فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 33

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ اياه نستعين


 
 الحمد لله الذى يخلق ‌ما‌ يشاء ‌و‌ يختار، ‌ما‌ كان لهم الخيره، سبحان الله ‌و‌ تعالى عما يشركون. ‌و‌ ‌هو‌ الله ‌لا‌ اله الا هو، له الحمد ‌فى‌ الاولى ‌و‌ الاخره ‌و‌ له الحكم ‌و‌ اليه ترجعون. والصلاه والسلام على نبيه المختار، ‌من‌ اشرف نجار ، الصادع بقوله الصادق، «ما حار ‌من‌ استخار ‌و‌ ‌لا‌ ندم ‌من‌ استشار» ‌و‌ على آله شموس الولايه ‌و‌ نجوم الهدايه، الساده الاطهار ، والقاده الابرار.
 ‌و‌ بعد: فهذه الروضه الثالثه والثلاثون ‌من‌ رياض السالكين، ‌فى‌ شرح الدعاء الثالث ‌و‌ الثلاثين ‌من‌ صحيفه سيدالعابدين عليه السلام، املاء راجى فضل ربه السنى، على ‌بن‌ احمد الحسينى الحسنى خار الله لهما ‌و‌ بلغهما املهما.
 
استخرت الله استخاره: طلبت منه الخيره ‌و‌ هى اسم ‌من‌ الاختيار، كالفديه ‌من‌ الافتداء.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: استخرت الله ‌فى‌ ذلك، فخار لى: ‌اى‌ طلبت منه خير الامرين، فاختاره لى.
 ‌و‌ اصل الاستخاره: الاستخيار، على وزن استفعال. نقلت حركه عينه الى فائه الساكنه قبلها ‌و‌ قلبت العين الفا، ثم حذفت لالتقاء الساكنين ‌و‌ عوض عنها تاء التانيث. ‌و‌ هذا مطرد ‌فى‌ مصدر «استفعل» معتل العين، كاستقام استقامه ‌و‌ استعاذ استعاذه.
 فالاستخاره: استفعال ‌من‌ الخير.
 ‌و‌ قال محمد ‌بن‌ ادريس العجلى قدس الله روحه ‌فى‌ كتابه المترجم بالسرائر: الاستخاره ‌فى‌ كلام العرب: الدعاء. ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ استخاره الوحش ‌و‌ ذلك ‌ان‌ ياخذ القانص ولد الظبيه فيعرك اذنه فيبغم، فاذا سمعت امه بغامه لم تملك ‌ان‌ تاتيه،
 
فترمى بنفسها عليه فياخذها القانص. قال حميد ‌بن‌ ثور الهلالى ‌و‌ ذكر ظبيه ‌و‌ ولدها ‌و‌ دعاوه لها لما اخذه القانص، فقال:
 رات مستخيرا فاستزال فوادها
 بمحنته يبدو لها ‌و‌ يغيب
 اراد رات داعيا. فكان معنى استخرت الله: استدعيته ارشادى. انتهى كلامه.
 ‌و‌ ‌هو‌ عجيب، فان استخاره الوحش- بالمعنى الذى ذكره- استفعال ‌من‌ الخوار- بالضم- ‌و‌ ‌هو‌ صوت البقر ‌و‌ الغنم ‌و‌ الظباء. ‌و‌ ‌هو‌ معتل، واوى، لان العين منه واو. ‌و‌ الاستخاره بمعنى الدعاء للارشاد الى خير الامرين معتل يائى، فكيف يكون هذا ‌من‌ ذاك؟ على ‌ان‌ الذى نص عليه ائمه اللغه كالزمخشرى ‌و‌ الجوهرى ‌ان‌ المنقول ‌من‌ استخاره الوحش، انما ‌هو‌ الاستخاره بمعنى الاستعطاف، ‌لا‌ بمعنى الدعاء.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: استخار الرجل صاحبه: استعطفه فخار عليه. ‌و‌ اصله ‌من‌ ‌ان‌ يثغو الغزال ‌و‌ الجوذر الى امه: يستخيرها، ‌اى‌ يطلب خوارها. ثم كثر حتى استعمل ‌فى‌ كل استعطاف ‌و‌ استرحام.
 قال الجوهرى: الاستخاره: الاستعطاف. يقال: ‌هو‌ ‌من‌ الخوار ‌و‌ الصوت.
 ‌و‌ اصله: ‌ان‌ الصائد ياتى ولد الظبيه ‌فى‌ كناسه فيعرك اذنه فيخور- ‌اى‌ يصيح- يستعطف بذلك امه ‌كى‌ يصيدها. قال الهذلى:
 لعلك اما ‌ام‌ عمرو تبدلت
 سواك خليلا شاتمى تستخيرها
 انتهى.
 ‌و‌ بالجمله فجعل الاستخاره بمعنى طلب الخيره منقولا ‌من‌ استخاره الوحش اما غلط منشاه اشتباه اللفظين عليه، ‌او‌ تعسف ‌لا‌ داعى اليه. ‌و‌ الله اعلم.
 
 
مقدمه
 
 لاريب ‌فى‌ استحباب الاستخاره عند العامه ‌و‌ الخاصه، ‌و‌ الاخبار بذلك مستفيضه ‌من‌ الطريقين:
 اما ‌من‌ طريق العامه. فروى البخارى ‌فى‌ صحيحه عن جابر ‌بن‌ عبدالله قال: كان رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم يعلمنا الاستخاره ‌فى‌ الامور كلها كالسوره ‌من‌ القرآن. يقول: «اذا ‌هم‌ احدكم بالامر فليركع ركعتين ‌من‌ غير الفريضه، ثم ليقل: اللهم انى استخيرك بعلمك، ‌و‌ استقدرك بقدرتك...» الى آخر الدعاء ‌و‌ سياتى.
 ‌و‌ روى الترمذى باسناده الى ابى بكر: ‌ان‌ النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله كان اذا اراد الامر، قال: اللهم خرلى، ‌و‌ اخترلى.
 ‌و‌ عن انس قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌يا‌ انس اذا هممت بامر فاستخر ربك فيه سبع مرات، ثم انظر الى الذى سبق الى قلبك، فان الخير فيه.
 ‌و‌ روى الحاكم بسنده ‌فى‌ صحيح المستدرك عنه صلى الله عليه ‌و‌ آله قال: «من سعاده ابن آدم استخارته الله، ‌و‌ ‌من‌ شقوته تركه استخاره الله».
 ‌و‌ اما ‌من‌ طريق الخاصه: فالروايات فيها اكثر ‌من‌ ‌ان‌ تحصى. فمن ذلك ‌ما‌ رواه
 
ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند صحيح قال: قال ابوعبدالله عليه السلام: صل ركعتين، ‌و‌ استخر الله. فو الله ‌ما‌ استخار الله مسلم الا خار له البته.
 ‌و‌ روى البرقى ‌فى‌ محاسنه عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: ‌من‌ شقاء عبدى ‌ان‌ يعمل الاعمال فلا يستخيرنى.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: انه قال: ‌ما‌ ابالى اذا استخرت على ‌اى‌ طرفى وقعت. ‌و‌ كان ابى يعلمنى الاستخاره كما يعلمنى السوره ‌من‌ القرآن.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌من‌ دخل ‌فى‌ امر بغير استخاره ثم ابتلى لم يوجر.
 ‌و‌ روى الطوسى ‌فى‌ اماليه عن اميرالمومنين عليه السلام قال: لما ولانى النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله على اليمن، قال لى ‌و‌ ‌هو‌ يوصينى: ‌يا‌ على ‌ما‌ حار ‌من‌ استخار، ‌و‌ ‌لا‌ ندم ‌من‌ استشار.
 الى غير ذلك ‌من‌ الاخبار البالغه جملتها ‌حد‌ التواتر.
 اذا عرفت ذلك فهنا مسائل:
 الاولى: ذكر الشيخ المفيد قدس سره ‌فى‌ الرساله العزيه: انه ‌لا‌ ينبغى للانسان ‌ان‌ يستخير الله تعالى ‌فى‌ شى ء مما نهاه عنه، ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ اداء فرض. ‌و‌ انما الاستخاره ‌فى‌ المباح، ‌و‌ ترك نفل الى نفل ‌لا‌ يمكنه الجمع بينهما كالحج ‌و‌ الجهاد تطوعا، ‌او‌ لزياره مشهد دون آخر، ‌او‌ صله اخ دون آخر.
 الثانيه: ‌من‌ آداب المستخير ‌ان‌ يطهر ظاهره ‌من‌ الحدث ‌و‌ الخبث، ‌و‌ باطنه ‌من‌ الشك ‌و‌ الريب، ‌و‌ ‌ان‌ يصلى ركعتين، يقرا فيهما بعد الحمد ماشاء ‌و‌ يقنت ‌فى‌ الثانيه، ‌و‌ ‌ان‌ يتادب ‌فى‌ صلاته كما يتادب السائل المسكين، ‌و‌ ‌ان‌ يقبل على الله بقلبه ‌فى‌
 
صلاته ‌و‌ دعائه الى وقت فراغه، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يكلم احدا ‌فى‌ اثناء الاستخاره. فعن الصادق عليه السلام: كان ابى اذا اراد الاستخاره ‌فى‌ الامر، توضا ‌و‌ صلى ركعتين، ‌و‌ ‌ان‌ كانت الخادمه لتكلمه، فيقول: سبحان الله، ‌و‌ ‌لا‌ يتكلم حتى يفرغ.
 ‌و‌ قال الجواد عليه السلام لعلى ‌بن‌ اسباط: ‌و‌ ‌لا‌ تكلم احدا بين اضعاف الاستخاره حتى تتم مائه مره.
 ‌و‌ اذا خرجت الاستخاره مخالفه لمراده فلا يقابلها بالكراهه، بل بالشكر على ‌ان‌ جعله الله تعالى اهلا لان يستشيره.
 الثالثه: للاستخاره انواع وردت بها الاخبار عنهم (عليهم السلام):
 منها: الاستخاره بالدعاء. ‌و‌ فيها روايات:
 منها: ‌ما‌ رواه الطبرسى ‌فى‌ مكارم الاخلاق مرفوعا عن جابر ‌بن‌ عبدالله قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) يعلمنا الاستخاره كما يعلمنا السوره ‌من‌ القرآن. يقول: اذا ‌هم‌ احدكم بامر فليركع ركعتين ‌من‌ غير الفريضه، ثم ليقل: اللهم انى استخيرك بعلمك، ‌و‌ استقدرك بقدرتك ‌و‌ اسالك ‌من‌ فضلك العظيم، فانك تقدر ‌و‌ ‌لا‌ اقدر، ‌و‌ تعلم ‌و‌ ‌لا‌ اعلم، ‌و‌ انت علام الغيوب. اللهم ‌ان‌ كنت تعلم هذا الامر، ‌و‌ تسميه خيرا لى ‌فى‌ دينى ‌و‌ معاشى ‌و‌ عاقبه امرى فاقدره لى، ‌و‌ يسره لى، ‌و‌ بارك لى فيه. ‌و‌ ‌ان‌ كنت تعلم انه شرلى ‌فى‌ دينى ‌و‌ معاشى ‌و‌ عاقبه امرى فاصرفه عنى، ‌و‌ اصرفنى عنه، ‌و‌ اقدر لى الخير حيثما كان، ‌و‌ رضنى به».
 ‌و‌ هذه الروايه هى التى ذكرها البخارى ‌فى‌ صحيحه مع تفاوت يسير ‌فى‌ الفاظ الدعاء.
 قال النووى: «و اذا استخار مضى بعد هذا لما شرح له صدره».
 
و منها ‌ما‌ رواه الطبرسى- ايضا- ‌فى‌ الكتاب المذكور، قال: «كان اميرالمومنين عليه السلام يصلى ركعتين ‌و‌ يقول ‌فى‌ دبرهما: استخير الله مائه مره، ثم يقول: اللهم انى قد هممت بامر قد علمته، فان كنت تعلم انه خير ‌فى‌ دينى ‌و‌ دنياى ‌و‌ آخرتى فيسره لى. ‌و‌ ‌ان‌ كنت تعلم انه ‌شر‌ لى ‌فى‌ دينى ‌و‌ دنياى ‌و‌ آخرتى، فاصرفه عنى كرهت نفسى ذلك ‌ام‌ احبت. فانك تعلم، ‌و‌ ‌لا‌ اعلم، ‌و‌ انت علام الغيوب ثم يعزم».
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن جابر عن ابى جعفر عليه السلام قال: «كان على ‌بن‌ الحسين عليه السلام اذا ‌هم‌ بامر ‌حج‌ ‌او‌ عمره ‌او‌ بيع ‌او‌ شراء ‌او‌ عتق تطهر ثم صلى ركعتى الاستخاره، فقرا فيهما بسوره الرحمن ‌و‌ الحشر ‌و‌ المعوذتين ‌و‌ ‌قل‌ ‌هو‌ الله احد، ثم قال: اللهم ‌ان‌ كان كذا ‌و‌ كذا خيرا لى ‌فى‌ دينى ‌و‌ دنياى ‌و‌ آخرتى، ‌و‌ عاجل امرى ‌و‌ آجله فيسره لى على احسن الوجوه ‌و‌ اجملها. ‌و‌ ‌ان‌ كان كذا ‌و‌ كذا شرا لى ‌فى‌ دينى ‌و‌ دنياى ‌و‌ آخرتى ‌و‌ عاجل امرى ‌و‌ آجله، فاصرفه عنى على احسن الوجوه. رب اعزم على رشدى، ‌و‌ ‌ان‌ كرهت ذلك ‌و‌ ابته نفسى».
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه: اخرى: «و ‌ان‌ كرهت ‌او‌ احبت ذلك نفسى. بسم الله الرحمن الرحيم ماشاء الله ‌لا‌ حول ‌و‌ ‌لا‌ قوه الا بالله، حسبى الله ‌و‌ نعم الوكيل ثم يمضى ‌و‌ يعزم».
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ ذكره ‌فى‌ مكارم الاخلاق: ‌ان‌ رجلا جاء الى ابى عبدالله عليه السلام، فقال له: جعلت فداك، انى ربما ركبت الحاجه، فاندم عليها، فقال له: «اين انت عن الاستخاره؟ فقال: اذا صليت صلاه الفجر، فقل بعد ‌ان‌ ترفع يديك، حذاء وجهك: اللهم انك تعلم ‌و‌ ‌لا‌ اعلم، ‌و‌ انت علام الغيوب، فصل على محمد
 
و آله، ‌و‌ خرلى ‌فى‌ جميع ‌ما‌ عزمت ‌به‌ ‌من‌ امورى خيار بركه ‌و‌ عافيه».
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ رواه ‌فى‌ كتاب ‌من‌ ‌لا‌ يحضره الفقيه: ‌ان‌ محمد ‌بن‌ خالد القسرى، سال اباعبدالله عليه السلام عن الاستخاره، فقال: «استخر الله ‌فى‌ آخر ركعه ‌من‌ صلاه الليل، ‌و‌ انت ساجد، قال: كيف اقول؟ قال: تقول: استخير الله برحمته، استخير الله برحمته».
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى، ‌و‌ شيخ الطائفه ‌فى‌ التهذيب، عن اسحاق ‌بن‌ عمار، قال: قلت لابى عبدالله عليه السلام: ربما اردت الامر تفرق منى فريقان، احدهما يامرنى ‌و‌ الاخر ينهانى. فقال لى: «اذا كنت كذلك فصل ركعتين، ‌و‌ استخر الله مائه مره ‌و‌ مره، ثم انظر احزم الامرين لك فافعله فان الخيره فيه ‌ان‌ شاء الله. ولتكن استخارتك ‌فى‌ عافيه، فانه ربما خير للرجل ‌فى‌ قطع يده، ‌و‌ موت ولده، ‌و‌ ذهاب ماله».
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام، ‌و‌ رئيس المحدثين ‌فى‌ الفقيه عن مرازم، قال: قال لى ابوعبدالله عليه السلام: «اذا اراد احدكم شيئا فليصل ركعتين، ثم ليحمد الله ‌و‌ ليثن عليه، ‌و‌ ليصل على محمد ‌و‌ على اهل بيته، ‌و‌ يقول: اللهم ‌ان‌ كان هذا الامر خيرا لى ‌فى‌ دينى ‌و‌ دنياى فيسره لى ‌و‌ اقدره. ‌و‌ ‌ان‌ كان غير ذلك فاصرفه عنى» فسالته: ‌اى‌ شى ء اقرا فيهما؟ فقال: «اقرا فيهما ‌ما‌ شئت، ‌ان‌ شئت قرات فيهما ‌قل‌ ‌هو‌ الله احد، ‌و‌ ‌قل‌ ‌يا‌ ايها الكافرون».
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه الفقيه: «و ‌قل‌ ‌هو‌ الله احد تعدل ثلث القرآن».
 
و منها: ‌ما‌ روى عن الصادق عليه السلام قال: «اذا عرضت لاحدكم حاجه فليستشر ربه. فان اشار عليه اتبع، ‌و‌ ‌ان‌ لم يشر عليه توقف. فقيل له: كيف يفعل؟ قال: « يسجد عقيب المكتوبه، ‌و‌ يقول: اللهم خرلى ثم ينظر ‌ما‌ الهم فيفعل. فهو الذى اشار عليه ربه ‌عز‌ ‌و‌ جل».
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ رواه البرقى باسناده عن هارون ‌بن‌ خارجه، قال: سمعت اباعبدالله عليه السلام، يقول: «اذا اراد احدكم امرا فلا يشاورن فيه احدا حتى يبدا فيشاور الله»، قلت: ‌و‌ ‌ما‌ مشاوره الله؟ قال: «يبدا فيستخير الله فيه اولا، ثم يشاور فيه. فانه اذا بدا بالله تبارك ‌و‌ تعالى اجرى الله الخيره له على لسان ‌من‌ يشاء ‌من‌ الخلق».
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ رواه رئيس المحدثين ‌فى‌ الفقيه عن حماد ‌بن‌ عثمان، عن الصادق عليه السلام قال: ‌فى‌ الاستخاره، ‌ان‌ يستخير الله الرجل ‌فى‌ آخر سجده ‌من‌ ركعتى الفجر مائه مره ‌و‌ مره، ‌و‌ يحمد الله ‌و‌ يصلى على النبى ‌و‌ آله، ثم يستخير الله خمسين مره، ثم يحمد الله ‌و‌ يصلى على النبى ‌و‌ آله ‌و‌ يتم المائه ‌و‌ مره».
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ رايته ‌فى‌ كتاب عندنا منسوب الى الرضا عليه السلام: «اذا اردت امرا فصل ركعتين، ‌و‌ استخر الله مائه مره ‌و‌ مره ‌و‌ ‌قل‌ ‌فى‌ دعائك: ‌لا‌ اله الا الله العلى العظيم، ‌لا‌ اله الا الله الحليم الكريم، رب بحق محمد ‌و‌ على، خرلى ‌فى‌ امر كذا ‌و‌ كذا للدنيا ‌و‌ الاخره خيره ‌من‌ عندك، مالك فيه رضا ولى فيه صلاح، ‌فى‌ خير ‌و‌ عافيه، ‌يا‌ ذا المن ‌و‌ الطول».
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى باسناده عن ابن فضال، قال: سال الحسن ‌بن‌ الجهم اباالحسن عليه السلام، لابن اسباط، فقال: ‌ما‌ ترى له- ‌و‌ ابن
 
اسباط حاضر، ‌و‌ نحن جميعا- يركب البر ‌او‌ البحر الى مصر، ‌و‌ اخبره بخبر طريق البر؟ فقال: «فات المسجد ‌فى‌ غير وقت صلاه الفريضه، فصل ركعتين، ‌و‌ استخر الله مائه مره، ثم انظر، ‌اى‌ شى ء يقع ‌فى‌ قلبك فاعمل به. ‌و‌ قال له الحسن: البر احب الى، قال: «و الى».
 ‌و‌ منها: الاستخاره بالمصحف. ‌و‌ هى انواع:
 منها: ‌ما‌ رواه شيخ الطائفه ‌فى‌ التهذيب بسنده الى اليسع القمى، قال: قلت لابى عبدالله عليه السلام: اريد الشى ء فاستخير الله، فلا يوفق فيه الراى، افعله ‌او‌ ادعه؟ فقال: «انظر اذا قمت الى الصلاه- فان الشيطان ابعد ‌ما‌ يكون ‌من‌ الانسان اذا قام الى الصلاه- ‌اى‌ شى ء يقع ‌فى‌ قلبك فخذ به. ‌و‌ افتح المصحف، فانظر الى اول ‌ما‌ ترى فيه فخذ ‌به‌ ‌ان‌ شاء الله».
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ ذكره الطبرسى ‌فى‌ كتاب مكارم الاخلاق: «يصلى صلاه جعفر فاذا فرغ دعى بدعائها ثم ينوى فرج ‌آل‌ محمد، بدءا ‌و‌ عودا، ثم يقول: اللهم ‌ان‌ كان ‌فى‌ قضائك ‌و‌ قدرك ‌ان‌ تفرج عن وليك ‌و‌ حجتك ‌فى‌ خلقك ‌فى‌ عامنا هذا، ‌او‌ شهرنا هذا، فاخرج لنا راس آيه ‌من‌ كتابك، نستدل بها على ذلك. ثم يعد سبع ورقات، ‌و‌ يعد عشره اسطر ‌من‌ ظهر الورقه السابعه، ‌و‌ ينظر ‌ما‌ ياتيه ‌فى‌ الحادى عشر ‌من‌ السطور، ثم يعيد الفعل ثانيا لنفسه، فانه تتبين حاجته ‌ان‌ شاء الله».
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ نقل ‌من‌ ‌خط‌ العلامه الحسن ‌بن‌ المطهر الحلى (طاب ثراه) روى عن الصادق عليه السلام قال: «اذا اردت الاستخاره ‌من‌ الكتاب العزيز، فقل بعد البسمله: اللهم ‌ان‌ كان ‌فى‌ قضائك ‌و‌ قدرك ‌ان‌ تمن على شيعه ‌آل‌ محمد بفرج وليك ‌و‌ حجتك على خلقك، فاخرج الينا آيه ‌من‌ كتابك، نستدل بها على ذلك.
 
ثم تفتح المصحف، ‌و‌ تعد ست ورقات، ‌و‌ ‌من‌ السابعه سته اسطر، ‌و‌ تنظر ‌ما‌ فيه».
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ ذكره السيد الجليل على ‌بن‌ طاووس ‌فى‌ كتاب الاستخارات. ‌ان‌ المتفئل بالمصحف يقرا الحمد ‌و‌ آيه الكرسى، ‌و‌ قوله تعالى: «و عنده مفاتح الغيب» الايه. ثم يقول: اللهم ‌ان‌ كان ‌فى‌ قضائك ‌و‌ قدرك ‌ان‌ تمن على امه نبيك بظهور وليك ‌و‌ ابن بنت نبيك، فعجل ذلك ‌و‌ سهله ‌و‌ يسره ‌و‌ كمله، ‌و‌ اخرج لى آيه استدل بها على امر فائتمر، ‌او‌ نهى فانتهى، ‌و‌ ‌ما‌ اريد الفال فيه ‌فى‌ عافيه. ثم افتح المصحف وعد سبع قوائم، ثم عد ‌ما‌ ‌فى‌ الصفحه اليمنى ‌من‌ الورقه السابعه، ‌و‌ ‌ما‌ ‌فى‌ اليسرى ‌من‌ الورقه الثامنه ‌من‌ لفظ الجلاله، ثم عد قوائم بعدد الجلالات، ثم عد ‌من‌ الصفحه اليمنى ‌من‌ القائمه التى ينتهى اليها العدد اسطرا بعدد لفظ الجلاله، ‌و‌ تفال باخر سطر ‌من‌ ذلك يتبين لك الفال ‌ان‌ شاء الله تعالى».
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ نقل ‌و‌ اشتهر عن السيد المذكور ايضا: ‌من‌ اراد الاستخاره بالقرآن المجيد، فليقرا آيه الكرسى الى «هم فيها خالدون» ‌و‌ آيه «و عنده مفاتح الغيب» الى «مبين»، ثم يصلى على النبى عشرا، ثم يدعو بهذا الدعاء «اللهم انى توكلت عليك، ‌و‌ تفالت بكتابك، فارنى ‌ما‌ ‌هو‌ المكتوم ‌فى‌ سرك، المخزون ‌فى‌ غيبك، ‌يا‌ ذا الجلال ‌و‌ الاكرام. اللهم انت الحق، ‌و‌ انزلت الحق بمحمد صلى الله عليه ‌و‌ آله. اللهم ارنى الحق حقا حتى اتبعه، ‌و‌ ارنى الباطل باطلا حتى اجتنبه، برحمتك ‌يا‌ ارحم الراحمين. ثم تفتح المصحف ‌و‌ تعد الجلالات ‌من‌ الصفحه اليمنى، ‌و‌ تعد بعدد الجلالات اوراقا ‌من‌ الصفحه اليسرى، ثم تعد الاسطر بعدد الاوراق ‌من‌ الصفحه اليسرى، فما ياتى بعد ذلك فهو بمنزله الوحى.
 
و منها، الاستخاره بالرقاع. ‌و‌ ‌فى‌ كيفيتها روايات:
 منها: ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى عن على ‌بن‌ محمد، رفعه عنهم عليهم السلام: انه قال لبعض اصحابه، ‌و‌ قد ساله عن الامر يمضى فيه، ‌و‌ ‌لا‌ يجد احدا يشاوره، فكيف يصنع؟ قال: شاور ربك. قال فقال له: كيف؟ قال: انو الحاجه ‌فى‌ نفسك، ثم اكتب رقعتين، ‌فى‌ واحده «لا»، ‌و‌ ‌فى‌ واحده «نعم»، ‌و‌ اجعلهما ‌فى‌ بندقتين ‌من‌ طين، ثم صل ركعتين، ‌و‌ اجعلهما تحت ذيلك، ‌و‌ قل: ‌يا‌ الله انى اشاورك ‌فى‌ امرى هذا، ‌و‌ انت خير مستشار ‌و‌ مشير، فاشر على بما فيه صلاح ‌و‌ حسن عاقبه. ثم ادخل يدك فان كان فيها «نعم»، فافعل. ‌و‌ ‌ان‌ كان فيها «لا»، ‌لا‌ تفعل. هكذا تشاور ربك.
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ روى عن اميرالمومنين عليه السلام: يكتب بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم انى استخيرك خيار ‌من‌ فوض اليك امره، ‌و‌ اسلم اليك نفسه، ‌و‌ خلالك وجهه، ‌و‌ توكل عليك فيما تامره به. اللهم انصرنى ‌و‌ ‌لا‌ تنصر على، ‌و‌ اهدنى الى الخيرات، ‌و‌ ‌لا‌ تضلنى. اللهم ‌ان‌ كان الخير لى، ‌او‌ لفلان، ‌فى‌ كذا فخرلى اوله، انك على كل شى ء قدير. ‌و‌ يكتب ‌فى‌ رقعه «افعل» ‌و‌ ‌فى‌ اخرى «لا»، ‌و‌ يجعلان ‌فى‌ بندقتين، ‌و‌ يلقيان ‌فى‌ الماء، فايهما شقت الماء ‌و‌ ظهرت على الماء، عمل عليها ‌و‌ اهملت الاخرى.
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ ذكره الطبرسى ‌فى‌ المكارم عن عبدالرحمن ‌بن‌ سبابه قال: خرجت سنه الى مكه، ‌و‌ متاعى بز قد كسد على، قال: فاشار على اصحابنا الى ‌ان‌ ابعثه الى مصر، ‌او‌ الى اليمن، ‌و‌ اختلفت على آراوهم. فدخلت على العبد الصالح، بعد النفر بيوم ‌و‌ نحن بمكه فاخبرته بما اشار ‌به‌ اصحابنا، ‌و‌ قلت له: جعلت فداك، فما
 
ترى حتى انتهى الى ‌ما‌ تامرنى به؟ فقال لى: ساهم بين مصر ‌و‌ اليمن، ثم فوض ‌فى‌ ذلك امرك الى الله، فاى بلده خرج سهمها ‌من‌ الاسهم فابعث متاعك اليها، قلت: جعلت فداك، ‌و‌ كيف اساهم؟ قال: اكتب ‌فى‌ رقعه «بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم انت الله الذى ‌لا‌ اله الا انت، عالم الغيب ‌و‌ الشهاده، انت العالم، ‌و‌ انا المعلم، فانظرنى ‌فى‌ ‌اى‌ الامرين خير لى، حتى اتوكل عليك، ‌و‌ اعمل به»، ثم اكتب «مصر ‌ان‌ شاء الله»، ثم اكتب رقعه اخرى مثل ‌ما‌ ‌فى‌ الرقعه الاولى شيئا فشيئا، ثم اكتب «اليمن»، ثم اكتب رقعه اخرى مثل ‌ما‌ ‌فى‌ الرقعتين شيئا شيئا، ثم اكتب «يحبس المتاع ‌و‌ ‌لا‌ يبعث الى بلد منهما»، ثم اجمع الرقاع ‌و‌ ادفعهن الى بعض اصحابك فليسترها عنك، ثم ادخل يدك، فخذ رقعه ‌من‌ الثلاث، فايها وقعت ‌فى‌ يدك، فتوكل على الله، ‌و‌ اعمل بما فيها ‌ان‌ شاء الله.
 قال المولف: عملت بهذه الاستخاره عند التردد ‌فى‌ سلوك طريقين مخوفين ‌و‌ التوقف عن السفر، فخرجت رقعه بسلوك واحد ‌من‌ الطريقين، فسلكته، ‌و‌ لم ارالا خيرا.
 ‌و‌ منها: الاستخاره المشهوره التى مدار عمل الاصحاب عليها، ‌و‌ هى ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى عن غير واحد، عن سهل ‌بن‌ زياد، عن احمد ‌بن‌ محمد البصرى، عن القاسم ‌بن‌ عبدالرحمن الهاشمى، عن هارون ‌بن‌ خارجه، عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: اذا اردت امرا فخذست رقاع، فاكتب ‌فى‌ ثلاث منها «بسم الله الرحمن الرحيم، خيره ‌من‌ الله العزيز الحكيم لفلان ‌بن‌ فلانه، افعل» ‌و‌ ‌فى‌ ثلاث منها «بسم الله الرحمن الرحيم، خيره ‌من‌ الله العزيز الحكيم لفلان ‌بن‌ فلانه، ‌لا‌ تفعل»،
 
ثم ضعها تحت مصلاك، ثم صل ركعتين، فاذا فرغت فاسجد سجده، ‌و‌ ‌قل‌ فيها مائه مره: «استخير الله برحمته، خيره ‌فى‌ عافيه» ثم استو جالسا، ‌و‌ قل: «اللهم خرلى، ‌و‌ اخترلى ‌فى‌ جميع امورى ‌فى‌ يسر منك ‌و‌ عافيه، ثم اضرب بيدك الى الرقاع فشوشها ‌و‌ اخرج واحده، فان خرج ثلاث متواليات «افعل»، فافعل الامر الذى تريده، ‌و‌ ‌ان‌ خرج ثلاث متواليات «لا تفعل»، فلا تفعله، ‌و‌ ‌ان‌ خرجت واحده «افعل»، ‌و‌ الاخرى «لاتفعل»، فاخرج ‌من‌ الرقاع الى خمس، فانظر اكثرها فاعمل به، ودع السادسه، ‌لا‌ تحتاج اليها.
 ‌و‌ ذكر هذه الروايه شيخ الطائفه ‌فى‌ التهذيب ايضا لكن عن ثقه الاسلام، بالسند المذكور.
 ‌و‌ انكر ابن ادريس الاستخاره بالرقاع مطلقا، فقال ‌فى‌ السرائر: اما الرقاع ‌و‌ البنادق ‌و‌ القرعه فمن اضعف اخبار الاحاد ‌و‌ شواذ الاخبار، لان ‌من‌ رواتها فطحيه مطعونون، مثل زرعه ‌و‌ رفاعه، ‌و‌ غيرهما، فلا يلتفت الى ‌ما‌ اختصا بروايته، ‌و‌ ‌لا‌ يعرج عليه. ‌و‌ المحصلون ‌من‌ اصحابنا ‌ما‌ اختاروا ‌فى‌ كتب الفقه الا ‌ما‌ اخترناه ‌من‌ الاستخاره بالدعاء، ‌و‌ ‌لا‌ يذكرون البنادق ‌و‌ الرقاع ‌و‌ القرعه الا ‌فى‌ كتب العبادات، دون كتب الفقه، ‌و‌ شيخنا ابوجعفر الطوسى لم يذكر ‌فى‌ نهايته ‌و‌ مبسوطه ‌و‌ اقتصاده الا ‌ما‌ ذكرناه ‌و‌ اخترناه ‌و‌ لم يتعرض للبنادق، ‌و‌ كذلك المفيد ‌فى‌ رسالته الى ولده لم يتعرض للرقاع ‌و‌ البنادق، بل اورد روايات كثيره، فيها صلوات ‌و‌ ادعيه، ‌و‌ لم يتعرض لشى ء ‌من‌ الرقاع انتهى.
 ‌و‌ تعقبه العلامه الحلى ‌فى‌ كتاب المختلف، فقال: هذا الكلام ‌فى‌ غايه الرداءه، ‌و‌ ‌اى‌ فارق بين ذكره ‌فى‌ كتب الفقه، ‌و‌ كتب العبادات؟ فان كتب العبادات هى
 
المختصه به. ‌و‌ مع ذلك فقد ذكره المفيد ‌فى‌ المقنعه، ‌و‌ هى كتاب فقه ‌و‌ فتوى، ‌و‌ ذكره الشيخ ‌فى‌ التهذيب، ‌و‌ ‌هو‌ اصول الفقه، ‌و‌ ‌اى‌ محصل اعظم ‌من‌ هذين؟ ‌و‌ هل استفيد الفقه الا منهما؟
 ‌و‌ اما نسبه الروايه الى زرعه ‌و‌ رفاعه فخطا، فان المنقول فيه روايتان:
 احداهما: رواها هارون ‌بن‌ خارجه عن الصادق عليه السلام. ‌و‌ الثانيه: رواها محمد ‌بن‌ يعقوب الكلينى، عن على ‌بن‌ محمد رفعه عنهم عليهم السلام.
 ‌و‌ ليس ‌فى‌ طريق الروايتين زرعه ‌و‌ ‌لا‌ رفاعه. ‌و‌ اما نسبه زرعه ‌و‌ رفاعه الى الفطحيه فخطا، اما زرعه فانه واقفى، ‌و‌ كان ثقه، ‌و‌ اما رفاعه، فانه ثقه صحيح المذهب. ‌و‌ هذا كله يدل على قله معرفته بالروايات ‌و‌ الرجال، ‌و‌ كيف يجوز ممن حاله هذا ‌ان‌ يقدم على ‌رد‌ الروايات ‌و‌ الفتاوى، ‌و‌ يستبعد ‌ما‌ نص عليه الائمه عليهم السلام. ‌و‌ هلا استبعد القرعه، ‌و‌ هى مشروعه اجماعا ‌فى‌ ‌حق‌ الاحكام الشرعيه، ‌و‌ القضاء بين الناس، ‌و‌ شرعها دائم ‌فى‌ ‌حق‌ جميع المكلفين. ‌و‌ امر الاستخاره سهل يستخرج منه الانسان معرفه ‌ما‌ فيه الخيره ‌فى‌ بعض افعاله المباحه المشتبهه عليه منافعها ‌و‌ مضارها الدنيويه. انتهى كلامه.
 ‌و‌ قال الشيخ الشهيد محمد ‌بن‌ مكى ‌فى‌ كتاب الذكرى ‌ما‌ نصه: انكار ابن ادريس الاستخاره بالرقاع، ‌لا‌ ماخذ له، لاشتهارها بين الاصحاب، ‌و‌ عدم راد لها سواه، ‌و‌ ‌من‌ اخذ اخذه كالشيخ نجم الدين ‌فى‌ المعتبر، حيث قال: هى ‌فى‌ حيز الشذوذ فلا عبره بها. ‌و‌ كيف تكون شاذه ‌و‌ قد دونها المحدثون ‌فى‌ كتبهم، ‌و‌ المصنفون ‌فى‌ مصنفاتهم، ‌و‌ قد صنف السيد العالم العابد صاحب الكرامات الظاهره، ‌و‌ الماثر الباهره رضى الدين ابوالحسن على ‌بن‌ طاووس الحسنى رحمه الله كتابا ضخما ‌فى‌ الاستخارات ‌و‌ اعتمد فيه على روايه الرقاع، ‌و‌ ذكر ‌من‌ آثارها عجائب ‌و‌ غرائب اراه
 
الله تعالى اياها، ‌و‌ قال: اذا توالى الامر ‌فى‌ الرقاع فهو خير محض، ‌و‌ ‌ان‌ توالى النهى، فذلك النهى ‌شر‌ محض، ‌و‌ ‌ان‌ تفرقت كان الخير ‌و‌ الشر موزعا بحسب تفرقها على ازمنه ذلك الامر بحسب ترتبها. انتهى كلامه، رفع مقامه.
 ‌و‌ منها: الاستخاره بالسبحه. ‌و‌ كيفيتها على وجوه:
 الاول: ‌ما‌ ذكره صاحب كتاب السعادات مرويا عن الصادق عليه السلام: تقرا الحمد مره، ‌و‌ الاخلاص ثلاثا، ‌و‌ تصلى على محمد ‌و‌ آله خمس عشره مره، ثم تقول: «اللهم انى اسالك بحق الحسين وجده، ‌و‌ ابيه ‌و‌ امه ‌و‌ اخيه ‌و‌ الائمه ‌من‌ ذريته، ‌ان‌ تصلى على محمد ‌و‌ ‌آل‌ محمد، ‌و‌ ‌ان‌ تجعل لى الخيره ‌فى‌ هذه السبحه، ‌و‌ ‌ان‌ ترينى ‌ما‌ ‌هو‌ الاصلح لى ‌فى‌ الدين ‌و‌ الدنيا، اللهم ‌ان‌ كان الاصلح لى ‌فى‌ دينى ‌و‌ دنياى ‌و‌ عاجل امرى ‌و‌ آجله فعل ‌ما‌ انا عازم عليه فامرنى، ‌و‌ الا فانهنى، انك على كل شى ء قدير». ثم تقبض قبضه ‌من‌ السبحه ‌و‌ تعدها، ‌و‌ تقول: «سبحان الله ‌و‌ الحمد لله ‌و‌ ‌لا‌ اله الا الله» الى آخر القبضه، فان كانت الاخيره «سبحان الله» فهو مخير بين الفعل ‌و‌ الترك، ‌و‌ ‌ان‌ كان الحمد لله فهو امر، ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌لا‌ اله الا الله فهو نهى.
 الثانى: ‌ما‌ ذكره الشهيد قدس سره ‌فى‌ كتاب الذكرى قال: ‌و‌ لم تكن هذه مشهوره ‌فى‌ العصور الماضيه، قبل زمان السيد الكبير العابد رضى الدين محمد ‌بن‌ محمد الاوى الحسينى المجاور بالمشهد المقدس الغروى رضى الله عنه، ‌و‌ قد رويناها عنه. ‌و‌ جميع مروياته، عن عده ‌من‌ مشايخنا، عن الشيخ الكبير الفاضل جمال الدين ابن المطهر، عن والده رضى الله عنهما، عن السيد رضى الدين، عن صاحب الامر عليه الصلاه ‌و‌ السلام: يقرا الفاتحه عشرا، ‌و‌ اقله ثلاث، ‌و‌ دونه مره، ثم يقرا القدر عشرا، ثم يقول هذا الدعاء ثلاثا: «اللهم انى استخيرك لعلمك بعاقبه الامور،
 
و استشيرك لحسن ظنى بك ‌فى‌ المامور ‌و‌ المحذور، اللهم ‌ان‌ كان الامر الفلانى مما قد نيطت بالبركات اعجازه ‌و‌ بواديه ‌و‌ حفت بالكرامه ايامه ‌و‌ لياليه، فخر لى اللهم فيه خيره ترد شموسه ذلولا ‌و‌ تقعض ايامه سرورا، اللهم اما امر فائتمر، ‌و‌ اما نهى فانتهى، اللهم انى استخيرك برحمتك خيره ‌فى‌ عافيه». ثم يقبض على قطعه ‌من‌ السبحه، ‌و‌ يضمر حاجته، فان كان عدد تلك القطعه زوجا، فهو « افعل»، ‌و‌ ‌ان‌ كان فردا «لا تفعل»، ‌او‌ بالعكس.
 ‌و‌ ذكر ابن طاووس قدس سره هذه الاستخاره ‌فى‌ كتاب الاستخارات، فقال: وجدته بخط اخى الصالح الرضى الاوى محمد ‌بن‌ محمد ‌بن‌ محمد الحسينى «ضاعف الله سيادته، ‌و‌ شرف خاتمته» ‌ما‌ هذه لفظه عن الصادق عليه السلام: ‌من‌ اراد ‌ان‌ يستخير الله تعالى، فليقرا الحمد عشر مرات، ‌و‌ انا انزلناه عشر مرات، ثم يقول ‌و‌ ذكر الدعاء، الا انه قال عقيب قوله «و المحذور»: «اللهم ‌ان‌ كان امرى هذا قد نيطت بالبركات اعجازه ‌و‌ بواديه»، ‌و‌ عقيب قوله: «ايامه سرورا» «يا الله اما امر فائتمر، ‌و‌ اما نهى فانتهى، اللهم خرلى برحمتك خيره ‌فى‌ عافيه» ثلاث مرات، ثم ياخذ كفا ‌من‌ الحصى ‌او‌ سبحه.
 الثالث: ‌ما‌ رواه الشيخ المرحوم يوسف ‌بن‌ حسين ابن ابى «طاب ثراه»، عن الشيخ الشهيد محمد ‌بن‌ مكى عطر الله مرقده، تقرا «انا انزلناه» عشر مرات، ثم تدعو بهذا الدعاء «اللهم انى استخيرك لعلمك بعاقبه الامور، ‌و‌ استشيرك لحسن ظنى بك ‌فى‌
 
المامول ‌و‌ المحذور، اللهم ‌ان‌ كان الامر الذى عزمت عليه مما نيطت البركه باعجازه ‌و‌ بواديه، ‌و‌ حفت بالكرامه ايامه ‌و‌ لياليه، فاسالك بمحمد ‌و‌ على ‌و‌ فاطمه ‌و‌ الحسن ‌و‌ الحسين ‌و‌ على ‌و‌ محمد ‌و‌ جعفر ‌و‌ موسى ‌و‌ على ‌و‌ محمد ‌و‌ على ‌و‌ الحسن ‌و‌ الحجه القائم عليه السلام، ‌ان‌ تصلى على محمد ‌و‌ عليهم اجمعين، ‌و‌ ‌ان‌ تخيرلى فيه خيره ترد شموسه ذلولا، ‌و‌ تقعض ايامه سرورا، اللهم ‌ان‌ كان امرا فاجعله ‌فى‌ قبضه الفرد، ‌و‌ ‌ان‌ كان نهيا فاجعله ‌فى‌ قبضه الزوج» ثم تقبض على السبحه ‌و‌ تعمل على ‌ما‌ يخرج.
 
 تتمه
 
 الادعيه الماثوره للاستخاره كثيره جدا.
 فمنها، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ ادعيه السر: ‌يا‌ محمد ‌من‌ ‌هم‌ بامرين فاحب ‌ان‌ اختار له ارضاهما الى فالزمه اياه، فليقل حين يريد ذلك: «اللهم اختر لى بعلمك، ‌و‌ وفقنى بعلمك لرضاك ‌و‌ محبتك، اللهم اختر لى بقدرتك، ‌و‌ جنبنى بعزتك مقتك ‌و‌ سخطك، اللهم فاختر لى بما اريد ‌من‌ هذين الامرين- ‌و‌ يسميهما- احبهما اليك، ‌و‌ ارضاهما لك، ‌و‌ اقربهما منك، اللهم انى اسالك بالقدره التى زويت بها علم الاشياء عن جميع خلقك، ‌ان‌ تصلى على محمد ‌و‌ ‌آل‌ محمد، ‌و‌ اغلب بالى ‌و‌ هواى ‌و‌ يسرنى لليسرى التى ترضى بها عن صاحبها، ‌و‌ ‌لا‌ تخذلنى بعد تفويضى اليك امرى برحمتك التى
 
وسعت كل شى ء اللهم اوقع خيرتك ‌فى‌ قلبى، ‌و‌ افتح قلبى للزومها، ‌يا‌ كريم آمين» فانه اذا قال ذلك اخذت له منافعه ‌فى‌ العاجل ‌و‌ الاجل.
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ روى عن الرضا عليه السلام، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ ادعيه الوسائل الى المسائل «اللهم ‌ان‌ خيرتك فيما استخيرك فيه، تنيل الرغائب ‌و‌ تجزل المواهب ‌و‌ تغنم المطالب، ‌و‌ تطيب المكاسب، ‌و‌ تهدى الى اجمل المذاهب، ‌و‌ تسوق الى احمد العواقب، ‌و‌ تقى مخوف النوائب. اللهم انى استخيرك فيما عزم رايى عليه، وقادنى عقلى اليه، فسهل- اللهم- منه ‌ما‌ توعر، ‌و‌ يسر منه ‌ما‌ تعسر، ‌و‌ اكفنى فيه المهم ‌و‌ ادفع عنى كل ملم، ‌و‌ اجعل- رب- عواقبه غنما، ‌و‌ مخوفه سلما، ‌و‌ بعده قربا، وجدبه خصبا، ‌و‌ ارسل- اللهم- اجابتى، ‌و‌ انجح طلبتى، ‌و‌ اقض حاجتى، ‌و‌ اقطع عوائقها، ‌و‌ امنع بوائقها، ‌و‌ اعطنى- اللهم- لواء الظفر بالخيره فيما استخرتك، ‌و‌ وفور النعم فيما دعوتك، ‌و‌ عوائد الافضال فيما رجوتك، ‌و‌ اقرنه اللهم- رب- بالنجاح، ‌و‌ حطه بالصلاح، ‌و‌ ارنى اسباب الخيره واضحه، ‌و‌ اعلام غنمها لائحه، ‌و‌ اشدد خناق تعسرها، ‌و‌ انعش صريع تيسرها، ‌و‌ بين- اللهم- ملتبسها، ‌و‌ اطلق محتبسها، ‌و‌ مكن اسها حتى تكون خيره مقبله بالغنم، مزيله للغرم، ‌و‌ عاجله النفع، باقيه الصنع، انك ولى المزيد، مبتدى بالجود».
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ رواه معاويه ‌بن‌ ميسره عن الصادق عليه السلام، انه قال: ‌ما‌ استخار الله عبد سبعين مره بهذه الاستخاره الا رماه الله بالخيره. يقول: «يا ابصر الناظرين، ‌و‌ ‌يا‌ اسمع السامعين، ‌و‌ ‌يا‌ اسرع الحاسبين، ‌و‌ ‌يا‌ ارحم الراحمين، ‌و‌ ‌يا‌ احكم الحاكمين، صل على محمد ‌و‌ اهل بيته، ‌و‌ خرلى ‌فى‌ كذا ‌و‌ كذا».
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ روى عن اميرالمومنين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه ‌و‌ هو: اللهم انى
 
استخيرك خيره ‌من‌ فوض اليك امره، ‌و‌ اسلم اليك نفسه، ‌و‌ استسلم اليك ‌فى‌ امره، ‌و‌ خلالك وجهه، ‌و‌ توكل عليك فيما نزل به، اللهم خرلى، ‌و‌ ‌لا‌ تخر على، ‌و‌ ‌كن‌ لى ‌و‌ ‌لا‌ تكن على، ‌و‌ انصرنى ‌و‌ ‌لا‌ تنصر على، ‌و‌ اعنى ‌و‌ ‌لا‌ تعن على، ‌و‌ امكنى ‌و‌ ‌لا‌ تمكن منى، ‌و‌ اهدنى الى الخير ‌و‌ ‌لا‌ تضلنى، ‌و‌ ارضنى بقضائك، ‌و‌ بارك لى ‌فى‌ قدرتك، انك تفعل ‌ما‌ تشاء ‌و‌ تحكم ‌ما‌ تريد، ‌و‌ انت على كل شى ء قدير. اللهم ‌ان‌ كان لى الخيره ‌فى‌ امرى هذا ‌فى‌ دينى ‌و‌ دنياى ‌و‌ عاقبه امرى فسهله لى، ‌و‌ ‌ان‌ كان غير ذلك فاصرفه عنى، ‌يا‌ ارحم الراحمين، انك على كل شى ء قدير، ‌و‌ حسبنا الله ‌و‌ نعم الوكيل.
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ روى عن القائم عليه السلام يدعى ‌به‌ للاستخاره ‌و‌ الحاجه ‌و‌ هو: «بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم انى اسالك باسمك الذى عزمت ‌به‌ على السماوات ‌و‌ الارض فقلت لهما «ائتيا طوعا ‌او‌ كرها، قالتا اتينا طائعين» ‌و‌ باسمك الذى عزمت ‌به‌ على عصا موسى، فاذا هى تلقف ‌ما‌ يافكون. ‌و‌ اسالك باسمك الذى صرفت ‌به‌ قلوب السحره اليك، حتى قالوا: آمنا برب العالمين. ‌و‌ اسالك بالقدره التى تبلى بها كل جديد، ‌و‌ تجدد بها كل بال، ‌و‌ اسالك بكل ‌حق‌ ‌هو‌ لك، ‌و‌ بكل ‌حق‌ جعلته عليك، ‌ان‌ كان هذا الامر خيرا لى، ‌فى‌ دينى ‌و‌ دنياى ‌و‌ آخرتى، ‌ان‌ تصلى على محمد ‌و‌ ‌آل‌ محمد، ‌و‌ تسلم عليهم تسليما، ‌و‌ تهيئه لى، ‌و‌ تسهله على، ‌و‌ تلطف لى فيه، برحمتك ‌يا‌ ارحم الراحمين، ‌و‌ ‌ان‌ كان شرا لى ‌فى‌ دينى ‌و‌ دنياى ‌و‌ آخرتى، ‌ان‌ تصلى على محمد ‌و‌ ‌آل‌ محمد، ‌و‌ تسلم عليهم تسليما، ‌و‌ ‌ان‌ تصرفه عنى بما شئت، ‌و‌ كيف شئت، ‌و‌ ترضينى بقضائك، ‌و‌ تبارك لى ‌فى‌ قدرك، حتى ‌لا‌ احب تعجيل شى ء اخرته، ‌و‌ ‌لا‌ تاخير شى ء عجلته، فانه ‌لا‌ حول ‌و‌ ‌لا‌ قوه الا بك، ‌يا‌ على ‌يا‌ عظيم، ‌يا‌ ذا الجلال ‌و‌ الاكرام».
 
و لنكتف منها بهذا المقدار، فان فيه الكفايه ‌ان‌ شاء الله تعالى، ‌و‌ نشرع الان ‌فى‌ شرح الدعاء.
 
استخيرك ‌اى‌ اطلب منك ‌ان‌ تختار لى اصلح الامرين ‌او‌ الامور.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بعلمك»، اما للسببيه، ‌اى‌ بسبب علمك بخيرى ‌و‌ شرى، ‌او‌ للملابسه، ‌اى‌ ملتبسا بعلمك بخيرى ‌و‌ شرى، ‌او‌ للاستعانه، ‌اى‌ مستعينا بعلمك فانى ‌لا‌ اعلم فيم خيرى، ‌او‌ للقسم الاستعطافى، ‌اى‌ بحق علمك.
 ‌و‌ اقض لى بالخيره ‌اى‌ احكم لى بالخيره، ‌من‌ القضاء بمعنى الحكم، ‌او‌ اوجب لى الخيره ‌من‌ قضى بمعنى اوجب.
 قال الازهرى: القضاء لغه على وجوه، مرجعها الى انقطاع الشى ء ‌و‌ تمامه، ‌و‌ كل ‌ما‌ احكم عليه ‌او‌ اتم ‌او‌ حتم ‌او‌ ادى: اذا وجب ‌او‌ انفذ ‌او‌ امضى فقد قضى.
 ‌و‌ الخيره بسكون الياء ‌و‌ فتحها، يقال: هما لغتان بمعنى واحد. ‌و‌ قيل: الاولى اسم ‌من‌ الاختيار، كالفديه اسم ‌من‌ الافتداء. ‌و‌ الثانيه اسم ‌من‌ تخيرت الشى ء، كالطيره اسم ‌من‌ تطير. ‌و‌ قيل: هى بفتح الياء بمعنى الخيار. ‌و‌ الخيار ‌هو‌ الاختيار.
 
و الهمه الله الامر: القاه ‌فى‌ روعه ‌و‌ قلبه، ‌و‌ لقنه اياه.
 ‌و‌ الاختيار: فعل ‌ما‌ ‌هو‌ خير ‌و‌ اخذه.
 ‌و‌ الذريعه: الوسيله.
 
و الاشاره بذلك الى الالهام، ‌او‌ الى معرفه الاختيار. ‌و‌ المراد معرفه اختياره تعالى لما يختاره له، ‌اى‌ وجه الحكمه ‌و‌ المصلحه فيه، ليكون سببا للرضا بقضائه تعالى، ‌و‌ التسليم لحكمه. لانه اذا عرف خيريه ‌ما‌ اختاره الله تعالى، تلقاه بالقبول ‌و‌ الرضا، ‌و‌ اخلص التسليم لما حكم ‌و‌ قضى.
 ‌و‌ غرضه عليه السلام بذلك تاييد ايقانه، ‌و‌ ازدياد قلبه اطمئنانا الى اطمئنانه، كما قال ابراهيم عليه السلام «بلى ‌و‌ لكن ليطمئن قلبى» ‌و‌ الا فالعلم بانه تعالى عدل حكيم، ‌لا‌ يفعل شيئا الا على ‌ما‌ تقتضيه الحكمه، ‌و‌ تستدعيه المصلحه كاف ‌فى‌ الرضا ‌و‌ التسليم. على ‌ان‌ للرضا مبدا ‌و‌ منتهى، فمبداه سكون القلب الى احكام الله تعالى، ‌و‌ منتهاه فرح القلب ‌و‌ سروره بنزول الاحكام ‌فى‌ الحلو ‌و‌ المر. فسواله عليه السلام معرفه الاختيار لحصول المنتهى، ‌و‌ ‌ان‌ كان الاول حاصلا، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ باب سئوال ‌حق‌ اليقين بعد علم اليقين. ‌و‌ الله اعلم.
 الفاء: عاطفه سببيه.
 ‌و‌ زاح الشى ء يزيح زيحا: بعد ‌و‌ ذهب، ‌و‌ ازاحه غيره.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: ازاح الله العلل، ‌و‌ ازحت علته فيما يحتاج اليه، ‌و‌ زاحت علته ‌و‌ انزاحت، ‌و‌ هذا مما تنزاح ‌به‌ الشكوك عن القلوب.
 ‌و‌ الريب: قلق النفس ‌و‌ اضطرابها.
 ‌و‌ الارتياب: الشك، مصدر ارتاب ‌فى‌ الامر، اذا ‌شك‌ فيه. ‌اى‌ اذهب عنا القلق ‌و‌ الاضطراب الذى يوجبه الشك، ‌او‌ ‌ما‌ يقلق النفس، ‌و‌ يشخص بالقلب ‌من‌
 
الشك ‌و‌ الارتياب، كقولهم: ريب المنون ‌و‌ ريب الزمان.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الكشاف: الريب مصدر رابنى اذا حصل فيه الريبه، ‌و‌ حقيقه الريبه قلق النفس ‌و‌ اضطرابها. ‌و‌ منه ‌ما‌ روى الحسن ‌بن‌ على عليهماالسلام، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه ‌و‌ آله، يقول: «دع ‌ما‌ يريبك الى ‌ما‌ ‌لا‌ يريبك فان الشك ريبه، ‌و‌ الصدق طمانينه» ‌اى‌ فان كون الامر مشكوكا فيه مما تقلق له النفس، ‌و‌ ‌لا‌ تستقر، ‌و‌ كونه صحيحا صادقا مما تطمئن له ‌و‌ تسكن. ‌و‌ منه ريب الزمان، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يقلق النفوس، ‌و‌ يشخص بالقلوب ‌من‌ نوائبه. انتهى.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد بالريب التهمه. فانها ‌من‌ معانيه، كما نص عليه الفيروز آبادى ‌فى‌ القاموس.
 ‌و‌ على كل حال فالمراد بالارتياب ‌و‌ الشك خلاف اليقين بان يتوهم ‌او‌ يظن ‌ان‌ افعاله تعالى قد تجرى على خلاف العدل، ‌او‌ ‌ان‌ حكمته سبحانه قد يفوتها شى ء ‌من‌ المصالح، فيريبه ذلك ‌و‌ يقلقه ‌و‌ ‌لا‌ تطمئن نفسه اذا وقع الامر على خلاف هواه، ‌او‌ يحمله ذلك على تهمته- تعالى عن ذلك علوا كبيرا- بانه فعل ‌به‌ غير الاصلح، ‌او‌ اختار له ‌شر‌ الامرين.
 روى البرقى ‌فى‌ محاسنه عمن ذكره، عن بعض اصحابه، قال: قلت لابى عبدالله عليه السلام: ‌من‌ اكرم الخلق على الله؟ قال: اكثرهم ذكرا الله، ‌و‌ اعملهم بطاعته. قلت: فمن ابغض الخلق الى الله؟ قال: ‌من‌ يتهم الله، قلت: ‌و‌ احد يتهم الله؟ قال: نعم، ‌من‌ استخار فجاءته الخيره بما يكره فسخط، فذلك يتهم الله.
 ‌و‌ ‌من‌ كلام اميرالمومنين عليه السلام: التوحيد ‌ان‌ ‌لا‌ تتوهمه، ‌و‌ العدل ‌ان‌ ‌لا‌ تتهمه.
 
و المراد بازاحه ريب الارتياب ازاحه الارتياب مطلقا، ‌من‌ باب نفى الشى ء بنفى لازمه، كقوله:
 ‌من‌ اناس ليس ‌فى‌ اخلاقهم، عاجل الفحش ‌و‌ ‌لا‌ سوء الجزع. ‌اى‌ ‌لا‌ فحش ‌و‌ ‌لا‌ جزع اصلا.
 فان قلت: قد قررت ‌ان‌ سواله عليه السلام الهام معرفه الاختيار ‌و‌ جعله ذريعه الى الرضا ‌و‌ التسليم لتاييد الايقان، ‌و‌ ازدياد الاطمئنان، ‌و‌ قضيته عدم حصول الشك ‌و‌ الارتياب راسا، فكيف يكون قوله: «فازح عنا ريب الارتياب» متسببا عن ذلك السئوال، ‌و‌ ازاحه الشى ء ‌و‌ اذهابه انما يكون بعد حصوله ‌و‌ تحققه.
 قلت: ليس المراد بالازاحه ‌و‌ الاذهاب هنا، ازاله ريب الارتياب بعد كونه ‌و‌ حصوله، ‌و‌ ‌ان‌ كان ذلك معناه ‌فى‌ اصل الوضع. بل ‌هو‌ ‌من‌ قبيل قوله تعالى: «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ‌و‌ يطهركم تطهيرا» ‌و‌ معناه حسم اسباب الرجس، ‌و‌ عدم الاعداد له راسا ‌لا‌ ازالته بعد حصوله. ‌و‌ لذلك قال الزمخشرى: بين تعالى بهذه الايه انه انما يريد ‌ان‌ ‌لا‌ يقارف اهل البيت رسول الله، الماثم، ‌و‌ ‌ان‌ يتصونوا عنها بالتقوى.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: الرجس ‌فى‌ هذه الايه ‌هو‌ الشك.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه: عنه عليه السلام: ‌و‌ الله ‌لا‌ نشك ‌فى‌ ربنا ابدا.
 ‌و‌ التعبير عن حسم الاسباب ‌و‌ عدم الاعداد بالازاحه ‌و‌ الاذهاب، ‌من‌ باب سبحان ‌من‌ صغر البعوض ‌و‌ كبر الفيل، ‌اى‌ انشاهما كذلك، ‌و‌ قولك للحفار: ضيق فم الركيه ‌و‌ وسع اسفلها، ‌اى‌ احفرها كذلك.
 
قال الزمخشرى: ‌و‌ ليس ثم نقل ‌من‌ كبر الى صغر، ‌و‌ ‌لا‌ ‌من‌ صفر الى كبر، ‌و‌ ‌لا‌ ‌من‌ ضيق الى سعه، ‌و‌ ‌لا‌ ‌من‌ سعه الى ضيق، ‌و‌ انما اردت الانشاء على تلك الصفات. ‌و‌ السبب ‌فى‌ صحته ‌ان‌ الصغر ‌و‌ الكبر جائزان معا على المصنوع الواحد ‌من‌ غير ترجيح لاحدهما على الاخر. ‌و‌ كذلك الضيق ‌و‌ السعه، فاذا اختار الصانع احد الجائزين، ‌و‌ ‌هو‌ متمكن منهما على السواء، فقد صرف المصنوع عن الجائز الاخر، فجعل صرفه منه كنقله منه. انتهى.
 ‌و‌ استعمال هذا المجاز وقع ‌فى‌ القرآن المجيد ‌فى‌ غير موضع:
 منه قوله تعالى: «و جعلنا الليل ‌و‌ النهار آيتين فمحونا آيه الليل» الايه.
 قال العلامه العمادى: محوها جعلها محوه الضوء، مطموسه. لكن ‌لا‌ بعد ‌ان‌ لم تكن كذلك، بل ابداعها كذلك، كما ‌فى‌ قولهم: سبحان ‌من‌ صغر البعوض ‌و‌ كبر الفيل.
 ومنه قوله تعالى: «ربنا امتنا اثنتين ‌و‌ احييتنا اثنتين».
 قال الزمخشرى: اراد بالاماتتين: خلقهم امواتا اولا، ‌و‌ اماتتهم عند انقضاء آجالهم. وصح تسميه خلقهم امواتا اماته، كما صح ‌ان‌ تقول: سبحان ‌من‌ صغر البعوضه ‌و‌ كبر جسم الفيل. انتهى. ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «و ايدنا بيقين المخلصين».
 التاييد ‌من‌ الله سبحانه: تقويه امر الانسان ‌من‌ داخل بالبصيره، ‌و‌ ‌من‌ خارج بقوه البطش. ‌و‌ الاول قال تعالى: «اذ ايدتك بروح القدس».
 ‌و‌ اليقين: العلم مع زوال الشك ‌و‌ عدم طريانه.
 
و المخلصين على صيغه الفاعل: ‌هم‌ الذين اخلصوا الدين ‌و‌ العباده لله، فلم يشركوا به، ‌و‌ لم يعصوه.
 ‌و‌ قيل: ‌هم‌ الذين يخفون حسناتهم كما يخفون سيئاتهم.
 ‌و‌ لما كان لليقين مراتب مرتبه ‌فى‌ الفضل، اولها علم اليقين، ‌و‌ ثانيها ‌حق‌ اليقين، ‌و‌ ثالثها عين اليقين، ‌و‌ كان الاول حاصلا بالبرهان، ‌و‌ الثانى ‌و‌ الثالث حاصلين بالكشف ‌و‌ المجاهدات ‌و‌ الرياضات النفسانيه، ‌و‌ الهدايات الخاصه بالاولياء المخلصين، سال عليه السلام التاييد بيقينهم.
 
قوله عليه السلام: «و ‌لا‌ تسمنا عجز المعرفه عما تخيرت». سمت فلانا الامر سوما: كلفته اياه.
 ‌و‌ ‌فى‌ كتاب العين: السوم: ‌ان‌ تجشم انسانا مشقه ‌او‌ خطه شر.
 ‌و‌ قال الراغب: السوم: الذهاب ‌فى‌ ابتغاء الشى ء، فهو لفظ لمعنى مركب ‌من‌ الذهاب ‌و‌ الابتغاء، فاجرى مجرى الذهاب ‌فى‌ قولهم: سامت الابل، فهى سائمه، ‌و‌ مجرى الابتغاء ‌فى‌ قولهم: سمت كذا، قال تعالى: «يسومونكم سوء العذاب». ‌و‌ قيل: سيم فلان الخسف، ‌و‌ منه: السوم ‌فى‌ البيع. انتهى.
 ‌و‌ سوال عدم السوم ‌و‌ التكليف بعجز المعرفه ‌من‌ قبيل «اللهم ‌لا‌ تسلط علينا ‌من‌ ‌لا‌ يرحمنا» ‌اى‌ ‌لا‌ تخل بيننا ‌و‌ بين ‌من‌ ‌لا‌ يرحمنا، فيسلط علينا، فكانه قال: ‌لا‌ تخل بيننا ‌و‌ بين انفسنا بمنعك التوفيق ‌و‌ اللطف عنا، فتعجز معرفتنا عما تخيرت. ‌و‌ هذا فزع منه عليه السلام الى الطاف الله تعالى جريا على سنن الانبياء ‌و‌ الاوصياء ‌و‌ الصالحين ‌فى‌ قصد نيل الخيرات، ‌و‌ النجاه ‌من‌ الشرور على جناب الله ‌عز‌ ‌و‌ جل، ‌و‌ سلب القوى ‌و‌ القدر عن انفسهم، ‌و‌ مبالغه ‌فى‌ استدعاء لطفه تعالى ‌فى‌ صرف الجهل
 
 
بما يختاره له باظهار ‌ان‌ لاقدره له بمعرفته ‌و‌ العلم ‌به‌ ‌ما‌ لم يعرفه.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه «و ‌لا‌ تسمنا» بكسر السين، ‌من‌ وسمه يسمه وسما، ‌من‌ باب وعد، ‌و‌ الاسم السمه، ‌و‌ هى العلامه ‌و‌ الاثر.
 ‌و‌ قال الجوهرى: وسمه وسما وسمه اذا اثر فيه بسمه وكى.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز وسمه بالهجاء ‌و‌ ‌هو‌ موسوم بالخير ‌و‌ الشر. انتهى.
 ‌و‌ الاصل: ‌و‌ ‌لا‌ تسمنا بعجز المعرفه، فحذف الجار ‌و‌ اوصل الفعل، كما قالوا: امرتك الخير، ‌و‌ الاصل امرتك بالخير ‌و‌ مثله كثير ‌فى‌ كلامهم.
 قوله عليه السلام: «فنغمط قدرك، ‌و‌ نكره موضع رضاك». «الفاء»: عاطفه سببيه.
 ‌و‌ غمطه يغمطه غمطا، ‌من‌ باب- ضرب ‌و‌ قتل ‌و‌ سمع- ازدراه ‌و‌ احتقره، ‌و‌ النعمه كفرها فلم يشكرها.
 القدر- بالسكون-: اما بمعنى القدر- بالتحريك- ‌اى‌ التقدير، ‌و‌ منه ليله القدر.
 قال ‌فى‌ الكشاف: معنى ليله القدر: ليله تقدير الامور ‌و‌ قضائها ‌من‌ قوله: «فيها يفرق كل امر حكيم» انتهى.
 ‌و‌ اما بمعنى الخطر ‌و‌ عظم الشان، ‌و‌ منه: «و ‌ما‌ قدروا الله ‌حق‌ قدره»، ‌اى‌ ‌ما‌ عظموه ‌حق‌ عظمته، ‌و‌ قيل «فى ليله القدر» سميت بذلك لخطرها ‌و‌ شرفها على سائر الليالى.
 ‌و‌ المعنى على الاول: فنحتقر تقديرك المشتمل على المصلحه، ‌او‌ نكفره ‌و‌ ‌لا‌ نشكره.
 
و على الثانى: فنحتقر عظم شانك بالكراهه لما تخيرت.
 ‌و‌ موضع رضاه تعالى: كنايه عما اختاره ‌و‌ قدره ‌و‌ قضاه سبحانه لتعلق مشيئته ‌و‌ رضاه به، فكانه موضع ‌و‌ محل لرضاه سبحانه. ‌و‌ هذا يسميه ارباب البديع الارداف، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يريد المتكلم معنى فلا يعبر عنه بلفظه الموضوع له، بل بلفظ ‌هو‌ ردفه ‌و‌ تابعه كقول الشاعر:
 كان ظباه المشرفيه ‌من‌ كرى
 فما تبتغى الا مقر المحاجر
 اراد بمقر المحاجر الرووس. ‌و‌ المحاجر: جمع محجر، كمسجد، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ حول العين.
 قوله عليه السلام: «و نجنح الى التى هى ابعد ‌من‌ حسن العاقبه» الى آخره.
 جنح الى الشى ء يجنح- بفتحتين- ‌و‌ جنح جنوحا، ‌من‌ باب- قعد- لغه: مال اليه، ‌من‌ قولهم: جنحت السفينه، ‌اى‌ مالت الى احد جانبيها.
 ‌اى‌ يميل الى الحاله التى هى ابعد الحالات ‌من‌ حسن العاقبه، ‌او‌ الى الخصله ‌او‌ الطريقه. ‌و‌ ‌فى‌ حذف الموصوف ‌و‌ ابهامه فخامه يعرفها اهل البلاغه لعموم الاعتبار، ‌و‌ ذهاب الوهم كل مذهب.
 قال الزمخشرى: ايما قدرت ‌من‌ الموصوفات ‌فى‌ هذا المقام لم تجد مع الاثبات ذوق البلاغه التى تجده مع الحذف لما ‌فى‌ ابهام الموصوف بحذفه ‌من‌ فخامه تفقد مع ايضاحه. انتهى.
 قال صاحب الكشف: ‌و‌ ذلك لما ‌فى‌ الابهام ‌من‌ الدلاله على انه جرى الوادى فطم على الركى. انتهى.
 ‌و‌ حسن العاقبه: ‌اى‌ حسن الخاتمه، ‌و‌ عاقبه كل شى ء ‌و‌ عقباه، خاتمته.
 ‌و‌ ‌ضد‌ الشى ء: ‌ما‌ ‌لا‌ يجتمع معه، كالسواد الذى ‌هو‌ ‌ضد‌ البياض.
 
و ‌ما‌ ابلغ قوله عليه السلام: «و اقرب الى ‌ضد‌ العافيه» فان العافيه متناوله لدفع جميع المكروهات ‌فى‌ الظاهر ‌و‌ الباطن، ‌و‌ الدين ‌و‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، فيكون ضدها متناولا لجلب جميع المكروهات، فيما ذكر ‌و‌ ‌فى‌ هاتين الفقرتين ‌من‌ البديع الطباق، بين «ابعد، ‌و‌ اقرب»، ‌و‌ جناس التصحيف ‌فى‌ «العاقبه ‌و‌ العافيه». ‌و‌ الله اعلم.
 فصل عليه السلام الجمله الاولى عما قبلها: لكمال الاتصال، لكونها ‌و‌ ‌ما‌ بعدها كالبدل ‌من‌ الكلام السابق، اذ كانت ‌او‌ ‌فى‌ بتاديه المراد، الذى ‌هو‌ سوال عدم الكراهه لما اختاره سبحانه، ‌و‌ ‌ما‌ يترتب عليها ‌من‌ استصعاب حكمه ‌و‌ عدم التسليم لمشيئته تعالى، فان هذا المعنى تضمنه الكلام السابق، لكن ‌لا‌ يدل عليه دلاله هذه الجمل، فان دلالتها عليه بالمطابقه، ‌و‌ ذلك بالالتزام، فكانت ‌او‌ ‌فى‌ بتاديه المراد منه.
 
و حببت اليه الشى ء: جعلته محبوبا لديه. ‌و‌ تحبيبه تعالى للطاعات ‌و‌ نحوها الى عباده يكون بافاضه وجوه الالطاف ‌و‌ التوفيق. فلا دلاله ‌فى‌ ذلك على مساله خلق الاعمال، كما تزعمه الاشاعره.
 ‌و‌ استصعبت الامر: وجدته صعبا.
 ‌و‌ تسهيله ‌ما‌ يستصعب ‌من‌ حكمه يكون بعنايته المهيئه للذهن ‌و‌ النفس قبول ذلك بسهوله.
 
و الهامه الانقياد لمشيته: يكون بتاييد خاص باطنى، يقوى ‌به‌ عقله على قهر نفسه الاماره بالسوء، فتنقاد ‌و‌ تذعن لذلك، ‌و‌ مرجع ذلك كله الى الالطاف الداعيه
 
و المراد بالكراهه ‌و‌ الاستصعاب المذكورين: كراهه الطباع ‌و‌ استصعابها ‌لا‌ على وجه السخط، فقد يكون الشى ء مكروها صعبا عند الانسان ‌فى‌ طبعه، ‌و‌ ‌من‌ حيث تنفر نفسه عنه، ‌و‌ يشق عليها، ‌و‌ ‌ان‌ كان يريده لان الله تعالى امر به، كالصوم ‌فى‌ الصيف، ‌و‌ الاحرام ‌فى‌ الشتاء. فسواله عليه السلام تحبيب ذلك، ‌و‌ تسهيله: جعله ملائما للطبع، مقبولا عند النفس، غير شاق عليها، لتزول الكراهه ‌و‌ الاستصعاب، بمقتضى الطبع.
 ‌و‌ «حتى» مرادفه ل«كى» التعليليه، ‌اى‌ «كى لانحب تاخير ‌ما‌ عجلت» الى آخره، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ علمه تعالى فعلى، يعلم الاسباب ‌و‌ ‌ما‌ يترتب عليها. ‌و‌ الحوادث ‌و‌ ‌ما‌ نشات هى منها، فهو محيط بالمبادى ‌و‌ الغايات، ‌و‌ ‌لا‌ يعزب عنه مثقال ذره ‌فى‌ الارض ‌و‌ السماوات، فما يعجله ‌و‌ ‌ما‌ يوخره، ‌و‌ ‌ما‌ يحبه ‌و‌ ‌ما‌ يكرهه ‌لا‌ يكون الا عن مصلحه ‌و‌ حكمه، فهو ‌لا‌ يختار للعبد الا ‌ما‌ فيه خيره ‌و‌ صلاحه.
 ‌و‌ اما علم البشر فهو انفعالى، فربما عكس التصورات فظن المبادى غايات، ‌و‌ بالعكس، ‌و‌ المصالح مفاسد، ‌و‌ بالضد. فيجب على العبد ‌ان‌ يتصور قصور نفسه، ‌و‌ كمال علم ربه تعالى، فيتحقق ‌و‌ يتيقن ‌ان‌ كل ‌ما‌ اختاره له ‌هو‌ عين مصلحته، فيلزم نفسه قبوله، ‌و‌ التسليم له، ‌و‌ ‌ان‌ كرهه طبعه، ‌و‌ نفرت عنه نفسه، فزع اليه- سبحانه- بالدعاء ‌فى‌ جعل ارادته موافقه لارادته سبحانه، كما فعل سيد العابدين عليه السلام، ليخلص ‌من‌ المخالفه طبعا ‌و‌ اعتقادا، ‌و‌ قد بين سبحانه ‌و‌ تعالى هذا المعنى اوضح بيان بقوله: «و عسى ‌ان‌ تكرهوا شيئا ‌و‌ ‌هو‌ خير لكم ‌و‌ عسى ‌ان‌ تحبوا شيئا ‌و‌ ‌هو‌ ‌شر‌ لكم ‌و‌ الله يعلم ‌و‌ انتم ‌لا‌ تعلمون».
 ‌و‌ المحبه ‌من‌ العبد: ميل نفسه الى ‌ما‌ تتصور كونه موافقا ‌و‌ ملائما لها.
 ‌و‌ ‌من‌ الله تعالى: اراده هى مبدا فعل ما، ‌و‌ تعود الى علمه باشتمال الفعل على
 
المصلحه الداعيه الى ايجاده.
 ‌و‌ الكراهيه ‌فى‌ العبد: ميل نفسه عما تتصور كونه مضرا ‌و‌ مولما لها.
 ‌و‌ ‌من‌ الله تعالى: خلاف الاراده، ‌و‌ تعود الى علمه، باشتمال الفعل على المفسده الصارفه عن ايجاده.
 قال بعضهم: ‌و‌ لما كانت حقيقه المحبه ‌و‌ الكراهه، انما ‌هو‌ ميل النفس الانسانيه ‌و‌ نفورها، كان اطلاقهما ‌فى‌ حقه تعالى على علمه المخصوص مجازا، ‌من‌ باب اطلاق اسم اللازم على الملزوم. ‌و‌ الله اعلم.
 
ختم القرآن، ‌و‌ كل عمل يختمه ختما، ‌من‌ باب- ضرب- اذا اتمه ‌و‌ فرغ منه، ‌اى‌ اختم لنا امرنا بالحاله التى هى احمد الحالات عافيه.
 ‌و‌ حذف المفعول لتعينه، ‌و‌ لان الغرض سواله المختوم به.
 ‌و‌ احمد هنا افعل تفضيل ‌من‌ حمد، مبنيا للمفعول على غير القياس، ‌اى‌ اكثر محموديه.
 ‌و‌ بيان ذلك: ‌ان‌ شرط نصب التمييز الواقع بعد اسم التفضيل ‌ان‌ يكون سببيا، ‌و‌ ذلك بان يجعل مكان اسم التفضيل فعل ‌من‌ لفظه ‌و‌ معناه، ‌و‌ يرفع التمييز ‌به‌ مع صحه المعنى فنقول ‌فى‌ «زيد اكثر مالا»، زيد كثر ماله بالبناء للفاعل، ‌و‌ ‌فى‌ «زيد احمد عاقبه»، زيد حمدت عاقبته بالبناء للمفعول، فلو جعلت الفعل هنا مبنيا للفاعل لم يصح المعنى، لان العاقبه انما تكون محموده ‌لا‌ حامده. ‌و‌ اما اكرم مصيرا فهو للفاعل على القياس ‌من‌ كرم الشى ء اذا انتفت عنه النقائص، ‌و‌ اتصف بالمحامد.
 ‌و‌ المصير: المرجع ‌و‌ المال. مصدر ميمى ‌من‌ صار الامر الى كذا، ‌اى‌ رجع ‌و‌ ‌آل‌ اليه.
 ‌و‌ افدته مالا: اعطيته.
 
و الكريمه: النفيسه الجيده ‌من‌ كل شى ء، ‌و‌ منه حديث الزكاه «و اتق كرائم اموالهم» ‌اى‌ نفائسها، ‌من‌ كرم الشى ء كرما، ‌اى‌ نفس ‌و‌ عز. ‌و‌ كل شى ء يعز ‌و‌ يشرف ‌فى‌ بابه يوصف بالكرم.
 ‌و‌ الجسيمه: العظيمه. ‌من‌ جسم الشى ء جسامه، ‌اى‌ عظم، فهو جسيم، ‌و‌ هى جسيمه.
 ‌و‌ الجمل تعليل للدعاء ‌و‌ مزيد لاستدعاء الاجابه. فان ‌من‌ يفيد الكريمه، ‌و‌ يعطى الجسيمه، ‌و‌ يفعل ‌ما‌ يريد، ‌و‌ ‌هو‌ على كل شى ء قدير، اولى ‌و‌ اجدر بايصال كل المنافع، ‌و‌ اقرب ‌من‌ دعاه الداعون، ‌و‌ رجاه الراجون، ‌و‌ امل مالديه الراغبون ‌و‌ الله سبحانه ‌و‌ تعالى اعلم. هذا آخر الروضه الثالثه ‌و‌ الثلاثين ‌من‌ رياض السالكين، وفق الله لاتمامها لثلاث بقين ‌من‌ شعبان، سنه اربع ‌و‌ مائه ‌و‌ الف.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^