الله سبحانه اكرم ‌و‌ اعظم ‌من‌ الكثير ‌من‌ خلقه، ‌و‌ ‌ان‌ كان كل منه، ‌و‌ حفظ ‌ما‌ ‌فى‌ يديك احب الى ‌من‌ طلب ‌ما‌ ‌فى‌ يد غيرك، ‌و‌ مراره الياس خير ‌من‌ الطلب الى الناس.
 ‌و‌ قال بعض السلف، ‌من‌ سال حاجه فقد عرض نفسه على الرق، فان قضاها المسوول استعبده بها، ‌و‌ ‌ان‌ رده عنها رجع حرا، ‌و‌ هما ذليلان، هذا بذل اللوم ‌و‌ ذاك بذل الرد.
 
و ‌فى‌ الديوان المنسوب الى اميرالمومنين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه:
 كد كد العبد ‌ان‌ احببت ‌ان‌ تصبح حرا
 ‌و‌ اقطع الامال عن مال بنى آدم طرا
 ‌لا‌ تقل ذا مكسب يزرى فقصد الناس ازرى
 انت ‌ما‌ استغنيت عن غيرك اعلى الناس قدرا
 ‌و‌ ‌من‌ الشعر المنسوب الى الحسين عليه السلام:
 اغن عن المخلوق بالخالق
 تغن عن الكاذب بالصادق
 ‌و‌ استرزق الرحمن ‌من‌ فضله
 فليس غير الله ‌من‌ رازق
 ‌و‌ انشد ابن الاعرابى:
 ابا هانى ‌لا‌ تسال الناس ‌و‌ التمس
 بكفيك فضل الله ‌و‌ الله اوسع
 فلو سئل الناس التراب لاوشكوا
 اذا قيل هاتوا ‌ان‌ يملوا ‌و‌ يمنعوا
 محمود الوراق:
 شاد الملوك قضورهم ‌و‌ تحصنوا
 ‌من‌ كل طالب حاجه ‌او‌ راغب
 فارغب الى ملك الملوك ‌و‌ ‌لا‌ تكن
 ‌يا‌ ذا الضراعه طالبا ‌من‌ طالب
 سلم الخاسر:
 اذا اذن الله ‌فى‌ حاجه
 اتاك النجاح على رسله
 فلا تسال الناس ‌من‌ فضلهم
 ‌و‌ لكن سل الله ‌من‌ فضله
 احمد ‌بن‌ سيف الانبارى:
 لموت الفتى خير ‌من‌ البخل للفتى
 ‌و‌ للبخل خير ‌من‌ سئوال بخيل
 
لعمرك ‌ما‌ شى ء لوجهك قيمه
 فلا تلق انسانا بوجه ذليل
 ‌و‌ لبعضهم:
 اذا اظلماتك اكف اللئام
 كفتك القناعه شبعا ‌و‌ ريا
 فكن رجلا رجله ‌فى‌ الثرى
 ‌و‌ هامه همته ‌فى‌ الثريا
 ‌و‌ ‌لا‌ تخضعن اذا ‌ما‌ افتقرت
 ‌و‌ ‌لا‌ تسال الرزق ‌ما‌ عشت حيا
 فان اراقه ماء الحياه
 دون اراقه ماء المحيا
 ‌و‌ حكى ‌ان‌ ابا تمام حبيب ‌بن‌ اوس الطائى قصد البصره منتجعا، فلما وردها سال عن شاعرها، فذكر له عبد الصمد ‌بن‌ المعدل، فقال: انشدونى شيئا ‌من‌ شعره، فانشد قوله:
 لست تنفك طالبا لوصال
 ‌من‌ حبيب ‌او‌ طالبا لنوال
 ‌اى‌ ماء لحر وجهك يبقى
 بين ذل الهوى ‌و‌ ذل السئوال
 فحول راحلته عنها ‌و‌ لم يدخلها.
 ‌و‌ قريب ‌من‌ هذا المعنى قوله بعضهم ‌فى‌ ابى الطيب المتنبى:
 ‌اى‌ فضل لشاعر يطلب الفضل
 ‌من‌ الناس بكره ‌و‌ عشيا
 عاش حينا يبيع بالكوفه ماء
 ‌و‌ حينا يبيع ماء المحيا
 عبدالصمد ‌بن‌ المعذل:
 تكلفنى اذلال نفسى لعزها
 ‌و‌ هان عليها ‌ان‌ اهون لتكرما
 تقول سل المعروف يحيى ‌بن‌ اكثم
 فقلت سليه رب يحيى ابن اكثما
 القاضى عبدالعزيز الجرجانى:
 
يقولون لى فيك انقباض ‌و‌ انما
 راوا رجلا عن مورد الذل احجما
 ذا قيل هذا مورد قلت قد ارى
 ‌و‌ لكن نفس الحر تحتمل الظما
 ‌و‌ اما سئوال ‌من‌ ليس اهلا للمعروف ‌و‌ ‌من‌ ‌هو‌ باللوم موصوف، فهو ادهى ‌و‌ امر ‌و‌ اسوا ‌و‌ اضر.
 ‌و‌ قد روى ‌ان‌ ‌فى‌ زبور داود عليه السلام: ‌ان‌ كنت تسال عبادى فاسال معادن الخير ترجع مغبوطا مسرورا، ‌و‌ ‌لا‌ تسال معادن الشر ترجع ملوما محسورا.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاثر: ‌ان‌ الله تعالى اوحى الى موسى عليه السلام: لئن تدخل يدك ‌فى‌ فم التنين الى المرفق خير ‌من‌ تبسطها الى غنى قد نشا ‌فى‌ الفقر.
 ‌و‌ ‌من‌ كلامهم: ‌لا‌ شى ء اوجع للاحرار ‌من‌ الرجوع الى الاشرار.
 ‌و‌ قيل لاعرابى: ‌ما‌ السقم الذى ‌لا‌ يبرا ‌و‌ الجرح الذى ‌لا‌ يندمل؟ قال: حاجه الكريم الى اللئيم.
 ‌و‌ ‌من‌ كلام اميرالمومنين عليه السلام: فوت الحاجه اهون ‌من‌ طلبها الى غير اهلها.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ماء وجهك جامد يقطره السئوال، فانظر عند ‌من‌ تقطره.
 ‌و‌ اوصى بعضهم ابنه فقال: ‌لا‌ تدنس عرضك، ‌و‌ ‌لا‌ تبذلن وجهك بالطلب الى ‌من‌ ‌ان‌ ردك كان رده عليك عيبا، ‌و‌ ‌ان‌ قضى حاجتك جعلها عليك منا، ‌و‌ احتمل الفقر بالتنزه عما ‌فى‌ ايدى الناس، ‌و‌ الزم القناعه بما قد قسم لك.
 
و قال رجل لابنه: اياك ‌ان‌ تريق ماء وجهك عند ‌من‌ ‌لا‌ ماء ‌فى‌ وجهه.
 راى الا صمعى كناسا يكنس كنيفا، ‌و‌ ‌هو‌ ينشد:
 ‌و‌ اكرم نفسى اننى ‌ان‌ اهنتها
 ‌و‌ حقك لم تكرم على احد بعدى
 قال: فقلت له، ‌يا‌ هذا انك ‌و‌ الله لم تترك ‌من‌ الهوان شيئا الا ‌و‌ قد فعلته بنفسك مع هذه الحرفه، فقال: بلى ‌و‌ الله اننى صنتها عما ‌هو‌ اعظم ‌من‌ هذا ‌من‌ الهوان، قلت: ‌و‌ ‌اى‌ شى ء هو؟ قال: سئوال مثلك، قال: فانصرفت عنه ‌و‌ انا اخزى الناس.
 ‌و‌ ‌فى‌ الصحيح عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: ‌ان‌ محمد ‌بن‌ المنكدر كان يقول: ‌ما‌ كنت ارى ‌ان‌ على ‌بن‌ الحسين عليه السلام يدع خلفا افضل منه، حتى رايت ابنه محمد ‌بن‌ على عليهماالسلام، فاردت ‌ان‌ اعظه فوعظنى، فقال له اصحابه: باى شى ء وعظك؟ قال: خرجت الى بعض نواحى المدينه ‌فى‌ ساعه حاره فلقينى ابوجعفر محمد ‌بن‌ على عليه السلام، ‌و‌ كان رجلا بادنا ثقيلا، ‌و‌ ‌هو‌ متكى ء على غلامين اسودين ‌او‌ موليين، فقلت ‌فى‌ نفسى: سبحان الله، شيخ ‌من‌ اشياخ قريش ‌فى‌ هذه الساعه على هذه الحاله ‌فى‌ طلب الدنيا، اما لاعظنه، فدنوت منه فسلمت عليه، فرد على ببهر ‌و‌ ‌هو‌ يتصاب عرقا، فقلت: اصلحك الله، شيخ ‌من‌ اشياخ قريش ‌فى‌ هذه الساعه على هذه الحاله ‌فى‌ طلب الدنيا، ارايت لو جاءك اجلك ‌و‌ انت على هذه ‌ما‌ كنت تصنع؟ فقال: لو جاءنى الموت ‌و‌ انا على هذه الحال جاءنى ‌و‌ انا ‌فى‌ طاعه ‌من‌ طاعه الله ‌عز‌ ‌و‌ جل، اكف بها نفسى ‌و‌ عيالى عنك ‌و‌ عن الناس، ‌و‌ انما كنت اخاف ‌ان‌ لو جاءنى الموت ‌و‌ انا على معصيه ‌من‌ معاصى الله، فقلت: صدقت يرحمك الله اردت ‌ان‌ اعظك فوعظتنى.
 
و مما جاء نظما ‌فى‌ هذا المعنى قول عمر ‌بن‌ احمد الباهلى:
 ‌و‌ ‌من‌ يطلب المعروف ‌من‌ غير اهله
 يجد مطلب المعروف غير يسير
 اذا انت لم تجعل لعرضك جنه
 ‌من‌ الذم سار الذم كل مسير
 ‌و‌ قال آخر:
 ‌و‌ اذا بليت ببذل وجهك سائلا
 فابذله للمتكرم المفضال
 ‌ان‌ الجواد اذا حباك بموعد
 اعطاك سلسا بغير مطال
 ‌ما‌ اعتاض باذل وجهه بسواله
 عوضا ‌و‌ لو نال المنى بسوال
 ‌و‌ اذا السئوال مع النوال قرنته
 رجح السئوال ‌و‌ خف كل نوال
 ‌و‌ قال آخر:
 قطعى يدى بيدى اخف على ‌من‌
 مدى الى نذل لاخذ يديدا
 غضب الاله على ‌ان‌ اك راضيا
 ليدى بان تمتاح ‌من‌ يده يدا
 ‌و‌ قال آخر:
 ‌و‌ اسال اعرف ‌ان‌ سالت جوادا
 لم يزل يعرف الغنا ‌و‌ اليسارا
 فاذا لم تجد ‌من‌ الذل بدا
 فالق بالذل ‌ان‌ لقيت الكبارا
 ليس اجلا لك الكبير بذل
 انما الذل ‌ان‌ تجل الصغارا
 ابوشراعه العبسى:
 ‌ان‌ الغنى عن لئام الناس مكرمه
 ‌و‌ عن كرامهم ادنى الى الكرم
 
منصور الفقيه:
 الموت اسهل عندى
 بين القنا ‌و‌ الاسنه
 ‌و‌ الخيل تجرى سراعا
 مقطعات الاعنه
 ‌من‌ ‌ان‌ يكون لنذل
 على فضل ‌و‌ منه
 قوله عليه السلام: «فافتتن بحمد ‌من‌ اعطانى» الفاء: عاطفه سببيه مفيده للتعقيب.
 والافتتان هنا: بمعنى الميل، ‌من‌ قولهم فتن المال الناس- ممن باب ضرب- فتونا فاتتنوا اى: استمالهم فمالوا.
 ‌و‌ الابتلاء: الاصابه بالمكروه، يروى ابتلاء بالبناء للمفعول، ‌و‌ ابتلى بالبناء للفاعل، فالاول ‌من‌ ابتلاه ابتلاء، ‌و‌ الثانى مطاوع بلاه فابتلى هو، ‌و‌ ‌فى‌ بيان هذا السبب تاكيد آخر للاعاذه ‌من‌ الفقر الموجب لاسترزاق الخلق ‌و‌ استعطاء شرارهم، اذ كان ذلك مستلزما للصرف عن الله تعالى ‌و‌ التوجه الى قبلتهم الحقيقيه.
 ‌و‌ الواو ‌من‌ قوله: «و انت»: للحال، اى: ‌لا‌ تبتذل جاهى بالاقتار، فيلحقنى بسببه ‌ما‌ يلحقنى ‌من‌ المكاره المعدوده، ‌و‌ الحال انك ‌من‌ دون الخلق ولى الاعطاء ‌و‌ المنع.
 ‌و‌ دون هنا: تفيد التجاوز ‌و‌ التخطى، كما تقول لمن وهبته ملكا: هذا لك ‌من‌ دون الناس، اى: ‌لا‌ يتجاوز منك الى غيرك.
 ‌و‌ من: ابتدائيه.
 ‌و‌ الولى: فعيل بمعنى فاعل، ‌من‌ ولى الامر: اذا قام به، اى: ‌و‌ انت ‌من‌ دونهم القائم بالاعطاء ‌و‌ المنع.
 
قال ابن ابى الحديد: «و ولى» المرتفع بانه خبر المبتدا ‌و‌ يكون خبرا بعد خبر، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون «ولى» ‌هو‌ الخبر، ‌و‌ يكون ‌من‌ دونهم جمله مركبه ‌من‌ الجار ‌و‌ المجرور منصوبه الموضع على الحال، انتهى.
 قلت: الظاهر ‌او‌ الوجه الثانى متعين، لان فائده الكلام ‌لا‌ تتم الا به، فتامله.
 
الصحه ‌فى‌ البدن: حاله طبيعيه تجرى افعاله معها على المجرى الطبيعى، ‌و‌ قد استعيرت للمعانى، فقيل: صحت الصلاه: اذا اسقطت القضاء، ‌و‌ صح العقد: اذا ترتب عليه اثره، ‌و‌ صح الخبر: اذا طابق الواقع.
 ‌و‌ العباده: اقصى غايه التذلل ‌و‌ الخضوع لله تعالى، ‌و‌ منه: طريق معبد اى: مذلل.
 ‌و‌ فى: ظرفيه مجازيه، بتشبيه ملابسه الصحه للعباده ‌فى‌ الاجتماع معها بملابسه الظرف للمظروف، فتكون كلمه «فى» استعاره تبعيه.
 ‌و‌ لك ‌ان‌ تعتبر تشبيه الهيئه المنتزعه ‌من‌ الصحه ‌و‌ العباده ‌و‌ المصاحبه احداهما للاخرى بالهيئه المنتزعه ‌من‌ المظروف ‌و‌ الظرف ‌و‌ اصطحابهما، فيكون الكلام استعاره تمثيليه تركب كل ‌من‌ طرفيها، لكنه لم يصرح ‌من‌ الالفاظ التى بازاء المشبه الا بلفظ «فى»، فان مدلولها ‌هو‌ العمده ‌فى‌ تلك الهيئه، ‌و‌ ‌ما‌ عداه تبع له يلاحظ معه ‌فى‌ ضمن الفاظ منويه، فلا تكون كلمه «فى» استعاره، بل هى على معناها الحقيقى.
 ‌و‌ لك ‌ان‌ تشبه العباده بما يكون محلا ‌و‌ ظرفا للشى ء على طريقه الاستعاره بالكنايه، ‌و‌ يكون ذكر كلمه «فى» قرينه ‌و‌ تخييلا، ‌و‌ قس على ذلك ‌ما‌ بعده.
 
سال عليه السلام ‌ان‌ تكون صحته مستعمله ‌فى‌ عبادته تعالى، حذرا ‌من‌ صرفها فيما ليس لله فيه رضى.
 ففى الحديث: صحه الابدان ‌و‌ الابصار يسال الله العباد فيما استعملوها ‌و‌ ‌هو‌ اعلم بذلك.
 ‌و‌ الفراغ: خلاص الانسان ‌من‌ المهمات.
 ‌و‌ المراد هنا: الفراغ ‌من‌ المهمات الدنيويه.
 ‌و‌ الزهاده: الزهد، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ اللغه: ترك الميل الى الشى ء لعدم الرغبه فيه، ‌و‌ ‌فى‌ الاصطلاح: ‌هو‌ بغض الدنيا ‌و‌ الاعراض عنها.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ترك راحه الدنيا طلبا لراحه الاخره. ‌و‌ سياتى الكلام عليه مبسوطا ‌فى‌ الروضه الثانيه ‌و‌ العشرين ‌ان‌ شاء الله تعالى.
 ‌و‌ لما كان الفراغ ‌من‌ دواعى الفساد ‌و‌ بواعث طموح النفس الى راحه الدنيا، كما قيل:
 ‌ان‌ الشباب ‌و‌ الفراغ ‌و‌ الجده
 مفسده للمرء ‌اى‌ مفسده
 سال عليه السلام ‌ان‌ يكون فراغه منوطا بالزهاده، محاطا بها احاطه الظرف بالمظروف، حتى ‌لا‌ يكون شى ء منه خارجا عنها، فلا يشتغل بشى ء ‌من‌ شهوات النفس الاماره، ‌و‌ ‌لا‌ يلتفت الى ‌ما‌ يصرفه عن قبلته الحقيقيه.
 ‌و‌ المراد بالعلم هنا: ‌ما‌ تعلق بكيفيه العمل، بدليل قوله: «فى استعمال»، فان العلم قسمان:
 علم عقلى، كالعلم بذات الله سبحانه ‌و‌ افعاله ‌و‌ صفاته، ‌و‌ ‌هو‌ مراد لنفسه.
 
و علم عملى، ‌و‌ ‌هو‌ المتعلق بكيفيه اعمال الطاعات ‌و‌ تروك المعاصى ‌و‌ السيئات، ‌و‌ ‌هو‌ مطلوب للعمل به.
 فالاول علم حر مطلق ‌لا‌ تعلق له بالعمل، بل ‌هو‌ نتيجه العمل ‌و‌ ثمرته ‌و‌ يسمى علم الوصول.
 ‌و‌ الثانى علم خادم مقيد متعلق بالعمل، ‌و‌ ‌هو‌ وسيله العمل ‌و‌ مبدوه، ‌و‌ يسمى علم السلوك.
 ‌و‌ ‌لا‌ يبعد ‌ان‌ يراد بالعلم المسوول هنا المتعلق بمعرفه الله تعالى ‌و‌ ‌ما‌ يليق به، ‌و‌ معرفه ‌ما‌ يجب معرفته عقلا ‌و‌ شرعا، ‌و‌ ‌هو‌ الذى يجب التدين ‌به‌ ‌و‌ الاعتقاد له ‌و‌ العكوف عليه ‌و‌ المحافظه له، ثم العمل بمقتضاه ‌ان‌ كان المقصود منه العمل، فيصير بذلك عالما ربانيا، كما قال تعالى: «كونوا ربانيين».
 قال الازهرى: ‌هم‌ ارباب العلم الذين يعملون بما يعلمون، ‌و‌ بهما يتحقق كمال الدين ‌و‌ تمامه.
 كما قال اميرالمومنين عليه السلام: ‌ان‌ كمال الدين طلب العلم ‌و‌ العمل به.
 ‌و‌ ‌سر‌ ذلك ‌ان‌ الانسان بالعلم يعرف واضع الدين ‌و‌ حدوده، ‌و‌ احكامه ‌و‌ لواحقه ‌و‌ شرائطه، ‌و‌ مداخله ‌و‌ مخارجه، ‌و‌ مصالحه ‌و‌ مفاسده، ‌و‌ بالعمل يحققه ‌و‌ يقيمه ‌و‌ يوجده، ‌و‌ يضع كل واحد ‌من‌ اجزائه ‌فى‌ موضعه، ‌و‌ يخرجه ‌من‌ حيز البطون الى حيز الظهور، فلولا العلم بطل العمل، ‌و‌ لولا العمل بطل العلم ‌و‌ صار بلا فائده، ‌و‌ لهذا وردت الاخبار ‌و‌ الاثار مستفيضه بالحث على العمل بالعلم، ‌و‌ ذم العلم بدون العلم.
 
فمن ذلك ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده الى صاحب الدعاء على ‌بن‌ الحسين عليه السلام، انه قال: مكتوب ‌فى‌ الانجيل: ‌لا‌ تطلبوا علم ‌ما‌ ‌لا‌ تعلمون ‌و‌ لما تعملوا بما علمتم، فان العلم اذا لم يعمل ‌به‌ لم يزدد ‌به‌ صاحبه الا كفرا، ‌و‌ لم يزدد ‌من‌ الله الا بعدا.
 ‌و‌ عن اميرالمومنين عليه السلام: اذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلكم تهتدون.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌من‌ اخذ العلم ‌من‌ اهله ‌و‌ عمل ‌به‌ نجا، ‌و‌ ‌من‌ اراد ‌به‌ الدنيا فهو حظه.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌ان‌ العالم اذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب، كما يزل المطر عن الصفا.
 ‌و‌ الورع: الكف عما ‌لا‌ ينبغى، يقال: ورع عن المحارم يرع بكسرتين ورعا بفتحتين ورعه كعده فهو ورع: ‌اى‌ كثير الورع، ‌و‌ ورعته عن الامر توريعا: كففته فتورع.
 ‌و‌ قد قسموا ورع الانفس على اربع درجات:
 الاولى: هى الورع عما يوجب التفسيق ‌و‌ سقوط العداله، ‌و‌ هذه ادناها.
 الثانيه: ورع الصالحين، ‌و‌ ‌هو‌ التحرج عما تتطرق اليه شبهه الحرمه، ‌و‌ ‌ان‌ ساغ ذلك ‌فى‌ الفتوى، ‌و‌ ‌هو‌ الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: دع ‌ما‌ يريبك الى مالا يريبك.
 ‌و‌ الثالثه: ورع المتقين، ‌و‌ ‌هو‌ ترك المباح خوفا ‌من‌ انتهائه الى المحظور، مثل ترك التحدث باحوال الناس حذرا ‌من‌ ‌ان‌ ينجر الى الغيبه.
 
قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌لا‌ يبلغ الرجل درجه المتقين حتى يدع ‌ما‌ ‌لا‌ باس ‌به‌ مخافه ‌ما‌ ‌به‌ باس.
 الرابعه: ورع الصديقين، ‌و‌ ‌هو‌ ترك ‌ما‌ ‌لا‌ يراد بتناوله القوه على طاعه الله ‌او‌ يلم بصاحبه بعض خواطر المعصيه.
 كما يحكى ‌ان‌ ذاالنون المصرى كان محبوسا، فكان تبعث اليه امراه صالحه بطعام تشتريه بغزلها، فكان يقاسى الجوع ‌و‌ ‌لا‌ يتناوله منه، ‌و‌ يقول: انه جاء على طبق حرام، يريد يد السجان.
 ‌و‌ لم يكن بشر الحافى يشرب ‌من‌ الانهار الكبار التى تحتفرها السلاطين، لانها حفرت بغير اجره ‌او‌ باجره دفعت ‌من‌ مال حرام
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «فى اجمال» اى: ‌فى‌ رفق ‌و‌ اقتصاد، ‌من‌ اجمل ‌فى‌ الطلب: اذا رفق ‌و‌ اقتصد ‌و‌ لم يفرط.
 ‌و‌ المراد: ورعا غير خارج عن الاقتصاد الى ‌حد‌ الافراط، فيخرج عن حقيقه الورع .
 ‌و‌ لهذا قال بعض اهل التحقيق: قد يشتبه الورع بالوسواس، ‌و‌ ذلك كمن كان له ثوبان، احدهما لم تلحقه نجاسه، ‌و‌ الاخر لحقته فغسله، فيترك الصلاه ‌فى‌ المغسول لانه مسته نجاسه ‌و‌ كمن قبل احد يده فيغسلها، ‌و‌ يقول: ‌ان‌ الخروج ‌من‌ عهده التكليف يتوقف على غسلها، لان ‌من‌ الجائز ‌ان‌ يكون ‌من‌ مسها نجسا.
 
و ظاهر ‌ان‌ مثل ذلك ‌من‌ الوسواس، ‌و‌ ‌ان‌ عده بعض العامه ‌من‌ باب الورع.
 ورئى رجل بعرفات ‌و‌ بيده زبيبه، ‌و‌ ‌هو‌ ينادى الا ‌من‌ ضاعت له زبيبه، فقيل له: امسك فان هذا ‌من‌ الورع الذى يمقت الله عليه، ‌و‌ الله اعلم.
 
ختم الشى ء يختمه- ‌من‌ باب ضرب-: اتمه ‌و‌ انهاه، ‌و‌ ختمته به: جعلته خاتمه له، ‌و‌ خاتمه كل شى ء: آخره.
 ‌و‌ المراد بالاجل هنا: مده العمر، ‌و‌ يطلق على وقت انقطاع الحياه كما تقدم ‌فى‌ اوائل الروضه الاولى.
 ‌و‌ الغرض طلب حسن الخاتمه ‌و‌ سعاده العاقبه، لما تقرر ‌من‌ ‌ان‌ كل ‌من‌ مات على شى ء حكم له ‌به‌ خير ‌و‌ شر.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌ان‌ ‌من‌ كتبه الله سعيدا، ‌و‌ ‌ان‌ لم يبق ‌من‌ الدنيا الا فواق ناقه، ختم له بالسعاده.
 ‌و‌ حققت حذره ‌و‌ امله- ‌من‌ باب قتل- ‌و‌ احققته احقاقا ‌و‌ حققته تحقيقا: اذا فعلت ‌ما‌ كان يحذره ‌و‌ يامله.
 ‌و‌ الرجاء: تعلق القلب بحصول امر محبوب ‌فى‌ المستقبل قريب الحصول لحصول اكثر اسبابه، ‌و‌ الامل ابعد منه.
 ‌و‌ لذلك سال عليه السلام تحقيق الامل الذى ‌هو‌ بعيد بالنسبه الى الرجاء، ‌و‌ جعل الرجاء ‌هو‌ المامول، ‌و‌ ذلك لشده الاشفاق ‌و‌ الخوف، حتى كان الرحمه التى تعلق قلبه بحصولها لم يحصل لديه اكثر اسبابها، فيرجوها بل يامل رجاءها المستلزم لحصول اكثر اسبابها.
 
و السهل: خلاف الحزن، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ ... ‌من‌ الارض ‌و‌ صعب سلوكه، ‌و‌ سهل الطريق تسهيلا: جعله سهلا.
 ‌و‌ السبل بضمتين: جمع سبيل، ‌و‌ ‌هو‌ الطريق.
 ‌و‌ فرق بينهما: بان السبيل اغلب وقوعا ‌فى‌ الخير، ‌و‌ ‌لا‌ يكاد اسم الطريق يراد ‌به‌ الخير الا مقترنا بوصف ‌او‌ اضافه تخلصه لذلك، كقوله تعالى: «يهدى الى الحق ‌و‌ الى طريق مستقيم».
 ‌و‌ المراد بالسبل: الطاعات ‌و‌ الخيرات ‌و‌ الاسباب التى يكتسب بها العبد الملكات الفاضله الموصوله الى رضاه تعالى، ‌و‌ بتسهيلها: توفيقه للقيام بها ‌من‌ غير مشقه ‌و‌ عسر، ‌و‌ هى استعاره مرشحه.
 ‌و‌ الاحوال: جمع حال، ‌و‌ المراد بها هنا المعنى اللغوى، ‌و‌ ‌هو‌ الوصف حالا كان ‌او‌ ملكه، فيعم الصحه ‌و‌ المرض، ‌و‌ السرور ‌و‌ الحزن، ‌و‌ الحلم ‌و‌ الغضب، ‌و‌ غير ذلك ‌من‌ الكيفيات النفسانيه راسخه كانت ‌او‌ زائله.
 ‌و‌ تحسين العمل: توفيقه لتاديه ‌ما‌ توجبه المعرفه شرعا ‌او‌ عرفا ‌من‌ الاعمال باحسن جهاتها ‌و‌ بمقدار تمامها.
 
نبه للامر نبها- ‌من‌ باب تعب-: فطن له، ‌و‌ نبهته له ‌و‌ عليه تنبيها: فطنته.
 ‌و‌ الذكر: عباره عن وجدان المذكور ‌و‌ حضوره ‌فى‌ القلب.
 ‌و‌ له لب ‌هو‌ المقصود، ‌و‌ قشور ثلاثه.
 فالا على ذكر اللسان، ثم ذكر القلب تكلفا بحيث يحتاج الى مراقبته حتى
 
يحضر، ثم ذكره طبعا بان يتمكن ‌من‌ القلب، بحيث يحتاج الى تكلف ‌فى‌ صرفه عنه الى غيره، ثم استيلاء المذكور ‌و‌ انمحاء الذكر ‌و‌ الذاكر، بان يفنى عن نفسه ‌و‌ ذكره ‌و‌ ‌لا‌ يلتفت الى قيامه ايضا، ذاهبا الى ربه اولا، ثم ذاهبا فيه بالاستغراق ‌به‌ آخرا، لو التفت الى شى ء ‌من‌ ذلك لكان معرضا عن الله غير منفك عن الشرك الخفى، ‌و‌ هذه الحاله سماها العارفون بالفناء لانه «جاء الحق ‌و‌ زهق الباطل».
 ‌و‌ الغفله عن الشى ء: عدم حظوره بالبال.
 ‌و‌ قيل: متابعه النفس على ‌ما‌ تشتهيه.
 ‌و‌ قيل: ابطال الوقت بالبطاله.
 ‌و‌ قد تقدم الكلام على كل ‌من‌ الذكر ‌و‌ الغفله مبسوطا ‌فى‌ الرياض السابقه.
 ‌و‌ المهله بالضم: التاخير ‌و‌ الانظار، يقال: امهلته امهالا ‌و‌ مهلته تمهيلا: انظرته ‌و‌ اخرت طلبه.
 ‌و‌ المراد بايام المهمله: مده العمر ‌و‌ ايام حياته ‌فى‌ الدنيا.
 ‌و‌ اعلم انه لما كان غرض العنايه الالهيه سوق كل ناقص الى كماله، اقتضت عنايته سبحانه عدم معاجله العباد بالعقاب ‌و‌ الانتقام، ‌و‌ الاخذ بالذنوب ‌و‌ المعاصى ‌فى‌ هذه الحياه الدنيا، ليراجعوا التوبه ‌و‌ يرجعوا الى الانابه، فكانه سبحانه انظرهم ببقائهم ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ امهلهم مده حياتهم فيها، فلذلك عبر عن مده العمر بايام المهله.
 ‌و‌ نهجت الطريق انهجه- ‌من‌ باب منع- ‌و‌ انهجته انهاجا: ‌او‌ ضحته ‌و‌ ابنته.
 ‌و‌ محبه العبد لله تعالى قيل: هى ارادته لطاعته ‌و‌ امتثال اوامره ‌و‌ نواهيه.
 
 
و قال المحققون: هى كيفيه روحانيه مترتبه على تصور الكمال المطلق الذى فيه على الاستمرار، ‌و‌ مقتضيه للتوجه التام الى حضره القدس بلا فتور ‌و‌ فرار.
 ‌و‌ اما محبته لغيره فكيفيه تترتب على تخيل كمال فيه ‌من‌ لذه ‌او‌ منفعه ‌او‌ مشاكله تخيلا مستمرا، كمحبه العاشق لمعشوقه ‌و‌ المنعم عليه لمنعمه ‌و‌ الوالد لولده ‌و‌ الصديق لصديقه، ‌و‌ قد سلف الكلام على هذا المطلب ‌فى‌ الروضه السادسه مبسوطا، فليرجع اليه.
 ‌و‌ السبيل: تونث ‌و‌ تذكر.
 قال الاخفش: اهل الحجاز يونثون السبيل ‌و‌ الطريق ‌و‌ الزقاق ‌و‌ السوق، ‌و‌ تميم تذكر كل ذلك، ‌و‌ قد ورد التنزيل بلغه الحجاز، قال تعالى: «قل هذه سبيلى»، ‌و‌ لذلك جاء عليه السلام بصفتها مونثه ‌و‌ هى قوله «سهله» بتاء التانيث.
 ‌و‌ الكمال: التمام، ‌و‌ اكمال الشى ء: اتمامه.
 ‌و‌ فرق بعضهم بينهما فقال: الاتمام لازاله نقصان الاصل، ‌و‌ الاكمال لازاله نقصان العوارض بعد تمام الاصل، ‌و‌ لهذا كان قوله تعالى: «تلك عشره كامله» احسن ‌من‌ تامه، فان التام ‌من‌ العدد قد علم، ‌و‌ انما نفى احتمال نقص ‌فى‌ صفاتها.
 ‌و‌ قيل ثم يشعر بحصول نقص قبله، ‌و‌ كمل ‌لا‌ يشعر بذلك.
 ‌و‌ قال العسكرى: الكمال: اسم لاجتماع ابعاض الموصوف به، ‌و‌ التمام: اسم للجزء الذى يتم ‌به‌ الموصوف، ‌و‌ لهذا يقال: القافيه تمام البيت ‌و‌ ‌لا‌ يقال: كماله، ‌و‌ يقولون: البيت بكماله اى: باجتماعه.
 ‌و‌ يويد هذا المعنى الروايه الاخرى ‌فى‌ الدعاء: «و اجمع لى بها خير الدنيا
 
و الاخره» بدل «اكمل لى».
 ‌و‌ الضمير ‌من‌ «بها» راجع اما الى المحبه ‌او‌ السبيل.
 ‌و‌ اعلم انه ليس المراد بخير الدنيا ‌ما‌ يتبادر الى اكثر الاذهان ‌من‌ المعنى المشهور ‌فى‌ العرف العام، ‌و‌ ‌هو‌ كثره المال ‌و‌ القنيات الدنيويه، بل المراد ‌به‌ : ‌ما‌ كان وسيله الى خير الاخره الذى ‌هو‌ السعاده الاخرويه كما قال اميرالمومنين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه ‌و‌ قد سئل عن الخير ‌ما‌ هو: ليس الخير ‌ان‌ يكثر مالك ‌و‌ ولدك، ‌و‌ لكن الخير ‌ان‌ يكثر علمك، ‌و‌ ‌ان‌ يعظم حلمك، ‌و‌ ‌ان‌ تباهى الناس بعباده ربك، فان احسنت حمدت الله، ‌و‌ ‌ان‌ اسات استغفرت الله، ‌و‌ ‌لا‌ خير ‌فى‌ الدنيا الا لرجلين: رجل اذنب ذنوبا فهو يتداركها بالتوبه، ‌و‌ رجل سارع ‌فى‌ الخيرات.
 ‌و‌ ‌لا‌ يقل عمل مع التقوى، ‌و‌ كيف يقل ‌ما‌ يتقبل؟.
 فتراه عليه السلام كيف حصر خير الدنيا ‌فى‌ امرين:
 احدهما: الاشتغال بمحو السيئات ‌و‌ اعدامها، ‌و‌ تدارك فارط الذنوب بالتوبه، فتسعد النفس بذلك لاكتساب الحسنات.
 الثانى: الاشتغال باكتساب الحسنات ‌و‌ المسارعه ‌فى‌ فعل الخيرات، ليفوز بالسعاده الاخرويه، ‌و‌ ‌لا‌ واسطه ‌من‌ الخير المكتسب بين هذين الامرين.
 ‌و‌ لما كانت محبته تعالى مستلزمه للتوجه التام الى حضرته المقدسه ‌من‌ غير فتور ‌و‌ ‌لا‌ كلال، كانت سببا لكمال خير الدنيا بهذا المعنى، ‌و‌ لكمال خير الاخره بالطريق الاولى، ‌و‌ الله اعلم.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: قال الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: اذا اردت ‌ان‌ اجمع للمسلم خير
 
الدنيا ‌و‌ الاخره جعلت له قلبا خاشعا، ‌و‌ لسانا ذاكرا، ‌و‌ جسدا على البلاء صابرا، ‌و‌ زوجه مومنه تسره اذا نظر اليها، ‌و‌ تحفظه اذا غاب عنها ‌فى‌ نفسها ‌و‌ ماله.
 
الجار ‌و‌ المجرور ‌من‌ كاف التشبيه، ‌و‌ افعل التفضيل ‌فى‌ محل نصب على انه صفه لموصوف محذوف ‌و‌ ‌هو‌ مصدر منصوب ب«صل»، ‌و‌ التقدير: صل على محمد ‌و‌ آله صلاه كائنه كافضل ‌ما‌ صليت فحذف المصدر ‌و‌ نابت صفته منابه، فهى ظرف مستقر متعلق بمحذوف وجوبا، ‌و‌ هذا ‌هو‌ المشهور ‌فى‌ اعراب نحو ذلك.
 ‌و‌ ذهب سيبويه ‌و‌ ابن هشام الى غير ذلك، قال ابن هشام ‌فى‌ شرح القطر: ليس مما ينوب عن المصدر صفته، نحو: «فكلا منها رغدا» خلافا للمعربين، زعموا ‌ان‌ الاصل اكلا رغدا، ‌و‌ انه حذف الموصوف ‌و‌ نابت صفته منابه ‌و‌ انتصبت انتصابه.
 ‌و‌ مذهب سيبويه ‌ان‌ ذلك انما ‌هو‌ حال ‌من‌ مصدر الفعل المفهوم منه، ‌و‌ التقدير: فكلا منها حال كون الاكل رغدا، ‌و‌ يدل على ذلك انهم يقولون: سير عليه طويلا، فيقيمون الجار ‌و‌ المجرور مقام الفاعل، ‌و‌ ‌لا‌ يقولون: «طويل» بالرفع، فدل على انه حال ‌لا‌ مصدر، ‌و‌ الا لجاز اقامته مقام الفاعل، لان المصدر يقوم مقام الفاعل، انتهى.
 ‌و‌ على هذا، فالجار ‌و‌ المجرور ‌فى‌ محل نصب على الحاليه، ‌و‌ التقدير: فصل على محمد ‌و‌ آله حال كون الصلاه كافضل ‌ما‌ صليت.
 ‌و‌ ما: موصول اسمى بمعنى التى، ‌و‌ العائد محذوف، ‌و‌ حذفه مطرد كثير ‌فى‌ باب
 
الصله، ‌و‌ التقدير: كافضل الصلاه التى صليتها على احد ‌من‌ خلقك.
 ‌و‌ الواو ‌من‌ قوله: «و انت مصل»: عاطفه، ‌و‌ الجمله معطوفه على الموصول، ‌و‌ هى صله لموصول محذوف، اى: ‌و‌ ‌ما‌ انت مصل، كقوله تعالى: «آمنا بالذى انزل الينا ‌و‌ انزل اليكم» اى: ‌و‌ الذى انزل اليكم، لان الذى انزل الينا ليس ‌هو‌ الذى انزل الى ‌من‌ قبلنا، ‌و‌ كذلك ‌ما‌ نحن فيه، لان الصلاه التى صلاها على احد قبله غير الصلاه التى يصليها على احد بعده، ‌و‌ العائد محذوف ‌من‌ قوله: «مصل»، ‌و‌ التقدير: ‌و‌ الصلاه التى انت مصليها على احد بعده.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون «ما» مصدريه، فلا تحتاج الى عائد، ‌و‌ التقدير: كافضل صلاتك على احد، ‌و‌ تكون جمله قوله: «و انت مصل» معطوفه على المصدر بتقدير «ما» المصدريه، اى: ‌و‌ ‌ما‌ انت مصل.
 ‌و‌ قد جوز غير سيبويه كون صله ‌ما‌ المصدريه جمله اسميه.
 قال الرضى: ‌و‌ ‌هو‌ الحق ‌و‌ ‌ان‌ كان قليلا كما ‌فى‌ نهج البلاغه: بقوا ‌فى‌ الدنيا ‌ما‌ الدنيا باقيه.
 ‌و‌ قال الشاعر:
 اعلاقه ‌ام‌ الوليد بعد ‌ما‌
 افنان راسك كالثغام المخلس
 ‌و‌ سوغ حذف ‌ما‌ المصدريه دلاله ‌ما‌ قبلها عليها.
 على ‌ان‌ اباالفتح قال ‌به‌ ‌فى‌ قوله:
 بايه يقدمون الخيل شعثا
 كان على سنابكها مدار
 
و اعلم ‌ان‌ الغرض ‌من‌ التشبيه ‌فى‌ الصلاه هنا ‌ان‌ يختص نبينا ‌و‌ آله صلوات الله عليهم بافضل صلاه مماثله لافضل الصلوات التى عمت الخلق، فينطبق الكلام على القاعده المقرره المشهوره ‌من‌ وجوب كون المشبه ‌به‌ اقوى ‌من‌ المشبه، اذ ‌لا‌ ريب ‌ان‌ الصلاه العامه للكل ‌من‌ حيث العموم اقوى ‌من‌ الخاصه بالبعض.
 ‌و‌ هذا اولى ‌و‌ انسب ‌من‌ قول بعضهم: ‌ان‌ التشبيه باعتبار التحقق ‌و‌ الظهور ‌فى‌ المشبه به.
 قوله عليه السلام: «و آتنا ‌فى‌ الدنيا حسنه ‌و‌ ‌فى‌ الاخره حسنه» اقتباس ‌من‌ قوله تعالى: «فمن الناس ‌من‌ يقول ربنا آتنا ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ ماله ‌فى‌ الاخره ‌من‌ خلاق ‌و‌ منهم ‌من‌ يقول ربنا آتنا ‌فى‌ الدنيا حسنه ‌و‌ ‌فى‌ الاخره حسنه ‌و‌ قنا عذاب النار اولئك لهم نصيب مما كسبوا ‌و‌ الله سريع الحساب.
 قيل: المراد بالحسنتين اما ‌فى‌ الدنيا: فالصحه، ‌و‌ الامن، ‌و‌ الكفايه، ‌و‌ الولد الصالح، ‌و‌ الزوجه الصالحه، ‌و‌ النصر على الاعداء.
 ‌و‌ اما ‌فى‌ الاخره: فالفوز بالثواب، ‌و‌ الخلاص ‌من‌ العقاب.
 ‌و‌ عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ اوتى قلبا شاكرا، ‌و‌ لسانا ذاكرا، ‌و‌ زوجه مومنه تعينه على امر دنياه ‌و‌ آخرته، فقد اوتى ‌فى‌ الدنيا حسنه ‌و‌ ‌فى‌ الاخره حسنه ‌و‌ وقى عذاب النار.
 ‌و‌ عن اميرالمومنين عليه السلام: الحسنه ‌فى‌ الدنيا المراه الصالحه، ‌و‌ ‌فى‌ الاخره الحوراء، ‌و‌ عذاب النار امراه السوء.
 
و روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الصحيح عن ابى عبدالله عليه السلام ‌فى‌ هذه الايه: رضوان الله ‌و‌ الجنه ‌فى‌ الاخره، ‌و‌ المعاش ‌و‌ حسن الخلق ‌فى‌ الدنيا.
 ‌و‌ قيل: الحسنه ‌فى‌ الدنيا العمل النافع ‌و‌ ‌هو‌ الايمان ‌و‌ الطاعه، ‌و‌ ‌فى‌ الاخره التنعم بذكر الله ‌و‌ الانس ‌به‌ ‌و‌ برضوانه.
 ‌و‌ عن قتاده: الحسنتان طلب العافيه ‌فى‌ الدارين.
 ‌و‌ قيل: هى ‌فى‌ الدنيا فهم كتاب الله، ‌و‌ ‌فى‌ الاخره الجنه.
 ‌و‌ قيل: الاولى الجهاد، ‌و‌ الثانيه ثواب المجاهدين.
 ‌و‌ قيل: ‌فى‌ الدنيا العلم ‌و‌ العباده، ‌و‌ ‌فى‌ الاخره الجنه.
 ‌و‌ قال مقاتل: الاولى الرزق الواسع، ‌و‌ الثانيه المغفره ‌و‌ الثواب.
 ‌و‌ قال عطيه: الاولى العلم ‌و‌ العمل، ‌و‌ الثانيه الثواب ‌و‌ المساهله ‌فى‌ الحساب.
 ‌و‌ قيل: الاولى التوفيق ‌و‌ العصمه، ‌و‌ الثانيه النجاه ‌و‌ الرحمه.
 ‌و‌ قيل: الاولى الولد الصالح، ‌و‌ الثانيه صحبه الانبياء عليهم السلام ‌و‌ الصالحين.
 ‌و‌ قيل: الاولى المال ‌و‌ النعمه، ‌و‌ الثانيه تمام النعمه، ‌و‌ ‌هو‌ النجاه ‌من‌ العقاب ‌و‌ الوصول دار الثواب.
 ‌و‌ قيل: الاولى الاخلاص، ‌و‌ الثانيه الخلاص.
 
و قيل: الاولى ‌و‌ الثانيه كلاهما حسن العاقبه.
 ‌و‌ منشا كثره الاقوال ‌فى‌ ذلك مجى الحسنه منكره ‌فى‌ حيز الاثبات، فكل ‌من‌ المفسرين حمل اللفظ على مارآه احسن انواع الحسنه عقلا ‌او‌ شرعا، ‌و‌ بالجمله: فهذه الكلمه جامعه لخيرات الدنيا ‌و‌ الاخره.
 قال النظام النيسابورى: ‌و‌ يمكن ‌ان‌ يقال: التنوين للتعظيم، اى: حسنه ‌اى‌ حسنه، ‌او‌ يريد حسنه توافق حال الداعى ‌و‌ حكمه المدعو، ‌و‌ فيه ‌من‌ حسن الطلب ‌و‌ رعايه الادب ‌ما‌ ليس ‌فى‌ التصريح به، فان ‌لا‌ يكون الا ‌ما‌ يشاء هو، ‌او‌ يريد حسنه ماو ‌ان‌ كانت قليله، فان النظر الى المنعم ‌لا‌ الانعام.
 قليل منك يكفينى ‌و‌ لكن
 قليلك ‌لا‌ يقال له قليل
 ‌و‌ لكون دفع الضرر اهم ‌من‌ جلب النفع، صرح بذلك ‌فى‌ قوله: «و قنا عذاب النار».
 ‌و‌ قيل: معناه احفظنا ‌من‌ الشهوات ‌و‌ الذنوب الموديه الى النار، ‌و‌ الله اعلم.
 هذا آخر الروضه العشرين ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيدالعابدين، ‌و‌ قد وفق الله لاتمامها مع توزع البال ‌و‌ تنوع البلبال، ضحى يوم الجمعه التاسع عشر ‌من‌ صفر، سنه احدى ‌و‌ مائه ‌و‌ الف، ‌و‌ لله الحمد باطنا ‌و‌ ظاهرا ‌و‌ اولا ‌و‌ آخرا.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^