فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 46

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ ‌هو‌ ثقتى


 الحمد لله الذى جعل ‌من‌ الايام جمعه وعيدا، ‌و‌ آمن ‌من‌ آمن ‌به‌ ‌و‌ برسله جمله وعيدا، والصلاه والسلام على نبيه الذى كتب ‌من‌ صدق ‌به‌ سعيدا ‌و‌ على اهل بيته الذين قرب بهم ‌من‌ منار الهدى بعيدا.
 ‌و‌ بعد: فهذه الروضه السادسه والاربعون ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيدالعابدين ‌و‌ امام الزاهدين صلوات الله عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الهادين، املاء راجى فضل ربه السنى على صدرالدين الحسينى الحسنى جعله الله ‌من‌ المحسنين ‌و‌ احسن اليه ‌و‌ الى جميع المومنين.
 
الفطر: ترك الصوم، ‌و‌ يوم الفطر غره شوال سمى بذلك لفطر الناس به، يقال: فطر الصائم فطورا ‌من‌ باب- قعد- ‌و‌ افطر افطارا ‌و‌ الاسم الفطر بالكسر.
 ‌و‌ انصرف ‌من‌ صلاته: ‌اى‌ سلم ‌و‌ فرغ منها.
 ‌و‌ قائما: عند بعضهم نصب على المصدر وقعت الصفه مصدرا كما وقع المصدر صفه ‌فى‌ نحو اتيته مشيا ‌و‌ جئته ركضا، ‌و‌ عند بعضهم ‌هو‌ حال موكده نحو: «ولى مدبرا».
 ‌و‌ استقبل القبله: جعلها تلقاء وجهه، ‌و‌ القبله بالكسر ‌فى‌ الاصل للحاله التى عليها المستقبل كالجلسه بالكسر للحاله التى عليها الجالس ثم خصت ‌فى‌ العرف بجعلها اسما للمكان الذى يستقبل ‌و‌ يتوجه اليه للصلاه.
 ‌و‌ الجمعه بالضم: اسم ‌من‌ الاجتماع اضيف اليه اليوم ‌و‌ ربما حذف لكثره الاستعمال فقيل: الجمعه ‌من‌ دون يوم سميت بذلك لاجتماع الناس فيها هذا ‌هو‌  المشهور ‌فى‌ اللغه.
 ‌و‌ جاء ‌فى‌ الحديث عن النبى صلى الله عليه (و) آله: انها سميت بذلك لان آدم عليه السلام جمع فيها خلقه.
 ‌و‌ قيل: لان سائر المخلوقات اجتمع خلقها ‌و‌ فرغ منه يوم الجمعه.
 ‌و‌ قيل: لان سعد ‌بن‌ زراره لما جمع بالانصار فصلى بهم ‌و‌ ذكرهم سموه الجمعه حين اجتمعوا فعليه فالاسم اسلامى.
 ‌و‌ قيل: لان كعب ‌بن‌ لوى كان يجمع قومه فيه فيذكرهم ‌و‌ يامرهم بتعظيم الحرم ‌و‌ يخبرهم انه سيبعث فيه نبى ‌من‌ ولده ‌و‌ يامرهم بالايمان به.
 ‌و‌ قيل: لان قصيا ‌هو‌ الذى كان يجمعهم ذكر ذلك تغلب ‌فى‌ اماليه.
 ‌و‌ ضم الميم ‌من‌ الجمعه لغه الحجاز، ‌و‌ فتحها لغه تميم، ‌و‌ اسكانها لغه بنى عقيل، اما الضم ‌و‌ الاسكان فمشهورتان، ‌و‌ اما الفتح فغريبه حكاها الواحدى عن الفراء ‌و‌ حكى الزجاج الكسر.
 قال ‌فى‌ الكشاف ‌فى‌ سوره الجمعه ‌و‌ قرى بهن، هذا ‌فى‌ اسم اليوم ‌و‌ اما اسم ايام الاسبوع جمله فهو الجمعه بضم الجيم ‌و‌ اسكان الميم ‌لا‌ غير.
 ‌و‌ الفرق بين المسكن الميم ‌و‌ مفتوحها: ‌ان‌ الاول للمفعول كضحكه بمعنى مضحوك عليه. ‌و‌ الثانى للفاعل كضحكه ‌و‌ همزه ‌و‌ لمزه بمعنى ضاحك ‌و‌ هامز ‌و‌ لامز، ‌و‌ المعنى على الاول مجموع فيه الناس ‌و‌ على الثانى جامع لهم ‌و‌ ليست التاء فيها للتانيث بل للمبالغه كالتاء ‌فى‌ علامه ‌و‌ جمعها: جمع كغرفه ‌و‌ غرف ‌و‌ جمعات بضمتين ‌و‌ بضم ففتح ‌و‌ بضم فسكون.
 
الرحمه قيل: هى ترك عقوبه ‌من‌ يستحقها، ‌و‌ قيل: ايصال الخير ‌و‌ دفع الشر، ‌و‌ اصلها: الرقه ‌و‌ التعطف كما تقدم بيانه.
 ‌و‌ لما كانت رحمته تعالى تشمل جميع الموجودات ‌من‌ طريق الخلق ‌و‌ الرزق ‌و‌ النفع ‌و‌ دفع الضر ‌من‌ غير شائبه غرض ‌و‌ ‌لا‌ ضميمه عله ‌و‌ كانت رحمه غيره ‌من‌ العباد ‌لا‌ تخلو ‌من‌ عله ‌و‌ غرض ‌و‌ ‌هو‌ طلب عوض عليها اما ثواب آجل ‌او‌ ثناء عاجل ‌و‌ اما ازاله رقه الجنسيه ‌او‌ ازاحه خساسه البخل فاذا انتفت العله ‌و‌ عدم الغرض انتفت الرحمه ضروره انتفاء المعلول لانتفاء العله لاجرم صدق انه سبحانه يرحم ‌من‌ ‌لا‌ يرحمه العباد ‌و‌ مع ذلك فعفوه عن المجرمين ‌و‌ حلمه عن الخاطئين مع انتهاكهم ‌من‌ حرماته ‌ما‌ لو انتهكه احد ‌من‌ حرمه ادنى مقتدر على الانتقام لعاجله ‌به‌ ‌و‌ لم يبق عليه.
 قال بعض العارفين: ‌من‌ كمال رحمته ستره لعيوبك ‌و‌ ‌هو‌ يعلم منك ‌ما‌ لو علمه ابواك لفارقاك، ‌و‌ لو علمت ‌به‌ امراتك لجفتك، ‌و‌ لو اطلعت عليه امتك لاقدمت على الفرار، ‌و‌ لو علمه جارك لسعى ‌فى‌ تخريب دارك فاى رحمه اكمل ‌من‌ رحمته.
 ‌و‌ عن عمران ‌بن‌ الحصين قال: كان ‌فى‌ عهد النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله شاب فيه اتراف ‌و‌ رهق ‌و‌ كان له اب يزجره فلا ينزجر فلما فارق الدنيا لم يصل عليه ابوه ‌و‌ لم يصلح ‌من‌ تجهيزه ‌ما‌ ينبغى ‌ان‌ يفعله فلما ‌جن‌ عليه الليل راى ابنه ‌فى‌ النيام ‌فى‌
 
قصر على سرير يجل حسنهما عن الوصف ‌و‌ عليه حلل خضر ‌و‌ وجهه يتهلل اشراقا فساله عن حاله فقال: لما بلغت روحى التراقى ندمت على ‌ما‌ سلف منى ‌و‌ لم ارمنك اشفاقا ‌و‌ رحمه فقدمت على ربى نادما مجفوا مهجورا يبرا منى ‌و‌ لم يرحمنى اقرب الناس منى سببا ‌و‌ امتهم ‌بى‌ نسبا فرحمنى ربى ‌و‌ لم يقنطنى ‌من‌ رحمته فادخلنى هذه الروضه كما ترى.
 ‌و‌ قبلت الشى ء اقبله ‌من‌ باب- تعب- قبولا بالفتح ‌و‌ بالضم لغه حكاها ابن الاعرابى، ‌اى‌ رضيت ‌به‌ ‌و‌ لم ارده.
 
و البلاد: جمع بلده ككلبه ‌و‌ كلاب، ‌و‌ جمع البلد: بلدان بالضم.
 ‌و‌ قوله: «من ‌لا‌ تقبله البلاد» اما ‌من‌ مجاز الحذف ‌اى‌ اهل البلاد نحو قوله تعالى: «و اسال القريه التى كنا فيها ‌و‌ العير التى اقبلنا فيها» اى: اهل القريه ‌و‌ اهل العير، ‌و‌ قوله تعالى: «فليدع ناديه» ‌اى‌ اهل ناديه، «و الى مدين اخاهم شعيبا» اى: اهل مدين بدليل اخاهم شعيبا.
 ‌و‌ اما: على طريق التقدير اى: ‌لا‌ تقبله البلاد لو كان لها اهليه القبول، ‌او‌ على سبيل التحقيق بناء على ‌ان‌ الارض ذات شعور ‌و‌ لها جوهر عقلى كما سبق ذكره ‌فى‌ الروضه السادسه.
 ‌و‌ يويد ذلك ‌ما‌ روى عن ابن عباس انه كان رجل فيمن كان قبلكم عبد الله ثمانين سنه فاخطا خطيئه فخاف على نفسه فجاء الى الغياض فقال: ايتها الغياض فيك الرمال الكثيره ‌و‌ الاشجار الملتفه فهل فيك مكان يوارينى ‌من‌ ربى؟ فاجابته الغياض: ‌و‌ الله ‌ما‌ ‌فى‌ نبت ‌و‌ ‌لا‌ شجر الا ‌و‌ له تعالى ملك موكل ‌به‌ فكيف
 
اواريك ‌يا‌ هذا عن الله؟، ثم اتى البحر الغزير ماوه الكثير حيتانه فقال: هل فيك مكان يوارينى عن الله؟ فاجابه: ‌ما‌ ‌فى‌ شى ء الا ‌و‌ ملك موكل ‌به‌ فكيف اواريك؟ فاتى الجبال ‌و‌ قال مثل ذلك؟ ‌و‌ اجيب بجوابه، فاقام يتعبد الله حتى حضره الموت ‌و‌ قال: ‌يا‌ رب اقبض روحى ‌فى‌ الارواح ‌و‌ جسدى ‌فى‌ الاجساد ‌و‌ ‌لا‌ تبعثنى يوم القيامه.
 
و حقر الشى ء بالضم حقاره: هان قدره فلا يعبا ‌به‌ ‌و‌ يعدى بالحركه فيقال: حقره ‌من‌ باب- ضرب- ‌و‌ احتقره ‌اى‌ استخف ‌به‌ ‌و‌ استقله ‌و‌ اهانه ‌و‌ لما كانت الحاجه مناط الذل ‌و‌ الحقاره ‌و‌ كان ‌من‌ عدا الله سبحانه ‌و‌ تعالى ‌لا‌ ينفك ‌من‌ احتقار اهل الحاجه اليه كان هذا الوصف مما تفرد الله ‌جل‌ جلاله ‌به‌ ‌و‌ كرهه ‌من‌ عباده ‌و‌ نهى عنه حيث قال: «و اما السائل فلا تنهر» ‌و‌ قال تعالى: «قول معروف ‌و‌ مغفره خير ‌من‌ صدقه يتبعها اذى».
 قال المفسرون: الاذى: ‌هو‌ تطاول المتصدق على الفقير ‌و‌ احتقاره له كان يقول له: ‌ما‌ انت الا ثقيل، ‌و‌ لست الا مبرما، ‌و‌ باعد الله ‌ما‌ بينى ‌و‌ بينك، كل ذلك لهوانه عليه، ‌و‌ ‌من‌ الاذى اعراضه عنه ‌و‌ عدم مبالاته ‌به‌ الى غير ذلك ‌من‌ انواع الاحتقار ‌و‌ اما الحق سبحانه فلكمال ذاته ‌و‌ عموم فيضه كان ‌من‌ شانه اكرام اهل الحاجه اليه ‌و‌ تشريفهم بالثناء عليهم كما تكرر ذلك ‌فى‌ الكتاب العزيز حتى قال بعض العارفين: ‌من‌ جمله الفوائد ‌فى‌ فتح باب الحاجه على العباد الى المعبود تكريمهم بفتح باب المناجاه عليهم اذا احتاجوا الى جلب نفع ‌او‌ دفع ضر توجهوا اليه برفع الهمم فشرفوا بمناجاته (لمناجاته) ‌و‌ منحوا ‌من‌ هباته ‌و‌ لولا الحاجه لم يتشرفوا بالمناجاه.
 ‌و‌ منها: ارادته تعالى ‌ان‌ يتحببوا اليه فكلما وردت على العبد اسباب الحاجه
 
و الفاقه ‌و‌ توجه الى الله فيها فاستجاب له وجد العبد لذلك حلاوه ‌فى‌ نفسه ‌و‌ راحه ‌فى‌ قلبه فاوجب له ذلك زياده المحبه لربه، قال صلى الله عليه ‌و‌ آله: احبوا الله لما يغذيكم ‌به‌ ‌من‌ نعمه فكلما تجددت النعم بنيل مطلوب ‌او‌ دفع مكروه تجدد له ‌من‌ الحب بحسبها.
 ‌و‌ منها: ‌ان‌ الحاجه باب الى الله تعالى ‌و‌ سبب يوصل العبد اليه الم تسمع قوله تعالى: «يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله ‌و‌ الله ‌هو‌ الغنى الحميد» فجعل الفقر الى الله سببا يودى الى الوصول اليه ‌و‌ الدوام بين يديه ‌و‌ لما كان الانسان خيره خلقه تعالى جعل افتقاره اليه عاجلا لامور المعاش ‌و‌ آجلا لنعيم الاخره اكثر ‌و‌ ابين عن افتقار سائر المخلوقين، الا ترى الى قوله تعالى: «انتم الفقراء» كيف عرف الخير لقصد انهم جنس الفقراء مبالغه ‌و‌ كل ذلك لحبه تعالى للاحسان ‌و‌ عنايته باهل الحاجه اليه فكيف يحتقرهم.
 
و خيبه الله تعالى: جعله خائبا ‌اى‌ غير ظافر بمطلوبه.
 ‌و‌ الملحون جمع ملح اسم فاعل ‌من‌ الح الرجل على غريمه اذا لزمه ‌و‌ اقبل مواظبا للتقاضى منه ‌و‌ الح ‌فى‌ السوال اذا دام عليه، ‌و‌ لازمه ‌و‌ لما كان الباعث على تخييب الملحين الضجر ‌من‌ مداومه السوال المفضى الى اجابه السائل ‌و‌ كان ‌من‌ سوى الله سبحانه ينقصه ذلك ‌و‌ ‌هو‌ تعالى ‌لا‌ ينقص ‌من‌ خزائنه ‌ان‌ يهب الدنيا لمن سالها بل ‌لا‌ تزيده كثره العطاء الا كرما وجودا لم يكن ‌من‌ شانه ‌ان‌ يخيب الملحين عليه بل كان الالحاح عليه احب اليه ‌و‌ لذلك ورد استحباب الالحاح ‌فى‌ الدعاء.
 
و جبهه يجبهه جبها ‌من‌ باب- منع-: لقيه بمكروه ‌و‌ استقبله بسوء ‌و‌ اصله ‌من‌ اصابه الجبهه يقال: جبهه اذا اصاب جبهته.
 
و الداله بتشديد اللام: اسم ‌من‌ ادل على صديقه ‌و‌ قريبه ‌و‌ على ‌من‌ له منزله عنده: اذا انبسط ‌و‌ اجترا ‌و‌ افرط عليه ثقه بمحبته يقال: ادل فاصل ‌و‌ منه حديث يمشى على الصراط مدلا اى: منبسطا ‌لا‌ خوف عليه ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ دلال المراه على زوجها اذا ارته جراه عليه ‌فى‌ تغنج كانها تخالفه ‌و‌ ليس بها خلاف.
 قال بعضهم: ‌و‌ الادلال عليه تعالى اما كنايه عن الادلال بالاعمال ‌و‌ الافعال له تعالى، ‌و‌ اما عباره عما يرتكبه الجاهلون ‌من‌ سوء الادب مع جنابه تقدس ‌و‌ تعالى، ‌او‌ المراد ‌من‌ اهل الداله ‌من‌ يثق بعمله ‌و‌ يعتمد على عبادته ‌و‌ طاعته.
 ‌و‌ قال بعضهم: المراد باهل الداله عليه: الراغبون اليه ‌و‌ الداعون له مع ارتكابهم الجرائم ‌و‌ العظائم.
 ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ المراد باهل الداله عليه المنبسطون ‌فى‌ سواله سبحانه المفرطون ‌فى‌ الطلب منه شبه المجترئين على جنابه المقدس ‌لا‌ يجملون ‌فى‌ السوال ‌و‌ ‌لا‌ يقنعون بقليل النوال، ‌و‌ يدل على ذلك ‌ما‌ حكاه الزمخشرى ‌فى‌ ربيع الابرار عن اعرابيه انها قالت عند الكعبه: الهى لك ادل ‌و‌ عليك ادل ‌و‌ لو كان الادلال عليه سبحانه باحد المعانى السابقه كانت الفقرتان متنافيتين ‌و‌ الله اعلم.
 
و اجتبيت الشى ء: اخترته ‌و‌ اصطفيته.
 ‌و‌ المراد بالصغير هنا باعتبار القدر ‌و‌ المنزله.
 ‌و‌ اتحفته بالشى ء اتحافا: بررته ‌به‌ ‌و‌ خصصته ‌به‌ لطفا ‌و‌ كرامه، ‌و‌ التحفه على وزن «رطبه» ‌و‌ تسكن العين: البر ‌و‌ اللطف ‌و‌ ‌ما‌ اتحفت ‌به‌ غيرك.
 قال الازهرى: ‌و‌ التاء اصلها واو.
 
و ‌فى‌ نسخه ابن ادريس «و ‌يا‌ ‌من‌ ‌لا‌ يجتوى صغير ‌ما‌ يتحف» اى: ‌لا‌ يكره، يقال: جويته كرضيته ‌و‌ اجتواه: ‌اى‌ كرهه.
 ‌و‌ شكره تعالى ليسير ‌ما‌ يعمل له: عباره عن مجازاته عليه بجزيل الجزاء ‌و‌ ثنائه على عامله بجميل الثناء كما تضمنه قوله عليه السلام ‌فى‌ الفقره بعده «يا ‌من‌ يشكر على القليل ‌و‌ يجازى بالجليل».
 قال الغزالى ‌فى‌ المقصد الاسنى: الشكور ‌هو‌ الذى يجازى بيسير الطاعات كثير الدرجات ‌و‌ يعطى بالعمل ‌فى‌ ايام معدوده نعما غير محدوده ‌و‌ ‌من‌ جازى الحسنه باضعافها، يقال: انه شكر تلك الحسنه، ‌و‌ ‌من‌ اثنى على المحسن ايضا فيقال ايضا: انه شكره ‌و‌ زياداته تعالى ‌فى‌ المجازاه غير محصوره ‌و‌ ‌لا‌ محدوده فان نعيم الجنه ‌لا‌ نفاد له ‌و‌ ‌لا‌ منتهى ‌و‌ الله تعالى يقول: «كلوا ‌و‌ اشربوا هنيئا بما اسلفتم ‌فى‌ الايام الخاليه» ‌و‌ ثناوه على عباده بما وفقهم له ‌من‌ العمل الصالح مشهور ‌فى‌ كتابه المجيد، متلو ‌و‌ مسطور كقوله تعالى: «و الذاكرين الله كثيرا ‌و‌ الذاكرات» ‌و‌ كقوله تعالى «التائبون العابدون» الى آخرها.
 قال بعض اهل العرفان: اياك ‌ان‌ تحقر ‌من‌ الاعمال الصالحه شيئا ابدا صغيرا كان ‌او‌ كبيرا، اذ ‌لا‌ هاجس يهجس لك ‌فى‌ الطاعه الا شكرك الله تعالى عليه، ‌و‌ كفى دليلا على ذلك قوله تعالى: «فمن يعمل مثقال ذره خيرا يره».
 ‌و‌ قد حكى: ‌ان‌ رجلا رئى ‌فى‌ المنام فقيل له: ‌ما‌ فعل الله بك؟ فقال: حاسبنى فخفت كفه حسناتى، فوقعت فيها صره فثقلت كفه حسناتى، فقلت ‌ما‌ هذا ‌يا‌ رب؟ فقال لى: ‌كف‌ تراب القيته ‌فى‌ قبر مسلم فرجح بذلك المقدار ميزانه. فانظر كيف شكر الله تعالى له ذلك ‌و‌ خباه له ‌فى‌ خزائنه، ‌من‌ حيث لم تطلع عليه الملائكه لانها
 
حسنه دقت عن ‌ان‌ تكتبها الملائكه للطافه الجزاء عليها، اذ لم تكن غير قبضه تراب فاخذها جلت عظمته برافته ‌و‌ كرمه ‌و‌ ادخرها لعبده ‌فى‌ خزائنه الى وقت حاجته اليها، فجعلها سببا لنجاته، فكيف يحتقر شى ء ‌من‌ صالح الاعمال ‌و‌ ‌ان‌ دق.
 
و اجتبيت الشى ء: اخترته ‌و‌ اصطفيته.
 ‌و‌ المراد بالصغير هنا باعتبار القدر ‌و‌ المنزله.
 ‌و‌ اتحفته بالشى ء اتحافا: بررته ‌به‌ ‌و‌ خصصته ‌به‌ لطفا ‌و‌ كرامه، ‌و‌ التحفه على وزن «رطبه» ‌و‌ تسكن العين: البر ‌و‌ اللطف ‌و‌ ‌ما‌ اتحفت ‌به‌ غيرك.
 قال الازهرى: ‌و‌ التاء اصلها واو.
 
و ‌فى‌ نسخه ابن ادريس «و ‌يا‌ ‌من‌ ‌لا‌ يجتوى صغير ‌ما‌ يتحف» اى: ‌لا‌ يكره، يقال: جويته كرضيته ‌و‌ اجتواه: ‌اى‌ كرهه.
 ‌و‌ شكره تعالى ليسير ‌ما‌ يعمل له: عباره عن مجازاته عليه بجزيل الجزاء ‌و‌ ثنائه على عامله بجميل الثناء كما تضمنه قوله عليه السلام ‌فى‌ الفقره بعده «يا ‌من‌ يشكر على القليل ‌و‌ يجازى بالجليل».
 قال الغزالى ‌فى‌ المقصد الاسنى: الشكور ‌هو‌ الذى يجازى بيسير الطاعات كثير الدرجات ‌و‌ يعطى بالعمل ‌فى‌ ايام معدوده نعما غير محدوده ‌و‌ ‌من‌ جازى الحسنه باضعافها، يقال: انه شكر تلك الحسنه، ‌و‌ ‌من‌ اثنى على المحسن ايضا فيقال ايضا: انه شكره ‌و‌ زياداته تعالى ‌فى‌ المجازاه غير محصوره ‌و‌ ‌لا‌ محدوده فان نعيم الجنه ‌لا‌ نفاد له ‌و‌ ‌لا‌ منتهى ‌و‌ الله تعالى يقول: «كلوا ‌و‌ اشربوا هنيئا بما اسلفتم ‌فى‌ الايام الخاليه» ‌و‌ ثناوه على عباده بما وفقهم له ‌من‌ العمل الصالح مشهور ‌فى‌ كتابه المجيد، متلو ‌و‌ مسطور كقوله تعالى: «و الذاكرين الله كثيرا ‌و‌ الذاكرات» ‌و‌ كقوله تعالى «التائبون العابدون» الى آخرها.
 قال بعض اهل العرفان: اياك ‌ان‌ تحقر ‌من‌ الاعمال الصالحه شيئا ابدا صغيرا كان ‌او‌ كبيرا، اذ ‌لا‌ هاجس يهجس لك ‌فى‌ الطاعه الا شكرك الله تعالى عليه، ‌و‌ كفى دليلا على ذلك قوله تعالى: «فمن يعمل مثقال ذره خيرا يره».
 ‌و‌ قد حكى: ‌ان‌ رجلا رئى ‌فى‌ المنام فقيل له: ‌ما‌ فعل الله بك؟ فقال: حاسبنى فخفت كفه حسناتى، فوقعت فيها صره فثقلت كفه حسناتى، فقلت ‌ما‌ هذا ‌يا‌ رب؟ فقال لى: ‌كف‌ تراب القيته ‌فى‌ قبر مسلم فرجح بذلك المقدار ميزانه. فانظر كيف شكر الله تعالى له ذلك ‌و‌ خباه له ‌فى‌ خزائنه، ‌من‌ حيث لم تطلع عليه الملائكه لانها
 
حسنه دقت عن ‌ان‌ تكتبها الملائكه للطافه الجزاء عليها، اذ لم تكن غير قبضه تراب فاخذها جلت عظمته برافته ‌و‌ كرمه ‌و‌ ادخرها لعبده ‌فى‌ خزائنه الى وقت حاجته اليها، فجعلها سببا لنجاته، فكيف يحتقر شى ء ‌من‌ صالح الاعمال ‌و‌ ‌ان‌ دق.
 
و دنا منه ‌و‌ دنا اليه يدنو دنوا: قرب فهو دان.
 قال الراغب: دنو الله تعالى ‌و‌ قربه ‌من‌ العبد ‌هو‌ الافضال عليه ‌و‌ الاحسان اليه ‌لا‌ بالمكان.
 ‌و‌ لهذا روى ‌ان‌ موسى عليه السلام قال: الهى اقريب انت فاناجيك؟ ‌ام‌ بعيد فاناديك؟ فقال لو قدرت لك البعد لما انتهيت اليه، ‌و‌ لو قدرت لك القرب لما اقتدرت عليه.
 ‌و‌ دنو العبد ‌و‌ قربه ‌من‌ الله ‌فى‌ الحقيقه: التخصص بكثير ‌من‌ الصفات التى يصح ‌ان‌ يوصف الله تعالى بها، ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن وصف الانسان ‌به‌ على الحد الذى يوصف تعالى به، نحو الحكمه ‌و‌ العلم ‌و‌ الرحمه، ‌و‌ ذلك يكون بازاله الاوساخ ‌من‌ الجهل ‌و‌ الطيش ‌و‌ الغضب ‌و‌ الحاجات البدنيه بقدر طاقه البشر، ‌و‌ ذلك قرب روحانى ‌لا‌ بدنى، ‌و‌ على هذا القرب نبه عليه السلام فيما ذكر عن الله سبحانه: ‌من‌ تقرب منى شبرا تقربت منه ذراعا.
 
و قوله: «عنه» ‌ما‌ تقرب الى عبد بمثل اداء ‌ما‌ افترضت عليه.
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: المراد بقرب الله قرب نعمه ‌و‌ الطافه ‌و‌ بره ‌و‌ ترادف مننه، ‌و‌ بقرب العبد القرب بالذكر ‌و‌ الطاعه لاقرب الذات ‌و‌ المكان.
 ‌و‌ دعوت زيدا ادعوه دعاء: ناديته، ‌و‌ طلبت اقباله، ‌اى‌ يطلب اليه اقبال ‌من‌
 
ادبر عنه ‌و‌ ‌هو‌ تمثيل لامره العصاه بالتوبه اليه ‌و‌ حضه المجرمين على الانابه له، قال رجل لرابعه: انى عصيت الله افترينه يقبلنى؟ قالت: ويحك انه يدعو المدبرين عنه فكيف ‌لا‌ يقبل المقبلين اليه.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: «من اعرض عنه» ‌و‌ ‌هو‌ بمعنى ادبر فان الادبار ‌و‌ الاعراض ‌و‌ التولى معان متقاربه.
 
و التغيير: يقال: على وجهين:
 احدهما: لتغيير صوره الشى ء دون ذاته كما يقال: غيرت دارى اذا بنيتها بناء غير الذى كان.
 ‌و‌ الثانى: لتبديله بغيره كما تقول: غيرت ثويى ‌و‌ دابتى اذا ابدلتهما بغيرهما، ‌و‌ هذا المعنى ‌هو‌ المراد، لان تغيير النعمه عباره عن سلبها ‌و‌ تبديلها بالنقمه، ‌و‌ فيه تلميح الى قوله تعالى ‌فى‌ سوره الانفال: «ذلك بان الله لم ‌يك‌ مغيرا نعمه انعمها على قوم حتى يغيروا ‌ما‌ بانفسهم» ‌و‌ قوله تعالى ‌فى‌ سوره الرعد: «ان الله ‌لا‌ يغير ‌ما‌ بقوم حتى يغيروا ‌ما‌ بانفسهم».
 ‌و‌ الالف ‌و‌ اللام ‌فى‌ النعمه: للجنس، ‌اى‌ ‌لا‌ يغير شيئا ‌من‌ جنس النعمه ‌جل‌ ‌او‌ هان، كما ‌ان‌ التنكير ‌فى‌ الايه الاولى يفيد العموم، اى، ‌اى‌ نعمه كانت جلت ‌او‌ هانت.
 فان قلت: مدلول عباره الدعاء انه تعالى ‌لا‌ يغير النعمه مطلقا، ‌و‌ مدلول الايتين انه ‌لا‌ يغيرها مادامت موجباتها ‌و‌ هى ‌ما‌ ‌فى‌ انفسهم ‌من‌ الاحوال ‌و‌ الاعمال الصالحه
 
التى كانوا عليها وقت تلبسهم بالنعمه فاذا فارقوها ‌و‌ اتصفوا بماينا فيها غيرها فعدم التغيير ‌فى‌ الايتين مقيد.
 قلت معنى كونه تعالى ‌لا‌ يغير النعمه انه ‌لا‌ يغيرها ‌من‌ ذات نفسه ‌من‌ غير موجب لتغييرها فاذا حصل موجب تغييرها ‌و‌ مقتضاه لم يكن التغيير واقعا ‌من‌ الله سبحانه ‌فى‌ ‌حد‌ ذاته بل بسبب ناشى ء ‌من‌ غيره فكانه ‌هو‌ المغير للنعمه فلا منافاه بين عباره الدعاء ‌و‌ مدلول الايتين ‌و‌ هذا معنى قولهم: الرحمه ذاتيه له تعالى ‌و‌ الغضب ‌من‌ مقتضيات العصيان ‌و‌ لذلك قال اميرالمومنين ‌و‌ سيد الوصيين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه: «و ايم الله، ‌ما‌ كان قوم قط ‌فى‌ خفض عيش، فزال عنهم الا بذنوب اجترحوها، لان الله ليس بظلام للعبيد، ‌و‌ لو ‌ان‌ الناس حين تنزل بهم النقم، ‌و‌ تزول عنهم النعم، فزعوا الى ربهم بصدق ‌من‌ نياتهم، ‌و‌ وله ‌من‌ قلوبهم، لرد عليهم كل شارد، ‌و‌ اصلح لهم كل فاسد».
 ‌و‌ بادر مبادره ‌و‌ بدارا: اسرع ‌و‌ عجل.
 ‌و‌ النقمه: مثل كلمه، ‌و‌ تخفف مثلها: اسم ‌من‌ انتقم منه اذا عاقبه ‌او‌ بالغ ‌فى‌ العقوبه ‌من‌ نقم اذا بلغت ‌به‌ الكراهه ‌حد‌ السخط ‌و‌ لما كان غرض العنايه الالهيه سوق كل ناقص الى كماله كانت ‌من‌ سنته تعالى عدم مبادره العصاه بالانتقام ‌و‌ معاجلتهم بالعقاب بل ينظرهم ‌و‌ يمهلهم ليرجعوا عن عصيانهم وغيهم الى الطاعه ‌و‌ الرشد ‌و‌ يخرجوا ‌من‌ ظلمات الجهل ‌و‌ ورطات الماثم الى نور الحق ‌و‌ متسع الجود.
 
قوله عليه السلام: «و ‌يا‌ ‌من‌ يثمر الحسنه حتى ينميها» ‌اى‌ يجعلها ذات ثمره ‌و‌ يرتب عليها منافع حتى يكثرها، يقال لكل نفع صدر عن شى ء ‌و‌ ترتب عليه: ثمرته، كقولك: النجاه ثمره الصدق، ‌و‌ الظفر ثمره الصبر، ‌و‌ الجنه ثمره الايمان، ‌و‌ اصله ‌من‌ الثمره للشجر، ‌و‌ هى اسم لما يوكل ‌من‌ حمل الشجر، ‌و‌ يثمر هنا مضارع
 
اثمره، ‌اى‌ صيره ذا ثمر كما اتفقت عليه النسخ، فالهمزه فيه للتعديه، ‌و‌ لازمه ثمر يثمر ‌من‌ باب- كتب- بمعنى اثمر لازما.
 قال ‌فى‌ القاموس: ثمر الشجر ‌و‌ اثمر صار فيه الثمر انتهى.
 فاثمر: على هذا يستعمل لازما ‌و‌ متعديا، ‌و‌ قيل: الثامر ‌ما‌ خرج ثمره، ‌و‌ المثمر ‌ما‌ نضج ثمره ‌و‌ بلغ ‌ان‌ يجنى كما حكاه صاحب القاموس ايضا، ‌و‌ عليه فبين معنى اثمر لازما ‌و‌ بينه متعديا فرق، فاثمر الشجر لازما معناه نضج ثمره، ‌و‌ اثمر الله الشجر متعديا معناه اخرج الله ثمرته، ‌و‌ هذا المعنى ‌هو‌ المراد ‌فى‌ عباره الدعاء.
 ‌و‌ نمى الشى ء ينمى ‌من‌ باب- رمى- نماء بالفتح ‌و‌ المد: زاد ‌و‌ كثر، ‌و‌ ‌فى‌ لغه ينمو نموا ‌من‌ باب- قعد- ‌و‌ يتعدى بالهمزه ‌و‌ التضعيف.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌ان‌ الصدقه تقع ‌فى‌ يد الرحمان فيربيها كما يربى احدكم فلوه ‌او‌ فصيلته.
 ‌و‌ تجاوز عن السيئه: صفح ‌و‌ عفى عنها، ‌و‌ عفت الريح المنزل: محته ‌و‌ طمست اثره، ‌و‌ عفى المنزل يعفو درس ‌و‌ انمحى، يتعدى ‌و‌ ‌لا‌ يتعدى الا ‌ان‌ الثابت ‌فى‌ المشهور ‌من‌ نسخ الصحيفه يعفيها بضم الياء ‌من‌ الاعفاء ‌و‌ لم ينص احد ‌من‌ اللغويين فيما وقفت عليه على ‌ان‌ عفا بمعنى درس يعدى بالهمزه الا ‌ان‌ يكون بمعنى الترك ‌من‌ قولهم: اعفنى ‌من‌ الخروج معك: ‌اى‌ دعنى منه فيكون ايقاع الاعفاء على السيئه ‌من‌ باب المجاز العقلى، ‌و‌ الاصل اعفاء صاحبها ‌من‌ عقوبتها، ‌او‌ يكون المراد ترك السيئه بمعنى عدم اثباتها ‌فى‌ صحيفه الاعمال ‌و‌ الاغضاء عنها.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس حتى يعفيها بتشديد الفاء ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ عفت الريح الاثر بالتشديد، ‌اى‌ محته.
 
قال الجوهرى: تعفت الدار: درست، ‌و‌ عفتها الريح شدد للمبالغه، قال الشاعر:
 اهاجك رسم دارس الرسم باللوى
 لاسماء عفا آيه المور ‌و‌ القطر
 ‌و‌ حتى: ‌فى‌ الفقرتين للتعليل لان ‌ما‌ بعدها مسبب عما قبلها ‌اى‌ يثمر الحسنه لينميها، ‌و‌ يتجاوز عن السيئه ليعفيها ‌و‌ ايثار صيغه الاستقبال ‌فى‌ جميع الصلاه الواقعه ‌فى‌ هذا الفصل ‌من‌ الدعاء للدلاله على الدوام ‌و‌ الاستمرار حتى ‌فى‌ المضارع المنفى ‌من‌ قوله: «و ‌يا‌ ‌من‌ ‌لا‌ يحتقر اهل الحاجه» ‌و‌ نحوه، فان المضارع كما يفيد الاستمرار ‌فى‌ الاثبات يفيده ‌فى‌ النفى بحسب المقام كما ‌ان‌ الجمله الاسميه تدل بمعونه المقام على دوام الثبوت ‌و‌ عند دخول النفى تدل على دوام الانتفاء ‌لا‌ انتفاء الدوام، ‌و‌ الله اعلم.
 
الانصراف: الانقلاب ‌و‌ الرجوع، يقال: انصرف الناس ‌من‌ المسجد اى: انقلبوا ‌و‌ رجعوا الى بيوتهم.
 ‌و‌ الامال: جمع امل محركا كسبب ‌و‌ اسباب ‌و‌ ‌هو‌ الرجاء قال بعضهم: ‌و‌ اكثر ‌ما‌ يستعمل فيما يستبعد حصوله.
 ‌و‌ دون: نقيض فوق، ‌و‌ ‌هو‌ تقصير عن الغايه.
 ‌و‌ المدى بفتحتين: الغايه.
 
و مدى البصر: منتهاه ‌و‌ غايته.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بالحاجات» للمصاحبه، ‌اى‌ مصاحبه لها كقوله تعالى: «اهبط بسلام»، ‌و‌ الكلام استعاره مكنيه ‌او‌ تمثيليه ‌و‌ المعنى: ‌ان‌ الامال رجعت بقضاء الحاجات قبل وصولها الى منتهى كرمك ‌و‌ بلوغ غايته اذ ‌لا‌ غايه لكرمك، ‌و‌ ‌من‌ زعم ‌ان‌ دون هنا بمعنى عند، فقد توهم.
 ‌و‌ ملات الاناء بالهمز ملاء ‌من‌ باب- نفع- فامتلا: جعلت فيه مقدار ‌ما‌ ياخذه.
 ‌و‌ الفيض: مصدر فاض السيل اذا كثر ‌و‌ سال ‌من‌ جوانب الاوديه.
 ‌و‌ الاوعيه: جمع وعاء بالكسر ‌و‌ المد ‌و‌ ‌هو‌ الظرف قال تعالى: «فبدا باوعيتهم قبل وعاء اخيه».
 ‌و‌ الطلبات، جمع طلبه مثل كلمه: ‌و‌ هى الحاجه ‌من‌ الطلب بفتحتين ‌و‌ ‌هو‌ الفحص عن وجود الشى ء عينا كان ‌او‌ معنى ‌و‌ اثبات الاوعيه للطلبات استعاره تخييليه.
 ‌و‌ تفسخ فلان تحت الحمل الثقيل: ضعف ‌و‌ عجز، ‌و‌ تفسخت الفاره ‌فى‌ البئر: تقطعت، ‌اى‌ ضعفت ‌و‌ عجزت ‌او‌ تقطعت الصفات قبل وصولها الى كنه نعتك ‌و‌ حقيقه وصفك، ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك ‌فى‌ الروضه الثانيه ‌و‌ الثلاثين عند قوله عليه السلام: «و تفسخت دونك النعوت».
 ‌و‌ «الفاء» ‌من‌ قوله: «فلك» سببيه، ‌اى‌ فسبب ذلك لك العلو الاعلى.
 ‌و‌ العلو: يقال: بالاشتراك على معان ثلاثه:
 الاول: العلو الحسى المكانى كارتفاع بعض الاجسام على بعض.
 الثانى: العلو التخيلى كما يقال للملك الانسانى: انه اعلى الناس، ‌اى‌ اعلاهم
 
فى الرتبه المتخيله كمالا.
 الثالث: العلو العقلى كما يقال: ‌فى‌ بعض الكمالات العقليه التى بعضها اعلى ‌من‌ بعض، ‌و‌ كما يقال: السبب اعلى ‌من‌ المسبب.
 اذا عرفت ذلك فاعلم انه يستحيل ‌ان‌ يكون علوه تعالى بالمعنى الاول لتنزهه عن الجسميه ‌و‌ المكان، ‌و‌ يستحيل ‌ان‌ يكون بالمعنى الثانى ايضا لتنزهه عن الكمالات الخياليه التى يصدق بها العلو الخيالى، اذ هى كمالات اضافيه تتغير ‌و‌ تتبدل بحسب الاشخاص ‌و‌ الاوقات، ‌و‌ قد تكون كمالات عند بعض الناس ‌و‌ نقائص عند آخرين، كالمناصب الدنيويه بالنسبه الى العلماء الربانيين ‌و‌ الزهاد المتالهين، ‌و‌ تتطرق اليه الزياده ‌و‌ النقصان ‌و‌ ‌لا‌ شى ء ‌من‌ كمال الواجب سبحانه، كذلك لتنزهه عن النقصان ‌و‌ التغير بوجه ‌من‌ الوجوه، فبقى ‌ان‌ يكون علوه علوا عقليا مطلقا، بمعنى انه ‌لا‌ مرتبه فوق رتبته، بل جميع المراتب العقليه منحطه تحته.
 ‌و‌ بيان ذلك ‌ان‌ اعلى مراتب الكمال العقلى ‌هو‌ مرتبه العليه، ‌و‌ لما كانت ذاته المقدسه هى مبدا كل موجود حسى ‌و‌ عقلى، ‌و‌ علته التامه المطلقه التى ‌لا‌ يتصور النقصان فيها بوجه ما، ‌لا‌ جرم كانت مرتبته اعلى المراتب العقليه مطلقا، ‌و‌ له الفوق المطلق ‌فى‌ الوجود العارى عن الاضافه الى شى ء، ‌و‌ عن امكان ‌ان‌ يكون فوقه ‌ما‌ ‌هو‌ اعلى منه، ‌و‌ ذلك معنى قوله عليه السلام: «فلك العلو الاعلى فوق كل عال» ‌و‌ تقديم الظرف الذى ‌هو‌ الخبر للتخصيص، ‌اى‌ لك العلو الاعلى وحدك ‌لا‌ لاحد غيرك.
 فان قلت: قد قررت ‌ان‌ «الفاء» ‌من‌ قوله: «فلك» للسببيه، ‌و‌ علوه تعالى بالمعنى المذكور ليس متسببا عن الاوصاف المذكوره قبل الفاء، فكيف تكون
 
سببيه.
 قلت: ليس المراد بالسببيه كون ‌ما‌ قبلها سببا لاتصافه تعالى بما بعدها ‌و‌ حصول هذه الصفه له ‌جل‌ شانه، بل كونه موجبا للثناء عليه بذلك ‌و‌ الاقرار بتفرده بهذا الوصف كما ينبى ‌به‌ تقديم الخبر ‌و‌ ‌لا‌ ريب ‌فى‌ ‌ان‌ اتصافه سبحانه بالصفات المذكوره مما يقضى بالاقرار ‌و‌ الاذعان له جلت قدرته باختصاصه بالعلو بالمعنى المذكور.
 ‌و‌ الجلال: العظمه، ‌و‌ قال الراغب: الجلاله بالهاء: عظم القدر، ‌و‌ الجلال بغير الهاء: التناهى ‌فى‌ ذلك، ‌و‌ خص بوصف الله تعالى فقيل: ذو الجلال ‌و‌ الاكرام ‌و‌ لم يستعمل ‌فى‌ غيره.
 ‌و‌ قيل: الجلال: راجع الى كمال الصفات، ‌و‌ الكبر: راجع الى كمال الذات، ‌و‌ العظمه: راجع الى كمال الذات ‌و‌ الصفات.
 ‌و‌ قيل: الجلال: ‌من‌ الصفات السلبيه لانه بمعنى كونه منزها عن كل ‌ما‌ للممكنات ‌من‌ الصفات المحدثه ‌و‌ الكمالات المستفاده ‌من‌ الغير المستلزمه للنقصان الذاتى ‌من‌ قولهم: انا اجلك عن كذا، ‌اى‌ انزهك عنه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ عباره عن استغنائه المطلق، ‌و‌ ‌فى‌ اصطلاح ارباب القلوب الجلال: ‌من‌ الصفات ‌ما‌ يتعلق بالقهر ‌و‌ الغضب كما ‌ان‌ الجمال ‌من‌ الصفات ‌ما‌ يتعلق باللطف ‌و‌ الرضى. ‌و‌ بيان ذلك ‌ان‌ الجلال عباره عن احتجاب الحق عن الخلق بعزته ‌من‌ ‌ان‌ يعرفه احد غيره بحقيقته ‌و‌ هويته، كما يعرف ‌هو‌ ذاته فان ذاته سبحانه لايراها احد على ‌ما‌ هى عليه الا هو، ‌و‌ الجمال: عباره عن تجليه تعالى لذاته ‌و‌ لخلقه ‌فى‌ مخلوقاته كما قال اميرالمومنين عليه السلام: «الحمد لله المتجلى لخلقه
 
بخلقه».
 ‌و‌ كما قال الصادق عليه السلام: لقد تجلى الله لخلقه ‌فى‌ كلامه ولكنهم ‌لا‌ يبصرون.
 ‌و‌ ‌فى‌ كلام بعض العارفين: ‌ما‌ رايت شيئا الا ‌و‌ رايت الله فيه، فلما كان ‌فى‌ الجلال ‌و‌ نعوته معنى الاحتجاب ‌و‌ العزه، لزمه العلو ‌و‌ القهر ‌من‌ الحضره الالهيه، ‌و‌ الخضوع ‌و‌ الرهبه منا ‌و‌ لما كان ‌فى‌ الجمال ‌و‌ نعوته معنى الدنو ‌و‌ السفور، لزمه اللطف ‌و‌ الرحمه ‌و‌ العطف ‌من‌ الحضره الالهيه، ‌و‌ الانس منا، ‌و‌ على كل معنى حمل الجلال فله سبحانه الجلال الامجد، ‌اى‌ الاعز الاشرف ‌من‌ المجد: ‌و‌ ‌هو‌ العز ‌و‌ الشرف متجاوزا كل جلال، سوى جلاله فان «دون» كما علمت، مما اتسع فيه فاستعمل ‌فى‌ كل تجاوز ‌حد‌ الى حد، ‌و‌ تخطى امر الى امر ‌او‌ فوق كل جلال.
 قال ‌فى‌ القاموس: «دون» نقيض فوق، ‌و‌ بمعنى فوق ضد.
 
و ذلك لما ثبت ‌ان‌ الكمال المطلق ‌فى‌ كل صفه ثبوتيه ‌و‌ سلبيه ليس الا لله تعالى، ‌و‌ اما غيره فكما له بالقياس الى ‌من‌ ‌هو‌ دونه، هذا ‌و‌ لما كان كل جليل ‌و‌ شريف سواه سبحانه، فهو ‌فى‌ ذل الحاجه ‌و‌ اسر العبوديه بالنسبه الى كمال جلاله ‌و‌ شرفه ‌و‌ علوه، اذ كل موجود سواه ‌فى‌ تصريف قدرته ‌و‌ مشيئته اللتين هما مستند وجوده، ثبت ‌ان‌ كل جليل بالنسبه اليه تعالى صغير، ‌و‌ كل شريف ‌فى‌ جنب شرفه ‌و‌ علوه حقير، ‌و‌ ‌ان‌ صدق عليه عرفا انه جليل ‌او‌ شريف بالنسبه الى ‌من‌ ‌هو‌ دونه، ‌و‌ الله اعلم.
 خاب خيبه: لم يظفر بما طلب.
 ‌و‌ الوافدون: جمع وافد، اسم فاعل ‌من‌ وفد فلان على الملك وفدا ‌من‌ باب
 
- وعد- ‌و‌ وفودا اذا ورد عليه ‌و‌ جاءه مسترفدا ‌و‌ مستنجزا حاجه.
 ‌و‌ خسر ‌من‌ باب- علم- خسرا ‌و‌ خسرانا بضمهما، ‌و‌ خساره بالفتح: ضل ‌و‌ هلك ‌و‌ انتقص راس ماله.
 قال الراغب: الخسر ‌و‌ الخسران: انتقاص راس المال، ‌و‌ ينسب الى الانسان فيقال: خسر فلان، ‌و‌ الى الفعل فيقال: خسرت تجارته، ‌و‌ يستعمل ذلك ‌فى‌ المقتنيات الخارجه، كالمال ‌و‌ الجاه ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ ‌هو‌ الاكثر، ‌و‌ ‌فى‌ المقتنيات النفسيه، كالصحه ‌و‌ السلامه ‌و‌ العقل ‌و‌ الايمان ‌و‌ الثواب انتهى.
 ‌و‌ على هذا فخسران المتعرضين الا له سبحانه: عباره عن نقص عقلهم ‌و‌ ايمانهم ‌و‌ ثوابهم.
 ‌و‌ تعرض للمعروف ‌و‌ تعرضه: يتعدى بنفسه ‌و‌ بالحرف اذا تصدى له ‌و‌ طلبه، ‌و‌ ذكره الازهرى ‌و‌ ابن سيده ‌و‌ غيرهما، ‌و‌ منه تعرضوا لنفحات الله.
 ‌و‌ الاستثناء ‌من‌ قوله: «الا لك» مفرغ، ‌اى‌ المتعرضون لاحد الا لك.
 ‌و‌ اجدب القوم اجدابا: اصابهم الجدب ‌و‌ ‌هو‌ انقطاع الامطار ‌و‌ يبس الارض.
 ‌و‌ انتجع القوم اذا ذهبوا لطلب الكلاء ‌و‌ العشب، ‌و‌ ‌فى‌ المثل: «من اجدب انتجع» ثم توسعوا فيه فاستعملوا ‌فى‌ طلب المعروف ايضا.
 
قال ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز انتجعت فلانا طلبت معروفه.
 ‌و‌ ‌من‌ انتجع: ‌فى‌ محل نصب على الاستثناء.
 
و بابه تعالى: عباره عما يتوصل ‌به‌ الى تحصيل نعمه ‌من‌ الاسباب اذ كان الباب ‌فى‌ الاصل مدخل الدار الذى يتوصل منه اليها ثم استعير ‌فى‌ كل ‌ما‌ يتوصل ‌به‌ الى شى ء.
 ‌و‌ ذكر الفتح: تخييل ‌او‌ ترشيح، ‌و‌ الجمله مستانفه استئنافا بيانيا كانه سئل كيف ‌لا‌ يخيب الوافدون عليه، ‌و‌ ‌لا‌ يخسر المتعرضون له، ‌و‌ ‌لا‌ يجدب المنتجع فضله؟ فقال: لان بابه مفتوح للراغبين، وجوده مباح للسائلين الى آخره.
 ‌و‌ المباح: اسم مفعول ‌من‌ اباح الرجل ماله اذا اذن ‌فى‌ اخذه ‌و‌ تركه، ‌و‌ جعله مطلق الطرفين، ‌و‌ لذلك عرفوا المباح بما استوى طرفاه.
 ‌و‌ قال الجوهرى: ابحتك الشى ء احللته لك، ‌و‌ المباح خلاف المحظور.
 ‌و‌ الغوث: النصره، يقال: استغثته فاغاثنى اغاثه ‌اى‌ نصرنى ‌و‌ اعاننى،
 
و جمله قوله عليه السلام: ‌لا‌ يخيب منك الاملون ‌و‌ ‌ما‌ بعدها تاكيد لمضمون الجمل السابقه ‌و‌ لذلك تعين الفصل ‌و‌ لم يعطفها على ‌ما‌ قبلها لكمال الاتصال فهى كقوله تعالى: «لا ريب فيه» بالنسبه الى «ذلك الكتاب» ‌و‌ ‌فى‌ الفقره الاخيره تلميح الى قوله تعالى: «و ‌ما‌ كان الله ليعذبهم ‌و‌ انت فيهم ‌و‌ ‌ما‌ كان الله معذبهم ‌و‌ ‌هم‌ يستغفرون» ‌و‌ الله اعلم.
 
مبسوط اى: موسع ‌و‌ منه: «و لو بسط الله الرزق لعباده» ‌اى‌ وسعه، ‌و‌ انما جعله لمن عصاه اظهارا لكمال حلمه ‌و‌ كرمه، فان ‌من‌ بسط رزقه لمن عصاه، فهو لمن اطاعه ابسط.
 
و الحلم: ضبط النفس ‌و‌ الطبع عن هيجان الغضب.
 ‌و‌ قال بعض العلماء: الحلم ‌فى‌ الانسان فضيله تحت الشجاعه، يعتبر معها عدم انفعال النفس عن الواردات المكروهه الموذيه له، ‌و‌ اما ‌فى‌ ‌حق‌ الله تعالى فيعود الى اعتبار عدم انفعاله عن مخالفه عبيده لاوامره ‌و‌ نواهيه، ‌و‌ كونه ‌لا‌ يستفزه عند مشاهده المنكرات منهم غضب، ‌و‌ ‌لا‌ يحمله على المسارعه الى الانتقام مع قدرته التامه على كل مقدور غيض ‌و‌ ‌لا‌ طيش، ‌و‌ الفرق بينه تعالى ‌و‌ بين العبد ‌فى‌ هذا الوصف: ‌ان‌ سلب الانفعال عنه ‌عز‌ ‌و‌ جل، سلب مطلق ‌و‌ سلبه عن العبد سلب عما ‌من‌ شانه ‌ان‌ يكون له ذلك الشى ء، فكان عدم الانفعال عنه تعالى ابلغ ‌و‌ اتم ‌من‌ عدمه عن العبد، انتهى.
 ثم لما كان حلمه سبحانه شاملا لكل احد ‌من‌ ولى ‌و‌ عدو، ‌و‌ كان الحلم عن العدو اعظم ‌و‌ اظهر ‌و‌ اعجب، نص على اعتراضه لمن ناواه دون ‌من‌ والاه، فان ‌من‌ حلم عن مناويه، فهو عن مواليه احلم.
 يقال: عرض له ‌من‌ باب- ضرب- و- علم- ‌و‌ اعترض له ‌و‌ تعرض له اذا تصدى، ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس، متعرض بهذا المعنى ‌و‌ يوجد ‌فى‌ بعض النسخ، معرض ‌من‌ باب التفعيل، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ عرضته لكذا تعريضا: ‌اى‌ صديته له ‌و‌ جعلته عارضا له ‌و‌ ‌هو‌ راجع الى المعنى الاول.
 ‌و‌ ناواه مناواه: عاداه.
 
قال الجوهرى: ‌و‌ اصله الهمز لانه ‌من‌ النوء ‌و‌ ‌هو‌ النهوض.
 ‌و‌ انما فصل الجمله الاولى عما قبلها، لكمال الاتصال اذ هى ‌من‌ باب التاكيد لمزيد جوده ‌و‌ كرمه.
 ‌و‌ اما قوله: «عادتك الاحسان» فمستانفه على وجه التعليل كانه قال: لان عادتك الاحسان الى آخره.
 ‌و‌ السنه: الطريقه، ‌و‌ المراد بسنته تعالى هنا: طريقه حكمته.
 ‌و‌ ابقى عليه ابقاء: اذا رحمه ‌و‌ اشفق عليه ‌و‌ الاسم البقيا.
 ‌و‌ الاعتداء: مجاوزه الحق، ‌و‌ اصله ‌من‌ العدو ‌و‌ ‌هو‌ التجاوز.
 قال ابن سيده ‌فى‌ المحكم: المعتدون: المجاوزون ‌ما‌ امروا به.
 ‌و‌ ‌لا‌ ينافى ذلك قوله تعالى: «ان الله ‌لا‌ يحب المعتدين» فان ابقائه عليهم ‌من‌ مقتضى ذاته ‌و‌ بغضه لهم ‌من‌ مقتضى اعتدائهم.
 «و حتى»: هنا حرف ابتداء مفادها التعظيم.
 ‌و‌ اللام جواب قسم محذوف.
 ‌و‌ غره غررا: اطمعه فيما ‌لا‌ يصح ‌و‌ منه: «و غرهم ‌فى‌ دينهم ‌ما‌ كانوا يفترون»
 اى: اطمعهم ‌فى‌ غير مطمع.
 ‌و‌ الاناه: على وزن حصاه اسم ‌من‌ تانى ‌فى‌ الامر، اى: تمهل ‌و‌ لم يعجل.
 ‌و‌ الرجوع: العود، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا الرجوع عن الاصرار الى التوبه، ‌او‌ عن الباطل الى الحق، كقوله تعالى: «و كذلك نفصل الايات ‌و‌ لعلهم يرجعون» ‌و‌ قوله تعالى: «و حرام على قريه اهلكناها انهم لايرجعون» اى: حرمنا عليهم ‌ان‌
 
يتوبوا ‌و‌ يرجعوا عماهم عليه ‌من‌ الباطل ‌و‌ سيى الاعمال، ‌و‌ عدى الغرور ب«عن» لتضمينه معنى الصرف، ‌اى‌ غرتهم اناتك صارفه لهم عن الرجوع.
 ‌و‌ صده عن كذا يصده صدا ‌من‌ باب- قتل-: منعه.
 ‌و‌ الامهال: الانظار ‌و‌ عدم المعاجله.
 ‌و‌ نزع عن الشى ء ‌من‌ باب- ضرب- نزوعا: ‌كف‌ ‌و‌ اقلع عنه، ‌و‌ اسناد الغرور ‌و‌ الصد الى اناته ‌و‌ امهاله تعالى ‌من‌ باب اسناد الشى ء الى غير ‌ما‌ ‌هو‌ له، بل الى سببه، ‌و‌ الفاعل حقيقه انما ‌هو‌ انفسهم الاماره، ‌او‌ الشيطان، ‌و‌ الاصل حتى غرتهم انفسهم ‌او‌ غرهم الشيطان عن الرجوع لاجل اناتك، ‌و‌ صدتهم انفسهم ‌او‌ الشيطان عن النزوع لاجل امهالك، ‌من‌ حيث اغترارهم بذلك،
 
و لما كان ظاهر الكلام يوهم ‌ان‌ اناته تعالى لهم ‌و‌ امهاله اياهم، سببا غائيا لغرورهم ‌و‌ صدهم دفع ذلك بقوله عليه السلام: «و انما تانيت بهم ليفيئوا الى امرك، ‌و‌ امهلتهم ثقه بدوام ملكك» فبين ‌ان‌ اناته لهم ‌و‌ عدم معاجلته اياهم ليس الا ليرجعوا الى امره ‌من‌ الطاعه اذ كان غرض العنايه الالهيه سوق كل ناقص الى كماله فكان الغرض ‌من‌ التانى لهم، انما ‌هو‌ طلب خلاصهم ‌و‌ استعدادهم لما ينالون ‌به‌ كرامته بالرجوع ‌من‌ ظلمات الجهل ‌و‌ ورطات المعاصى.
 ‌و‌ امهاله ‌و‌ انظاره اياهم لوثوقه بدوام ملكه، فلم يعاجلهم بالانتقام، اذ كانت المعاجله ‌من‌ شان ‌من‌ يخاف الفوت، ‌و‌ اما ‌من‌ كان واثقا بقدرته ‌و‌ تسلطه على ‌من‌ يشاء، متى شاء، لايخاف انقضاء مده سلطانه، ‌و‌ ‌لا‌ يخشى انتهاء زمان اقتداره، فلا داعى الى المعاجله، بل الاولى ‌به‌ انظار ‌من‌ عصاه، ‌و‌ امهال ‌من‌ ناواه، فان فاء الى الطاعه، ‌و‌ نزع عن المعصيه، فبها ‌و‌ الا فهو له بالمرصاد.
 كما قال اميرالمومنين عليه السلام: ‌و‌ لئن امهل الله الظالم، فلن يفوت اخذه ‌و‌ ‌هو‌
 
له بالمرصاد على مجاز طريقه، ‌و‌ بموضع الشجا ‌من‌ مساغ ريقه.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله: «فمن كان ‌من‌ اهل السعاده ختمت له بها» للتفريع ‌و‌ الترتيب.
 ‌و‌ خذلته خذلا ‌من‌ باب- قتل-: تركت نصرته ‌و‌ اعانته ‌و‌ اسلمته، ‌و‌ الاسم الخذلان بالكسر، ‌و‌ معنى كونه ‌من‌ اهل السعاده ‌او‌ الشقاوه، ‌من‌ قدرت له السعاده ‌او‌ الشقاوه تقديرا سابقا على الخلق.
 كما رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند صحيح عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ‌ان‌ الله خلق السعاده ‌و‌ الشقاوه قبل ‌ان‌ يخلق خلقه، فمن خلقه الله سعيدا لم يبغضه ابدا، ‌و‌ ‌ان‌ عمل شرا ابغض عمله ‌و‌ لم يبغضه، ‌و‌ ‌ان‌ كان شقيا لم يحبه ‌و‌ ‌ان‌ عمل صالحا احب عمله ‌و‌ ابغضه لما يصير اليه، فاذا احب الله شيئا لم يبغضه ابدا، ‌و‌ اذا ابغض شيئا لم يحبه ابدا.
 قال بعض اصحابنا ‌فى‌ شرح هذا الحديث: اعلم ‌ان‌ السعاده ‌و‌ الشقاوه حالتان متقابلتان للانسان، ‌و‌ لهما اثر ‌و‌ سبب قريب ‌و‌ سبب بعيد، اما الاثر: فهو استحقاق الثواب ‌و‌ العقاب، ‌و‌ اما السبب القريب: فهو الاتيان بالخيرات التى خيرها الايمان ‌و‌ الاتيان بالشرور التى شرها الكفر، ‌و‌ قد تطلق السعاده ‌و‌ الشقاوه على نفس هذا السبب ايضا، ‌و‌ اما السبب البعيد فهو ‌ما‌ اشار اليه سيدنا الامام الباقر عليه السلام بقوله: ‌ان‌ الله ‌جل‌ ‌و‌ ‌عز‌ قبل ‌ان‌ يخلق الخلق قال: ‌كن‌ ماء عذبا اخلق منك جنتى ‌و‌ اهل طاعتى، ‌و‌ ‌كن‌ ملحا اجاجا اخلق منك نارى ‌و‌ اهل معصيتى، ثم امرهما فامتزجا، فمن ثم يلد المومن الكافر ‌و‌ الكافر المومن الحديث.
 فان هذين المائين سبب لاقتدار الانسان على الخير ‌و‌ الشر، ‌و‌ تكليفه ‌و‌ ابتلائه
 
بهما، ‌و‌ مبدا لاستعداده لقبول السعاده ‌و‌ الشقاوه، ‌و‌ ميله اليهما، ‌و‌ ‌لا‌ يقتضى ذلك الجبر، لان الجبر انما يلزم لو خلقه ‌من‌ ماء اجاج فقط فان ذلك كان يوجب انتفاء القدره على الخير، ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ السعاده ‌و‌ الشقاوه يطلقان على هذا السبب ايضا. ‌و‌ بالجمله هما ‌فى‌ الحقيقه الحالتان المذكورتان، ‌و‌ اطلاقهما على السببين المذكورين توسع ‌من‌ باب تسميه الشى ء باسم سببه.
 اذا عرفت ذلك فقوله عليه السلام: «ان الله خلق السعاده ‌و‌ الشقاوه قبل ‌ان‌ يخلق الخلق» معناه قدرهما قبل تقدير الخلق، ‌او‌ قبل ايجاده فلا يرد انهما امر عرضى له، كيف يتصور تحققه قبل تحقق معروضه؟.
 هذا ‌ان‌ اريد بهما الحالتان المذكورتان، ‌او‌ السبب القريب، ‌و‌ ‌ان‌ اريد بهما سببهما البعيد فيحتمل ‌ان‌ يراد بخلقهما: تقديرهما، ‌و‌ ‌ان‌ يراد ‌به‌ ايجادهما، لان مبدا الخير ‌و‌ الشر ‌ما‌ اوجده الله تعالى ‌فى‌ مبدا الانسان الذى ‌هو‌ الماء الذى اختمرت ‌به‌ طينته، ‌و‌ قوله عليه السلام: «فمن خلقه الله سعيدا» ‌اى‌ ‌من‌ كان تقديره ‌او‌ ايجاده مقرونا بسعادته ‌فى‌ علم الله، فلا يرد ‌ان‌ سعادته مكسوبه ‌لا‌ انه تعالى موجد لها، على ‌ما‌ ‌هو‌ الحق عند الاماميه ‌و‌ قس على ذلك قوله عليه السلام: «و ‌ان‌ كان شقيا» الا ‌ان‌ ‌فى‌ تغيير اسلوب العباره ‌فى‌ طرف الشقى ايماء لطيفا الى انه تعالى ‌لا‌ يخلق احدا شقيا، ‌و‌ انما الشقاوه ‌من‌ كسب العبد، بخلاف السعاده فانها ايضا ‌و‌ ‌ان‌ كانت ‌من‌ كسبه الا انه لحسن استعداده صار محلا للطفه تعالى ‌به‌ ‌و‌ توفيقه له ‌فى‌ اكتسابها، فكانه تعالى خالق لها، انتهى كلامه ملخصا.
 ‌و‌ بهذا التقرير ظهر معنى قوله عليه السلام: «فمن كان ‌من‌ اهل السعاده» الى آخره، ‌و‌ ‌فى‌ قوله عليه السلام: «ختمت له بها» ايذان بان ‌من‌ كان ‌من‌ اهل السعاده
 
و ‌ان‌ عمل عمل ‌من‌ كان ‌من‌ اهل الشقاوه بمقتضى ‌ما‌ فيه ‌من‌ القوه الداعيه الى الشر فلن يخذله الله تعالى بل لابد ‌ان‌ يختم عمله بعمل اهل السعاده.
 كما رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: انه يسلك بالسعيد ‌فى‌ طريق الاشقياء حتى يقول الناس: ‌ما‌ اشبهه بهم بل ‌هو‌ منهم ثم تتداركه السعاده، ‌و‌ قد يسلك بالشقى طريق السعداء حتى يقول الناس: ‌ما‌ اشبهه بهم بل ‌هو‌ منهم ثم تتداركه الشقاوه ‌ان‌ ‌من‌ كتبه الله سعيدا ‌و‌ ‌ان‌ لم يبق ‌من‌ الدنيا الافواق ناقه ختم له بالسعاده.
 
صار الشى ء الى كذا: انتهى اليه.
 ‌و‌ الحكم: القضاء يقال: حكم ‌به‌ ‌من‌ باب- قتل- حكما ‌اى‌ قضى به.
 ‌و‌ الامور: جمع امر، قال الراغب: ‌هو‌ لفظ عام للافعال ‌و‌ الاقوال كلها ‌و‌ على ذلك قوله تعالى: «اليه يرجع الامر كله».
 ‌و‌ ‌آل‌ الشى ء يوول اولا ‌و‌ مئالا: رجع فهو آئل.
 ‌و‌ الى امرك: ‌اى‌ الى قضائك ‌و‌ نفاذ ارادتك ‌و‌ مشيتك ‌و‌ المعنى ‌ان‌ كل ‌من‌ كان ‌من‌ اهل الشقاوه ‌و‌ اهل السعاده، منتهون الى حكمك، ‌و‌ راجعه امورهم الى قضائك، تحكم فيهم حكما فصلا بما تراه ‌من‌ ثواب ‌و‌ عقاب ‌و‌ عفو ‌و‌ انتقام. كما قال تعالى: «ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون».
 ‌و‌ وهن يهن وهنا ‌من‌ باب- وعد-: ضعف فهو واهن.
 
و «على» بمعنى، مع، ‌اى‌ مع طول مدتهم، كان سلطانه تعالى لزم طول مدتهم لزوم الراكب لمركوبه، فلم تخل ‌من‌ معنى الاستعلاء.
 ‌و‌ المراد بالسلطان هنا: الحجه سميت بذلك لما للحق ‌من‌ التسلط على القلوب ‌و‌ الهجوم عليها ‌و‌ منه قوله تعالى: «اتريدون ‌ان‌ تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا» اى: حجه ظاهره ‌و‌ المراد بطول مدتهم: اما طول اعمارهم كما قال تعالى: «بل متعنا هولاء ‌و‌ آباءهم حتى طال عليهم العمر» ‌او‌ طول المده التى لم يعاجلوا فيها بالجزاء، ‌و‌ بكلا المعنيين فسر قوله تعالى: «و ‌لا‌ يكونوا كالذين اوتوا الكتاب ‌من‌ قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم» ‌و‌ المعنى ‌ان‌ طول امهالك لهم ‌و‌ عدم المبادره لهم بالانتقام لم يوجب ضعف حجتك عليهم ‌فى‌ الانتقام منهم بان يفوتك ذلك، كما ‌هو‌ شان حجج المخلوقين الا ترى ‌ان‌ ‌من‌ كانت له حجه على شخص، ‌و‌ لم يبادر باقامتها عليه، ‌و‌ لم ياخذ بها حقه منه، بل امهله حتى طالت مدته وفاته وقت اقامتها عليه، ضعفت حجته، ‌و‌ عجزت عن اخذ حقه بها، ‌و‌ توجه اللوم عليه ‌فى‌ امهاله، بل لم يغنه اقامه الحجه عليه حينئذ، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يراد بالسلطان: التسلط ‌و‌ التمكن ‌من‌ القهر، ‌و‌ المعنى ظاهر.
 
و دحضت الحجه دحضا ‌من‌ باب- نفع-: بطلت.
 ‌و‌ البرهان: الحجه ‌و‌ ايضاحها، ‌و‌ قد تقدم الكلام على اختلافهم ‌فى‌ صيغته ‌و‌ ‌ان‌ نونه زائده ‌او‌ اصليه، ‌و‌ المعنى ‌ان‌ ترك معاجلتك لهم ‌و‌ املائك لهم، لم يوجب بطلان حجتك عليهم، بان يقال: لو كانت لله حجه عليهم لم يترك معاجلتهم.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: حجتك قائمه الى آخره تاكيد لمضمون الجملتين قبله فعدم الوصل لكمال الاتصال ‌او‌ استئناف على وجه التعليل.
 
و الحجه: البينه ‌و‌ هى ‌من‌ الحج بمعنى القصد كانها تقصد اثبات الحكم ‌و‌ تطلبه.
 ‌و‌ قائمه: ‌اى‌ ثابته ‌من‌ قام الشى ء اذا ثبت.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: قائمه ‌لا‌ تحول خبر ثان ‌او‌ حال موكده ‌و‌ صاحبها الضمير المستكن ‌فى‌ الخبر، ‌اى‌ ‌لا‌ تذهب ‌و‌ ‌لا‌ تبطل ‌من‌ حال حولا اذا مضى، ‌و‌ منه الحول: للعام لانه يمضى ‌و‌ يذهب ‌او‌ ‌من‌ حال الشى ء يحول اذا تغير عن طبعه ‌و‌ وصفه كاستحال.
 ‌و‌ الزوال ‌ضد‌ الثبات ‌و‌ ‌لا‌ يقال الا فيما كان ثابتا، ‌و‌ الله اعلم.
 قال ابن عباس: الويل: العذاب الاليم.
 ‌و‌ قال الخليل: معنى الويل: شده الشر.
 ‌و‌ قيل: الحزن، ‌و‌ قيل: العذاب ‌و‌ الهلاك ‌و‌ قيل: الهوان ‌و‌ الخزى.
 ‌و‌ قال الاصمعى: ‌هو‌ التقبيح، ‌و‌ منه «و لكم الويل مما تصفون».
 ‌و‌ قال الفراء: الويل: كلمه شتم ‌و‌ دعاء ‌و‌ اصلها «وى».
 ‌و‌ هى كلمه تعجب ‌او‌ كلمه تنبيه على الخطا، جى ء بعدها بلام الجر مفتوحه مع
 
المضمر، نحو: ‌وى‌ لك، ‌وى‌ له، ثم خلطت اللام بوى حتى صارت لام الكلمه، فادخلوا بعدها لاما اخرى لصيروره الاولى لام الكلمه، فقالوا: ويلا له ثم نقل الى باب المبتدا، فقيل: ويل لك، ‌و‌ ادخل عليها لام التعريف، فقيل: الويل له.
 ‌و‌ جنح عن الشى ء ‌و‌ اليه يجنح بفتحتين: مال، ‌و‌ جنح جنوحا ‌من‌ باب- قعد-: لغه، ‌و‌ اصله ‌من‌ الجناح، كان الجانح يستعين بجناحه ‌فى‌ الميل الى الشى ء، ‌او‌ ‌فى‌ الميل عنه.
 ‌و‌ الخيبه: فوت الظفر بالمطلوب.
 ‌و‌ الخذلان: ترك النصره ‌و‌ الاعانه.
 ‌و‌ الشقاء: خلاف السعاده، ‌و‌ وصفه بالاشقى ‌من‌ باب ليل اليل ‌و‌ داهيه دهياء ‌و‌ شعر شاعر.
 قال المرزوقى: ‌من‌ شان العرب ‌ان‌ يشتقوا ‌من‌ لفظ الشى ء الذى يريدون المبالغه ‌فى‌ وصفه ‌ما‌ يتبعونه تاكيدا ‌و‌ تنبيها على تناهيه ‌و‌ ‌من‌ ذلك قولهم: ظل ظليل ‌و‌ داهيه دهياء ‌و‌ شعر شاعر، انتهى. ‌و‌ قد تقدم ‌فى‌ آخر الروضه الثامنه بيان ‌ان‌ ذلك ‌من‌ باب الاسناد المجازى فليرجع اليه.
 ‌و‌ اغتر ‌به‌ اغترارا: ظن الامن ‌من‌ جهته فاجترا عليه ‌و‌ لم يتحفظ منه ‌و‌ لم ياخذ حذره، يقال: غره غرورا فاغتر ‌هو‌ اذا اوهمه الامن ‌من‌ المحذور، ‌او‌ جراه عليه فاجترء ‌هو‌ عليه، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و ‌لا‌ يغرنكم بالله الغرور» اى: الشيطان، ‌و‌ قوله تعالى: «يا ايها الانسان ‌ما‌ غرك بربك الكريم» ‌اى‌ ‌ما‌ خدعك ‌به‌ ‌و‌ ماجراك على عصيانه.
 قال الجوهرى: يقال: ‌ما‌ غرك بفلان: ‌اى‌ كيف اجترات عليه.
 
فان قلت: الوصف بالكرم ‌فى‌ الايه يقتضى الاغترار ‌به‌ فكيف وقع الانكار على المغتربه؟.
 قلت: اجيب بان الكرم ‌لا‌ ينافى الحكمه، بل ‌هو‌ مبنى عليها، الا ترى ‌ان‌ ايصال النعم الى الغير لو لم يكن مبنيا على داعيه الحكمه كان تبذيرا ‌لا‌ كرما، فكانه سبحانه قال: كيف اغتررت بكرمى ‌و‌ كرمى صادر عن الحكمه، ‌و‌ هى ‌ان‌ تقتضى ‌ان‌ ‌لا‌ يهمل ‌و‌ ‌ان‌ امهل ‌و‌ ‌ان‌ يجرى امور العباد بينهم على العدل ‌و‌ الانصاف، ‌لا‌ على الجور ‌و‌ الاعتساف، فينتقم للمظلوم ‌من‌ الظالم، ‌و‌ يميز بين البر ‌و‌ الفاجر، ‌و‌ ايضا فالكرم السابق ‌لا‌ يوجب كرما لاحقا بالعفو ‌و‌ الغفران لجميع المعاصى، لان غايه الكرم هى ‌ان‌ يبتدى بالنعم ‌من‌ غير عوض ‌و‌ ‌لا‌ غرض، اما الكريم اذا امر المنعم عليه بشى ء فتلقاه بالعصيان ‌و‌ قابل النعمه بالكفران، فليس ‌من‌ الكرم ‌ان‌ يغمض عن جرمه، بل قد يعد ذلك ضعفا ‌و‌ ذله، ‌لا‌ سيما اذا كان المنعم ‌به‌ ‌هو‌ معرفه المنعم.
 ‌و‌ الحاصل: ‌ان‌ التعرض لعنوان الكرميه للايذان بكفران النعمه، ‌لا‌ للاذن ‌فى‌ الانهماك ‌فى‌ عصيانه اغترارا بكرمه، ‌و‌ قد سبق ‌فى‌ بعض الرياض ‌فى‌ هذا المعنى كلام نفيس فليرجع اليه.
 
و ‌ما‌ اكثر تصرفه ‌فى‌ عذابك: ‌اى‌ تقلبه فيه.
 ‌و‌ تردده اى: رجوعه فيه مره بعد اخرى، ‌من‌ رده الى الشى ء، ‌اى‌ رجعه اليه.
 ‌و‌ الغايه: هنا بمعنى المدى.
 ‌و‌ الفرج: انكشاف الغم.
 ‌و‌ القنوط: الياس، قنط يقنط ‌من‌ بابى- ضرب- و- تعب- فهو قانط ‌و‌ قنوط، ‌و‌ يعدى بالهمزه.
 
و المخرج: المخلص ‌من‌ قولهم: وجدت للامر مخرجا: ‌اى‌ مخلصا ‌و‌ ‌هو‌ مصدر ميمى بمعنى الخروج، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و ‌من‌ يتق الله يجعل له مخرجا» ‌و‌ هذه الفقرات الاربع تعجب ‌من‌ حالته الهائله التى هى تلبسه بمالا طاقه له به، ‌و‌ ‌لا‌ صبر عليه، ‌و‌ اصل التعجب استعظام زياده ‌فى‌ وصف خفى سببها، ‌و‌ ‌من‌ ثم قيل اذا ظهر السبب بطل العجب، ثم قد يستعمل لفظ التعجب لمجرد الاستعظام ‌من‌ غير خفاء السبب، كما وقع هنا ‌و‌ منه قوله تعالى: «فما اصبرهم على النار».
 ‌و‌ «ما» عند سيبويه: نكره تامه مفيده لمعنى التعجب مرفوعه بالابتداء ‌و‌ تخصيصها كتخصيص ‌شر‌ اهر ذا ناب خبرها ‌ما‌ بعدها ‌اى‌ شى ء عظيم اكثر تصرفه ‌فى‌ عذابك.
 ‌و‌ عند الفراء: استفهاميه ‌و‌ ‌ما‌ بعدها خبرها، ‌اى‌ اى شى ء اكثر تصرفه ‌فى‌ عذابك.
 ‌و‌ قيل: هى موصوله، ‌و‌ قيل: موصوفه بما بعدها ‌و‌ الخبر محذوف، ‌اى‌ الذى ‌او‌ شى ء اكثر تصرفه ‌فى‌ عذابك امر عجيب فضيع.
 ‌و‌ عدلا ‌و‌ انصافا: منصوبان على المصدريه بفعل محذوف ‌اى‌ تعدل عدلا، ‌و‌ تنصف انصافا، ‌و‌ استظهر بعض النحويين ‌ان‌ العامل ‌فى‌ مثل ذلك مضمون الجمله، ‌و‌ العدل خلاف الجور، ‌و‌ انصفته انصافا: عاملته بالعدل ‌و‌ القسط، ‌و‌ الاسم النصفه بفتحتين.
 ‌و‌ الظرفان ‌من‌ قوله: «من قضائك ‌و‌ ‌من‌ حكمك» ‌فى‌ محل نصب على النعت، ‌و‌ الجملتان بعدهما اما نعتان ايضا ‌من‌ باب تعدد النعوت، ‌او‌ حالان ‌من‌ المصدرين
 
لتخصصهما بالوصف، ‌و‌ فائدتهما التاكيد، ‌و‌ رابط الجمله الثانيه محذوف، اى: ‌لا‌ تحيف ‌به‌ عليه.
 ‌و‌ حاف ‌فى‌ حكمه يحيف حيفا: جار ‌و‌ ظلم.
 ‌و‌ قال الراغب: الحيف الميل ‌فى‌ الحكم ‌و‌ الجنوح الى احد الجانبين قال الله تعالى: «ام يخافون ‌ان‌ يحيف الله عليهم ‌و‌ رسوله» ‌اى‌ يخافون ‌ان‌ يجور ‌فى‌ حكمه ‌و‌ الله اعلم.
 
«الفاء»: سببيه اذ ‌ما‌ بعدها ‌من‌ مظاهره الحجج.
 ‌و‌ ابلاء الاعذار: الى آخره سبب لتنزيهه تعالى عن الجور ‌و‌ الحيف.
 قال الرضى: ‌و‌ قد تجى «فاء» السببيه بمعنى لام السببيه، ‌و‌ ذلك اذا كان ‌ما‌ قبلها سببا لما بعدها.
 ‌و‌ قد: للتحقيق.
 ‌و‌ ظاهرت الحجج: اى: تابعتها ‌و‌ واترتها ‌و‌ كثرتها، ‌من‌ المظاهره بمعنى المعاونه، كانه جعل بعضها ظهيرا لبعض، ‌و‌ قول بعضهم: جعلتها ذات ظهور، ‌من‌ ظهر يظهر
 
ظهورا: ‌اى‌ برز بعد الخفاء، ‌او‌ ‌من‌ ظهر على عدوه ظهورا ايضا اذا غلبه، فان «فاعل» كثيرا ‌ما‌ يجى بمعنى جعل الشى ء ذا اصله، مثل عاقبت فلانا: اذا جعلته ذا عقوبه، ‌و‌ عافاك الله: جعلك ذا عافيه، ‌و‌ راعنا سمعك: ‌اى‌ اجعله ذا رعايه لنا ليس بشى ء، قيل: ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون للتكثير، ‌اى‌ اكثرت اظهارها كضاعفت الشى ء: ‌اى‌ اكثرت اضعافه.
 ‌و‌ ابليته عذرا: اديته اليه فقبله كذا ‌فى‌ القاموس.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: قولهم ابليته عذرا اذا بينته بيانا لالوم عليك بعده ‌و‌ حقيقته جعلته باليا لعذرى اى: خابرا له عالما بكنهه.
 ‌و‌ الاعذار: جمع عذر بالضم، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ الانسان تحريه ‌ما‌ يمحو ‌به‌ ذنوبه، ‌و‌ ‌من‌ الله سبحانه بيان الحجج التى تقوم بعذره اذا عاقب الجانى، فلا يكون عليه لوم، ‌و‌ ‌لا‌ ينسب اليه جور ‌فى‌ ذلك، ‌و‌ لذلك فسر بعضهم قوله تعالى: «عذرا ‌او‌ نذرا» فقال: ‌اى‌ حجه ‌او‌ تخويفا، ‌و‌ تقدمت الى فلان بكذا: ‌اى‌ اعلمته قبل الحاجه الى فعله ‌و‌ قبل ‌ان‌ دهمه الامر، ‌و‌ منه قوله تعالى: «لا تختصموا لدى ‌و‌ قد قدمت اليكم بالوعيد».
 ‌و‌ قدم ‌و‌ تقدم: بمعنى.
 ‌و‌ الوعيد ‌فى‌ الشر: كالوعد ‌فى‌ الخير.
 ‌و‌ تلطفت به: ترفقت.
 ‌و‌ رغبته ‌فى‌ الشى ء ترغيبا: بينت له محاسنه ‌و‌ عددت عليه فضائله ليرغب فيه ‌و‌ يحرص عليه.
 
قوله عليه السلام: ‌و‌ ضربت الامثال تلميح الى قوله تعالى: «و تلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون» ‌و‌ قوله تعالى: «و تلك الامثال نضربها للناس ‌و‌ ‌ما‌ يعقلها الا العالمون» ‌و‌ قوله تعالى: «و لقد ضربنا للناس ‌فى‌ هذا القران ‌من‌ كل مثل لعلهم يتذكرون».
 قال جار الله: اى: وصفنا كل صفه كانها مثل ‌فى‌ غرابتها ‌و‌ قصصنا عليهم كل قصه عجيبه.
 ‌و‌ قال الجوهرى: ضرب الله مثلا اى: وصف ‌و‌ بين.
 ‌و‌ قال العلامه الطبرسى: ضرب الامثال: ‌هو‌ جعلها لتسير ‌فى‌ البلاد، يقال: ضربت القول مثلا ‌و‌ ارسلته مثلا ‌و‌ ‌ما‌ اشبه ذلك.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ قوله تعالى: «ان الله ‌لا‌ يستحى ‌ان‌ يضرب مثلا» ضرب المثل: اعتماده ‌و‌ صنعه، ‌من‌ ضرب اللبن ‌و‌ ضرب الخاتم.
 ‌و‌ قال العمادى: ضرب المثل استعماله ‌فى‌ مضربه ‌و‌ تطبيقه به، لاصنعه ‌و‌ انشاوه ‌فى‌ نفسه، ‌و‌ الا لكان انشاء الامثال السائره ‌فى‌ موردها ضربا دون استعمالها بعد ذلك ‌فى‌ مضاربها لفقدان الانشاء هناك، ‌و‌ الامثال الوارده ‌فى‌ التنزيل ‌و‌ ‌ان‌ كان استعمالها ‌فى‌ مضاربها عين انشائها ‌فى‌ انفسها لكن التعبير بالضرب ليس بهذا الاعتبار، بل بالاعتبار الثانى قطعا، ‌و‌ ‌هو‌ اما ماخوذ ‌من‌ ضرب الخاتم بجامع التطبيق، فكما ‌ان‌ ضربه تطبيقه بقالبه، كذلك استعمال الامثال ‌فى‌ مضاربها تطبيقها بها، كان المضارب قوالب تضرب الامثال على مشاكلتها، لكن ‌لا‌ بمعنى انها تنشا بحسبها بعد ‌ان‌ لم تكن كذلك، بل بمعنى انها تورد منطبقه عليها، سواء
 
كان انشاوها حينئذ كعامه الامثال التنزيليه، ‌او‌ قبل ذلك كسائر الامثال السائره، فانها ‌و‌ ‌ان‌ كانت مصنوعه ‌من‌ قبل، الا ‌ان‌ تطبيقها ايرادها منطبقه على مضاربها، انما يحصل عند الضرب، ‌و‌ اما ‌من‌ ضرب الطين على الجدار ليلتزق ‌به‌ بجامع الالصاق، كان ‌من‌ يستعملها يلصقها بمضاربها ‌و‌ يجعلها ضربه لازب ‌لا‌ تنفك عنها لشده تعلقها بها، انتهى.
 قالوا ‌و‌ مورد المثل ماورد ‌به‌ اولا حين انشائه ‌و‌ ارساله. ‌و‌ مضربه: ‌ما‌ يضرب له ثانيا ‌و‌ يستعمل فيه، ‌و‌ قد اسلفنا الكلام على معنى المثل ‌و‌ الامثال القرآنيه ‌فى‌ الروضه الثانيه ‌و‌ الاربعين، ‌فى‌ شرح دعائه عليه السلام عند ختمه القرآن فليرجع اليه.
 ‌و‌ الطول: خلاف القصر، ‌و‌ هما ‌من‌ الاسماء المتضائفه ‌و‌ يستعملان ‌فى‌ الاعيان ‌و‌ الاعراض ‌و‌ المعانى فيقال: رجل طويل، ‌و‌ زمان طويل، ‌و‌ امل طويل، ‌و‌ قد طال يطول ‌من‌ باب- قال- طولا بالضم، ‌و‌ يعدى بالهمزه فيقال: اطلته ‌و‌ امهلته امهالا: انظرته ‌و‌ لم اعجل عليه ‌و‌ مهلته تمهيلا مثله، قال تعالى: «فمهل الكافرين امهلهم رويدا».
 ‌و‌ اخرته تاخيرا: ‌ضد‌ قدمته.
 ‌و‌ الاستطاعه: القدره يقال: استطاعه ‌و‌ اسطاعه بحذف التاء لمقاربتها الطاء ‌فى‌ المخرج فاستحق بحذفها، ‌اى‌ قدر عليه ‌و‌ اطاقه.
 ‌و‌ قيل: الاستطاعه اخص ‌من‌ القدره، ‌و‌ كل مستطيع قادر، ‌و‌ ليس كل قادر بمستطيع، لان الاستطاعه اسم لمعان يتمكن بها الفاعل مما يريده ‌من‌ احداث الفعل، ‌و‌ هى اربعه اشياء: ارادته للفعل، ‌و‌ قدرته على الفعل بحيث ‌لا‌ يكون له
 
مانع، ‌و‌ منه علمه بالفعل، ‌و‌ تهيو ‌ما‌ يتوقف عليه الفعل الا ترى انه يقال: فلان قادر على كذا لكنه ‌لا‌ يريده ‌او‌ يمنعه منه مانع ‌او‌ ‌لا‌ علم له ‌به‌ ‌او‌ يعوذه كذا، فظهر ‌ان‌ القدره اعم ‌من‌ الاستطاعه، ‌و‌ الاستطاعه اخص ‌من‌ القدره.
 ‌و‌ عاجله بذنبه لم يمهله ‌و‌ لم يوخر عقوبته، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ العجله بمعنى السرعه.
 ‌و‌ تانى ‌فى‌ الامر: تمكث ‌و‌ لم يعجل.
 ‌و‌ فلان ملى بكذا اى: قادر عليه مضطلع به، ‌و‌ قد ملو ‌به‌ بضم العين ملاءه بالمد بالفتح ‌و‌ المد ‌و‌ ‌هم‌ مليئون به، ‌و‌ ملاء كعلماء.
 ‌و‌ بادر اليه مبادره ‌و‌ بدارا: اسرع ‌و‌ منه قوله تعالى: «و ‌لا‌ تاكلوها اسرافا ‌و‌ بدارا».
 
و الاناه كحصاه: اسم ‌من‌ التانى بمعنى التمكث ‌و‌ التمهل.
 ‌و‌ العجز: القصور عن فعل الشى ء، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ضد‌ القدره.
 ‌و‌ الوهن: الضعف، ‌و‌ قد وهن يهن وهنا ‌من‌ باب- وعد- فهو وهن ‌فى‌ الامر ‌و‌ العمل ‌و‌ البدن.
 فامسكت عن الامر امساكا: كففت عنه ‌و‌ منعت نفسى منه، ‌و‌ المعنى امساكك نفسك عن العذاب، ‌او‌ امساكك العذاب عن الخلق.
 ‌و‌ الغفله: سهو يعترى ‌من‌ قله التيقظ ‌و‌ التحفظ.
 ‌و‌ الانظار: التاخير ‌و‌ الامهال، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و ‌ما‌ كانوا منظرين».
 ‌و‌ داراه مداراه: لاطفه ‌و‌ لاينه اتقاء شره.
 قال الجوهرى: مداراه الناس تهمز ‌و‌ ‌لا‌ تهمز، ‌و‌ هى المداجاه ‌و‌ الملاينه قال: ‌و‌ المداجاه المداراه يقال: داجيته ‌اى‌ داريته كانك ساترته العداوه انتهى
 
و «بل» هنا حرف عطف عند ابن مالك ‌و‌ جماعه، ‌و‌ مفادها تقرير ‌ما‌ بعدها، فان كان قبلها نفى ‌و‌ نحوه كما نحن فيه، كانت بين حكمين مقررين، فتقرر حكم ‌ما‌ قبلها ‌و‌ تجعل ضده لما بعدها، قال ابن مالك هذا ‌هو‌ الصحيح.
 ‌و‌ قال الرضى ‌و‌ غيره: «بل» الداخله على الجمله حرف ابتداء ‌لا‌ عاطفه ‌و‌ فائدتها الاضراب ‌و‌ الانتقال ‌من‌ جمله الى اخرى اهم ‌من‌ الاولى ‌و‌ ‌لا‌ تكون عاطفه الا اذا تلاها مفرد.
 قال البدر الدمامينى ‌فى‌ شرح التسهيل: ‌و‌ ‌هو‌ الصحيح انتهى. ‌و‌ الحق ‌ان‌ ‌ما‌ ذهب اليه ابن مالك اظهر ‌فى‌ المعنى، فلا داعى الى جعلها عاطفه ‌و‌ غير عاطفه.
 قوله عليه السلام: لتكون حجتك ابلغ اى: ابين ‌و‌ اوضح، فلا تكون حجه ابلغ منها، قال تعالى: «قل فلله الحجه البالغه» ‌اى‌ البينه الواضحه التى بلغت غايه المتانه ‌و‌ الثبات ‌او‌ بلغ منها صاحبها صحه دعواه ‌و‌ قيل: هى التى تبلغ قطع عذر المحجوج بان تزيل كل لبس ‌و‌ شبهه عمن نظر فيها ‌و‌ استدل بها، ‌و‌ انما كانت حجته تعالى بالغه لانه ‌لا‌ يحتج الا بالحق، ‌و‌ ربما ادى الى العلم.
 ‌و‌ الكرم: يستعمل بمعنى انتفاء النقائص عن الشى ء ‌و‌ اتصافه بجميع المحامد، ‌و‌ قد يعبر ‌به‌ عن ايثار الصفح عن الجانى ‌و‌ الاحسان الى المسى، ‌و‌ السبق بالانعام ‌و‌ يكون عباره عن الجاه ‌و‌ السودد اللذين يكونان عن بذل المعروف ‌و‌ التحلى بالمحمود ‌من‌ اخلاق ‌و‌ صفات.
 ‌و‌ الاكمل: البالغ ‌فى‌ الكمال غايته فلا اكمل منه، يقال: كمل الشى ء اذا تمت اجزاوه ‌و‌ كملت محاسنه، ‌و‌ قيل الكمال امر زائد على التمام فالناقص يتمم
 
و التام يكمل.
 ‌و‌ قال الراغب: كمال الشى ء حصول ‌ما‌ ‌به‌ الغرض منه فاذا قيل: كمل فمعناه حصل ‌ما‌ ‌هو‌ الغرض منه، قال تعالى: «و الوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين» تنبيها على ‌ان‌ ذلك غايه ‌ما‌ يتعلق ‌به‌ اصلاح الولد انتهى.
 ‌و‌ الاوفى: الاشد وفاء، ‌اى‌ بلوغا ‌فى‌ التمام، يقال: وافى الشى ء اذا بلغ التمام فلا مجال للنقص فيه.
 ‌و‌ الاتم: الزائد ‌فى‌ التمام، ‌من‌ تم الشى ء اذا انتهى الى ‌حد‌ ‌لا‌ يحتاج الى شى ء خارج عنه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ضد‌ النقصان.
 ذلك اشاره الى المذكور ‌من‌ مظاهره الحجج، ‌و‌ ابلاء الاعذار ‌و‌ التقدم بالوعيد الى غير ذلك مما فصله ‌فى‌ الفصل السابق.
 ‌و‌ كان هنا تامه بمعنى ثبت ‌اى‌ وقع ‌او‌ قدر.
 ‌و‌ قوله: «و لم يزل» يروى بالياء المثناه التحتانيه على ‌ان‌ الضمير فيه عائد الى كل ذلك فالواو فيه للعطف على كان، ‌اى‌ ‌و‌ لم يزل كل ذلك كائنا، ‌و‌ الغرض رفع توهم انقطاع كونه كما يقتضيه الاخبار بصيغه الماضى لان لم يزل بمعنى مازال ‌و‌ هى موضوعه لاستمرار مضمون خبرها ‌فى‌ الماضى ‌و‌ يروى بالتاء المثناه الفوقانيه،فالواو فيه للحال اى: ‌و‌ الحال انك لم تزل كائنا اى: ثابتا ‌من‌ الكون بمعنى الثبوت الذى ‌هو‌ بمعنى الازليه.
 
قال ابن مالك: اذا اريد بكان ثبت سميت تامه، ‌و‌ ثبوت كل شى ء بحسبه، فتاره يعبر عنه بالازليه نحو: كان الله ‌و‌ ‌لا‌ شى ء معه، ‌و‌ تاره بحدث نحو: اذا كان الشتاء، ‌و‌ تاره بحضر نحو: ‌و‌ ‌ان‌ كان ذو عسره، ‌و‌ تاره بقدر ‌او‌ وقع نحو: ‌ما‌ شاء الله كان، انتهى، ‌و‌ انما احتجنا الى تقدير خبر لقوله: لم تزل لاجماعهم على لزوم النقص لمازال، ‌و‌ متصرفاتها اذا اريد بها الدوام، ‌و‌ الاستمرار.
 فان قلت: حذف خبر كان ‌و‌ اخواتها ‌لا‌ يجوز ‌و‌ ‌ان‌ قامت قرينه الا ضروره كما نص عليه ابوحيان حيث قال: نص اصحابنا على انه ‌لا‌ يجوز حذف اسم كان ‌و‌ اخواتها ‌و‌ ‌لا‌ حذف خبرها ‌لا‌ اختصارا ‌و‌ ‌لا‌ اقتصارا، اما الاسم فلانه مشبه بالفاعل، ‌و‌ اما الخبر فكان قياسه جواز الحذف، لانه ‌ان‌ روعى اصله ‌و‌ ‌هو‌ خبر المبتدا جاز حذفه ‌او‌ ‌ما‌ ‌آل‌ اليه ‌من‌ شبهه بالمفعول فكذلك، لكنه صار عندهم عوضا ‌من‌ المصدر لانه ‌فى‌ معناه، ‌و‌ الاعواض ‌لا‌ يجوز حذفها قالوا: ‌و‌ قد يحذف ‌فى‌ الضروره انتهى.
 فقوله: ‌لا‌ اختصارا ‌و‌ ‌لا‌ اقتصارا نص ‌فى‌ عدم جواز الحذف لدليل ‌و‌ غيره، فقد جرت عادتهم بانهم يريدون بالاختصار: الحذف لدليل، ‌و‌ بالاقتصار: الحذف لغير دليل.
 قلت: المساله ليس مجمعا عليها فقد ذهب بعض النحويين الى جواز حذفه لقرينه اختيارا كما حكاه العلامه السيوطى ‌فى‌ جمع الجوامع ‌و‌ شرحه، فتكون عباره الدعاء شاهدا لصحه هذا المذهب ‌و‌ كفى ‌به‌ شاهدا ‌و‌ على هذا المذهب قيل: ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌ان‌ كان ذو عسره فنظره الى ميسره» ‌ان‌ كان ناقصه ‌و‌ الخبر محذوف لدلاله الكلام عليه ‌و‌ التقدير ‌و‌ ‌ان‌ كان ذو عسره غريما لكم.
 قال الراغب: ‌و‌ هذا اجود ‌من‌ كونها تامه لان التامه اكثر ‌ما‌ يتعلق بها الاحداث
 
دون الاشخاص نحو: كان الخروج كقولك: اتفق الخروج ‌و‌ ‌لا‌ تقول: كان زيد ‌و‌ اتفق زيد انتهى.
 فترى كيف خرج على هذا القول افصح الكلام، فلا عبره بقول ابى حيان ‌و‌ اصحابه بعد وقوعه ‌فى‌ كلام افصح الناس ‌فى‌ زمانه.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: ‌و‌ ‌هو‌ كائن ‌و‌ ‌لا‌ يزال يروى بالمثناه التحتانيه ‌و‌ الفوقانيه فعلى الاول الواو عاطفه ‌اى‌ ‌و‌ كل ذلك كائن حالا ‌و‌ ‌لا‌ يزال كائنا استقبالا، لان اسم الفاعل حقيقه ‌فى‌ الحال فربما اوهم انه ‌لا‌ يكون ‌فى‌ المستقبل، فنص عليه بقوله: ‌و‌ ‌لا‌ يزال الذى ‌هو‌ نص ‌فى‌ الدوام ‌و‌ الاستمرار، لانها موضوعه لاستمرار مضمون خبرها ‌فى‌ المستقبل، ‌و‌ على الثانيه الواو حاليه اى: ‌و‌ الحال انك ‌لا‌ تزال كائنا ‌اى‌ ثابتا ثبوتا ابديا كمامر.
 
قوله عليه السلام: حجتك اجل ‌من‌ ‌ان‌ توصف بكلها ‌اى‌ اعظم ‌من‌ ‌ان‌ تنعت بكل وصفها، ففى الكلام حذف مضاف ‌دل‌ عليه المعنى، لان الغرض تنزيه حجته تعالى عن اقتدار المخلوقين على الاحاطه بوصفها، ‌لا‌ تنزيهها عن وصف جميع اجزائها كما ‌هو‌ ظاهر ‌و‌ يدل عليه ‌ما‌ بعده، ‌و‌ نظير ذلك ‌فى‌ حذف المضاف قوله تعالى: «ان السمع ‌و‌ البصر ‌و‌ الفواد كل اولئك كان عنه مسولا» اى: كل افعال هذه الجوارح، لان السوال عن افعال الحواس لاعن انفسها.
 ‌و‌ المجد قيل: السعه ‌فى‌ الكرم ‌و‌ الجلاله، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ العز ‌و‌ الشرف، ‌و‌ قيل شرف الذات اذا قارنه حسن الفعال سمى مجدا.
 ‌و‌ حددت الشى ء حدا: وصفته وصفا محيطا بمعناه مميزا عن غيره.
 ‌و‌ كنه الشى ء: حقيقته ‌و‌ نهايته ‌و‌ عرفته كنه المعرفه، ‌اى‌ حقيقه المعرفه، ‌و‌ قيل: كنه
 
الشى ء قدره.
 قال الجوهرى: ‌و‌ ‌لا‌ يشتق منه فعل ‌و‌ قولهم: ‌لا‌ يكتنهه الوصف بمعنى ‌لا‌ يبلغ كنهه كلام مولد انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس للزمخشرى: سله عن كنه الامر عن حقيقته ‌و‌ كيفيته، ‌و‌ اكتنه الامر بلغ كنهه، ‌و‌ عندى ‌من‌ السرور بمكانك ‌ما‌ ‌لا‌ يكتنهه الوصف ‌و‌ اكتنهه الامر بلغ غايته انتهى.
 قوله عليه السلام: ‌من‌ ‌ان‌ تحصى باسرها: اى: ‌من‌ ‌ان‌ يحصى جميعها ‌و‌ اصل الاسر ‌شد‌ القتب بالاسار ‌و‌ ‌هو‌ القد ‌اى‌ السير المقدود ‌من‌ جلد غير مدبوغ ثم قيل: خذه باسره اى: جميعه.
 قال الجوهرى: هذا الشى ء لك باسره ‌اى‌ بقده يعنى جميعه كما تقول برمته انتهى.
 يشير الى ‌ان‌ اصل قولهم: «برمته» ‌ان‌ رجلا دفع الى رجل بعيرا بحبل ‌فى‌ عنقه فقيل لكل ‌من‌ دفع شيئا بجملته اعطاه برمته، ‌و‌ الرمه بالضم قطعه ‌من‌ الحبل باليه. اذا عرفت ذلك: فتفسير ‌من‌ فسر الاسر بالجميع غير جيد لايهامه ‌ان‌ الاسر لفظ موضوع لمعنى الجميع مرادف له ‌و‌ ليس كذلك.
 ‌و‌ «الباء» ‌فى‌ الفقر الثلاث للملابسه متعلقه بمحذوف وقع حالا ‌من‌ الضمير ‌فى‌ الافعال المبنيه للمفعول، ‌و‌ التقدير حجتك اجل ‌من‌ ‌ان‌ توصف حال كونها ملتبسه بكلها، ‌و‌ قس عليه ‌ما‌ بعده ‌و‌ يجوز ‌ان‌ تكون متعلقه بالافعال المذكوره، لان
 
باء الملابسه ‌لا‌ منع ‌من‌ وقوعها لغوا على ‌ما‌ استظهره الرضى، ‌و‌ ‌ان‌ قيل: انها ‌لا‌ تكون بهذا المعنى الا مستقرا، ‌و‌ ‌ما‌ يظهر ‌من‌ تفضيل حجته تعالى ‌فى‌ الجلاله على وصفها بكلها، ‌و‌ مجده ‌فى‌ الرفعه على حده بكنهه، ‌و‌ نعمته ‌فى‌ الكثره على احصائها باسرها، ‌و‌ احسانه فيها على شكره تعالى على اقله، ‌و‌ ‌هو‌ ‌لا‌ معنى له تقدم الكلام عليه ‌فى‌ الروضه السادسه عشره مبسوطا ‌و‌ استوفينا نقل اقوال العلماء فيه فلا نطول باعادته هنا.
 
قصرت بنا النفقه قصورا ‌من‌ باب- قعد- ‌و‌ قصرت تقصيرا للمبالغه لم تبلغ بنا مقصدنا، فالباء للتعديه مثل خرجت به.
 ‌و‌ السكوت: الصمت، ‌و‌ ترك الكلام.
 ‌و‌ التحميد: حمد الله مره بعد اخرى.
 ‌و‌ الفهه ‌و‌ الفهاهه: العى، ‌و‌ الحصر ‌فى‌ النطق ‌و‌ قد فهه فهها محركا ‌من‌ باب- تعب- ‌و‌ فهه الله ايضا يتعدى ‌و‌ ‌لا‌ يتعدى، ‌و‌ هى روايه ابن ادريس ‌فى‌ عباره الدعاء، ‌و‌ فهه الله بالتثقيل ‌و‌ هى الروايه المشهوره.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: «و افحمنى» ‌اى‌ اسكتنى، قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: افحمه ‌اى‌ اسكته ‌فى‌ خصومه ‌او‌ غيرها.
 
و امسك عن الامر امساكا: ‌كف‌ عنه.
 ‌و‌ مجده تمجيدا: عظمه ‌و‌ اثنى عليه، ‌و‌ اسناد التقصير الى السكوت ‌و‌ التفهيه الى الامساك مجاز عقلى لتلبسهما بالفاعل الحقيقى ‌و‌ ‌هو‌ نفسه على ‌ما‌ صرح ‌به‌ صاحب الكشاف حيث قال: المجاز العقلى ‌ان‌ يسند الفعل الى شى ء يتلبس بالذى ‌هو‌ ‌فى‌ الحقيقه له كتلبس التجاره بالمشترين ‌فى‌ قوله تعالى: «فما ربحت تجارتهم».
 ‌و‌ قصاراى: ‌اى‌ غايتى ‌و‌ آخر امرى، يقال: قصاراك ‌ان‌ تفعل كذا بالضم، ‌و‌ قصرك بالفتح ‌و‌ قصيراك على صيغه التصغير، ‌اى‌ غايتك ‌و‌ جهدك.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الفايق: ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ القصر بمعنى الحبس لانك اذا بلغت الغايه حبستك ‌و‌ يصدقه قولهم ‌فى‌ معناه: ناهيك.
 ‌و‌ اقر بالشى ء اقرارا: اعترف به.
 ‌و‌ الحسور: الكلال ‌و‌ الانقطاع ‌من‌ حسر البصر حسورا اى: كل ‌و‌ انقطع عن النظر لطول مدى ‌و‌ نحوه.
 ‌و‌ ‌فى‌ النهايه: حسر اذا اعيا ‌و‌ تعب يحسر حسورا فهو حسير.
 قوله عليه السلام: «لا رغبه ‌يا‌ الهى بل عجزا» نصب على المفعول لاجله ‌اى‌ اقرارى بالحسور ‌لا‌ لرغبه فيه ‌او‌ ‌لا‌ لرغبه عن تحميدك ‌او‌ تمجيدك بل لعجزى عن القيام بما يجب لك منهما، ‌و‌ يحتمل النصب على المصدريه ‌و‌ التقدير ‌لا‌ ارغب رغبه بل عجزت عجزا.
 
قوله عليه السلام: «فها انا ذا اومك» «الفاء»: فصيحه، ‌اى‌ اذا كان الامر
 
كذلك، فها انا اقصدك ‌من‌ امه اما ‌من‌ باب- قتل- ‌اى‌ قصده.
 ‌و‌ الوفاده: بالكسر مصدر وفد عليه وفدا ‌من‌ باب- وعد- ‌و‌ وفودا ‌و‌ وفاده فهو وافد ‌و‌ ‌هم‌ وفد.
 قال الراغب: ‌هم‌ الذين يقدمون على الملوك مستنجزين الحوائج.
 ‌و‌ قال ابن الاثير: ‌هم‌ الذين يقصدون الامراء لزياره ‌و‌ استرفاد ‌و‌ انتجاع ‌و‌ غير ذلك انتهى.
 ‌و‌ «الباء» للملابسه، ‌اى‌ ملتبسا بالوفاده اذ مجرد الوفاده يقتضى الكرامه لان ‌من‌ وفد على عظيم زائرا ‌او‌ مسترفدا لزمه كرامته ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن له عنده سابقه يد ‌او‌ معروف يجب الجزاء عليه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: الحاج وفد الله.
 ‌و‌ الرفاده: بالكسر الاعانه ‌من‌ رفده رفدا ‌من‌ باب- ضرب- ‌اى‌ اعانه، ‌و‌ منه قول ابن عباس: ‌و‌ الذين عاقدت ايمانكم ‌من‌ النصر ‌و‌ الرفاده.
 ‌و‌ يقال: رفده ايضا بمعنى اعطاه ‌و‌ وصله ‌و‌ ‌هو‌ اعانه ايضا.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: رفد فلانا ‌و‌ ارفده اعانه بعطاء ‌او‌ قول ‌او‌ غير ذلك، يقال: فلان نعم الرافد اذا ‌حل‌ ‌به‌ الوافد ‌و‌ منه: الرفاده للحاج: ‌و‌ ‌هو‌ شى ء كانت تترافد ‌اى‌ تتعاون ‌به‌ قريش ‌فى‌ الجاهليه يخرج كل انسان بقدر طاقته مالا فيجمعونه فيما بينهم ‌و‌ يشترون ‌به‌ للحاج طعاما ‌و‌ زبيبا للنبيذ ‌و‌ يطعمون الحاج ‌و‌ يسقونهم ايام الموسم حتى ينقضى ‌و‌ كانت الرفاده ‌و‌ السقايه لبنى هاشم ‌و‌ السدانه ‌و‌ اللواء لبنى عبدالدار.
 
و النجوى: اسم ‌من‌ ناجيته اذا ساررته ‌و‌ خاطبته سرا.
 ‌و‌ قال الفراء: قد يكون النجوى اسما ‌و‌ مصدرا.
 ‌و‌ قال الجوهرى: نجوته نجوا ‌اى‌ ساررته ‌و‌ كذلك ناجيته ‌و‌ انتجى القوم ‌و‌ تناجوا: ‌اى‌ تساروا ‌و‌ الاسم النجوى.
 ‌و‌ معنى اسمع نجواى: اجب دعائى لك سرا ‌و‌ تقبله ‌من‌ قولهم: سمع الله دعاءه اى: اجابه ‌و‌ منه: سمع الله لمن حمده، لان غرض السماع الاجابه، ‌و‌ ‌فى‌ الدعاء اعوذ بك ‌من‌ دعاء ‌لا‌ يسمع اى: لايستجاب.
 ‌و‌ الاستجابه: الاجابه يقال: اجاب الله دعاءه ‌و‌ استجابه بمعنى ‌و‌ ليست السين فيه للطلب، قال تعالى: «اجيب دعوه الداع» ‌و‌ قال «ادعونى استجب لكم» ‌و‌ فرق بعضهم بين الاجابه ‌و‌ الاستجابه فقال: الاجابه عامه ‌و‌ الاستجابه خاصه باعطاء المسوول.
 ‌و‌ الخيبه: الحرمان ‌و‌ الخسران.
 ‌و‌ جبهه بالمكروه كمنعه: لقيه ‌به‌ ‌و‌ اصله ‌من‌ جبهته اذا ضربت جبهته.
 ‌و‌ ‌رد‌ السائل ردا: منعه ‌و‌ صرفه محروما لم يعطه شيئا، ‌و‌ منه: ‌لا‌ ترد السائل ‌و‌ لو بظلف.
 ‌و‌ المنصرف ‌و‌ المنقلب بفتح العين فيهما مصدران بمعنى الانصراف ‌و‌ الانقلاب
 
و هما بمعنى، يقال: صرفته فانصرف ‌و‌ قلبته فانقلب ‌و‌ اصلهما ‌من‌ الصرف ‌و‌ القلب بمعنى ‌رد‌ الشى ء ‌من‌ حاله الى حاله ‌و‌ امر الى امر ‌و‌ لهذا اذا عديا بمن ‌او‌ عن كانا بمعنى الذهاب يقال: انصرفت عنه ‌و‌ ‌من‌ عنده ‌و‌ انقلبت عنه، ‌و‌ ‌من‌ المكان ‌اى‌ ذهبت عنه ‌و‌ اذا عديا ب«الى» كانا بمعنى الاتيان ‌و‌ الرجوع، يقال: انصرفت اليه ‌و‌ انقلبت اليه اى: رجعت اليه ‌و‌ اتيته، ‌و‌ ‌ما‌ ذاك الا ‌ان‌ كلا ‌من‌ الذهاب ‌و‌ الرجوع تحول ‌من‌ حال الى حال ‌و‌ تردد ‌من‌ امر الى امر، ‌و‌ ايقاع الاكرام على المنصرف ‌و‌ المنقلب مجاز عقلى على ‌ما‌ صح ‌من‌ انه اعم ‌من‌ ‌ان‌ يكون ‌فى‌ النسبه الاسناديه ‌او‌ الايقاعيه ‌او‌ الاضافيه، ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك مستوفى، ‌و‌ الله اعلم.
 الجمله ‌و‌ ‌ما‌ بعدها تعليل لاستدعاء التقبل ‌و‌ الاستجابه ‌و‌ تاكيدها لغرض كمال قوه يقينه بمضمونها.
 ‌و‌ غير هنا لمجرد النفى فهى بمعنى ‌لا‌ نحو: «غير ناظرين اناه» ‌و‌ «غير باغ ‌و‌ ‌لا‌ عاد».
 ‌و‌ ضاق بالامر: شق عليه ‌و‌ لم تسعه قدرته ‌اى‌ ‌لا‌ يشق عليك ‌ما‌ تريده ‌و‌ ‌لا‌ تعجز عنه، ‌و‌ اصله ‌من‌ الضيق خلاف السعه.
 ‌و‌ «لا» مزيده لتاكيد النفى المدلول عليه بغير كانه قيل: ‌لا‌ ضائق بما تريد ‌و‌ ‌لا‌ عاجز.
 ‌و‌ «ما» ‌فى‌ الموضعين موصوله ‌او‌ موصوفه ‌و‌ مفعولا تريد ‌و‌ تسال محذوفان اى: تريده ‌و‌ تساله ‌و‌ حذف المفعول كثير مطرد اذا وقع ضميرا عائدا الى الموصول ‌او‌ الموصوف ‌و‌ منه «ان الله يحكم ‌ما‌ يريد» ‌و‌ «لا يسال عما يفعل».
 
و انت على كل شى ء قدير: ‌اى‌ مبالغ ‌فى‌ القدره عليه تتصرف فيه حسب ‌ما‌ تقتضيه مشيئتك المبنيه على الحكم البالغه، ‌و‌ الجمله معطوفه على الجمله قبلها مقرره لمضمونها مفيده لجريان قدرته ‌فى‌ جلائل الامور ‌و‌ دقائقها، ‌و‌ قد سبق الكلام على معنى قدرته تعالى ‌و‌ تعلقها بكل شى ء، ‌و‌ معنى الشى ء فليرجع اليه.
 ‌و‌ الحول: قيل المراد ‌به‌ هنا القدره، ‌اى‌ ‌لا‌ قدره على شى ء ‌و‌ ‌لا‌ قوه الا باعانه الله سبحانه.
 ‌و‌ قيل: الحركه، ‌اى‌ ‌لا‌ حركه ‌و‌ ‌لا‌ استطاعه على التصرف الا بمشيته تعالى، ‌و‌ قيل: الحيله بمعنى تقليب الفكر للاهتداء الى المقصود.
 ‌و‌ روى رئيس المحدثين قدس سره ‌فى‌ كتاب التوحيد: عن الباقر عليه السلام: ‌ان‌ الحول هاهنا بمعنى التحول ‌و‌ الانتقال، ‌و‌ المعنى ‌لا‌ حول لنا عن المعاصى ‌و‌ ‌لا‌ قوه لنا على الطاعه الا بتوفيق الله سبحانه.
 فينبغى قصد هذا المعنى المروى ‌لا‌ غير ‌و‌ قد اسلفنا ‌فى‌ شرح السند ذكر وجوه الاعراب ‌فى‌ هذه الكلمه ‌و‌ ذكر ‌ما‌ قيل ‌فى‌ معناها بابسط ‌من‌ هذا فلا نطول باعادته.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌لا‌ حول ‌و‌ ‌لا‌ قوه الا بالله كنز ‌من‌ كنوز الجنه.
 قال بعض العلماء: ‌فى‌ هذه الكلمه الشريفه تسليم للقضاء ‌و‌ القدر ‌و‌ اظهار الفقر الى الله بطلب المعونه منه ‌فى‌ جميع الامور ‌و‌ ابراز لعجز البشر بسلب القوه ‌و‌ الحركه ‌فى‌ الخيرات ‌و‌ الطاعات ‌و‌ صرف الشرور ‌و‌ السيئات عنهم ‌و‌ اثباتهما للملك العلام توقيرا ‌و‌ تعظيما له ‌و‌ دلاله على التوحيد الخفى، لان ‌من‌ نفى الحيله ‌و‌ الحركه ‌و‌ القوه ‌و‌ الاستطاعه عن غيره ‌و‌ اثبتها له سبحانه على الحصر الحقيقى ‌و‌ بينه انه بايجاده
 
و استعانته ‌و‌ توفيقه لزمه القول بانه لم يخرج شى ء ‌من‌ ملكه ‌و‌ ملكوته ‌و‌ انه ‌لا‌ شريك له تحقيقا لمعنى الحصر ‌و‌ ‌فى‌ ختم الدعاء بها اشعار بما رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند صحيح عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: اذا دعا الرجل فقال بعد ‌ما‌ دعا: «ما شاء الله ‌لا‌ قوه الا بالله قال الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: استبسل عبدى ‌و‌ استسلم لامرى اقضوا حاجته» اى: وطن نفسه لحكمى ‌من‌ قولهم: استبسل للموت اذا اوطن نفسه على الموت ‌او‌ وكل امره الى ‌من‌ استبسله لعمله ‌و‌ ‌به‌ اذا وكله اليه، ‌و‌ الله اعلم.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^