فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 28

بسم الله الرحمن الرحيم


 الحمد لله الذى فاز بالامان ‌من‌ تفزع اليه ‌و‌ حاز منتهى الامانى ‌من‌ اقبل بكله عليه ، والصلاه والسلام على ‌من‌ نهج لنا ‌به‌ سبيل الرشاد ‌و‌ على اهل بيته الذين اسس بهم بنيان الحق ‌و‌ الارشاد.
 اما بعد فهذه الروضه الثامنه ‌و‌ العشرون ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيدالعابدين ، صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الطاهرين ، املاء راجى فضل ربه السنى على صدرالدين الحسينى الحسنى ، جعله الله ‌من‌ الفائزين يوم الفزع الاكبر بامانه ‌و‌ هداه الى ‌حق‌ اليقين ‌فى‌ معرفته ‌و‌ ايمانه، آمين.
 
فزع اليه فزعا- ‌من‌ باب فرح-: الجا اليه ‌و‌ اعتصم به، ‌و‌ ‌هو‌ مفزع اى: ملجا، ‌و‌ ‌من‌ كلام اميرالمومنين ‌و‌ سيد الوصيين صلوات الله عليه: فاذا اشتد الفزع فالى الله المفزع، اى: اذا اشتد الخوف فالى الله الالتجاء ‌و‌ الاستعانه، ‌و‌ منه حديث الكسوف: فافزعوا الى الصلاه، اى: الجاوا اليها ‌و‌ استغيثوا بها ‌فى‌ دفع الامر الحادث.
 ‌و‌ تفزع الى الله: جهد ‌فى‌ الفزع اليه، ‌و‌ كلف نفسه اياه، فهو متفزع، فالتفعل فيه للتكلف ‌و‌ المعافاه.
 
اخلص لله اخلاصا: صفى قلبه عن شوب الالتفات الى غيره، ‌و‌ اصله ‌من‌ الخلوص، ‌و‌ ‌هو‌ صفاء الشى ء عن كل ‌ما‌ يشوبه، ‌و‌ قد تقدم الكلام عليه مبسوطا.
 ‌و‌ انقطع اليه: لزمه ‌و‌ ترك غيره. قال ‌فى‌ الاساس: ‌هو‌ منقطع الى فلان.
 ‌و‌ تعديته ب«الى» لتضمنه معنى التوجه، كانه قطع عن غيره فانقطع عنه متوجها الى ‌من‌ لزمه.
 
و اقبلت على الشى ء: وجهت وجهى نحوه.
 
و «كل» اذا اضيفت الى مفرد معرف- كما وقعت هنا- افادت استغراق اجزائه، اى: اقبلت بجميع جوارحى ‌و‌ حواسى الظاهره ‌و‌ الباطنه عليك.
 ‌و‌ معنى انقطاعه اليه تعالى ‌و‌ اقباله بكله عليه ‌عز‌ ‌و‌ جل: افراده سبحانه بالرجاء ‌و‌ السوال، ‌و‌ عدم الالتفات الى غيره ‌من‌ الوسائط ‌و‌ الاسباب بوجه ‌من‌ الوجوه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ باب الاستعاره التمثيليه، شبه حاله بحال ‌من‌ انقطع الى شخص فلزمه ‌و‌ لم يتردد الى غيره ‌و‌ قد وجه وجهه اليه، ‌و‌ عول ‌فى‌ حصول مطلبه عليه.
 
و صرفت وجهى عن الشى ء: حولته عنه، ‌و‌ ‌هو‌ هنا كنايه عن قطع الرجاء ‌و‌ الامل عن غير الله تعالى، فان ‌من‌ قطع امله عن احد صرف وجهه عنه ‌و‌ لم يلتفت اليه.
 ‌و‌ قوله: «عمن يحتاج الى رفدك» اى: غيرك، فان كل ‌من‌ سواه محتاج الى رفده سبحانه، اى: صلته ‌و‌ اعطائه، اذ ثبت ‌ان‌ كل ممكن ‌و‌ موجود فهو مفتقر ‌و‌ محتاج اليه.
 
و قلبته قلبا- ‌من‌ باب ضرب-: حولته عن وجهه.
 ‌و‌ المساله: السوال، يقال: سالت الله العافيه اى: طلبتها، سوالا ‌و‌ مساله.
 عن فضلك: ‌اى‌ خيرك ‌و‌ احسانك، ‌و‌ كل ‌من‌ سواه غير مستغن عن فضله ‌و‌ احسانه تعالى، اذ ثبت ‌ان‌ كل الموجودات اسيره ‌فى‌ رق الامكان ‌و‌ الحاجه اليه تعالى شانه، ‌و‌ ‌هو‌ المفيض على كل قابل ‌ما‌ يستحقه ‌و‌ يستعد له ‌من‌ الخيرات ‌و‌ الفضل.
 
و رايت: ‌اى‌ اعتقدت، ‌من‌ الراى بمعنى الاعتقاد، ‌او‌ بمعنى العلم ‌و‌ هى الرويه القلبيه، ‌و‌ الجمله ساده مسد مفعولى رايت.
 ‌و‌ طلبت الى الله: رغبت اليه ‌و‌ سالته.
 ‌و‌ السفه بفتحتين: النقص ‌فى‌ العقل، ‌و‌ قيل: رذيله تقابل الحلم، ‌و‌ تعود الى الطيش ‌و‌ قله الثبات، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ القبيح الذى يقع ‌من‌ متمكن ‌من‌ التحرز عنه.
 الراى: البصيره، ‌و‌ هى للقلب بمثابه البصر للنفس، يقال: رجل ذو راى اى:
 
بصيره ‌و‌ علم بالامور.
 ‌و‌ الضله بالفتح: المره ‌من‌ الضلال، ‌و‌ ‌هو‌ سلوك طريق ‌لا‌ يوصل الى المطلوب، ‌او‌ هى بمعنى الحيره اى: عدم الاهتداء الى الصواب، كما نص عليه صاحب القاموس.
 ‌و‌ قال الجوهرى: يقال: فلان يلومنى ضله: اذا لم يوفق للرشاد ‌فى‌ عذله.
 ‌و‌ العقل هنا: قوه نفسانيه بها يدرك الانسان حقائق الاشياء، ‌و‌ يميز بين الخير ‌و‌ الشر.
 ‌و‌ مدار هذا الفصل ‌من‌ الدعاء على اظهار صدق توكله عليه السلام على ربه ‌عز‌ ‌و‌ جل، ‌و‌ التوسل ‌به‌ الى الله تعالى. قال بعض ارباب القلوب: التوكل ‌هو‌ صدق الانقطاع الى الله، ‌و‌ صدق الانقطاع الى الله ‌هو‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يكون لك حاجه الى غير الله
 ‌و‌ قال بعضهم: ‌من‌ التوكل ‌ان‌ ‌لا‌ تطلب لنفسك ناصرا غير الله، ‌و‌ ‌لا‌ لرزقك قاسما غير الله، ‌و‌ ‌لا‌ لعملك شاهدا غير الله
 ‌و‌ قال آخر: الحمد لله الذى قطع العلائق ‌من‌ المنقطعين اليه، ‌و‌ وهب الحقائق للمتصلين ‌به‌ ‌و‌ المتوكلين عليه.
 ‌و‌ انما قال عليه السلام: «و رايت ‌ان‌ طلب المحتاج الى المحتاج سفه ‌من‌ رايه»، لان العقل ‌و‌ الراى اللذين سلما ‌من‌ آفه النقص ‌و‌ الضلال، قاضيان بان تاميل العاجز عاجزا مثله، ‌و‌ اناخه مطايا الطلب بساحه فقير مشبهه، ‌لا‌ يكون الا عن سفه ‌و‌ ضلال ‌فى‌ الراى ‌و‌ العقل.
 
الفاء: للسببيه، لان ‌ما‌ بعدها، ‌و‌ ‌هو‌ كثره رويته عليه السلام لاناس طلبوا العز بغير الله سبحانه فذلوا الى آخره، سبب لما قبلها، ‌و‌ ‌هو‌ اعتقاده ‌ان‌ طلب المحتاج الى المحتاج سفه ‌من‌ رايه ‌و‌ ضله ‌من‌ عقله، ‌و‌ اغرب ‌من‌ قال: انها للاستئناف.
 ‌و‌ كم: خبريه بمعنى: كثير، ‌و‌ هى ‌فى‌ موضع نصب ب«رايت»، ‌و‌ وجب تقديمها للزومها الصدر ‌من‌ حيث تضمنها للمعنى الانشائى ‌فى‌ التكثير، كما ‌ان‌ «رب» تضمنت المعنى الانشائى ‌فى‌ التقليل، ‌و‌ وجب لها صدر الكلام.
 ‌و‌ «من» ‌فى‌ قوله: «من اناس»: لبيان الجنس، ‌و‌ اناس: تمييزك «كم»، وجى ء بها لئلا يلتبس بمفعول رايت.
 قال الرضى رضى الله عنه: اذا فصل بين ‌كم‌ الخبريه ‌و‌ مميزها بفعل متعد وجب الاتيان ب«من»، لئلا يلتبس التمييز بمفعول ذلك الفعل المتعدى، نحو: «كم تركوا ‌من‌ جنات» «و ‌كم‌ اهلكنا ‌من‌ قريه».
 ‌و‌ اناس بضم الهمزه، اسم جمع للانسان، ‌و‌ ‌هو‌ لغه ‌فى‌ الناس.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: يمكن ‌ان‌ يكون اصله الكسر على ابنيه الجموع، ثم ضم للدلاله على زياده قوه كما ‌فى‌ سكارى.
 
و قيل: ‌هو‌ اصل للناس، حذفت همزته تخفيفا ‌و‌ عوض عنها حرف التعريف، ‌و‌ لذلك ‌لا‌ يكاد يجمع بينهما، ‌و‌ اما قوله:
 ‌ان‌ المنايا يطلعن على الاناس الامنينا
 فشاذ.
 ‌و‌ جمله قوله: «طلبوا العز» ‌فى‌ محل جر صفه لاناس.
 ‌و‌ طلبت الشى ء- ‌من‌ باب قتل- طلبا بفتحتين: حاولت وجوده. ‌و‌ الباء ‌فى‌ قوله عليه السلام: «بغيرك»: للاستعانه.
 ‌و‌ ذل ذلا- ‌من‌ باب ضرب-: اذا ضعف وهان، ‌و‌ الاسم الذل بالضم، ‌و‌ ‌هو‌ خلاف العز.
 ‌و‌ رمت الشى ء ارومه روما ‌و‌ مراما: طلبته.
 ‌و‌ الثروه: كثره المال، ‌و‌ اثرى اثراء استغنى، ‌و‌ الاسم منه الثراء بالفتح ‌و‌ المد.
 ‌و‌ افتقر: صار فقيرا.
 ‌و‌ حاولت الشى ء محاوله: اردته.
 ‌و‌ الارتفاع ‌و‌ الاتضاع: افتعال ‌من‌ الرفعه ‌و‌ الضعه، ‌و‌ هما ‌فى‌ الاجسام حقيقه ‌فى‌ الحركه ‌و‌ الانتقال، ‌و‌ ‌فى‌ المعانى محمولان على ‌ما‌ يقتضيه المقام، فالمراد بهما هنا ‌فى‌ القدر ‌و‌ المنزله.
 ‌و‌ الفاء ‌فى‌ المواضع الثلاثه ‌من‌ قوله: «فذلوا» ‌و‌ نظيريه: للترتيب ‌و‌ التعقيب ‌و‌ السببيه، نحو: «فتلقى آدم ‌من‌ ربه كلمات فتاب عليه».
 قال الرضى: اذا عطفت الفاء جمله على جمله، افادت كون مضمون الجمله التى بعدها عقيب مضمون الجمله التى قبلها بلا فصل، نحو: قام زيد فقعد عمرو.
 
و انما كان طلب العز ‌و‌ روم الثروه ‌و‌ محاوله الارتفاع ‌من‌ غير الله تعالى سببا للذل ‌و‌ الافتقار ‌و‌ الاتضاع، لما ثبت ‌ان‌ الله تعالى ‌هو‌ المفيض لكل خير، ‌و‌ المعطى لكل طالب ‌ما‌ طلب بحسب استعداده، اما بسبب ‌او‌ بدونه، فاذا توجه الانسان الى غيره، ‌و‌ التفت بقلبه ‌و‌ قالبه اليه، ‌و‌ عول ‌فى‌ نجاح طلبته عليه، فقد ترك الاستعداد لحصول مطلوبه ‌و‌ نيل بغيته، بل استعد بذلك للحرمان ‌و‌ خيبه الرجاء، فان ‌من‌ اعتقد جزما ‌او‌ ظنا بان احدا غير الله تعالى، ممن ينسب اليه التاثير ‌و‌ القدره، ‌هو‌ المتمكن ‌من‌ الفعل، ‌و‌ انه تام القدره على تحصيل مراده ‌و‌ الوفاء به، فان ذلك اقوى الاسباب المعده لان يمنعه الله افاضته، ‌و‌ يقطع عنه اسباب مواهبه، ‌و‌ ‌من‌ منع الله منه خيره، ‌و‌ قطع عنه سبب فضله، كان اذل ‌من‌ كل ذليل، ‌و‌ افقر ‌من‌ كل فقير، ‌و‌ اوضع ‌من‌ كل وضيع، ‌لا‌ جرم كان طلب الانسان الى غير الله سبحانه سببا لحرمانه ‌و‌ حصول عكس مطلوبه، ‌و‌ لذلك ورد ‌فى‌ الحديث القدسى: ‌ان‌ الله سبحانه ‌و‌ تعالى يقول: ‌و‌ عزتى ‌و‌ جلالى ‌و‌ مجدى، ‌و‌ ارتفاعى ‌لا‌ قطعن امل كل مومل غيرى بالياس، ‌و‌ لاكسونه ثوب المذله عند الناس، ‌و‌ ‌لا‌ نحينه ‌من‌ قربى، ‌و‌ ‌لا‌ بعدنه ‌من‌ فضلى. ‌و‌ قد ذكرنا الحديث بتمامه ‌فى‌ الروضه الثالثه عشره.
 ‌و‌ ‌فى‌ معناه ‌ما‌ رواه ابوالقاسم النيسابورى ‌فى‌ المجلس السادس ‌و‌ الخمسين ‌من‌ كتاب خلق الانسان، قال: روى سيدنا موسى ‌بن‌ جعفر، عن ابيه، عن جده محمد، عن ابيه على ‌بن‌ الحسين، عن ابيه الحسين ‌بن‌ على، عن ابيه على ‌بن‌ ابى طالب عليهم السلام: ‌ان‌ النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله قال: قال الله ‌جل‌ جلاله: ‌ما‌ ‌من‌ مخلوق يعتصم بمخلوق دونى الا قطعت اسباب السماوات ‌و‌ الارض دونه، فان دعانى لم اجبه، ‌و‌ ‌ان‌ سالنى لم اعطه، ‌و‌ ‌ما‌ ‌من‌ مخلوق يعتصم ‌بى‌ دون خلقى الا ضمنت
 
السماوات ‌و‌ الارض رزقه، فان سالنى اعطيته، ‌و‌ ‌ان‌ دعانى اجبته، ‌و‌ ‌ان‌ استغفرنى غفرت له.
 
قوله عليه السلام: «فصح بمعاينه امثالهم حازم» الى آخره، الفاء: للسببيه، اى: فبسبب ذلك صح.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بمعاينه امثالهم»: للملابسه، اى: متلبسا بها، ‌او‌ للسببيه تصريحا بمدلول الفاء.
 ‌و‌ الصحه: ذهاب المرض ‌و‌ البراءه ‌من‌ كل عيب، صح يصح- ‌من‌ باب ضرب- فهو صحيح.
 ‌و‌ عاينت الشى ء عيانا ‌و‌ معاينه: اذا رايته بعينك.
 ‌و‌ المراد بامثالهم: ذواتهم، اى: بمعاينتهم، ‌و‌ انما اقحم لفظ الامثال للمبالغه، فهو نحو: مثل الامير يحمل على الادهم ‌و‌ الاشهب، اى: الامير يحمل.
 قال السعد التفتازانى: لفظ المثل كنايه عمن اضيف اليه، لانه اذا ثبت الفعل لمن يسد مسده، ‌و‌ ‌من‌ ‌هو‌ على اخص اوصافه، ‌و‌ اريد ‌ان‌ ‌من‌ كان على الصفه التى ‌هو‌ عليها كان ‌من‌ مقتضى القياس ‌و‌ موجب العرف ‌ان‌ يفعل كذا، لزم الثبوت لذاته بالطريق الاولى، انتهى.
 ‌و‌ كذا الكلام هنا، فانه اذا صح الحازم بمعاينه ‌من‌ يسد مسدهم ‌و‌ يكون على اخص اوصافهم، فصحته بمعاينه ذواتهم اولى، ‌و‌ قد كشف ابوالطيب قناع الكنايه بالمثل ‌فى‌ قوله يخاطب عضد الدوله ‌و‌ يعزيه بعمته.
 مثلك يثنى الحزن عن صوبه
 ‌و‌ يسترد الدمع ‌من‌ ‌عز‌ ‌به‌
 ‌و‌ لم اقل مثلك اعنى ‌به‌
 سواك ‌يا‌ فردا بلا شبه
 
و اسناد الصحه الى الحازم باعتبار براءته ‌من‌ عيب الطلب الى غير الله، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون حذف مضاف، اى: صح حزم حازم، بمعنى ثبت ‌و‌ تحقق.
 ‌و‌ الحزم: اتقان الراى ‌و‌ ضبط الامر ‌و‌ الاخذ فيه بالثقه.
 ‌و‌ المراد بالحازم: نفسه عليه السلام على سبيل التجريد، جرد ‌من‌ نفسه الكريمه صفه الحزم، ‌و‌ جعلها شخصا آخر متصفا بها، لقصد المبالغه ‌فى‌ الحزم، كما جرد الشاعر ‌من‌ نفسه صفه الكرم فقال:
 فلئن بقيت لارحلن بغزوه
 تحوى الغنائم ‌او‌ يموت كريم
 يعنى بالكريم: نفسه، فكانه انتزع ‌من‌ نفسه كريما مبالغه ‌فى‌ كرمه، ‌و‌ لذلك لم يقل: ‌او‌ اموت، ‌و‌ قد مر تعريف التجريد ‌فى‌ الروضه الثانيه عشره، فليرجع اليه.
 ‌و‌ التوفيق: جعل اراده العبد ‌و‌ فعله موافقا لما يحبه الله ‌و‌ يرضاه، ‌و‌ اسناده الى الاعتبار مجاز عقلى ‌من‌ باب اسناد الفعل الى مسببه، ‌و‌ الا فالموفق حقيقه ‌هو‌ الله سبحانه.
 ‌و‌ يطلق الاعتبار على معنيين:
 احدهما: الاختبار ‌و‌ الامتحان، مثل: اعتبرت الدراهم فوجدتها الفا.
 الثانى: الاتعاظ، ‌و‌ منه قوله تعالى: «فاعتبروا ‌يا‌ اولى الابصار»، ‌و‌ العبره بالكسر: اسم منه.
 قال الخليل: العبره: الاعتبار بما مضى، اى: الا تعاظ ‌و‌ التذكر.
 ‌و‌ الفعل منه بالمعنى الاول يعدى بنفسه فيقال: اعتبرت الشى ء اى: اختبرته، ‌و‌ بالمعنى الثانى يعدى بالباء فيقال: اعتبرت بالشى ء اى: اتعظت به.
 ‌و‌ اصله بالمعنيين ‌من‌ العبور، ‌و‌ ‌هو‌ النفوذ ‌من‌ احد الجانبين الى الاخر، فان المعتبر
 
للشى ء الممتحن له يعبر ‌من‌ الجهل ‌به‌ الى العلم به، ‌و‌ المعتبر بالشى ء المتعظ ‌به‌ تارك جهله ‌و‌ واصل الى علمه بما اعتبر به.
 اذ عرفت ذلك فحمل الاعتبار ‌فى‌ الدعاء على كل ‌من‌ المعنيين صحيح فمعناه على الاول: وفقه امتحانه للامور ‌و‌ اختباره لها حتى عرف خيرها ‌من‌ شرها، ‌و‌ على الثانى: وفقه اتعاظه بما راه ‌من‌ حال ‌من‌ سال غير الله ‌و‌ رغب اليه.
 ‌و‌ ياتى الاعتبار بمعنى: الاعتداد بالشى ء ‌فى‌ ترتيب الحكم، نحو: ‌لا‌ اعتبار بشهاده الواحد.
 ‌و‌ اراده هذا المعنى هنا صحيحه ايضا، فيكون المعنى: وفقه اعتداده بما راى ‌من‌ حال الطالبين الى غير الله ‌فى‌ صرف وجهه ‌و‌ قلب مساله ‌من‌ غيره سبحانه.
 ‌و‌ ارشده الى الطريق ارشادا: هداه اليه، ‌و‌ دله عليه.
 ‌و‌ طريق صوابه اى: الموصل الى مقصده ‌من‌ غير خطا ‌و‌ ‌لا‌ ضلال.
 ‌و‌ الصواب: مصادفه المقصود.
 ‌و‌ اختباره بالباء الموحده بمعنى: امتحانه للامور ‌و‌ النظر فيها ليصل الى المعرفه بها، كانه يصيب خبرها. ‌و‌ يروى: «اختياره» بالياء المثناه ‌من‌ تحت، اى: ارادته لما ‌هو‌ خير، يقال: خيرته بين الشيئين فاختار احدهما، ‌و‌ الاختيار ‌و‌ الايثار بمعنى واحد.
 ‌و‌ المعنى: هداه الى طريق صوابه، ‌و‌ ‌هو‌ الانقطاع الى الله تعالى، اختياره اى: توصله الى معرفه سبيل الصواب ‌من‌ الخطا، ‌او‌ اختياره لما ‌هو‌ خير له، ‌من‌ لزوم الحق ‌و‌ الانحراف عن الباطل.
 
قوله عليه السلام: «فانت ‌يا‌ مولاى دون كل مسوول موضع مسالتى» الفاء: فصيحه، اى: اذا كان الامر كذلك فانت ‌يا‌ ربى ‌او‌ ‌يا‌ مالكى ‌او‌ ‌يا‌ سيدى ‌او‌ ‌يا‌ منعما على كل، فكل هذه المعانى ثابته للمولى دون كل مسوول، اى: متجاوزا
 
كل مسوول.
 فدون: ظرف مستقر متعلق بمحذوف وقع حالا ‌من‌ «انت»، ‌و‌ قد تقدم ‌ان‌ «دون» مما اتسع فيه، فاستعمل ‌فى‌ كل تجاوز ‌حد‌ الى حد، ‌و‌ تخطى امر الى امر.
 ‌و‌ الموضع: مكان الوضع، ‌و‌ اصله ‌فى‌ الاجسام، يقال: وضعت الشى ء ‌فى‌ المكان اى: اثبته فيه، ‌و‌ ذلك المكان موضع له، ثم استعمل ‌فى‌ المعانى فقيل: وضعت عنده سرى: اذا اسررته اليه، ‌و‌ منه حديث: واضع العلم عند غير اهله كمقلد الخنازير الجواهر، اى: معلم العلم غير اهله، فمعنى موضع مسالتى: ‌من‌ اساله ‌و‌ اوجه اليه سوالى.
 ‌و‌ ولى حاجتى اى: القائم بها ‌و‌ متولى قضائها، ‌من‌ وليه: اذا قام به، فهو فعيل بمعنى فاعل، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون بمعنى مفعول، اى: ‌من‌ اوليه حاجتى، ‌من‌ ولاه الامر اى: قلده اياه، ‌و‌ ‌هو‌ الانسب بسياق الكلام.
 
و خصصته بكذا اخصه خصوصا- ‌من‌ باب قعد-: جعلته له دون غيره.
 ‌و‌ قبل كل مدعو اى: قبل ‌ان‌ ادعو غيرك ‌من‌ المدعوين.
 ‌و‌ الدعوه: اسم ‌من‌ دعوت الله ادعوه دعاء: اذا ابتهلت اليه بالسوال، ‌و‌ رغبت فيما عنده ‌من‌ الخير.
 ‌و‌ جمله «انت المخصوص» موكده لما قبلها، ‌و‌ لذلك لم يعطفها عليه، لكمال الاتصال المستغنى ‌به‌ عن الرابط.
 ‌و‌ شركته ‌فى‌ الامر اشركه- ‌من‌ باب تعب- شركا بكسر الاول ‌و‌ سكون الثانى: اذا صرت له شريكا.
 ‌و‌ الجمله حاليه اى: انت المخصوص بدعوتى حال كونك ‌لا‌ يشركك احد ‌فى‌
 
رجائى، ‌او‌ تاكيد لما قبلها، ‌او‌ استئناف موكد لما سبق.
 ‌و‌ الاتفاق: المساواه ‌فى‌ امر ‌من‌ الامور، يقال: اتفقت مع زيد ‌فى‌ المذهب: اذا ساويته فيه، اى: ‌لا‌ يساويك احد ‌فى‌ دعائى.
 ‌و‌ نظمت اللولو نظما- ‌من‌ باب ضرب-: جعلته ‌فى‌ سلك، ‌و‌ ‌هو‌ يستلزم الجمع، فالمعنى: ‌لا‌ يجمعه ‌و‌ اياك
 ندائى: اى: دعائى، يقال: ناديته مناداه ‌و‌ نداء- ‌من‌ باب قاتل-: اذا دعوته، اى: طلبت اقباله.
 ‌و‌ مفاد الجمل الثلاث كلها: التاكيد ‌فى‌ افراده تعالى بالرغبه اليه ‌و‌ الاقبال عليه.
 
تقديم المسند لافاده قصر المسند اليه، اى: لك وحدانيه العدد ‌لا‌ تتخطاك الى غيرك.
 ‌و‌ وحدانيه الشى ء: كونه واحدا، لانه ياء النسب اذا لحقت آخر الاسم ‌و‌ بعدها هاء التانيث افادت معنى المصدر كالالوهيه ‌و‌ الربوبيه، ‌و‌ الالف ‌و‌ النون مزيدتان للمبالغه.
 ‌و‌ العدد: قيل: ‌هو‌ كثره الاحاد، ‌و‌ هى صوره تقطيع ‌فى‌ نفس العاد ‌من‌ تكرار الاحاد، ‌و‌ على هذا فالواحد ليس عددا. ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌ما‌ يقع جوابا ل«كم»، فيكون الواحد عددا.
 
و قد اختلف اقوال الاصحاب ‌فى‌ معنى قوله عليه السلام: «لك ‌يا‌ الهى وحدانيه العدد» لمنافاتها ظاهرا وجوب تنزيهه تعالى عن الوحده العدديه نقلا ‌و‌ عقلا.
 اما النقل فمستفيض ‌من‌ اخبارهم عليهم السلام، ‌و‌ منه قول اميرالمومنين عليه السلام ‌فى‌ خطبه له: الواحد بلا تاويل عدد.
 ‌و‌ قوله ‌فى‌ خطبه اخرى: واحد ‌لا‌ بعدد، ‌و‌ دائم ‌لا‌ بامد.
 ‌و‌ منه ‌ما‌ رواه رئيس المحدثين ‌فى‌ كتاب التوحيد: ‌ان‌ اعرابيا قام يوم الجمل الى اميرالمومنين عليه السلام فقال: ‌يا‌ اميرالمومنين، اتقول: ‌ان‌ الله واحد؟ فحمل الناس عليه، ‌و‌ قالوا: ‌يا‌ اعرابى اما ترى ‌ما‌ فيه اميرالمومنين ‌من‌ تقسيم القلب؟ فقال اميرالمومنين عليه السلام: دعوه، فان الذى يريده الاعرابى ‌هو‌ الذى نريده ‌من‌ القوم، ثم قال: ‌يا‌ اعرابى، ‌ان‌ القول بان الله ‌و‌ احد على اربعه اقسام، فوجهان منها ‌لا‌ يجوزان على الله ‌عز‌ ‌و‌ جل، ‌و‌ وجهان مثبتان فيه، فاما اللذان ‌لا‌ يجوزان عليه فقول القائل: واحد، يقصد باب الاعداد، اما ترى انه كفر ‌من‌ قال: ثالث ثلاثه، ‌و‌ قول القائل: ‌هو‌ واحد ‌من‌ الناس، يريد ‌به‌ النوع ‌من‌ الجنس، فهذا ‌ما‌ ‌لا‌ يجوز لانه تشبيه، ‌و‌ ‌جل‌ ربنا عن ذلك ‌و‌ تعالى، ‌و‌ اما الوجهان اللذان يثبتان فيه، فقول القائل: ‌هو‌ واحد ليس له ‌من‌ الاشياء شبيه، كذلك ربنا، ‌و‌ قول القائل: انه ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ احدى المعنى، يعنى ‌به‌ انه ‌لا‌ ينقسم ‌فى‌ وجود ‌و‌ ‌لا‌ عقل ‌و‌ ‌لا‌ وهم، كذلك ربنا ‌جل‌ ‌و‌ عز.
 ‌و‌ اما العقل، فلان الوحده العدديه انما تتقوم بتكررها الكثره العدديه، ‌و‌ يصح بحسبها ‌ان‌ يقال: ‌ان‌ المتصف بها احد اعداد الوجود، ‌او‌ احد آحاد الموجودات، ‌و‌ ‌عز‌ جنابه سبحانه ‌ان‌ يكون كذلك، بل الوحده العدديه ‌و‌ الكثره العدديه التى هى ‌فى‌
 
مقابلتها، جميعا ‌من‌ صنع وحدته المحضه الحقيقيه التى هى نفس ذاته القيومه، ‌و‌ هى وحده حقه صرفه وجوبيه قائمه بالذات ‌لا‌ مقابل لها، ‌و‌ ‌من‌ لوازمها نفى الكثره، كما اشار اليه اميرالمومنين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه ‌فى‌ الحديث المذكور آنفا: انه احدى المعنى ‌لا‌ ينقسم ‌فى‌ وجود ‌و‌ ‌لا‌ عقل ‌و‌ ‌لا‌ وهم.
 ‌و‌ اذا عرفت ذلك، ظهر لك ‌ان‌ قوله عليه السلام: «لك ‌يا‌ الهى وحدانيه العدد» ليس مرادا ‌به‌ الوحده العدديه، بل ‌لا‌ ‌بد‌ ‌من‌ معنى آخر يصح تخصيصه ‌به‌ تعالى ‌و‌ قصره عليه، كما يقتضيه تقديم المسند على المسند اليه. فقال بعضهم: المراد به: نفى الوحده العدديه عنه تعالى ‌لا‌ اثباتها له، ‌و‌ ‌هو‌ غير ظاهر.
 ‌و‌ قيل: معناه: ‌ان‌ لك ‌من‌ جنس العدد صفه الوحده، ‌و‌ ‌هو‌ كونك واحدا ‌لا‌ شريك لك ‌و‌ ‌لا‌ ثانى لك ‌فى‌ الربوبيه.
 ‌و‌ قيل: معناه: اذا عددت الموجودات كنت انت المتفرد بالوحدانيه ‌من‌ بينها.
 ‌و‌ قيل: اراد به: ‌ان‌ لك وحدانيه العدد بالخلق ‌و‌ الايجاد لها، فان الوحده العدديه ‌من‌ صنعه ‌و‌ فيض وجوده. ‌و‌ ‌لا‌ يخفى انه بمعزل عن المقام.
 ‌و‌ قال بعضهم: اراد بوحدانيه العدد: جهه وحده الكثرات ‌و‌ احديه جمعها، ‌لا‌ اثبات الوحده العدديه له تعالى.
 ‌و‌ قيل: معناه: انه ‌لا‌ كثره فيك، اى: ‌لا‌ جزء لك ‌و‌ ‌لا‌ صفه لك يزيدان على ذاتك، ‌و‌ ‌هو‌ انسب المعانى المذكوره بالمقام.
 ‌و‌ توضيح المرام: قوله عليه السلام: «لك ‌يا‌ الهى وحدانيه العدد» يفسر قوله عليه السلام: «و ‌من‌ سواك مختلف الحالات متنقل ‌فى‌ الصفات»، فانه عليه السلام قابل كل فقره ‌من‌ الفقرات الاربع المتضمنه للصفات التى قصرها عليه سبحانه بفقره متضمنه لخلافها، فمن سواه على طريق اللف ‌و‌ النشر الذى يسميه ارباب البديع معكوس الترتيب، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يذكر متعدد تفصيلا، ثم تذكر اشياء على عدد
 
ذلك، كل واحد يرجع الى واحد ‌من‌ المتقدم ‌من‌ غير تعيين، ثقه بان السامع يرد كل واحد الى ‌ما‌ يليق به، ‌و‌ يكون الاول ‌من‌ النشر للاخر ‌من‌ اللف، ‌و‌ الثانى لما قبله ‌و‌ هكذا على الترتيب، كعباره الدعاء، فان قوله عليه السلام: «مختلف الحالات متنقل ‌فى‌ الصفات» راجع الى قوله: «لك ‌يا‌ الهى وحدانيه العدد»، ‌و‌ قوله: «مقهور على شانه» راجع الى قوله: «و ملكه القدره الصمد»، ‌و‌ قوله: «مغلوب على امره» راجع الى قوله: «و فضيله الحول ‌و‌ القوه»، ‌و‌ قوله: «مرحوم ‌فى‌ عمره» راجع الى قوله: «درجه العلو ‌و‌ الرفعه».
 اذا علمت ذلك، ظهر لك ‌ان‌ المراد بوحدانيه العدد له تعالى معنى يخالف معنى اختلاف الحالات ‌و‌ التنقل ‌فى‌ الصفات لغيره سبحانه، فيكون المقصود اثبات وحدانيه ‌ما‌ تعدد ‌من‌ صفاته ‌و‌ تكثر ‌من‌ جهاته، ‌و‌ ‌ان‌ عددها ‌و‌ كثرتها ‌فى‌ الاعتبارات ‌و‌ المفهومات ‌لا‌ يقتضى اختلافا ‌فى‌ الجهات ‌و‌ الحيثيات، ‌و‌ تركيبا ‌من‌ الاجزاء، بل جميع نعوته ‌و‌ صفاته المتعدده موجوده بوجود ذاته، ‌و‌ حيثيه ذاته بعينها علمه ‌و‌ قدرته ‌و‌ سائر صفاته الايجابيه، فلا تعدد ‌و‌ ‌لا‌ تكثر فيها اصلا، بل هى وحدانيه العدد موجوده بوجود واحد بسيط ‌من‌ كل وجه، اذ كل منها عين ذاته، فلو تعددت لزم كون الذات الواحده ذواتا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ‌و‌ هذا معنى قولهم: واجب الوجود بالذات واجب الوجود ‌من‌ جميع الجهات، فجميع صفاته الايجابيه عين ذاته ‌من‌ غير لزوم تكثر.
 فان قلت: كيف تكون صفاته عين ذاته، ‌و‌ مفهوم الصفه غير مفهوم الذات؟ ‌و‌ ايضا فان مفهوم كل صفه غير مفهوم صفه اخرى، فكيف تتحد بالذات؟
 قلت: قد تكون المفهومات المتعدده موجوده بوجود واحد، فالصفات بحسب المفهوم ‌و‌ ‌ان‌ كانت غير الذات، ‌و‌ بعضها يغاير بعضها، الا انها بحسب الوجود ليست امرا وراء الذات، اعنى ‌ان‌ ذاته الاحديه تعالى شانه هى بعينها صفاته الذاتيه،
 
بمعنى ‌ان‌ ذاته بذاته وجود ‌و‌ علم ‌و‌ قدره ‌و‌ حياه ‌و‌ سمع ‌و‌ بصر، ‌و‌ هى ايضا موجود عالم قادر حى سميع بصير، يترتب عليها آثار جميع الكمالات، ‌و‌ يكون ‌من‌ حيث ذاته مبدا لها، ‌من‌ غير افتقار الى معان اخر قائمه ‌به‌ تسمى صفاتا تكون مصدرا للاثار، لمنافاته الوحده ‌و‌ الغناء الذاتيين ‌و‌ الاختصاص بالقدم، فذاته صفاته ‌و‌ صفاته ذاته، ‌لا‌ زائده عليها كصفات غيره المخلوقين، فان العلم مثلا ‌فى‌ غيره سبحانه صفه زائده على ذاته مغايره للسمع فيه، ‌و‌ فيه نفسه تعالى ‌و‌ ‌هو‌ بعينه سمعه، ‌و‌ قس على ذلك سائر الصفات الثبوتيه، فتبين ‌ان‌ المراد بقصر وحدانيه العدد عليه تعالى هذا المعنى المخالف لصفات ‌من‌ سواه ‌و‌ حالاته، فانها كيفيات نفسانيه انفعاليه ‌و‌ حالات متغيره ‌و‌ معان مختلفه له، اذ كان يسمع بغير ‌ما‌ يبصر ‌و‌ يبصر بغير ‌ما‌ يسمع، الى غير ذلك ‌من‌ صفاته المتعدده المتكثره التى توجب اختلاف الحالات ‌و‌ التنقل ‌فى‌ الصفات.
 ‌و‌ بالجمله: فمعنى قصر وحدانيه العدد عليه سبحانه: نفى التعدد ‌و‌ التكثر ‌و‌ الاختلاف عن الذات ‌و‌ الصفات على الاطلاق، ‌و‌ هذا المعنى مقصور عليه تعالى ‌لا‌ يتجاوزه الى غيره، ‌و‌ الله اعلم بمقاصد اوليائه، ‌و‌ ‌فى‌ المقام كلام طويل طويناه على غره.
 قوله عليه السلام: «و ملكه القدره الصمد» الملكه بفتحتين: القيام بالمماليك، ‌و‌ ‌ما‌ يملك ‌من‌ ذات اليد، ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: «حسن الملكه نماء ‌و‌ سوء الملكه شوم» اى: لك القيام بالقدره الصمد، فتكون ‌من‌ باب الاضافه الى المفعول، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون ‌من‌ باب الاضافه الى الفاعل على ‌ان‌ المعنى: بك قيام القدره الصمد بكل شى ء
 ‌و‌ عرفوا القدره بانها الصفه التى يتمكن معها الحى ‌من‌ الفعل ‌و‌ تركه بالاراده ‌و‌ الاختيار.
 
 
و قدرته تعالى تعود الى اعتبار كونه مصدرا لاثاره.
 ‌و‌ الصمد بالخفض: نعت للقدره، كانه مما يستوى ‌فى‌ الوصف ‌به‌ المذكر ‌و‌ المونث كعزب بفتحتين: ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الرجال ‌من‌ ‌لا‌ زوج له ‌و‌ ‌من‌ النساء ايضا ‌من‌ ‌لا‌ بعل لها، يقال: رجل عزب ‌و‌ امراه عزب كذلك، قال الشاعر:
 ‌يا‌ ‌من‌ يدل عزبا على عزب
 على ابنه الشيخ الحمارس الازب
 ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون وصف القدره بالصمد ‌من‌ حيث ‌ان‌ قدرته تعالى عين ذاته، ‌و‌ ‌ان‌ يكون المراد بالقدره: القادر، بذكر المشتق منه مقام المشتق.
 ‌و‌ اختلفت اقوال العلماء ‌فى‌ معنى الصمد، فقيل: ‌هو‌ فعل بمعنى مفعول، ‌من‌ صمد اليه: اذا قصده، اى: المصمود اليه ‌فى‌ الحوائج، قال الشاعر:
 الا بكر الناعى بخير بنى اسد
 بعمرو ‌بن‌ مسعود ‌و‌ بالسيد الصمد
 ‌و‌ هذا المعنى مروى عن ابى جعفر عليه السلام، ايضا، روى ثقه الاسلام بسنده عن داود ‌بن‌ القاسم الجعفرى، قال: قلت لابى جعفر عليه السلام: جعلت فداك ‌ما‌ الصمد؟ قال: السيد المصمود اليه ‌فى‌ القليل ‌و‌ الكثير.
 ‌و‌ عنه عليه السلام انه قال: الصمد: السيد المطاع الذى ليس فوقه آمر ‌و‌ ناهى.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: حدثنى: ابى زين العابدين عن ابيه الحسين ‌بن‌ على سيدالشهداء انه قال: الصمد: الذى ‌لا‌ جوف له، ‌و‌ الصمد: الذى انتهى سودده، ‌و‌ الصمد، الذى ‌لا‌ ياكل ‌و‌ ‌لا‌ يشرب، ‌و‌ الصمد: الذى ‌لا‌ ينام، ‌و‌ الصمد: الدائم الذى لم يزل ‌و‌ ‌لا‌ يزال.
 
و عنه عليه السلام قال: سئل على ‌بن‌ الحسين زين العابدين عليه السلام عن الصمد، فقال: الصمد، الذى ‌لا‌ شريك له، ‌و‌ ‌لا‌ يوده حفظ شى ء ‌و‌ ‌لا‌ يعزب عنه شى ء.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: كان محمد ‌بن‌ الحنفيه يقول: الصمد، القائم بنفسه الغنى عن غيره ‌و‌ قال غيره: الصمد: المتعالى عن الكون ‌و‌ الفساد، ‌و‌ الصمد: الذى ‌لا‌ يوصف بالتغاير.
 ‌و‌ عن الصادق عليه السلام: ‌هو‌ الذى يغلب ‌و‌ ‌لا‌ يغلب.
 ‌و‌ قال وهب ‌بن‌ وهب القرشى: قال زيد ‌بن‌ على عليهماالسلام الصمد: الذى اذا اراد شيئا قال له: ‌كن‌ فيكون، ‌و‌ الصمد: الذى ابدع الاشياء فخلقها اضدادا ‌و‌ اشكالا ‌و‌ ازواجا، ‌و‌ تفرد بالوحده بلا ‌ضد‌ ‌و‌ ‌لا‌ شكل ‌و‌ ‌لا‌ مثل ‌و‌ ‌لا‌ ند.
 ‌و‌ عن زين العابدين عليه السلام: الصمد: الذى ‌لا‌ ‌من‌ شى ء ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ شى ء ‌و‌ ‌لا‌ على شى ء مبدع الاشياء ‌و‌ خالقها، ‌و‌ منشى ء الاشياء بقدرته، يتلاشى ‌ما‌ خلق للفناء بمشيئته، ‌و‌ يبقى ‌ما‌ خلق للبقاء بعلمه، فذلكم الله الصمد الذى لم يلد ‌و‌ لم يولد، عالم الغيب ‌و‌ الشهاده الكبير المتعال.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ الذى يفعل ‌ما‌ يشاء ‌و‌ يحكم ‌ما‌ يريد.
 ‌و‌ عن الحسن: ‌هو‌ الذى صمدت اليه الامور، فلا يقضى فيها غيره ‌و‌ ‌لا‌ تقتضى دونه.
 ‌و‌ روى رئيس المحدثين ‌فى‌ كتاب التوحيد بسند صحيح عن محمد ‌بن‌ مسلم عن
 
ابى عبدالله عليه السلام، قال: قلت له: ‌ما‌ الصمد؟ قال: الذى ليس بمجوف.
 ‌و‌ بسنده ايضا عن ابى الحسن قال: الصمد الذى ‌لا‌ جوف له.
 ‌و‌ انكر ثقه الاسلام قدس الله روحه ‌و‌ سره ‌فى‌ كتاب الكافى هذا التاويل، قال: لان ذلك ‌لا‌ يكون الا ‌من‌ صفه الجسم، ‌و‌ الله ‌جل‌ ذكره متعال عن ذلك.
 ‌و‌ تعقبه بعض اصحابنا المتاخرين فقال: بل هذا التاويل له معنى صحيح ‌و‌ وجه ظاهر، اذ الجوف كما يطلق على فرجه ‌فى‌ الباطن كذلك يطلق على الباطن ‌و‌ ‌ان‌ لم تكن له فرجه، كما اذا قيل: هذا ‌فى‌ جوف ذاك اى: تحته، فالجوف ‌من‌ الصفات اللازمه للجسم، فنفيه كنايه عن نفى الجسميه عنه تعالى، بل ‌لا‌ يبعد ‌ان‌ يكون هذا التاويل تنزيها له عن التشبيه على الاطلاق، ‌و‌ عن ‌ان‌ يكون له جزء ‌و‌ وجود ‌و‌ صفات زائده ‌و‌ كمال بالقوه، اذ كل ‌ما‌ كان له احد هذه الامور كان له فرجه عقليه وجوف معنوى، يستقر فيه وجه التشبيه ‌و‌ الاجزاء ‌و‌ الصفات ‌و‌ استعداد الكمال، ‌و‌ بالجمله: فيه اشاره الى التوحيد المطلق، ‌و‌ نفى التشبيه بشى ء ‌من‌ مخلوقاته، اذ كل مخلوق فهو ذو جوف ‌و‌ فرج، بماله ‌من‌ الماهيه ‌و‌ الاجزاء ‌و‌ الوجود ‌و‌ الاستعداد، انتهى.
 ‌و‌ قال النظام النيسابورى: قيل: الصمد: ‌هو‌ الذى ‌لا‌ جوف له، ‌و‌ منه قولهم لسداد القاروره: صماد، ‌و‌ شى ء مصمد اى: صلب ليس فيه رخاوه، قال ابن قتيبه: يجوز على هذا التفسير ‌ان‌ تكون الدال بدل التاء ‌من‌ مصمت، ‌و‌ قال بعض المتاخرين ‌من‌ اهل اللغه: الصمد: ‌هو‌ الملس ‌من‌ الحجر ‌لا‌ يقبل الغبار ‌و‌ ‌لا‌ يدخله شى ء ‌و‌ ‌لا‌ يخرج منه شى ء ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ هذين المعنيين ‌من‌ صفات الاجسام حقيقه، الا ‌ان‌ وصف الله سبحانه ‌به‌ يمنع ‌من‌ حمله عليهما حقيقه، لان كل جسم مركب، فوجب
 
الحمل على المجاز، ‌و‌ ‌هو‌ انه لوجوب ذاته ممتنع التغير ‌فى‌ وجوده ‌و‌ بقائه ‌و‌ سائر صفاته، ‌و‌ ‌من‌ هنا اختلفت عبارات المفسرين ‌فى‌ تاويله، انتهى.
 قلت: ‌و‌ المعانى المذكوره للصمد كلها يمكن حمل الصمد الموصوف ‌به‌ القدره عليها، ‌من‌ حيث ‌ان‌ قدرته ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ عين ذاته ‌و‌ ذاته عين قدرته، الا ‌ان‌ الانسب حمله على معنى المصمت الذى ‌لا‌ جوف له، ‌و‌ يكون ‌من‌ باب التمثيل ‌فى‌ استحكام القدره ‌و‌ شدتها، بحيث ‌لا‌ يتطرق اليها خلل ‌او‌ ضعف، لان الشى ء اذا كان مصمتا كان منعوتا بشده القوه ‌و‌ الاستحكام ‌و‌ الاضطلاع بما يضعف عنه غيره لصلابته ‌و‌ عدم رخاوته، الا ترى انهم اذا مدحوا الرمح قالوا: رمح اصم اى: صلب مصمت ‌لا‌ رخاوه فيه ‌و‌ ‌لا‌ يلحقه ‌و‌ هن ‌و‌ اعوجاج، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «و فضيله الحول ‌و‌ القوه» الفضيله: الدرجه الرفيعه ‌فى‌ الفضل، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ضد‌ النقص.
 ‌و‌ قال الجوهرى: الفضل ‌و‌ الفضيله: ‌ضد‌ النقص ‌و‌ النقيصه
 ‌و‌ الحول: القدره على التصرف.
 ‌و‌ القوه: مبدا الافعال الشاقه، ‌و‌ قوته تعالى تعود الى تمام قدرته تعالى، فهو تعالى قوى بمعنى: بالغ القدره تامها.
 قوله عليه السلام: «و درجه العلو ‌و‌ الرفعه».
 الدرجه ‌فى‌ الاصل: المرقاه، ثم استعملت بمعنى المنزله ‌و‌ المرتبه الرفيعه، ‌و‌ منه قوله تعالى: «فضل الله المجاهدين باموالهم ‌و‌ انفسهم على القاعدين درجه» اى: منزله عاليه.
 ‌و‌ العلو ‌و‌ الرفعه ‌فى‌ اللغه بمعنى، ‌و‌ ‌هو‌ الفوقيه، ‌و‌ لك تخصيص العلو هنا بعلوه تعالى
 
على الخلق بالقدره عليهم، ‌و‌ الرفعه بارتفاعه عن الاشياء ‌و‌ الاتصاف بصفاتهم ‌و‌ بالعكس.
 ‌و‌ المعنى: لك درجه علو السلطان ‌و‌ رفعه الشان، اذ كان سبحانه اشرف الموجودات رتبه، ‌من‌ جهه استغنائه ‌فى‌ وجوده عن كل ‌ما‌ سواه، ‌و‌ افتقار ‌ما‌ سواه اليه، كما قال تعالى: «رفيع الدرجات».
 قال الغزالى ‌فى‌ المقصد الاسنى: العلو: ماخوذ ‌من‌ العلو المقابل للسفل، ‌و‌ ذلك اما ‌فى‌ درجات محسوسه كالدرج ‌و‌ المراقى ‌و‌ جميع الاجسام الموضوعه بعضها فوق بعض. ‌و‌ اما ‌فى‌ المراتب المعقوله للموجودات المترتبه نوعا ‌من‌ الترتيب العقلى، فكل ماله الفوقيه ‌فى‌ المكان فله العلو المكانى، ‌و‌ كل ماله الفوقيه ‌فى‌ الرتبه فله العلو ‌فى‌ الرتبه. ‌و‌ التدريجات العقليه مفهومه كالتدريجات الحسيه، ‌و‌ مثال الدرجات العقليه ‌هو‌ التفاوت الذى بين السبب ‌و‌ المسبب، ‌و‌ العله ‌و‌ المعلول، ‌و‌ الفاعل ‌و‌ القابل، ‌و‌ الكامل ‌و‌ الناقص، فاذا قدرت شيئا ‌هو‌ سبب لشى ء ثان، ‌و‌ ذلك الثانى سبب لثالث، ‌و‌ الثالث لرابع الى عشر درجات مثلا، فالعاشر واقع ‌فى‌ الرتبه الاخيره فهو الاسفل الادنى، ‌و‌ الاول واقع ‌فى‌ الدرجه الاولى ‌من‌ السببيه فهو الاعلى، ‌و‌ تكون الاولى فوق الثانيه فوقيه بالمعنى ‌لا‌ بالمكان، ‌و‌ العلو عباره عن الفوقيه فاذا فهمت معنى التدريج العقلى، فاعلم ‌ان‌ الموجودات ‌لا‌ يمكن قسمتها الى درجات متفاوته ‌فى‌ العقل، الا ‌و‌ يكون الحق تعالى ‌فى‌ الدرجه العليا ‌من‌ درجات اقسامها، حتى ‌لا‌ يتصور ‌ان‌ يكون فوقه درجه، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ العلى المطلق، ‌و‌ كل ‌ما‌ سواه فيكون عليا بالاضافه الى ‌ما‌ دونه، ‌و‌ يكون دنيا ‌و‌ سافلا بالاضافه الى ‌ما‌ فوقه، ‌و‌ مثال قسمه العقل ‌ان‌ الموجودات تنقسم الى ‌ما‌ ‌هو‌ سبب ‌و‌ الى ‌ما‌ ‌هو‌ مسبب، ‌و‌ السبب فوق المسبب
 
فوقيه بالرتبه، فالفوقيه المطلقه ليست الا لمسبب الاسباب. ‌و‌ كذلك ينقسم الموجود الى ميت وحى، ‌و‌ الحى ينقسم الى ‌ما‌ ليس له الا الادراك الحسى ‌و‌ ‌هو‌ البهيمه، ‌و‌ الى ماله مع ذلك الادراك العلمى، ‌و‌ الذى له الادراك العلمى ينقسم الى ‌ما‌ يعارضه ‌فى‌ معلوماته الشهوه ‌و‌ الغضب ‌و‌ ‌هو‌ الانسان، ‌و‌ الى ‌ما‌ يسلم ادراكه عن معارضه المكدرات، ‌و‌ الذى سلم ينقسم الى ‌ما‌ يمكن ‌ان‌ يبتلى ‌به‌ ‌و‌ لكنه رزق السلامه كالملائكه، ‌و‌ الى ‌ما‌ يستحيل ذلك ‌فى‌ حقه ‌و‌ ‌هو‌ الله تعالى فوق الكل فهو العلى المطلق، فانه الحى المحيى العالم المطلق الخالق لعلوم العلماء، المنزه المقدس عن جميع انواع النقص. فقد وقع الميت ‌فى‌ الدرجه السفلى ‌من‌ درجات الكمال، ‌و‌ لم يقع ‌فى‌ الطرف الاخر الا الله تعالى، فهكذا ينبغى ‌ان‌ تفهم فوقيته ‌و‌ علوه ‌و‌ رفعته، فان هذه الاسماء وضعت اولا بالاضافه الى ادراك البصر ‌و‌ ‌هو‌ درجه العوام، ثم لما تنبه الخواص لادراك البصائر ‌و‌ وجدوا بينها ‌و‌ بين الابصار موازنات، استعاروا منها الالفاظ المطلقه ‌و‌ فهمها الخواص، ‌و‌ انكرها العوام الذين لم يجاوز ادراكهم الحواس ‌و‌ هى رتبه البهائم، فلم يفهموا عظمه الا بالمساحه، ‌و‌ ‌لا‌ علوا الا بالمكان، ‌و‌ ‌لا‌ رفعه ‌و‌ ‌لا‌ فوقيه الا به. فاذا فهمت هذا، فهمت معنى كونه تعالى فوق العرش، لان العرش اعظم الاجسام ‌و‌ ‌هو‌ فوق جميعها، ‌و‌ الموجود المنزه عن التحدد ‌و‌ التعدد بحدود الاجسام ‌و‌ مقاديرها فوق الاجسام كلها ‌فى‌ الرتبه، ‌و‌ لكن خص العرش بالذكر لانه فوق جميع الاجسام، فما كان فوقه كان فوق جميعها، ‌و‌ ‌هو‌ كقول القائل: الخليفه فوق السلطان، تنبيها على انه اذا كان فوقه كان فوق جميع الناس الذين ‌هم‌ دون السلطان.
 ‌و‌ العجب ‌من‌ الحشوى الذى ‌لا‌ يفهم ‌من‌ الفوق الا المكان، ‌و‌ مع ذلك اذا سئل عن شخصين ‌من‌ الاكابر، ‌و‌ قيل له: كيف يجلسان ‌فى‌ الصدور ‌و‌ المحافل؟ فيقول: هذا يجلس فوق ذلك، ‌و‌ ‌هو‌ يعلم انه ليس يجلس الا بجنبه، ‌و‌ انما يكون جالسا فوقه
 
لو جلس على راسه، ‌و‌ لو قيل له: كذبت ‌ما‌ جلس فوقه ‌و‌ ‌لا‌ تحته ‌و‌ لكنه جالس بجنبه، اشماز ‌و‌ تغير ‌من‌ هذا الانكار، ‌و‌ قال: انما اعنى ‌به‌ فوقيه الرتبه ‌و‌ القرب ‌من‌ الصدر، فان الاقرب ‌من‌ الصدر- الذى ‌هو‌ المنتهى- فوق بالاضافه الى الابعد، ثم ‌لا‌ يفهم هذا ‌ان‌ كل ترتيب له طرفان، يجوز ‌ان‌ يطلق على احد طرفيه اسم الفوق ‌و‌ على الطرف الاخر ‌ما‌ يقابله، انتهى.
 ‌و‌ قال بعضهم: علوه تعالى علو عقلى مطلق، بمعنى انه ‌لا‌ رتبه فوق رتبته ‌و‌ ‌لا‌ رتبه تساوى رتبته. ‌و‌ بيان ذلك: ‌ان‌ اعلى مراتب الكمال العقليه ‌هو‌ مرتبه العليه، ‌و‌ لما كانت ذاته المقدسه هى مبدا كل موجود حسى ‌و‌ عقلى ‌و‌ علته التى ‌لا‌ يتصور النقصان فيها بوجه ‌من‌ الوجوه، ‌لا‌ جرم كانت مرتبته اعلى المراتب، ‌و‌ درجته ارفع الدرجات العقليه، ‌و‌ له الفوق المطلق ‌فى‌ الوجود، ‌و‌ العلو العالى عن الاضافه الى شى ء دون شى ء ‌و‌ عن امكان ‌ان‌ يكون احد يساويه ‌فى‌ العلو ‌او‌ يكون اعلى منه.
 
و قوله عليه السلام: «و ‌من‌ سواك مرحوم ‌فى‌ عمره» قيل: «سوى» هنا ظرف لوقوعها صله، ‌و‌ ليست بمعنى غير، لان غير ‌لا‌ تدخل هاهنا الا ‌و‌ الضمير قبلها، فلا يقال: الا ‌من‌ ‌هو‌ غيرك، فتعين كون سوى ظرفا، ‌و‌ التقدير، ‌و‌ ‌من‌ استقر مكانك.
 ‌و‌ اجيب بتقدير «سوى» خبرا ل«هو» محذوفا اى: ‌من‌ ‌هو‌ سواك اى: غيرك، ‌او‌ حالا معموله ل«ثبت» مضمرا، ‌و‌ ذوالحال الضمير العائد الى الموصول ‌و‌ ‌هو‌ فاعل ثبت، اى: ‌و‌ ‌من‌ ثبت حال كونه سواك اى: غيرك مرحوم، اى: يرق له ‌و‌ يتعطف عليه ‌من‌ يعلم بحقيقه حاله ‌من‌ ذله ‌فى‌ رق الافتقار ‌و‌ الحاجه ‌و‌ الامكان، ‌و‌ حقارته ‌فى‌ اسر العبوديه.
 
و قوله عليه السلام: «فى عمره» اى: ‌فى‌ مده حياته ‌لا‌ ينفك عنه الذل ‌و‌ المهانه يوما ‌من‌ ايام وجوده، ‌او‌ مرحوم ‌من‌ اجل كون عمره ‌فى‌ قبضه غيره، فهو ذليل حقير ‌فى‌ ملكه.
 ‌و‌ انما فسرناه بذلك فان هذه الفقره مقابله لما قبلها ‌من‌ قوله عليه السلام: «و لك درجه العلو ‌و‌ الرفعه»، ‌و‌ يويده ‌ما‌ وقع ‌فى‌ نسخه ابن ادريس رضى الله عنه ‌و‌ ‌فى‌ نسخه قديمه ايضا: «و ‌من‌ سواك مرحوم ‌فى‌ قدره» بدل «عمره» اى: مقداره ‌و‌ رتبته.
 قوله عليه السلام: «مغلوب على امره» اى: مستولى على حاله، لانه مسخر تحت حكم بارئه ‌و‌ قدرته، ‌لا‌ حول ‌و‌ ‌لا‌ قوه الا به، ‌و‌ ‌لا‌ يملك لنفسه نفعا ‌و‌ ‌لا‌ ضرا دونه.
 ‌و‌ قيل: اى: ليس له تمام الاختيار ‌فى‌ امره، فلا يلزم ‌ان‌ ‌لا‌ اختيار له اصلا، ‌و‌ ‌ما‌ ذكرناه اولى، لان هذه الفقره مقابله لقوله عليه السلام: «و لك فضيله الحول ‌و‌ القوه».
 قوله عليه السلام: «مقهور على شانه» الشان: الامر ‌و‌ الحال، ‌من‌ شانت شانه، اى: قصدت قصده، مصدر بمعنى المفعول، اى: مغلوب على حاله، ‌لا‌ قدره له على شى ء ‌من‌ امره استقلالا، لان قوته ‌و‌ قدرته ‌و‌ مشيئته ‌و‌ ارادته الى غير ذلك ‌من‌ شوونه ‌و‌ احواله مخلوقه فيه، لها صانع غيره، ‌و‌ لم تحصل فيه باختياره، ‌و‌ لم توجد فيه ‌من‌ نفسه، بل خلقه الله تعالى ‌و‌ خلقها فيه كيف اراد، فهو مسلوب القدره لذاته، عاجز عن امور نفسه، ‌من‌ ايجاد ‌و‌ افناء ‌و‌ اعزاز ‌و‌ اذلال ‌و‌ تقويه ‌و‌ اضعاف.
 ‌و‌ هذه الفقره كما مر مقابله لقوله عليه السلام: «و لك ملكه القدره الصمد».
 قوله عليه السلام: «مختلف الحالات متنقل ‌فى‌ الصفات» الاختلاف: ‌هو‌ امتناع احد الشيئين ‌ان‌ يسد مسد الاخر فيما يرجع الى ذاته، كالسواد الذى ‌لا‌ يسد مسد البياض، ‌و‌ كذلك الذهاب ‌فى‌ الجهات المختلفه ‌و‌ الحالات المتفاوته.
 ‌و‌ الحالات: جمع حاله مونث حال، ‌و‌ هى الهيئه التى يكون عليها الشى ء حال
 
وجوده، ‌و‌ قد تطلق على الكيفيه النفسانيه التى ‌لا‌ تكون راسخه ‌فى‌ موضوعها، كصناعه الكتابه للمبتدى ء، ‌و‌ هى بهذا المعنى مقابله للملكه، ‌و‌ المراد بها هنا: المعنى الاول. ‌و‌ قد يعبر عنه بالامر العارض للشى ء.
 ‌و‌ التنقل: تفعل ‌من‌ النقله، ‌و‌ هى خروج الجسم ‌من‌ مكان الى مكان، ‌و‌ ‌هو‌ هنا مجاز عن الاتصاف بالصفات المختلفه حالا بعد حال.
 ‌و‌ الصفات: جمع صفه، ‌و‌ هى المعنى القائم بالذات.
 ‌و‌ معنى اختلاف حالاته: كونها غير متماثله، سواء كانت متضاده كالنوم ‌و‌ اليقظه، ‌و‌ الفرح ‌و‌ الحزن، ‌و‌ العز ‌و‌ الذل، ‌و‌ الرضا ‌و‌ الغضب، ‌او‌ متقابله ‌فى‌ الجمله كالحياء ‌و‌ العفه، ‌و‌ الشجاعه ‌و‌ الحلم، ‌و‌ التواضع ‌و‌ الزهد، ‌و‌ الصدق ‌و‌ السخاء، الى غير ذلك ‌من‌ الحالات.
 ‌و‌ معنى تنقله ‌فى‌ الصفات: كونه ‌لا‌ يستمر ‌و‌ ‌لا‌ يدوم على صفه واحده، ‌لا‌ بحسب خلقه ‌و‌ ‌لا‌ بحسب عوارضه، بل ‌هو‌ تارات ‌و‌ اطوار، فهو بحسب خلقه متنقل ‌من‌ العنصريه الى كونه غذاء، الى كونه دما، الى كونه نطفه، الى كونه علقه، الى مضغه، الى كونه عظما ‌و‌ لحما، الى كونه خلقا آخر، ثم ‌من‌ الطفوليه الى الشبيبه، الى الكهوله الى الشيخوخه.
 ‌و‌ اما بحسب عوارضه، فهو متنقل تاره ‌من‌ العلم الى الجهل، ‌و‌ تاره ‌من‌ الفقر الى الغنى ‌و‌ بالعكس، ‌و‌ طورا ‌من‌ الصحه الى المرض ‌و‌ بالعكس الى غير ذلك ‌من‌ الصفات.
 ‌و‌ هذا الاختلاف ‌و‌ التنقل يستلزم التركيب ‌و‌ الكثره، التى هى خلاف الوحدانيه المختصه بالله سبحانه، ‌و‌ لذلك جعل هذه الفقره مقابله لقوله عليه السلام: «لك ‌يا‌ الهى وحدانيه العدد».
 
و قوله عليه السلام: «فتعاليت عن الاشباه ‌و‌ الاضداد» الفاء: للترتيب
 
الذكرى، مثلها ‌فى‌ نحو قوله تعالى: «و اورثنا الارض نتبوا ‌من‌ الجنه حيث نشاء فنعم اجر العاملين»، فان ذكر مدح الشى ء يصح بعد ذكره، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون لترتيب ‌ما‌ قبلها على ‌ما‌ بعدها، فانه لما ذكر صفاته العليا المختصه به، ‌و‌ قابلها بما يخالفها ‌من‌ صفات ‌من‌ سواه، صح ‌ان‌ يرتب على ذلك تعاليه ‌و‌ تكبره عن ‌ان‌ يكون له شبه ‌و‌ ‌ضد‌ ‌و‌ ند ‌و‌ مثل.
 ‌و‌ انما عدى قوله عليه السلام: «تعاليت» ‌و‌ «تكبرت» ب«عن»، ‌و‌ الاصل فيهما ‌ان‌ يتعديا ب«على»، لتضمينهما معنى تقدست ‌و‌ تنزهت.
 ‌و‌ الاشباه: جمع شبه بفتحتين كسبب ‌و‌ اسباب، ‌او‌ جمع شبه بالكسر فالسكون كحمل ‌و‌ احمال، ‌و‌ كلاهما لغه بمعنى المثل. ‌و‌ قد تخص المشابهه بالاتحاد ‌فى‌ الكيف، ‌و‌ المماثله بالاتحاد ‌فى‌ الحقيقه، فيكن ‌فى‌ المثل زياده قرب ‌لا‌ تكون ‌فى‌ الشبه، ‌و‌ يكون المراد بتعاليه عن الاشباه: تعاليه عن الاشياء المشاركه له ‌فى‌ صفاته، ‌و‌ بتكبره عن الامثال: تكبره عن الاشياء الموافقه له ‌فى‌ حقيقه ذاته.
 ‌و‌ الاضداد: جمع ضد، ‌و‌ ‌هو‌ يطلق تاره على المساوى ‌فى‌ القوه للمانع، ‌و‌ تاره على النظير ‌و‌ المثل، ‌و‌ الاول ‌هو‌ المشهور.
 قال الفيومى: الضد ‌هو‌ النظير ‌و‌ الكفو، ‌و‌ الجمع اضداد.
 ‌و‌ قال ابوعمرو: الضد: مثل الشى ء، ‌و‌ الضد خلافه.
 ‌و‌ الانداد: جمع ند، ‌و‌ ‌هو‌ المثل المنادى اى: المعادى، ‌من‌ ناداه بمعنى: عاداه.
 قال الزمخشرى: الند: المثل، ‌و‌ ‌لا‌ يقال الا للمثل المخالف المنادى، ‌من‌ ناددت الرجل: خالفته ‌و‌ نافرته، ‌و‌ ند ندودا: نفر.
 
قال الراغب: الند: المشارك ‌فى‌ الجوهر. اى: ‌فى‌ الحقيقه.
 ‌و‌ قال النظام النيسابورى: معنى قول الموحد: «ليس لله ند ‌و‌ ‌لا‌ ضد»: نفى ‌ما‌ يسد مسده ‌و‌ نفى ‌ما‌ ينافيه.
 قوله عليه السلام: «فسبحانك ‌لا‌ اله الا انت» الفاء: للاشاره الى ‌ان‌ ‌ما‌ فصل ‌من‌ شوونه تعالى موجب لتنزهه ‌و‌ تنزيهه اكمل ايجاب، اى: اذا كنت على هذا الوجه ‌من‌ الوصف بالوحدانيه ‌و‌ الاقتدار، ‌و‌ الحول ‌و‌ القوه ‌و‌ العلو ‌و‌ الرفعه، ‌و‌ التعالى عن الاشباه ‌و‌ الاضداد ‌و‌ الامثال ‌و‌ الانداد، فسبحانك، اى: تنزيها لك عما ‌لا‌ يليق بشانك الاقدس ‌و‌ جنابك الاعلى ‌من‌ صفات المخلوقين.
 ‌و‌ عنى بذلك تسبيحا ناشئا عن كمال طمانينه النفس ‌و‌ الايقان بكونه تعالى على ‌ما‌ ذكر، ‌او‌ تنزهت عن ذلك تنزها ناشئا عن ذاتك المقدسه.
 ‌و‌ ايراده قبل قوله: «لا اله الا انت» اى: ‌لا‌ مستحق للعباده سواك، تنبيه على ‌ان‌ استحقاق العباده منوط بالتنزه عن لواحق الامكان ‌و‌ لوازم الحدوث، ‌و‌ الله اعلم.
 ‌و‌ الحمد لله اولا ‌و‌ آخرا، ‌و‌ صلى الله على رسوله هاديا ‌و‌ سراجا ‌و‌ حاشرا، ‌و‌ على آله سيما اخيه ‌و‌ ابى بنيه، الذى شرف بالنسب ‌و‌ كان له صهرا، على قامع الكفار، عليهم سلام الله ‌و‌ التسليمات كثيرا وافرا. سنه 1269 ه.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^