فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 31- 1

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ ‌به‌ نستعين


 الحمد لله الذى يقبل التوبه عن عباده ‌و‌ يعفو عن السيئات، المتفضل على ‌من‌ تاب ‌و‌ امن ‌و‌ عمل صالحا بتبديل سيئاتهم حسنات، غافر الذنب ‌و‌ قابل التوب ‌و‌ مقيل العثره ‌و‌ ساتر الحوب، محب التوابين ‌و‌ مكرم الاوابين ، والصلاه والسلام على نبيه، شفيع المذنبين ‌و‌ هادى المنيبين، محمد سيدالمرسلين ‌و‌ عصمه المتوسلين ‌و‌ على اهل بيته الائمه الهادين ‌و‌ الخلفاء الراشدين.
 ‌و‌ بعد، فهذه الروضه الحاديه ‌و‌ الثلاثون ‌من‌ رياض السالكين، تتضمن شرح الدعاء الحادى ‌و‌ الثلاثين ‌من‌ ادعيه صحيفه سيدالعابدين صلوات الله عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الماجدين، املاء راجى فضل ربه السنى على صدرالدين الحسينى الحسنى، تاب الله تعالى عليه ‌و‌ جعله ‌من‌ المنيبين اليه.
 
ذكر الشى ء: حضور معناه ‌فى‌ النفس، ثم تاره يكون بالقلب ‌و‌ تاره باللسان، يقال: ذكرته بلسانى ‌و‌ بقلبى، ‌و‌ اجعلنى منك على ذكر ‌و‌ ذكر بالكسر ‌و‌ الضم، ‌و‌ انكر الفراء الكسر ‌فى‌ القلب، ‌و‌ الاول نص عليه جماعه منهم ابوعبيده ‌و‌ ابن قتيبه.
 ‌و‌ طلب الشى ء طلبا بالتحريك: حاول وجوده ‌و‌ اخذه، ‌و‌ المراد بطلب التوبه: اما طلب التوفيق لها ‌او‌ طلب قبولها، ففى الكلام اضمار.
 ‌و‌ يحتمل عود الضمير الى نفس التوبه ‌من‌ غير اضمار، على طريقه الاستخدام الذى ‌هو‌ ‌من‌ محاسن البديع، اذ التوبه بالمعنى اللغوى- ‌و‌ ‌هو‌ الرجوع- تنسب تاره الالى العبد، ‌و‌ معناها الرجوع عن المعصيه الى الطاعه، ‌و‌ تاره تنسب الى الله سبحانه، ‌و‌ معناها الرجوع عن العقوبه الى اللطف ‌و‌ التفضل، فتكون التوبه المضاف اليها الذكر بالمعنى المنسوب الى العبد ‌او‌ بالمعنى الاصطلاحى الاتى بيانه، ‌و‌ اعاد الضمير عليها مرادا بها المعنى المنسوب الى الله ‌عز‌ ‌و‌ جل، ‌و‌ هذا المعنى الاستخدام، لانهم قالوا: ‌هو‌ ‌ان‌ يوتى بلفظ له معنيان فاكثر مرادا ‌به‌ احد معانيه، ثم يوتى بضمير مراد ‌به‌ المعنى الاخر، كقوله:
 اذا نزل السماء بارض قوم
 رعيناه ‌و‌ ‌ان‌ كانوا غضابا
 اراد بالسماء: الغيث، ‌و‌ بالضمير العائد ‌من‌ رعيناه: النبت.
 
و ‌لا‌ باس قبل الكلام على شرح الدعاء بتقديم مباحث:
 الاول: التوبه لغه: الرجوع، ‌و‌ اصطلاحا: الندم على الذنب لقبحه، فخرج الندم على شرب الخمر مثلا لاضراره بالجسم، ‌و‌ بيان المناسبه بين المعنيين: ‌ان‌ الله سبحانه ‌هو‌ الذى ابتدا بالنعمه على عبد قبل الاستحقاق، ‌و‌ فطر العبد على طاعته ‌فى‌ الابتداء، فاذا ندم العبد على اساءه بدرت منه فقد رجع الى الله فيما كانت فطرته عليه، ‌و‌ رجع الله له الى ‌ما‌ كان ‌من‌ احسانه اليه، فسمى الندم اذا كان تلافيا للعقاب توبه.
 ‌و‌ انما قلنا: فطر العبد على طاعته، لان الذنب بمنزله المرض العارض ‌فى‌ النفس، ‌و‌ التوبه بمنزله معالجتها حتى تعود الى صحتها، فكما ‌ان‌ الغالب على اصل الامزجه ‌فى‌ الانفس ‌هو‌ الصحه، ‌و‌ انما يعرض المرض باسباب مغيره ‌و‌ علل موذيه، فكذلك كل انسان يولد على الفطره ‌و‌ يدرك على الصلاح ‌و‌ الرشد، ‌و‌ الله اعلم.
 الثانى: قال بعض العلماء: التوبه تنتظم ‌من‌ امور ثلاثه: علم ‌و‌ حال ‌و‌ عمل. اما العلم فهو اليقين بان الذنوب سموم مهلكه ‌و‌ حجاب بين العبد ‌و‌ محبوبه، ‌و‌ هذا اليقين يثمر حاله ثانيه هى التالم لفوات المطلوب ‌و‌ التاسف ‌من‌ فعل الذنوب، ‌و‌ يعبر عن هذا الحاله بالندم، ‌و‌ هى تثمر حاله ثالثه هى ترك الذنوب ‌فى‌ الحال، ‌و‌ العزم على عدم العود اليها ‌فى‌ الاستقبال، ‌و‌ تدارك ‌فى‌ الماضى ‌من‌ حقوق الله تعالى، مثل الصلاه ‌و‌ الصيام ‌و‌ الزكاه ‌و‌ نحوها، ‌و‌ ‌من‌ حقوق الناس، مثل ‌رد‌ المال الى صاحبه ‌او‌ وارثه، ‌و‌ طلب الابراء ‌فى‌ الغيبه، ‌و‌ تسليم النفس ‌فى‌ القصاص الى وليه ليقتص منه ‌او‌ ليعفو عنه، ‌و‌ لو لم يمكنه ذلك كان عليه ‌ان‌ يكثر ‌من‌ العباده، ليبقى له قدر الكفايه ‌فى‌ القيامه بعد اخذ حقوقهم منها.
 ‌و‌ هذه الامور مترتبه ‌فى‌ الحصول، ‌و‌ يطلق اسم التوبه تاره على مجموعها، ‌و‌ تاره على الندم وحده ‌و‌ يجعل العلم كالمقدمه ‌و‌ الترك كالثمره، فيكون الندم محفوفا
 
بالطرفين، الطرف الاول مثمر الندم، ‌و‌ الطرف الاخر ثمرته، كما قال اميرالمومنين عليه السلام: ‌ان‌ الندم على الشر يدعو الى تركه، ‌و‌ ترتب هذه الامور غير مختص بالتوبه، بل انتظام الصبر ‌و‌ الشكر ‌و‌ التوكل ‌و‌ الرضا ‌و‌ غير ذلك ‌من‌ المقامات الدينيه ينتظم ‌من‌ علم ‌و‌ حال ‌و‌ عمل.
 ‌و‌ هذه الامور الثلاثه اذا قيس بعضها الى بعض لاح للناظرين الى الظواهر ‌ان‌ العلوم مطلقا انما تراد للاحوال، ‌و‌ الاحوال انما تراد للاعمال. ‌و‌ اما اهل البصائر ‌و‌ اولوا الالباب فالامر عندهم بالعكس، فان الاعمال عندهم تراد للاحوال، ‌و‌ الاحوال تراد للعلوم، فالافضل العلوم ثم الاحوال ثم الاعمال، لان كل مراد لغيره يكون ذلك الغير ‌لا‌ محاله افضل منه.
 ‌و‌ قال بعضهم: للتوبه شروط ‌و‌ اوصاف، اما شروطها فاربعه: الندم على ‌ما‌ سلف، ‌و‌ ترك مثل ذلك ‌فى‌ الحال، ‌و‌ العزم على ‌ان‌ ‌لا‌ يعود ‌فى‌ الاستقبال، ‌و‌ نصب الذنب امامه بحيث ‌لا‌ ينبذ الندم وراء ظهره ‌و‌ ‌لا‌ ينسى اساءته طول عمره.
 ‌و‌ اما اوصافها المتممه فاربعه ايضا: انتباه القلب عن رقده الغفله، ‌و‌ والاصغاء الى ‌ما‌ يهجس ‌فى‌ الخاطر ‌من‌ الصوارف ‌و‌ الزواجر، ‌و‌ هجران اخدان السوء ‌و‌ اصحاب الشر، ‌و‌ ملازمه اخوان الخير استضاءه بانوارهم ‌و‌ استذراء بظلالهم.
 ‌و‌ عن اميرالمومنين صلوات الله عليه: ‌ان‌ التوبه يجمعها سته اشياء: على الماضى ‌من‌ الذنوب الندامه، ‌و‌ للفرائض الاعاده، ‌و‌ ‌رد‌ المظالم ‌و‌ استحلال الخصوم، ‌و‌ ‌ان‌ تعزم على ‌ان‌ ‌لا‌ تعود، ‌و‌ ‌ان‌ تذيب نفسك ‌فى‌ طاعه الله كما ربيتها ‌فى‌ المعصيه، ‌و‌ ‌ان‌ تذيقها مراره الطاعات كما اذقتها حلاوه المعاصى.
 
الثالث: قال شيخنا البهائى قدس سره: ‌لا‌ ريب ‌فى‌ وجوب التوبه على الفور، فان الذنوب بمنزله السموم المضره بالبدن، ‌و‌ كما يجب على شارب السم المبادره الى الاستفراغ تلافيا لبدنه المشرف على الهلاك، كذلك يجب على صاحب الذنوب المبادره الى تركها ‌و‌ التوبه منها تلافيا لدينه المشرف على الاضمحلال.
 قال: ‌و‌ ‌لا‌ خلاف ‌فى‌ اصل وجوبها سمعا، للامر الصريح بها ‌فى‌ القرآن، ‌و‌ الوعيد الحتم على تركها فيه، قال تعالى: «يا ايها الذين آمنوا توبوا الى الله توبه نصوحا»، ‌و‌ قال: «و ‌من‌ لم يتب فاولئك ‌هم‌ الظالمون».
 ‌و‌ انما الخلاف ‌فى‌ وجوبها عقلا، فاثبته المعتزله لدفعها ضرر العقاب، ‌و‌ هذا كما ‌لا‌ يخفى ‌لا‌ يدل على وجوب التوبه عن الصغائر ممن يجتنب الكبائر، لانها تكفره حينئذ، ‌و‌ لهذا ذهب البهشميه الى وجوبها عن الصغائر سمعا ‌لا‌ عقلا، نعم الاستدلال بان الندم على القبيح ‌من‌ مقتضيات العقل الصحيح يعم القسمين.
 ‌و‌ اما فوريه الوجوب فقد صرح ‌به‌ المعتزله، ‌و‌ قالوا: يلزم بتاخيرها ساعه اثم آخر تجب التوبه منه ايضا، حتى ‌ان‌ ‌من‌ اخر التوبه عن الكبيره ساعه واحده فقد فعل كبيرتين، ‌و‌ ساعتين اربع كبائر، الاوليان ‌و‌ ترك التوبه عن كل منهما، ‌و‌ ثلاث ساعات ثمان كبائر، ‌و‌ هكذا. ‌و‌ اصحابنا يوافقونهم على وجوب الفوريه، لكنهم لم يذكروا هذا التفصيل فيما رايته ‌من‌ كتبهم الكلاميه.
 الرابع: قال بعض ارباب القلوب: الناس ‌فى‌ التوبه على احوال: رجل مسوف بالتوبه مدافع بها، اغتر بطول الامل ‌و‌ نسى هجوم الاجل، فهذا متى ادركه الموت ادركه على الاصرار فهو هالك.
 
و آخر تائب ‌ما‌ لم يجد شهوه، فاذا وجد ركب هواه ‌و‌ اضاع المحاسبه لنفسه، فهذا مستوجب للعقوبه ‌من‌ الله.
 ‌و‌ رجل تائب بقلبه، الا ‌ان‌ نفسه تدعوه الى الشى ء مما يكره، فهذا يحتاج الى الادب لنفسه، ‌و‌ فائدته على قدر مجاهدته.
 ‌و‌ رجل مديم للحساب قد قام على ساق مقام الخصم، فهذا مستوجب للعصمه ‌من‌ الله.
 ‌و‌ رجل قد هام ‌به‌ خوفه ‌من‌ ذنوبه ‌و‌ لم تبق فيه باقيه، فهذا المتوحد بولايه الله.
 ‌و‌ قال شيخنا البهائى قدس سره: ‌من‌ اهمل المبادره الى التوبه ‌و‌ صوفها ‌من‌ وقت الى وقت فهو بين خطرين عظيمين، ‌ان‌ سلم ‌من‌ واحد فلعله ‌لا‌ يسلم ‌من‌ الاخر:
 احدهما: ‌ان‌ يعاجله الاجل، فلا يتنبه ‌من‌ غفلته الا ‌و‌ قد حضره الموت، وفات وقت التدارك، ‌و‌ انسدت ابواب التلافى ‌و‌ جاء الوقت الذى اشار اليه سبحانه بقوله: «و حيل بينهم ‌و‌ بين ‌ما‌ يشتهون»، ‌و‌ صار يطلب المهله يوما ‌او‌ ساعه فلا يجاب اليها، كما قال تعالى: «من قبل ‌ان‌ ياتى احدكم الموت فيقول رب لولا اخرتنى الى اجل قريب».
 قال بعض المفسرين ‌فى‌ تفسير هذه الايه: ‌ان‌ المحتضر يقول عند كشف الغطاء: ‌يا‌ ملك الموت اخرنى يوما اعتذر فيه الى ربى ‌و‌ اتوب اليه ‌و‌ اتزود صالحا، فيقول: فنيت الايام، فيقول: اخرنى ساعه، فيقول: فنيت الساعات، فيغلق عنه باب التوبه، ‌و‌ يغرغر بروحه الى النار، ‌و‌ يتجرع غصه الياس ‌و‌ حسره الندامه على تضييع العمر، ‌و‌ ربما اضطرب اصل ايمانه ‌فى‌ صدمات تلك الاهوال.
 ‌و‌ ثانيهما: ‌ان‌ تتراكم ظلم المعاصى على قلبه، الى ‌ان‌ تصير رينا ‌و‌ طبعا فلا يقبل
 
المحو، فان كل معصيه يفعلها الانسان تحصل منها ظلمه ‌فى‌ قلبه، كما تحصل ‌من‌ نفس الانسان ظلمه ‌فى‌ المراه، فاذا تراكمت ظلمه الذنوب صارت رينا، كما يصير بخار النفس عند تراكمه على المراه صداء، ‌و‌ اذا تراكم الرين صار طبعا، فيطبع على قلبه كالخبث على وجه المرآه اذا تراكم بعضه فوق بعض ‌و‌ طال مكثه ‌و‌ غاص ‌فى‌ جرمها ‌و‌ افسدها فصارت ‌لا‌ تقبل الصقل ابدا، ‌و‌ قد يعبر عن هذا بالقلب المنكوس ‌و‌ القلب الاسود، كما روى عن الباقر عليه السلام: ‌ما‌ ‌من‌ شى ء افسد للقلب ‌من‌ خطيئه، ‌ان‌ القلب ليواقع الخطيئه فلا تزال ‌به‌ حتى تغلب عليه فيصير اعلاه اسفله.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌ما‌ ‌من‌ عبد الا ‌و‌ ‌فى‌ قلبه نكته بيضاء، فاذا اذنب ذنبا خرج ‌فى‌ النكته نكته سوداء، فان تاب ذهب ذلك السواد، ‌و‌ ‌ان‌ تمادى ‌فى‌ الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطى البياض، فاذا غطى البياض لم يرجع صاحبه الى خير ابدا، ‌و‌ ‌هو‌ قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: كلا بل ران على قلوبهم ‌ما‌ كانوا يكسبون».
 فقوله عليه السلام: لم يرجع صاحبه الى خير ابدا يدل على ‌ان‌ صاحب هذا القلب ‌لا‌ يرجع عن المعاصى ‌و‌ ‌لا‌ يتوب منها ابدا، ‌و‌ لو قال بلسانه: تبت الى الله يكون هذا القول منه مجرد تحريك اللسان ‌من‌ دون موافقه القلب، فلا اثر له اصلا، كما ‌ان‌ قول الغسال: غسلت الثوب ‌لا‌ يصير الثوب نقيا ‌من‌ الاوساخ، ‌و‌ ربما يوول صاحب هذا القلب الى عدم المبالاه باوامر الشريعه ‌و‌ نواهيها، فيسهل امر الدين ‌فى‌ نظره، ‌و‌ يزول وقع الاحكام الالهيه ‌من‌ قلبه، ‌و‌ ينفر عن قبولها طبعه، ‌و‌ ينجر ذلك الى اختلال عقيدته ‌و‌ زوال ايمانه، فيموت على غير المله، ‌و‌ ‌هو‌ المعبر عنه بسوء الخاتمه،
 
نعوذ بالله ‌من‌ شرور انفسنا ‌و‌ سيئات اعمالنا، انتهى كلامه رفع ‌فى‌ عليين مقامه.
 ‌و‌ ‌من‌ كلام بعضهم: اغتنموا التوبه قبل ‌ان‌ يصير القريب نائيا ‌و‌ المقيم ماضيا، ‌و‌ قبل ‌ان‌ يكون المحصول ندما ‌و‌ الموجود عدما، ‌و‌ قبل ‌ان‌ يضرب الادبار على المصرين سرادق الخسار، فلا اقاله عثار ‌و‌ ‌لا‌ توفيق انابه ‌و‌ اعتذار.
 ذكر العتبى انه قيل لرجل عند الوفاه: قل: ‌لا‌ اله الا الله، فقال:
 آه ويلى على الشباب ‌و‌ ‌فى‌ ‌اى‌
 زمان فقدت شرخ الشباب
 حين مات الغيور ‌و‌ ارتخص المهر
 ‌و‌ غاب الحجاب عن كل باب
 ‌و‌ قيل لاخر ‌و‌ قد قرب خروج نفسه ‌و‌ انقطاع نفسه: قل: ‌لا‌ اله الا الله، فقال:
 لهف نفسى على الزمان ‌و‌ ‌فى‌ ‌اى‌
 زمان دهتنى الازمان
 حين ولى الشتاء ‌و‌ استقبل الصيف
 ‌و‌ طاب المدام ‌و‌ الريحان
 ‌و‌ احتضر آخر فقيل له: قل: ‌لا‌ اله الا الله، فقال:
 برد الليل ‌و‌ طاب الماء ‌و‌ التذ الشراب
 ‌و‌ مضى عنا حزيران ‌و‌ تموز ‌و‌ آب
 ثم قضى لوقته ‌و‌ قالت امراه لرجل كان منزله قريبا ‌من‌ حمام منجاب ببغداد: ‌يا‌ رجل اين الطريق الى حمام منجاب؟ فاومى اليها ‌و‌ ارشدها الى طريق غيره ‌فى‌ سكه خراب ‌لا‌ منفذ لها، ‌و‌ تبعها اليها ففجر بها، فلما حضرته الوفاه قيل له: قل: ‌لا‌ اله الا الله، فقال:
 ‌يا‌ رب قائله يوما ‌و‌ قد لغبت
 اين الطريق الى حمام منجاب
 ‌و‌ مات لوقته. هكذا يدرك سوء الخاتمه، ‌و‌ تهوى بالمخذولين مدرجه العاقبه، نعوذ بالله ‌من‌ ذلك.
 
الخامس: صرح اكثر علمائنا باستحباب الغسل للتوبه بعدها، سواء كان عن كفر ‌او‌ فسق، ‌و‌ سواء كان الفسق عن صغيره ‌او‌ كبيره. بل صرح الشهيد الثانى قدس سره ‌فى‌ شرح اللمعه باستحبابه للتوبه عن مطلق الذنب ‌و‌ ‌ان‌ لم يوجب الفسق كالصغيره النادره.
 ‌و‌ خصه المفيد بالتوبه عن الكبائر.
 قيل: ‌و‌ لعل ملحوظه ‌ان‌ الذنوب كلها كبائر لاشتراكها ‌فى‌ الخروج عن طاعه الله، ‌و‌ انما يطلق الكبر ‌و‌ الصغر على الذنب بالاضافه الى ‌ما‌ تحته ‌و‌ ‌ما‌ فوقه، فالقبله صغيره بالنسبه الى الزنا ‌و‌ كبيره بالنسبه الى النظر.
 ‌و‌ قد نسب الشيخ ابوعلى الطبرسى رحمه الله القول بذلك الى اصحابنا رضوان الله اعليهم.
 السادس: قال بعض الناصحين: اذا اردت التوبه فبرى نفسك ‌من‌ التبعات ‌و‌ قلبك ‌من‌ الذنوب، ‌و‌ وجه وجهك الى علام الغيوب بعزم صادق ‌و‌ رجاء واثق، وعد انك عبد آبق ‌من‌ مولى كريم رحيم حليم يحب عودك الى بابه ‌و‌ استجارتك ‌به‌ ‌من‌ عذابه، ‌و‌ قد طلب منك العود مرارا عديده ‌و‌ انت معرض عن الرجوع اليه مده مديده، مع انه وعدك ‌ان‌ رجعت اليه ‌و‌ اقلعت عما انت عليه بالعفو عن جميع ‌ما‌ صدر عنك ‌و‌ الصفح عن كل ‌ما‌ وقع منك، ‌و‌ قم ‌و‌ اغتسل احتياطا، ‌و‌ طهر ثوبك، وصل بعض الفرائض ‌و‌ اتبعها بشى ء ‌من‌ النوافل، ‌و‌ لتكن تلك الصلاه على الارض بخشوع ‌و‌ خضوع ‌و‌ استحياء ‌و‌ انكسار ‌و‌ بكاء وفاقه ‌و‌ افتقار، ‌فى‌ مكان ‌لا‌ يراك فيه ‌و‌ ‌لا‌ يسمع صوتك الا الله سبحانه، فاذا سلمت فعقب صلاتك ‌و‌ انت حزين مستحى وجل راج، ثم
 
اقرا الدعاء الماثور عن زين العابدين عليه السلام الذى اوله: ‌يا‌ ‌من‌ برحمته يستغيث المذنبون ‌و‌ ‌يا‌ ‌من‌ الى ذكر احسانه يفزع المضطرون ثم ضع وجهك على الارض ‌و‌ اجعل التراب على راسك، ‌و‌ مرغ وجهك الذى ‌هو‌ اكرم اعضائك ‌فى‌ التراب بدمع جار ‌و‌ قلب حزين ‌و‌ صوت عال ‌و‌ انت تقول: عظم الذنب ‌من‌ عبدك فليحسن العفو ‌من‌ عندك، تكرر ذلك ‌و‌ تعدد ‌ما‌ تذكره ‌من‌ ذنوبك، لائما نفسك موبخا لها نائحا عليها نادما على ‌ما‌ صدر منها، ‌و‌ ابق على ذلك ساعه طويله، ثم قم ‌و‌ ارفع يديك الى التواب الرحيم ‌و‌ قل: الهى عبدك الابق رجع الى بابك، عبدك العاصى رجع الى الصلح، عبدك المذنب اتاك بالعذر، ‌و‌ انت اكرم الاكرمين ‌و‌ ارحم الراحمين، ثم تدعو ‌و‌ دموعك تنهمل بالدعاء الماثور عن زين العابدين عليه السلام، ‌و‌ ‌هو‌ الذى اوله: اللهم ‌يا‌ ‌من‌ ‌لا‌ يصفه نعت الواصفين الى آخره، ‌و‌ اجهد ‌فى‌ توجه قلبك اليه ‌و‌ اقبالك بكليتك عليه، مشعرا نفسك سعه الجود ‌و‌ الرحمه، ثم اسجد سجده تكثر فيها البكاء ‌و‌ العويل ‌و‌ الانتحاب بصوت عال ‌لا‌ يسمعه الا الله تعالى، ثم ارفع راسك واثقا بالقبول فرحا ببلوغ المامول ‌و‌ الله ولى التوفيق. ‌و‌ لنشرع الان ‌فى‌ شرح الدعاء.
 
الوصف ‌و‌ النعت مترادفان.
 قال الفيومى: وصفته وصفا- ‌من‌ باب وعد-: نعته بما فيه.
 ‌و‌ فرق بعضهم بينهما ‌ان‌ الوصف ‌ما‌ كان بالحال المنتقله كالقيام ‌و‌ القعود،
 
و النعت بما كان ‌فى‌ خلق ‌او‌ خلق كالبياض ‌و‌ الكرم.
 ‌و‌ انما ‌لا‌ يصفه سبحانه نعت الواصفين لان الاحاطه بمعرفه كنه صفاته سبحانه ‌و‌ تعالى غير مقدوره لغيره ‌عز‌ ‌و‌ جل.
 قال بعض المحققين: كما ‌لا‌ يجوز لغيره سبحانه الاحاطه بمعرفه كنه ذاته تعالى، فكذلك ‌لا‌ يجوز له الاحاطه بمعرفه كنه صفاته تعالى، ‌و‌ كل ‌ما‌ وصفه ‌به‌ العقلاء، فانما ‌هو‌ على قدر افهامهم ‌و‌ بحسب وسعهم، فانهم انما يصفونه بالصفات التى الفوها ‌و‌ شاهدوها ‌فى‌ انفسهم مع سلب النقائص الناشئه عن انتسابها اليهم بنوع ‌من‌ المقايسه، ‌و‌ لو ذكر لهم ‌من‌ صفاته تعالى ‌ما‌ ليس لهم مما يناسبه بعض المناسبه لم يفهموه، كما لم يفهموا ذاته التى هى وجود بلا ماهيه لانه ليس لهم ذلك، فوصفهم اياه ‌و‌ نعتهم له انما ‌هو‌ على قدرهم ‌لا‌ على قدره، ‌و‌ بحسبهم ليس بحسبه، ‌جل‌ جلاله عما يصفون ‌و‌ تعالى شانه عما يقولون، «و ‌ما‌ قدروا الله ‌حق‌ قدره».
 كيف؟ ‌و‌ قد قال سيد الخلق صلوات الله عليه ‌و‌ آله: ‌لا‌ احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك.
 ‌و‌ ‌ما‌ احسن ‌ما‌ قال الامام الباقر عليه السلام: هل سمى عالما ‌و‌ قادرا الا لانه وهب العلم للعلماء ‌و‌ القدره للقادرين، ‌و‌ كل ‌ما‌ ميزتموه باوهامكم ‌فى‌ ادق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود اليكم، ‌و‌ البارى تعالى واهب الحياه ‌و‌ مقدر الموت، ‌و‌ لعل النمل الصغار تتوهم ‌ان‌ لله زبانيتين فانهما كمالها، تتوهم ‌ان‌ عدمهما نقصان لمن ‌لا‌ يكونان له، هكذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى ‌به‌ فيما احسب ‌و‌ الى المفزع، انتهى كلامه عليه السلام.
 
و قد بسطنا الكلام ‌فى‌ هذه المساله ‌فى‌ اوائل الروضه الاولى، فليرجع اليه.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المعنى: ‌لا‌ يفى بوصفه نعت الواصفين، فيكون نعتا جامعا لمطلق ‌ما‌ يوصف ‌به‌ حاصرا له، كما قال اميرالمومنين عليه السلام: ليس لصفته ‌حد‌ محدود ‌و‌ ‌لا‌ نعت موجود.
 قال بعض العارفين: لم يعرف عباده ‌من‌ صفاته ‌و‌ نعوته الاعلى مقاديرهم، ‌و‌ لم يعرفهم كليه صفاته.
 
قوله عليه السلام: «و ‌يا‌ ‌من‌ ‌لا‌ يجاوزه رجاء الراجين» جاوزت الشى ء ‌و‌ تجاوزته: تعديته.
 ‌و‌ الرجاء لغه: الامل، ‌و‌ عرفا: تعلق القلب بحصول محبوب ‌فى‌ المستقبل.
 ‌و‌ المعنى: انه غايه كل رجاء، ‌لا‌ مرجو فوقه فيتعدى اليه رجاء الراجين، بخلاف ‌من‌ سواه ‌من‌ المرجوين، اذ ‌لا‌ مرجو سواه الا ‌و‌ فوقه مرجو يتجاوز اليه الرجاء، حتى ينتهى اليه سبحانه فيقف عنده اذ ‌لا‌ غايه وراءه، كما قال تعالى: «و فوق كل ذى علم عليم».
 قال ابن عباس: فوق كل عالم عالم الى ‌ان‌ ينتهى العلم الى الله تعالى.
 ‌او‌ ‌ان‌ رجاء الراجين ‌لا‌ يخيب لديه فيجاوزه الى غيره.
 ‌او‌ انه الغايه التى ‌لا‌ يتعداه رجاء الراجين عند انقطاعه ‌من‌ جميع ‌من‌ دونه.
 ‌او‌ انه المحبوب الذى ‌لا‌ يتعلق القلب بحصول محبوب سواه عند حصوله، ‌و‌ الله اعلم.
 
قوله عليه السلام: «و ‌يا‌ ‌من‌ ‌لا‌ يضيع لديه اجر المحسنين» ضاع الشى ء يضيع
 
ضيعه ‌و‌ ضياعا بالفتح: هلك ‌و‌ تلف، ‌و‌ يتعدى بالهمزه ‌و‌ التضعيف، فيقال: اضاعه اضاعه، ‌و‌ ضيعه تضييعا.
 ‌و‌ الاجر: الثواب.
 ‌و‌ الاحسان: فعل ‌ما‌ ينبغى ‌ان‌ يفعل ‌من‌ الخير.
 ‌و‌ انما ‌لا‌ يضيع لديه سبحانه اجر المحسنين، لان اضاعه الاجر انما يكون للعجز ‌او‌ للجهل ‌او‌ للبخل، ‌و‌ كل ذلك ممتنع ‌فى‌ صفته تعالى. ‌و‌ فيه تلميح الى قوله تعالى «ان الله ‌لا‌ يضيع اجر المحسنين».
 
قوله عليه السلام: «و ‌يا‌ ‌من‌ ‌هو‌ منتهى خوف العابدين» الى آخره، الخوف: توقع حلول مكروه.
 ‌و‌ الخشيه: خوف يشوبه تعظيم المخشى مع المعرفه به، ‌و‌ لذلك قال تعالى: «انما يخشى الله ‌من‌ عباده العلماء». ‌و‌ قد تقدم الكلام على الفرق بين الخوف ‌و‌ الخشيه بابسط ‌من‌ هذا.
 ‌و‌ العباده: فعل اختيارى مباين للشهوات البدنيه، يصدر عن نيه يراد بها التقرب الى الله تعالى طاعه للشريعه.
 ‌و‌ التقوى: الاحتراز بطاعه الله عن عقوبته. ‌و‌ لها مراتب ادناها الاحتراز باظهار الشهادتين عن العذاب المخلد، ‌و‌ يتلوها الاحتراز عن كل ‌ما‌ يوجب اثما ‌من‌ فعل ‌او‌ ترك، ‌و‌ هذا المعنى ‌هو‌ المعروف باسم التقوى ‌فى‌ عرف الشرع، ‌و‌ اعلاها الاحتراز عن كل ‌ما‌ يشغل القلب عن الحق ‌و‌ الرجوع اليه، ‌و‌ ‌هو‌ الخاص الخاص.
 ‌و‌ كونه تعالى منتهى خوف العابدين ‌و‌ غايه خشيه المتقين يحتمل وجوها:
 احدها: ‌ان‌ خوفهم ‌و‌ خشيتهم ينتهيان اليه تعالى عند كمال معرفتهم. ‌و‌ بيان
 
ذلك: ‌ان‌ السالك ‌لا‌ يزال ينتقل ‌فى‌ درجات المخاوف بحسب احواله، حتى ينتهى الى درجه الخوف ‌من‌ جلال الله تعالى فيقف عندها، اذ ‌لا‌ غايه فوقها.
 قال النظام النيسابورى: الخوف اما ‌من‌ العقاب ‌و‌ ‌هو‌ نصيب اهل الظاهر، ‌و‌ اما ‌من‌ الجلال ‌و‌ ‌هو‌ وظيفه ارباب القلوب، ‌و‌ الاول يزول ‌و‌ الثانى ‌لا‌ يزول.
 ‌و‌ قال المحققون: الخوف ‌من‌ الله مغاير للخوف ‌من‌ وعيد الله، كما ‌ان‌ الحب لله مغاير لحب ثواب الله، قال الله تعالى: «ذلك لمن خاف مقامى ‌و‌ خاف وعيد»، اى: خافنى ‌و‌ خاف وعيد، ‌و‌ المقام مقحم مثل: سلام الله على المجلس العالى.
 الثانى: ‌ان‌ خوفهم ‌و‌ خشيتهم منه تعالى اشد ‌من‌ خوفهم ‌و‌ خشيتهم ‌من‌ كل ‌ما‌ يخاف ‌و‌ يخشى.
 الثالث: ‌ما‌ قاله بعضهم: يمكن ‌ان‌ يكون المنتهى ‌و‌ الغايه باعتبار ‌ان‌ العابدين ‌و‌ المتقين اذا خافوا بسبب شى ء كان منتهى خوفهم ‌و‌ غايته منه تعالى ‌لا‌ ‌من‌ ذلك الشى ء بخلاف غيرهم فان خوفهم قد يكون لذلك الشى ء فلا ينتهى جميع خوفهم ‌او‌ خشيتهم اليه تعالى.
 الرابع: انهم اذا انتهوا اليه تعالى زال خوفهم ‌و‌ خشيتهم ‌و‌ تبدلا بالامن ‌و‌ الطمانينه. ‌و‌ بيان ذلك: ‌ان‌ السالك مادام ‌فى‌ سيره الى الحق يكون مضطربا غير مستقر الخواطر، لخوف العاقبه ‌و‌ ‌ما‌ يعرض ‌فى‌ اثناء الطريق ‌من‌ العوارض العائقه عن الوصول، فاذا هبت نسيم العنايه الازليه، ‌و‌ ارتفعت الحجب الحائله الظلمانيه، ‌و‌ اندكت جبال التعينات الرسميه، ‌و‌ فاز بالحصول على محل الوصول، تنور القلب
 
بنور العيان، ‌و‌ حصلت الراحه ‌و‌ الاطمئنان، ‌و‌ زال الخوف ‌و‌ ظهرت تباشير الامن ‌و‌ الامان، ‌و‌ هذا المقام ‌من‌ مقامات اصحاب النهايات ‌لا‌ ‌من‌ احوال ارباب البدايات، «الا ‌ان‌ اولياء الله ‌لا‌ خوف عليهم ‌و‌ ‌لا‌ ‌هم‌ يحزنون»، ‌و‌ الله اعلم بمقاصد اوليائه.
 
قوله عليه السلام: «و ‌يا‌ ‌من‌ ‌هو‌ منتهى خوف العابدين» الى آخره، الخوف: توقع حلول مكروه.
 ‌و‌ الخشيه: خوف يشوبه تعظيم المخشى مع المعرفه به، ‌و‌ لذلك قال تعالى: «انما يخشى الله ‌من‌ عباده العلماء». ‌و‌ قد تقدم الكلام على الفرق بين الخوف ‌و‌ الخشيه بابسط ‌من‌ هذا.
 ‌و‌ العباده: فعل اختيارى مباين للشهوات البدنيه، يصدر عن نيه يراد بها التقرب الى الله تعالى طاعه للشريعه.
 ‌و‌ التقوى: الاحتراز بطاعه الله عن عقوبته. ‌و‌ لها مراتب ادناها الاحتراز باظهار الشهادتين عن العذاب المخلد، ‌و‌ يتلوها الاحتراز عن كل ‌ما‌ يوجب اثما ‌من‌ فعل ‌او‌ ترك، ‌و‌ هذا المعنى ‌هو‌ المعروف باسم التقوى ‌فى‌ عرف الشرع، ‌و‌ اعلاها الاحتراز عن كل ‌ما‌ يشغل القلب عن الحق ‌و‌ الرجوع اليه، ‌و‌ ‌هو‌ الخاص الخاص.
 ‌و‌ كونه تعالى منتهى خوف العابدين ‌و‌ غايه خشيه المتقين يحتمل وجوها:
 احدها: ‌ان‌ خوفهم ‌و‌ خشيتهم ينتهيان اليه تعالى عند كمال معرفتهم. ‌و‌ بيان
 
ذلك: ‌ان‌ السالك ‌لا‌ يزال ينتقل ‌فى‌ درجات المخاوف بحسب احواله، حتى ينتهى الى درجه الخوف ‌من‌ جلال الله تعالى فيقف عندها، اذ ‌لا‌ غايه فوقها.
 قال النظام النيسابورى: الخوف اما ‌من‌ العقاب ‌و‌ ‌هو‌ نصيب اهل الظاهر، ‌و‌ اما ‌من‌ الجلال ‌و‌ ‌هو‌ وظيفه ارباب القلوب، ‌و‌ الاول يزول ‌و‌ الثانى ‌لا‌ يزول.
 ‌و‌ قال المحققون: الخوف ‌من‌ الله مغاير للخوف ‌من‌ وعيد الله، كما ‌ان‌ الحب لله مغاير لحب ثواب الله، قال الله تعالى: «ذلك لمن خاف مقامى ‌و‌ خاف وعيد»، اى: خافنى ‌و‌ خاف وعيد، ‌و‌ المقام مقحم مثل: سلام الله على المجلس العالى.
 الثانى: ‌ان‌ خوفهم ‌و‌ خشيتهم منه تعالى اشد ‌من‌ خوفهم ‌و‌ خشيتهم ‌من‌ كل ‌ما‌ يخاف ‌و‌ يخشى.
 الثالث: ‌ما‌ قاله بعضهم: يمكن ‌ان‌ يكون المنتهى ‌و‌ الغايه باعتبار ‌ان‌ العابدين ‌و‌ المتقين اذا خافوا بسبب شى ء كان منتهى خوفهم ‌و‌ غايته منه تعالى ‌لا‌ ‌من‌ ذلك الشى ء بخلاف غيرهم فان خوفهم قد يكون لذلك الشى ء فلا ينتهى جميع خوفهم ‌او‌ خشيتهم اليه تعالى.
 الرابع: انهم اذا انتهوا اليه تعالى زال خوفهم ‌و‌ خشيتهم ‌و‌ تبدلا بالامن ‌و‌ الطمانينه. ‌و‌ بيان ذلك: ‌ان‌ السالك مادام ‌فى‌ سيره الى الحق يكون مضطربا غير مستقر الخواطر، لخوف العاقبه ‌و‌ ‌ما‌ يعرض ‌فى‌ اثناء الطريق ‌من‌ العوارض العائقه عن الوصول، فاذا هبت نسيم العنايه الازليه، ‌و‌ ارتفعت الحجب الحائله الظلمانيه، ‌و‌ اندكت جبال التعينات الرسميه، ‌و‌ فاز بالحصول على محل الوصول، تنور القلب
 
بنور العيان، ‌و‌ حصلت الراحه ‌و‌ الاطمئنان، ‌و‌ زال الخوف ‌و‌ ظهرت تباشير الامن ‌و‌ الامان، ‌و‌ هذا المقام ‌من‌ مقامات اصحاب النهايات ‌لا‌ ‌من‌ احوال ارباب البدايات، «الا ‌ان‌ اولياء الله ‌لا‌ خوف عليهم ‌و‌ ‌لا‌ ‌هم‌ يحزنون»، ‌و‌ الله اعلم بمقاصد اوليائه.
 
قام يقوم قوما ‌و‌ قياما انتصب، ‌و‌ اسم الموضع المقام بالفتح، ‌و‌ اقمته اقامه ‌و‌ اسم الموضع المقام بالضم، ‌و‌ قد وردت الروايه ‌فى‌ الدعاء بالوجهين.
 ‌و‌ تداولته الايدى: اخذته هذه مره ‌و‌ هذه مره.
 ‌و‌ الكلام استعاره بالكنايه، شبه الذنوب بالقوم بجامع التصرف، ‌و‌ اثبت لها الايدى تخييلا، ‌و‌ رشح ذلك بالتداول.
 ‌و‌ قاد البعير قودا- ‌من‌ باب قال- ‌و‌ قيادا بالكسر: جره خلفه.
 ‌و‌ الازمه: جمع زمام، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يوضع ‌فى‌ انف البعير ‌من‌ حبل ‌او‌ سير ليقاد به. ‌و‌ اضافتها الى الخطايا كاضافه الايدى الى الذنوب، فالكلام استعاره مكنيه، كان كل خطيئه وضعت ‌فى‌ انفسه زماما فهى تقوده بزمامها.
 ‌و‌ اسناد القود الى الازمه مجاز عقلى لملابسه الزمام للقائد. ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون ‌من‌ باب التشبيه كلجين الماء، اى: قادته الخطايا التى هى ‌فى‌ التذليل كالازمه.
 ‌و‌ استحوذ عليه الشيطان: غلبه ‌و‌ استماله الى ‌ما‌ يريده منه ‌و‌ استولى عليه.
 ‌و‌ قصر عن الامر تقصيرا ‌و‌ اقصر اقصارا: انتهى ‌و‌ ‌كف‌ عنه. ‌و‌ ‌فى‌ روايه: «فيما امرته»، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ قصر ‌فى‌ الحاجه تقصيرا اى: توانى فيها.
 
و فرط ‌فى‌ الامر تفريطا: قصر فيه ‌و‌ ضيعه. ‌و‌ نصبه على الروايه المشهوره ‌و‌ هى «عما امرت» بحرف المجاوزه على المفعوليه لاجله، اى: ‌كف‌ عما امرت ‌به‌ لاجل التفريط ‌و‌ التوانى ‌لا‌ للعجز عن القيام به، ‌او‌ على المصدريه، اى: تقصير تفريط، فحذف المصدر ‌و‌ انيب المضاف اليه منابه.
 ‌و‌ على الروايه الثانيه ‌و‌ هى «فيما امرت به» على المصدريه فقط، نحو: قعدت جلوسا.
 ‌و‌ مذهب سيبويه ‌فى‌ مثل هذا- اعنى فيما اذا كان المصدر غير ملاق للفعل المذكور ‌فى‌ الاشتقاق- انه منصوب بفعل مقدر، اى: قصر ‌و‌ فرط تفريطا ‌و‌ قعدت ‌و‌ جلست جلوسا.
 ‌و‌ مذهب المازنى ‌و‌ المبرد انه منصوب بالفعل الظاهر.
 قال الرضى: ‌و‌ ‌هو‌ اولى، لان الاصل عدم التقدير بلا ضروره ملجئه اليه.
 ‌و‌ جعل بعضهم التفريط مرادفا للتقصير على الروايه الاولى، غلط منشاه اشتباه التقصير عن الشى ء بالتقصير فيه، ‌و‌ قد عرفت اختلاف معنييهما.
 ‌و‌ قول بعضهم: الفاء ‌فى‌ «فقصر» للسببيه ‌ان‌ كان انتصاب تفريطا على المصدريه ‌و‌ جعل التقصير تفريطا، ‌او‌ للتعقيب على تقدير انتصابه بتقدير اللام فيكون عله للتقصير، ‌لا‌ وجه له، بل الفاء سببيه على كل تقدير ‌و‌ التعقيب لازم لها.
 ‌و‌ الحامل له على هذا التفصيل توهم ‌ان‌ التقصير اذا كان معللا بالتفريط ‌لا‌ يكون مسببا استحواذ الشيطان، فلا تكون الفاء سببيه على هذا التقدير، لئلا يجتمع باعثان على فعل واحد ‌من‌ غير عطف. ‌و‌ ‌ما‌ علم ‌ان‌ المسبب عن الاستحواذ حينئذ ‌هو‌ التقصير المقيد ‌لا‌ المطلق، فكانه قال: فسبب ذلك قصرت عما امرت ‌به‌
 
تقصيرا ناشئا عن تفريط منى، فالمعلل بالتفريط ‌هو‌ التقصير المطلق، ‌و‌ المعلل باستحواذ الشيطان ‌هو‌ التقصير المقيد ‌و‌ احدهما غير الاخر، ‌و‌ نظير ذلك قوله تعالى: «يجعلون اصابعهم ‌فى‌ آذانهم ‌من‌ الصواعق حذر الموت».
 قال ابن هشام: زعم عصرى ‌ان‌ «من» متعلقه بحذر ‌او‌ بالموت، ‌و‌ فيهما تقديم معمول المصدر، ‌و‌ ‌فى‌ الثانى ايضا تقديم معمول المضاف اليه على المضاف، ‌و‌ حامله على ذلك انه لو علقه بيجعلون ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ موضع المفعول له، لزم تعدد المعفول له ‌من‌ غير عطف، اذ كان حذر الموت مفعولا له. ‌و‌ قد اجبت بان الاول تعليل للجعل مطلقا، ‌و‌ التانى تعليل له مقيدا بالاول، ‌و‌ المطلق ‌و‌ المقيد غيران، ‌و‌ المعلل متعدد معنى ‌و‌ ‌ان‌ اتحدا ‌فى‌ اللفظ، انتهى، ‌و‌ الله الموفق للصواب.
 ‌و‌ تعاطى فلان كذا: اقدم عليه ‌و‌ فعله.
 ‌و‌ ‌فى‌ محكم اللغه: التعاطى: تناول ‌ما‌ ‌لا‌ يحق، ‌و‌ تعاطى امرا قبيحا: ركبه.
 ‌و‌ غرر بنفسه تغريرا: حملها على الغرر ‌و‌ ‌هو‌ الخطر.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: غرر به: اذا القاه ‌فى‌ الغرر
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: غرر بنفسه تغريرا ‌و‌ تغره عرضها للهلكه، ‌و‌ الاسم الغرر.
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: ‌و‌ منه حديث الدعاء: ‌و‌ تعاطى ‌ما‌ نهيت عنه تغريرا، اى: مخاطره ‌و‌ غفله عن عاقبه امره.
 ‌و‌ انتصابه اما على المصدريه اى: معاطاه تغرير، ‌او‌ على المفعول لاجله اى: لاجل التغرير بنفسه.
 
و قوله عليه السلام: «كالجاهل»: ‌فى‌ محل نصب على الحاليه، اى: مماثلا
 
للجاهل بقدرتك عليه، ‌او‌ مماثلا للمنكر زياده احسانك اليه، فان ‌من‌ يقصر عن اوامر الله تفريطا ‌و‌ يتعاطى نواهيه تغريرا، ‌لا‌ يكون الا جاهلا بقدرته تعالى عليه، ‌او‌ منكرا لفضل احسانه اليه، ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن جاهلا ‌و‌ ‌لا‌ منكرا لذلك، بل كان عالما ‌و‌ معترفا به، فلم يخف ‌و‌ لم يشكر بل ركب ذلك الفعل القبيح، فقد فعل فعل الجاهل ‌او‌ المنكر، فصدق انه شبيه له ‌و‌ مماثل اياه.
 ‌و‌ غرضه عليه السلام ‌من‌ هذا التشبيه الاعتراف باجترائه على ‌ما‌ ارتكب مع العلم بقدره الله عليه، ‌و‌ الاعتراف بفضل احسانه اليه حتى كانه جاهل ‌او‌ منكر لذلك. ‌و‌ حاصله: مزيد الاقرار بالذنب ‌و‌ العصيان، المندوب اليه عند طلب العفو ‌و‌ الغفران.
 ‌و‌ ‌فى‌ كلام اميرالمومنين عليه السلام ‌من‌ خطبه له ‌فى‌ نهج البلاغه: ‌و‌ ‌ان‌ العالم العامل بغير علمه كالجاهل الذى ‌لا‌ يستفيق ‌من‌ جهله، بل الحجه عليه اعظم، ‌و‌ الحسره له الزم، ‌و‌ ‌هو‌ عند الله الوم.
 حتى: غايه لقوله: «فقصر»، ‌و‌ قد تقدم الكلام عليها مبسوطا ‌فى‌ الروضه الثانيه عشره، عند قوله عليه السلام: «حتى اذا راى مده العمل قد انقضت»، فليرجع اليه.
 ‌و‌ انفتاح بصر الهدى له: عباره عن تنبهه لمشاهده الحق بعين بصيرته بعد ‌ان‌ كان عاشيا عنه.
 ‌و‌ تقشع سخائب العمى عنه: عباره عن زوال غفلات الضلال عنه بعد غشيانها له.
 
و كل ‌من‌ الفقرتين استعاره ظاهره، ‌و‌ قد مر نظيرها مرارا، ‌و‌ الانفتاح ‌و‌ التقشع ترشيح.
 يقال: تقشع السحاب: اذا اقلع ‌و‌ انكشف.
 ‌و‌ قال صاحب المحكم: انقشع عنه الشى ء ‌و‌ تقشع: غشيه ثم انجلى عنه، كالظلام عن الصبح ‌و‌ الهم عن القلب ‌و‌ السحاب عن الجو.
 ‌و‌ العمى هنا ‌هو‌ المشار اليه بقوله تعالى: «فانها ‌لا‌ تعمى الابصار ‌و‌ لكن تعمى القلوب التى ‌فى‌ الصدور». ‌و‌ ‌هو‌ استعاره حسنه، اذا العمى حقيقه عباره عن عدم ملكه البصر، ‌و‌ وجه المشابهه: ‌ان‌ الاعمى كما ‌لا‌ يهتدى لمقاصده المحسوسه بالبصر لعدمه، كذلك اعمى البصيره ‌لا‌ يهتدى لمقاصده المعقوله، لاختلال بصيرته ‌و‌ عدم عقله لوجوه رشده.
 ‌و‌ احصى الشى ء: عده ‌و‌ ضبطه.
 ‌و‌ ‌ما‌ ظلم ‌به‌ نفسه: عباره عن المعاصى التى اقدم عليها، فانه عرض نفسه للعقاب باقترافها.
 ‌و‌ فكر ‌فى‌ الشى ء: اجال فكره فيه، ‌و‌ ‌هو‌ تخيل عقلى ‌فى‌ الانسان.
 قال الراغب: ‌و‌ التفكر ‌لا‌ يكون الا فيما له ماهيه مما يصح ‌ان‌ يجعل له صوره ‌فى‌ القلب مفهوما، ‌و‌ لاجل ذلك قال النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: تفكروا ‌فى‌ آلاء الله ‌و‌ ‌لا‌ تفكروا ‌فى‌ الله، ‌و‌ قال تعالى: «يبين الله لكم الايات لعلكم تتفكرون ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره».
 ‌و‌ قال بعض الحكماء عن الفكره ‌و‌ العبره، فقال: الفكره: ‌ان‌ تجعل الغائب حاضرا، ‌و‌ العبره، ‌ان‌ تجعل الحاضر غائبا.
 
و ‌فى‌ التعرض لعنوان الربوبيه مزيد تعظيم لما ارتكبه ‌من‌ المعاصى.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله: «فراى»: للسببيه.
 ‌و‌ الرويه هنا: بمعنى العلم، اى: فعلم كبير عصيانه كبيرا، يقال: رايته عالما، يستعمل بمعنى العلم ‌و‌ الظن فيتعدى الى مفعولين، ‌و‌ رايت زيدا: ابصرته، يتعدى الى مفعول واحد، لان افعال الحواس انما تتعدى الى مفعول واحد، فان رايته على هيئته نصبته على الحال ‌و‌ قلت: رايته قائما:
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه ابن ادريس: «فراى كثير عصيانه كثيرا» بالثاء المثلثه ‌فى‌ الموضعين. ‌و‌ الفرق بين الكبير ‌و‌ الكثير: ‌ان‌ الكبير بالموحده بحسب الشان ‌و‌ الخطر كالجليل ‌و‌ العظيم، ‌و‌ الكثير بالمثلثه بحسب الكميه ‌و‌ العدد. ‌و‌ ايضا الكبير نقيض الصغير، ‌و‌ الكثير نقيض القليل.
 ‌و‌ المعنى: انه بسبب احصائه ‌ما‌ ظلم ‌به‌ نفسه، ‌و‌ تفكره فيما خالف ‌به‌ ربه، علم كبر كبير عصيانه ‌او‌ كثره كثيره، ‌و‌ علم جلاله جليل مخالفته، بعد جهله بذلك ‌او‌ غفلته عنه، لعدم ضبطه له ‌و‌ تفكره فيه.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون التنكير ‌فى‌ قوله: «كبيرا» ‌و‌ «جليلا» للتهويل ‌و‌ التعظيم، ‌و‌ المعنى: انه علم كبير عصيانه الذى كان يعلم كبره، ‌و‌ جليل مخالفته الذى كان يعلم جلالته، كبيرا هائلا مخوفا ‌و‌ جليلا فظيعا بالغا ‌فى‌ الجلاله حدا ‌لا‌ يعرف.
 قال بعضهم: ‌و‌ يمكن ‌ان‌ يكون المعنى: راى الكثير الذى كان يعرف كثرته اكثر باضافه ‌ما‌ كان مانعا ‌من‌ رويته ‌و‌ تركه، ‌او‌ راى ذلك الكثير اكثر باعتبار التوجه الى تركه ‌و‌ الاقلاع عنه، ‌و‌ هذان يظهران ‌من‌ التنكير، ‌و‌ مثله كبير كما ‌فى‌ الاصل ‌و‌ جليل، انتهى، ‌و‌ الله اعلم.
 
اقبل: خلاف ادبر، اى: توجه.
 ‌و‌ النحو ‌فى‌ الاصل: مصدر بمعنى القصد، يقال: نحوت نحوك اى: قصدت
 
 
قال ابن جنى: ‌و‌ قد استعمله العرب ظرفا، انشد ابوالحسن:
 يحدو بها لكل فتى هيات
 ‌و‌ هن نحو البيت قاصدات
 اى: جهه البيت، ‌و‌ هذا المعنى ‌هو‌ المراد هنا.
 ‌و‌ املته املا: ‌من‌ باب طلب، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ضد‌ الياس، ‌و‌ املته تاميلا مبالغه ‌و‌ تكثير، ‌و‌ ‌هو‌ اكثر استعمالا ‌من‌ المخفف.
 ‌و‌ استحييت منه ‌و‌ استحييته بمعنى، يقال: استحييت بياءين ‌و‌ ‌هو‌ الاصل، ‌و‌ هى لغه الحجاز ‌و‌ بها ورد التنزيل، قال تعالى: «ان الله ‌لا‌ يستحيى ‌ان‌ يضرب مثلا»، ‌و‌ عليها عباره الدعاء. ‌و‌ استحيت بياء واحده، اسقطوا الياء الاولى ‌و‌ القوا حركتها على الحاء، ‌و‌ هى لغه تميم.
 قال الواحدى: قال اهل اللغه: اصل الاستحياء ‌من‌ الحياه، ‌و‌ استحياء الرجل ‌من‌ قوه الحياه لشده علمه بمواقع عيبه، فالحياء ‌من‌ قوه الحس ‌و‌ لطفه ‌و‌ قوه الحياه.
 ‌و‌ قال ابن الاثير: الحياء: تغير ‌و‌ انكسار يعرض للانسان ‌من‌ تخوف ‌ما‌ يعاب ‌به‌ ‌و‌ يذم، ‌و‌ اشتقاقه ‌من‌ الحياه، فكان الحى جعل منتكس القوه منتقص الحياه لما يعتريه ‌من‌ الانكسار ‌و‌ التغير.
 ‌و‌ وجهت الشى ء الى كذا: جعلته الى جهته.
 ‌و‌ الرغبه: مصدر رغبت ‌فى‌ الشى ء اذا اردته، ‌و‌ الهاء لتانيث المصدر.
 ‌و‌ وثق ‌به‌ يثق بالكسر فيهما ثقه اعتمد على وفائه، ‌و‌ نصب ثقه يحتمل المصدريه
 
و الحاليه ‌و‌ المفعوليه لاجله، اى: توجيه ثقه ‌او‌ واثقا ‌او‌ للثقه.
 ‌و‌ امه اما- ‌من‌ باب قتل-: قصده.
 ‌و‌ الطمع: تعليق النفس بما يظن ‌من‌ النفع، ‌و‌ اكثر ‌ما‌ يستعمل فيما يقرب حصوله.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بطمعه»: للملابسه، اى: ملتبسا به، كقوله تعالى: «اهبط بسلام منا»، ‌و‌ مثله قوله عليه السلام: «و قصدك بخوفه».
 ‌و‌ اليقين ‌فى‌ اللغه: العلم الذى ‌لا‌ ‌شك‌ فيه، ‌و‌ ‌فى‌ الاصطلاح: اعتقاد مطابق ثابت ‌لا‌ يمكن زواله، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ الحقيقه مولف ‌من‌ علمين: العلم بالمعلوم ‌و‌ العلم بان خلاف ذلك العلم محال.
 ‌و‌ عند اهل الحقيقه رويه العيان بقوه الايمان ‌لا‌ بالحجه ‌و‌ البرهان.
 ‌و‌ قيل: مشاهده الغيوب بصفاء القلوب ‌و‌ ملاحظه الاسرار بمحافظه الافكار.
 ‌و‌ الاخلاص ‌فى‌ اللغه: ترك الرياء ‌فى‌ الطاعات، ‌و‌ ‌فى‌ الاصطلاح: تخليص القلب عن شائبه الشوب المكدر لصفاه، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ تصفيه العمل عن ملاحظه المخلوقين حتى عن ملاحظه النفس فلا يشهد غير الله، ‌و‌ حتى ‌من‌ شهد ‌فى‌ اخلاصه الاخلاص احتاج اخلاصه الى الاخلاص. ‌و‌ نصب «يقينا» ‌و‌ «اخلاصا» يحتمل الاوجه الثلاثه، اى: قصد يقين ‌و‌ قصد اخلاص، ‌او‌ ذايقين ‌و‌ ذا اخلاص، ‌او‌ لليقين ‌و‌ للاخلاص. ‌و‌ «قد» هنا: للتحقيق، اى: تحقق خلو طمعه.
 ‌و‌ خلا: بمعنى برى ء ‌من‌ قولهم: خلا ‌من‌ العيب خلوا اى: برى ء منه فهو خلى.
 ‌و‌ غيرك: بالجر ‌فى‌ الروايه المشهوره صفه لمطموع، ‌و‌ بالنصب ‌فى‌ روايه اخرى على الاستثناء، لان «غير» اذا وقعت استثناء اعربت اعراب الاسم التالى ل«الا». ‌و‌ المعنى على الاول: قد خلا طمعه ‌من‌ كل مطموع فيه مغاير لك، ‌و‌ على الثانى: ‌من‌
 
كل مطموع فيه الا انت.
 ‌و‌ قس على ذلك قوله عليه السلام ‌فى‌ الفقره الثانيه: «كل محذور سواك»، الا ‌ان‌ الاعراب ‌فى‌ «سواك» مقدر.
 ‌و‌ افرخ اى: ذهب ‌و‌ انكشف.
 ‌و‌ الروع بالفتح: الفزع، يقال: راعنى الشى ء روعا- ‌من‌ باب قال- اى: افزعنى. ‌و‌ المعنى: زال عنه ‌ما‌ يرتاع له ‌و‌ يخاف ‌و‌ ذهب عنه ‌و‌ انكشف.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: افرخت البيضه: خرج فرخها، ‌و‌ ‌من‌ المجاز: افرخ روعك بالضم اى: خلا قلبك ‌من‌ الهم خلو البيضه ‌من‌ الفرخ، ‌و‌ اما افرخ روعك بالفتح فوجهه ‌ان‌ يراد زوال ذلك ‌من‌ القلب، جعل المتوقع الذى ‌هو‌ متعلق الروع ‌من‌ الروع بمنزله الفرخ ‌من‌ البيضه، ‌و‌ كثر حتى صار ‌فى‌ معنى انكشف.
 قال ذو الرمه:
 جذلان قد افرخت ‌من‌ روعه الكرب
 انتهى.
 ‌و‌ الحاصل: ‌ان‌ افرخ يستعمل بمعنيين: يقال: افرخت البيضه: اذا خرج فرخها، ‌و‌ افرخ الطائر: اذا خرج ‌من‌ البيضه، فمن قال: افرخ روعك بالضم فالروع هنا بمعنى القلب، ‌و‌ معناه: خلا قلبك ‌من‌ الخوف خلو البيضه ‌من‌ فرخها، ‌و‌ ‌من‌ قال: افرخ روعك بالفتح فالروع بمعنى الفزع ‌و‌ الخوف، ‌و‌ معناه: خرج الفزع ‌من‌ قلبك خروج الطائر ‌من‌ البيضه. ‌و‌ الروايه ‌فى‌ الدعاء انما هى بالفتح.
 ‌و‌ حذرت الشى ء- ‌من‌ باب تعب-: خفته فهو محذور.
 ‌و‌ جمله قوله عليه السلام: «قد خلا طمعه» تحتمل ‌ان‌ تكون حالا فهى ‌فى‌ محل
 
النصب، اى: امك بطمعه يقينا حال كونه قد خلا طمعه ‌من‌ كل مطموع فيه غيرك، ‌و‌ الجمله المعطوفه عليها حال ايضا، متعلق معناها بقوله: «و قصدك بخوفه اخلاصا»، اى: قصدك بذلك حال كونه قد افرخ روعه ‌من‌ كل محذور سواك.
 ‌و‌ يحتمل الكلام الاستئناف البيانى، كانه سئل عليه السلام كيف ‌ام‌ بطمعه يقينا ‌و‌ قصد بخوفه اخلاصا؟ فقال: قد خلا طمعه ‌من‌ كل مطموع فيه غيرك، ‌و‌ افرخ روعه ‌من‌ كل محذور سواك فجمله «قد خلا» على هذا ‌لا‌ محل لها ‌من‌ الاعراب، ‌و‌ المعطوفه عليها تابعه لها، ‌و‌ الله اعلم.
 
مثل بين يديه مثولا- ‌من‌ باب قعد-: انتصب قائما.
 ‌و‌ بين اليدين: عباره عن الامام، لان ‌ما‌ بين يدى الانسان امامه، ‌و‌ ‌هو‌ هنا ‌من‌ باب التمثيل، ‌و‌ قد تقدم الكلام على بيان ذلك مبسوطا ‌فى‌ اوائل الروضه العاشره، فليرجع اليه.
 ‌و‌ متضرعا: حال ‌من‌ فاعل مثل، ‌و‌ التضرع: التذلل، ‌و‌ ‌هو‌ اظهار ذل النفس ‌و‌ الانقهار، ‌و‌ خلع ارديه التعزز ‌و‌ الاستكبار: قال تعالى: «ادعوا ربكم تضرعا ‌و‌ خفيه»، ‌و‌ ذلك لما فيه ‌من‌ الاعتراف بذل العبوديه ‌و‌ عزه الربوبيه.
 ‌و‌ غمض بصره تغميضا ‌و‌ اغمضه اغماضا: اطبق اجفانه، ‌و‌ عداه بالى لتضمينه معنى الاماله، اى: غمض بصره مميلا له الى الارض، ‌او‌ امال بصره الى الارض مغمضا له، على ‌ما‌ تقدم ‌من‌ طريقى ابراز التضمين ‌فى‌ مقام التفسير.
 ‌و‌ الخشوع: الاخبات ‌و‌ التواضع ‌و‌ السكون.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الخشوع: الخضوع ‌او‌ قريب ‌من‌ الخضوع، ‌او‌ ‌هو‌ ‌فى‌ البدن
 
و الخشوع ‌فى‌ الصوت ‌و‌ البصر.
 ‌و‌ قال صاحب محكم اللغه: خشع يخشع خشوعا ‌و‌ اخشع ‌و‌ تخشع: رمى ببصره نحو الارض ‌و‌ حفض صوته.
 ‌و‌ قيل: الخشوع قريب ‌من‌ الخضوع، الا ‌ان‌ الخضوع ‌فى‌ البدن ‌و‌ الخشوع ‌فى‌ الصوت ‌و‌ البصر كقوله تعالى: «خاشعه ابصارهم» ‌و‌ قوله: «و خشعت الاصوات للرحمن»، انتهى ملخصا. ‌و‌ ‌لا‌ يخفى مناسبه تفسيره الاول لعباره الدعاء.
 ‌و‌ قال القاضى ‌فى‌ تفسيره: الخشوع: الاخبات، ‌و‌ الخضوع: اللين ‌و‌ الانقياد، ‌و‌ لذلك يقال: الخشوع بالجوارح ‌و‌ الخضوع بالقلب، انتهى.
 ‌و‌ طاطا راسه: صوبه ‌و‌ خفضه.
 ‌و‌ العره: الرفعه ‌و‌ الامتناع ‌و‌ الشده ‌و‌ الغلبه، ‌و‌ ‌فى‌ التنزيل: «من كان يريد العزه فلله العزه جميعا»، اى: ‌من‌ كان يريد بعباده غير الله العزه فانما العزه لله ‌و‌ حده ‌لا‌ لغيره، عزه الدنيا ‌و‌ عزه الاخره جميعا، فليطلبها منه ‌لا‌ ‌من‌ غيره.
 ‌و‌ التذلل: الاستكانه ‌و‌ الخضوع، ‌و‌ لما كانت الهيئات المذكوره ‌فى‌ الفقرات الثلاث ‌من‌ لوازم الطامع الخائف، جعلها عليه السلام مترتبه على ‌ما‌ قبلها ‌من‌ قصر طمعه ‌و‌ خوفه عليه تعالى.
 بث السر بثا: اذاعه ‌و‌ نشره، ‌و‌ بثثته سرى ‌و‌ ابثثته بالالف: اظهرته له ‌و‌ اطلعته عليه.
 ‌و‌ السر: ‌ما‌ يكتم، ‌و‌ ‌هو‌ خلاف الاعلان، ‌و‌ منه قيل للنكاح: سر، لانه يلزمه غالبا.
 
و «من» ‌فى‌ قوله: «من سره» ‌و‌ «من ذنوبه»: مبينه ل«ما» ‌فى‌ الموضعين، قدمت على المبهم المبين جوازا، نحو: عندى ‌من‌ المال ‌ما‌ يكفينى.
 قال الرضى: ‌و‌ انما جاز تقديم «من» المبينه على المبهم ‌فى‌ نحو: انا ‌من‌ خطه ‌فى‌ روضه، ‌و‌ ‌من‌ رعايته ‌فى‌ حرم، ‌و‌ عندى ‌من‌ المال ‌ما‌ يكفى، ‌و‌ ‌من‌ الخيل عشرون، لان المبهم الذى فسر ب«من» التبيينيه مقدم تقديرا، كانك قلت: انا ‌فى‌ شى ء ‌من‌ خطه ‌فى‌ روضه، ‌و‌ عندى شى ء ‌من‌ المال ‌ما‌ يكفى، فالمبين ‌فى‌ كل ذلك محذوف، ‌و‌ الذى بعد «من» عطف بيان له، حذف المعطوف ‌و‌ اقيم المعطوف عليه مقامه، كما يحذف المستثنى منه ‌و‌ يقام المستثنى مقامه ‌فى‌ نحو: ‌ما‌ جاءنى الا زيد، كل ذلك ليحصل البيان بعد الابهام انتهى ملخصا.
 ‌و‌ خضوعا ‌و‌ خشوعا منصوبان على المصدريه لبيان نوع العامل، ‌او‌ على المفعوليه لاجله تصريحا بفائده ابثاث سره ‌من‌ ‌هو‌ اعلم ‌به‌ منه، ‌و‌ تعديد ذنوبه لدى ‌من‌ ‌هو‌ احصى له منه.
 ‌و‌ احصى: افعل تفضيل بمعنى اضبط، ‌من‌ احصاه احصاء: بمعنى ضبطه، ‌و‌ فيه شاهد على بناء افعل التفضيل ‌من‌ افعل الرباعى قياسا ‌و‌ ‌هو‌ مذهب سيبويه ‌و‌ المحققين ‌من‌ اصحابه، ‌و‌ اختاره ‌فى‌ التسهيل ‌و‌ شرحه.
 قال صاحب الكشف: ‌و‌ ليس بعيدا عن الصواب، لكثره ‌ما‌ جاء ‌من‌ هذا
 
الباب.
 ‌و‌ قال الرضى ‌و‌ يويده كثره الاستعمال كقولهم: ‌هو‌ اعطاهم للدراهم ‌و‌ اولاهم للمعروف، ‌و‌ انت اكرم لى ‌من‌ فلان.
 ‌و‌ مفعول احصى محذوف مع من، اى: احصى له منه، لدلاله قوله: «ما انت اعلم ‌به‌ منه» عليه، ‌و‌ نظيره ‌من‌ التنزيل قوله تعالى: «انا اكثر منك مالا ‌و‌ اعز نفرا».
 ‌و‌ استغاث به: طلب اغاثته اى: اعانته ‌و‌ نصره.
 ‌و‌ وقع به: اهلكه ‌و‌ اوهنه، ‌من‌ قولهم: وقعت بالقوم وقيعه: اذا قتلهم ‌و‌ اثخنتهم، اى: ‌او‌ هنتهم بالجراحه ‌و‌ اضعفتهم، ‌و‌ هى لغه اهل الحجاز، ‌و‌ تميم تقول: اوقعت بهم بالانف.
 قال الجوهرى: وقعت بالقوم ‌فى‌ القتال ‌و‌ اوقعت بهم بمعنى.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «فى علمك»: ظرف للوقوع به، على تشبيه علمه تعالى بما يكون محلا للشى ء، كما تقول: قتلت القوم ‌فى‌ المحل الفلانى.
 ‌و‌ الغرض الاستغاثه ‌من‌ الذنوب التى هى ‌فى‌ علم الله مهلكه لمقترفها ‌و‌ ‌هو‌ ‌لا‌ يعلم بذلك ‌او‌ يظنها هينه ‌لا‌ توجب هلاكا، كما قال تعالى: «و تحسبونه هينا ‌و‌ ‌هو‌ عند الله عظيم».
 ‌و‌ عن بعضهم انه جزع عند الموت، فقيلى له ‌فى‌ ذلك، فقال: اخاف ذنبا لم يكن منى على بال ‌و‌ ‌هو‌ عند الله عظيم.
 
و ‌فى‌ النصائح الكبار: ‌لا‌ تقولن لشى ء ‌من‌ سيئاتك: حقير، فلعله عند الله تعالى نخله ‌و‌ ‌هو‌ عندك نقير، ‌و‌ هى النكته ‌فى‌ ظهر النواه.
 ‌و‌ اضافه عظيم الى «ما» ‌من‌ باب اضافه الصفه الى الموصوف ‌و‌ بجعلها نوعا مضافا الى الجنس. ‌و‌ قس على ذلك قوله عليه السلام: «و قبيح ‌ما‌ فضحه ‌فى‌ حكمك».
 ‌و‌ المراد بالحكم هنا معناه اللغوى، اى: قضاوك.
 ‌و‌ قد خفى معنى قوله عليه السلام: «من عظيم ‌ما‌ وقع به» على كثير ‌من‌ المترجمين، ففسروه بما ‌لا‌ يناسب المقام.
 فقال بعضهم: «الباء» ‌من‌ قوله: «وقع به» بمعنى من، ‌و‌ المعنى: ‌من‌ عظيم ‌ما‌ وقع اى: صدر منه ‌فى‌ علمك.
 قال: ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون الظرف ‌من‌ قوله: «فى علمك» متعلقا بعظيم، ‌و‌ المعنى: استغاث ‌من‌ وقوع ذنب منه عظيم ‌فى‌ علمك. قال بعضهم: «الباء» بمعنى على، ‌و‌ المراد بوقوعه عليه ‌فى‌ علمه تعالى ‌و‌ بفضيحته ‌فى‌ حكمه سبحانه: انه جرى ‌فى‌ علمه تعالى وقوع ذلك عليه ‌و‌ حكم سبحانه ‌فى‌ الازل بان هذا القبيح يفضحه.
 ‌و‌ قال بعضهم: المعنى: سقط ‌به‌ ‌فى‌ علمك، فجعل الوقوع بمعنى السقوط، ‌و‌ الضمير ‌فى‌ «وقع» عائد الى الداعى، ‌و‌ الباء للسببيه.
 ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ كل ذلك ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌فى‌ نفسه صحيحا، غير ‌ان‌ الذوق يشهد هنا بتجافيه، ‌و‌ كل اناء ينضح بما فيه.
 قوله عليه السلام: «من ذنوب ادبرت» الى آخره، «من»: مبينه لما وقع ‌به‌ ‌و‌ ‌ما‌ فضحه.
 ‌و‌ ادبر الشى ء ادبارا: ولى ‌و‌ انقضى، ‌و‌ منه: «و الليل اذ ادبر».
 
و ذهب الشى ء ذهابا بالفتح: مر ‌و‌ مضى.
 ‌و‌ اللذات: جمع لذه بالفتح اسم ‌من‌ لذ الشى ء يلذ- ‌من‌ باب تعب- لذاذا ‌و‌ لذاذه بالفتح اى: صار شهيا.
 ‌و‌ عرفوا اللذه بانها ادراك الملائم ‌من‌ حيث انه ملائم كالصوت الحسن عند حاسه السمع، ‌و‌ قيد الحيثيه للاحتراز عن الالتذاذ بالدواء المر النافع ‌من‌ حيث انه نافع ‌لا‌ ‌من‌ حيث انه مر.
 ‌و‌ اقام بالموضع اقامه: سكن ‌به‌ ‌و‌ لم ينتقل عنه.
 ‌و‌ التبعات: جمع تبعه على وزن كلمه: ‌ما‌ تطلبه ‌من‌ ظلامه ‌و‌ نحوها.
 ‌و‌ لزم الشى ء يلزم لزوما- ‌من‌ باب تعب-: ثبت ‌و‌ دام، ‌و‌ منه: لزمه المال: اذا ثبت ‌و‌ وجب عليه، ‌و‌ الله اعلم.
 
انكرته انكارا جهلته كنكرته ‌من‌ باب تعب، ‌و‌ فيه ‌رد‌ على ‌من‌ زعم ‌ان‌ نكر بالقلب ‌و‌ انكر بالعين. ‌و‌ الانكار: الجحود ايضا، ‌و‌ يحتمل ارادته هنا. ‌و‌ انكر عليه فعله انكارا ايضا: عابه، ‌و‌ هذا المعنى محتمل هنا ايضا.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه ينكر بضم اوله ‌و‌ فتح الكاف على البناء للمفعول، ‌و‌ رفع عدلك على انه مفعول ‌ما‌ لم يسم فاعله، ‌و‌ مثله روى ‌فى‌ يستعظم عفوك.
 ‌و‌ العدل: خلاف الجور، ‌و‌ عرفوه بالتوسط ‌فى‌ الافعال ‌و‌ الاقوال بين طرفى التفريط ‌و‌ الافراط، ‌و‌ اذا نسب الى الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ فالمراد ‌ان‌ افعاله سبحانه واقعه على وفق الحكمه ‌و‌ النظام الاكمل.
 ‌و‌ عاقبه بذنبه معاقبه ‌و‌ عقابا: اخذه به.
 ‌و‌ جمله جواب الشرط محذوفه وجوبا بالدلاله المتقدم عليه، ‌و‌ التقدير: ‌ان‌ عاقبته فلا ينكر عدلك، ‌و‌ ليس المتقدم بجواب عند جمهور البصريين، لان اداه الشرط لها
 
صدر الكلام ‌و‌ ‌لا‌ يتقدم عليها الجواب.
 ‌و‌ ذهب الكوفيون ‌و‌ المبرد الى انه ‌لا‌ حذف ‌و‌ المتقدم ‌هو‌ الجواب، ‌و‌ قس على ذلك.
 قوله عليه السلام: «ان عفوت عنه ‌و‌ رحمته» ‌و‌ استعظم الشى ء: رآه عظيما. ‌و‌ نفى استعظام عفوه تعالى انما ‌هو‌ بالنظر الى عظيم عفوه وسعه رحمته، ‌لا‌ ‌من‌ جهه انه ‌فى‌ نفسه غير عظيم، ‌و‌ لذلك علله بقوله عليه السلام: «لانك الرب الكريم... الى آخره»، ‌و‌ التعرض لعنوان الربوبيه المنبئه عن تبليغ الشى ء الى كماله للايذان بعليته المعفو عنه ‌و‌ الرحمه له، كما يوذن بذلك التعرض لعنوان الكرم، ‌و‌ ليرتب على ذلك الوصف بعدم تعاظم غفران الذنب العظيم له تعالى، ‌و‌ يدخل فيه غفرانه سبحانه للداعى دخولا اوليا.
 ‌و‌ تعاظمه الامر: عظم عليه.
 ‌و‌ غفر الله له غفرا- ‌من‌ باب ضرب- ‌و‌ غفرانا بالضم: صفح عنه.
 
ها: للتنبيه، ‌و‌ مدخولها ضمير الرفع المخبر عنه باسم الاشاره اصاله.
 ‌و‌ قيل: انما كانت داخله على الاشاره فقدمت. ‌و‌ ‌رد‌ بنحو: «ها انتم هولاء».
 ‌و‌ جمله «قد جئتك» قيل: ‌فى‌ محل نصب على الحال ‌و‌ العامل فيها معنى التنبيه ‌او‌ الاشاره.
 ‌و‌ قيل: مستانفه مبينه للجمله الاولى
 
و قيل: ‌فى‌ محل رفع على انها خبر المبتدا ‌و‌ ‌هو‌ «انا»، ‌و‌ اسم الاشاره تاكيد للمبتدا. ‌و‌ كان القائل بذلك توهم التاكيد اللفظى باعاده المرادف.
 ‌و‌ قيل: خبرثان.
 ‌و‌ الصحيح ‌ان‌ «ذا» ‌هو‌ الخبر ‌و‌ الجمله بيان، كانه لما قال: ‌ها‌ اناذا، قيل له: كيف انت، فقال: قد جئتك. ‌و‌ لك ‌ان‌ تجعلها مبينه ‌من‌ غير تقدير سوال.
 فان قلت: كيف يحمل «ذا» على «انا» ‌و‌ هما عباره عن ذات واحده هنا، ‌و‌ الحمل يقتضى التغاير؟.
 قلت: انما حمل عليه باعتبار التغاير الاتى ‌من‌ قبيل البيان بقوله «قد جئتك»، تنزيلا لتغاير الصفه منزله تغاير الذات، فان قوله: «ها اناذا» معناه: فها انا بعد ذلك المنيب الراجع اليك، لدلاله الكلام ‌من‌ قوله: «قد جئتك» عليه، فوضع اسم الاشاره الموضوع للذات موضع الصفه، للايذان بالمبالغه ‌فى‌ انابته ‌و‌ رجوعه، حتى كانه شخص آخر غير ذلك الشخص الذى كان متصفا بتلك الصفات، الا ترى انك تقول لمن خرج ‌من‌ عندك بوصف ‌و‌ رجع اليك بوصف آخر: رجعت بغير الوجه الذى خرجت به، اى: رجعت على صفه غير الصفه التى خرجت بها، ‌و‌ غرضك بذلك الكنايه عن تغاير الذات، كانك تقول: ذهب بك ‌و‌ جى ء بغيرك، ‌و‌ ‌ما‌ ذلك الا بحسب الوصف مبالغه.
 ‌و‌ معنى مجيئه اليه تعالى: انابته اليه ‌و‌ اقباله عليه ‌و‌ اخلاصه له تعالى على طريقه التمثيل، كما قال تعالى: «اذ جاء ربه بقلب سليم».
 ‌و‌ مطيعا لامرك اى: ممتثلا له.
 قال ابن فارس: اذا مضى لامره فقد اطاعه اطاعه، ‌و‌ اذا وافقه فقد طاوعه.
 
و قوله عليه السلام: «فيما امرت به» بيان لمحل الاطاعه ‌او‌ محل الامر، ‌و‌ على الاول ‌هو‌ لغو، كقوله تعالى: «لو يطيعكم ‌فى‌ كثير ‌من‌ الامر»، ‌و‌ على الثانى مستقر، اى: لامرك كائنا فيما امرت، ‌و‌ قس عليه قوله عليه السلام: «متنجزا وعدك فيما وعدت».
 ‌و‌ ايثار التعبير بذلك على ‌ان‌ يقول: مطيعا لامرك بالدعاء، ‌او‌ لما امرت ‌به‌ ‌من‌ الدعاء، سلوك لطريق الابهام ثم التفسير، الدال على التفخيم ‌و‌ التعظيم كما قرر ‌فى‌ محله، مع ‌ما‌ فيه ‌من‌ بسط الكلام حيث الاصغاء مطلوب.
 ‌و‌ تنجز الوعد: استنجزه اى: طلب وفاءه، كما يقال: تكبر ‌و‌ استكبر. ‌و‌ نصب متنجزا على الحال كما انتصب عليها مطيعا، الا ‌ان‌ مطيعا حال ‌من‌ فاعل جئتك، ‌و‌ متنجزا حال ‌من‌ الضمير ‌فى‌ مطيعا، ‌و‌ ‌هو‌ العامل فيها، ‌و‌ هذه هى الحال المسماه بالمتداخله.
 ‌و‌ معنى التداخل: ‌ان‌ تكون الحال الثانيه حالا ‌من‌ ضمير ‌فى‌ الحال الاولى، هذا عند ‌من‌ منع تعدد الحال مع اتحاد عاملها ‌و‌ صاحبها قياسا على الظرف، ‌و‌ ‌هو‌ الفارسى ‌و‌ ابن عصفور ‌و‌ جماعه، ‌و‌ اجازه الاخفش ‌و‌ ابن جنى، ‌و‌ وافقهما جمهور المتاخرين كابن مالك ‌و‌ الرضى ‌و‌ ابن هشام، ‌و‌ عليه فلا تداخل.
 غير ‌ان‌ متنجزا على كل تقدير حال مقدره، ‌و‌ هى المستقبله، بمعنى ‌ان‌ زمان عاملها قبل زمانها، ‌و‌ مطيعا حال مقارنه لعاملها، لان الاطاعه مقارنه للمجى ء ‌و‌ تنجز الوعد ‌لا‌ يكون الا بعد اطاعه الامر بالدعاء، الا ترى ‌من‌ قال لك: جئنى اكرمك، ‌لا‌ تتنجز منه الوعد بالاكرام الا بعد المجى ء فكذا قوله تعالى: « ادعونى استجب لكم» ‌لا‌ تطلب منه الاجابه الا بعد الدعاء.
 
اذا عرفت ذلك فقوله عليه السلام: «متنجزا وعدك» اى: مقدرا تنجز وعدك، كقوله تعالى: «ادخلوها خالدين»، اى: مقدرين خلودكم، لان زمن الخلود ‌لا‌ يتصور مقارنته للدخول، فلم يبق الا تقديره.
 ‌و‌ قد احسن ‌من‌ عبر عن الحال المقدره بانها ‌ما‌ يصح تقديرها بالفعل ‌و‌ لام كى، نحو: رقى زيد المنبر خاطبا، اى: ليخطب، ‌و‌ كذلك الايه المذكوره، فان التقدير فيها: ادخلوها لتخلدوا، ‌و‌ بهذا ينكشف معنى التقدير الذى ذكرناه ‌فى‌ متنجزا، اذ حاصل معناه: لانال منك الاجابه وفاء بالوعد.
 قوله عليه السلام: «اذ تقول ادعونى استجب لكم» اذ: اسم زمان للماضى، ‌و‌ هى هنا ظرف للامر ‌و‌ الوعد ‌من‌ قوله: امرت ‌به‌ ‌و‌ وعدت به، فهما العاملان فيها على طريق التنازع، ‌و‌ الفعل المستقبل بعدها ماض ‌فى‌ المعنى، اى: اذ قلت، جاء بصيغه الاستقبال لحكايه الحال الماضيه لاستحضار صورتها حتى كان الامر ‌و‌ الوعد وقعا الان بحضوره، ‌و‌ مثله ‌فى‌ التنزيل كثير كقوله تعالى: «و اذ تقول للذى انعم الله عليه ‌و‌ انعمت عليه»، «اذ يغشيكم النعاس»، «و اذ يعدكم الله»، «و اذ يرفع ابراهيم القواعد»، فالفعل ‌فى‌ كل ذلك مستقبل لفظا ‌لا‌ معنى.
 ‌و‌ جمله «تقول» ‌فى‌ محل جر باضافه «اذ» اليها، ‌و‌ الجمله المحكيه بالقول- اعنى قوله تعالى: «ادعونى استجب لكم»- ‌فى‌ محل نصب بتقول.
 ‌و‌ الايه ‌فى‌ سوره المومن، ‌و‌ اتفق ‌ان‌ المحكى بالقول منها هنا وقع محكيا بالقول ‌فى‌ الايه ايضا، ‌و‌ هى قوله تعالى: «و قال ربكم ادعونى استجب لكم ‌ان‌ الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين». ‌و‌ قد وقع فيها الامر بالدعاء
 
و الوعد بالاجابه معا.
 ‌و‌ الاستجابه: بمعنى الاجابه.
 ‌و‌ قال تاج القراء: الاجابه عامه ‌و‌ الاستجابه خاصه باعطاء المسوول.
 
 تنبيه
 
 قال بعض اكابر الساده ‌فى‌ تعليقته على الصحيفه الشريفه ينبغى ‌فى‌ نظائر هذه المقامات مراعاه لجاده سنن الاداب، اما الوقف على «تقول» ثم البداءه بقوله ‌عز‌ ‌من‌ قائل: «ادعونى»، ‌و‌ اما الوصل مع اظهار الهمزه المضمومه على سبيل الحكايه، ‌من‌ غير اسقاطها ‌فى‌ الدرج ‌و‌ ‌ان‌ لم تكن هى همزه قطع، لينفصل كلام الخالق عن كلام المخلوق، ‌و‌ ‌لا‌ يتصل تنزيله الكريم بعباره البشر ‌و‌ الفاظ الادميين، انتهى بنصه. ‌و‌ تبعه على ذلك غير واحد.
 ‌و‌ انا اقول: اما ‌ما‌ ذكره ‌من‌ الوقف على «تقول» ثم الابتداء بما بعده، فانما كان يلزم لو ادى الوصل الى ايهام ‌ان‌ كلام الخالق ‌من‌ جمله كلام المخلوق، ‌او‌ اشتباه احدهما بالاخر، كما لزم الوقف على «قولهم» ‌من‌ قوله تعالى: «فلا يحزنك قولهم انا نعلم ‌ما‌ يسرون ‌و‌ ‌ما‌ يعلنون»، اذ لو وصل الكلام ‌و‌ لم يوقف على «قولهم» لاوهم ‌ان‌ ‌ما‌ بعده مقول الكفار، اما اذا كان كلامه تعالى محكيا بعد القول فلا داعى الى الوقف اصلا، لعدم تصور فساد ‌فى‌ الوصل.
 على ‌ان‌ لزوم الوقف ليس مخصوصا بهذه الصوره، بل ‌هو‌ حيث كان الوصل مغيرا للمرام ‌و‌ مشنعا للكلام، الا ترى ‌ان‌ الوقف لازم على «مومنين» ‌من‌ قوله
 
تعالى: «و ‌ما‌ ‌هم‌ بمومنين يخادعون الله»، اذ لو وصل بقوله: «يخادعون الله »، توهم ‌ان‌ الجمله صفه لقوله: «بمومنين»، فانتفى الخداع عنهم ‌و‌ تقرر الايمان خالصا عن الخداع، كما تقول: ‌ما‌ ‌هو‌ بمومن مخادع، حتى لو تعمد التالى الوصل ‌و‌ قصد هذا المعنى كفر.
 فتحقق ‌ان‌ ‌ما‌ استحسنه قدس سره ‌من‌ الوقف على «تقول» ‌لا‌ وجه له، بل ‌هو‌ داخل ‌فى‌ قسم الوقف الذى نص الفراء على قبحه، لعدم تمام الكلام عنده.
 قال ابن الجزرى: الوقف ينقسم الى اختيارى ‌و‌ اضطرارى، لان الكلام اما ‌ان‌ يتم اولا، فان تم كان اختياريا، ‌و‌ ‌ان‌ لم يتم كان اضطراريا ‌و‌ ‌هو‌ المسمى بالقبيح، ‌لا‌ يجوز تعمد الوقف عليه الا لضروره ‌من‌ انقطاع نفس ‌و‌ نحوه، لعدم الفائده ‌او‌ لفساد المعنى، انتهى ملخصا.
 فان قلت: هذا انما يجرى ‌فى‌ تلاوه القرآن المجيد، ‌و‌ لم ينص احد على اطراده ‌فى‌ كل كلام.
 قلت: بل ‌هو‌ جار ‌فى‌ كل كلام فصيح، ‌لا‌ سيما الحديث ‌و‌ الخطب ‌و‌ الادعيه الماثوره عن ارباب العصمه عليهم السلام، اذ بمراعاه ذلك تظهر بلاغه الكلام ‌و‌ نظمه ‌و‌ سلاسته ‌و‌ رونقه، ‌و‌ بعدمها خلاف ذلك، كما يدل عليه تفسيرهم لفصل الخطاب ‌من‌ قوله تعالى: «و آتيناه الحكمه ‌و‌ فصل الخطاب» بانه الكلام البين الملخص الذى بينه المخاطب على المرام، ‌من‌ غير التباس لما قد روعى فيه ‌من‌ مظان الفصل ‌و‌ الوصل ‌و‌ العطف ‌و‌ الاستئناف ‌و‌ الاضمار ‌و‌ الاظهار ‌و‌ الحذف ‌و‌ التكرار، ‌و‌ لهذا المعنى روعيت الوقوف ‌فى‌ التلاوه، ‌و‌ الا فلا خلاف ‌فى‌ انه ليس ‌فى‌ القرآن وقف واجب و ‌لا‌ حرام.

 
قال ابن الجزرى: قولهم: ‌لا‌ يجوز الوقف على المضاف دون المضاف اليه، ‌و‌ ‌لا‌ الموصول دون صلته، ‌و‌ ‌لا‌ الفعل دون مفعوله ‌و‌ نحو ذلك، انما يريدون ‌به‌ الجواز الادائى، ‌و‌ ‌هو‌ الذى يحسن ‌فى‌ القراءه ‌و‌ يروق ‌فى‌ التلاوه، ‌و‌ ‌لا‌ يريدون بذلك انه حرام ‌و‌ ‌لا‌ مكروه، اللهم الا ‌ان‌ يقصد بذلك تحريف القرآن ‌و‌ خلاف المعنى، فانه يكفر فضلا عن ‌ان‌ ياثم، انتهى.
 ‌و‌ اما ‌ما‌ ذكره قدس سره ‌من‌ الوصل مع اظهار الهمزه على سبيل الحكايه ‌من‌ غير اسقاطها ‌فى‌ الدرج، فهو كلام عجيب ‌ما‌ كان ينبغى ‌ان‌ يصدر عن بعض تلامذته فضلا عن مثله، فان قطع همزه الوصل ‌فى‌ الدرج مختص بضروره الشعر ‌و‌ ‌لا‌ يرتكبها فحول الشعراء، فكيف تقطع ‌فى‌ كلام افصح الناس ‌فى‌ عصره ‌من‌ غير ضروره؟.
 ‌و‌ ‌ما‌ ادعاه ‌من‌ الحكايه ليس بصحيح، لان الحكايه على ‌ما‌ عرفوها ايراد لفظ المتكلم على حسب ‌ما‌ اورده ‌فى‌ كلامه، ‌و‌ لفظ ادعوا ‌فى‌ كلام الله سبحانه لم يقع مقطوع الهمزه بل موصولها كما رايته ‌فى‌ الايه، فكيف يكون ايراده بقطع الهمزه حكايه له؟
 ‌و‌ اما قوله قدس سره: لينفصل كلام الخالق عن كلام المخلوق، فكلام ‌لا‌ حقيقه له ‌و‌ ‌لا‌ يرجع الى محصول، ‌و‌ قد حكى الله ‌فى‌ كلامه المجيد ‌من‌ كلام الكفار ‌و‌ غيرهم جملا مبدوءه بهمزه الوصل فلم يقطعها، ‌و‌ ‌لا‌ نص احد على استحسان قطعها للغرض المذكور، كقوله تعالى: «قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ‌ما‌ هى»، «قالوا طيرنا بك»، «قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه»، «قالوا ابنوا له بنيانا»، «و قالوا الحمد لله الذى اذهب عنا الحزن»، «و قالوا الحمد لله الذى صدقنا وعده»، ‌و‌ ‌لا‌ فرق بين كون كلامه تعالى حاكيا ‌و‌ كونه محكيا اذا كان ‌ما‌ ذكره ‌هو‌ الغرض. ‌و‌ انما بسطنا الكلام على ذلك مع ظهور سقوطه، لان كثيرا ‌من‌ المتسمين بالفضل استحسنه، ‌و‌ ظن انه نكته لم يتنبه لها سواه، ‌و‌ الله يقول الحق ‌و‌ ‌هو‌ يهدى السبيل.

 
الفاء: فصيحه، اى: اذا كان امرى على ‌ما‌ ذكرت فصل على محمد ‌و‌ آله، ‌و‌ ‌من‌ هنا شرع عليه السلام ‌فى‌ الدعاء الذى امتثل فيه قوله تعالى: «ادعونى استجب لكم»، كما تدل عليه الفاء الفصيحه.
 ‌و‌ القنى بمغفرتك اى: استقبلنى ‌و‌ واجهنى بمغفرتك كما استقبلتك ‌و‌ واجهتك باقرارى.
 يقال: لقيته القاه لقاء- ‌من‌ باب تعب-: اذا استقبلته ‌و‌ واجهته.
 قال ‌فى‌ المصباح: كل شى ء استقبل شيئا ‌او‌ صادفه فقد لقيه.
 ‌و‌ كل شى ء جعلته تلقاء وجهك فقد استقبلته.
 ‌و‌ الباء: للملابسه، اى: ملتبسا بمغفرتك كما لقيتك ملتبسا باقرارى.
 ‌و‌ لقاوه تعالى بمغفرته له عباره عن ايصال مغفرته اليه، على تمثيل تلك الحال بحال عبد مذنب اقبل على سيده ‌و‌ لقيه بالاقرار ‌و‌ الاعتراف بذنوبه، فاستقبله سيده بالصفح عنه ‌و‌ المغفره له.
 
و الكاف: اما للتعليل عند ‌من‌ اثبته، اى: للقائى اياك باقرارى كقوله تعالى: « ‌و‌ اذكروه كما هداكم»، ‌او‌ للتشبيه، اى: القنى بمغفرتك لقاء شبيها بلقائى لك باقرارى، ‌و‌ وجه الشبه حينئذ التخصيص ‌او‌ التحقق، ‌و‌ الا لزم كون المشبه ‌به‌ دون المشبه ‌و‌ ‌هو‌ باطل. ‌و‌ يحتمل كونها للمقارنه، ‌و‌ هى التى تكون بمعنى مقارنه الفعلين بوجود الفعلين، نحو: ادخل كما يسلم الامام، ‌و‌ كما قام زيد قعد عمرو.
 ‌و‌ عبر ابن هشام عن هذا المعنى بالمبادره، قال: ‌و‌ ذلك اذا اتصلت ب«ما» ‌فى‌ نحو: سلم كما تدخل، وصل كما يدخل الوقت.
 قال الشريف العلامه ‌فى‌ شرح المفتاح: هذه الكاف للقرآن ‌فى‌ الوقوع، يقال: كما جاء زيد جاء عمرو، اى: تقارن مجيئا هما.
 ‌و‌ على هذا فمعنى عباره الدعاء: قارن بلقائى بمغفرتك لقائى اياك باقرارى، ‌و‌ الله اعلم.
 فان قلت: الذى يظهر ‌من‌ تمثيلهم للكاف بهذا المعنى ‌ان‌ يكون مدخولها بعد الطلب مستقبلا ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ الدعاء ماض، فيتعين احد الوجهين الاولين.
 قلت: مدخولها ‌فى‌ الدعاء مستقبل معنى ‌و‌ ‌ان‌ كان ماضيا لفظا، فهو كقول صاحب المحرر: ‌و‌ يشتغل الموذن بالاذان كما جلس.
 ‌و‌ قال النواوى ‌فى‌ الدقائق: ‌و‌ لفظه «كما» ليست عربيه، ‌و‌ يطلقها فقهاء العجم بمعنى عند، انتهى.
 ‌و‌ دعواه انها ليست عربيه غير صحيح، فقد نقل ابن هشام ‌فى‌ المغنى ‌ان‌ هذا المعنى ذكره ابن الخباز ‌فى‌ النهايه، ‌و‌ ابو سعيد السيرافى ‌و‌ غيرهما.
 
و ذكره الرضى ‌فى‌ شرح الحاجبيه، ‌و‌ البلخى ‌فى‌ الوافى، فلا عبره بقول النواوى.
 ‌و‌ رفعه رفعا- ‌من‌ باب منع-: ‌ضد‌ وضعه.
 ‌و‌ المصارع: جمع مصرع، اسم مكان ‌من‌ صرعه صرعا- ‌من‌ باب نفع-: اذا طرحه بالارض، ‌و‌ اشتهر ‌فى‌ موضع سقوط القتيل، يقال: هذه مصارع القوم، اى: مواضع سقوطهم قتلى. ‌و‌ لكن اضافتها الى الذنوب ليس بهذا المعنى، بل ‌من‌ باب اضافه المكان الى ‌من‌ اوقع فيه الفعل، نحو: مجالس القوم، اى: المواضع التى تصرع فيه الذنوب اربابها. ‌و‌ جعل المصرع مصدرا ميميا تكلف.
 ‌و‌ الكاف ‌فى‌ «كما» مثلها فيما تقدم.
 ‌و‌ سترت الشى ء سترا- ‌من‌ باب قتل-: حجبته عن المشاهده، ‌و‌ الستر بالكسر: ‌ما‌ يستر به، ‌و‌ ستره تعالى عباره عن صونه للعبد ‌من‌ الفضيحه، ‌او‌ عدم المحاسبه له على المعصيه ‌و‌ ترك ذكرها ‌كى‌ ‌لا‌ يطلع غيره عليها.
 ‌و‌ الكاف: للتشبيه.
 ‌و‌ تانى ‌فى‌ الامر تانيا: تمهل ‌و‌ تمكث ‌و‌ لم يعجل، ‌و‌ الاسم منه الاناه على وزن حصاه.
 ‌و‌ قال الجوهرى: تانى ‌فى‌ الامر: تنظر ‌و‌ ترفق، ‌و‌ استانى ‌به‌ اى: انتظر به، يقال: تانيتك حتى ‌لا‌ اناه بى، انتهى.
 ‌و‌ تعديه التانى ب«عن» لتضمينه معنى التجاوز، اى: تانيتنى متجاوزا عن الانتقام منى.
 ‌و‌ انتقمت منه انتقاما: عاقبته على ذنبه، ‌و‌ الله اعلم.
 
ثبت الشى ء يثبت ثبوتا: دام ‌و‌ استقر فهو ثابت، ‌و‌ ثبت الامر: صح، ‌و‌ يعدى بالهمزه ‌و‌ التضعيف، فيقال: اثبته اثباتا ‌و‌ ثبته تثبيتا، ‌و‌ الاسم الثبات بالفتح.
 ‌و‌ النيه: عزم القلب على امر ‌من‌ الامور.
 ‌و‌ قيل: هى القصد الى فعل معين لعله غائيه. ‌و‌ قد بسطنا الكلام عليها ‌فى‌ الروضه العشرين.
 ‌و‌ المراد بتثبيت النيه، اما ادامتها ‌و‌ جعلها ثابته مستقره ‌لا‌ تتغير ‌و‌ ‌لا‌ تميل الى غير الطاعه حتى تصير ملكه للنفس، ‌من‌ ثبت الشى ء بمعنى: دام ‌و‌ استقر، ‌او‌ تصحيحها بجعلها خالصه لله تعالى، ‌من‌ ثبت الامر بمعنى: صح، ‌و‌ لذلك ذهب كثير ‌من‌ علماء الخاصه ‌و‌ العامه الى بطلان العباده اذ نوى بفعلها تحصيل الثواب ‌او‌ الخلاص ‌من‌ العقاب، ‌و‌ قالوا: ‌ان‌ هذا القصد مناف للاخلاص الذى ‌هو‌ اراده وجه الله وحده.
 ‌و‌ احكمت الشى ء احكاما: اتقنته ‌و‌ منعته ‌من‌ الفساد.
 ‌و‌ البصيره للباطن بمثابه البصر للظاهر.
 ‌و‌ قال الفارابى: البصيره: اسم لما اعتقدته ‌فى‌ القلب ‌من‌ الدين ‌و‌ تحقيق الامر. ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: البصيره عقيده القلب.
 ‌و‌ المراد باحكام بصيرته ‌فى‌ عبادته تعالى: جعلها محكمه قويه ‌لا‌ يتطرق اليها فساد ‌او‌ نقيصه ‌من‌ ايثار شى ء عليها ‌او‌ توانى فيها.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ العباده كما تطلق على اعمال الجوارح بشرط قصد القربه، تطلق على التحقق بالعبديه بارتسام ‌ما‌ امر السيد ‌جل‌ ‌و‌ علا ‌او‌ نهى، ‌و‌ على هذا تتناول الاعمال
 
 
و العقائد القلبيه ايضا، ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ اراده هذا المعنى انسب ‌و‌ اظهر ‌و‌ ‌ان‌ كان الاول اشهر.
 قوله عليه السلام «و وفقنى» اى: اهدنى ‌و‌ سددنى ‌و‌ اجعل ارادتى ‌و‌ حركتى للاعمال التى تغسل بهادنس الخطايا عنى.
 ‌و‌ «من» ‌فى‌ قوله: «من الاعمال»: بيانيه قدمت على مبينها كما تقدم بيانه.
 ‌و‌ الاعمال: جمع محلى باللام فيستغرق كل عمل شرعى بقرينه المقام، ‌و‌ العمل: كل ‌ما‌ صدر ‌من‌ الحيوان بقصده قلبيا ‌او‌ قالبيا فيدخل الاعتقادات ‌و‌ النيات، ‌و‌ خصه بعضهم بالجوارح، لان الناوى مثلا ‌لا‌ يقال له: عامل.
 ‌و‌ الدنس محركه: الوسخ، ‌و‌ ‌هو‌ هنا استعاره لاثار الذنوب بجامع القبح ‌و‌ الكراهيه، ‌و‌ ذكر الغسل الملائم للدنس ترشيح.
 ‌و‌ المراد بغسله: اما محوه ‌من‌ القلب ‌و‌ لوح النفس ليكمل استعداده لافاضه الفيض ‌و‌ الرحمه عليه ‌و‌ يرتفع عنه الانفعال عند لقاء الموت، ‌او‌ ‌من‌ ديوان الحفظه ‌و‌ يثبت مكانه آثار الطاعات، كما قال تعالى: «الا ‌من‌ تاب ‌و‌ آمن ‌و‌ عمل عملا صالحا فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات». هذا اذا كانت الخطايا بين العبد ‌و‌ بين ربه، فان كانت بينه ‌و‌ بين العباد فيعوضهم عن ظلاماتهم ‌و‌ يمحو آثار تبعاتهم لديه.
 قوله عليه السلام: «و توفنى على ملتك» التوفى: قبض الشى ء على الايفاء ‌و‌ الاتمام، يقال: توفيت حقى ‌من‌ فلان ‌و‌ استوفيته بمعنى.
 ‌و‌ اسند عليه السلام التوفى اليه سبحانه كما اسنده تعالى الى نفسه ‌فى‌ قوله: «الله يتوفى الانفس حين موتها».
 
قال العلامه الطبرسى: لانه سبحانه خلق الموت ‌و‌ ‌لا‌ يقدر عليه احد سواه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الفقيه: سئل الصادق عليه السلام عن قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «الله يتوفى الانفس حين موتها»، ‌و‌ عن قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «قل يتوفاكم ملك الموت الذى ‌و‌ كل بكم»، ‌و‌ عن قول الله تعالى: «الذين تتوفاهم الملائكه طيبين»، ‌و‌ «الذين تتوفاهم الملائكه ظالمى انفسهم»، ‌و‌ عن قوله تعالى: «توفته رسلنا»، ‌و‌ عن قوله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «و لو ترى اذ يتوفى الذين كفروا الملائكه»، ‌و‌ قد يموت ‌فى‌ الساعه الواحده ‌فى‌ جميع الافاق ‌ما‌ ‌لا‌ يحصيه الا الله ‌عز‌ ‌و‌ جل، فكيف هذا؟ فقال: ‌ان‌ الله تبارك ‌و‌ تعالى جعل لملك الموت اعوانا ‌من‌ الملائكه يقبضون الارواح، بمنزله صاحب الشرطه له اعوان ‌من‌ الانس يبعثهم ‌فى‌ حوائجه، فتتوفاهم الملائكه، ‌و‌ يتوفاهم ملك الموت ‌من‌ الملائكه مع ‌ما‌ يقبض هو، ‌و‌ يتوفاهم الله ‌من‌ ملك الموت، انتهى.
 ‌و‌ هذا وجه آخر لاسناد التوفى اليه سبحانه.
 ‌و‌ المله: الدين، ‌و‌ منه: ‌لا‌ يتوارث اهل ملتين، اى: دينين، كالاسلام ‌و‌ اليهوديه.
 ‌و‌ قيل: هى معظم الدين ‌و‌ جمله ‌ما‌ تجى ء ‌به‌ الرسل.
 ‌و‌ قال الراغب ‌فى‌ الذريعه: المله: القود الى الطاعه، ‌و‌ الدين: الانقياد له، ‌و‌ هما بالذات واحد، لكن الدين ‌هو‌ الطاعه، فيقال اعتبارا بفعل المدعو ‌فى‌ انقياده الى الطاعه، ‌و‌ المله ‌من‌ امللت الكتاب، فيقال اعتبارا بفعل الداعى اليها ‌و‌ الشارع لها، ‌و‌ لكونهما بالذات ‌و‌ احدا قال تعالى: «دينا قيما مله ابراهيم حنيفا»، فابدل المله ‌من‌ الدين، انتهى.
 
و اذا: ظرف للمستقبل متضمن معنى الشرط، ‌و‌ الجواب هنا محذوف وجوبا، لتقدم ‌ما‌ ‌هو‌ جواب ‌من‌ حيث المعنى عليه.
 ‌و‌ معنى اذا توفيتنى: ‌اى‌ اذا اردت وفاتى، تعبيرا بالفعل عن ارادته، كقوله تعالى: «اذا قمتم الى الصلاه فاغسلوا»، «فاذا قرات القرآن فاستعذ» ‌و‌ اكثر ‌ما‌ يكون ذلك بعد اداه الشرط.
 ‌و‌ انما جاء بهذه الجمله الشرطيه- اعنى قوله: اذا توفيتنى- لئلا يكون قوله: ‌و‌ توفنى دعاء بتعجيل الوفاه ‌لا‌ لانه عليه السلام يكره الوفاه ‌و‌ لقاء الله، بل لانه يختار ‌ما‌ يختاره الله تبارك ‌و‌ تعالى له ‌من‌ الحياه ‌و‌ الوفاه، ‌و‌ الله اعلم.
 
اكد عليه السلام الحكم بتوبته ب«ان» التى هى لتاكيد النسبه ‌و‌ تحقيقها، للايذان بانه عن اعتقاد جازم ونيه صحيحه ‌و‌ صميم قلب ‌و‌ صدق رغبه ‌و‌ وفور نشاط ، ‌و‌ لرواج التاكيد منه عند المخاطب.
 قال شارح الفوائد: قد يوكد الحكم لكونه عن جد ‌لا‌ هزل، ‌او‌ عن اعتقاد ‌و‌ صميم قلب.
 ‌و‌ قال السعد التفتازانى: ‌و‌ قد يوكد الحكم المسلم لصدق الرغبه فيه ‌و‌ الرواج
 ‌و‌ المقام بالفتح: موضع القيام، ‌و‌ بالضم: موضع الاقامه، ‌و‌ قد وردت الروايه بالوجهين.
 ‌و‌ هذا: ‌فى‌ محل جر نعت لمقامى.
 
و قول بعضهم: انه بدل منه غلط فاحش، فان المبدل منه ‌فى‌ حكم المطروح المعدوم.
 ‌و‌ تقييد الحكم بالظرف ‌و‌ وصفه ب«هذا» لتعيين المضارع ‌من‌ قوله: «اتوب» لزمان الحال، بناء على انه حقيقه ‌فى‌ المستقبل ‌و‌ الحال معا، ‌او‌ انه حقيقه ‌فى‌ المستقبل مجاز ‌فى‌ الحال، ‌او‌ لرفع احتمال التجوز بناء على انه حقيقه ‌فى‌ الحال مجاز ‌فى‌ الاستقبال ‌و‌ ‌هو‌ الاصح، ‌و‌ على هذا فالنعت ب«هذا» يفيد ايضا تاكيد الحال بزياده تعيينه.
 ‌و‌ الكبيره: ‌ما‌ توعد عليه بخصوصه، كالزنا ‌و‌ شرب المسكر ‌و‌ غيرهما.
 ‌و‌ الصغيره: ‌ما‌ صدر عن فلته خاطر ‌او‌ لفته ناظر مع عدم الجواز ‌و‌ التوعد عليه، ‌و‌ قيل فيهما غير ذلك. ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا.
 قوله عليه السلام: «و بواطن سيئاتى ‌و‌ ظواهرها» فيه تلميح الى قوله تعالى: «و ذروا ظاهر الاثم ‌و‌ باطنه»، قيل: المراد ‌ما‌ اعلنتم ‌و‌ ‌ما‌ اسررتم.
 ‌و‌ قيل: ‌ما‌ عملتم ‌و‌ ‌ما‌ نويتم.
 ‌و‌ قيل: ظاهر الاثم افعال الجوارح، ‌و‌ باطنه افعال القلوب ‌من‌ الكبر ‌و‌ الحسد ‌و‌ العجب ‌و‌ اراده الشر للمسلمين، ‌و‌ يدخل فيه الاعتقاد ‌و‌ العزم ‌و‌ الظن ‌و‌ التمنى ‌و‌ الندم على افعال الخيرات ‌و‌ يوخذ منه ‌ان‌ ‌ما‌ يوجد ‌فى‌ القلب قد يواخذ ‌به‌ ‌و‌ ‌ان‌ لم يقترن ‌به‌ عمل.
 ‌و‌ ‌فى‌ تفسير على ‌بن‌ ابراهيم قال: الظاهر ‌من‌ الاثم المعاصى، ‌و‌ الباطن الشرك ‌و‌ الشك ‌فى‌ القلب. ‌و‌ ‌هو‌ راجع الى ‌ما‌ قبله.
 
و السيئات: جمع سيئه، ‌و‌ هى ‌ما‌ نهى عنه الشارع، ‌و‌ يقابلها الحسنه ‌و‌ هى ماندب اليه.
 ‌و‌ سلف الشى ء سلوفا- ‌من‌ باب قعد-: مضى ‌و‌ انقضى فهو سالف.
 ‌و‌ حدث حدوثا- ‌من‌ باب قعد ايضا-: تجدد وجوده فهو حادث ‌و‌ الزلات: جمع زله ‌و‌ هى الخطيئه، ‌من‌ زل ‌فى‌ منطقه ‌او‌ فعله يزل- ‌من‌ باب ضرب- اى: اخطا.
 ‌و‌ قيل: هى السيئه بلاقصد.
 ‌و‌ يتعين ‌ان‌ يراد بالسوالف ‌ما‌ بعد وقوعه ‌من‌ زمان الحال، ‌و‌ بالحوادث ‌ما‌ قرب حدوثه منه ‌لا‌ مطلقا، ليدخل فيها ‌ما‌ سيحدث ‌من‌ الزلات كما تقتضيه صيغه الوصف القابله للازمنه كلها، ‌و‌ ذلك بقرينه قوله عليه السلام: «توبه ‌من‌ ‌لا‌ يحدث نفسه بمعصيه ‌و‌ ‌لا‌ يضمر ‌ان‌ يعود ‌فى‌ خطيئه».
 ‌و‌ حدث نفسه بالشى ء: اخطره بباله.
 ‌و‌ اضمر الشى ء اضمارا: عزم عليه بضميره اى: قلبه ‌و‌ باطنه.
 ‌و‌ قوله: «بمعصيه» اى: بشى ء ‌من‌ المعاصى، ‌و‌ كذلك قوله: «فى خطيئه»، اى: ‌فى‌ شى ء ‌من‌ الخطايا، لان النكره ‌فى‌ سياق النفى ظاهره ‌فى‌ الاستغراق، فهو كقوله تعالى: «و ‌ما‌ الله يريد ظلما للعالمين»، اى: ‌ما‌ يريد شيئا ‌من‌ الظلم لاحد ‌من‌ خلقه.
 ‌و‌ تعديه العود ب«فى» ‌و‌ المعروف تعديته ب«الى»، لتضمينه معنى الدخول، اى: ‌لا‌ يضمر بان يعود الى فسخ التوبه داخلا ‌فى‌ خطيئه ‌و‌ الله اعلم.
 ‌و‌ هاهنا مسائل يناسب ايرادها عباره الدعاء:
 
الاولى: التوبه تجب عندنا ‌من‌ جميع الكبائر ‌و‌ الصغائر لعموم الايات، ‌و‌ لان ترك التوبه عن المعصيه صغيره كانت ‌او‌ كبيره اصرار عليها، ‌و‌ ‌هو‌ قبيح لاخلاص منه الا بالتوبه، فهى واجبه ‌فى‌ جميع المعاصى، ‌و‌ لان التوبه عن القبيح انما تجب لكونه قبيحا ‌و‌ ‌هو‌ عام.
 ‌و‌ ذهب جماعه ‌من‌ المعتزله الى انها انما تجب ‌من‌ الكبائر المعلوم كونها كبائر ‌او‌ المظنون فيها ذلك، ‌و‌ ‌لا‌ تجب ‌من‌ الصغائر المعلوم كونها صغائر، لان التوبه انما تجب دفعا للضرر، ‌و‌ ‌هو‌ غير حاصل ‌فى‌ الصغيره.
 ‌و‌ ‌رد‌ بان وجه الوجوب ‌هو‌ اشتمال الصغيره على القبح سواء اشتمل على ضرر ‌ام‌ ‌لا‌ .
 الثانيه: اختلف ‌فى‌ ‌ان‌ التوبه هل تصح ‌من‌ قبيح دون قبيح ‌و‌ تسمى التوبه المبعضه ‌ام‌ لا؟
 فذهب ابوهاشم ‌و‌ جماعه الى عدم الصحه، قالوا: لان التوبه عن القبيح انما ‌هو‌ لقبحه ‌و‌ ‌هو‌ عام، فلو تاب ‌من‌ قبيح دون قبيح كشف ذلك عن كونه تائبا ‌لا‌ لقبحه.
 ‌و‌ ذهب الجمهور ‌من‌ الفريقين الى الصحه، قالوا: لان الافعال تقع بحسب الدواعى ‌و‌ تنتفى بحسب الصوارف، فاذا ترجح الداعى وقع الفعل، فجاز ‌ان‌ يرجح فاعل القبائح دواعيه الى الندم عليها، ‌و‌ ذلك بان يقترن بعض القبائح بامر زائد، كعظم الذنب ‌او‌ كثره الزواجر عنه ‌او‌ الشناعه عند العقلاء عند فعله، فان الافعال الكثيره قد تشترك ‌فى‌ الدواعى ثم يوثر صاحب الدواعى بعض تلك الافعال على بعض، بان يرجح دواعيه الى ذلك الفعل بما يقترن ‌به‌ ‌من‌ زياده الدواعى، فلا
 
استبعاد ‌فى‌ كون قبح الفعل داعيا الى الندم على ذلك البعض، ‌و‌ لو اشتركت القبائح ‌فى‌ قوه الدواعى اشتركت ‌فى‌ وقوع الندم، ‌و‌ لم يصح الندم على بعض دون آخر.
 قال المحقق الطوسى: ‌و‌ ‌به‌ يتاول كلام اميرالمومنين عليه السلام ‌و‌ اولاده عليهم السلام ‌و‌ الا لزم الحكم ببقاء الكفر على التائب منه المقيم على صغيره.
 ‌و‌ قال العلامه البهائى قدس سره ‌فى‌ شرح الاربعين: ‌و‌ الاصح صحه المبعضه، ‌و‌ الا لما صحت عن الكفر مع الاصرار على صغيره.
 ‌و‌ قال العلامه الحلى نور الله مرقده ‌و‌ لان اليهودى لو سرق درهما ثم تاب عن اليهوديه دون السرقه فانه يكون مسلما بالاجماع.
 الثالثه: ذهب بعض المعتزله الى ‌ان‌ التائب ‌ان‌ كان عالما بذنوبه على التفصيل وجب عليه التوبه عن كل واحد منها مفصلا، ‌و‌ ‌ان‌ علم بعضها مفصلا ‌و‌ بعضها مجملا وجب عليه التفصيل فيما علم مفصلا ‌و‌ الاجمال فيما علم مجملا.
 ‌و‌ قال العلامه البهائى: اما التوبه المجمله كان يتوب عن الذنوب على الاجمال ‌من‌ دون تفصيلها ‌و‌ ‌هو‌ ذاكر للتفصيل، فقد توقف فيها المحقق الطوسى، ‌و‌ القول بصحتها غير بعيد، اذ ‌لا‌ دليل على اشتراط التفصيل، ‌و‌ الله اعلم.
 الرابعه: اختلف ‌فى‌ التوبه الموقته مثل ‌ان‌ ‌لا‌ يذنب الى سنه، فذهب بعضهم الى بطلانها، لانه اذا ندم على ذنب ‌فى‌ وقت ‌و‌ لم يندم عليه ‌فى‌ وقت آخر ظهر انه لم يندم
 
عليه لقبحه، ‌و‌ الا ندم عليه ‌فى‌ جميع الاوقات، ‌و‌ اذا لم يكن ندمه لقبحه لم يكن توبه.
 ‌و‌ ذهب آخرون الى صحتها كما ‌فى‌ الواجبات، فانه قد ياتى المامور ببعضها ‌فى‌ بعض الاوقات دون بعضها، ‌و‌ يكون الماتى ‌به‌ صحيحا ‌فى‌ نفسه بلا توقف على غيره، مع ‌ان‌ العله المقتضيه للاتيان بالواجب هى كون الفعل حسنا واجبا، غايته انه اذا عصى بعد ذلك جدد ذلك الذنب وجوب توبه اخرى عليه.
 ‌و‌ الحق ‌ان‌ اشتراط العزم على عدم العود ابدا يقتضى بطلانها، فمن اشترطه- ‌و‌ ‌هم‌ الشيعه ‌و‌ المعتزله- قال بالبطلان، ‌و‌ ‌من‌ لم يشترطه- ‌و‌ ‌هم‌ الاشاعره- قال بالصحه. لكن صرح بعضهم ‌ان‌ النادم على المعصيه ‌لا‌ يخلو ‌من‌ ذلك العزم البته على تقدير الحضور ‌و‌ الاقتدار.
 الخامسه: قال شيخنا البهائى قدس سره ‌فى‌ شرح الاربعين: العزم على عدم العود الى الذنب فيما بقى ‌من‌ العمر لابد منه ‌فى‌ التوبه.
 ‌و‌ هل امكان صدوره منه ‌فى‌ بقيه العمر شرط، حتى لوزنا ثم جب ‌و‌ عزم على ‌ان‌ ‌لا‌ يعود الى الزنا على تقدير قدرته عليه لم تصح توبته، ‌ام‌ ليس بشرط فتصح؟ الاكثر على الثانى، بل نقل بعض المتكلمين اجماع السلف عليه.
 ‌و‌ اولى ‌من‌ هذا بصحه التوبه ‌من‌ تاب ‌فى‌ مرض مخوف غلب على ظنه الموت فيه، اما التوبه عند حضور الموت ‌و‌ تيقن الفوت، ‌و‌ ‌هو‌ المعبر عنه بالمعاينه، فقد انعقد الاجماع على عدم صحتها، ‌و‌ نطق بذلك القرآن العزيز، قال سبحانه: «و ليست التوبه للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال انى تبت الان ‌و‌ ‌لا‌ الذين يموتون ‌و‌ ‌هم‌ كفار اولئك اعتدنا لهم عذابا اليما».
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌ان‌ الله يقبل توبه العبد ‌ما‌ لم يغرغر.
 ‌و‌ الغرغره: تردد الماء ‌و‌ غيره ‌من‌ الاجسام المائعه ‌فى‌ الحلق، ‌و‌ المراد تردد الروح وقت النزع.
 
و قد روى محدثوا الاماميه عن ائمه اهل البيت عليهم السلام احاديث متكثره ‌فى‌ انه ‌لا‌ تقبل التوبه عند حضور الموت ‌و‌ ظهور علاماته ‌و‌ مشاهده اهواله.
 ‌و‌ ربما علل ذلك بان الايمان برهانى، ‌و‌ مشاهده تلك العلامات ‌و‌ الاهوال ‌فى‌ ذلك الوقت تصير الامر عيانا فيسقط التكليف، كما ‌ان‌ اهل الاخره لما صارت معارفهم ضروريه سقطت التكاليف عنهم.
 قال بعض المفسرين: ‌و‌ ‌من‌ لطف الله بالعباد ‌ان‌ امر قابض الارواح بالابتداء ‌فى‌ نزعها ‌من‌ اصابع الرجلين، ثم تصعد شيئا فشيئا الى ‌ان‌ تصل الى الصدر، ثم تنتهى الى الحلق، ليتمكن ‌فى‌ هذه المهله ‌من‌ الاقبال على الله تعالى، ‌و‌ الوصيه، ‌و‌ التوبه ‌ما‌ لم يعاين، ‌و‌ الاستحلال، ‌و‌ ذكر الله سبحانه فتخرج روحه ‌و‌ ذكر الله على لسانه فيرجى بذلك حسن خاتمته، رزقنا الله ذلك بمنه ‌و‌ كرمه.
 
قوله عليه السلام: «محكم كتابك» اما ‌من‌ باب اضافه الصفه الى الموصوف، اى: كتابك المحكم، لقوله تعالى: «كتاب احكمت آياته».
 ‌و‌ المراد باحكامه: اتقانه ‌و‌ عدم تطرق النقض ‌و‌ الاختلال اليه.
 ‌و‌ اضافه الصفه الى الموصوف جائزه ‌فى‌ الفصيح عند الكوفيين، ‌و‌ مال الى ذلك جماعه ‌من‌ المحققين، ‌و‌ الحق انه كثير ‌لا‌ يمكن دفعه، ‌و‌ تاويل كل ذلك تكلف.
 ‌و‌ اما ‌من‌ باب اضافه النوع الى الجنس، فان ‌من‌ القرآن ‌ما‌ ‌هو‌ محكم ‌و‌ منه ‌ما‌ ‌هو‌ متشابه، قال تعالى: «هو الذى انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ‌ام‌ الكتاب ‌و‌ اخر متشابهات».
 
و اختلف ‌فى‌ تفسير المحكم ‌و‌ المتشابه على اقوال سنذكرها ‌فى‌ الروضه الثانيه ‌و‌ الاربعين ‌ان‌ شاء الله، ‌و‌ نكتفى هنا بما روى عنهم عليهم السلام: ‌ان‌ المحكم ‌ما‌ يعمل ‌به‌ ‌و‌ المتشابه ‌ما‌ اشتبه على جاهله.
 ‌و‌ قال على ‌بن‌ ابراهيم: المحكم: ‌ما‌ استغنى بتنزيله عن تاويله، كقوله تعالى: « حرمت عليكم الميته ‌و‌ الدم ‌و‌ لحم الخنزير» ‌و‌ المتشابه: ‌ما‌ لفظه واحد معناه مختلف كالفتنه.
 ‌و‌ قوله: «انك تقبل التوبه ‌و‌ تعفو عن السيئات» اشاره الى قوله تعالى ‌فى‌ سوره الشورى: «و ‌هو‌ الذى يقبل التوبه عن عباده ‌و‌ يعفو عن السيئات ‌و‌ يعلم ‌ما‌ تفعلون».
 ‌و‌ اللام ‌فى‌ التوبه: لتعريف الحقيقه، ‌و‌ هى هنا تفيد الاستغراق، لان المقصود بها الماهيه ‌من‌ حيث وجودها ‌فى‌ الخارج ‌فى‌ ضمن جميع افرادها، ‌و‌ هى التى تخلفها «كل» حقيقه، نحو: «خلق الانسان ضعيفا».
 ‌و‌ المعنى: يقبل كل توبه.
 ‌و‌ عدم استثناء توبه المعاين- ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ حضره الموت- اما لعدم اعتدادها توبه، كما اشار اليه سبحانه بقوله: «قال انى تبت الان»، قال بعض محققى المفسرين: ايثار «قال» على «تاب» لاسقاط ذلك عن درجه الاعتبار، ‌و‌ التحاشى عن تسميته توبه.
 
و اما لبيان حكمها ‌فى‌ محل آخر ‌من‌ القرآن، فكان ذكره فيما ذكر فيه ذكرا له فيما لم يذكر فيه، لان القرآن ‌فى‌ حكم كلام واحد ‌و‌ ‌لا‌ يجوز فيه التناقض، كما نص عليه الزمخشرى ‌فى‌ قوله تعالى: «ان الله يغفر الذنوب جميعا».
 قوله عليه السلام: «و تحب التوابين» اشاره الى قوله تعالى ‌فى‌ سوره البقره: «ان الله يحب التوابين ‌و‌ يحب المتطهرين».
 ‌و‌ التواب: صيغه مبالغه، ‌و‌ هى اما باعتبار الكيفيه، فيكون معناه، ‌من‌ ‌لا‌ يعود الى الذنب بعد التوبه ابدا، ‌و‌ اما باعتبار الكميه، فيكون معناه: كثير التوبه، اى: كلما جدد ذنبا جدد توبه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث ‌من‌ طرق الخاصه ‌و‌ العامه: ‌ان‌ الله يحب ‌من‌ عباده المفتن التواب، اى: الممتحن بالذنوب، ‌من‌ فتنه بمعنى: امتحنه، اى: يمتحن بالذنب ثم يتوب، ثم يعود ثم يتوب.
 ‌و‌ معنى ‌ان‌ الله يحب التوابين ‌و‌ يحب المتطهرين: انه يحب التوابين ‌من‌ النجاسات الباطنه ‌و‌ هى الذنوب، ‌و‌ يحب المتطهرين ‌من‌ النجاسات الظاهره.
 ‌و‌ قيل: يحب التوابين ‌من‌ الكبائر ‌و‌ يحب المتطهرين ‌من‌ الصغائر.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام: اذا تاب العبد توبه نصوحا احبه الله فستر عليه ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره.
 قوله عليه السلام: «فاقبل توبتى كما وعدت» الفاء: فصيحه، اى: اذا كان هذا قولك فاقبل توبتى. ‌و‌ الكاف: للتعليل، اى: لوعدك بقبول التوبه، ‌او‌ للتشبيه ‌من‌ باب وضع الخاص موضع العام، اذ قبول التوبه ‌و‌ الوعد يشتركان ‌فى‌ امر ‌و‌ ‌هو‌
 
الاحسان، فهو ‌فى‌ الاصل بمنزله «و احسن كما احسن الله اليك»، ثم عدل عن ذلك الاصل الى خصوصيه المطلوب ‌و‌ ‌هو‌ القبول ‌و‌ الوعد. ‌و‌ قد تقدم هذا البيان ‌فى‌ نظير هذه العباره ‌فى‌ الرياض السابقه. ‌و‌ قس على ذلك قوله عليه السلام: «كما ضمنت» ‌و‌ «كما شرطت». ‌و‌ ضمنت الشى ء ضمانا- ‌من‌ باب علم-: كفلته ‌و‌ التزمته، ‌و‌ الشرط: الزام الشى ء ‌و‌ التزامه، يقال: شرطت عليه ذلك شرطا- ‌من‌ باب قتل- اى: الزمته اياه، ‌و‌ شرطت له ذلك اى: التزمته له، ‌و‌ ‌هو‌ معنى قوله: «كما شرطت» اى: التزمت، هذا.
 ‌و‌ لما كان الشرط ‌من‌ قبيل ربط الاحكام بالاسباب، ‌و‌ كان مفهوم قوله تعالى: «ان الله يحب التوابين» ‌من‌ تاب احبه الله تعالى، عبر عن حكمه سبحانه على نفسه بمحبه التوابين بالشرط، فقال: «كما شرطت»، ‌و‌ لم يقل: كما قلت ‌او‌ كما اخبرت، ايذانا بلزوم الجزاء ‌و‌ الزاما بالانجاز ‌و‌ الوفاء، اذا كان الجزاء لازما للشرط ‌و‌ الشرط ملزوما له.
 ‌و‌ آثر التعبير بذلك ‌فى‌ طلب محبته تعالى دون غيرها مما تقدم اعتناء بشانها ‌و‌ اهتماما بحصولها، اذ كانت هى بيت القصيده ‌و‌ فراء المصيده، ‌و‌ هذا ‌من‌ بقر خواصر البلاغه ‌و‌ اصابه شواكل البيان.
 فان قلت: لم قال ‌فى‌ هذه الفقره: «و اوجب لى محبتك»، ‌و‌ لم يقل: ‌و‌ احبنى كما قال: «فاقبل توبتى ‌و‌ اعف عن سيئاتى»؟ ‌و‌ ‌من‌ اين فهم ايجاب شرطه تعالى لمحبه التوابين حتى عبر بذلك؟
 قلت: فهم الايجاب ‌من‌ تاكيد النسبه ‌و‌ تحقيق الحكم ب«ان» الموكده ‌فى‌ قوله تعالى: «ان الله يحب التوابين»، اذ كان التاكيد بها موذنا بتحقق مضمونها ‌و‌ موجبا
 
للجزم بحصوله، ‌و‌ انه واجب ثابت ‌لا‌ محاله، ‌و‌ الايجاب هنا مراد ‌به‌ معناه اللغوى، ‌من‌ وجب الشى ء: اذا لزم ‌و‌ ثبت، ‌و‌ الله اعلم.
 
الواو: اما ابتدائيه ‌او‌ حاليه، اى: ‌و‌ الحال ‌ان‌ لك ‌يا‌ رب شرطى.
 ‌و‌ الاعتراض بالنداء بين المبتدا ‌و‌ خبره للمبالغه ‌فى‌ التضرع، ‌و‌ اطهار كمال الخضوع، ‌و‌ عرض الاعتراف بربوبيته مع الايمان به.
 ‌و‌ تقديم المسند على المسند اليه لافاده التخصيص ‌اى‌ شرطى مقصور على الحصول لك ‌لا‌ يتجاوره الى الحصول لغيرك.
 ‌و‌ شرطى اى: التزامى.
 ‌و‌ ان: مصدريه ‌فى‌ محل نصب بشرطى. ‌و‌ المعنى: لك التزامى عدم العود فيما تكرهه، ‌و‌ قس على ذلك ‌ما‌ بعده.
 ‌و‌ الضمان هنا بمعنى الالتزام ايضا
 ‌و‌ تعديه العود ‌و‌ الرجوع ب«فى» اما لمرادفتها الى، نحو قوله تعالى: «فردوا ايديهم ‌فى‌ افواههم» ‌اى‌ الى افواههم، ‌او‌ لتضمينهما معنى التمكن ‌او‌ الدخول، اى: متمكنا ‌او‌ داخلا ‌فى‌ مكروهك ‌و‌ ‌فى‌ مذمومك قال الرضى: قيل: «فى» بمعنى «الى» ‌فى‌ قوله تعالى: «فردوا ايديهم ‌فى‌ افواههم»، ‌و‌ الاولى ‌ان‌ نقول: هى بمعناها ‌و‌ المراد التمكن انتهى.
 ‌و‌ العهد هنا بمعنى الموثق.
 ‌و‌ هجرت الشى ء هجرا- ‌من‌ باب قتل: تركته ‌و‌ رفضته.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^