فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 47- 4

احاط القوم بالبلد احاطه: استداروا ‌به‌ ‌من‌ كل جانب، ‌و‌ احاطوا به، ‌من‌ باب- قال- لغه ‌فى‌ الرباعى، ‌و‌ منه قيل للبناء: حائط.


 ‌و‌ سلف الشى ء سلوفا ‌من‌ باب- قعد- مضى ‌و‌ انقضى فهو سالف، ‌و‌ الجمع سلف ‌و‌ سلاف مثل خدم ‌و‌ خدام، ‌و‌ اما الاسلاف فجمع سلف كسبب ‌و‌ اسباب فهو جمع جمع.
 ‌و‌ استانفت الشى ء: ابتداته ‌و‌ احدثته، يقال: هذا شى ء مستانف: ‌اى‌ مبتدا يتقدم قبل هذا الوقت، ‌من‌ قولهم: كاس انف اذا لم يشرب بها قبل ذلك، ‌و‌ روضه انف اذا لم ترع قبل ذلك الوقت الذى وصفت فيه بهذا، ‌اى‌ بكل صلاه ماضيه ‌و‌ مبتداه.
 ‌و‌ «اللام» ‌فى‌ «مرضيه لك ‌و‌ لمن دونك» مبنيه للفاعل لان المعنى ترضاها ‌و‌ يرضاها ‌من‌ سواك.
 ‌و‌ وقع ‌فى‌ اكثر النسخ: «صلاه لك ‌و‌ لمن دونك» بدون مرضيه فاللام على هذا للتعليل كقولك: اكرمتك لزيد، ‌اى‌ لاجله ‌و‌ منه:
 ‌و‌ يوم عقرت للعذارى مطيتى  ‌اى‌ لاجلهن، ‌و‌ المعنى صلاه لاجلك ‌و‌ لاجل ‌من‌ دونك، ‌و‌ الغرض اظهار عجز  من دونه سبحانه عن تاديه الصلاه عليه صلى الله عليه ‌و‌ آله حقها فسال ‌ان‌ يصلى تعالى عليه عن نفسه ‌و‌ عمن دونه ‌و‌ عن هذا.
 قال بعض العلماء: لما عجز الامه عن قضاء ‌حق‌ الرسول سالوا الله تعالى ‌ان‌ يقضيه عنهم فقالوا: اللهم صل على محمد ‌و‌ ‌آل‌ محمد، ‌و‌ نظيره ‌ما‌ وقع ‌فى‌ بعض المناجات: الهى انت تعلم عجزى عن مواقع شكرك فاشكر نفسك عنى. ‌و‌ نشا الشى ء نشا: مهموز ‌من‌ باب- نفع- حدث ‌و‌ تجدد، ‌و‌ انشاته: احدثته، ‌و‌ الاسم النشاه كتمره، ‌و‌ قد تمد فيقال: النشاءه كالضلاله، ‌اى‌ تحدث مع المذكور ‌من‌ الصلاه.
 صلوات تضاعف معها: ‌اى‌ مجموعا اليها يقول: فعلت هذا مع هذا ‌اى‌ مجموعا اليه ‌و‌ المراد تضاعف مع هذه الصلوات التى تنشوها تلك الصلوات المسووله سابقا بان تزيد عليها امثالها زياده غير محصوره كما سبق بيانه ‌من‌ معنى المضاعفه.
 ‌و‌ قوله: «عندها» حال ‌من‌ الصلوات قبلها، ‌و‌ الضمير عائد الى الصلوات المسوول انشاوها، ‌و‌ المعنى تضاعف معها تلك الصلوات عند انشاء الصلوات المسوول انشائها ‌او‌ عند حصولها فحذف المضاف ‌و‌ اقيم المضاف اليه مقامه، ‌و‌ ‌هو‌ كثير ‌فى‌ كلامهم جدا.
 فما وقع لبعض المترجمين: بان قوله: «عندها» ‌لا‌ يظهر له معنى، ‌من‌ ضيق العطن على ‌ان‌ بعض النسخ القديمه خاليه منه.
 ‌و‌ كرور الايام: ‌اى‌ عودها مره بعد اخرى ‌و‌ «فى» ‌من‌ قوله: «فى تضاعيف» بمعنى مع، ‌اى‌ زياده مع تضاعيف، ‌و‌ تضاعيف الشى ء: ‌ما‌ ضعف منه.
 قال صاحب المحكم: ‌و‌ ليس له واحد، ‌و‌ نظيره ‌فى‌ انه ‌لا‌ واحد له تباشير الصبح  لمقدمات ضيائه، ‌و‌ تعاشيب الارض لما يظهر ‌من‌ اعشابها اولا، ‌و‌ تعاجيب الدهر لما ياتى ‌من‌ عجائبه، انتهى.
 ‌و‌ الجمله ‌من‌ قوله: «لا يعدها غيرك» ‌فى‌ محل جر صفه لتضاعيف، ‌اى‌ ‌لا‌ يعلم عددها غيرك كما قال تعالى: «لقد احصاهم ‌و‌ عدهم عدا».
 قال العلامه الطبرسى: ‌اى‌ علم تفاصيلهم ‌و‌ اعدادهم فكانه سبحانه عدهم اذ ‌لا‌ يخفى عليه شى ء ‌من‌ احوالهم: «و كل شى ء عنده بمقدار».
 
الاطائب: جمع اطيب، كاكابر جمع اكبر، ‌و‌ اكارم جمع اكرم، ‌و‌ ‌هو‌ افعل تفضيل ‌من‌ طاب يطيب طيبا فهو طيب اذا كان لذيذا، فان اصل الطيب ‌ما‌ تستلذه الحواس، ثم استعمل ‌فى‌ التنزه عن النقائص، ‌و‌ التعرى ‌من‌ القبائح، ‌و‌ الاتصاف بصفات الكمال، لان الشى ء ‌لا‌ يستلذ حتى يخلص مما يستكره ‌و‌ تنفر عنه النفس ‌و‌ يحتوى على ‌ما‌ يهتش له الطبع ‌و‌ يلائم النفس، فوصفوا كل حسن جيد بانه طيب.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌ان‌ الله طيب ‌لا‌ يقبل الا طيبا، ‌اى‌ ‌هو‌ منزه عن النقائص مقدس عن الافات ‌و‌ العيوب متصف بجميع صفات الكمال.
 قال الراغب: ‌و‌ الطيب ‌من‌ الانسان ‌من‌ تعرى ‌من‌ نجاسه الجهل ‌و‌ الفسق ‌و‌ قبائح الاعمال ‌و‌ تحلى بالعلم ‌و‌ الايمان ‌و‌ محاسن الافعال ‌و‌ اياهم قصد تعالى بقوله: «و الذين  تتوفاهم الملائكه طيبين».
 ‌و‌ اهل بيته عندنا: ‌هم‌ اهل الكساء الذين ادخلهم صلى الله عليه ‌و‌ آله معه تحت الكساء، ‌و‌ قال: اللهم هولاء اهل بيتى ‌و‌ خاصتى فاذهب عنهم الرجس ‌و‌ طهرهم تطهيرا ‌و‌ ‌هم‌ على ‌و‌ فاطمه ‌و‌ الحسنان كما تواترت ‌به‌ الروايات ‌من‌ الفريقين ‌و‌ قد ذكرنا بعضها فيما سبق، ثم اطلق اهل البيت على باقى الائمه المعصومين عليهم السلام تغليبا ‌و‌ ‌هو‌ معلوم ‌من‌ السنه المتواتره ‌و‌ قد يطلق ايضا على مطلق اولاده عليهم السلام كما ورد ‌فى‌ الحديث: اول ‌من‌ اشفع له يوم القيامه اهل بيتى ثم الاقرب فالاقرب، فان حملت اهل بيته ‌فى‌ عباره الدعاء على الائمه المعصومين عليهم السلام فاضافه الاطائب اليهم ‌من‌ اضافه الصفه الى موصوفها، ‌اى‌ اهل بيته الاطائب، ‌و‌ ‌ان‌ حملته على مطلق الاولاد فاضافه بيانيه، ‌و‌ المعنى الاطائب ‌من‌ اهل بيته، فالموصول على الاول يحتمل ‌ان‌ يكون نعتا للمضاف ‌و‌ للمضاف اليه، ‌و‌ على الثانى نعت للمضاف لاغير.
 ثم ذكر عليه السلام لاطائب اهل بيته سبعه اوصاف هى جهات استحقاق الصلاه ‌من‌ الله عليهم.
 الاول: اختياره اياهم للقيام بامره ‌و‌ دينه ‌فى‌ العالم، ‌و‌ هدايه الخلق الى سلوك سبيله، ‌و‌ ‌هو‌ يعود الى افاضه كمال الرئاسه العامه عليهم بحسب ‌ما‌ وهبت لهم العنايه الالهيه ‌من‌ القبول ‌و‌ الاستعداد.
 
الثانى: جعله لهم خزنه علمه، ‌و‌ الخزنه: جمع خازن ‌من‌ خزنت الشى ء خزنا ‌من‌ باب - ضرب-: اذا حفظته ‌فى‌ الخزانه، ثم عبر ‌به‌ عن كل حفظ، ‌و‌ لما كان ‌من‌ شان الخزنه حفظ ‌ما‌ يوضع ‌فى‌ الخزائن ‌و‌ صيانته عن الضياع ‌و‌ التلف، ‌و‌ كانت نفوسهم الشريفه ‌و‌ اذهانهم الطاهره حافظه للعلم عن ضياعه، ‌و‌ صائنه له عن تدنسه باذهان غير اهله استعار لهم لفظ الخزنه، ‌و‌ هى استعاره مكنيه تخييليه شبه العلم بالشى ء النفيس الذى وضع ‌فى‌ الخزانه ‌و‌ اثبت لفظ الخزنه تخييلا.
 الثالث: جعله لهم حفظه دينه جمع حافظ، ‌اى‌ حافظين له عن وصمات الشياطين ‌و‌ تبديلهم ‌و‌ تحريفهم.
 الرابع: جعله لهم خلفاءه ‌فى‌ ارضه جمع خليف، ككريم ‌و‌ كرماء ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ يخلف غيره ‌و‌ ينوب منابه، فعيل بمعنى فاعل، ‌و‌ منه: «و جعلكم خلفاء ‌من‌ بعد قوم نوح» ‌و‌ يقال: فيه خليفه بالتاء للمبالغه ‌و‌ يجمع على خلائف، ‌و‌ منه: «و ‌هو‌ الذى جعلكم خلائف». ‌و‌ معنى كونهم خلفاوه تعالى: قيامهم عليهم السلام باجراء احكامه ‌و‌ تنفيذ اوامره ‌فى‌ العالم ‌و‌ سياسه الناس ‌و‌ جذب النفوس الناطقه الى جناب عزته بحسب ‌ما‌ افاض عليهم ‌من‌ القوه على ذلك، ‌و‌ الاستعداد له ‌و‌ ‌ما‌ منحهم ‌من‌ الكمال الذى يقتدرون معه على تكميل الناقصين ‌من‌ ابناء نوعهم، ‌و‌ ذلك لجعلهم عليهم السلام وسائط بينه جلت عظمته ‌و‌ بين المستخلف عليهم لقصور استعدادهم عن قبول الفيض بالذات، فاختصهم سبحانه ‌من‌ خلقه ‌و‌ جعلهم خلفاءه ‌فى‌ ارضه.
 اخرج احمد ‌و‌ الحاكم عن ابن مسعود انه سئل ‌كم‌ يملك هذه الامه ‌من‌ خليفه؟
 
فقال: سالنا عنها رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله فقال: اثنى عشر كعده بنى اسرائيل.
 الخامس: جعلهم حججه على عباده، جمع حجه ‌و‌ هى لغه الغلبه ‌من‌ حجه اذا غلبه، ‌و‌ شاع استعمالها ‌فى‌ البرهان مجازا ‌او‌ حقيقه عرفيه ثم شاع ‌فى‌ السنه ‌و‌ عرف المتشرعين اطلاقها على ‌من‌ نصبه الله لهدايه خلقه ‌و‌ دعوتهم اليه لاحتجاجه سبحانه ‌به‌ على ‌من‌ لم يقتد ‌به‌ فضل عن سبيله، وتاه ‌فى‌ ظلمات الجهل ‌و‌ بيداء الضلاله كما قال تعالى: «لئلا يكون للناس على الله حجه بعد الرسل».
 السادس: تطهيره سبحانه لهم ‌من‌ الرجس ‌و‌ الدنس بارادته ‌و‌ ‌هو‌ تلميح الى قوله تعالى: «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ‌و‌ يطهركم تطهيرا».
 ‌و‌ الرجس: القذر ‌و‌ النجس.
 قال الفارابى: كل شى ء يستقذر فهو رجس.
 ‌و‌ عن ابن عباس الرجس عمل الشيطان ‌و‌ ‌ما‌ ليس لله فيه رضا ‌و‌ كان هذا التفسير للرجس ‌فى‌ الايه ‌لا‌ معناه اللغوى.
 ‌و‌ الدنس بالتحريك: الوسخ.
 قال صاحب الكشاف: ‌فى‌ الايه استعار للذنوب: الرجس، ‌و‌ للتقوى: الطهر، لان عرض المقترف للمقبحات يتلوث بها ‌و‌ يتدنس، كما يتلوث بدنه بالارجاس.
 ‌و‌ اما المحسنات، فالعرض معها نقى مصون كالثوب الطاهر، ‌و‌ اهل البيت نصب على النداء. ‌او‌ على المدح.
 
و اتفقت الشيعه على اختصاص الايه بالنبى ‌و‌ على ‌و‌ فاطمه ‌و‌ الحسن ‌و‌ الحسين عليهم السلام، ‌و‌ وافقهم على ذلك ‌من‌ الصحابه ابوسعيد الخدرى، ‌و‌ زيد ‌بن‌ ارقم، ‌و‌ انس ‌بن‌ مالك، ‌و‌ واثله ‌بن‌ الاسقع، ‌و‌ عائشه، ‌و‌ ‌ام‌ سلمه.
 ‌و‌ قال اهل السنه: نساء النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌من‌ اهل بيته، ‌و‌ الايه حجه نيره على ذلك قاضيه ببطلان راى الشيعه ‌فى‌ هذا التخصيص لان صدر الايه ‌و‌ ‌ما‌ بعدها ‌فى‌ الازواج بل الخطاب فيها متوجه اليهن.
 ‌و‌ استدلت الشيعه على ‌ما‌ ذهبت اليه ‌من‌ التخصيص روايه ‌و‌ درايه.
 اما الروايه: فهى ‌من‌ الطريقين، ‌و‌ بين الفريقين ‌من‌ الكثره ‌و‌ الشهره بحيث ‌لا‌ تخفى.
 منها ‌ما‌ اخرجه ابن جرير، ‌و‌ ابن ابى حاتم، ‌و‌ الطبرانى عن ابى سعيد الخدرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله نزلت هذه الايه ‌فى‌ خمسه: ‌فى‌ وفى على ‌و‌ فاطمه ‌و‌ حسن ‌و‌ حسين «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ‌و‌ يطهركم تطهيرا».
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ اخرجه ابن شيبه، ‌و‌ احمد، ‌و‌ مسلم، ‌و‌ ابن جرير، ‌و‌ ابن ابى حاتم، ‌و‌ الحاكم، عن عائشه قالت: خرج النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله غداه غد ‌و‌ عليه مرط مرجل ‌من‌ شعر اسود فجاء الحسن ‌و‌ الحسين فادخلهما معه ثم جاءت فاطمه فادخلها معه ثم جاء على فادخله معهم فقال: «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ‌و‌ يطهركم تطهيرا».
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ اخرجه الترمذى، ‌و‌ ابن جرير، ‌و‌ الطبرانى، ‌و‌ ابن مردويه، عن عمر ‌بن‌  ابى سلمه ربيب رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله قال: لما نزلت هذه الايه على النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ‌و‌ يطهركم تطهيرا» ‌فى‌ بيت ‌ام‌ سلمه دعا فاطمه ‌و‌ حسنا ‌و‌ حسينا فجللهم بكساء ‌و‌ على خلف ظهره ثم قال: اللهم هولاء اهل بيتى فاذهب عنهم الرجس ‌و‌ طهرهم تطهيرا، قالت ‌ام‌ سلمه ‌و‌ انا معهم ‌يا‌ نبى الله؟ قال: انت على مكانك ‌و‌ انك على خير.
 ‌و‌ منها ‌ما‌ اخرجه الترمذى ‌و‌ صححه، ‌و‌ ابن جرير، ‌و‌ الحاكم ‌و‌ صححه، ‌و‌ ابن مردويه، ‌و‌ البيهقى ‌فى‌ سننه ‌من‌ طرق، عن ‌ام‌ سلمه قالت: ‌فى‌ بيتى نزلت «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت» ‌و‌ ‌فى‌ البيت فاطمه ‌و‌ على ‌و‌ الحسن ‌و‌ الحسين فجللهم رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله بكساء كان عليه ثم قال: هولاء اهل بيتى فاذهب عنهم الرجس ‌و‌ طهرهم تطهيرا.
 ‌و‌ منها: ‌ما‌ اخرجه زرين عن ‌ام‌ سلمه قالت: ‌ان‌ هذه الايه نزلت ‌فى‌ بيتى «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ‌و‌ يطهركم تطهيرا» قالت: ‌و‌ انا جالسه عند الباب فقلت: ‌يا‌ رسول الله الست ‌من‌ اهل البيت؟ فقال: انك الى خير انت ‌من‌ ازواج رسول الله قالت: ‌و‌ ‌فى‌ البيت رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ على ‌و‌ فاطمه ‌و‌ حسن ‌و‌ حسين فجللهم بكساء ‌و‌ قال: اللهم هولاء اهل بيتى فاذهب عنهم الرجس ‌و‌ طهرهم تطهيرا الى غير ذلك مما يطول بايراده الكتاب، ‌و‌ اقتصرنا على بعض ‌ما‌ ورد ‌من‌ طرق العامه لكونه اظهر ‌فى‌ قيام الحجه ‌و‌ الزم
 
للخصم.
 ‌و‌ اما الدرايه: فقالوا: ‌ان‌ لفظه «انما» محققه لما اثبت بعدها نافيه لما لم يثبت فان قول القائل: انما لك عندى درهم، ‌و‌ انما ‌فى‌ الدار زيد يقتضى انه ليس له عنده سوى درهم، ‌و‌ ليس ‌فى‌ الدار سوى زيد، اذا تقرر هذا فلا تخلو الاراده ‌فى‌ الايه ‌ان‌ تكون هى الاراده المطلقه ‌او‌ الاراده التى يتبعها التطهير ‌و‌ ذهاب الرجس فلا يجوز الوجه الاول لان الله تعالى قد اراد ‌من‌ كل مكلف هذه الاراده المطلقه فلا اختصاص لها باهل البيت دون سائر الخلق، ‌و‌ هذا القول يقتضى المدح ‌و‌ التعظيم لهم بغير ‌شك‌ ‌و‌ ‌لا‌ شبهه ‌و‌ ‌لا‌ مدح ‌فى‌ الاراده المجرده فثبت الوجه الثانى، ‌و‌ ‌فى‌ ثبوته ثبوت عصمه المعنيين بالايه ‌من‌ جميع القبائح لان اللام ‌فى‌ الرجس للجنس ‌و‌ نفى الماهيه نفى لكل جزئياتها، ‌و‌ قد علمنا ‌ان‌ ‌من‌ عدا ‌من‌ ذكرناه ‌من‌ اهل البيت حين نزول الايه غير مقطوع على عصمته فثبت ‌ان‌ الايه مختصه بهم لبطلان تعلقها بغيرهم.
 ‌و‌ ‌ما‌ اعتمدوا عليه ‌من‌ ‌ان‌ صدر الايه ‌و‌ ‌ما‌ بعدها ‌فى‌ الازواج. فجوابه: ‌ان‌ ‌من‌ عرف عاده العرب العرباء ‌فى‌ كلامهم ‌و‌ اسلوب البلغاء ‌و‌ الفصحاء ‌فى‌ خطابهم ‌لا‌ يذهب عليه ‌ان‌ هذا ‌من‌ باب الاستطراد، ‌و‌ ‌هو‌ خروج المتكلم ‌من‌ غرضه الاول الى غرض آخر، ثم عوده الى غرضه الاول، ‌و‌ اتفقت كلمه اهل البيان على ‌ان‌ ذلك ‌من‌ محاسن البديع ‌فى‌ الكلام نثرا ‌و‌ نظما ‌و‌ القرآن المجيد ‌و‌ خطب البلغاء ‌و‌ اشعارهم مملوه ‌من‌ ذلك.
 اخرج مسلم، عن يزيد ‌بن‌ حسان قال: انطلقت انا ‌و‌ حصين ‌بن‌ سبره ‌و‌ عمرو ‌بن‌ مسلم الى زيد ‌بن‌ ارقم ‌و‌ ساق الحديث الى ‌ان‌ قال: قلنا له ‌من‌ اهل بيته  نساوه؟ قال لايم الله ‌ان‌ المراه تكون مع الرجل العصر ‌من‌ الدهر يطلقها فترجع الى ابيها ‌و‌ قومها، ‌و‌ اهل بيته اصله ‌و‌ عصبته الذين حرموا الصدقه بعده.
 السابع: جعله تعالى اياهم الوسيله اليه، ‌و‌ الوسيله: ‌ما‌ يتوسل ‌به‌ الى الشى ء.
 ‌و‌ قال الراغب: هى التوسل للشى ء برغبته.
 ‌و‌ لما كانوا عليهم السلام سبب هدايه الخلق الى الحق ‌و‌ قد نصبهم الله تعالى للدعوه اليه ‌و‌ تعليم الخلق كيفيه السلوك الى حضره قدسه صدق انه تعالى جعلهم الوسيله اليه.
 الثامن: جعله اياهم المسلك الى جنته، ‌و‌ المسلك: الطريق ‌و‌ لما كان الطريق الى الشى ء موديا سالكه اليه ‌و‌ كان الله تعالى قد نصبهم لارشاد خلقه فكان امتثال اوامرهم ‌و‌ التمسك بحبلهم ‌و‌ الاقتداء باثارهم ‌و‌ الاعتراف بخصائصهم مستلزما للوصول الى الجنه صدق انه تعالى جعلهم المسلك الى جنته، ‌و‌ اضافه الجنه الى ضمير الخطاب لتعظيمها ‌و‌ تشريفها، ‌و‌ الله اعلم.
 
اجزل له ‌فى‌ العطاء: اوسعه، ‌و‌ اصله ‌من‌ جزل الحطب بالضم جزاله: اذا عظم ‌و‌ غلظ، ثم استعير ‌فى‌ الراى ‌و‌ العطاء، فقيل: رجل جزل الراى ‌اى‌ ذو عقل ‌و‌ راى عظيم، ‌و‌ ‌هو‌ جزل العطاء ‌و‌ له عطاء جزل ‌اى‌ واسع.
 ‌و‌ النحل: جمع نحله بالكسر، كسدره ‌و‌ سدر: ‌و‌ هى العطيه على سبيل التبرع.
 
قال الراغب: ‌و‌ هى اخص ‌من‌ الهبه، ‌و‌ اشتقاقها فيما ارى ‌من‌ النحل ‌و‌ ‌هو‌ الحيوان المعروف الذى مجاجه العسل نظرا منه الى فعله، فكان قولك: «نحلته» ‌اى‌ اعطيته عطيه النحل.
 ‌و‌ الكرامه: التكريم، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يوصل الى الانسان نفع ‌لا‌ تلحقه فيه غضاضه ‌او‌ كون ‌ما‌ يوصل اليه شيئا شريفا.
 ‌و‌ اكملت الشى ء اكمالا: اتممته ‌و‌ جعلته بحيث يحصل ‌ما‌ ‌به‌ الغرض منه.
 ‌و‌ الاشياء: جمع شى ء ‌و‌ قد سبق بيانه.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: الاسنى افعل تفضيل ‌من‌ سنى الشى ء كرضى صار ذا سناء، ‌اى‌ رفعه ‌و‌ منزله.
 ‌و‌ العطايا: جمع عطيه، ‌و‌ هى ‌ما‌ تعطيه غيرك ‌و‌ تصله به.
 ‌و‌ النوافل: جمع نافله، ‌و‌ هى ‌ما‌ يفعل ‌من‌ الاحسان مما ‌لا‌ يجب ‌و‌ ‌لا‌ يراد ‌به‌ عوض.
 ‌و‌ وفرت عليه حقه: اعطيته الجميع فاستوفره، ‌اى‌ فاستوفاه.
 ‌و‌ الحظ: النصيب.
 ‌و‌ العوائد: جمع عائده، ‌و‌ هى الصله ‌و‌ المعروف ‌و‌ كل منفعه تعود عليك ‌من‌ شى ء، ‌من‌ قولهم: عاد علينا بمعروفه.
 ‌و‌ الفوائد: جمع فائده، ‌و‌ هى ‌ما‌ استفدته ‌من‌ مال ‌او‌ علم، ‌و‌ اصلها الزياده تحصل للانسان، ‌و‌ مدار هذا الفصل ‌من‌ الدعاء سواله عليه السلام صلاه تكون سببا لمزيد افاضه وجوه نعمه تعالى عليهم ‌و‌ تكثيرها ‌و‌ توفيرها لهم، ‌و‌ الله اعلم.
 
الامد يستعمل لمعنيين:
 احدهما: الغايه بمعنى النهايه.
 
و الثانى: مده الشى ء المضروب لها ‌حد‌ ينتهى اليه، ‌و‌ على كل ‌من‌ المعنيين حمل قوله تعالى: «لنعلم ‌اى‌ الحزبين احصى لما لبثوا امدا».
 قالوا: يجوز ‌ان‌ يكون الامد بمعنى منتهى المده التى لبثوها باعتبار انقسامها الى السنين، ‌و‌ وصولها الى مرتبه معينه ‌من‌ مراتب العدد ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون بمعنى المده باعتبار قسمتها الى السنين، ‌و‌ بلوغها ‌من‌ حيث كميتها المنفصله الى مراتب الاعداد على ‌ما‌ يرشد اليه كون تلك المده عباره عما سبق ‌من‌ السنين ‌فى‌ قوله: «سنين عددا».
 اذا عرفت ذلك، فالامد الاول ‌فى‌ قوله عليه السلام: «لا امد ‌فى‌ اولها» بمعنى الغايه، ‌اى‌ ‌لا‌ غايه لها يرتقى اليها زمان حصولها. ‌و‌ المعنى ‌لا‌ ‌حد‌ لاولها يكون مبدءا لها ‌و‌ لذلك قيل: للانسان امدان مولده ‌و‌ موته.
 ‌و‌ منه: قول الحجاج للحسن البصرى ‌ما‌ امدك ‌يا‌ حسن؟ قال: سنتان ‌من‌ خلافه عمر، فقال: ‌و‌ الله لعينك اكبر ‌من‌ امدك.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: اراد بالامد مبلغ سنه ‌و‌ الغايه التى ارتقى اليها عدد سنه، ‌و‌ قوله: «سنتان ‌من‌ خلافه عمر» ‌اى‌ امدى سنتان، ‌و‌ معناه: ولدت ‌و‌ قد بقيت سنتان ‌من‌ خلافه عمر.
 ‌و‌ الامد الثانى: ‌فى‌ قوله: «و ‌لا‌ غايه لامدها» بمعنى المده التى تكون فيه، ‌و‌ الغايه بمعنى المنتهى، ‌اى‌ ‌لا‌ انتهاء لمدتها، ‌و‌ الغرض ‌ان‌ تكون الصلاه عليهم ازليه ابديه، بمعنى استمرار وجودها ‌فى‌ ازمنه مقدره غير متناهيه ‌لا‌ ‌فى‌ جانب الماضى ‌و‌ ‌هو‌ الازل
 
و ‌لا‌ ‌فى‌ جانب المستقبل ‌و‌ ‌هو‌ الابد.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «و ‌لا‌ نهايه لاخرها» ‌اى‌ ‌لا‌ منتهى ‌و‌ ‌لا‌ غايه لما تاخر وجوده ‌و‌ كان بعد الاول منها، فالمراد بالاخر خلاف ‌ما‌ تقدم منها ‌و‌ سبق ‌لا‌ بمعنى ‌ما‌ ليس بعده صلاه حتى يلزم التناقض بنفى النهايه عنه.
 
و قوله عليه السلام: «زنه عرشك ‌و‌ ‌ما‌ دونه» ‌اى‌ ‌ما‌ تحته ‌و‌ ‌هو‌ جميع العالم، ‌اى‌ صل عليهم صلاه توازن عرشك ‌فى‌ عظمه ‌و‌ ‌ما‌ دونه ‌فى‌ مقداره.
 ‌و‌ ملا سماواتك بكسر الميم: ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يملوها، ‌اى‌ مقدار ‌ما‌ يملاها، ‌و‌ المقصود التنبيه على كثرتها.
 ‌و‌ اعظم اجرها ‌و‌ وفور ثوابها، ‌اى‌ لو كانت اجساما لكان مقدارها ملا سماواتك ‌و‌ ‌ما‌ فوقهن ‌و‌ عدد ارضيك ‌و‌ ‌ما‌ بينهن ‌و‌ ‌ما‌ تحتهن، ‌و‌ الذى ‌دل‌ عليه النقل ‌ان‌ لله سبحانه سبع سماوات ‌و‌ لكن تخصيص عدد بالذكر ‌لا‌ يدل على نفى الزائد فاثبت اهل الارصاد تسعه افلاك على ‌ما‌ استقر عليه رايهم ‌و‌ تفاصيلها معلومه ‌من‌ كتبهم.
 ‌و‌ بالجمله فلم يتبين لاحد ‌من‌ الاوائل ‌و‌ الاواخر كميه اعداد سماواته تعالى على ‌ما‌ هى عليه ‌لا‌ عقلا ‌و‌ ‌لا‌ نقلا «و ‌ما‌ يعلم جنود ربك الا هو».
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ كتاب الروضه بسنده عن ابى حمزه الثمالى، عن ابى جعفر عليه السلام قال: قال لى ليله ‌و‌ انا عنده ‌و‌ نظر الى السماء: ‌يا‌ باحمزه: هذه قبه ابينا آدم عليه السلام ‌و‌ ‌ان‌ لله تعالى سواها تسعه ‌و‌ ثلاثين قبه فيها خلق ‌ما‌ عصوا الله طرفه عين.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «و ‌ما‌ فوقهن» الظاهر ‌ان‌ المراد فوق كل منها فيقتضى ‌ان‌ ‌ما‌ بين كل سمائين فرجه كما ورد ‌فى‌ دعاء آخر: رب السماوات السبع ‌و‌ ‌ما‌ بينهن،
 
و الاخبار مملوه بذلك فلا عبره بقول الفلاسفه ‌ان‌ الافلاك متلاصقه ليس بينها شى ء.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «عدد ارضيك ظاهر ‌فى‌ تعدد الارض، ‌و‌ ‌هو‌ ظاهر قوله تعالى: «الله الذى خلق سبع سماوات ‌و‌ ‌من‌ الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن لتعلموا ‌ان‌ الله على كل شى ء قدير».
 قال العلامه النيسابورى: ظاهر هذه الايه يدل على ‌ان‌ الارض متعدده ‌و‌ انها سبع كالسماوات، فذهب بعضهم الى ‌ان‌ قوله «مثلهن» ‌اى‌ ‌فى‌ الخلق ‌لا‌ ‌فى‌ العدد، ‌و‌ قيل: هن الاقاليم السبعه ‌و‌ الدعوه شامله لجميعها.
 ‌و‌ قيل: انها سبع ارضين متصل بعضها ببعض ‌و‌ قد حال بينهن بحار ‌لا‌ يمكن قطعها ‌و‌ الدعوه ‌لا‌ تصل اليهم.
 ‌و‌ قيل: انها سبع طبقات بعضها فوق بعض ‌لا‌ فرجه بينها ‌و‌ هذا يشبه قول الحكماء: ‌و‌ منها: طبقه هى ارض صرفه تجاور المركز، ‌و‌ منها: طبقه طينيه تخالط سطح الماء ‌من‌ جانب التقعير، ‌و‌ منها: طبقه معدنيه تتولد فيها المعادن، ‌و‌ منها: طبقه تركبت بغيرها، ‌و‌ قد انكشف بعضها، ‌و‌ منها: طبقه الادخنه ‌و‌ الابخره على اختلاف احوالها الى طبقه الزمهرير، ‌و‌ قد تعد هذه الطبقات ‌من‌ الهواء.
 ‌و‌ قيل: انها سبع ارضين بين كل واحده منها الى الاخرى مسيره خمسمائه عام كما جاء ‌فى‌ ذكر السماء ‌و‌ ‌فى‌ كل ارض منها خلق حتى قالوا: ‌فى‌ كل منها آدم ‌و‌ حواء ‌و‌ نوح ‌و‌ ابراهيم ‌و‌ ‌هم‌ يشاهدون السماء ‌من‌ جانب ارضهم ‌و‌ يشهدون الضياء منها، ‌او‌ جعل الله تعالى لهم نورا يستضيئون به، ‌و‌ معنى: «يتنزل الامر بينهن» ‌ان‌ حكم الله ‌و‌ امره يجرى فيما بين السماوات ‌و‌ الارضين ‌او‌ فيما بين كل منهما ‌و‌ ‌لا‌ يعلم تلك الاجرام ‌و‌ ‌لا‌ تلك الاحكام ‌و‌ ‌لا‌ كيفيه تنفيذها فيهن الا علام الغيوب تعالى ‌و‌ تقدس،
 
انتهى كلام النيسابورى.
 ‌و‌ قال الشيخ امين الاسلام الطبرسى ‌فى‌ تفسيره مجمع البيان قوله تعالى: «و ‌من‌ الارض مثلهن» اى: ‌فى‌ العدد ‌لا‌ ‌فى‌ الكيفيه لان كيفيه السماء مخالفه لكيفيه الارض ‌و‌ ليس ‌فى‌ القرآن آيه تدل على ‌ان‌ الارضين سبع مثل السماوات الا هذه الايه، ‌و‌ ‌لا‌ خلاف ‌فى‌ السماوات انها سماء فوق سماء ‌و‌ اما الارضون فقال قوم انها سبع ارضين طباقا بعضها فوق بعض كالسماوات لانها لو كانت مصمته لكانت ارضا واحده ‌و‌ ‌فى‌ كل ارض خلق خلقهم الله تعالى كيف شاء.
 ‌و‌ روى ابوصالح عن ابن عباس: انها سبع ارضين ليس بعضها فوق بعض تفرق بينهن البحار ‌و‌ تظل جميعهن السماء ‌و‌ الله سبحانه اعلم بصحه ‌ما‌ استاثر بعلمه ‌و‌ اشتبه على خلقه.
 ‌و‌ قد روى العياشى باسناده، عن الحسين ‌بن‌ خالد، عن ابى الحسن عليه السلام قال: بسط كفه اليسرى ثم وضع اليمنى عليها فقال: هذه الارض الدنيا، ‌و‌ السماء الدنيا عليها قبه، ‌و‌ الارض الثانيه فوق السماء الدنيا، ‌و‌ السماء الثانيه فوقها قبه، ‌و‌ الارض الثالثه فوق السماء الثانيه، ‌و‌ السماء الثالثه فوقها قبه حتى ذكر الرابعه ‌و‌ الخامسه ‌و‌ السادسه فقال ‌و‌ الارض السابعه فوق السماء السادسه، ‌و‌ السماء السابعه فوقها قبه، ‌و‌ عرش الرحمن فوق السماء السابعه، ‌و‌ ‌هو‌ قوله: «سبع سماوات ‌و‌ ‌من‌ الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن» ‌و‌ انما صاحب الامر النبى ‌و‌ ‌هو‌ على وجه الارض ‌و‌ انما ينزل الامر ‌من‌ فوق ‌من‌ بين السماوات ‌و‌ الارضين، انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه: قلت: فما تحتنا الا ارض واحده؟ قال: فما تحتنا الا ارض واحده ‌و‌ ‌ان‌ الست لهى فوقنا.
 
قال بعض الاصحاب: كانه عليه السلام جعل كل سماء ارضا بالاضافه الى مافوقها ‌و‌ سماء بالاضافه الى ‌ما‌ تحتها فيكون التعدد باعتبار تعدد سطحيها.
 ‌و‌ روى محمد ‌بن‌ الحسن الصفار «رحمه الله» ‌فى‌ كتاب بصائر الدرجات بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ‌ان‌ ‌من‌ وراء ارضكم هذه ارضا بيضاء ضوءها منها، فيها خلق يعبدون الله ‌لا‌ يشركون ‌به‌ شيئا يتبروون ‌من‌ فلان ‌و‌ فلان.
 قوله عليه السلام: «تقربهم منك زلفى» جمله فعليه ‌فى‌ محل نصب صفه الصلاه، ‌و‌ الرابط ضمير الصلاه، ‌و‌ التقدير تقربهم هى، ‌اى‌ الصلاه فان التاء ‌من‌ «تقربهم» للغائبه مثلها فى: «و ‌ما‌ اموالكم ‌و‌ ‌لا‌ اولادكم بالتى تقربكم عندنا زلفى» ‌و‌ اسناد التقريب الى الصلاه مجاز حكمى ‌من‌ باب اسناد الفعل الى السبب.
 ‌و‌ ‌ما‌ وقع لبعض المترجمين بان «التاء» للمخاطب ‌اى‌ تقربهم انت بسبب الصلاه تمحل ‌لا‌ داعى اليه.
 ‌و‌ الزلفى بالضم: اسم بمعنى القربه ‌من‌ ازلفه، ‌اى‌ قربه وقع موقع المصدر لكونه بمعناه كقولك: شنيته بعضا ‌و‌ اجبته مقه.
 ‌و‌ رضى: ‌اى‌ مرضيه. قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: هذا شى ء رضا ‌اى‌ مرضى ‌او‌ ذات رضى.
 قال الرضى: الوصف بالمصدر قد يكون بمعنى المفعول نحو رجل رضى، ‌اى‌ مرضى.
 قال بعضهم: ‌هو‌ على حذف المضاف اى: ذو رضى، ‌و‌ الاولى ‌ان‌ يقال: اطلق
 
اسم الحدث على المفعول مبالغه كانه ‌من‌ كثره الفعل تجسم منه.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «و متصله» يروى بالرفع على انه خبر مبتدا محذوف، ‌اى‌ ‌و‌ هى متصله وسوغه كونها صفه للمبتدا ‌فى‌ المعنى، ‌و‌ الجمله ‌فى‌ حيز الحال ‌من‌ الصلاه على معنى، ‌و‌ الحال انها متصله، ‌و‌ يروى بالنصب، ‌و‌ ‌فى‌ نصبها وجوه:
 احدهما: ‌ان‌ تكون عطفا على رضى.
 الثانى: ‌ان‌ تكون عطفا على جمله تقربهم ‌من‌ باب عطف المفرد على الجمله.
 الثالث: ‌ان‌ تكون صفه للمحذوف معطوف على صلاه، ‌اى‌ ‌و‌ صلاه اخرى متصله بنظائرهن، ‌و‌ نظيرها ‌فى‌ الوجهين قوله تعالى: «و دانيه عليهم ظلالها» ‌فى‌ قراءه النصب ‌من‌ قوله تعالى: «و جزاهم بما صبروا جنه ‌و‌ حريرا» «متكئين فيها على الارائك ‌لا‌ يرون فيها شمسا ‌و‌ ‌لا‌ زمهريرا ‌و‌ دانيه عليهم ظلالها».
 قال ابوالبقاء: قوله «متكئين فيها» يجوز ‌ان‌ تكون حالا ‌من‌ المفعول ‌فى‌ «جزاهم» ‌و‌ ‌ان‌ يكون صفه ل«جنه»، ‌و‌ «لا يرون» يجوز ‌ان‌ يكون حالا ‌من‌ الضمير المرفوع ‌فى‌ «متكئين» ‌و‌ ‌ان‌ يكون حالا اخرى ‌و‌ ‌ان‌ يكون صفه «لجنه» ‌و‌ اما «و دانيه» ففيه ‌من‌ الوجوه ‌ما‌ ‌فى‌ المعطوف عليه.
 ‌و‌ الثانى: ‌ان‌ تكون صفه لمحذوف معطوف على جنه تقديره ‌و‌ جنه دانيه ‌اى‌ ‌و‌ جنه اخرى دانيه عليهم ظلالها على انهم وعدوا جنتين كما ‌فى‌ قوله تعالى: «و لمن خاف مقام ربه جنتان» ‌و‌ معنى اتصالها بنظائرهن كونها جاريه
 
عقبها ‌من‌ غير انفصال بينهن، ‌و‌ المقصود ‌ان‌ تكون الصلاه عليهم متواتره ‌لا‌ انفصال لها ‌و‌ ‌لا‌ انقطاع، ‌و‌ الله اعلم.
 
ايدت: ‌اى‌ قويت ‌من‌ الايد بالفتح بمعنى القوه الشديده.
 ‌و‌ دينه تعالى: اما توحيده ‌و‌ طاعته ‌و‌ شريعته التى احل حلالها ‌و‌ حرم حرامها ‌و‌ اقام بها صلاح النشاتين ‌فى‌ الارض، ‌او‌ دين الاسلام بخصوصه ‌و‌ بكل ‌من‌ المعنيين فسر قوله تعالى: «افغير دين الله يبغون».
 قال بعض المفسرين: دينه: توحيده الذى دعا اليه الانبياء ‌و‌ المرسلون.
 ‌و‌ قال الراغب: يعنى بدين الله الاسلام لقوله: «و ‌من‌ يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه».
 فان حمل على الاول فالمراد بكل اوان منذ خلق الله الخلق الى انقضاء الدنيا، ‌و‌ بالامام اعم ‌من‌ ‌ان‌ يكون نبيا ‌او‌ وصيا.
 ‌و‌ ‌ان‌ حمل على الثانى: فالمراد بعد نبينا صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم الى قيام الساعه ‌و‌ يكون المراد بالامام احد الائمه المعصومين الذين ‌هم‌ اهل بيت نبينا خاتم النبيين ‌و‌ اوصياوه صلى الله عليه ‌و‌ عليهم السلام.
 
و عرفوا الامام تاره: بانه الانسان الذى له الرئاسه العامه ‌فى‌ امور الدين ‌و‌ الدنيا بالاصاله ‌فى‌ دار التكليف، فيدخل فيه النبى (صلى الله عليه ‌و‌ آله) ‌و‌ عليه قوله تعالى لابراهيم عليه السلام: «انى جاعلك للناس اماما».
 ‌و‌ تاره: بانه الانسان الذى استخلفه الرسول ‌او‌ خليفته ‌فى‌ اقامه قوانين الشريعه ‌و‌ حفظ حوزه المله على وجه يجب اتباعه على كافه الامه فيختص بالوصى.
 ‌و‌ العلم بالتحريك: العلامه، ‌و‌ الجبل المرتفع، ‌و‌ الرايه، ‌و‌ صاحب كمال مشهور، يقال: فلان علم ‌اى‌ مشهور ‌فى‌ كماله.
 ‌و‌ ‌فى‌ المحكم: العلم شى ء ينصب ‌فى‌ الفلوات تهتدى ‌به‌ الضاله ‌و‌ الجبل الطويل، ‌و‌ قال اللحيانى: العلم: الجبل فلم يخص الطويل، ‌و‌ الجمع اعلام ‌و‌ علام ‌و‌ نظيره جبل ‌و‌ اجبال ‌و‌ جبال، انتهى.
 ‌و‌ المنار بالفتح: علم الطريق، ‌و‌ قيل: الموضع المرتفع يوقد ‌فى‌ اعلاه النار لهدايه الضال.
 قال بعضهم: استعمال لفظ العلم ‌و‌ المنار هنا استعاره حسنه للامام ‌من‌ حيث اهتداء الناس ‌به‌ ‌فى‌ سلوك طريق الحق ‌و‌ رجوع الخلق اليه عند التباس الشبه ‌و‌ اشتباه الحق بالباطل، انتهى.
 قلت: المحققون على تسميه نحو هذا تشبيها بليغا ‌لا‌ استعاره لان المستعار له مذكور ‌و‌ ‌هو‌ الامام، ‌و‌ انما تطلق استعاره حيث تطوى ذكر المستعار له، ‌و‌ يجعل الكلام خاليا عنه كما تقدم بيانه، لكن الذى اختاره هنا تبعا للسبكى ‌فى‌ عروس الافراح: انه استعاره اذ ليس المقصود التشبيه بالاداه فتكون الاداه مقدره ‌و‌ ليس ‌فى‌ الكلام قرينه داله على حذفها بل الغرض استعاره العلم ‌و‌ المنار للشخص الذى ‌هو‌
 
الامام فهما مستعملان ‌فى‌ حقيقتهما، ‌و‌ ذكر الامام قرينه صارفه للاستعاره داله عليها فلا داعى لتقدير الاداه حتى يصار الى التشبيه بل الاستعاره اولى فيصار اليها، ‌و‌ قد اوضحت ذلك ‌فى‌ شرح بديعيتى المسمى بانوار الربيع ‌فى‌ انواع البديع، فمن اراد الوقوف عليه فليرجع اليه.
 قوله عليه السلام: «بعد ‌ان‌ وصلت حبله بحبلك» وصل الشى ء بالشى ء جعله متحدا به.
 ‌و‌ الحبل: هذا الذى يربط به، ثم استعير لكل ‌ما‌ يتوصل ‌به‌ الى شى ء، ‌و‌ منه: «و اعتصموا بحبل الله جميعا».
 قال الراغب: حبله ‌هو‌ الذى يكون معه التوصل ‌به‌ اليه ‌من‌ القرآن ‌و‌ النبى ‌و‌ العقل ‌و‌ غير ذلك مما اذا اعتصمت ‌به‌ اداك الى جواره، ‌و‌ يقال العهد ‌و‌ الذمه حبل ايضا لانه يعقد بهما الامان كما يعقد بالحبل، ‌و‌ منه: «ضربت عليهم الذله اينما ثقفوا الا بحبل ‌من‌ الله ‌و‌ حبل ‌من‌ الناس» ‌اى‌ ذمه الله ‌و‌ ذمه المسلمين.
 اذا عرفت ذلك فقوله: «وصلت حبله بحبلك» اما بمعنى مطلق السبب ‌اى‌ جعلت الوصله اليه وصله اليك ‌و‌ امره ‌و‌ امرك واحد، ‌او‌ بمعنى الذمه ‌و‌ العهد، ‌اى‌ جعلت ذمته موصوله بذمتك.
 ‌و‌ معناه ‌ما‌ رواه على ‌بن‌ ابراهيم بسنده عن الصادق عليه السلام ‌من‌ جمله حديث: ‌من‌ وفى بذمتنا فقد وفى بعهد الله ‌و‌ ذمته ‌و‌ ‌من‌ خفر ذمتنا فقد خفر ذمه الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌و‌ عهده.
 
و جاء ‌فى‌ بعض الاخبار عن ارباب العصمه عليهم السلام تفسير حبل الله: بولايته، ‌و‌ عليه فيجوز ‌ان‌ يكون المراد بقوله: «وصلت حبله بحبلك» ‌اى‌ ولايته بولايتك.
 ‌و‌ الذريعه: الوسيله.
 ‌و‌ رضوان الله تعالى: رضاه، ‌و‌ لما كانت طاعه الامام ‌و‌ الاقتداء ‌به‌ وصله الى ثواب الله تعالى ‌لا‌ جرم كان وسيله الى رضاه سبحانه.
 ‌و‌ فرض الاحكام فرضا ‌من‌ باب- ضرب- ‌و‌ افترضها: اوجبها.
 ‌و‌ الطاعه: اسم ‌من‌ اطاعه: ‌اى‌ انقاد له ‌و‌ مضى لامره.
 ‌و‌ الحذر محركه: الاحتراز ‌من‌ مخوف، يقال: حذرته حذرا ‌من‌ باب- تعب- ‌و‌ حذرته الشى ء بالتشديد فحذره، ‌و‌ منه: «و يحذركم الله نفسه».
 ‌و‌ المعصيه: الخروج عن الطاعه، ‌و‌ امتثال الامر: اطاعته ‌و‌ الانتهاء: الانزجار عما نهى عنه.
 قوله عليه السلام: «و الا يتقدمه متقدم» ‌اى‌ ‌لا‌ يسبقه احد بقول ‌و‌ ‌لا‌ فعل حتى يامر ‌به‌ كما قال تعالى: «لا تقدموا بين يدى الله ‌و‌ رسوله» ‌اى‌ ‌لا‌ تقدموا امرا قبله ‌او‌ ‌لا‌ تتقدموا.
 قال الراغب: ‌و‌ تحقيقه ‌لا‌ تسبقوه بالقول ‌و‌ الحكم بل افعلوا ‌ما‌ رسمه لكم كما يفعله العباد المكرمون، ‌و‌ ‌هم‌ الملائكه حيث قال: «لا يسبقونه بالقول».
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: فلان يتقدم بين يدى الله اذا عجل ‌فى‌ الامر
 
و النهى دونه.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «و ‌لا‌ يتاخر عنه متاخر» ‌اى‌ ‌لا‌ يتخلف احد عما امر ‌به‌ ‌و‌ رسمه، ‌و‌ حاصله انه اوجب اتباعه ‌و‌ الاذعان له فيما حكم فليس لاحد ‌ان‌ يقضى امرا دونه ‌و‌ ‌لا‌ يتخلف عما قضاه.
 ‌و‌ العصمه: ‌ما‌ يعتصم به، ‌اى‌ يمتنع ‌به‌ ‌من‌ سبب ‌او‌ عقد.
 ‌و‌ لاذ ‌به‌ يلوذ لواذا بالكسر، ‌و‌ قد يضم ‌و‌ يفتح: التجا ‌به‌ فهو لائذ.
 ‌و‌ الكهف: الغار ‌و‌ ‌هو‌ بيت منقور ‌فى‌ الجبل.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز: فلان كهف قومه ملجاهم.
 ‌و‌ ‌فى‌ المصباح: فلان كهف لانه يلجا اليه كالبيت على الاستعاره.
 ‌و‌ العروه بالضم: واحده عرى ‌من‌ الدلو ‌و‌ الكوز ‌و‌ نحوهما مما يتعلق به، ‌و‌ هى ‌من‌ العرى بالقصر ‌و‌ ‌هو‌ الناحيه.
 قال الراغب: العروه ‌ما‌ يتعلق ‌به‌ ‌من‌ عراه ‌اى‌ ناحيته.
 قال الزمخشرى: ‌و‌ تستعار العروه لما يوثق ‌به‌ ‌و‌ يعول عليه.
 ‌و‌ تمسك بالشى ء تعلق ‌به‌ كاستمسك فهو متمسك ‌و‌ مستمسك قال تعالى «و ‌لا‌ تمسكوا بعصم الكوافر» ‌و‌ قال: «فمن يكفر بالطاغوت ‌و‌ يومن بالله فقد استمسك بالعروه الوثقى».
 ‌و‌ البهاء: الحسن ‌و‌ الجمال، ‌و‌ قد يستعمل بمعنى حسن الهيئه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس شى ء بهى: اذا ملا العين حسنه ‌و‌ روعته ‌و‌ قد ملا عينى
 
بهاوه.
 ‌و‌ قد وصف عليه السلام الامام باربعه اوصاف:
 احدهما: انه عصمه اللائذين، ‌اى‌ مانع لمن لاذبه ‌و‌ التجا اليه بسبب هدايته له الى سلوك الصراط المستقيم عن التورط ‌فى‌ احد طرفى الافراط ‌و‌ التفريط.
 ‌و‌ ثانيها: انه كهف المومنين، ‌اى‌ ملجا جماعه المومنين الذى يلجاون اليه عند حلول الشبهات ‌و‌ يعولون عليه ‌فى‌ الخلاص ‌من‌ الظلمات.
 ‌و‌ ثالثها: انه عروه المتمسكين، ‌اى‌ منقذ ‌من‌ تمسك ‌به‌ ‌و‌ اقتدى باثره ‌و‌ انقاد لامره ‌و‌ نهيه ‌من‌ مهاوى الهلكات ‌و‌ الوقوع ‌فى‌ مساقط النقمات.
 ‌و‌ رابعها: انه بهاء العالمين، ‌اى‌ ‌به‌ يكون انتظام امر العالم ‌و‌ حسن هيئته اذ بهديه ‌و‌ سيرته يعتدل ميزان العدل ‌و‌ يقوم عماد الحق ‌فى‌ الخلق، ‌و‌ الكلام ‌فى‌ كل ذلك مبنى على التمثيل، اعنى تمثيل الهيئه العقليه بالهيئه الحسيه على ‌ما‌ قرر ‌فى‌ الاستعاره التمثيليه، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون ‌من‌ باب الاستعاره المكنيه المرشحه، ‌او‌ التبعيه كما تقدم بيانه ‌فى‌ نظيره، ‌و‌ الله اعلم.
 
 تبصره
 
 مضمون هذا الفصل ‌من‌ الدعاء مما تطابق عليه العقل ‌و‌ النقل.
 اما العقل: فبيانه ‌ان‌ الانسان غير مكتف ‌فى‌ الوجود ‌و‌ البقاء بذاته لان نوعه لم ينحصر ‌فى‌ شخصه، فلا يعيش ‌فى‌ الدنيا الا بتمدن ‌و‌ اجتماع ‌و‌ تعاون، ‌و‌ ‌لا‌ يمكن وجوده بالانفراد فافترقت اعداد ‌و‌ اختلفت اضراب ‌و‌ انعقدت ضياع ‌و‌ بلاد، فاضطروا ‌فى‌ معاملاتهم ‌و‌ مناكحاتهم ‌و‌ جناياتهم الى قانون مرجوع اليه بين كافه الخلق يحكمون ‌به‌ بالعدل، ‌و‌ الا تغالبوا ‌و‌ تهارسوا ‌و‌ فسد الجميع ‌و‌ انقطع النسل
 
و اختل النظام لما جبل عليه كل احد ‌من‌ ‌ان‌ يشتهى ‌ما‌ يحتاج اليه ‌و‌ يغضب على ‌من‌ يزاحمه فيه، ‌و‌ ذلك القانون ‌هو‌ الشرع، ‌و‌ لابد ‌من‌ شارع يعين لهم منهجا يسلكونه لانتظام معاشهم ‌فى‌ الدنيا، ‌و‌ يسن لهم طريقا يصلون ‌به‌ الى الله، ‌و‌ يفرض عليهم ‌ما‌ يذكرهم امر الاخره، ‌و‌ الرحيل الى ربهم ‌و‌ ينذرهم ‌و‌ ينادون فيه ‌من‌ مكان قريب، ‌و‌ يهديهم الى الصراط المستقيم، ‌و‌ لابد ‌ان‌ يكون انسانا لان مباشره الملك لتعليم الانسان على هذا الوجه مستحيل، ‌و‌ درجه باقى الحيوانات انزل ‌من‌ هذا فتعين ‌ان‌ يكون انسانا، ‌و‌ لابد ‌من‌ تخصيصه بايات ‌من‌ الله داله على ‌ان‌ شريعته ‌من‌ عند ربهم العدل القاهر الغافر المنتقم، ليخضع له النوع ‌و‌ يجب لمن وفق لها ‌ان‌ يقر بنبوته، ‌و‌ هى المعجزه ‌و‌ كما لابد ‌فى‌ العنايه لنظام العالم ‌من‌ المطر، ‌و‌ العنايه لم تقصر عن ارسال السماء مدرارا لحاجه الخلق، فنظام العالم ‌لا‌ يستغنى عمن يعرفهم صلاح الدنيا ‌و‌ الاخره، نعم ‌من‌ لم يهمل انبات الشعر على الحاجبين للزينه ‌لا‌ للضروره كيف يهمل ‌من‌ وجوده رحمه للعالمين ‌و‌ اقامته علما يهتدى ‌به‌ لسلوك صراطه المستقيم، فانظر الى عنايته ‌و‌ لطفه تعالى كيف اعد لخلقه بايجاد ذلك الشخص مع النفع العاجل السلامه ‌فى‌ العقبى ‌و‌ الخير الاجل، فهذا ‌هو‌ خليفه الله ‌فى‌ ارضه ‌و‌ ‌هو‌ الامام الذى نصبه علما لعباده ‌و‌ منارا ‌فى‌ بلاده.
 فان قلت: هذا البيان انما يوجب بعثه النبى، الذى ‌هو‌ الشارع المبين للشريعه ‌لا‌ مطلق الامام.
 قلت: كما احتاج المكلفون الى نبى يستفيد الشريعه ‌و‌ الحكمه ‌من‌ الوحى فكذلك يحتاجون الى حافظ لما بلغه النبى الى الامه بعد فوته، اذ ‌لا‌ يمكنهم حفظ جميع احكامه، ‌و‌ الكتاب ‌لا‌ يفى بعد النبى بمعرفه الاحكام على وجه يرفع الاحتياج
 
الى الامام، فان فيه مجملا ‌و‌ مفصلا ‌و‌ محكما ‌و‌ متشابها، ‌و‌ خاصا ‌و‌ عاما، ‌و‌ ناسخا ‌و‌ منسوخا، ‌و‌ علوما باطنه، ‌و‌ دقائق غامضه ‌من‌ الاحكام ‌و‌ غيرها مما ‌لا‌ يتيسر الاحاطه ‌به‌ الا لنبى بطريق الوحى، ‌او‌ وصى ذى اذن واعيه يعى كل ‌ما‌ يسمعه ‌من‌ النبى فيحفظه على وجهه، ‌و‌ الاجتهاد ممنوع، ‌و‌ ‌ان‌ قلنا بصحته، فانما هى عند الضروره ‌و‌ هى منتفيه ‌من‌ جانبه، فلابد لتلك الامور ‌من‌ حافظ عالم بها على وجهها ‌و‌ ‌لا‌ يتيسر كما عرفت الا لذى نفس قدسيه ‌و‌ حدس عال، ‌و‌ بصيره منيره مصقوله ‌من‌ دنس الجهل، ‌و‌ صدء الصفات الذميمه لتنطبع فيها العلوم الالهيه، ‌و‌ تظهر فيها الاسرار الغيبيه.
 ‌و‌ لذلك قال بعض اهل العرفان: ‌ان‌ النبوه ‌و‌ الرساله ‌من‌ حيث ماهيتهما ‌و‌ حكمهما ‌ما‌ انقطعتا ‌و‌ ‌ما‌ نسختا ‌و‌ انما انقطع مسمى النبى ‌و‌ الرسول، ‌و‌ انقطع نزول الملك حامل الوحى على نهج التمثل، ‌و‌ على هذا وردت الاخبار عن الائمه الاطهار ‌فى‌ الفرق بين الرسول ‌و‌ النبى المحدث.
 ‌ان‌ الرسول: ‌من‌ يظهر له الملك فيكلمه.
 ‌و‌ النبى: ‌هو‌ الذى يرى ‌فى‌ منامه، ‌و‌ ربما اجتمعت النبوه ‌و‌ الرساله لواحد.
 ‌و‌ المحدث: الذى يسمع الصوت ‌و‌ ‌لا‌ يرى الصوره، ‌و‌ اشتهر الخبر عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌ان‌ ‌فى‌ امتى محدثين مكلمين.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌ان‌ لله عبادا ليسوا بانبياء يغبطهم النبيون.
 ‌و‌ اما النقل: فهو مستفيض ‌من‌ طرق العامه ‌و‌ الخاصه.
 اما ‌من‌ طريق العامه: فمنه الحديث المشهور، ‌و‌ المتفق على روايته عن النبى
 
صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ مات ‌و‌ لم يعرف امام زمانه مات ميته جاهليه.
 ‌و‌ ‌فى‌ معناه ‌ما‌ اخرجه الحاكم ‌و‌ صححه عن ابن عمر ‌ان‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله قال: ‌من‌ مات ‌و‌ ليس عليه امام جماعه فان موتته موته جاهليه.
 ‌و‌ اخرج ابن مردويه عن على عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌فى‌ قول الله: «يوم ندعوا كل اناس بامامهم» قال: يدعى كل قوم بامام زمانهم ‌و‌ كتاب ربهم ‌و‌ سنه نبيهم.
 ‌و‌ اخرج ابن عساكر، عن خالد ‌بن‌ صفوان، انه قال: لم تخل الارض ‌من‌ قائم لله بحجته ‌فى‌ عباده.
 ‌و‌ اما ‌من‌ طرق الخاصه: فالاخبار ‌فى‌ ذلك اكثر ‌من‌ ‌ان‌ تحصى.
 فمنها مارواه غير واحد، عن اميرالمومنين عليه السلام ‌فى‌ حديث كميل ‌بن‌ زياد النخعى المشهور انه قال: اللهم بلى ‌لا‌ تخلو الارض ‌من‌ قائم لله بحجه اما ظاهر مشهور، ‌او‌ خائف مغمور لئلا تبطل حجج الله ‌و‌ بيناته، ‌و‌ اين اولئك؟ اولئك ‌و‌ الله الاقلون عددا، الاعظمون خطرا بهم يحفظ الله حججه ‌و‌ بيناته حتى يودعوها نظراءهم ‌و‌ يزرعوها ‌فى‌ قلوب اشباههم هجم بهم العلم على حقائق الامور، ‌و‌ باشروا روح اليقين، ‌و‌ استلانوا ‌ما‌ استوعره المترفون ‌و‌ انسوا بما استوحش منه الجاهلون، ‌و‌ صحبوا الدنيا بابدان ارواحها معلقه بالمحل الاعلى، اولئك خلفاء الله ‌فى‌ ارضه، ‌و‌ الدعاه الى دينه، آه آه شوقا الى رويتهم.
 ‌و‌ منها ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: ‌ما‌ زالت الارض الا ‌و‌ لله فيها حجه يعرف الحلال ‌و‌ الحرام ‌و‌ يدعو الناس الى
 
سبيل الله.
 ‌و‌ بسنده عنه عليه السلام قال: ‌ان‌ الله اجل ‌و‌ اعظم ‌من‌ ‌ان‌ يترك الارض بغير امام عادل.
 ‌و‌ بسنده عن ابى جعفر عليه السلام قال: ‌و‌ الله ‌ما‌ ترك الله ارضا منذ قبض آدم عليه السلام الا ‌و‌ فيها امام يهتدى ‌به‌ الى الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌و‌ ‌هو‌ حجته على عباده ‌و‌ ‌لا‌ تبقى الارض بغير امام حجه لله على عباده.
 ‌و‌ بسنده عن اميرالمومنين عليه السلام انه قال: اللهم انك ‌لا‌ تخلى ارضك ‌من‌ حجه لك على خلقك.
 ‌و‌ بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: ‌ان‌ الارض ‌لا‌ تخلو الا ‌و‌ فيها امام كيما ‌ان‌ زاد المومنون شيئا ردهم، ‌و‌ ‌ان‌ نقصوا شيئا اتمه لهم.
 ‌و‌ لو قصدنا استيفاء الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى طال بنا الشرح ‌و‌ خرجنا عن المقصود، ‌و‌ ‌فى‌ هذا المقدار كفايه.
 
اوزعه الله الشى ء: الهمه اياه، ‌و‌ منه قوله تعالى: «رب اوزعنى ‌ان‌ اشكر نعمتك التى انعمت على».
 
و «اللام» ‌فى‌ «لوليك» اما زائده للتاكيد، نحو: «ردف لكم» عند المبرد ‌و‌ ‌من‌ وافقه حيث قالوا: ردف بمعنى لحق فهو متعد بنفسه ‌و‌ اللام زائده بين الفعل المتعدى ‌و‌ مفعوله لتاكيد وصول الفعل اليه، اوصله لاوزع على ‌ان‌ معناه افعل الايزاع كما قيل ‌فى‌ قوله:
 يجرح ‌فى‌ عراقيبها نصلى
 ‌ان‌ يجرح بمعنى: يفعل الجرح.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: «فاوزع وليك» بدون لام ‌و‌ هى اولى، ‌و‌ عليه النسخ القديمه.
 ‌و‌ «الفاء»: ‌من‌ قوله: «فاوزع» فصيحه، ‌اى‌ اذا كان لك ‌فى‌ كل ‌او‌ ‌ان‌ امام هذه صفته فالهم وليك الذى ‌هو‌ امام هذا الاوان شكر ‌ما‌ انعمت به، ‌و‌ لما كان الامام المتصف بالصفات المذكوره ‌هو‌ عين الولى عبر عنه بقوله: «فاوزع وليك» ‌و‌ تعريفهم للولى يدل على ذلك حيث قالوا: ‌هو‌ ‌من‌ تولى الله تعالى امره ‌و‌ حفظه ‌من‌ العصيان ‌و‌ لم يخله ‌و‌ نفسه حتى بلغه مقام القرب ‌و‌ التمكين قال الله تعالى: «و ‌هو‌ يتولى الصالحين» فهو فعيل بمعنى مفعول قيل: ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون بمعنى فاعل فيكون معناه ‌هو‌ ‌من‌ توالت طاعته ‌من‌ غير ‌ان‌ يتخللها عصيان.
 ‌و‌ قال بعض اصحابنا: ولى الله تعالى هنا ‌من‌ اخذ النبوه وراثه ‌من‌ النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم ‌و‌ ‌هو‌ الامام ‌من‌ اهل بيته، الا ‌ان‌ النبوه له غيب ‌و‌ هى للنبى شهاده، ‌و‌ الاقرب ‌ان‌ يكون المراد ‌به‌ ‌من‌ جعل له الولايه على خلقه ‌فى‌ ارضه فيكون بمعنى الامام.
 
قال بعضهم: ‌و‌ ‌هو‌ كنايه عن المهدى عليه السلام، انتهى.
 ‌و‌ الاولى ‌ان‌ يقال: ‌ان‌ كان هذا الدعاء منه عليه السلام ‌فى‌ حياه والده صلوات الله عليه، فالمراد ‌به‌ والده مادام ‌فى‌ الحياه، ثم المراد ‌به‌ نفسه ‌فى‌ زمان امامته، ثم امام كل زمان، ‌و‌ المقصود تعليم غيره ‌من‌ شيعتهم عليهم السلام.
 ‌و‌ الضمير ‌من‌ قوله: «به» عائد الى الولى.
 ‌و‌ «الباء»: سببيه، ‌اى‌ ‌ما‌ انعمت بسببه علينا ‌من‌ الامامه ‌و‌ الولايه التى هديتنا بها الى طاعتك، ‌و‌ اوزعتنا بها عن معصيتك، الى غير ذلك ‌من‌ الفوائد ‌و‌ العوائد المترتبه عليها ‌و‌ انما قال: «علينا» دون عليه على ‌ما‌ وقع ‌فى‌ اكثر النسخ ايذانا بان عود فوائد الامامه علينا اكثر ‌من‌ عودها اليه، فالنعمه بها علينا اعظم فكانها مختصه بنا دونه.
 ‌و‌ ‌فى‌ بعض النسخ: «ما انعمت ‌به‌ عليه» ‌و‌ المعنى ظاهر الا ‌ان‌ الضمير ‌فى‌ «به» على هذا عائد الى الموصول ‌لا‌ الى الولى.
 ‌و‌ «الباء»: صله لانعمت ‌لا‌ سببيه.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «و اوزعنا» مثله ‌اى‌ مثل ذلك الايزاع ‌او‌ مثل ذلك الشكر.
 ‌و‌ «فيه»: ‌اى‌ بسببه كقوله تعالى: «فذلكن الذى لمتننى فيه» ‌اى‌ ‌و‌ الهمنا شكر ‌ما‌ انعمت علينا بسببه كما تلهمه.
 ‌و‌ ‌ما‌ وقع لبعضهم ‌من‌ ‌ان‌ المعنى الهم وليك ‌ان‌ يشكر النعمه التى انعمت بها علينا ‌و‌ هى الولى ‌و‌ الهمنا ‌ان‌ نشكر تلك النعمه التى انعمت بها عليه ‌و‌ علينا ‌به‌ ‌و‌ يحتمل الاعم فيهما، فهو خلاف ظاهر العباره، ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌فى‌ نفسه معنى صحيحا.
 قوله عليه السلام: «و آته ‌من‌ لدنك سلطانا نصيرا» اقتباس ‌من‌ قوله تعالى ‌فى‌
 
سوره الاسراء: «و اجعل لى ‌من‌ لدنك سلطانا نصيرا».
 ‌و‌ الايتاء: الاعطاء، يقال: آتيته مالا بالمد: ‌اى‌ اعطيته، ‌و‌ منه: «و آت ذا القربى حقه».
 ‌و‌ السلطان: الحجه الظاهره، ‌و‌ الملك ‌و‌ العز.
 ‌و‌ النصير: الناصر، ‌اى‌ اعطه ‌من‌ عندك حجه ظاهره تنصره بها على جميع ‌من‌ خالفه، ‌او‌ ملكا ‌و‌ عزا ناصرا له ‌و‌ لشيعته.
 ‌و‌ قال العلامه الطبرسى ‌فى‌ الايه: ‌اى‌ اجعل لى عزا امتنع ‌به‌ ممن يحاول صدى عن اقامه فرائضك، ‌و‌ قوه تنصرنى بها على ‌من‌ عادانى فيك. ‌و‌ قيل: اجعل لى ملكا عزيزا اقهر ‌به‌ العصاه. ‌و‌ قيل: حجه بينه اتقوى بها على سائر الاديان الباطله عن مجاهد قال: ‌و‌ سماه نصيرا لانه يقع ‌به‌ النصره على الاعداء فهو كالمعين انتهى.
 ‌و‌ كل هذه المعانى محتمله هنا ايضا.
 قوله عليه السلام: «و افتح له فتحا يسيرا» قال الراغب: الفتح: ازاله الاغلاق ‌و‌ الاشكال ‌و‌ ذلك ضربان:
 احدهما: ‌ما‌ يدرك بالبصر، كفتح الباب ‌و‌ الغلق ‌و‌ القفل.
 ‌و‌ الثانى: ‌ما‌ يدرك بالبصيره كفتح الهم ‌و‌ ‌هو‌ ازاله الغم ‌و‌ ذلك ضربان:
 احدهما: ‌فى‌ الامور الدنيويه كغم يفرج ‌و‌ فقر يزال باعطاء المال ‌و‌ نحوه.
 ‌و‌ الثانى: فتح المستغلق ‌من‌ العلوم نحو قولك: فلان فتح ‌من‌ العلم بابا مغلقا. ‌و‌ قوله تعالى: «انا فتحنا لك فتحا مبينا» قيل: عنى فتح مكه. ‌و‌ قيل: بل عنى ‌ما‌ فتح عليه ‌من‌ العلوم ‌و‌ الهدايات التى هى ذريعه الى الثواب ‌و‌ المقامات المحموده التى
 
صارت وسيله لغفران ذنوبه. ‌و‌ الفتح: ‌فى‌ قوله تعالى: «اذا جاء نصر الله ‌و‌ الفتح» يحتمل النصر ‌و‌ الظفر ‌و‌ الحكم ‌من‌ فتح القضيه اذا حكم فيها ‌و‌ فصل الامر، ‌و‌ ‌ما‌ يفتح الله ‌من‌ المعارف ‌و‌ على ذلك «نصر ‌من‌ الله ‌و‌ فتح قريب» انتهى.
 ‌و‌ قال صاحب الكشاف: الفتح: الظفر بالبلد عنوه ‌او‌ صلحا بخراب ‌او‌ بلا خراب لانه منغلق ‌ما‌ لم يظفر به، فاذا ظفر ‌به‌ ‌و‌ حصل ‌فى‌ البلد فقد فتح.
 ‌و‌ قال ابن عيسى: الفتح: الفرج المزيل للهم، ‌و‌ منه: فتح المساله اذا انفرجت عن بيان يودى الى الثقه.
 ‌و‌ اختلف ‌فى‌ قوله تعالى: «انا فتحنا لك فتحا مبينا» فقيل: اى: نصرناك ‌و‌ اظفرناك ظفرا عظيما.
 ‌و‌ قيل: اى: قضينا لك قضاء ظاهرا بينا ‌من‌ الفتاحه ‌و‌ هى الحكومه ‌و‌ ‌هو‌ قول قتاده.
 ‌و‌ قيل: معناه يسرنا لك يسرا بينا ‌و‌ ‌هو‌ قول مقاتل.
 ‌و‌ قيل: ‌اى‌ اعلمنا لك علما ظاهرا فيما انزلنا عليك ‌من‌ القرآن ‌و‌ اخبرناك ‌به‌ ‌من‌ الدين.
 ‌و‌ قيل معناه: ارشدناك الى الاسلام ‌و‌ فتحنا لك امر الدين ‌و‌ النبوه ‌و‌ الدعوه بالحجه ‌و‌ السيف ‌و‌ ‌لا‌ فتح اعظم منه ‌و‌ ابين، اذا عرفت ذلك فقوله عليه السلام: «و افتح له فتحا يسيرا» يحتمل جميع المعانى المذكوره لان الغرض الدعاء له بحصول ‌ما‌ حصل للنبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌من‌ الفتح باى معنى كان ‌و‌ ‌لا‌ ينافى ذلك حصول بعض هذه المعانى له كالعلم ‌و‌ الارشاد لانه ‌من‌ باب: «قال رب احكم
 
بالحق» «و ‌لا‌ تخزنى يوم يبعثون» على ‌ان‌ الاولى ‌ان‌ يراد بالفتح ‌ما‌ ينتظم جميع الفتوحات، ‌و‌ ‌هو‌ ازاله كل اغلاق ‌و‌ اشكال عنه باى سبب كان ‌و‌ ‌من‌ دون خصوصيه مفتوح.
 ‌و‌ يسيرا: ‌اى‌ سهلا هينا غير عسير ‌و‌ ‌لا‌ مشقه فيه.
 قوله عليه السلام: «و اعنه بركنك الاعز» اعانه على الامر اعانه: ظاهره كعاونه.
 ‌و‌ الركن ‌فى‌ الاصل: احد اركان البيت ‌و‌ هى جوانبه التى يعتمد بناوه عليها بعد الاساس ثم استعير للقوه.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز فلان ياوى ‌من‌ ‌عز‌ قومه الى ركن شديد.
 ‌و‌ الاعز: الاقوى الامنع ‌من‌ العزه بمعنى القوه ‌و‌ المنعه.
 ‌و‌ الشد: الاحكام.
 ‌و‌ الازر: القوه: ‌اى‌ احكم قوته، ‌و‌ قيل: الازر: الظهر، ‌و‌ منه: المئزر، لانه يشد على الظهر ‌و‌ الازار لانه يسبل على الظهر، ‌و‌ على هذا فالمعنى قو ظهره فهو كنايه عن تقويته ‌و‌ تاييده، ‌و‌ بكلا المعنيين فسر قوله تعالى: «اشدد ‌به‌ ازرى».
 قال العمادى: ‌اى‌ احكم ‌به‌ قوتى.
 ‌و‌ قال الطبرسى: اى: قوبه ظهرى ‌و‌ اعنى به.
 
و العضد: ‌ما‌ بين المرفق الى الكتف، ثم استعير للقوه لان اليد تشتد بشده العضد ‌و‌ جمله البدن تقوى على مزاوله الامور بشده اليد، ‌و‌ لهذا يقال ‌فى‌ دعاء الخير: ‌شد‌ الله عضده، ‌و‌ ‌فى‌ ضده فت الله ‌فى‌ عضده، ‌و‌ منه: «سنشد عضدك باخيك».
 وراعه: ‌اى‌ احفظه ‌و‌ اصل المراعاه مراقبه الشى ء الى ماذا يصير، ‌و‌ ‌ما‌ منه يكون، ‌و‌ منه: راعيت النجوم، ثم استعمل ‌فى‌ مطلق الحفظ فقيل: راعاك الله، ‌اى‌ حفظك.
 ‌و‌ بعينك: ‌اى‌ بحياطتك ‌و‌ كلائتك ‌و‌ مراقبتك، استعاره ‌من‌ الجارحه اذ بها تكون حياطه الشى ء ‌و‌ كلائته، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و لتصنع على عينى».
 قال ابومسلم اى: لتربى ‌و‌ تغذى بحياطتى ‌و‌ كلاءتى ‌و‌ حفظى كما يقال ‌فى‌ الدعاء بالحفظ ‌و‌ الحياطه: عين الله عليك.
 ‌و‌ حميته ‌من‌ الاعداء حميا ‌من‌ باب- رمى- ‌و‌ حميه بالكسر: منعته عنهم، ‌و‌ الحمايه بالكسر اسم منه.
 ‌و‌ الحفظ: منع الشى ء ‌من‌ الضياع ‌و‌ التلف.
 ‌و‌ نصره الله على عدوه نصرا ‌من‌ باب- كتب- اعانه ‌و‌ قواه ‌و‌ الدعاء له بالنصر بالملائكه اما ‌فى‌ كل حال ‌و‌ ‌فى‌ كل وقت فيكون المراد ‌به‌ القاء الرعب بهم ‌فى‌ قلوب اعدائه على كل حال ‌او‌ ‌فى‌ وقت الجهاد فيكون المراد ‌ان‌ يقاتلوا معه كما قاتلوا مع جده ‌فى‌ بدر.
 ‌و‌ امددته بمدد: اعنته ‌و‌ قويته به.
 ‌و‌ الجند: الانصار ‌و‌ الاعوان، ‌و‌ الجمع اجناد ‌و‌ جنود، ‌و‌ الواحد جندى فالياء
 
للوحده مثل: روم ‌و‌ رومى.
 ‌و‌ الاغلب: افعل تفضيل ‌من‌ غلبت الخصم غلبا ‌من‌ باب- ضرب-: اذا قهرته ‌و‌ ظفرت ‌به‌ ‌و‌ الاسم الغلب ‌و‌ الغلبه محركتين، ‌و‌ المراد بجنده تعالى: المومنون المجاهدون ‌فى‌ سبيله كما قال سبحانه: «و ‌ان‌ جندنا لهم الغالبون» فان المراد بهم اتباع المرسلين.
 قالوا: ‌و‌ ‌لا‌ يقدح ‌فى‌ ذلك انهزامهم ‌فى‌ بعض المشاهد، فان قاعده امرهم ‌و‌ اساسه الظفر ‌و‌ الغلبه، ‌و‌ ‌ان‌ وقع ‌فى‌ اثناء ذلك شوب ‌من‌ الابتلاء ‌و‌ المحنه ‌و‌ الحكم للعاقبه ‌و‌ مال الامر، ‌و‌ الله اعلم.
 
اقامه الكتاب: عباره عن تعديل احكامه، ‌و‌ ابانه محكمه ‌و‌ متشابهه ‌و‌ مجمله ‌و‌ مفصله ‌و‌ ناسخه ‌و‌ منسوخه ‌و‌ تلاوته كما انزل، ‌و‌ حفظه ‌من‌ ‌ان‌ يقع ‌فى‌ شى ء ‌من‌ ذلك زيغ ‌و‌ خلل، ‌من‌ اقمت العود اذا قومته ‌و‌ عدلته ‌او‌ عن المواظبه على العمل بموداه، ‌و‌ حكمه ماخوذ ‌من‌ قامت السوق: اذا نفقت، ‌و‌ اقمتها: اذا جعلتها نافقه، فانه اذا حوفظ عليه كان كالنافق الذى يرغب فيه ‌او‌ عن التشمير للعمل به، ‌و‌ تلاوته كما انزل ‌من‌ غير فتور ‌و‌ توان فلا يكون مهجورا ‌من‌ قولهم: قام بالامر اذا جد فيه ‌و‌ اجتهد، ‌و‌ قس على ذلك اقامه الحدود ‌و‌ الشرائع ‌و‌ السنن.
 ‌و‌ الكتاب:- اما مصدر سمى ‌به‌ المفعول كالخلق للمخلوق، ‌و‌ اما فعال بنى
 
للمفعول كاللباس للملبوس- ‌من‌ الكتب، ‌و‌ ‌هو‌ ضم الحروف بعضها الى بعض، ‌و‌ اصله الضم ‌و‌ الجمع ‌فى‌ المحسوسات، ‌و‌ منه: الكتيبه للجيش، ‌و‌ اطلاق الكتاب على المنظوم عباره لما ‌ان‌ ‌ما‌ له الكتابه.
 ‌و‌ حدوده تعالى: احكامه جمع ‌حد‌ ‌و‌ اصله الحاجز بين الشيئين الذين يمتنع اختلاط احدهما بالاخر فلا يتجاوز كل منهما الى صاحبه، سمى ‌به‌ الحكم لتمييزه ‌و‌ عدم جواز تجاوزه الى غيره.
 ‌و‌ الشرائع: جمع شريعه ‌و‌ هى الطريقه الالهيه ‌من‌ الدين ماخوذه ‌من‌ شريعه الماء ‌و‌ هى مورد الناس للشرب ‌و‌ الاستقاء سميت بذلك اما لوضوحها ‌و‌ ظهورها، ‌و‌ اما لان ‌من‌ وردها فقد روى ‌و‌ تطهر، كما قال بعض اصحاب القلوب: كنت اشرب فلا اروى فلما عرفت الله رويت بلا شرب.
 ‌و‌ السنن: جمع سنه، ‌و‌ هى لغه الطريقه ‌و‌ السيره مرضيه كانت ‌او‌ غير مرضيه، ‌و‌ ‌فى‌ عرف الشرع قد تطلق على المندوب ‌و‌ المستحب ‌و‌ قد تطلق على الاحاديث المرويه عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ اهل بيته عليهم السلام فتقابل بها الكتاب ‌و‌ يقال: ورد بهذا الحكم الكتاب ‌و‌ السنه، ‌او‌ ماورد ‌به‌ كتاب ‌و‌ ‌لا‌ سنه، ‌و‌ قد تطلق على ‌ما‌ واظب عليه الرسول صلى الله عليه ‌و‌ آله مع الترك احيانا فان كانت المواظبه المذكوره على سبيل العباده فسنن الهدى، ‌و‌ ‌ان‌ كانت على سبيل العاده فسنن الزوائد، فسنه الهدى ‌ما‌ يكون اقامتها تكميلا للدين ‌و‌ هى التى يتعلق بتركها كراهه ‌و‌ اساءه، ‌و‌ سنن الزوائد: هى التى اخذها هدى، ‌اى‌ اقامتها حسنه ‌و‌ ‌لا‌ يتعلق بتركها كراهه ‌و‌ اساءه كسننه صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌فى‌ قيامه ‌و‌ قعوده ‌و‌ منامه ‌و‌ اكله ‌و‌ شربه ‌و‌ لباسه، ‌و‌ قد يقال: سن رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله كذا: ‌اى‌ شرعه ‌و‌ جعله شرعا،
 
فالمراد بسنته ‌فى‌ الدعاء: اما سنن الهدى، ‌و‌ اما ‌ما‌ شرعه صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌من‌ الاحكام الشرعيه.
 ‌و‌ المعالم: جمع معلم كمقعد: ‌و‌ ‌هو‌ الاثر الذى يستدل ‌به‌ على الطريق.
 قال ‌فى‌ المحكم: معلم الطريق دلالته ‌و‌ كذا معلم الدين على المثل.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: خفيت معالم الطريق، آثارها المستدل بها عليها، انتهى.
 ‌و‌ هى هنا على الاستعاره شبه دلائل الدين ‌و‌ بيناته التى يتوصل بها الى اثبات الحق منه باثار الطريق التى يتوصل بها الى محجته بجامع الاهتداء الى المطلوب، فهى استعاره مكنيه، ‌و‌ اماته الظالمين لها: عباره عن اهمالها ‌و‌ نبذها ‌و‌ عدم القيام بها كما ‌ان‌ احياءها عباره عن ابدائها ‌و‌ ايضاحها ‌و‌ الاعتناء بها، فهى استعاره تبعيه قرينتها نسبه الفعلين المذكورين الى المفعول الذى ‌هو‌ الموصول المبين بقوله: ‌من‌ معالم دينك.
 فان الاحياء ‌و‌ الاماته الحقيقيين ‌لا‌ يتعلقان بالمعالم فهى كقوله:
 قتل البخل ‌و‌ احيا السماحا
 ‌و‌ جلوت السيف ‌و‌ نحوه جلاء بالكسر ‌و‌ المد: كشفت صداءه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ علاه ‌من‌ الوسخ، يقال: صدا الحديد صداء ‌من‌ باب- تعب- ‌و‌ الجور: الظلم ‌و‌ العدول عن الحق.
 ‌و‌ قال الراغب: اصله العدول عن الطريق، ثم استعمل ‌فى‌ العدول عن كل حق.
 ‌و‌ قال بعضهم: الجائر ‌من‌ الناس ‌هو‌ الذى يمتنع عن التزام ‌ما‌ يامر ‌به‌ الشرع، ‌و‌ اضافه الصداء الى الجور اما ‌من‌ باب الاستعاره بان شبه ‌ما‌ يترتب على الجور ‌من‌
 
الفساد بالصدا ‌و‌ اثبت له الجلاء تخييلا فهى استعاره مكنيه تخييليه، ‌و‌ اما ‌من‌ باب التشبيه بان شبه الجور بالصدا ‌و‌ التقدير جورا كالصدا ثم قدم المشبه ‌به‌ على المشبه ‌و‌ اضيف اليه كلجين الماء، ‌و‌ ذكر الجلاء ترشيح ‌و‌ طريقته تعالى ‌ما‌ نهجه ‌و‌ شرعه لعباده ‌و‌ كلفهم ‌به‌ ‌من‌ الفرائض ‌و‌ السنن الموصل التزامها ‌و‌ القيام بها الى رضاه ‌و‌ ثوابه.
 ‌و‌ ابنت الشى ء ابانه: قطعته ‌و‌ فصلته يقال: بان الشى ء يبين بينونه: انقطع، ‌و‌ ابانه غيره ‌و‌ بان الحى بينا ‌و‌ بينونه ايضا: ظعنوا ‌و‌ بعدوا.
 ‌و‌ الضراء: بتشديد الراء: المضره ‌و‌ الشده، ‌اى‌ اقطع ‌به‌ ‌او‌ ابعد ‌به‌ الشده الواقعه ‌فى‌ سبيلك بسبب تغلب ارباب الظلم ‌و‌ الجور ‌و‌ عدم تمكن الامام ‌من‌ هدايه عامه الخلق الى سلوكها ‌و‌ الدلاله عليها، ‌او‌ المراد الشده التى تلحق سالكيها ‌من‌ اهل الجور ‌و‌ العدوان.
 ‌و‌ يوجد ‌فى‌ كثير ‌من‌ النسخ: «و ابن ‌به‌ الضراء» بتخفيف الراء ‌و‌ المد على وزن سحاب.
 قال ‌فى‌ القاموس: الضراء: الاستخفاء ‌و‌ الشجر الملتف ‌فى‌ الوادى.
 ‌و‌ ‌فى‌ الصحاح: فلان يمشى الضراء اذا مشى مستخفيا فيما يوارى ‌من‌ الشجر.
 ‌و‌ على هذا فيجوز ‌ان‌ يكون قوله: ابن ‌من‌ الابانه بمعنى الكشف ‌و‌ الايضاح، ‌و‌ المعنى اكشف ‌به‌ ‌ما‌ وقع ‌فى‌ سبيلك ‌من‌ الاستخفاء حتى تبين ‌و‌ تتضح ‌و‌ ‌ان‌ حملته على معنى الشجر الملتف مجازا عما وقع ‌فى‌ سبيله تعالى ‌من‌ التاويلات الباطله ‌و‌ الاراء الزائغه ‌و‌ البدع المحرمه فالابانه بمعنى القطع ‌و‌ الابعاد.
 ‌و‌ زال الشى ء يزول زوالا: ذهب، ‌و‌ ازلته ازاله اذهبته.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^