فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 25

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ ‌به‌ نستعين


 الحمد لله الذى لم يتخذ صاحبه ‌و‌ ‌لا‌ ولدا ، عاطف قلوب الوالدين بمزيد الرافه على ‌ما‌ ولدا ، والصلاه على نبيه اشرف الاباء ‌و‌ البنين ‌و‌ على عترته النجباء ائمه المومنين.
 ‌و‌ بعد فهذه الروضه الخامسه والعشرون ‌من‌ رياض السالكين ، ‌فى‌ شرح الدعاء الخامس ‌و‌ العشرين ‌من‌ صحيفه سيدالعابدين ، املاء الفقير الى ربه الغنى على صدرالدين الحسينى الحسنى ، غفرالله له ‌و‌ لوالديه ‌و‌ ولده ‌و‌ وفقه للعمل ‌فى‌ يومه لغده قبل خروج الامر ‌من‌ يده.
 
دعاء الوالدين للولد ‌من‌ برهما به، ‌و‌ محبتهما له، ‌و‌ اعانتهما له على بره بهما.
 ففى الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: رحم الله والدين اعانا ولدهما على برهما.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: قال له رجل ‌من‌ الانصار: ‌من‌ ابر؟ قال: والديك، قال: قد مضيا، قال: ‌بر‌ ولدك.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: ‌ان‌ الله ليرحم العبد لشده حبه لولده.
 ‌و‌ دعاء الوالد لولده ‌من‌ جمله الدعاء الذى ‌لا‌ يرد ‌و‌ ‌لا‌ يحجب. فعن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: اربعه ‌لا‌ ترد لهم دعوه حتى تفتح لهم ابواب السماء ‌و‌ تصير الى العرش: الوالد لولده، ‌و‌ المظلوم على ‌من‌ ظلمه، ‌و‌ المعتمر حتى يرجع، ‌و‌ الصائم حتى يفطر.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: كان ابى يقول: خمس دعوات ‌لا‌ يحجبن عن الرب تبارك ‌و‌ تعالى: دعوه الامام المقسط، ‌و‌ دعوه المظلوم يقول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: ‌لا‌ نتقمن لك ‌و‌ لو بعد حين، ‌و‌ دعوه الولد الصالح لوالديه، ‌و‌ دعوه الوالد الصالح لولده، ‌و‌ دعوه المومن لاخيه بظهر الغيب فيقول: لك ذلك مثلاه.
 
من عليه بكذا منا- ‌من‌ باب قتل-: انعم عليه به.
 ‌و‌ البقاء: يطلق على استمرار الوجود ‌و‌ ‌لا‌ يكون الا لله سبحانه، ‌و‌ منه: سبحان ‌من‌ توحد بالبقاء، ‌و‌ على طول الوجود، ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا.
 ‌و‌ معنى اصلاحهم له: اصلاحهم لبره ‌و‌ طاعته، ‌و‌ فيه تلميح الى قوله تعالى: «و اصلح لى ‌فى‌ ذريتى».
 قيل: ‌هو‌ دعاء باصلاح ذريته لبره ‌و‌ طاعته، لقوله: لى.
 ‌و‌ قيل: انه دعاء باصلاحهم لطاعه الله ‌عز‌ ‌و‌ جل.
 قال امين الاسلام: ‌و‌ ‌هو‌ الاشبه، لان طاعتهم لله ‌من‌ بره.
 ‌و‌ عن الزجاج: ‌اى‌ اجعل ذريتى صالحين.
 ‌و‌ قال سهل ‌بن‌ عبدالله: معناه اجعلهم لى خلف صدق ‌و‌ لك عبيد ‌حق‌
 ‌و‌ هذه المعانى كلها محتمله ‌فى‌ عباره الدعاء.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: فان قلت: ‌ما‌ معنى «فى» ‌فى‌ قوله تعالى: «و اصلح لى ‌فى‌ ذريتى»؟ قلت: معناه ‌ان‌ يجعل ذريته موقعا للصلاح ‌و‌ مظنه له، كانه قال: هب لى الصلاح ‌فى‌ ذريتى ‌و‌ اوقعه فيهم، انتهى.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ على تضمين اصلح معنى بارك.
 ‌و‌ امتعه الله بكذا امتاعا ‌و‌ متعه ‌به‌ تمتيعا: ابقاه له ليستمتع ‌به‌ اى: لينتفع به.
 يقال: استمتع بالشى ء ‌و‌ تمتع ‌به‌ اى: انتفع، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ المتاع، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ اللغه كل ‌ما‌ ينتفع به.
 
قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: مد الله ‌فى‌ عمره اى: امهل له ‌و‌ طول له انتهى.
 ‌و‌ الاعمار: جمع عمر بالضم ‌و‌ بضمتين ‌و‌ بالفتح ‌و‌ السكون، ‌و‌ ‌هو‌ الحياه.
 ‌و‌ قيل: مده بقاء الحياه.
 ‌و‌ الاجال: جمع اجل بالتحريك ‌و‌ ‌هو‌ مده العمر، ‌و‌ يطلق على الوقت الذى ينقرض فيه.
 قال بعضهم: يحتمل ‌ان‌ يكون الفقره الثانيه تاكيدا للاولى، لحرصه عليه السلام على بقائهم.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يراد بالاعمار رفاهيه العيش ‌و‌ حسن الحال، فان العرب كانت تسمى ‌من‌ عاش ‌فى‌ رفاهيه طويل العمر ‌و‌ ‌ان‌ قصر عمره، ‌و‌ ‌من‌ ليس كذلك قصير العمر ‌و‌ ‌ان‌ طال عمره.
 ‌و‌ لهذا قال بعضهم: فهل رايتم شيخا بلاعمر؟ ‌و‌ كانوا يعدون ايام السرور ‌و‌ يقولون عاش فلان كذا يوما ‌و‌ كذا سنه، ‌و‌ ‌ان‌ كان عمره اكثر، انتهى.
 قلت: اذا اريد جعل الفقره الثانيه تاسيسا ‌لا‌ تاكيدا، فالاولى ‌ان‌ يراد بالمد ‌فى‌ الاعمار البركه فيها، بان يبارك فيها بالتوفيق لاعمال الطاعات ‌و‌ عماره اوقاتهم بالخيرات.
 ‌و‌ قد فسر قوله عليه السلام: صله الرحم منساه ‌فى‌ الاجل، اى: تاخير ‌فى‌ مده العمر ‌و‌ سبب لزيادته ‌و‌ ‌ان‌ معنى الزياده ‌فى‌ العمر زيادته بالبركه فيه، بتوفيقه الى اعمال الطاعه ‌و‌ عماره اوقاته بما ينفعه ‌فى‌ الاخره، فان هذا المعنى اجدر ‌ان‌ يكون منظورا له عليه السلام ‌من‌ رفاهيه العيش، ‌و‌ الله اعلم بمقاصد اوليائه.
 ‌و‌ رباه يربيه تربيه: اوصله كما له تدريجا.
 
و القوه: تطلق على كمال القدره، ‌و‌ على شده الممانعه ‌و‌ الدفع، ‌و‌ يقابلها الضعف بالمعنيين، ‌و‌ كل ‌من‌ المعنيين ‌فى‌ المتقابلين محتمل هنا، ‌و‌ ‌لا‌ يجوز اراده كلا المعنيين فيها معا، فان استعمال اللفظ الواحد ‌فى‌ معنيين متغايرين مما ‌لا‌ مساغ له عند المحققين، بل يمكن ‌ان‌ يراد بالتقويه معنى مجازى عام، يكون كلا المعنيين- ‌من‌ تكميل القدره، ‌و‌ تشديد الممانعه ‌و‌ الدفع- فردا حقيقيا له ‌و‌ ‌هو‌ اصلاح حالهم، فان كلا ‌من‌ المعنيين المذكورين فرد حقيقى له، ‌و‌ كذلك يراد بالضعف سوء الحال، فيكون نقص القدره ‌و‌ قله الممانعه ‌و‌ الدفع فردا حقيقيا له، فافهم ذلك فانه ‌قل‌ ‌من‌ تنبه له.
 ‌و‌ الصحه ‌فى‌ الاصل: للبدن، ‌و‌ هى حاله طبيعيه له تجرى افعاله معها على المجرى الطبيعى، ثم استعيرت للافعال ‌و‌ المعانى، فقيل: صحت الصلاه اذا اسقطت القضاء، ‌و‌ صح العقد اذا ترتب اثره عليه، ‌و‌ صح مذهبه اذا وافق الحق.
 فان قلت: يلزم على هذا الجمع بين الحقيقيه ‌و‌ المجاز ‌فى‌ عباره الدعاء، لان الصحه ‌فى‌ الابدان حقيقه، ‌و‌ ‌فى‌ الاديان ‌و‌ الاخلاق مجاز، ‌و‌ قد صرحوا بان اراده المتكلم بعباره واحده حقيقه ‌و‌ مجازا غير صحيحه.
 قلت: المساله ذات خلاف مشهور، فمن جوز اجتماع الحقيقه ‌و‌ المجاز ‌فى‌ كلمه واحده، ‌و‌ احتج بقولهم: القلم احد اللسانين، فله ‌ان‌ يختار استعما لها فيهما، ‌و‌ ‌من‌ ‌لا‌ يرى صحه فينبغى ‌ان‌ يراد بالصحه معنى مجازى عام، يكون كل واحد ‌من‌ المعانى المقصوده للصحه فردا حقيقيا له، كما قلناه آنفا ‌فى‌ المشترك، اى: ‌و‌ اصلح لى احوالهم، ‌و‌ ذلك ‌فى‌ ابدانهم بالصحه التى هى الحاله الطبيعيه، ‌و‌ ‌فى‌ اديانهم بالصحه التى هى موافقه الحق، ‌و‌ ‌فى‌ اخلاقهم بالصحه التى هى الكرم ‌و‌ الحسن، ‌و‌ قس على ذلك.
 قوله عليه السلام: «و عافهم ‌فى‌ انفسهم ‌و‌ جوارحهم ‌و‌ ‌فى‌ كل ‌ما‌ عنيت ‌به‌ ‌من‌
 
امرهم» اذا اردت التفادى ‌من‌ لزوم الجمع بين الحقيقه ‌و‌ المجاز، بناء على ‌ان‌ العافيه ‌فى‌ الاصل بمعنى الصحه البدنيه ثم استعيرت لمعان اخر، ‌و‌ الاظهر انها لمعنى عام متناول لدفع جميع المكروهات ‌فى‌ النفس ‌و‌ البدن ‌و‌ ‌فى‌ الدين ‌و‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، فلا حاجه الى ذلك.
 ‌و‌ عنيت بامر فلان بالبناء للمفعول: شغلت ‌به‌ ‌و‌ اهتممت ‌به‌ فانا معنى به، ‌و‌ ربما قيل: عنيت بامره بالبناء للفاعل فانا عان، ‌و‌ الاول اكثر، ‌و‌ ‌به‌ وردت روايه الدعاء ‌لا‌ غير.
 ‌و‌ ‌در‌ اللبن ‌و‌ غيره- ‌من‌ باب ضرب ‌و‌ قتل- درا: كثر ‌و‌ زاد، ‌و‌ ادر الله الرزق ادرارا: كثره ‌و‌ وسعه.
 ‌و‌ قال شيخنا البهائى ‌فى‌ المفتاح: المراد بالرزق الدار: الذى يتجدد شيئا فشيئا ‌من‌ قولهم: ‌در‌ اللبن اذا زاد ‌و‌ كثر جريانه ‌من‌ الضرع.
 قال بعضهم: ‌و‌ ‌فى‌ تقييده السوال بقوله عليه السلام «لى» ‌فى‌ جميع الفقرات، ‌ما‌ يدل على ‌ان‌ الدعاء له ‌و‌ لهم، ‌و‌ على تمام الحنو ‌و‌ الشفقه، ‌و‌ على ‌ان‌ الدعاء له عليه السلام ابلغ ‌فى‌ الدعاء ‌و‌ اقرب الى الاجابه، ‌و‌ على ‌ان‌ كل واحد مما سال يكون على الوجه الكامل، انتهى.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «و على يدى» اى: بواسطتى.
 ‌و‌ المراد جعله واسطه ‌فى‌ وصول ارزاقهم اليهم، يقال: جرى الامر على يد فلان اذا وقع بوساطته، كانه اخذه ‌و‌ اعطاه بيده.
 ‌و‌ منه الحديث: خلقت الخير ‌و‌ اجريته على يدى ‌من‌ احبه، فطوبى لمن اجريته على يديه.
 
و فائده هذا السوال امران:
 احدهما: ‌ان‌ يزدادوا طاعه له ‌و‌ محبه ‌و‌ برا، فان ‌من‌ عرف ‌ان‌ الله تعالى اجرى رزقه على يد شخص، فلا ‌شك‌ انه يحبه ‌و‌ يعظمه ‌و‌ يطيعه.
 الثانى: اجراء الخير على يده عليه السلام، كما تضمنه الحديث المذكور.
 
و الابرار: جمع بار ‌او‌ بر، كاصحاب جمع صاحب ‌و‌ ارباب جمع رب. يقال: الرجل ‌بر‌ يبر برا مثل علم يعلم علما فهو ‌بر‌ بالفتح ‌و‌ بار ‌و‌ ‌هو‌ خلاف الفاجر.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ الصادق.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ الكثير البر، اى: الخير، ‌و‌ الاتساع ‌فى‌ الاحسان.
 ‌و‌ قال الطبرسى: ‌هو‌ الذى ‌بر‌ الله بطاعته اياه حتى ارضاه.
 ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ المراد ‌به‌ البار لوالديه، بقرينه قوله عليه السلام: اتقياء، تلميحا الى قوله تعالى: «و كان تقيا ‌و‌ برا بوالديه».
 ‌و‌ الاتقياء: جمع تقى، ‌و‌ ‌هو‌ المطيع المتجنب عن المعاصى.
 ‌و‌ قال الشهاب الفيومى: رجل تقى: ‌اى‌ زكى، ‌و‌ قوم اتقياء، ‌و‌ تقى يتقى- ‌من‌ باب تعب- تقاه ‌و‌ اتقاه اتقاء، ‌و‌ الاسم التقوى، ‌و‌ اصل التاء واو، لكنهم قلبوا، انتهى.
 ‌و‌ البصراء: جمع بصير بمعنى العالم، ‌من‌ بصر بالشى ء بالضم بصرا بفتحتين بمعنى علم فهو بصير به.
 ‌و‌ سامعين اى: مصغين اصغاء الطاعه.
 يقال: فلان سامع مطيع اى: سامع لما يومر ‌به‌ كائنا ‌ما‌ كان سمع طاعه ‌و‌ قبول، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و اتقوا الله ‌و‌ اسمعوا».
 
و مطيعين اى: مذعنين منقادين لحكمك.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «و لاوليائك محبين مناصحين» عطف على ثانى مفعولى ‌و‌ اجعل، اى: ‌و‌ اجعلهم محبين مناصحين لاوليائك، ‌و‌ انما فصل بين العاطف ‌و‌ المعطوف لان الفصل بالظرف كلا فصل. ‌و‌ قس عليه قوله: «و لجميع اعدائك معاندين ‌و‌ مبغضين».
 ‌و‌ آمين: بالقصر ‌فى‌ لغه الحجاز، ‌و‌ المد اشباع بدليل انه ‌لا‌ يوجد ‌فى‌ العربيه كلمه على فاعيل، ‌و‌ معناه: استجب، ‌و‌ قد سبق الكلام عليه مبسوطا، فليرجع اليه.
 
الشد: التقويه، ‌شد‌ يشده شدا- ‌من‌ باب قتل.
 ‌و‌ العضد: ‌ما‌ بين المرفق الى الكتف، ‌و‌ فيها خمس لغات اشهرها وزن رجل، ‌و‌ بضمتين ‌فى‌ لغه الحجاز، ‌و‌ مثل كبد ‌فى‌ لغه بنى اسد، ‌و‌ كفلس ‌فى‌ لغه تميم ‌و‌ بكر، ‌و‌ الخامسه مثال قفل.
 ‌و‌ حكى تغلب العضد بفتح العين ‌و‌ الضاد، فتكون لغاتها سته.
 قال ابو زيد: اهل تهامه يونثون العضد، ‌و‌ بنو تميم يذكرون.
 ‌و‌ قال اللحيانى: العضد مونثه ‌لا‌ غير.
 قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: ‌شد‌ عضده اى: قواه.
 
و قال الزمخشرى ‌فى‌ قوله تعالى: «سنشد عضدك باخيك»: العضد: قوام اليد ‌و‌ بشدتها تشتد اليد، قال طرفه:
 ابنى لبينى لستم بيد
 الا يدا ليست لها عضد
 ‌و‌ يقال ‌فى‌ دعاء الخير: ‌شد‌ الله عضدك، ‌و‌ ‌فى‌ ضده فت الله ‌فى‌ عضدك، ‌و‌ معنى سنشد عضدك باخيك: سنقويك ‌به‌ ‌و‌ نعينك، فاما ‌ان‌ يكون ذلك لان اليد تشتد بشده العضد، ‌و‌ الجمله تقوى بشده اليد على مزاوله الامور، ‌و‌ اما لان الرجل شبه باليد ‌فى‌ اشتدادها باشتداد العضد، فجعل كانه مشتد بعضد شديده، انتهى.
 فعلى الاول: ‌هو‌ كنايه تلوحيه عن تقويته.
 ‌و‌ على الثانى: استعاره تمثيليه، شبه حاليه ‌فى‌ تقويته باخيه بحال اليد ‌فى‌ تقويتها بعضد شديده.
 ‌و‌ ‌فى‌ قوله: ‌فى‌ اشتدادها باشتداد العضد، اشاره الى تركب التشبيه.
 ‌و‌ اقام اوده: ‌اى‌ ازال اعوجاجه، ‌و‌ الاود بفتحتين: العوج، ‌و‌ ‌هو‌ هنا مستعاره لاختلال الحال ‌و‌ خروجها عن ‌حد‌ الاستقامه، اى: ‌و‌ اصلح بهم اختلال حالى، ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ طلبه لذلك عليه السلام انما ‌هو‌ على تقدير وقوعه، فكانه قال: ‌ان‌ وقع ‌فى‌ شى ء ‌من‌ احوالى اود ‌و‌ اعوجاج فاقمه بهم، ‌و‌ قد علمت انه ‌لا‌ يلزم ‌من‌ صدق الشرطيه صدق كل واحد ‌من‌ جزءيها، فلا يلزم ‌من‌ صدق كلامه عليه السلام وقوع الاعوجاج حتى يحتاج الى اقامته بهم.
 
و الروايه ‌فى‌ اكثر النسخ: «و اقم ‌به‌ اودى» بافراد الضمير، ‌و‌ ‌هو‌ باعتبار ارجاعه الى الشد المفهوم ‌من‌ قوله عليه السلام: اشدد، نحو قوله تعالى: «اعدلوا ‌هو‌ اقرب».
 ‌و‌ قيل: ‌او‌ الى العضد ولو على وجه الاستخدام.
 ‌و‌ العدد: الكميه المتالفه ‌من‌ الوحدان، ‌او‌ المراد ‌به‌ هنا كميه جماعته ‌من‌ اهله ‌و‌ عترته، لما ‌فى‌ كثرتهم ‌من‌ عزه الجانب ‌و‌ حمايه الحوزه.
 قال الاعشى:
 ‌و‌ لست بالاكثر منهم حصى
 ‌و‌ انما العزه للكاثر
 اراد بالحصى هنا العدد.
 قال الجوهرى: احصيت الشى ء: عددته، ‌و‌ قولهم: نحن اكثر منهم حصى اى: عددا، انتهى.
 ‌و‌ المحضر: مكان الحضور، ‌و‌ تزين محضره بهم كنايه عن تحليتهم بالفضائل ‌و‌ الكمالات التى ‌من‌ حلى بها كانت زينه للمحاضر ‌و‌ المشاهد اذا حضرها.
 ‌و‌ احياه: جعله حيا.
 ‌و‌ المراد بالذكر هنا: الصيت ‌و‌ الذكر الجميل ‌فى‌ الناس.
 قال ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز: له ذكر ‌فى‌ الناس اى: صيت ‌و‌ شرف.
 اى: ابق بهم ذكرى ‌و‌ اظهره بين الناس.
 شبه الابقاء ‌و‌ الاظهار بالاحياء ‌فى‌ الايجاد، ثم استعار لفظ الاحياء لذلك الابقاء، ‌و‌ هى استعاره تبعيه، ‌و‌ القرينه جعل مفعوله الذكر، ‌و‌ ‌هو‌ ‌لا‌ يحيى حقيقه،
 
لان الاحياء ‌فى‌ الحقيقه اعطاء الحياه، ‌و‌ هى صفه تقتضى الحس ‌و‌ الحركه الاراديه، ‌و‌ تفتقر الى البدن ‌و‌ الروح.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون استعاره بالكنايه، بان يكون شبه ذكره الذى ينقطع بعد موته بالانسان الميت، ‌و‌ اثبت له الاحياء الذى ‌هو‌ ‌من‌ لوازم المشبه به. ‌و‌ حياه الذكر ‌من‌ مشهورات الاستعارات، قال الشاعر:
 ‌هو‌ الموت فاختر ‌ما‌ حلالك ذكره
 فلم يمت الانسان ‌ما‌ حيى الذكر
 ‌و‌ هذه الفقره تتضمن الدعاء بامرين:
 احدهما: ابقاوهم بعده ليذكر بهم بعد موته.
 ‌و‌ الثانى: جعلهم فضلاء كاملين، بحيث ينتشر صيته بهم ‌فى‌ الناس.
 ‌و‌ كفاه الامر: قام مقامه فيه، اى: اجعلهم قائمين مقامى ‌فى‌ غيبتى. ‌و‌ اعانه على امره: ساعده عليه.
 وحدب عليه حدبا- ‌من‌ باب تعب-: تعطف عليه، فهو حدب على وزن كتف.
 ‌و‌ الاقبال: هنا كنايه عن الاعتناء ‌و‌ الاكرام، لان ‌من‌ اعتنى باحد ‌و‌ اكرمه التفت اليه ‌و‌ اقبل عليه بوجهه.
 ‌و‌ مستقيمين: ‌اى‌ مستوين ‌لا‌ اعوجاج فيهم، ‌و‌ ذلك بالتحلى بالاخلاق الفاضله المعتدله بين الطرفين المستقيمه بين المنحرفين، ‌او‌ ثابتين على الطاعه ‌و‌ البر دائمين على الانقياد لى،
 ‌و‌ منه حديث: استقيموا لقريش ‌ما‌ استقاموا لكم.
 
اى: دوموا لهم ‌فى‌ الطاعه ‌و‌ اثبتوا عليها ‌ما‌ داموا على الدين ‌و‌ ثبتوا على الاسلام.
 قوله عليه السلام: «غير عاصين» اما نعت موكد لمعنى قوله: «مطيعين»، ‌او‌ حال موكده ‌من‌ الضمير ‌فى‌ مطيعين. ‌و‌ «لا»: مزيده لتاكيد ‌ما‌ افاده «غير» ‌من‌ معنى النفى، كانه قيل: ‌لا‌ عاصين ‌و‌ ‌لا‌ عاقين. ‌و‌ ‌لا‌ خاطئين: ‌اى‌ متعمدين للذنب.
 قال الاموى: المخطى ء: ‌من‌ اراد شيئا فصار الى غيره، ‌و‌ الخاطى ء: ‌من‌ تعمد ‌ما‌ ‌لا‌ ينبغى.
 ‌و‌ قال الفيومى: قال ابوعبيده: خطى خطا- ‌من‌ باب علم- ‌و‌ اخطا: بمعنى واحد لمن يذنب على غير عمد. ‌و‌ قال غيره: خطى ء ‌فى‌ الدين، ‌و‌ اخطا ‌فى‌ كل شى ء عامدا ‌او‌ غير عامد.
 ‌و‌ قيل: خطى ء اذا تعمد ‌ما‌ نهى عنه فهو خاطى ء، ‌و‌ اخطا اذا اراد الصواب فصار الى غيره، فان اراد غير الصواب ‌و‌ فعله قيل: قصده ‌و‌ تعمده، انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: اخطا ‌فى‌ المساله ‌و‌ ‌فى‌ الراى، ‌و‌ خطى خطا عظيما: اذا تعمد الذنب.
 
قوله عليه السلام: «وهب لى ‌من‌ لدنك معهم» كلا الجارين ‌و‌ الظرف متعلق بهب، فاللام صله له، ‌و‌ من: لابتداء الغايه مجازا، ‌و‌ مع: لزمان الاجتماع، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون «من» متعلقه بمحذوف ‌و‌ ‌هو‌ حال ‌من‌ المفعول، اى: كائنين ‌من‌ لدنك، كما يجوز ‌ان‌ يكون الظرف ‌من‌ قوله: «معهم كذلك» اى: حال كونهم معهم.
 ‌و‌ «من» ‌فى‌ قوله: «من لدنك»: تنبيه على ‌ان‌ هذا المقصود ‌لا‌ يكون ‌و‌ ‌لا‌ يحصل الا ‌من‌ عنده تعالى.
 
و الذكر بالتحريك: خلاف الانثى، ‌و‌ الجمع ذكور ‌و‌ ذكران، ‌و‌ ‌لا‌ يجوز جمعه بالواو ‌و‌ النون، لان ذلك مختص بالعلم العاقل، ‌و‌ الوصف الذى يجمع مونثه بالالف ‌و‌ التاء، ‌و‌ ماشذ عن ذلك فمسموع ‌لا‌ قياس عليه.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «و اجعل ذلك خيرا لى» فيه احتراز على وجه التلميح الى قوله تعالى: «ايحسبون انما نمدهم ‌به‌ ‌من‌ مال ‌و‌ بنين نسارع لهم ‌فى‌ الخيرات بل ‌لا‌ يشعرون» اى: ايحسبون ‌ان‌ الذى نمدهم ‌به‌ ‌من‌ المال ‌و‌ البنين نسارع ‌به‌ لهم فيما فيه خيرهم؟ كلا ‌لا‌ نفعل ذلك، بل ‌هم‌ ‌لا‌ يشعرون بان ذلك الامداد استدراج لهم ‌و‌ استجرار لهم الى زياده الاثم، فهو ‌شر‌ لهم.
 فسال عليه السلام: ‌ان‌ تكون هبه ‌ما‌ ساله ‌من‌ الاولاد خير له، حتى ‌لا‌ يكون داخلا ‌فى‌ مضمون هذه الايه ‌و‌ نحوها.
 ‌و‌ قوله عليه السلام «و اجعلهم لى على ‌ما‌ سالتك» اى: على النحو الذى سالتك اياه ‌فى‌ الاولاد الذين ‌و‌ هبتهم لى سابقا، ‌من‌ المنه على ببقائهم ‌و‌ اصلاحهم الى قوله: «و اعنى على تربيتهم ‌و‌ تاديبهم ‌و‌ برهم».
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: «و اجعلهم عونا لى على ‌ما‌ سالتك»، فيجوز تعلق «على» بقوله: «عونا» فيكون ‌ما‌ ساله عليه السلام: سوالا تقدم منه ‌لا‌ ذكر له هنا، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون متعلقا بمحذوف ‌هو‌ صفه لقوله «عونا»، اى: كائنا على النحو الذى سالتك ‌فى‌ الاولاد الموجودين، ‌من‌ ‌شد‌ عضدى ‌و‌ اقامه اودى بهم، الى غير ذلك مما سبق سواله.
 ‌و‌ قول بعض المترجمين: ليس ‌فى‌ اكثر النسخ المصححه قوله: «عونا»، لكنه مراد، لان اللام للنفع ‌و‌ «على» للضرر، ‌لا‌ معنى له، بل المعنى على عدم قوله:
 
«عونا» اوضح، ‌و‌ الله اعلم.
 
اعذنى: ‌اى‌ اجرنى بحفظك.
 ‌و‌ ذريتى: عطف على الضمير.
 ‌و‌ الرجيم: ‌اى‌ المطرود، ‌و‌ اصل الرجم الرمى بالحجاره.
 ‌و‌ الفاء: لتعليل طلب الاعاده، فهى للدلاله على سببيه ‌ما‌ بعدها لما قبلها.
 ‌و‌ عائد الموصول ‌من‌ قوله: «ما امرتنا» محذوف، اى: ‌ما‌ امرتنا به، كقوله تعالى: «فاصدع بما تومر» اى: تومر به.
 ‌و‌ الضمير ‌من‌ «عقابه» اما عائد الى قوله: «ما امرتنا» باعتبار مخالفته، ‌او‌ الى ‌ما‌ ‌دل‌ عليه سياق الكلام، اى: عقاب ‌ما‌ نهيتنا عنه.
 ‌و‌ جعلت: اما بمعنى خلقت، فيكون متعديا الى واحد، ‌و‌ الجار ‌و‌ المجرور متعلق به، ‌او‌ بمحذوف وقع حالا مما بعده لكونه نكره.
 
و اما بمعنى صيرت، فيكون متعديا الى مفعولين، اولهما: عدوا، ‌و‌ ثانيهما: الظرف المتقدم، قدم على الاول مسارعه الى بيان العداوه، ‌و‌ ‌هو‌ متعلق بمحذوف اى: عدوا كائنا لنا، فان خبر «صار» ‌فى‌ الحقيقه ‌و‌ الكون المقدر العامل ‌فى‌ الظرف.
 ‌و‌ جمله «يكيدنا» ‌فى‌ محل نصب صفه لعدو.
 
 تنبيه
 
 اختلفوا ‌فى‌ سبب عداوه ابليس لادم عليه السلام ‌و‌ ذريته، فقال بعضهم: انه الحسد، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ ابليس لما راى ‌ما‌ اكرم الله ‌به‌ آدم، ‌من‌ اسجاد الملائكه له ‌و‌ تعليمه ‌ما‌ لم يطلع عليه الملائكه، حسده ‌و‌ عاداه ‌و‌ ذريته.
 ‌و‌ قال آخرون: ‌ان‌ السبب ‌هو‌ تباين اصليهما، ‌و‌ لمنافره الاصلين اثر قوى ‌فى‌ منافره الفرعين، قالوا: ‌و‌ تباين اصليهما ‌هو‌ منشا القياس الفاسد ‌من‌ ابليس حين امر بالسجود، ‌و‌ ذلك قوله: «انا خير منه خلقتنى ‌من‌ نار ‌و‌ خلقته ‌من‌ طين»، فكانه ‌فى‌ خطابه يقول: ‌ان‌ آدم جسمانى كثيف ‌و‌ انا روحانى لطيف، ‌و‌ الجسمانى ادون حالا ‌من‌ الروحانى، ‌و‌ الادون كيف يليق ‌ان‌ يكون مسجودا للاعلى؟ ‌و‌ ايضا فان اصل آدم ‌من‌ صلصال ‌من‌ حما مسنون، ‌و‌ الصلصال ‌فى‌ غايه الدناءه، ‌و‌ اصلى ‌من‌ اشرف العناصر، ‌و‌ اذا كان اصلى خيرا ‌من‌ اصله وجب ‌ان‌ اكون خيرا منه ‌و‌ اشرف، ‌و‌ الاشرف يقبح ‌ان‌ يامر بالسجود للادون. قالوا: فكان ذلك قياسا، فاول ‌من‌ قاس ‌هو‌ ابليس، فاجابه الله جوابا على سبيل التنبيه دون التصريح: «اخرج منها مذءوما مدحورا».
 قال بعض الفضلاء: ‌و‌ تقريره ‌ان‌ الذى قاله تعالى نص بحكم الحكمه الالهيه ‌و‌ القدره الربانيه، ‌و‌ الذى قاله ابليس قياس، ‌و‌ ‌من‌ عارض النص بالقياس كان
 
مرجوما ملعونا، ‌و‌ انما نسب حصول عداوه ابليس لنا الى الله تعالى ‌فى‌ قوله: «و جعلت لنا عدوا»، لكونه سبحانه السبب الاول ‌فى‌ وجوده، ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن تعالى ‌هو‌ الداعى الى العداوه، كما يقال: اضله الله، ‌من‌ حيث انه تعالى ‌هو‌ السبب الاول ‌فى‌ وجوده ‌و‌ وجوده سببه المضل، ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن ‌هو‌ الداعى الى الضلال.
 ‌و‌ سلطه على الشى ء تسليطا: مكنه منه، كانما جعل له عليه سلطانا.
 ‌و‌ الجمله اما استئناف نحوى لانقطاعها عما قبلها لفظا، ‌و‌ اما صفه ثانيه لعدو، ‌و‌ ‌لا‌ يمنع منه عدم حرف العطف بين الجملتين كما توهمه بعضهم، فان الصفه تتعد بغير عاطف ‌و‌ ‌ان‌ كانت جمله، كما ‌فى‌ الخبر نحو: «الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان».
 نص عليه ابن هشام ‌فى‌ المغنى.
 ‌و‌ قوله: «منا» اما ظرف لغو متعلق بسلطته، ‌او‌ مستقر حال ‌من‌ النكره الموصوفه، ‌و‌ هى «ما» ‌من‌ قوله. «على ‌ما‌ لم تسلطنا».
 ‌و‌ التقدير: سلطته على شى ء حال كونه منا ‌ما‌ لم تسلطنا حال كونه منه.
 فمن على الاول ابتدائيه، ‌و‌ على الثانى بيانيه.
 ‌و‌ جمله قوله: «اسكنته صدرونا» مستانفه اسنافا بيانيا، كانه سئل كيف سلطته منكم على ‌ما‌ لم اسلطكم عليه منه؟ فقال: اسكنته صدورنا ‌و‌ قول بعضهم: انها صفه ثالثه، ليس بشى ء.
 ‌و‌ فيه اشاره الى قوله تعالى: «الذى يوسوس ‌فى‌ صدور الناس».
 ‌و‌ عن ابن عباس: «ان الله تعالى جعل صدور بنى آدم مسكنا للشيطان».
 
قيل: المراد بالصدور هنا القلوب، تسميه للحال باسم محله مجازا.
 كما روى عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌ان‌ الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فاذا ذكر الله خنس، ‌و‌ ‌ان‌ نسى التقم قلبه.
 ‌و‌ الخطم ‌من‌ كل طائر: منقاره، ‌و‌ ‌من‌ كل دابه: مقدم انفه ‌و‌ فمه.
 ‌و‌ عنه صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌ان‌ الشيطان ليخطم على قلب بنى آدم، له خرطوم كخرطوم الكلب، اذا ذكر العبد الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ خنس- اى: رجع على عقبيه- ‌و‌ اذا غفل عن ذكر الله تعالى وسوس.
 ‌و‌ ‌لا‌ خفاء ‌فى‌ انه ‌لا‌ دلاله ‌فى‌ الحديثين على كون المراد بالصدور القلوب.
 ‌و‌ قال بعض المفسرين: انما قال سبحانه: «الذى يوسوس ‌فى‌ صدور الناس»، ‌و‌ لم يقل: ‌فى‌ قلوبهم، لان الشيطان ‌لا‌ تسلط له على قلب المومن الذى ‌هو‌ بين اصبعين ‌من‌ اصابع الرحمن.
 قال المحققون: ليس للشيطان على القلب سبيل، ‌و‌ انما الشيطان يجى ء الى الصدر الذى ‌هو‌ حصن القلب، فيبث فيه هموم الدنيا ‌و‌ الحرص على الزخارف، فيضيق القلب حينئذ، ‌و‌ ‌لا‌ يجد للطاعه لذه ‌و‌ ‌لا‌ للايمان حلاوه ‌و‌ ‌لا‌ على الاسلام طلاوه، فاذا طرد العدو بذكر الله ‌و‌ الاعراض عما ‌لا‌ يعنيه، حصل الامن ‌و‌ انشرح القلب ‌و‌ تيسر له القيام باداء العبوديه.
 ‌و‌ الحق انه يجوز ‌ان‌ يراد بالصدر محل القلب، باعتبار كونه موضع تعلق النفس الناطقه بالحيوانيه، ‌و‌ لذا ينسب اليه الشرح ‌و‌ الضيق.
 
و يجوز ‌ان‌ يراد ‌به‌ القلب الذى ‌هو‌ المضغه الصنوبريه المودعه ‌فى‌ التجويف الايسر ‌من‌ الصدر، باعتبار انه محل اللطيفه الانسانيه، ‌و‌ لذا ينسب اليه الصلاح ‌و‌ الفساد.
 ‌و‌ قول المحققين: ليس للشيطان على القلب سبيل، فالمراد بالقلب اللطيفه الربانيه النورانيه العالمه، التى هى مهبط الانوار الالهيه ‌و‌ بها يكون الانسان انسانا، فهى حقيقه الانسان ‌و‌ بها يستعد لامتثال الاحكام، ‌و‌ بها صلاح البدن ‌و‌ فساده، ‌و‌ يعبر عنها بالنفس الناطقه تاره «و نفس ‌و‌ ‌ما‌ سويها»، ‌و‌ بالروح اخرى «قل الروح ‌من‌ امر ربى»، ‌و‌ قد يعبر عنها بالعقل باعتبار تجردها ‌و‌ نسبتها الى عالم القدس، اذ هى بهذا الاعتبار تعقل نفسها ‌و‌ تحبسها عما يقتضيه تعلقها بالبدن، ‌من‌ الشرور ‌و‌ المفاسد المانعه لها ‌من‌ الرجوع الى عاملها القدسى، ‌و‌ هى جوهر مجرد عن الماده ‌فى‌ ذاتها دون فعلها ‌فى‌ الابدان بالتصرف ‌و‌ التدبير.
 قال بعضهم: انما عظم الشارع امر القلب، لصدور الافعال الاختياريه عنه ‌و‌ عما يقوم ‌به‌ ‌من‌ العلوم، ‌و‌ رتب الامر فيه على المضغه، ‌و‌ المراد بها العقل الذى ‌هو‌ النفس الناطقه المتعلقه بها، فذلك ‌من‌ اطلاق اسم المحل على الحال، انتهى.
 ‌و‌ مما يدل على ‌ما‌ قاله المحققون ‌من‌ عدم تسلط الشيطان على قلب المومن، ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى عن الصادق عليه السلام:
 ‌ان‌ الله تعالى يبتلى المومن بكل بليه ‌و‌ يميته بكل ميته، ‌و‌ ‌لا‌ يبتليه بذهاب عقله، اما ترى ايوب كيف سلط ابليس على ماله ‌و‌ ولده ‌و‌ على اهله ‌و‌ على كل شى ء منه، ‌و‌ لم يسلط على عقله، ترك له يوحد الله به.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذا المعنى احاديث آخر ‌من‌ طريق اهل البيت عليهم السلام.
 قوله عليه السلام: «اجريته مجارى دمائنا» المجارى: جمع مجرى، ‌و‌ ‌هو‌ اما مصدر
 
ميمى فيكون نصبها على المصدريه، ‌او‌ اسم مكان فيكون نصبها على الظرفيه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث ‌من‌ طرق العامه: ‌ان‌ الشيطان يجرى ‌من‌ ابن آدم مجرى الدم.
 ‌و‌ عن ابن عباس: ‌ان‌ الله تعالى جعل الشيطان يجرى ‌من‌ بنى آدم مجرى الدم.
 قال الطيبى ‌فى‌ شرح المشكاه: ‌و‌ جريانه اما حقيقيه فانه لطيف ‌من‌ نار ‌لا‌ يمتنع سريانه كالدم، ‌او‌ مجازيه ‌و‌ علاجه ‌سد‌ المجارى بالجوع.
 ‌و‌ قال الكرمانى ‌فى‌ شرح البخارى: جريانه يحتمل الحقيقه، بان جعل له قدره على الجرى ‌فى‌ باطن الانسان، ‌و‌ الاستعاره لكثره ‌و‌ سوسته
 ‌و‌ قيل: انه يلقى الوسوسه ‌فى‌ مسام لطيفه فتصل الى القلب.
 ‌و‌ قال الازهرى: معنى جريانه مجرى الدم انه ‌لا‌ يفارق ابن آدم ‌ما‌ دام حيا، كما ‌لا‌ يفارقه دمه. قال: ‌و‌ هذا على ضرب المثل.
 ‌و‌ الجمهور حملوه على ظاهره ‌و‌ قالوا: ‌ان‌ الشيطان جعل له هذا القدر ‌من‌ التطرق الى باطن الادمى بلطافه هيئته، فيجرى ‌فى‌ العروق التى هى مجارى الدم الى ‌ان‌ يصل الى قلبه، فيوسوسه على حسب ضعف ايمان الغبد ‌و‌ قله ذكره ‌و‌ كثره غفلته، ‌و‌ يبعد عنه ‌و‌ يقل تسلطه ‌و‌ سلوكه الى باطنه بمقدار قوته ‌و‌ يقظته ‌و‌ دوام ذكره ‌و‌ اخلاص توحيده، انتهى.
 
و عن ثابت البنانى: بلغنا ‌ان‌ ابليس قال: ‌يا‌ رب انك خلقت آدم ‌و‌ جعلت بينى ‌و‌ بينه عداوه فسلطنى عليه، فقال سبحانه: جعلت صدورهم مساكن لك، فقال: رب زدنى، فقال: ‌لا‌ يولد ولد لادم الا ولد لك عشره، فقال: رب زدنى، فقال: تجرى منهم مجرى الدم، قال: رب زدنى، قال: اجلب عليهم بخيلك ‌و‌ رجلك ‌و‌ شاركهم ‌فى‌ الاموال ‌و‌ الاولاد. قال: فشكى آدم الى ربه، فقال: ‌يا‌ رب انك خلقت ابليس، ‌و‌ جعلت بينى ‌و‌ بينه عداوه ‌و‌ بغضاء، ‌و‌ سلطته على ‌و‌ انا ‌لا‌ اطيقه الا بك، فقال الله تعالى: ‌لا‌ يولد لك ولد الا وكلت ‌به‌ ملكين يحفظانه ‌من‌ قرناء السوء، قال: رب زدنى، قال: الحسنه بعشر امثالها، قال: رب زدنى، قال: ‌لا‌ احجب عن احد ‌من‌ ولدك التوبه ‌ما‌ لم يغرغروا. ‌و‌ الغرغره: تردد الروح ‌فى‌ الحلق.
 ‌و‌ قريب ‌من‌ هذا المعنى ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند حسن ‌او‌ صحيح، عن ابى عبدالله ‌او‌ ابى جعفر عليهماالسلام، قال: ‌ان‌ آدم عليه السلام قال: ‌يا‌ رب سلطت على الشيطان ‌و‌ اجريته منى مجرى الدم، فاجعل لى شيئا، فقال: ‌يا‌ آدم جعلت لك ‌ان‌ ‌من‌ ‌هم‌ ‌من‌ ولدك بسيئه لم تكتب عليه، فان عملها كتبت له سيئه، ‌و‌ ‌من‌ ‌هم‌ منهم بحسنه فان لم يعملها كتبت له حسنه، فان ‌هو‌ عملها كتبت له عشرا، قال: ‌يا‌ رب زدنى، قال: جعلت لك ‌ان‌ ‌من‌ عمل منهم سيئه ثم استغفر غفرت له، قال: ‌يا‌ رب زدنى، قال: جعلت لهم التوبه ‌و‌ بسطت لهم التوبه حتى تبلغ النفس هذه، قال: ‌يا‌ رب حسبى.
 قوله عليه السلام: «لا يغفل ‌ان‌ غفلنا ‌و‌ ‌لا‌ ينسى ‌ان‌ نسينا» الغفله: عباره عن عدم التفطن للشى ء ‌و‌ عدم عقليته بالفعل، سواء بقيت صورته ‌او‌ معناه ‌فى‌ الخيال ‌او‌ الذكر ‌او‌ انمحت عن احدهما، ‌و‌ هى اعم ‌من‌ النسيان، لانه عباره عن الغفله عن
 
الشى ء مع انمحاء صورته ‌او‌ معناه عن الخيال ‌او‌ الذكر بالكليه، ‌و‌ لذلك يحتاج الناسى الى تجشم كسب جديد ‌و‌ كلفه ‌فى‌ تحصيله ثانيا.
 ‌و‌ معنى ‌لا‌ يغفل ‌و‌ ‌لا‌ ينسى: اما انه ‌لا‌ يكون منه غفله ‌و‌ ‌لا‌ نسيان، فيكون المراد سلبهما عنه مطلقا، لانهما ‌من‌ لواحق القوى الانسانيه ‌و‌ عوارض هذا البدن، فيكونان مسلوبين عن الشياطين، ‌و‌ اما انه ‌لا‌ يغفل عنا ‌ان‌ غفلنا عنه ‌و‌ ‌لا‌ ينسانا ‌ان‌ نسيناه، فيكون حذف متعلق الفعل لمجرد الاختصار مع قيام القرينه.
 قوله عليه السلام: «يومننا عقابك ‌و‌ يخوفنا بغيرك» ‌من‌ عداوه الشيطان للانسان انه يعده الامان ‌من‌ عذاب الله ‌و‌ عقابه، ‌و‌ ذلك منه على وجوه:
 فمنهم ‌من‌ يعده انه ‌لا‌ قيامه ‌و‌ ‌لا‌ حساب، ‌و‌ ‌لا‌ جزاء ‌و‌ ‌لا‌ عقاب.
 ‌و‌ منهم ‌من‌ يحمله على اعتقاد ‌ان‌ الوعيد على السن الرسل ‌من‌ باب مجرد التخويف، ‌و‌ ‌لا‌ عقاب ‌فى‌ الاخره.
 ‌و‌ منهم ‌من‌ يحمله على فعل المعاصى ‌و‌ يقول: ‌ان‌ الله غفور رحيم، فيمنيه المغفره حتى يخرج ‌من‌ الدنيا ‌و‌ ‌لا‌ حسنه له، ‌و‌ يسول له ‌ان‌ ذلك ‌من‌ حسن الظن بالله، ‌و‌ كذب لانه لو احسن الظن ‌به‌ لاحسن العمل له.
 ‌و‌ ‌من‌ عداوته ‌ان‌ يخوف بغير الله، فمنهم ‌من‌ يخوفه قهر الاوثان ‌و‌ غضبها ‌فى‌ ترك عبادتها، ‌و‌ يامرهم بالاخلاص فيها.
 ‌و‌ منهم ‌من‌ يخوفه باس الاعداء، فيثبطه عن الجهاد ‌فى‌ سبيل الله.
 ‌و‌ منهم ‌من‌ يخوفه الفقر، فيمنعه ‌من‌ الصدقات ‌و‌ ايتاء الزكاه، الى غير ذلك.
 ‌و‌ قال بعضهم: ‌ان‌ قيل: كيف يومننا ‌و‌ يخوفنا ‌و‌ نحن ‌لا‌ نشاهده ‌و‌ ‌لا‌ نسمع كلامه ؟
 قلنا: ذلك عباره عن وسوسته بالامان ‌و‌ الخوف، كما تقول: نفسى تخوفنى بكذا، ‌و‌ ‌هو‌ ظاهر.
 
قوله عليه السلام: «ان هممنا بفاحشه شجعنا عليها، ‌و‌ ‌ان‌ هممنا بعمل صالح
 
ثبطنا عنه» هممت بالشى ء هما- ‌من‌ باب قتل-: اذا اردته ‌و‌ لم تفعله. ‌و‌ الفاحشه: ‌ما‌ يشتد قبحه ‌من‌ الذنوب.
 ‌و‌ شجعه على الامر تشجيعا: جراه ‌و‌ اقدمه عليه، ‌و‌ اصله ‌فى‌ الحرب، يقال: شجع بالضم شجاعه: اذا قوى قلبه ‌و‌ استهان بالحروب جراه ‌و‌ اقداما.
 ‌و‌ ثبطه تثبيطا: قعد ‌به‌ عن الامر ‌و‌ شغله عنه، اى: منعه تخذيلا ‌و‌ نحوه، ‌و‌ هذا التشجيع ‌و‌ التثبيط، بالقاء الخواطر الفاسده منه.
 قوله عليه السلام: «يتعرض لنا بالشهوات ‌و‌ ينصب لنا بالشبهات» تعرضه ‌و‌ تعرض له يتعدى بنفسه ‌و‌ بالحرف: اذا تصدى له ‌و‌ طلبه.
 ‌و‌ الشهوه: اشتياق النفس الى الملائم، ‌و‌ قد تفسر بالميل الى المعاصى ‌و‌ زهرات الدنيا، ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا.
 ‌و‌ الباء: اما للملابسه على حذف مضاف، اى: ملتبسا بتهيج الشهوات، ‌او‌ للاستعانه نحو: كتبت بالقلم ‌و‌ قطعت بالسكين.
 ‌و‌ قوله: «و ينصب لنا» اما ‌من‌ نصبت الشى ء- ‌من‌ باب ضرب-: اذا اقمته، فتكون الباء ‌فى‌ المفعول زائده، ‌و‌ هى كثيرا ‌ما‌ تزاد فيه ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن مقيسا مع كثرته، ‌و‌ منه: «فليمدد بسبب الى السماء»، «و هزى اليك بجذع النخله»، «و ‌من‌ يرد فيه بالحاد». ‌و‌ اما ‌من‌ نصبت له رايا: اذا اشرت عليه به.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: نصبت له رايا اذا اشرت عليه براى ‌لا‌ يعدل عنه.
 فتكون الباء صله لينصب بتضمينه معنى يشير، اى: يشير علينا بالشبهات.
 
و يمكن ‌ان‌ يقال: ‌ان‌ المراد ‌و‌ ينصب لنا الاغواء ‌و‌ الاضلال بالشبهات، فحذف المفعول به، ‌و‌ الباء للاله، كما قيل ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌لا‌ تلقوا بايديكم الى التهلكه» ‌ان‌ المراد ‌لا‌ تلقوا انفسكم الى التهلكه بايديكم، فحذف المفعول، كما يقال: ‌لا‌ تفسد امرك برايك.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون «ينصب» لازما، ‌من‌ نصب له بمعنى عاداه.
 قال ‌فى‌ الاساس: نصبت لفلان: عاديته نصبا. قال جرير:
 ‌و‌ اذا بنو اسد على تحزبوا
 نصبت بنو اسد لمن رامانى
 ‌و‌ منه الناصبيه ‌و‌ النواصب ‌و‌ اهل النصب الذين ينصبون لعلى كرم الله وجهه» انتهى.
 فتكون الباء ‌من‌ قوله: «بالشبهات» للملابسه، اى: يعادينا ملتبسا بايقاع الشبهات، ‌و‌ هى كل باطل اخذه الوهم بصوره الحق ‌و‌ شبهه به، ‌و‌ لذلك سمى شبهه.
 قوله عليه السلام: «ان وعدنا كذبنا، ‌و‌ ‌ان‌ منانا اخلفنا».
 ‌و‌ الوعد: ‌هو‌ الاخبار بما يكون ‌من‌ جهه الخير مترتبا على شى ء ‌من‌ زمان.
 ‌و‌ كذبنا بالتخفيف ‌من‌ قولهم: كذب اخاه اذا لم يصدق ‌فى‌ قوله له، ‌و‌ ‌فى‌ التنزيل «و قعد الذين كذبوا الله ‌و‌ رسوله»، ‌و‌ قد يتعدى الى مفعولين فيقال: كذبتك الحديث، اى: لم اصدقك، ‌و‌ مثله صدق ‌و‌ منه: «لقد صدق الله رسوله الرويا بالحق». فان حملت عباره الدعاء على هذا فالمفعول محذوف لتعينه، اى: كذبنا وعده.
 ‌و‌ اخلف الوعد: لم يفعله.
 
قال الفارابى: ‌فى‌ ديوان الادب: اخلف ‌ما‌ وعده ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يقول شيئا ‌و‌ ‌لا‌ يفعله على الاستقبال، انتهى.
 ‌و‌ ‌هو‌ يتعدى الى مفعولين فيقال: اخلفه موعده، ‌و‌ المفعول الثانى هنا محذوف، اى: اخلفنا ‌ما‌ منانا، ‌و‌ مفعولا وعدنا ‌و‌ منانا محذوفان، اى: المواعيد الباطله ‌و‌ الامانى الفارغه، ‌او‌ هما ‌من‌ باب فلان يعطى ‌و‌ يمنع، اى: يفعل لنا الوعد ‌و‌ التمنيه، ‌و‌ هما اما بالوسوسه ‌و‌ القاء الخواطر الفاسده، ‌او‌ بالسنه اوليائه. ‌و‌ ‌فى‌ هاتين الفقرتين تلميح الى قوله تعالى: «يعدهم ‌و‌ يمنيهم ‌و‌ ‌ما‌ يعدهم الشيطان الا غرورا»، ‌و‌ انما جى ء بالجمل الخمس المذكوره غير متعاطفه تنبيها على استقلال كل منها، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «و الا تصرف عنا كيده يضلنا، ‌و‌ الا تقنا خباله يستزلنا» اى: ‌و‌ ‌ان‌ لم تصرف، ‌و‌ ‌ان‌ لم تقنا.
 قال ابن هشام ‌فى‌ المغنى: قد تقترن ‌ان‌ الشرطيه بلا النافيه، فيظن ‌من‌ ‌لا‌ معرفه له انها الا الاستثنائيه، نحو: ‌و‌ الا تصرف عنى كيدهن اصب اليهن»، ‌و‌ لقد بلغنى ‌ان‌ بعض ‌من‌ يدعى الفضل سال ‌فى‌ «الا تفعلوه»، فقال: ‌ما‌ هذا الاستثناء، امتصل ‌هو‌ ‌ام‌ منقطع؟، انتهى.
 ‌و‌ صرف الله عنه السوء- ‌من‌ باب ضرب- كفه عنه.
 ‌و‌ وقاه يقيه: حفظه.
 ‌و‌ الخبال بالفتح: الفساد.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: ‌و‌ كسحاب: النقصان ‌و‌ الهلاك ‌و‌ العناء. ‌و‌ الكل.
 ‌و‌ استزله: طلب منه الزله ‌و‌ دعاه اليها.
 
يقال: زل ‌فى‌ منطقه ‌و‌ فعله يزل- ‌من‌ باب ضرب- زله: اذا اخطا.
 ‌و‌ المعنى: ‌ان‌ لم تصرف عنا كيد الشيطان ‌و‌ تكفه عنا ‌و‌ تحفظنا ‌من‌ فساده، يحملنا على الضلال ‌و‌ يدعنا الى الزلل، ‌و‌ فنتبعه ‌و‌ نطيعه على مقتضى النفس الاماره ‌و‌ حكم القوه الشهويه.
 ‌و‌ هذا فزع منه عليه السلام الى الطاف الله تعالى، جريا على سنن الانبياء ‌و‌ الاوصياء ‌و‌ الصالحين ‌فى‌ قصر نيل الخيرات ‌و‌ النجاه ‌من‌ الشرور ‌و‌ المكاره على جناب الله ‌عز‌ ‌و‌ جل، ‌و‌ سلب القوى ‌و‌ القدر عن انفسهم، ‌و‌ مبالغه ‌فى‌ استدعاء لطفه ‌فى‌ صرف كيده ‌و‌ وقايه فساده، باظهار ‌ان‌ ‌لا‌ طاقه له بالمدافعه، كقول المستغيث: ادركنى ‌و‌ الا هلكت.
 
 تنبيه
 
 الروايه المشهوره ‌فى‌ قوله عليه السلام: «يضلنا ‌و‌ يستزلنا» بفتح اللام المشدده، ‌و‌ اصلهما يضللنا ‌و‌ يستزللنا بالجزم على انهما جوابان للشرط، فادغمت اللام الاولى ‌فى‌ الثانيه كراهيه اجتماع المثلين، ‌و‌ حركت الثانيه لالتقاء الساكنين، ‌و‌ اوثر الفتح طلبا للخفه مع ثقل التضعيف. ‌و‌ ثبت ‌فى‌ بعض النسخ «يضلنا ‌و‌ يستزلنا» بضم اللام المشدده، ‌و‌ ‌هو‌ كقوله تعالى: «و ‌ان‌ تصبروا ‌و‌ تتقوا ‌لا‌ يضركم كيدهم شيئا» بضم الراء المشدده ‌فى‌ القراءه المشهوره. ‌و‌ اختلفوا ‌فى‌ تخريجه، فقيل: ‌هو‌ على حذف الفاء، اى: فلا يضركم.
 ‌و‌ قيل: على حذف الجواب: ‌و‌ جعل الفعل المرفوع دليلا عليه منويا تقديمه على الشرط، ‌و‌ التقدير: ‌لا‌ يضركم كيدهم ‌ان‌ تصبروا.
 
و ‌رد‌ المحققون كلا القولين: بان حذف الفاء مختص بالشعر، ‌و‌ الجواب ‌لا‌ يحذف ‌فى‌ السعه الا اذا كان فعل الشرط ماضيا، ‌و‌ اما اذا كان مضارعا فحذفه ضروره ‌لا‌ يجوز الا ‌فى‌ الشعر، ‌و‌ تخريج القراءه المتواتره على شى ء ‌لا‌ يجوز الا ‌فى‌ الشعر غير صواب.
 ‌و‌ قال بعضهم: ‌هو‌ مجزوم ‌و‌ الضمه اتباع، كالضمه ‌فى‌ قولك: لم يسد ‌و‌ لم يرد، ‌و‌ استصوبه ابن هشام.
 ‌و‌ قال قوم: انه مجزوم، لكنه لما اضطر الى تحريكه حرك بحركته الاعرابيه المستحق لها ‌فى‌ الاصل.
 اذا عرفت ذلك، فتخريج الروايه المذكوره ‌فى‌ عباره الدعاء على الوجهين الاولين غير صواب، لانه عليه السلام افصح الخلق ‌فى‌ زمانه، ‌و‌ تخريج كلامه على شى ء مختص بالضروره ‌لا‌ وجه له.
 ‌و‌ اما الوجه الثالث: فلا يتمشى هنا، فتعين حملها على الوجه الرابع.
 ‌و‌ قد وقع ‌فى‌ بعض التعاليق على الصحيفه الشريفه ‌ان‌ الجواب محذوف، ‌و‌ قوله: «يضلنا ‌و‌ يستزلنا» جملتان مفسرتان له، ‌و‌ الحذف ليذهب الوهم كل مذهب، ‌و‌ التقدير: ‌و‌ الا تصرف عنا كيده تصيبنا داهيه كبيره، ‌و‌ ‌هو‌ انه يضلنا على كل حال، ‌و‌ ‌لا‌ نجد عنه محيصا قال: ‌و‌ هذه القاعده- اعنى حذف الجواب لدلاله الكلام عليه- طريقه مسلوكه للبلاغه ‌فى‌ التنزيل الكريم، منها: «و لو ‌لا‌ رجال مومنون ‌و‌ نساء مومنات» الايه، ‌و‌ منها: «فلولا ‌ان‌ كنتم غير مدينين ترجعونها ‌ان‌ كنتم صادقين»، انتهى.
 
 
و ‌هو‌ كلام عجيب يدل على قصور قائله ‌فى‌ علم العربيه جدا. اما اولا: فدعوى الحذف ‌فى‌ مثل ذلك مردوده، بنص سيبويه ‌و‌ غيره ‌من‌ ائمه العربيه انه ‌لا‌ يحذف جواب الشرط الجازم الا ‌و‌ فعل الشرط ماض كما تقدم، فكيف يجعل ذلك داخلا ‌فى‌ قاعده حذف الجواب التى هى طريقه مسلوكه للبلاغه؟.
 ‌و‌ اما ثانيا: فان هذا التقدير الذى قدره جوابا ‌لا‌ يدل عليه دليل ‌و‌ ‌لا‌ قرينه، اذ ‌لا‌ يستدعيه الكلام اصلا، بل الجواب ‌هو‌ قوله: «يضلنا ‌و‌ يستزلنا» قطعا، لتوقف مضمونهما على حصول الشرط، ‌و‌ ‌من‌ ارتكب دعوى الحذف فانما ارتكبها ‌من‌ حيث الصناعه النحويه ليعطى القواعد حقها، ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن المعنى متوقفا عليه، ‌و‌ قد علمت ‌ما‌ فيه.
 ‌و‌ اما ثالثا: فقد صرحوا بان شرط الدليل اللفظى ‌ان‌ يكون طبق المحذوف لفظا ‌و‌ معنى، نحو: زيدا اضربه، ‌او‌ معنى ‌ان‌ تعدد اللفظ، نحو: زيدا مررت ‌به‌ اى: جاوزت، ‌و‌ ‌ما‌ قدره ‌من‌ الجواب اعم مما زعم انه دليل لفظى عليه، فكيف يكون مدلولا له؟ «و الله يقول الحق ‌و‌ ‌هو‌ يهدى السبيل».
 
قوله عليه السلام: «اللهم فاقهر سلطانه عنا بسلطانك» الى آخره الفاء: لترتب الدعاء على ‌ما‌ ذكر، ‌و‌ تصدير الجمله بالنداء مبالغه ‌فى‌ التضرع.
 ‌و‌ قهر يقهره قهرا- ‌من‌ باب منع-: غلبه، ‌و‌ عداه ب«عن» لتضمينه معنى الدفع.
 ‌و‌ السلطان: التسلط، ‌و‌ قدره الملك، ‌و‌ ‌من‌ كل شى ء شدته. ‌و‌ حتى: بمعنى ‌كى‌ التعليليه.
 ‌و‌ حبسه حبسا- ‌من‌ باب ضرب-: منعه.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بكثره الدعاء»: للسببيه ‌او‌ الاستعانه.
 
و قوله عليه السلام «فنصبح» بالنصب عطف على قوله: «تحبسه» ‌و‌ الفاء: للسببيه ‌و‌ التعقيب، لان السبب التام يستعقب مسببه ‌من‌ غير تراخ.
 ‌و‌ نصبح: بمعنى نصير، كقوله تعالى: «فاصبحتم بنعمته اخوانا».
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «فى المعصومين بك» اى: كائنين ‌فى‌ جمله الممنوعين المحفوظين بسببك ‌او‌ باستعانتك، ‌او‌ ‌فى‌ جمله ارباب العصمه، ‌و‌ هى فيض الهى يقوى ‌به‌ العبد على تحرى الخير ‌و‌ تجنب الشر.
 ‌و‌ قال الحكماء: هى ملكه تمنع الفجور، ‌و‌ يحصل بها العلم بمثالب المعاصى ‌و‌ مناقب الطاعات.
 ‌و‌ قيل: هى ملكه اجتناب المعاصى مع التمكن منها، ‌و‌ الله اعلم
 
السول بالضم ‌و‌ الهمز: المطلوب الذى يسال.
 قال الزمخشرى: ‌فى‌ الاساس: اصبت منه سولى: طلبتى، فعل بمعنى مفعول كعرف ‌و‌ نكر انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: كل نبى سئل سولا. ‌و‌ قد تترك منه الهمزه للتخفيف.
 ‌و‌ قضى حاجته: انجزها له ‌و‌ بلغه اياها.
 ‌و‌ ‌فى‌ قوله عليه السلام: «حوائجى» شاهد على ‌ان‌ حاجه جمع حوائج، خلافا لمن انكر ذلك، ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك مستوفى ‌فى‌ الروضه الثالثه عشره.
 
و منعه الامر ‌و‌ منه منعا: ‌ضد‌ اعطاه ‌و‌ اجاب.
 ‌و‌ اجاب الله دعاءه اجابه: قبله، ‌و‌ استجاب له: كذلك.
 ‌و‌ قال تاج القراء: الاجابه عامه ‌و‌ الاستجابه خاصه باعطاء المسوول.
 ‌و‌ ضمنتها لى: ‌اى‌ كفلت لى بها ‌و‌ التزمتها.
 ‌و‌ الواو ‌من‌ قوله: «و قد» ‌فى‌ الموضعين: للحال.
 ‌و‌ حجبه حجبا- ‌من‌ باب قتل-: منعه ‌من‌ الدخول، ‌و‌ حجب الدعاء عنه تعالى تمثيل لعدم قبوله، لانه ‌لا‌ يوذن على الملوك الا للمقبولين عندهم المكرمين لديهم، ‌و‌ ‌لا‌ يحجب عنهم الا المردودون المهانون لديهم.
 ‌و‌ ‌فى‌ الفقرتين اشاره الى قوله تعالى ‌فى‌ سوره المومن: «و قال ربكم ادعونى استجب لكم»، فان الامر بالدعاء فيه صريح، ‌و‌ رتب الاستجابه على الدعاء فكانه ضمنها ‌و‌ تكفل بها، ‌و‌ ‌هو‌ يويد ‌ان‌ المراد بالدعاء ‌و‌ الاستجابه ‌فى‌ الايه ظاهرهما،
 
و اكثر المفسرين على ‌ان‌ المراد بالدعاء العباده، ‌و‌ بالاستجابه الوفاء بما ضمن للمطيعين ‌من‌ الثواب، لقوله سبحانه بعده: «ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين».
 ‌و‌ فيه: انه حمل اللفظ على خلاف ظاهره ‌فى‌ موضعين، فالحمل على الظاهر اولى، ‌و‌ اما تتمه الايه فليس فيه الا التعبير عن الدعاء بالعباده ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ اعظم ابوابها، فالتعبير بها عنه ظاهر، ‌و‌ ‌هو‌ المروى عن اهل البيت عليهم السلام.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند حسن ‌او‌ صحيح عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ يقول» ‌ان‌ الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين» ‌هو‌ الدعاء ‌و‌ افضل العباده الدعاء.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: الدعاء ‌هو‌ العباده التى قال الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «ان الذين يستكبرون عن عبادتى» الايه.
 ‌و‌ المراد بقوله عليه السلام: «و ‌لا‌ تمنعنى» الى آخره، ‌لا‌ تجعل دعائى بسلب التوفيق على غير جهه الدعاء الذى ضمنت اجابته ‌و‌ امرت به، ‌و‌ الا فلا يتصور منعه سبحانه للاجابه مع تكلفه بها، ‌و‌ ‌لا‌ حجبه للدعاء مع امره به.
 يدل على ذلك ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن عثمان ‌بن‌ عيسى عمن حدثه عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: قلت: آيتان ‌فى‌ كتاب الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ اطلبهما فلا اجدهما، قال: ‌و‌ ‌ما‌ هما؟ قلت: قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «ادعونى استجب لكم» فندعوه ‌و‌ ‌لا‌ نرى اجابه، قال: افترى الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ اخلف وعده؟ قلت: لا، قال: فمم ذلك؟ قلت: ‌لا‌ ادرى، قال: لكنى اخبرك، ‌من‌ اطاع الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ فيما امره ‌من‌
 
دعائه ‌من‌ جهه الدعاء اجابه، قلت: ‌و‌ ‌ما‌ جهه الدعاء؟ قال: تبدا فتحمد الله ‌و‌ تذكر نعمه عندك، ثم تشكره، ثم تصلى على النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله، ثم تذكر ذنوبك فتقربها، ثم تستعيذ منها، فهذا جهه الدعاء، ثم قال: ‌و‌ ‌ما‌ الايه الاخرى؟ قلت: قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: ‌و‌ «ما انفقتم ‌من‌ شى ء فهو يخلفه ‌و‌ ‌هو‌ خير الرازقين»، فانى انفق ‌و‌ ‌لا‌ ارى خلفا، قال: افترى الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ اخلف وعده؟ قلت: لا، قال: فمم ذلك؟ قلت: ‌لا‌ ادرى، قال: لو ‌ان‌ احدكم اكتسب المال ‌من‌ حله ‌و‌ انفقه ‌فى‌ حله، لم ينفق درهما الا اخلف عليه.
 قوله عليه السلام: «و امنن على بكل ‌ما‌ يصلحنى» اى: انعم على بكل خير يكون ‌به‌ صلاحى، ‌و‌ ‌هو‌ الحصول على الحاله المستقيمه النافعه. ‌و‌ اسناد الاصلاح اليه مجاز عقلى ‌من‌ باب الاسناد الى السبب، ‌و‌ المصلح حقيقه انما ‌هو‌ الله تعالى، كما قال سبحانه «سيهديهم ‌و‌ يصلح بالهم» اى: حالهم.
 ‌و‌ قوله: «فى الدنيا ‌و‌ الاخره» اما متعلق بامنن ‌او‌ بيصلحنى.
 فان قلت: هل بين المتعلقين فرق ‌فى‌ المعنى؟
 قلت: نعم، فانك اذا جعلته متعلقا بامنن كانت المنه ‌فى‌ الدنيا معجله ‌و‌ ‌فى‌ الاخره موجله، ‌و‌ اذا جعلته متعلقا بيصلحنى كان المتبادر طلب المنه عاجلا بما يكون سببا لصلاحه ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره.
 ‌و‌ قوله: «ما ذكرت منه ‌و‌ ‌ما‌ نسيت» بدلان ‌من‌ «ما» المضاف اليها كل بدل الاشتمال، ‌و‌ منه: ‌فى‌ موضع الحال ‌من‌ الضمير المحذوف ‌من‌ ذكرت، اى: ‌ما‌ ذكرته حال كونه منه.
 ‌و‌ قوله: «او اظهرت ‌او‌ اخفيت» اى: ‌ما‌ اظهرته على لسانى ‌و‌ تفوهت به، ‌او‌ ‌ما‌
 
اخفيته مخطرا ببالى ‌من‌ غير ‌ان‌ اتفوه ‌به‌ اصلا، ‌او‌ ‌ما‌ اعلنته ‌و‌ ذكرته للناس علانيه، ‌او‌ اسررته الى غيرى ‌فى‌ خفاء. ‌و‌ ‌او‌ ‌فى‌ ذلك: للتنويع، ‌و‌ ‌لا‌ يكاد اللغوى يفرق بين الاظهار ‌و‌ الاعلان ‌و‌ الاخفاء ‌و‌ الاسرار، الا ‌ان‌ قول المفسرين ‌فى‌ قوله تعالى: «يعلم السر ‌و‌ اخفى» اى: ‌ما‌ اسررته الى غيرك، ‌و‌ شيئا اخفى ‌من‌ ذلك، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ اخطرته ببالك ‌من‌ غير ‌ان‌ تتفوه ‌به‌ اصلا، يرشد الى ‌ما‌ ذكرناه، لاقتضاء العطف المغايره، ‌و‌ كون التاسيس خيرا ‌من‌ التاكيد.
 
قوله عليه السلام: «و اجعلنى ‌فى‌ جميع ذلك ‌من‌ المصلحين بسوالى اياك» فى: ظرفيه مجازيه، بتشبيه ملابسته لجميع ذلك ‌فى‌ الاجتماع معه بملابسه المظروف للظرف، فهو ‌من‌ باب الاستعاره التبعيه، ‌و‌ متعلقها محذوف ‌و‌ ‌هو‌ حال ‌من‌ مفعول اجعلنى، ‌و‌ التقدير: ‌و‌ اجعلنى كائنا ‌فى‌ جميع ذلك ‌من‌ المصلحين.
 ‌و‌ يجوز تعلقها بالمصلحين، فيكون التقدير: ‌و‌ اجعلنى ‌من‌ المصلحين ‌فى‌ جميع ذلك. ‌و‌ التقديم للاعتناء بالمقدم كما مر بيانه مرادا. ‌و‌ تاكيد العموم بجميع لقصد كون كل فرد ‌من‌ افراد ذلك له مدخل ‌فى‌ الاصلاح. ‌و‌ ذلك: اشاره الى المذكور ‌من‌ المسوولات، ‌و‌ ‌ما‌ فيه ‌من‌ معنى البعد مع قرب العهد بالمشار اليه، للايذان بعلو شانه ‌و‌ فضله.
 ‌و‌ قوله: «من المصلحين» ‌فى‌ محل النصب على انه المفعول الثانى لاجعلنى، اى: ‌من‌ المصلحين لنياتهم ‌و‌ اعمالهم، ‌او‌ لما فسد ‌من‌ احوالهم، ‌او‌ ‌من‌ المتصفين بالاصلاح ‌من‌ باب «هل يستوى الذين يعلمون ‌و‌ الذين ‌لا‌ يعلمون».
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بسوالى اياك» للسببيه.
 ‌و‌ المنجحين: جمع منجح، اسم فاعل ‌من‌ انجح الرجل: اذا اصاب طلبته ‌و‌ قضيت
 
له حاجته.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: النجاح بالفتح ‌و‌ النجح بالضم: الظفر بالشى ء نجحت الحاجه كمنع ‌و‌ انجحت ‌و‌ انجحها الله، ‌و‌ انجح زيد: صار ذانجح ‌و‌ ‌هو‌ منجح.
 ‌و‌ طلب اليه طلبا: رغب اليه اى: ساله.
 ‌و‌ التقدير: ‌من‌ المنجحين بطلبتى اليك ‌و‌ بطلبهم اليك، ‌و‌ يرجح الاول موافقته لقوله ‌فى‌ الفقره الاولى: «بسوالى اليك» ‌و‌ قس عليه ‌ما‌ بعده.
 قوله عليه السلام: «غير الممنوعين بالتوكل عليك» غير بالكسر: صفه للمنجحين، ‌و‌ انما وقعت صفه لمعرفه- ‌و‌ الاصل فيها ‌ان‌ تكون صفه لنكره- لتوغلها ‌فى‌ الابهام بحيث ‌لا‌ تتعرف باضافتها الى المعرفه، نحو: «نعمل صالحا غير الذى كنا نعمل»، لان المراد بالمنجحين طائفه ‌لا‌ باعيانهم فيكون بمعنى النكره، اذ اللام فيه للجنس، ‌و‌ المعرف الجنسى ‌فى‌ المعنى كالنكره ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌فى‌ اللفظ كالمعرفه، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ المقصود ‌به‌ الحقيقه ‌من‌ حيث الوجود ‌فى‌ ضمن الافراد، ‌و‌ تدل القرينه على ‌ان‌ المراد ‌به‌ البعض، نحو: ادخل السوق ‌و‌ اشتر اللحم، فيصير ‌فى‌ المعنى كالنكره، فيجوز حينئذ ‌ان‌ يعامل معامله النكره فيوصف بالنكره، ‌و‌ منه قوله تعالى: «لا يستوى القاعدون ‌من‌ المومنين غير اولى الضرر» برفع «غير» على انه صفه للقاعدين لانهم جنس، ورده بعضهم بانه على خلاف اصلهم ‌من‌ ‌ان‌ المعرفه ‌لا‌ توصف الا بالمعرفه، ‌و‌ المراعى ‌فى‌ ذلك اللفظ ‌لا‌ المعنى.
 ‌و‌ على هذا، فاما ‌ان‌ يوجه بما ذهب اليه بعضهم، ‌من‌ ‌ان‌ «غير» اذا وقعت بين متضادين ‌و‌ كانا معرفتين تعرفت بالاضافه، نحو: عليك بالحركه غير السكون، فان المراد بها حينئذ غير معين، ‌و‌ كذلك الامر هنا، لان المنجحين ‌و‌ الممنوعين متضادان،
 
و اما ‌ان‌ يقال: ‌ان‌ غير الممنوعين بدل ‌من‌ المنجحين ‌لا‌ نعت له.
 ‌و‌ وقع ‌فى‌ نسخه ابن ادريس روايه «غير» بالنصب، فهو اما على الحال، ‌او‌ على القطع بتقدير اعنى.
 ‌و‌ الباء: ‌من‌ قوله: «بالتوكل»: للسببيه، اى: بسبب توكل عليك، ‌او‌ بسبب توكل غير الممنوعين عليك.
 ‌و‌ التوكل على الله تعالى عباره عن اعتماد القلب عليه ‌و‌ الانقطاع اليه، بالثقه بما عنده ‌و‌ الياس عما ‌فى‌ ايدى الناس.
 قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ انقطع الى الله كفاه كل موونه ‌و‌ رزقه ‌من‌ حيث ‌لا‌ يحتسب، ‌و‌ ‌من‌ انقطع الى الدنيا ‌و‌ كله الله اليها.
 ‌و‌ قد تقدم الكلام على حقيقه التوكل ‌و‌ صورته ‌فى‌ الرياض السابقه، فاغنى عن الاعاده.
 
قوله عليه السلام: «المعوذين بالتعوذ بك» اكثر النسخ باهمال الدال ‌من‌ المعودين، ‌و‌ ‌هو‌ اسم مفعول ‌من‌ عودته كذا اى: صيرته له عاده، ‌و‌ نسخه ابن ادريس بالذال المعجمه، ‌من‌ عوذه: اذا عصمه ‌من‌ كل سوء، ‌و‌ منه المعوذتان على اسم الفاعل «قل اعوذ برب الفلق» ‌و‌ «قل اعوذ برب الناس»، لانهما عوذتا صاحبهما اى: عصمتاه ‌من‌ كل سوء، ‌و‌ ‌ما‌ اشتهر على السنه بعض الطلبه ‌من‌ فتح الواو على انها اسم مفعول، غلط واضح.
 ‌و‌ التعوذ بالذال المعجمه مصدر تعوذ ‌به‌ اى: اعتصم، يقال: عذت بالله عوذا ‌و‌ معاذا ‌و‌ عياذا، ‌و‌ استعذت ‌به‌ استعاذه، ‌و‌ تعوذت ‌به‌ تعوذا، كل ذلك بمعنى.
 ‌و‌ الباء على الروايه الاولى: للتعديه، ‌و‌ على الثانيه: للملابسه ‌او‌ للاستعانه.
 
قوله عليه السلام: «الرابحين ‌فى‌ التجاره عليك» ربح فلان ‌فى‌ تجارته ربحا ‌و‌ ربحا ‌من‌ باب علم ‌و‌ تعب-: اصاب الربح، ‌و‌ ‌هو‌ الفضل ‌و‌ الزياده على راس المال.
 ‌و‌ التجاره: صناعه التاجر، ‌و‌ هى التصدى للبيع ‌و‌ الشراء لتحصيل الربح، ‌و‌ قد يراد بها ‌ما‌ يتاجر فيه ‌من‌ الامتعه ‌و‌ نحوها، على تسميه المفعول باسم المصدر.
 قال بعضهم: ‌فى‌ مثل هذا المقام استعار لفظ التجاره لاعمالهم الصالحه ‌و‌ امتثال اوامر الله تعالى، ‌و‌ وجه الشبه كونهم متعوضين بمتاع الدنيا ‌و‌ بحركاتهم ‌فى‌ العباده متاع الاخره، ‌و‌ رشح بلفظ الرابحين لافضليه متاع الاخره ‌و‌ زيادته ‌فى‌ النفاسه على ‌ما‌ تركوه ‌من‌ متاع الدنيا، انتهى.
 ‌و‌ الاحسن ‌و‌ الابلغ ‌ان‌ يقال: ‌ان‌ الترشيح الذى ‌هو‌ لفظ الرابحين استعاره تمثيليه، بان شبه حال المومنين العاملين لله ‌فى‌ نيلهم المنافع المترتبه على اعمالهم بحال التاجر الرابح ‌فى‌ تجارته، ‌و‌ ‌لا‌ ينافى ذلك كون التجاره ‌فى‌ نفسها استعاره لمعاملتهم ‌و‌ ثباتهم على ‌ما‌ ‌هم‌ عليه ‌من‌ ايثارهم متاع الدنيا على متاع الاخره ‌و‌ تمرنهم عليه معربه عن كون ذلك صناعه لهم راسخه، اذ ليس ‌من‌ ضروريات الترشيح ‌ان‌ يكون باقيا على الحقيقه تابعا للاستعاره ‌لا‌ يقصد ‌به‌ الا تقويتها، كما ‌فى‌ قولك: رايت اسدا واقى البراثن، فانك ‌لا‌ تريد ‌به‌ الا زياده تصوير الشجاع ‌و‌ انه اسد كامل، ‌من‌ غير ‌ان‌ تريد بلفظ البراثن معنى آخر، بل قد يكون مستعارا ‌من‌ ملائم المستعار منه لملائم المستعار له، ‌و‌ مع ذلك يكون ترشيحا لاصل الاستعاره، كما ‌فى‌ قوله:
 ‌و‌ لما رايت النسر ‌عز‌ ابن دايه
 ‌و‌ عشش ‌فى‌ ‌و‌ كريه جاش له صدرى
 فان لفظ ‌و‌ كرين مع كونه مستعار ‌من‌ معناه الحقيقى، الذى ‌هو‌ موضع يتخذه
 
الطائر للتفريخ، للراس ‌و‌ اللحيه ‌او‌ للفودين اعنى جانبى الراس، ترشيح باعتبار معناه الاصلى، لاستعاره لفظ النسر للشيب، ‌و‌ لفظ ابن دايه ‌و‌ ‌هو‌ الغراب للشعر الاسود. ‌و‌ كذا لفظ التعشيش مع كونه مستعارا للحلول ‌و‌ النزول المستمر، ترشيح لذينك الاستعارتين. هكذا ينبغى ‌ان‌ تقرر الاستعاره ‌فى‌ هذا المقام، كما نص عليه سماسره البلاغه ‌من‌ علماء البيان.
 ‌و‌ الظرف ‌من‌ قوله «عليك»: لغو متعلق بالرابحين.
 يقال: ربح عليه ‌فى‌ البيع: اذا استفاد منه الربح ‌و‌ اخذه منه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث عن الصادق عليه السلام: ربح المومن على المومن ربا، الا ‌ان‌ يشترى باكثر ‌من‌ مائه درهم فاربح عليه قوت يومك، ‌او‌ يشتريه للتجاره فاربحوا عليهم ‌و‌ ارفقوا بهم.
 ‌و‌ المعنى: اجعلنى ‌من‌ المستفيدين الربح منك ‌فى‌ تجارته ‌او‌ تجارتهم.
 ‌و‌ اما ‌ما‌ وقع لبعض المترجمين ‌من‌ ‌ان‌ التعديه بعلى لتضمين معنى الاعتماد، ‌و‌ المعنى: الرابحين ‌فى‌ التجاره ‌فى‌ حال الاعتماد عليك، بان ‌من‌ قصد جنابك للتجاره بشى ء حصل له الربح قطعا ‌و‌ لم يرجع خاسرا ‌و‌ ‌لا‌ خائبا، فهو ‌من‌ عدم الاطلاع على مصطلحات العرب ‌فى‌ محاوراتهم، ‌او‌ الجهل بمتداولات الفاظهم ‌و‌ متاورات اقوالهم.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون «على» هنا بمعنى «من» اى: الرابحين منك ‌فى‌ التجاره، كقوله تعالى: «اذا اكتالوا على الناس يستوفون» اى: ‌من‌ الناس.
 قال الزمخشرى: لما كان اكتيالهم ‌من‌ الناس اكتيالا يضرهم ‌و‌ يتحامل فيه عليهم، ابدل «على» مكان «من»، للدلاله على ذلك، انتهى.
 
و هذا المعنى بعينه موجود ‌فى‌ الربح اذا كان فيه نوع ضرر على الماخوذ منه، ‌و‌ لذلك كان ربح المومن على المومن حراما كما وقع ‌فى‌ الحديث السابق، فلا جرم ابدل «على» مكان «من» كما وقع ‌فى‌ الايه.
 فان قلت: ضرر الربح ‌لا‌ يتصور ‌فى‌ حقه تعالى، فكيف ابدل «على» ب«من» ‌فى‌ خطابه سبحانه؟.
 قلت: ‌هو‌ ‌فى‌ اصل المعنى كذلك ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن مقصودا فيما نحن فيه، يدلك على ذلك قول الرضى: «و من» للاستعلاء مجازا على قضاء الصلاه ‌و‌ عليه القصاص، لان الحقوق كانها راكبه لمن تلزمه، ‌و‌ كذا قوله تعالى: «كان على ربك حتما مقضيا » تعالى الله عن استعلاء شى ء عليه، ‌و‌ لكنه اذا صار الشى ء مشهورا ‌فى‌ الاستعمال ‌فى‌ شى ء لم يراع اصل معناه، نحو: ‌ما‌ اعظم الله، ‌و‌ منه: توكلت على فلان، كانك تحمل ثقلك عليه، ‌و‌ منه توكلت على الله، انتهى.
 ‌و‌ ‌هو‌ صريح فيما ذكرناه، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «المجارين بعزتك» اى: المحفظوين بقوتك ‌و‌ غلبتك.
 يقال: استجرت زيدا فاجارنى، اى: طلبت منه ‌ان‌ يحفظنى فحفظنى.
 ‌و‌ العز ‌و‌ العزه: الرفعه ‌و‌ الامتناع ‌و‌ الشده ‌و‌ الغلبه.
 قوله عليه السلام: «الموسع عليهم الرزق الحلال» الى آخر يروى بتشديد السين ‌و‌ تخفيفها ‌و‌ كلاهما بمعنى يقال: اوسع الله عليه رزقه ‌و‌ وسعه بالالف ‌و‌ التشديد، اى: بسطه ‌و‌ كثره، اى: الذين وسع عليهم الرزق، ‌و‌ ‌هو‌ لغه ‌ما‌ ينتفع ‌به‌ فيشمل الحلال ‌و‌ الحرام، ‌و‌ لذلك قيده بالحلال، ‌و‌ ‌من‌ ذهب الى انه ‌ما‌ صح الانتفاع ‌به‌ ‌و‌ ليس لاحد منعه منه، فلا يكون الحرام رزقا، فوصفه بالحلال عنده للتاكيد كامس الدابر، ‌او‌
 
للايضاح ‌و‌ التبيين. ‌و‌ قد تقدم الكلام على هذه المساله مستوفى ‌فى‌ اوائل الروضه الاولى فليرجع اليه.
 ‌و‌ الحلال: ‌ما‌ ‌لا‌ يعاقب على استعماله.
 قيل: ‌و‌ الرزق الحلال شامل للحلال ‌فى‌ ظاهر الشريعه، ‌و‌ الحلال ‌فى‌ نفس الامر ‌و‌ ‌هو‌ قوت النبيين.
 كما روى ‌ان‌ اباجعفر عليه السلام نظر الى رجل ‌و‌ ‌هو‌ يقول: اللهم ارزقنى ‌من‌ رزقك الحلال، فقال: ابوجعفر عليه السلام: سالت قوت النبيين، قل: اللهم انى اسالك رزقا واسعا طيبا ‌من‌ رزقك.
 قال بعض اصحابنا: الحلال ‌و‌ الطيب ‌و‌ ‌ان‌ كانا متقاربين بل متساويين ‌فى‌ اللغه، الا ‌ان‌ المستفاد ‌من‌ هذا الحديث ‌ان‌ بينهما فرقا ‌فى‌ عرف الائمه عليهم السلام، ‌و‌ كان الفرق ‌هو‌ ‌ان‌ الطيب ‌ما‌ ‌هو‌ طيب ‌فى‌ ظاهر الشرع سواء كان طيبا ‌فى‌ الواقع ‌ام‌ لا، ‌و‌ الحلال ‌ما‌ ‌هو‌ حلال ‌و‌ طيب ‌فى‌ الواقع، لم تعرضه النجاسه ‌و‌ الخباثه قطعا، ‌و‌ لم تتناوله ايدى المتغلبه اصلا ‌فى‌ وقت ‌من‌ الاوقات، ‌و‌ ‌لا‌ ريب ‌فى‌ انه قوت الانبياء ‌و‌ انه نادر جدا، ‌و‌ طريقه ضيق، ‌و‌ الطالب له طالب لضيق معيشته، ‌و‌ اما ‌ما‌ وقع ‌فى‌ بعض الادعيه ‌من‌ طلبه فالمراد ‌به‌ ‌ما‌ ‌هو‌ بمعنى الطيب انتهى.
 ‌و‌ «من» ‌فى‌ قوله عليه السلام: «من فضلك الواسع»: لابتداء الغايه مجازا، ‌و‌ هى اما متعلقه بالموسع فيكون الظرف لغوا، ‌او‌ بمحذوف وقع حالا ‌من‌ الرزق الحلال فيكون ظرفا مستقرا.
 ‌و‌ المعنى اما ‌من‌ محض فضلك الواسع ‌من‌ غير وسط معتاد، ‌او‌ ‌من‌ غير استحقاق لانى لست باهل له، بناء على ‌ان‌ الواسع نعت موكد ‌او‌ مادح، ‌و‌ اما ‌من‌ فضلك
 
المتصف بالسعه ‌لا‌ مطلقا، فان ‌من‌ فضله ‌ما‌ تقتضى الحكمه ‌ان‌ يكون واسعا، ‌و‌ الغرض المبالغه ‌فى‌ طلب التوسعه.
 ‌و‌ الجود: افاده ‌ما‌ ينبغى ‌لا‌ لعوض.
 ‌و‌ الكرم: ايثار الغير بالخير.
 قوله عليه السلام: «المعزين ‌من‌ الذل بك» اعزه اعزازا: اكرمه.
 قال صاحب المحكم: ‌عز‌ على يعز عزا ‌و‌ عزه ‌و‌ عزازه: كرم، ‌و‌ اعززته: اكرمته ‌و‌ احببته.
 ‌و‌ من: بمعنى عن، لما ‌فى‌ الاعزاز ‌من‌ معنى التنزيه عما ينافيه، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون للبدل اى: بدل الذل.
 ‌و‌ الباء: ‌فى‌ «بك»: للاستعانه.
 قوله عليه السلام: «المجارين ‌من‌ الظلم بعد لك» يروى بكسر الراء المهمله، جمع مجار اسم مفعول ‌من‌ اجاره اجاره بمعنى: اعاذه ‌و‌ حفظه، ‌و‌ ‌هو‌ المشهور.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس: «المجازين» بفتح الزاء المعجمه، جمع مجازى اسم مفعول ‌من‌ جازاه بمعنى: كافاه.
 ‌و‌ عن الشهيد قدس سره: المجازين بالمعجمه على صيغتى المفعول ‌و‌ الفاعل معا، اى: الذين يجازيهم على ‌ما‌ اصابهم ‌من‌ الظلم ‌و‌ ينتصف لهم ‌من‌ ظالميهم عدلك، ‌او‌ الذين ‌لا‌ يجازون ‌من‌ اعتدى عليهم ‌و‌ ظلمهم الا بعدلك، انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذا المعنى قول اميرالمومنين عليه السلام ‌فى‌ صفه المومن: ‌ان‌ بغى عليه صبر حتى يكون الله الذى ينتصر له.
 
اى: ‌ان‌ ظلم لم ينتقم ‌هو‌ لنفسه ‌من‌ ظالمه، بل يكل امره الى عدل الله سبحانه لينتصر له منه.
 قوله عليه السلام: «المعافين ‌من‌ البلاء برحمتك» عافاه الله يعافيه معافاه: سلمه ‌من‌ الافات.
 ‌و‌ البلاء بالفتح ‌و‌ المد: ‌ما‌ يمتحن ‌به‌ ‌و‌ يختبر ‌من‌ خير ‌او‌ شر، ‌و‌ اكثر ‌ما‌ ياتى مطلقا ‌فى‌ الشر كما وقع هنا، ‌و‌ اذا اريد ‌به‌ الخير ياتى مقيدا كما قال تعالى: «بلاء حسنا». ‌و‌ الله تعالى يبلو عبده بما يحب ليمتحن شكره، ‌و‌ بما يكره ليمتحن صبره.
 فسال عليه السلام ‌ان‌ يجعله ‌من‌ الذين عافاهم ‌من‌ البلاء بالمكروه بسبب رحمته.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌ان‌ الله تعالى ضنائن ‌من‌ خلقه يحييهم ‌فى‌ عافيه ‌و‌ يميتهم ‌فى‌ عافيه. ‌و‌ ‌هو‌ مروى عن طريق العامه ‌و‌ الخاصه.
 قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه الضنائن: الخصائص، واحدهم ضنينه فعيله بمعنى مفعوله ‌من‌ الضن، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ تختصه ‌و‌ تضن ‌به‌ اى: تبخل لمكانه منك ‌و‌ موقعه عندك، ‌و‌ منه قولهم: فلان ضنى ‌من‌ بين اخوانى ‌و‌ ضنينى: ‌اى‌ اختص ‌به‌ واضن بمودته.
 ‌و‌ رواه الجوهرى: ‌ان‌ لله ضنا ‌من‌ خلقه يحييهم ‌فى‌ عافيه ‌و‌ يميتهم ‌فى‌ عافيه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: ‌هو‌ ضنى بالكسر اى: خاص بى، ‌و‌ ضنائن الله: خواص خلقه
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى جعفر عليه السلام، قال: ‌ان‌ لله
 
عز ‌و‌ ‌جل‌ ضنائن يضن بهم عن البلاء فيحييهم ‌فى‌ عافيه: ‌و‌ يرزقهم ‌فى‌ عافيه، ‌و‌ يميتهم ‌فى‌ عافيه، ‌و‌ يبعثهم ‌فى‌ عافيه، ‌و‌ يسكنهم الجنه ‌فى‌ عافيه.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌ان‌ الله خلق خلقا ضن بهم عن البلاء، خلقهم ‌فى‌ عافيه، ‌و‌ احياهم ‌فى‌ عافيه، ‌و‌ اماتهم ‌فى‌ عافيه، ‌و‌ ادخلهم الجنه ‌فى‌ عافيه.
 ‌و‌ عنه صلوات الله عليه: ‌ان‌ لله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ضنائن ‌من‌ خلقه، يغذوهم بنعمته، ‌و‌ يحييهم ‌فى‌ عافيه، ‌و‌ يدخلهم الجنه برحمته، تمربهم البلايا ‌و‌ الفتن ‌لا‌ تضرهم شيئا.
 قال بعض اصحابنا ‌فى‌ معنى هذه الاخبار: لما كان كل فعله تعالى منوطا بالحكمه، كان ‌من‌ مقتضى حكمته انه اذا علم ‌ان‌ ‌من‌ عباده ‌من‌ ‌لا‌ يحتاج ‌فى‌ اصلاحهم الى البلاء رزقهم العافيه، ‌و‌ قد يبلو بعضهم لزياده الاجر ‌و‌ رفع المنزله، ‌و‌ اذا علم ‌ان‌ بعضهم يحتاج الى البلاء ابتلاهم به.
 ‌و‌ قال بعضهم: معنى الضن بهم عن البلاء: اعدادهم لعدم التاذى بالبلاء، ‌و‌ ذلك لفرط محبتهم له سبحانه، بحيث يلتذون ببلائه كما يلتذون بنعمائه فيعدونه عافيه، كما يشير الى ذلك آخر الحديث الثالث، ‌و‌ ‌هو‌ قوله عليه السلام: تمربهم البلايا ‌و‌ الفتن ‌لا‌ تضرهم شيئا، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «و المغنين ‌من‌ الفقر بغناك» قال بعض اصحابنا: اعلم ‌ان‌ الغنى المطلوب لمثله عليه السلام ‌هو‌ ‌ما‌ دفع ضروره حاجته بحسب الاقتصاد
 
و القناعه، ‌لا‌ المفهوم المتعارف بين ارباب الدنيا ‌من‌ جمع المال ‌و‌ ادخاره ‌و‌ الاتساع ‌به‌ فوق الحاجه، ‌و‌ طلب الغنى على ذلك محمود، ‌و‌ على الوجه الثانى ‌هو‌ المذموم، ‌و‌ الفقر ‌هو‌ ‌ما‌ احتاج معه الى سوال الخلق، انتهى.
 ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ المراد بالفقر هناك التمسك بما سواه تعالى ‌و‌ الاستعانه به، لقوله عليه السلام: «بغناك»، فان المغنى بغناه ‌جل‌ شانه ‌هو‌ الذى صرفته العنايه عن الالتفات الى ‌ما‌ سواه سبحانه ‌من‌ الوسائل ‌و‌ الاسباب، ‌و‌ الا فكل مغنى يوول غناه اليه تعالى.
 قوله عليه السلام: «و المعصومين ‌من‌ الذنوب» الى آخره عصمه الله يعصمه- ‌من‌ باب ضرب-: حفظه ‌من‌ مواقعه الاثام ‌و‌ المعاصى، ‌و‌ ذلك بفيض ‌و‌ اعداد منه تعالى يقوى ‌به‌ العبد على اجتناب الشر، حتى يصير كمانع له ‌من‌ باطنه ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن منعا محسوسا.
 ‌و‌ الذنب: ‌ما‌ يحجبك عن الله تعالى، ‌و‌ جمعه باعتبار تنوعه.
 ‌و‌ الزلل: اصله ‌فى‌ المكان.
 قال الزمخشرى: ‌هو‌ نوع ‌من‌ انتقال الجسم عن مكان الى مكان، انتهى.
 يقال: زل عن مكانه زلا- ‌من‌ باب ضرب-: تنحى عنه، ‌و‌ زل ذللا- ‌من‌ باب تعب- لغه، ‌و‌ الاسم الزله بالكسر، ‌و‌ الزله بالفتح: المره، ثم استعير للزوال عن الحق ‌و‌ الصواب.
 قال ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز: زل ‌فى‌ قوله ‌و‌ رايه زله ‌و‌ زللا، ‌و‌ ازله الشيطان عن الحق ‌و‌ استزله.
 
و الخطا مهموز بفتحتين: ‌ضد‌ الصواب.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ النهايه: ‌هو‌ ‌ضد‌ العمد، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يفعل شيئا ‌من‌ غير قصده.
 ‌و‌ قيل انه العدول عن الصواب، بان يريد غير ‌ما‌ تحسن ارادته فيفعله ‌و‌ ‌هو‌ الماخوذ به، ‌او‌ يريد ‌ما‌ يحسن فعله ‌و‌ لكن يقع له خلاف ‌ما‌ يريد، ‌او‌ يريد ‌ما‌ ‌لا‌ يحسن فعله ‌و‌ يتفق منه خلافه، فهو مخطى اراده مصيب فعلا، فهو مذموم بقصده غير محمود بفعله، ‌و‌ قد يطلق على المعصيه ‌و‌ ‌ان‌ كان فاعلها متعمدا، ‌من‌ حيث انها ‌ضد‌ الصواب.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «بتقواك» اضافه المصدر الى المفعول، اى: بتقواهم اياك، ‌و‌ الاصل ‌و‌ قوى ‌من‌ وقيت، لكنه ابدلت الواو تاء ‌و‌ لزمت ‌فى‌ تصاريف الكلمه.
 يقال: اتقى الله: اذا تورع عن محارمه ‌و‌ اجتنب عن كل ‌ما‌ يبعده عنه. ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك مستوفى، فليرجع اليه.
 قوله عليه السلام: «الموفقين للخير ‌و‌ الرشد ‌و‌ الصواب» وفقه الله للخير: جعل ارادته موافقه له، ‌و‌ الخير: ‌ما‌ يصلح ‌به‌ حال الانسان ‌او‌ يرغب فيه الكل، ‌و‌ الشر: بخلافه، ‌و‌ كل منهما اما مطلق لم يزل مرغوبا فيه ‌او‌ عنه، ‌او‌ مقيد يكون بالنسه الى احد خيرا ‌و‌ الى الاخر شرا كالمال.
 ‌و‌ الرشد بالضم ‌و‌ السكون ‌و‌ بفتحتين ‌و‌ الرشاد: الهدى ‌و‌ الاستقامه.
 ‌و‌ قال الواحدى: الرشد: اصابه، الخير، ‌و‌ ‌هو‌ نقيض الغى.
 ‌و‌ قال الراغب: الرشد: عنايه الهيه تعين الانسان عند توجهه ‌فى‌ اموره، فتقويه على ‌ما‌ فيه اصلاحه ‌و‌ تفتره عما فيه فساده، ‌و‌ اكثر ‌ما‌ يكون ذلك ‌من‌ الباطل، نحو
 
قوله تعالى: «و لقد آتينا ابراهيم رشده ‌من‌ قبل ‌و‌ كنا ‌به‌ عالمين»، ‌و‌ كثيرا ‌ما‌ يكون ذلك بتقويه العزم ‌او‌ بفسخه، ‌و‌ اليه يتوجه قوله تعالى: «و اعلموا ‌ان‌ الله يحول بين المرء ‌و‌ قلبه».
 ‌و‌ الصواب: اصابه الحق، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ضد‌ الخطا.
 قوله عليه السلام: «المحال بينهم» اسم مفعول ‌من‌ احال بمعنى حال، يقال: حال النهر بيننا حيلوله اى: حجز ‌و‌ منع الاتصال، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و حيل بينهم ‌و‌ بين ‌ما‌ يشتهون».
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: ‌و‌ كل ‌ما‌ حجز بين شيئين فقد حال بينهما.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: ابن ادريس: «المحول بينهم»، ‌و‌ ‌هو‌ الموافق للمشهور.
 الذى عليه التنزيل، قال تعالى: «و اعلموا ‌ان‌ الله يحول بين المرء ‌و‌ قلبه»، ‌و‌ قال: «و حال بينهما الموج فكان ‌من‌ المغرقين».
 ‌و‌ اما احال فلم ينص عليه احد ‌من‌ اهل اللغه، الا ‌ان‌ الروايه المشهوره وردت هنا بلفظ المحال بينهم، ‌و‌ ‌لا‌ معنى له الا ‌ان‌ يكون بمعنى المحول.
 قوله عليه السلام: «التاركين لكل معصيتك» ترك الشى ء: طرحه ‌و‌ خلاه.
 ‌و‌ قال الشهاب الفيومى ‌فى‌ المصباح: تركت المنزل تركا: رحلت عنه، ‌و‌ تركت الرجل: فارقته، ثم استعير للاسقاط ‌فى‌ المعانى، فقيل: ترك حقه: اذا اسقطه، ‌و‌ ترك ركعه ‌من‌ الصلاه: لم يات بها، فانه اسقاط لما ثبت شرعا، ‌و‌ تركت البحر ساكنا: لم اغيره عن حاله، انتهى.
 ‌و‌ قيل: الترك: الكف عن الفعل المبتدا ‌فى‌ محل القدره عليه.
 
فقوله عليه السلام: «التاركين لكل معصيتك» ‌لا‌ يجوز ‌ان‌ يكون بمعنى الكافين عنها بعد ارتكابها ‌و‌ المفارقين لها بعد مواصلتها، كما يقتضيه معنى الترك، اذ ‌لا‌ يتصور ارتكاب احد كل معصيه، بل معناه غير الفاعلين لشى ء ‌من‌ المعاصى، ‌و‌ هذا المعنى للترك شائع ‌فى‌ الاستعمال ايضا.
 قال امين الدين الطبرسى: الترك: ‌ضد‌ الاخذ، ينافى الفعل المبتدا ‌فى‌ محل القدره عليه، ‌و‌ يستعمل بمعنى ‌ان‌ ‌لا‌ يفعل، كقوله تعالى: «و تركهم ‌فى‌ ظلمات» معناه لم يفعل الله لهم النور.
 فان قلت قد تقرر ‌فى‌ علم البيان ‌ان‌ كلا اذ وقعت خبر النفى كان النفى موجها الى الشمول خاصه، ‌و‌ افاد بمفهومه الثبوت لبعض الافراد، كقولك: لم آخذ كل الدراهم، فيلزم على هذا ‌ان‌ يكون معنى التاركين لكل معصيتك، التاركين لمجموعها مع ارتكابهم لبعض افرادها، كما ‌ان‌ قولك: لم آخذ كل الدراهم يفيد ثبوت الاخذ لبعضها، ‌و‌ هذا المعنى غير مراد هنا قطعا بل المراد ترك كل فرد ‌من‌ المعصيه.
 قلت: الحق ‌ان‌ هذا الحكم اكثرى لاكلى، كما نص عليه سعد التفتازانى ‌فى‌ شرح التلخيص، قال: لانا نجده حيث ‌لا‌ يصلح ‌ان‌ يتعلق الفعل ببعض، كقوله تعالى: «و الله ‌لا‌ يحب كل مختال فخور»، «و الله ‌لا‌ يحب كل كفار اثيم»، «و ‌لا‌ تطع كل حلاف مهين»
 ‌و‌ اجاب بعضهم: بان دلاله المفهوم انما يعول عليها عند عدم المعارض، ‌و‌ ‌هو‌ هنا موجود، اذ ‌دل‌ الدليل على تحريم الاختيال ‌و‌ الفخر ‌و‌ الكفر ‌و‌ الحلف.
 
و هذا الجواب صالح هنا ايضا، اذ الدليل اوجب ترك كل فرد ‌من‌ المعصيه، فلا يعول على دلاله المفهوم.
 قوله عليه السلام «الساكنين ‌فى‌ جوارك» سكن الدار ‌و‌ ‌فى‌ الدار سكنا- ‌من‌ باب طلب-: ‌حل‌ بها، ‌و‌ الاسم السكنى فانا ساكن.
 ‌و‌ جاوره مجاوره ‌و‌ جوارا ‌من‌ باب قاتل، ‌و‌ الاسم الجوار بالفتح ‌و‌ الضم.
 ‌و‌ قال الجوهرى: جاورته مجاوره ‌و‌ جوارا ‌و‌ جوارا، ‌و‌ الكسر افصح.
 ‌و‌ قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب ‌فى‌ باب فعال بالكسر: ‌هو‌ الجوار، يقال: ‌هو‌ ‌فى‌ جوار الله، ‌و‌ ‌هو‌ مصدر ايضا ‌فى‌ الاصل، ‌و‌ ‌فى‌ باب فعال بالضم: الجوار لغه ‌فى‌ الجوار، ‌و‌ الكسر افصح، ‌و‌ ‌فى‌ باب فعال بالفتح: ‌هو‌ الجوار.
 ‌و‌ بالحركات الثلاث وردت الروايه ‌فى‌ الدعاء. ‌و‌ السكن ‌فى‌ جوار الله تعالى تمثيل للسلامه ‌من‌ كل آفه ‌و‌ نيل الكرامه بكل خير، مثل صوره ‌من‌ وقاه الله سبحانه ‌و‌ سلمه ‌من‌ كل مخوف ‌و‌ شمله بفضله ‌و‌ عنايته بصوره ‌من‌ سكن ‌فى‌ جوار ملك عظيم ‌و‌ سيد كريم، فهو يقيه ‌و‌ يحفظه ‌من‌ كل سوء ‌و‌ ‌شر‌ رعايه لسكناه ‌فى‌ جواره، ‌و‌ يغشاه بكل خير ‌و‌ ‌بر‌ كرامه لحلوله ‌فى‌ كنفه، ‌و‌ الله اعلم.
 
جاء بضمير الجماعه لاشراك ولده عليه ‌و‌ عليهم السلام ‌فى‌ الدعاء، كما يدل عليه قوله فيما سياتى: «مثل الذى سالتك لنفسى ‌و‌ لولدى» ‌و‌ جمع بين التوفيق ‌و‌ الرحمه، لان بعض المسوول المشار اليه بذلك متسبب عن التوفيق ‌و‌ بعضه عن محض الرحمه،
 
كما ‌هو‌ ظاهر.
 ‌و‌ السعير: النار.
 ‌و‌ قيل: لهبها، لقولهم: خبى سعيرها.
 ‌و‌ عن اللحيانى: نار سعير بغيرهاء اى: مسعوره.
 يقال: سعر النار سعرا- ‌من‌ باب نفع-: ‌و‌ اسعرها اسعارا ‌و‌ سعرها تسعيرا: ‌اى‌ اوقدها.
 ‌و‌ ختم الدعاء عليه السلام بالسوال لعامه اهل التوحيد، ‌من‌ المسلمين ‌و‌ المسلمات ‌و‌ المومنين ‌و‌ المومنات، مثل ‌ما‌ سال لنفسه ‌و‌ لولده ‌فى‌ الدارين.
 لما ورد ‌فى‌ الخبر: ‌ان‌ ‌من‌ ‌حق‌ المسلم على المسلم ‌ان‌ يحب له ‌ما‌ يحب لنفسه، ‌و‌ يكره له ‌ما‌ يكره لنفسه.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه: يحب المرء المسلم لاخيه ‌ما‌ يحب لاعز اهله، ‌و‌ يكره المرء المسلم لاخيه ‌ما‌ يكره ‌لا‌ ‌عز‌ اهله.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌ما‌ ‌من‌ مومن دعا للمومنين ‌و‌ المومنات الا ‌رد‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ عليه مثل الذى دعالهم به، ‌من‌ كل مومن ‌و‌ مومنه مضى ‌من‌ اول الدهر ‌او‌ ‌هو‌ آت الى يوم القيامه.
 ‌و‌ تقديم المسلمين ‌و‌ المسلمات على المومنين ‌و‌ المومنات رعايه لترتيب الوجود، اذ الاسلام قبل الايمان، فلا يكون العبد مومنا حتى يكون مسلما. ‌و‌ قد تقدم الكلام
 
على الاسلام ‌و‌ الايمان مستوفى، فليرجع اليه.
 ‌و‌ قوله: «فى عاجل الدنيا ‌و‌ آجل الاخره» يحتمل ‌ان‌ يكون متعلقا بقوله: «واعط جميع المسلمين»، ‌و‌ يحتمل تعلقه بقوله: «سالتك لنفسى».
 ‌و‌ الجمله ‌من‌ قوله:«انك قريب مجيب» الى آخره تعليل لاستدعاء الاجابه ‌و‌ تاكيدها، لغرض كمال قوه يقينه عليه السلام بمضمونها.
 ‌و‌ وصفه تعالى بالقريب: تمثيل لكمال علمه بافعال عباده ‌و‌ اقوالهم ‌و‌ اطلاعه على احوالهم بحال ‌من‌ قرب مكانه.
 ‌و‌ المجيب: ‌هو‌ الذى يقابل دعاء الداعين بالاجابه، ‌و‌ سوال السائلين بالاسعاف، ‌و‌ ضروره المضطرين بالكفايه، ‌و‌ فيه تلميح الى قوله تعالى: «و اذا سالك عبادى عنى فانى قريب اجيب دعوه الداع اذا دعان».
 ‌و‌ السميع: ‌هو‌ العالم بالمسموعات.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ الذى ‌لا‌ يعزب عن ادراكه مسموع ‌و‌ ‌ان‌ خفى، يسمع حمد الحامدين فيثيبهم ‌و‌ دعاء الداعين فيجيبهم.
 ‌و‌ قال امين الاسلام الطبرسى: ‌هو‌ ‌من‌ كان على صفه يجب لاجلها ‌ان‌ يدرك المسموعات اذا وجدت، ‌و‌ هى ترجع الى كونه تعالى حيا ‌لا‌ آفه به.
 ‌و‌ السامع: المدرك، ‌و‌ يوصف القديم تعالى ‌فى‌ الازل بانه سميع، ‌و‌ ‌لا‌ يوصف ‌فى‌ الازل بانه سامع، لانه انما يوصف ‌به‌ اذا وجدت المسموعات.
 ‌و‌ العليم: العالم بجميع الاشياء ظاهرها ‌و‌ باطنها ‌و‌ دقيقها ‌و‌ جليلها على اتم ‌ما‌ يمكن، بحيث ‌لا‌ يتصور مشاهده ‌و‌ كشف اظهر منه، ‌و‌ فعيل ‌من‌ ابنيه المبالغه فهو ابلغ ‌من‌ العالم.
 
 
قال بعض العلماء: ليس سمعه ‌و‌ علمه تعالى بجارحه، ‌و‌ ‌لا‌ بكيفيه نفسانيه انفعاليه، ليلزم الاشتراك بينه ‌و‌ بين السامعين ‌و‌ العلماء، ‌او‌ بينه ‌و‌ بين اسماعهم ‌و‌ علومهم، بل حقيقه ذاته المقدسه التى هى محض الوجود الذى ‌لا‌ اتم منه، تنكشف له المسموعات ‌و‌ تحضر لديه المعلومات، ‌و‌ ليس معنى السماع الا حضور صوره المسموع عند قوه ادراكيه تسمى بالسمع ‌او‌ السامعه، ‌و‌ ‌لا‌ العلم الا حضور صوره المعلوم عند قوه علميه تسمى بالعقل ‌او‌ العاقله، ‌و‌ ليس ‌من‌ شرط السماع ‌ان‌ يكون باله ‌و‌ ‌لا‌ بحلول صوره ‌فى‌ ذات السامع ‌او‌ ‌فى‌ آله منه، بل معناه انكشاف المسموع ‌و‌ حضوره سواء كان بنفسه ‌او‌ بصورته.
 ‌و‌ كذا الكلام ‌فى‌ العلم، فان ذاته تعالى سميع اذ ينكشف عنده المسموعات، ‌و‌ سمع اذ ‌به‌ يقع ذلك الانكشاف ‌لا‌ بامر آخر، ‌و‌ كذا قياس كونه عليما ‌و‌ علما، انتهى.
 ‌و‌ العفو: فعول ‌من‌ العفو، ‌و‌ ‌هو‌ التجاوز عن الذنب ‌و‌ ترك العقاب عليه، ‌و‌ اصله المحو ‌و‌ الطمس، يقال: عفت الرياح الاثر: اذ محته ‌و‌ طمسته.
 ‌و‌ الغفور: بمعنى الغفار، ‌و‌ لكنه ينبى ء عن نوع مبالغه ‌لا‌ ينبى ء عنه الغفار، فان الغفار، مبالغه ‌فى‌ المغفره بالاضافه الى مغفره متكرره مره بعد اخرى، فالفعال ينبى ء عن كثره الفعل، ‌و‌ الفعول ينبى عن جودته ‌و‌ كماله ‌و‌ شموله، فهو غفور بمعنى، انه تام الغفران كاملها حتى يبلغ اقصى درجات المغفره.
 قال الغزالى ‌و‌ غيره: ‌و‌ ‌فى‌ العفو مبالغه ليست ‌فى‌ الغفور، فان الغفران ينبى ء عن الستر، ‌و‌ العفو ينبى ء عن المحو، ‌و‌ ‌هو‌ ابلغ ‌من‌ الستر، لان ستر الشى ء قد يحصل مع بقاء اصله، بخلاف المحو فانه ازالته جمله ‌و‌ راسا. ‌و‌ على هذا، فتقديمه مع كون القياس تاخيره رعايه لاسلوب الترقى الى الاعلى، كما ‌فى‌ قولهم: فلان عالم نحرير، ‌و‌ شجاع باسل، ‌و‌ جواد فياض، لان ‌ما‌ يدل على ازاله اصل الذنب اولى بالتقديم مما يدل
 
على ستره مع احتمال بقاء اصله.
 ‌و‌ الرووف: ذوالرافه ‌و‌ هى شده الرحمه، فهو بمعنى الرحيم مع المبالغه فيه، ‌و‌ تقديمه عليه مع كونه ابلغ منه، لان تقديم ‌ما‌ يدل على عظيم النعمه اولى ‌من‌ تقديم ‌ما‌ يدل على دقيقها.
 ‌و‌ قيل: الرافه اخص ‌و‌ الرحمه اعم.
 
و قوله عليه السلام: «و آتنا ‌فى‌ الدنيا حسنه» الى آخره مر شرحه ‌فى‌ آخر الروضه العشرين، فليرجع اليه تم.
 ‌و‌ الحمد لله رب العالمين ‌و‌ صلى الله على محمد ‌و‌ آله اجمعين، ‌و‌ لله الحمد. تم ضحوه يوم الثلاثاء لعشر بقين ‌من‌ شعبان المكرم سنه 1101.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^