فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 13

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ ‌به‌ نستعين


 الحمدلله قاضى حاجات المحتاجين ‌و‌ منيل طلبات الراجين، ‌و‌ الصلاه ‌و‌ السلام على نبيه الذى ارسله عصمه للناجين ‌و‌ على آله اشرف الداعين ‌و‌ اكرم المناجين.


 ‌و‌ بعد فهذه الروضه الثالثه عشره ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيد العابدين، تتضمن شرح الدعاء الثالث عشر، فتبين ‌من‌ مطاوى كنوزه ‌ما‌ اكتتم ‌و‌ استتر، املاء راجى فضل ربه السنى على صدرالدين الحسينى الحسنى، ختم الله له بالحسنى ‌و‌ ختم له بالمقام الاسنى، انه ولى الاجابه ‌و‌ اليه الانابه.
 
الحوائج: جمع حاجه على غير قياس، حتى انكرها بعضهم.
 قال المبرد ‌فى‌ الكامل: جمع الحاجه حاج، ‌و‌ تقديره فعله، كما تقول: هامه ‌و‌ هام ‌و‌ ساعه ‌و‌ ساع، ‌و‌ اما قولهم ‌فى‌ جمع حاجه حوائج فليس ‌من‌ كلام العرب على كثرته على السنه المولدين ‌و‌ ‌لا‌ قياس له انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ الصحاح: كان الاصمعى ينكر جمع حاجه على حوائج ‌و‌ يقول: ‌هو‌ مولد.
 ‌و‌ قال الحريرى ‌فى‌ دره الغواص: يقولون ‌فى‌ جمع حاجه حوائج، فيوهمون فيه كما ‌و‌ ‌هم‌ بعض المحدثين ‌فى‌ قوله:
 فسيان بيت العنكبوت ‌و‌ جوسق
 رفيع اذا لم تقض فيه الحوائج
 ‌و‌ الصواب ‌ان‌ تجمع ‌فى‌ اقل العدد على حاجات، ‌و‌ ‌فى‌ اكثره على حاج مثل: هامه ‌و‌ هام انتهى.
 ‌و‌ اثبتها اكثر ائمه اللغه كالخليل ‌بن‌ احمد، ‌و‌ ابى عمرو ‌بن‌ العلاء، ‌و‌ ابن دريد،
 
و سيبويه، ‌و‌ ابن السكيت، ‌و‌ الجوهرى، ‌و‌ ابن خالويه ‌و‌ ابن جنى، ‌و‌ ابن برى، ‌و‌ غيرهم، ‌و‌ تصدى ابن برى للرد على ‌من‌ انكرها، ‌و‌ اورد على ثبوتها ‌من‌ الحديث ‌و‌ اشعار العرب العرباء ‌من‌ الشواهد مالا مجال للتوقف معه، كقوله عليه السلام: استعينوا على انجاح الحوائج بالكتمان.
 ‌و‌ قوله: ‌ان‌ لله عبادا خلقهم لحوائج الناس.
 ‌و‌ قوله: اطلبوا الحوائج الى حسان الوجوه.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: التمسوا الحوائج على الفرس الكميت الارثم المحجل الثلاث المطلق اليمنى.
 قال: فهذا مما جاء ‌من‌ الشواهد النبويه، ‌و‌ روته الثقاه ‌من‌ الرواه المرضيه، على صحه هذه اللفظه.
 ‌و‌ اما ‌ما‌ جاء ‌من‌ ذلك ‌فى‌ اشعار العرب فكثير، كقول الاعشى:
 الناس حول قبابه
 اهل الحوائج ‌و‌ المسائل
 ‌و‌ قول الفرزدق:
 ولى ببلاد السند عند اميرها
 حوائج جمات ‌و‌ عندى ثوابها
 ‌و‌ انشد ابوعمرو ‌بن‌ العلاء:
 ‌من‌ عف خف على الوجوه لقاوه
 ‌و‌ اخو الحوائج وجهه مبذول
 
و انشد الفراء:
 نهار المرء امثل حين يقضى
 حوائجه ‌من‌ الليل الطويل
 ‌و‌ انشد غير ذلك ‌من‌ اشعارهم الشاهده على ذلك، ثم قال: فقد وجب ببعض هذا سقوط قول المخالف حين وجبت الحجه عليه، ‌و‌ لم يبق دليل يستند اليه، ‌و‌ انا اتبع ذلك باقوال العلماء ليزداد القول ‌فى‌ ذلك ايضاحا ‌و‌ تبيينا.
 قال الخليل ‌فى‌ كتاب العين: خففوا الحاجه ‌من‌ الحائجه، الا تراهم جمعوها على حوائج، ‌و‌ كذلك ذكرها عثمان ‌بن‌ جنى ‌فى‌ كتاب اللمع.
 ‌و‌ حكى المهلبى عن ابن دريد انه قال: حاجه ‌و‌ حائجه ‌و‌ حوجا ‌و‌ الجمع حاج ‌و‌ حوائج وحوج.
 ‌و‌ ذكر ابن السكيت ‌فى‌ كتابه المعروف بالالفاظ قريبا ‌من‌ آخره باب الحوائج: يقال ‌فى‌ جمع حاجه: حاجات ‌و‌ حاج وحوج ‌و‌ حوائج.
 ‌و‌ قال سيبويه ‌فى‌ كتابه: انه يقال: تنجز حوائجه ‌و‌ استنجز حوائجه.
 ‌و‌ ذهب قوم ‌من‌ اهل اللغه الى ‌ان‌ حوائج يجوز ‌ان‌ يكون جمع حوجاء ‌و‌ قياسها حواجى مثل صحارى، ثم قدمت الياء على الجيم فصارت حوائج، ‌و‌ المقلوب ‌من‌ كلام العرب كثير. ‌و‌ انما غلط الاصمعى ‌فى‌ هذه اللفظه حتى جعلها مولده كونها خارجه عن القياس، لان ‌ما‌ كان على مثال الحاجه مثل غاره ‌و‌ حاره ‌لا‌ يجمع على غوائر ‌و‌ حوائر، فقطع لذلك على انها مولده غير فصيحه، على انه حكى الرقاشى
 
و السجستانى عن عبدالرحمن عن الاصمعى انه رجع عن هذا القول، ‌و‌ انما ‌هو‌ شى ء كان عرض له ‌من‌ غير بحث ‌و‌ ‌لا‌ نظر، ‌و‌ هذا ‌هو‌ الاشبه به، لان مثله ‌لا‌ يجهل ذلك اذا كان موجودا ‌فى‌ كلام النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم ‌و‌ كلام غيره ‌من‌ العرب الفصحاء، ‌و‌ كان ‌من‌ انكرها لم يمر ‌به‌ الا القول الاول المحكى عن الاصمعى، دون القول الثانى، ‌و‌ لو انه سلك مسلك النظر ‌و‌ التسديد، ‌و‌ اضرب عن مذهب التسليم ‌و‌ التقليد، لكان الحق اليه اقرب ‌من‌ حبل الوريد.
 
منتهى الامر: غايته ‌و‌ ‌هو‌ اقصى ‌ما‌ يمكن ‌ان‌ يبلغه فلا يتجاوزه.
 ‌و‌ المطلب: يكون مصدرا ‌و‌ اسم موضع كما مر، ‌و‌ كونه تعالى منتهى طلب الحاجات يمكن تقريره على وجوه:
 احدها: ‌ما‌ تقرر عند ارباب المعقول ‌من‌ ‌ان‌ كل موجود سوى الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ فهو ناقص ‌من‌ وجه ‌و‌ فيه قوه، كما ‌ان‌ له كمالا ‌و‌ فعليه، اذ كل ممكن فهو زوج تركيبى، فكل موجود فهو لاجل شعوره بالوجود الناقص طالب للموجود المطلق الكامل، الذى ‌هو‌ مطلوب ‌و‌ موثر بالذات اولا ‌و‌ بالذات، ‌و‌ لكل واسطه بينه ‌و‌ بين ذلك الوجود مما ‌هو‌ اعلى منه ‌و‌ اقرب الى ذلك الوجود ثانيا ‌و‌ بالعرض، لان الوصول اليه لايمكن الا بوصوله اليها ‌و‌ مروره عليها، اذ سلوك طريقه منحصر ‌فى‌ ذلك، لما دريت ‌ان‌ الموجودات مترتبه ‌فى‌ الصدور بدء وعودا، ‌ما‌ تقدم متقدم ‌و‌ ‌لا‌ تاخر متاخر الا بالحق، فكل موجود فهو طالب لما فوقه، فاذا وصل اليه طلب ‌ما‌ ‌هو‌ اعلى منه، ‌و‌ هكذا الى ‌ان‌ يصل الى مطلوبه الحقيقى الذى ‌لا‌ اكمل منه ‌و‌ ‌هو‌ الله سبحانه، ‌و‌ عند ذلك يطمئن ‌و‌ يسكن شوقه ‌و‌ انزعاجه ‌و‌ يشتد عشقه ‌و‌ ابتهاجه، فكان سبحانه منتهى مطلب الحاجات، ‌و‌ لهذه الجمله تفصيل ليس هذا محله.
 
الثانى: ‌ما‌ تقرر عند ارباب العرفان ‌من‌ كونه تعالى منتهى مقامات العارفين ‌و‌ غايه اطوار السالكين ‌و‌ افكار المتفكرين، فانهم ‌لا‌ يزالون يترقون ‌من‌ مقام الى مقام، ‌و‌ ‌من‌ رتبه الى رتبه، حتى ينتهوا الى تلك الحضره بفنائهم عن ذواتهم ‌و‌ اندكاك جبال ‌هو‌ ياتهم، فيتلو لسان حالهم «و ‌ان‌ الى ربك المنتهى».
 الثالث: انه المنتهى اليه ‌فى‌ طلب الحاجات عند الياس ‌من‌ كل مطلوب اليه سواه، فان الطالب اذا يئس ‌من‌ المخلوقين ‌فى‌ قضاء حاجته انتهى اليه تعالى ‌فى‌ طلبها.
 ‌و‌ عن اميرالمومنين عليه السلام: ‌هو‌ الذى يتاله اليه عند الحوائج ‌و‌ الشدائد كل مخلوق، عند انقطاع الرجاء ‌من‌ جميع ‌من‌ ‌هو‌ دونه، ‌و‌ تقطع الاسباب ‌من‌ كل ‌من‌ سواه.
 الرابع: ‌ان‌ كل مطلوب اليه حاجه سواه، فلابد ‌ان‌ يكون له حاجه يطلبها ‌من‌ غيره، الى ‌ان‌ ينتهى الطلب اليه تعالى، ‌و‌ ‌هو‌ الذى يطلب منه الكل ‌و‌ يفتقر اليه ‌و‌ ‌هو‌ الغنى الحميد.
 ‌و‌ عن اميرالمومنين عليه السلام: ‌ان‌ كل مترئس ‌فى‌ هذه الدنيا ‌و‌ متعظم فيها، ‌و‌ ‌ان‌ عظم غناه ‌و‌ طغيانه ‌و‌ كثرت حوائج ‌من‌ دونه اليه، فانهم سيحتاجون حوائج لايقدر عليها هذا المتعاظم، ‌و‌ كذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج ‌لا‌ يقدر عليها، فينقطع الى الله عند ضرورته ‌و‌ فاقته، ‌و‌ الحديث طويل اخذنا منه موضع الحاجه.
 ‌و‌ بالجمله: فهو تعالى غايه كل موجود، ‌و‌ منتهى كل غايه ‌و‌ مقصود، ‌و‌ مرجع كل مضطر ‌و‌ مطرود، ‌لا‌ مقصد فوقه ‌و‌ ‌لا‌ مطلوب وراءه، ‌و‌ ‌لا‌ ملجا الا هو، ‌و‌ ‌لا‌ منجى منه الا اليه.
 
قوله عليه السلام: «و ‌يا‌ ‌من‌ عنده نيل الطلبات». نال الشى ء يناله نيلا- ‌من‌ باب تعب-: اصابه ‌و‌ ادركه.
 ‌و‌ الطلبات: جمع طلبه بفتح الطاء المهمله ‌و‌ كسر اللام، ‌و‌ هى ‌ما‌ تطلبه ‌من‌ غيرك، ‌و‌ تقديم الظرف للحصر، ‌و‌ الالف ‌و‌ اللام ‌فى‌ الطلبات لاستغراق الافراد، ‌و‌ نيل بعض الطلبات عند غيره ‌لا‌ يتحقق الا باذنه ‌و‌ توفيقه ‌و‌ اعانته، فكان ‌فى‌ الحقيقه عنده ‌و‌ صح الحصر.
 
البيع ‌فى‌ اللغه: مطلق المبادله ‌و‌ المعاطاه، ‌و‌ ‌هو‌ اعطاء كل واحد ‌من‌ المتبايعين ‌ما‌ يريده ‌من‌ المال عوضا عما ياخذ ‌من‌ الاخر باتفاقهما على ذلك.
 ‌و‌ ‌فى‌ الشرع: مبادله المال المتقوم بالمال المتقوم باللايجاب ‌و‌ القبول تمليكا ‌و‌ تملكا.
 ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا المعنى اللغوى.
 ‌و‌ الاثمان: جمع ثمن محركه ‌و‌ ‌هو‌ العوض.
 ‌و‌ الباء: للمقابله نحو اشتريته بالف، ‌و‌ هذا كنايه عن انه سبحانه لايطلب على نعمه ‌و‌ احسانه عوضا بوجه ‌من‌ الوجوه، بخلاف كل منعم سواه، فانه طالب بنعمته عوضا، ‌و‌ ‌هو‌ اما الثواب الاجل ‌او‌ الثناء العاجل، ‌و‌ اما ازاله الرقه الناشئه عن الجنسيه، كمن راى احدا ‌من‌ بنى جنسه ‌فى‌ بليه، فتالم قلبه ورق له ‌و‌ خلصه منها، فهو مزيل بالتخليص المذكور ذلك التالم ‌و‌ الانفعال الحاصل له.
 ‌و‌ اما ازاله خسه المال ‌و‌ رذيله البخل الذى ‌هو‌ ‌من‌ اقبح الخصال ‌و‌ اشنع الرذائل، كمن يفرق ماله ‌فى‌ الناس تكميلا لنفسه ‌و‌ تخليصا لها ‌من‌ تلك الرذيله .
 ‌و‌ الحاصل: ‌ان‌ نعمته المخلوق ‌و‌ عطاءه ‌و‌ احسانه ليس الا ‌فى‌ مقابله عوض، بخلاف نعمه تعالى فانها محض تفضل ‌و‌ تطول.
 
قوله عليه السلام: «و ‌يا‌ ‌من‌ لايكدر عطاياه بالامتنان».
 
كدر الماء كدرا- ‌من‌ باب تعب- فهو كدر، ‌و‌ كدر كدوره ‌و‌ كدرا- ‌من‌ بابى صعب ‌و‌ قتل-: زال صفاوه، ‌و‌ يتعدى بالتضعيف فيقال: كدرته تكديرا.
 ‌و‌ العطايا: جمع عطيه، ‌و‌ هى ‌ما‌ تعطيه غيرك.
 ‌و‌ الامتنان: افتعال ‌من‌ المن، ‌و‌ ‌هو‌ اظهار الاصطناع ‌و‌ اعتداد الصنائع، كان تقول: الم اعطك كذا؟ الم احسن اليك؟ الم اعنك؟ ‌و‌ ‌هو‌ تقرير ‌و‌ تعيير يكدر المعروف ‌و‌ ينغصه، فلهذا نهى الشارع عنه بقوله: «لا تبطلوا صدقتكم بالمن ‌و‌ الاذى». ‌و‌ ‌من‌ هنا قيل:
 سيان ‌من‌ منح النائل ‌و‌ ‌من‌
 ‌و‌ ‌من‌ منع السائل ‌و‌ ظن
 ‌و‌ المراد بنفى تكديره تعالى عطاياه بالامتنان نفى الامتنان عنه راسا، فهو ‌من‌ باب نفى الشى ء بنفى لازمه، اى: ‌لا‌ امتنان فلا تكدير.
 ‌و‌ قد تقدم بيان المبالغه ‌فى‌ هذا النوع ‌من‌ النفى فليرجع اليه. ثم لما كان الامتنان بالمعنى المذكور رذيله ناشئه عن دناءه النفس ‌و‌ صغر الهمه ‌و‌ استعظام النعمه ‌و‌ الاحسان، كان تعالى منزها عن الامتنان، لان كل نعمه ‌من‌ نعمه تعالى ‌و‌ ‌ان‌ عظمت، ‌و‌ كل عطيه ‌من‌ عطاياه ‌و‌ ‌ان‌ جلت بالنسبه الى العبد المعطى ‌و‌ المنعم عليه، فهى حقيره بالنسبه الى عظمته جلت قدرته، ‌و‌ شانه تعالى اجل ‌من‌ ‌ان‌ يكون لها عنده موقع فيمن بها ‌و‌ يعتدها على ‌من‌ اعطاه ‌و‌ انعم عليه.
 ‌و‌ قول بعض العلماء: ‌ان‌ المن بالمعنى المذكور صفه مدح للحق سبحانه ‌و‌ ‌ان‌ كان صفه ذم للمخلوق، ليس بشى ء، ‌و‌ عباره الدعاء تشهد ببطلانه.
 
استغنيت بالشى ء: اكتفيت به.
 
و رغب اليه: ابتهل ‌و‌ تضرع ‌و‌ سال.
 ‌و‌ رغب عنه: كرهه فلم يرده.
 ‌و‌ لما كانت ازمه الامور بيده تعالى فلا يقع منها شى ء الا بايجاده ‌و‌ اذنه، ‌و‌ كان كل ‌من‌ سواه مفتقرا اليه، صح الاستغناء ‌به‌ تعالى عن غيره ‌فى‌ جميع الامور ‌و‌ كل الاحوال، ‌و‌ استحال الاستغناء عنه ‌فى‌ شى ء منها. ‌و‌ لما كان ‌هو‌ المرغوب اليه دون ‌من‌ عداه، اذ كان ‌هو‌ المعطى المانع ‌و‌ الضار النافع، ‌لا‌ جرم لم يكن ‌من‌ الرغبه اليه ‌بد‌ ‌و‌ ‌لا‌ للرغبه عنه مجال.
 
فنى المال يفنى- ‌من‌ باب تعب- فناء: نفد.
 ‌و‌ يتعدى بالهمزه، فيقال: افنيته، ‌و‌ المراد بخزائنه تعالى اما خزائن السماوات ‌و‌ الارض، اذ الكل منه ‌و‌ بيده، ‌او‌ المعقول ‌من‌ سماء جوده ‌و‌ ‌ما‌ تحويه قدرته ‌من‌ الخيرات الممكنه.
 ‌و‌ اسناد الافناء الى المسائل ‌من‌ باب اسناد الفعل الى السبب فهو مجاز عقلى، ‌و‌ انما لم تفن خزائنه المسائل لان مقدوراته تعالى غير متناهيه، ‌و‌ ‌ما‌ عنده لايدخله نقص ‌و‌ ‌لا‌ فناء، بل يدخلان الفانى المحدود.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث القدسى: ‌يا‌ عبادى لو ‌ان‌ اولكم ‌و‌ آخركم ‌و‌ انسكم ‌و‌ جنكم قاموا ‌فى‌ صعيد واحد فسالونى، فاعطيت كل انسان مسالته، ‌ما‌ نقص ذلك مما عندى شيئا، الا كما ينقص المخيط اذا ادخل البحر.
 اى: ‌لا‌ ينقص شيئا، ‌و‌ انما ضرب المثل بالمخيط ‌و‌ البحر، لانه ‌و‌ ‌ان‌ كان يرجع بشى ء قليل محسوس، لكن لقلته بالنسبه الى اعظم المرئيات عيانا لايرى ‌و‌ لايعد شيئا، فكانه لم ينقص منه شى ء.
 
قوله عليه السلام: «و ‌يا‌ ‌من‌ ‌لا‌ تبدل حكمته الوسائل» حكمته تعالى. قيل: هى خلق ‌ما‌ فيه منفعه العباد ‌و‌ رعايه مصالحهم ‌فى‌ الحال ‌او‌ ‌فى‌ المال.
 ‌و‌ قيل: هى علمه تعالى بالاشياء على ‌ما‌ هى عليه، ‌و‌ الاتيان بالافعال على ‌ما‌ ينبغى.
 ‌و‌ قيل: هى اتقانه ‌و‌ احكامه ‌فى‌ علمه ‌و‌ فعله.
 ‌و‌ الوسائل: جمع وسيله، ‌و‌ هى ‌ما‌ يتقرب ‌به‌ الى الشى ء، ‌من‌ وسلت الى الله بالعمل اسل- ‌من‌ باب وعد-: رغبت ‌و‌ تقربت، ‌و‌ توسل الى ربه بوسيله: تقرب اليه بعمل.
 ‌و‌ المعنى ‌ان‌ حكمته تعالى اذا اقتضت وقوع امر ‌او‌ ‌لا‌ وقوعه، فلابد ‌من‌ تحقق ‌ما‌ اقتضته حكمته، ‌و‌ ‌لا‌ تغير ذلك الوسائل ‌من‌ الاعمال التى يتوسل بها اليه كالدعاء ‌و‌ غيره.
 ‌و‌ الى هذا المعنى اشار ‌من‌ قال: ‌ان‌ العلماء بالله ‌لا‌ يتوسلون الى الله ‌فى‌ ‌ان‌ يبدل لهم جريان احكامه بخلاف ‌ما‌ يكرهون، ‌و‌ ‌لا‌ ليغير لهم سابق مشيئته ‌و‌ مقتضى حكمته، ‌و‌ ‌لا‌ ليحول عنهم سائر سنته التى قد خلت ‌فى‌ عباده ‌من‌ الابتلاء ‌و‌ الاختبار.
 فان قلت: قد ورد ‌ان‌ الدعاء ‌و‌ الصدقه يدفعان البلاء المقدر.
 قلت: دفع ذلك البلاء بالدعاء ‌و‌ الصدقه منوط بالحكمه الالهيه ايضا، ‌و‌ قد كانت الحكمه ‌فى‌ وقوعه مشروطه بعدم الدعاء ‌و‌ التصدق، فلا منافاه.
 روى الحميرى ‌فى‌ قرب الاسناد عن جعفر عن ابيه عليهماالسلام، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: ‌يا‌ رسول الله رقى يستشفى بها هل ترد ‌من‌ قدر الله؟ فقال: انها ‌من‌ قدر الله.
 
و اما ‌ما‌ قاله بعض المعاصرين ‌من‌ ‌ان‌ المعنى انه اذا توسل احد بغيره تعالى ‌فى‌ قضاء حاجه ‌او‌ تحصيل رزق، لايكون ذلك باعثا على تبديل حكمته تعالى بان يقطع عنه رزقه ‌و‌ يمنع مامنحه ‌من‌ النعم.
 ‌و‌ ‌ما‌ ‌فى‌ الدعاء ‌من‌ قوله عليه السلام: «فقد تعرض للحرمان ‌و‌ استحق ‌من‌ عندك فوت الاحسان»، ‌لا‌ ينافيه.
 فان هذا يقتضى حرمانه مما توسل لاجله، ‌و‌ لو توسل ‌به‌ تعالى لمنحه ‌و‌ اعطاه، على ‌ان‌ التعرض ‌و‌ الاستحقاق قد لايقتضيان المنع، فهو بعيد جدا عن ظاهر العباره كما ‌لا‌ يخفى.
 
انقطع الشى ء: ذهب بعد ‌ان‌ كان.
 ‌و‌ انقطع كلامه: وقف، ‌و‌ انقطع الغيث: احتبس، اى: ‌لا‌ تزال حوائج المحتاجين وارده عليه ‌و‌ مسووله ‌من‌ لديه، ‌لا‌ تقف ابدا عن سواله ‌و‌ ‌لا‌ تحتبس عن طلب نواله.
 
و عنى يعنى- ‌من‌ باب تعب-: اذا اصابته مشقه، ‌و‌ يتعدى بالتضعيف، فيقال: عناه يعنيه اذا كلفه ‌ما‌ يشق عليه، ‌و‌ الاسم العناء بالفتح ‌و‌ المد، ‌و‌ قد يعدى بالهمزه ايضا فيقال: اعناه يعنيه، نص عليه صاحب القاموس ‌و‌ صاحب المحكم ايضا.
 ‌و‌ انشد عليه قول اميه:
 ‌و‌ انى بليلى ‌و‌ الديار التى ارى
 كالمبتلى المعنى بشوق موكل
 ‌و‌ قد وردت الروايه ‌فى‌ الدعاء بالوجهين، ‌و‌ ‌فى‌ روايه اخرى يعييه بالمثناه التحتيه بعد العين المهمله، ‌من‌ اعياه الامر اذا اتعبه فاعياه، ‌و‌ ‌هو‌ يستعمل لازما ‌و‌ متعديا.
 
و المعنى ‌ان‌ دعاء الداعين على كثرتهم ‌و‌ كثره مطالبهم ‌لا‌ يشق عليه، ‌او‌ ‌لا‌ يتعبه فيضجر ‌من‌ دعائهم ‌و‌ يتبرم ‌من‌ سوالهم، فيوجب ذلك حرمانهم ‌و‌ تخييبهم، ‌او‌ يعسر عليه انجاح ‌ما‌ ربهم مطالبهم ‌و‌ اسعاف ماربهم، لان المشقه ‌و‌ التعب ‌من‌ لواحق المزاج، ‌و‌ البارى تعالى منزه عنه فيتنزه عن لواحقه.
 
تمدح: على تفعل، اظهر مدح نفسه.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: العرب تتمدح بالسخاء، ‌و‌ ‌هو‌ يتمدح الى الناس: يطلب مدحهم.
 ‌و‌ الغناء بالفتح ‌و‌ المد: الكفايه، ‌و‌ بالكسر ‌و‌ القصر: عدم الحاجه، ‌و‌ قد وردت الروايه بالوجهين، ‌و‌ فيه اشاره الى قوله تعالى: «يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله ‌و‌ الله ‌هو‌ الغنى الحميد»، ‌و‌ يجب ‌ان‌ يحمل الغنى هنا على ‌ما‌ ‌هو‌ اعم ‌من‌ الغنى المتعارف، فيراد ‌به‌ سلب مطلق الحاجه، كما يجب ‌ان‌ يراد بالفقر مطلق الحاجه، اذ حقيقه الغنى ‌هو‌ استقلال الشى ء بذاته ‌فى‌ كل ماله ‌من‌ غير تعلق له بالغير اصلا، ‌و‌ ‌هو‌ بهذا المعنى ‌لا‌ يكون الا لله تعالى، ‌و‌ حقيقه الفقر ‌هو‌ عدم استقلال الشى ء بذاته ‌و‌ تعلقه بالغير ‌و‌ لو ‌فى‌ شى ء، ‌و‌ ‌ما‌ ‌هو‌ بهذا المعنى صفه لكل ممكن، فثبت انه تعالى غنى عن خلقه ‌من‌ كل الوجوه، ‌و‌ تحقق فقرهم اليه ‌من‌ كل وجه، لما تقرر ‌من‌ ‌ان‌ كل فقير بالذات ‌من‌ وجه ‌ما‌ فهو فقير بالذات ‌من‌ جميع الوجوه، كما برهن عليه ‌فى‌ محله.
 
تمدح: على تفعل، اظهر مدح نفسه.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: العرب تتمدح بالسخاء، ‌و‌ ‌هو‌ يتمدح الى الناس: يطلب مدحهم.
 ‌و‌ الغناء بالفتح ‌و‌ المد: الكفايه، ‌و‌ بالكسر ‌و‌ القصر: عدم الحاجه، ‌و‌ قد وردت الروايه بالوجهين، ‌و‌ فيه اشاره الى قوله تعالى: «يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله ‌و‌ الله ‌هو‌ الغنى الحميد»، ‌و‌ يجب ‌ان‌ يحمل الغنى هنا على ‌ما‌ ‌هو‌ اعم ‌من‌ الغنى المتعارف، فيراد ‌به‌ سلب مطلق الحاجه، كما يجب ‌ان‌ يراد بالفقر مطلق الحاجه، اذ حقيقه الغنى ‌هو‌ استقلال الشى ء بذاته ‌فى‌ كل ماله ‌من‌ غير تعلق له بالغير اصلا، ‌و‌ ‌هو‌ بهذا المعنى ‌لا‌ يكون الا لله تعالى، ‌و‌ حقيقه الفقر ‌هو‌ عدم استقلال الشى ء بذاته ‌و‌ تعلقه بالغير ‌و‌ لو ‌فى‌ شى ء، ‌و‌ ‌ما‌ ‌هو‌ بهذا المعنى صفه لكل ممكن، فثبت انه تعالى غنى عن خلقه ‌من‌ كل الوجوه، ‌و‌ تحقق فقرهم اليه ‌من‌ كل وجه، لما تقرر ‌من‌ ‌ان‌ كل فقير بالذات ‌من‌ وجه ‌ما‌ فهو فقير بالذات ‌من‌ جميع الوجوه، كما برهن عليه ‌فى‌ محله.
 
الفاء: للسببيه، اى: فبسبب ذلك ‌من‌ حاول الى آخره.
 ‌و‌ حاول الشى ء حوالا ‌و‌ محاوله: رامه ‌و‌ طلبه.
 
و قيل: المحاوله طلب الشى ء بحيله.
 ‌و‌ ‌سد‌ الثلمه سدا: اصلحها ‌و‌ وثقها.
 ‌و‌ الخله بالفتح: الفقر ‌و‌ الحاجه، ‌و‌ هى ‌من‌ الخلل بين الشيئين ‌و‌ ‌هو‌ الفرجه.
 ‌و‌ الثلمه: اطلقت على الفقر ‌و‌ الحاجه، لانه ثلمه ‌فى‌ حال الانسان، ‌و‌ ‌فى‌ الدعاء «اللهم ساد الخله» اى: جابرها ‌و‌ مصلحها.
 ‌و‌ مظان الشى ء: جمع مظنه بكسر الظاء المعجمه.
 ‌و‌ قال الجوهرى: مظنه الشى ء موضعه ‌و‌ مالفه الذى يظن كونه فيه، ‌و‌ الجمع المظان.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: المظنه المعلم ‌من‌ ظن بمعنى علم.
 ‌و‌ اتيت الشى ء ‌من‌ وجهه اى: ‌من‌ جهته التى يوتى منها، ‌و‌ ‌فى‌ روايه «من وجهتها» ‌و‌ هى بكسر الواو بمعنى الوجه،
 
و توجه الى الشى ء: اقبل بوجهه عليه.
 ‌و‌ تعرض له: تصدى، ‌و‌ منه تعرضوا لنفحات الله.
 ‌و‌ الحرمان بالكسر: المنع، ‌من‌ حرمته كذا احرمه- ‌من‌ باب ضرب- حرمه ‌و‌ حرمانا بالكسر فيهما: اذا منعته اياه.
 ‌و‌ اعلم انه لما كان له تعالى خزائن السماوات ‌و‌ الارض، ‌و‌ كان امرها بيده ‌لا‌ معطى ‌و‌ ‌لا‌ مانع الا هو، ‌و‌ قد امر بالدعاء ‌و‌ تكفل بالاجابه، فقال: «ادعونى استجب لكم»، ‌و‌ حث الخلق على ‌ان‌ يسالوه ليعطيهم، فقال الله: «و اسئلوا الله
 
من فضله»، ‌و‌ كانت له القدره التامه التى ‌لا‌ يعجزها شى ء، ‌و‌ كان له الجود الذى ‌لا‌ بخل فيه ‌و‌ الغنى الذى ‌لا‌ فقر معه، لاينقصه عطاء ‌و‌ ‌لا‌ يعزه منع، ‌لا‌ جرم كان ‌من‌ طلب اصلاح خلته ‌و‌ جبر فاقته ‌من‌ عنده، ‌و‌ رام صرف الفقر عن نفسه به، طالبا لحاجته ‌من‌ موضعها الذى يعلم انها فيه، ‌و‌ قصد ‌ما‌ طلبه ‌من‌ جهته التى يقصد منها، فكان حريا بالنجح لما سال ‌و‌ جديرا بالظفر بما طلب.
 ‌و‌ اما ‌من‌ توجه بحاجته الى احد ‌من‌ المخلوقين، ‌و‌ اناخ مطايا الرجاء ‌و‌ الطلب ‌فى‌ ساحه فقير عاجز مثله، ‌او‌ جعله سببا لنجاحها ‌و‌ الظفر بها، معتمدا عليه دون الله تعالى، فقد تصدى للمنع ‌و‌ فوت الاحسان منه تعالى، اذ لم يات حاجته ‌من‌ الوجه الذى ينبغى ‌ان‌ ياتيها منه، ‌و‌ لم يطلبها ‌من‌ محلها الذى هى فيه، ‌و‌ ‌من‌ التمس الشى ء ‌من‌ غير محله ‌و‌ اتاه ‌من‌ غير جهته، ‌و‌ لم يظفر الا بالحرمان ‌و‌ لم يحصل الا على خيبه المطلب، ‌و‌ انما حكم عليه باستحقاق فوت الاحسان منه تعالى، لعدم استعداده لنفحات الله تعالى بالتوجه الى غيره ‌و‌ اشتغال نفسه بذلك الغير، ‌و‌ قد ورد ‌فى‌ الحديث ‌ما‌ يدل على هذا المعنى صريحا.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى باسناده عن الحسين ‌بن‌ علوان، قال: كنا ‌فى‌ مجلس يطلب فيه العلم ‌و‌ قد نفدت نفقتى ‌فى‌ بعض اسفارى، فقال لى بعض اصحابنا: ‌من‌ تومل لما قد نزل بك؟ فقلت: فلانا، فقال: اذن ‌و‌ الله ‌لا‌ يسعف حاجتك ‌و‌ ‌لا‌ يبلغك املك ‌و‌ ‌لا‌ ينجح طلبتك، قلت: ‌و‌ ‌ما‌ علمك رحمك الله؟ قال: ‌ان‌ اباعبدالله عليه السلام حدثنى انه قرا ‌فى‌ بعض الكتب ‌ان‌ الله تعالى يقول: ‌و‌ عزتى ‌و‌ جلالى ‌و‌ مجدى ‌و‌ ارتفاعى على عرشى، لاقطعن امل كل مومل غيرى بالياس، ‌و‌ لاكسونه ثوب المذله عند الناس، ‌و‌ لانحينه ‌من‌ قربى، ‌و‌ ‌لا‌ بعدنه ‌من‌ فضلى، ايومل
 
غيرى ‌فى‌ الشدائد ‌و‌ الشدائد بيدى؟ ‌و‌ يرجو غيرى ‌و‌ يقرع بالفكر باب غيرى ‌و‌ بيدى مفاتيح الابواب ‌و‌ هى مغلقه ‌و‌ بابى مفتوح لمن دعانى؟، فمن ذا الذى املنى لنوائبه فقطعته دونها؟ ‌و‌ ‌من‌ ذا الذى رجانى لعظيمه فقطعت رجاءه منى؟ جعلت آمال عبادى عندى محفوظه فلم يرضوا بحفظى، ‌و‌ ملات سماواتى ممن لايمل ‌من‌ تسبيحى ‌و‌ امرتهم ‌ان‌ لايغلقوا الابواب بينى ‌و‌ بين عبادى فلم يثقوا بقولى، الم يعلم ‌من‌ طرقته نائبه ‌من‌ نوائبى انه ‌لا‌ يملك كشفها احد غيرى الا ‌من‌ بعد اذنى؟ فمالى اراه لاهيا عنى؟ اعطيته بجودى ‌ما‌ لم يسالنى ثم انتزعته منه فلم يسالنى رده ‌و‌ سال غيرى، افترانى ابدا بالعطاء قبل المساله ثم اسال فلا اجيب سائلى؟ ابخيل انا فيبخلنى عبدى؟ ‌او‌ ليس الجود ‌و‌ الكرم لى؟ ‌او‌ ليس العفو ‌و‌ الرحمه بيدى؟ ‌او‌ ليس انا محل الامال؟ فمن يقطعها دونى؟ افلا يخشى الموملون ‌ان‌ يوملوا غيرى؟ فلو ‌ان‌ اهل سماواتى ‌و‌ اهل ارضى املوا جميعا ثم اعطيت كل واحد منهم مثل ‌ما‌ امل الجميع ‌ما‌ انتقص ‌من‌ ملكى مثل عضو ذره، ‌و‌ كيف ينقص ملك انا قيمه؟ فيابوسا للقانطين ‌من‌ رحمتى ‌و‌ يابوسا لمن عصانى ‌و‌ لم يراقبنى.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذا المعنى احاديث اخر روتها الخاصه ‌و‌ العامه.
 قال بعضهم: ‌لا‌ يقال العالم عالم الاسباب، فكيف يذم ‌من‌ رجع الى الغير لظنه انه سبب، لانا نقول: الذم باعتبار ‌ان‌ قلبه تعلق ‌به‌ ‌و‌ اعتمد عليه، ‌و‌ اما ‌من‌ لم يركن اليه ‌و‌ لم يثق ‌به‌ ‌و‌ لم يعتمد عليه فالظاهر انه ليس بمذموم، ‌و‌ الاولى مع ذلك ‌ان‌ يرجع الى الله تعالى، فان شاء الله ‌ان‌ يكون قضاء حاجته على يد احد جعله وسيله له شاء ‌او‌ لم يشا.
 ‌و‌ قال ابوالحسين الفارسى: ‌من‌ سكن الى شى ء دون الله فهلاكه فيه، سكن
 
يوسف عليه السلام الى عنايه الذى ظن انه ناج منهما ‌و‌ قال له: «اذكرنى» «فلبث ‌فى‌ السجن بضع سنين». ‌و‌ توسل موسى بالفقر فقال: «رب انى لما انزلت الى ‌من‌ خير فقير»، فقيض الله له شعيبا حتى دعاه ‌و‌ آواه ‌و‌ بلغ امره الى ‌ما‌ بلغ ‌من‌ هناك، ‌و‌ حيث طلب الطعام مع الخضر منعا، كما حكى الله عنهما: «فانطلقا حتى اذا اتيا اهل قريه استطعما اهلها فابوا ‌ان‌ يضيفوهما».
 فكل ‌ما‌ تسكن اليه فهو تارك لك، ‌و‌ كل ‌ما‌ تميل نحوه فهو مائل عنك، ‌و‌ كل ‌ما‌ تعتمد عليه فهو ساقط بك، فلا تسكن الى شى ء دون الله تعالى.
 
قصر عن الشى ء- ‌من‌ باب قعد- قصورا ‌و‌ قصر عنه تقصيرا: عجز، ‌و‌ عليه الروايه ‌فى‌ الدعاء.
 ‌و‌ الجهد بالضم ‌فى‌ الحجاز ‌و‌ بالفتح ‌فى‌ غيرهم: الوسع ‌و‌ الطاقه.
 ‌و‌ قيل: المضموم: الطاقه، ‌و‌ المفتوح: المشقه.
 ‌و‌ الجهد بالفتح ‌لا‌ غير: النهايه ‌و‌ الغايه، ‌و‌ ‌هو‌ مصدر ‌من‌ جهد ‌فى‌ الامر جهدا. ‌من‌ باب نفع، اذا طلب حتى بلغ غايته ‌فى‌ الطلب. ‌و‌ بالوجهين وردت الروايه ‌فى‌ الدعاء، ‌و‌ ‌هو‌ يرجح القول الاول.
 ‌و‌ الحيل: جمع حيله، ‌و‌ هى الحذق ‌فى‌ تدبير الامور، ‌و‌ ‌هو‌ تقليب الفكر حتى يهتدى الى المطلوب، ‌و‌ يروى حيلتى بالافراد.
 ‌و‌ التسويل: تحسين الشى ء ‌و‌ تزيينه ‌و‌ تحبيبه الى الانسان ليفعله ‌او‌ يقوله.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ تقدير معنى ‌فى‌ النفس على الطمع ‌فى‌ تمامه.
 
و الرفع: ‌فى‌ الاجسام حقيقه ‌فى‌ الحركه ‌و‌ الانتقال، ‌و‌ ‌فى‌ المعانى محمول على ‌ما‌ يقتضيه المقام، فرفع حاجته الى فلان: ذكرها له ليقضيها، ‌و‌ رفع اليه الحديث: اخبره به، وقس على ذلك.
 ‌و‌ الزله: الخطيئه ‌من‌ زلت قدمه- ‌من‌ بابى ضرب ‌و‌ تعب- زلا ‌و‌ زللا: اذا زلقت ‌و‌ دحضت ‌فى‌ طين ‌و‌ نحوه.
 ‌و‌ العثره: السيئه ‌و‌ الخطيئه ‌من‌ عثر يعثر- ‌من‌ باب قتل- عثارا بالكسر: اذا كبا ‌و‌ سقط، لانها سقوط ‌فى‌ الاثم.
 فان قلت: كيف يجوز عليه صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه ‌و‌ ‌هو‌ امام معصوم ‌ان‌ تسول له نفسه رفع حاجته الى غير الله تعالى، حتى اعترف بان ذلك زله ‌من‌ زلل الخاطئين ‌و‌ عثره ‌من‌ عثرات المذنبين؟.
 قلت: يمكن ‌ان‌ يكون قوله عليه السلام: «و سولت لى نفسى» ‌من‌ باب تعبيرهم بالفعل عن مشارفته، اى: شارفت ‌ان‌ تسول لى ‌لا‌ ‌ان‌ التسويل وقع، فهو كقوله تعالى: «و ليخش الذين لو تركوا ‌من‌ خلفهم ذريه ضعفا خافوا عليهم»، اى: لو شارفوا ‌ان‌ يتركوا، ليصح وقوع خافوا جزاء، لانتفاء الخوف بعد الموت.
 ‌و‌ منه قول الشاعر:
 الى ملك كاد الجبال لفقده
 تزول ‌و‌ زال الراسيات ‌من‌ الصخر
 فان المراد شارفت الزوال، ‌لا‌ ‌ان‌ زوالها وقع ‌و‌ انفصل. ‌و‌ على هذا فلايبعد ‌ان‌ يقال: انه عليه السلام لما عجز عن حاجته جهده ‌و‌ تقطعت دونها حيله، شارفت نفسه ‌ان‌ تسول له التوصل فيها الى ‌من‌ يظن انه يساعفه ‌و‌ يقوم معه ‌فى‌ نجاحها، فينضم الى دعاء الله ‌و‌ رغبته اليه.
 
و الاعتماد عليه: الاستعانه بمن يظن ‌ان‌ يكون سببا لحصولها، ‌و‌ ليس ‌فى‌ ذلك شى ء ينافى العصمه، هذا بالنظر الى مقامه عليه السلام، ‌و‌ الا فلو وقع ‌من‌ نفسه التسويل، بل لو وقع منه رفع الحاجه الى غير الله تعالى على الوجه المذكور، لم يكن شى ء منهما منافيا للعصمه، بل يكون كقول يوسف الصديق عليه السلام للذى ظن انه ناج منهما: «اذكرنى عند ربك»، فانه لو لم يكن ‌من‌ هذا القبيل لما جاز ‌ان‌ يقع منه هذا القول، لانه نبى مرسل معصوم.
 فان قلت: فكيف اعترف بانه زله ‌من‌ زلل الخاطئين ‌و‌ عثره ‌من‌ عثرات المذنبين؟.
 قلت: هذا ‌من‌ باب عدهم للاشتغال بالمباحات ذنبا ‌و‌ اعتقادهم كونه خطيئه، اذ كان فيه رائحه مما ينافى صدق الانقطاع اليه تعالى، مع ‌ما‌ ‌فى‌ ذلك ‌من‌ كمال الخضوع ‌و‌ الخشوع له تعالى ‌و‌ الاعتراف بالتقصير ‌فى‌ صدق التوكل عليه سبحانه، اذ كانوا عليهم السلام ‌لا‌ يخرجون انفسهم عن ‌حد‌ التقصير ابدا ‌فى‌ جميع الطاعات ‌و‌ العبادات.
 كما روى عن ابى الحسن موسى عليه السلام انه قال لبعض ولده: ‌يا‌ بنى عليك بالجد ، لاتخرجن نفسك ‌من‌ ‌حد‌ التقصير ‌فى‌ عباده الله ‌و‌ طاعته، فان الله لايعبد ‌حق‌ عبادته.
 ‌و‌ مما يناسب ايراده هنا ‌من‌ الحكايات لمناسبه الفقرات المذكوره ‌من‌ الدعاء مارواه جابر الجعفى، قال: قال الحسن ‌بن‌ على ‌بن‌ ابى طالب عليهماالسلام: ضقت ضيقا شديدا ‌و‌ كان عطاى ‌من‌ معاويه ‌فى‌ كل سنه مائه الف درهم، فحبسها عنى احدى السنين، فدعوت بدواه ‌و‌ قرطاس لاكتب الى معاويه ثم امسكت، فرايت
 
النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم ‌فى‌ منامى، فقال لى: كيف انت ‌يا‌ حسن؟ فقلت: بخير، ‌و‌ خبرته بما حبس ‌من‌ المال عنى، فقال: دعوت بدواه لتكتب الى مخلوق مثلك تذكره حاجتك؟.
 فقلت: ‌يا‌ ابت كيف؟ قال: ‌قل‌ اللهم اقذف ‌فى‌ قلبى رجاءك، ‌و‌ اقطع رجائى عمن سواك، حتى ‌لا‌ ارجو احدا غيرك، اللهم ‌ما‌ ضعفت عنه قوتى، ‌و‌ قصر عنه املى، ‌و‌ لم تنته اليه رغبتى، ‌و‌ لم تبلغه مسالتى، ‌و‌ لم يجر على لسانى، مما اعطيت الاولين ‌و‌ الاخرين ‌من‌ اليقين، فاخصصنى ‌به‌ ‌يا‌ رب العالمين. قال الحسن عليه السلام: ‌ما‌ لهجت ‌به‌ اسبوعا حتى بعث الى معاويه بالف الف درهم ‌و‌ خمسمائه الف درهم، فقلت: الحمد لله الذى ‌لا‌ ينسى ‌من‌ ذكره ‌و‌ ‌لا‌ يخيب ‌من‌ دعاه ‌و‌ ‌لا‌ يقطع رجاء ‌من‌ رجاه، فرايت النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم بعد ذلك ‌فى‌ منامى، فقال: كيف انت ‌يا‌ حسن؟ فقلت: بخير ‌يا‌ ابت، ‌و‌ حدثته بحديثى، فقال: ‌يا‌ بنى هكذا ‌من‌ رجا الخالق ‌و‌ لم يرج المخلوقين.
 ‌و‌ حكى ابوحمزه الخراسانى عن نفسه، قال: بينا انا امشى ‌فى‌ طريق الحج اذ وقعت ‌فى‌ بئر، فنازعتنى نفسى ‌ان‌ استغيث، فقلت: ‌لا‌ ‌و‌ الله، فما استتمت هذا الخاطر حتى مر براس البئر رجلان، فقال احدهما للاخر: تعالى حتى نطم هذا البئر لئلا يقع فيها احد، فطما راس البئر، فهممت ‌ان‌ اصيح، فقلت: الى ‌من‌ ‌هو‌ اقرب منهما، فما مضت الا ساعه حتى رايت شيئا كشف عن راس البئر ‌و‌ ادلى رجله ‌و‌ جعل يهمهم فتعلقت ‌به‌ فاخرجنى، فاذا سبع ‌و‌ هاتف: ‌يا‌ اباحمزه اليس هذا احسن؟ نجيناك ‌من‌ التلف بالتلف.
 
و حكى انه اشتمل حبس ابى جعفر المنصور على عده ‌من‌ الشيعه ‌و‌ فيهم رجل ‌من‌ الاندلس، ‌و‌ اتفق ‌ان‌ السجان غاب عنهم ليله لعارض، فقيل لهم: ‌من‌ كانت له حاجه فليكتب بها رقعه الى اهله فان الباب يغلق، فعهد كل منهم الى حاجته فكتب بها، ‌و‌ عمد الاندلسى الى قطعه رق فكتب فيها بسم الله الرحمن الرحيم الى الله تبارك ‌و‌ تعالى ‌من‌ عبده ‌و‌ ابن عبده فلان ‌بن‌ فلان، اللهم اذكرنى حيث نسيت ‌و‌ عافنى ‌من‌ حيث بليت وصلنى كما جفيت، قال: فما انتصف الليل حتى اعيا قرع رسول المنصور الباب ‌و‌ اخرج الرجل ‌و‌ ادخل على المنصور، فقال له: اسهرتنى فمن بك نور؟ قال: على التنوير ‌و‌ عليك التغيير، حبستنى ‌فى‌ ‌ان‌ احببت قوما بهم جلست هذا المجلس، قال: اذهب الى ‌اى‌ بلاد الله شئت.
 
الانتباه: القيام ‌من‌ النوم، ‌و‌ لما كانت الغفله، ‌و‌ هى غيبه الشى ء عن بال الانسان ‌و‌ عدم تذكره له، حاله شبيهه بالنوم ‌فى‌ عدم تعقل الشى ء بالفعل، عبر عن الخروج منها بالانتباه. ‌و‌ التذكير: اعاده ‌ما‌ قد استثبته القلب فانمحى عنه بنسيان ‌او‌ غفله.
 ‌و‌ نهض ‌من‌ سقطته: استوى قائما.
 ‌و‌ التوفيق: جعل الله فعل عبده موافقا لما يحبه ‌و‌ يرضاه.
 ‌و‌ النكوص: الاحجام عن الشى ء، نكص على عقبيه- ‌من‌ بابى قعد ‌و‌ ضرب-، نكصا ‌و‌ نكوصا.
 قال الفيروزآبادى ‌فى‌ القاموس: ‌و‌ ‌هو‌ خاص بالرجوع عن الخير، ‌و‌ وهم الجوهرى ‌فى‌ اطلاقه ‌او‌ ‌فى‌ الشر نادر انتهى.
 
قلت: ‌و‌ عباره الدعاء تشهد للجوهرى بصحه اطلاقه.
 ‌و‌ التسديد: تقويم اراده الانسان ‌و‌ حركاته نحو الغرض المطلوب ليهجم اليه ‌فى‌ اسرع مده، ماخوذ ‌من‌ تسديد السهم نحو الغرض ‌و‌ ‌هو‌ توجيهه اليه.
 ‌و‌ المراد بتذكيره تعالى له ‌و‌ توفيقه ‌و‌ تسديده: لطفه ‌به‌ ‌و‌ الهامه القيام بما آتاه ‌من‌ آداب الاوصياء ‌و‌ اخلاق الاصفياء، ‌من‌ صدق الانقطاع اليه ‌و‌ التوكل عليه ‌و‌ قوه اليقين ‌به‌ ‌و‌ اطمينان القلب بفضله، فلم يلتفت الى غيره ‌و‌ ‌لا‌ الى نفسه، ‌و‌ هكذا ‌من‌ كان دائم المراقبه لربه مدققا للحساب على نفسه، قد قام معها على ساق مقام الخصم الالد عند الشقاق، كان مستوجبا للعصمه ‌من‌ ربه مطرحا لاشعه انوار لطفه ‌و‌ حبه.
 
سبحان ربى: تعجب ‌من‌ سئوال المحتاج المحتاج ‌و‌ رغبه المعدم الى المعدم، ‌و‌ الاصل ‌فى‌ ذلك ‌ان‌ يسبح الله تعالى عند رويه العجيب ‌من‌ صنائعه تنزيها له، اذ كانت له هذه القدره عن جميع النقائص، ثم كثر حتى استعمل ‌فى‌ كل متعجب منه، ‌او‌ تنزيه له تعالى ‌من‌ ‌ان‌ يترك المحتاج ‌و‌ المعدم سواله ‌و‌ الرغبه اليه مع علمه بفناء المطلق، ‌و‌ يسال محتاجا ‌و‌ معدما مثله.
 ‌و‌ كيف: للاستفهام الانكارى، ‌لا‌ بمعنى انكار الواقع كما ‌فى‌ قوله تعالى: «كيف تكفرون بالله ‌و‌ كنتم امواتا» الايه، بل بمعنى انكار الوقوع ‌و‌ التعجب منه كما ‌فى‌ قوله تعالى: «كيف يكون للمشركين عهد عندالله ‌و‌ عند رسوله» الايه.
 ‌و‌ ‌فى‌ توجيه الانكار الى كيفيه سئوال المحتاج المحتاج ‌من‌ المبالغه ‌ما‌ ليس ‌فى‌ توجيهه الى نفس السئوال، بان يقال: ايسال محتاج محتاجا؟ لان كل موجود يجب ‌ان‌ يكون
 
وجوده على حال ‌من‌ الاحوال قطعا، فاذا انتفى جميع احوال وجوده فقد انتفى وجوده على الطريق البرهانى، ‌و‌ هى- اعنى كيف- ‌فى‌ محل النصب على التشبيه بالحال ‌او‌ الظرف، اى: على ‌اى‌ حال ‌او‌ ‌فى‌ ‌اى‌ حال يسال محتاج محتاجا.
 ‌و‌ انى: مثلها ‌فى‌ جميع ‌ما‌ ذكر، اذ هى بمعناها.
 ‌و‌ رغب اليه: ساله.
 ‌و‌ المعدم: اسم فاعل ‌من‌ اعدم، اى: افتقر فهو معدم ‌و‌ عديم.
 
قصدت الشى ء ‌و‌ له ‌و‌ اليه قصدا- ‌من‌ باب ضرب-: طلبته بعينه.
 ‌و‌ وفد على الملك ‌و‌ نحوه وفدا- ‌من‌ باب وعد-: قصده زائرا للاسترفاد ‌و‌ الانتجاع، ‌و‌ يتعدى بالالف فيقال: اوفدته.
 ‌و‌ وثق ‌به‌ يثق بكسرهما ثقه ‌و‌ وثوقا: اعتمد على وفائه.
 ‌و‌ الباء: ‌فى‌ الموضعين للملابسه.
 ‌و‌ المعنى انى طلبتك بذاتك المقدسه، غير ملتفت الى شى ء ‌من‌ الوسائط بينى ‌و‌ بينك، متلبسا بالابتهال ‌و‌ التضرع ‌و‌ السئوال لك، ‌و‌ اوردت رجائى عليك مسترفدا ‌و‌ منتجعا فضلك حال كونه متلبسا بالاعتماد على وفائك بما وعدت الراجين لك ‌من‌ انجاح مطالبهم ‌و‌ اسعاف ماربهم.
 قالوا: ‌من‌ عرف الله بجوده ‌و‌ كرمه ‌و‌ غناه قصده ‌و‌ رجاه.
 ‌و‌ علامه رجائه رغبته ‌فى‌ عبادته، ‌و‌ حبه لطاعته، ‌و‌ الاعتماد على فضله ‌و‌ خيره، ‌و‌ عدم الالتفات الى غيره.
 
يسر الشى ء يسرا- مثل قرب قربا-: ‌قل‌ فهو يسير، اى: قليل.
 ‌و‌ الوجد بالضم ‌و‌ الكسر لغه بمعنى: الجده ‌و‌ هى السعه ‌فى‌ المال ‌و‌ الغنى ‌و‌ القدره،
 
و انا واجد للشى ء: قادر عليه.
 ‌و‌ خطر الشى ء خطرا- على وزن شرف شرفا-: عظم قدره ‌و‌ ارتفع فهو خطير.
 ‌و‌ حقر الشى ء بالضم حقاره: هان قدره فلا يعبا ‌به‌ فهو حقير.
 ‌و‌ الوسع بالضم: الطاقه ‌و‌ القوه، ‌و‌ منه قوله تعالى: «لا يكلف الله نفسا الا وسعها»، ‌و‌ الفتح لغه، وقرا ‌به‌ ابن ابى عيله، ‌و‌ الكسر لغه ايضا، ‌و‌ ‌به‌ قرا عكرمه، ‌و‌ قد يطلق على الثروه ‌و‌ الغنى، يقال: اوسع الرجل اذا صار ذا سعه ‌من‌ المال. ‌و‌ لما كانت مقدوراته تعالى غير متناهيه ‌و‌ قدرته غير قاصره عن شى ء، لاجرم كان كثير ‌ما‌ يسال قليلا ‌فى‌ وجده، ‌و‌ خطير ‌ما‌ يستوهب حقيرا ‌فى‌ وسعه. ‌و‌ ليس قوله «و قد علمت» لافاده لازم الحكم كما يتبادر، بل اشاره الى كمال الرجاء لحصول المطلوب.
 الكرم: يطلق على ‌ضد‌ اللوم، ‌و‌ يطلق على الجود ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا.
 قال ابن الاثير: ‌من‌ اسمائه تعالى الكريم، ‌و‌ ‌هو‌ الجواد المعطى الذى ‌لا‌ ينفد عطاوه.
 ‌و‌ لما كان الجود الالهى ‌لا‌ بخل فيه ‌و‌ ‌لا‌ منع ‌من‌ جهته، لم يكن يضيق عن سئوال احد ‌و‌ ‌ان‌ عظم خطره ‌و‌ ‌جل‌ قدره، اذ ‌لا‌ اثر للنقصان ‌فى‌ خزائن ملكه ‌و‌ عموم جوده، بل جوده غير متناه ‌و‌ كرمه غير محدود.
 حكى ابوالقاسم الدمشقى قال: كنت واقفا على حلقه الشبلى ‌فى‌ جامع المدينه، فوقف سائل على حلقته ‌و‌ جعل يقول: ‌يا‌ الله ‌يا‌ جواد، فتاوه الشبلى وصاح فقال: كيف يمكننى ‌ان‌ اصف الحق بالجود ‌و‌ مخلوق يقول ‌فى‌ مثله:
 
تعود بسط الكف حتى لو انه
 ثناها لقبض لم تعطه انامله
 تراه اذا ‌ما‌ جئته متهللا
 كانك تعطيه الذى انت آمله
 ‌و‌ لو لم يكن ‌فى‌ كفه غير روحه
 لجاد بها فليتق الله سائله
 ‌هو‌ البحر ‌من‌ ‌اى‌ النواحى اتيته
 فلجته المعروف ‌و‌ البر ساحله
 ثم بكى ‌و‌ قال: بلى ‌يا‌ جواد انت الجواد، فانك اوجدت تلك الجوارح ‌و‌ بسطت تلك الهمم، ثم مننت بعد ذلك على قوم بالاستغناء عنهم ‌و‌ عما ‌فى‌ ايديهم، فانت الجواد كل الجواد، فانهم يعطون عن محدود ‌و‌ عطاوك لاحد له، ‌و‌ يفتقرون اذا اعطوا ‌و‌ ‌لا‌ تفتقر ‌من‌ العطاء ‌و‌ ‌لا‌ تعجز عن الجزاء.
 فيا جوادا يعلو كل جواد
 ‌و‌ ‌به‌ جاد كل ‌من‌ جاد
 فان قلت: مقتضى قوله عليهاالسلام: «لا يضيق عن سوال احد» انه ينجح مسائل كل سائل ‌و‌ يعطى مطالب كل طالب، ‌و‌ ‌كم‌ ‌من‌ داع دعا فلم يجب؟ ‌و‌ ‌كم‌ ‌من‌ آمل امل شيئا فلم ينل ‌ما‌ احب؟.
 قلت: اما الجود الالهى فحاشا ‌ان‌ يلم بساحته بخل ‌او‌ منع لضيق ‌او‌ نقص، ‌و‌ لكنه مضبوط بنظام العدل ‌و‌ الحكمه، فقد يكون المنع ‌من‌ جهه السائل ‌و‌ عدم استعداده لعدم قيامه بشرائط الدعاء، فان للدعاء اركانا ‌و‌ اجنحه ‌و‌ اسبابا ‌و‌ اوقاتا، فان وافق اركانه قوى، ‌و‌ ‌ان‌ وافق اجنحته طار الى السماء، ‌و‌ ‌ان‌ وافق مواقيته فاز، فان، وافق اسبابه انجح. فاركانه اخلاص النيه ‌و‌ حضور القلب ‌و‌ الاستكانه ‌و‌ الخشوع ‌و‌ تعلق القلب بالله ‌و‌ قطعه عن الاسباب، ‌و‌ اجنحته الصدق ‌و‌ الالحاح ‌و‌ حسن الظن بالله، ‌و‌ مواقيته الاسحار ‌و‌ ليله الجمعه ‌و‌ يومها ‌و‌ عند نزول القطر، ‌و‌ اسبابه الصلاه على رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم ‌و‌ اهل بيته عليهم السلام. ‌و‌ لابد ‌من‌ شرط ‌هو‌ الاصل وحده تناول ‌حل‌ قلما يتيسر. ‌و‌ قد يكون لمصلحه تقتضى ذلك، كما اشار اليه اميرالمومنين عليه السلام ‌فى‌ وصيته لابنه الحسن عليه السلام، حيث قال:
 
و لايقنطنك ابطاء اجابته، فان العطيه على قدر النيه، ‌و‌ ربما اخرت عنك الاجابه ليكون ذلك اعظم لاجر السائل ‌و‌ اجزل لعطاء الامل، ‌و‌ ربما سالت الشى ء فلا توتاه ‌و‌ اوتيت خيرا منه عاجلا ‌او‌ آجلا، ‌او‌ صرف عنك لما ‌هو‌ خير لك، فلرب امر قد طلبته فيه هلاك دينك لو اوتيته انتهى.
 فتراه عليه السلام كيف عدد لتاخر الاجابه اسبابا، ليلحظها السائل عند تاخرها فلا يقنط ‌من‌ رحمته تعالى.
 قوله عليه السلام: «و يدك بالعطايا اعلى ‌من‌ كل يد».
 الاعلى: يكون ‌فى‌ المكان ‌من‌ علا يعلو- ‌من‌ باب قعد- علوا.
 ‌و‌ ‌فى‌ المكارم: ‌من‌ على يعلى- ‌من‌ باب تعب- علاء بالفتح ‌و‌ المد، ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا، اى: يدك بالمواهب ارفع قدرا ‌و‌ اكرم ‌من‌ كل يد.
 ‌و‌ المعنى ‌ان‌ جودك يعلو كل جود ‌و‌ يزيد عليه، ‌و‌ ليس القصد اثبات اليد ‌و‌ العلو لها، بل ‌هو‌ ‌من‌ باب التمثيل كقوله تعالى: «و قالت اليهود يد الله مغلوله غلت ايديهم ‌و‌ لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان». فاعلويه اليد مجاز عن اكثريه الجود، كما ‌ان‌ ‌غل‌ اليد ‌و‌ بسطها مجاز عن البخل ‌و‌ الجود.
 قال الزمخشرى: ‌و‌ ‌لا‌ يقصد ‌من‌ يتكلم بهذا اثبات يد ‌و‌ ‌لا‌ ‌غل‌ ‌و‌ ‌لا‌ بسط، ‌و‌ ‌لا‌ فرق عنده بين هذا الكلام ‌و‌ بين ‌ما‌ وقع مجازا عنه كانهما كلامان معتقبان على حقيقه واحده، حتى انه يستعمله ‌فى‌ ملك ‌لا‌ يعطى عطاء قط ‌و‌ ‌لا‌ يمنعه الا باشارته ‌من‌ غير استعمال يد ‌و‌ بسطها ‌و‌ قبضها، ‌و‌ لو اعطى الاقطع الى المنكب عطاء جزلا لقالوا: ‌ما‌ ابسط يده بالنوال، لان بسط اليد ‌و‌ قبضها عبارتان وقعتا معاقبتين للبخل ‌و‌ الجود،
 
و قد استعملوها حيث ‌لا‌ يصح اليد، يقال: بسط الياس كفيه ‌فى‌ صدرى، فجعلت للياس - الذى ‌هو‌ ‌من‌ المعانى ‌لا‌ ‌من‌ الاعيان- كفان، ‌و‌ ‌من‌ لم ينظر ‌فى‌ علم البيان عمى عن تبصر محجه الصواب ‌فى‌ تاويل امثال هذه الايه، ‌و‌ لم يتخلص ‌من‌ يد الطاعن اذا عبثت ‌به‌ انتهى.
 
حملته على الدابه: اركبته عليها، ثم استعمل ‌فى‌ المعانى فقيل: حملته على الفعل اى: اغريته به، ‌و‌ حملته على الفضل اى: عاملته به، كانه لم يكن قادرا على ذلك ‌من‌ نفسه فاقدرته عليه كما يفعل بالمحمول على الدابه. ‌و‌ الغرض سواله تعالى ‌ان‌ يحمله بكرمه على ابتدائه بالفضل، ‌و‌ ‌لا‌ يحمله بعدله على استحقاقه بما عساه صدر عنه ‌من‌ ذنب، فانه ‌لا‌ يستحق بمقتضى العدل الا الحرمان ‌و‌ المنع، ‌و‌ هذا ‌من‌ لطيف ‌ما‌ تعد ‌به‌ النفس لاستنزال الرحمه الالهيه.
 الفاء: للتعليل، ‌و‌ المعنى: افعل ‌بى‌ ذلك، اذ لست باول راغب رغب اليك الى آخره. ‌و‌ وهم ‌من‌ قال: انها لمجرد الترتيب.
 ‌و‌ افضل عليه افضالا: تفضل ‌و‌ تطول. ‌و‌ هذا استعطاف بما جرى ‌فى‌ العاده ‌ان‌ يستعطف ‌به‌ اهل العواطف ‌و‌ الرحمه ‌من‌ الكلام، اى: ‌ان‌ اعطاءك للراغب اليك ‌فى‌ حال استحقاقه المنع، ‌و‌ افضالك على سائلك ‌فى‌ حال استيجابه للحرمان، امر متعارف جرت عادتك ‌به‌ ‌و‌ الفه منك عبادك، ‌و‌ لست اول ‌من‌ تفعل ‌به‌ ذلك فاكون بدعا سائلا لان تفعل ‌بى‌ ‌ما‌ لم تفعله باحد قبلى.
 
مجيبا: ‌اى‌ مقابلا لدعائى بالقبول ‌و‌ العطاء.
 ‌و‌ قريبا: ‌اى‌ سريع الاجابه لندائى، ‌و‌ ‌هو‌ تمثيل بحال ‌من‌ قرب مكانه فاذا نودى اسرع تلبيه مناديه، ‌و‌ الا فهو تعالى منزه عن القرب المكانى.
 ‌و‌ التضرع: التذلل ‌و‌ الابتهال ‌و‌ المبالغه ‌فى‌ السئوال.
 ‌و‌ راحما: ‌اى‌ كاشفا لبلواى منجزا لحاجتى، اذ ليس الرحمه للتضرع بل للمتضرع، لكن لما كان التضرع سببا موجبا لرحمه المتضرع نسب الرحمه اليه. ‌و‌ قوله: «لصوتى سامعا» مثل قوله: «لدعائى مجيبا»، ‌و‌ الا فهو سبحانه سامع لكل صوت. اى: ‌كن‌ لصوتى قابلا غير معرض عنه ‌و‌ ‌لا‌ غير ملتفت اليه.
 ‌و‌ منه الحديث: اللهم انى اعوذ بك ‌من‌ دعاء ‌لا‌ يسمع. قال ‌فى‌ النهايه: اى: ‌لا‌ يستجاب ‌و‌ ‌لا‌ يعتد به، ‌و‌ كانه غير مسموع.
 ‌و‌ ‌فى‌ دعاء الصلاه: سمع الله لمن حمده، اى: اجاب ‌من‌ حمده ‌و‌ تقبله.
 يقال: اسمع دعائى، اى: اجب، لان غرض السائل الاجابه، ‌و‌ ‌من‌ ذلك قوله تعالى: «قد سمع الله قول التى تجدلك ‌فى‌ زوجها»، اى: اجاب.
 
قطعته عن الشى ء: حبسته ‌و‌ منعته.
 ‌و‌ الرجاء بالفتح ‌و‌ المد: حاله نفسانيه موجبه لفرحها بسبب توقع امر مطلوب مظنون حصوله.
 ‌و‌ قطعه: عباره عن الياس ‌من‌ حصول ذلك المطلوب، اى: لاتويسنى منك
 
بعدم اجابتى بان اعتقد جزما ‌او‌ ظنا عدم اجابتك لى، فاقنط ‌من‌ حاجتى ‌و‌ ‌لا‌ اتوقع حصولها منك.
 ‌و‌ البت: القطع، بته بتا- ‌من‌ بابى ضرب ‌و‌ قتل-، ‌و‌ منه ‌لا‌ افعله بته فيما ‌لا‌ رجعه فيه.
 ‌و‌ السبب: الحبل، ثم استعير لكل ‌ما‌ يتوصل ‌به‌ الى شى ء.
 قالوا: ‌و‌ ‌لا‌ يسمى الحبل سببا حتى ينزل ‌و‌ يصعد به، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا ‌ما‌ يتوسل ‌به‌ اليه تعالى ‌من‌ الدعاء ‌و‌ الرجاء، اى: ‌لا‌ ترد دعائى ‌و‌ ‌لا‌ تخيب رجائى.
 ‌و‌ قيل: المراد ‌به‌ لطفه تعالى ‌و‌ احسانه، اى: لاتقطع عنى نظر عنايتك ‌و‌ لطفك ‌بى‌ ‌و‌ احسانك الى، فان ذلك اعظم ‌ما‌ يتوسل ‌به‌ اليه سبحانه كما ورد ‌فى‌ الدعاء مكررا، ‌و‌ الاعم: ‌هو‌ الاتم.
 ‌و‌ وجهه الى كذا: جعل وجهه اليه، اى: ‌لا‌ تجعلنى متوجها ‌و‌ قاصدا ‌فى‌ حاجتى هذه ‌و‌ غيرها الى غيرك، ‌و‌ ‌هو‌ دعاء بان يغنيه عن مساله غيره ‌و‌ التعرض لنواله ‌فى‌ كل حاجه له، لما ‌فى‌ ذلك ‌من‌ بذل الوجه ‌و‌ الذله، ‌و‌ ينضاف اليهما المنه ‌ان‌ اعطى ‌و‌ الحرمان ‌ان‌ منع.
 
تولاه: صار له وليا، اى: معينا قائما بامره كافلا بمصالحه، ‌و‌ منه تولاك الله بحفظه، اى: كان لك وليا، اى: كافلا بحفظه، ‌و‌ تولنى بنجح طلبتى اى: ‌كن‌ لى وليا، اى: معينا ‌و‌ قائما بامرى بنجح ‌ما‌ اطلبه منك.
 ‌و‌ السئوال بالضم ‌و‌ سكون العين: ‌ما‌ تساله ‌من‌ غيرك، فعل بمعنى مفعول.
 ‌و‌ موقفى هذا: اشاره الى مقامه بين يديه تعالى بهذا الدعاء.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله «بتيسيرك» للملابسه، متعلقه بالنجح، اى: ‌من‌ غير كلفه ‌و‌ مشقه، بل بتسهيل ‌ما‌ عسر منه ليكون بلا تعب ‌و‌ ‌لا‌ عناء.
 
و حسن التقدير ‌فى‌ جميع الامور: عباره عن ايجادها على وفق الحكمه ‌و‌ المصلحه، بحيث لو زاد على ذلك المقدار ‌او‌ نقص عنه لاختلت مصلحه ذلك المقدر ‌و‌ تغيرت منفعته، كذا قيل.
 ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ المراد بحسن التقدير هنا ‌ان‌ يكون ‌ما‌ يقدره له حسنا نافعا ‌من‌ غير قبح ‌و‌ ‌لا‌ مضره، اذ كان التقدير تحديد كل موجود بحده الذى يوجد فيه ‌من‌ حسن ‌و‌ قبح ‌و‌ نفع ‌و‌ ضر ‌و‌ غيرها.
 
دام الشى ء يدوم دوما ‌و‌ دواما: ثبت ‌و‌ استمر ‌و‌ لم ينقطع.
 ‌و‌ نمى ينمى- ‌من‌ باب رمى- نماء بالفتح ‌و‌ المد: كثر ‌و‌ زاد، ‌و‌ ‌فى‌ لغه نمى ينمونموا- ‌من‌ باب قعد-.
 ‌و‌ الابد: الدهر، ‌و‌ قيل: الدهر الطويل الذى ليس بمحدود.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ استمرار الوجود ‌فى‌ ازمنه مقدره غير متناهيه ‌فى‌ جانب المستقبل، ‌و‌ يقابله الازل ‌و‌ ‌هو‌ استمرار الوجود ‌فى‌ ازمنه مقدره غير متناهيه ‌فى‌ جانب الماضى.
 ‌و‌ الامد: الغايه، اى: صلاه ‌لا‌ غايه لها تقف عندها، ‌و‌ قد تقدم نحو هذه العباره ‌فى‌ الدعاء الاول، ‌و‌ بسطنا الكلام عليه فليرجع اليه.
 ‌و‌ العون: المعين، ‌و‌ ‌هو‌ الظهير على الامر.
 ‌و‌ السبب: ‌ما‌ يتوصل ‌به‌ الى المقصود، ‌و‌ ‌فى‌ ذلك اشاره الى ‌ما‌ روى عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌لا‌ يزال الدعاء محجوبا حتى يصلى على محمد ‌و‌ ‌آل‌ محمد.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌من‌ دعا ‌و‌ لم يذكر النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم رفرف الدعاء على راسه، فاذا ذكر النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم رفع الدعاء.
 
و عنه عليه السلام: ‌من‌ كانت له الى الله حاجه فليبدا بالصلاه على محمد ‌و‌ آله ثم يسال حاجته، ثم يختم بالصلاه على محمد ‌و‌ ‌آل‌ محمد، فان الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ اكرم ‌من‌ ‌ان‌ يقبل الطرفين ‌و‌ يدع الوسط، اذ كانت الصلاه على محمد ‌و‌ ‌آل‌ محمد ‌لا‌ تحجب عنه.
 قوله عليه السلام: «انك واسع كريم» تعليل لاستدعاء ادامه صلاته ‌و‌ استمرارها ‌و‌ جعلها عونا له ‌و‌ سببا لنجاح طلبته، ‌و‌ تاكيد الجمله لغرض كمال قوه يقينه بمضمونها.
 ‌و‌ الواسع ‌من‌ اسمائه تعالى: ‌هو‌ الذى وسع غناه كل فقير ‌و‌ رحمته كل شى ء.
 ‌و‌ قال بعضهم: الواسع مشتق ‌من‌ السعه، ‌و‌ السعه تضاف تاره الى العلم اذا اتسع ‌و‌ احاط بالمعلومات الكثيره، ‌و‌ تضاف اخرى الى الاحسان ‌و‌ بسط النعم ‌و‌ كيفما قدر ‌و‌ على ‌اى‌ شى ء نزل، فالواسع المطلق ‌هو‌ الله تعالى، لانه ‌ان‌ نظر الى علمه فلا ساحل لبحره ‌و‌ ‌لا‌ جزر لمده، ‌و‌ ‌ان‌ نظر الى احسانه ‌و‌ نعمه فلا نهايه لها، ‌و‌ كل نعمه تكون ‌من‌ غيره ‌و‌ ‌ان‌ عظمت فهى متناهيه، ‌و‌ الذى ‌لا‌ ينتهى فهو احق باسم السعه، ‌و‌ ‌لا‌ اوسع ‌من‌ علم الحق ‌و‌ ‌لا‌ ‌من‌ رحمته فهو الواسع المطلق، ‌و‌ كرمه تعالى يعود الى فيضان الخير عنه ‌من‌ غير بخل ‌و‌ منع ‌و‌ تعويق، على كل ‌من‌ يقدر ‌ان‌ يقبله بقدر ‌ما‌ يقبله.
 
من: للتبعيض، ‌و‌ لما كانت حاجه العبد الى الرب غير محصوره ‌و‌ ‌لا‌ متناهيه، اتى بمن التبعيضيه ايذانا بان حاجته اليه تعالى غير مقصوره على هذه الحاجه، بل هى بعض حاجته اليه.
 ‌و‌ كذا: كنايه عن اسم الحاجه، ‌و‌ هى مركبه ‌من‌ كاف التشبيه ‌و‌ ذا التى
 
للاشاره، الا انه لايحكم على ذا بانها ‌فى‌ موضع جر ‌و‌ ‌لا‌ على الكاف بانها متعلقه بشى ء ‌و‌ ‌لا‌ بان فيها معنى التشبيه، اذ ‌لا‌ معنى له هنا فلا وجه لتكلف ادعائه، لان التركيب كثيرا ‌ما‌ يزيل معنى المفردين ‌و‌ يحدث لمجموعهما معنى لم يكن، ‌و‌ يحكم على مجموع الكلمتين بانه ‌فى‌ موضع رفع ‌او‌ نصب ‌او‌ جر بحسب العوامل الداخله عليها، ‌و‌ ‌هو‌ هنا ‌فى‌ محل رفع على انه مبتدا خبره الجار ‌و‌ المجرور قبله، ‌و‌ التقدير كذا ‌و‌ كذا ‌من‌ حاجتى.
 ‌و‌ قال الفيومى ‌فى‌ المصباح المنير: كذا: تكون كنايه عن الاشياء، تقول: فعلت كذا ‌و‌ قلت كذا ‌و‌ الاصل ذا، ثم دخل عليه كاف التشبيه بعد زوال معنى الاشاره ‌و‌ التشبيه، ‌و‌ جعل كنايه عما يراد به، ‌و‌ ‌هو‌ معرفه فلا يدخله الالف ‌و‌ اللام. انتهى.
 ‌و‌ الصواب ‌ما‌ ذكرناه اولا ‌من‌ ‌ان‌ معنى الاشاره ‌و‌ التشبيه انما زالا بالتركيب، كما نص عليه ابن هشام ‌فى‌ فوح الشذا بمساله كذا.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «تذكر حاجتك» اى: تسميها، لما ورد ‌فى‌ الحديث ‌من‌ انه تعالى يحب ‌ان‌ تبث اليه الحوائج.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: ‌ان‌ الله تبارك ‌و‌ تعالى يعلم ‌ما‌ يريد العبد اذا دعاه، ‌و‌ لكنه يحب ‌ان‌ تبث اليه الحوائج، فاذا دعوت فسم حاجتك.
 ‌و‌ ‌فى‌ حديث آخر قال: قال: ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ يعلم حاجتك ‌و‌ ‌ما‌ تريد، ‌و‌ لكنه يحب ‌ان‌ تبث اليه الحوائج.
 
ختم الدعاء بالسجود ‌و‌ الدعاء فيه، لما ورد ‌فى‌ الحديث النبوى: اقرب ‌ما‌ يكون العبد ‌من‌ ربه ‌و‌ ‌هو‌ ساجد.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند صحيح عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: اقرب ‌ما‌ يكون العبد ‌من‌ ربه اذا دعا ربه ‌و‌ ‌هو‌ ساجد.
 ‌و‌ عن عبدالله ‌بن‌ هلال، قال: شكوت الى ابى عبدالله عليه السلام تفرق اموالنا ‌و‌ ‌ما‌ دخل علينا، فقال: عليك بالدعاء ‌و‌ انت ساجد، فان اقرب ‌ما‌ يكون العبد الى الله ‌و‌ ‌هو‌ ساجد.
 ‌و‌ السر ‌فى‌ ذلك ‌ان‌ السجود هيئه تشعر بكمال الاتصاف بصفات الافتقار ‌و‌ الخشوع ‌و‌ الذله المستلزمه لاستنزال الرحمه، فيكون العبد ‌فى‌ هذه الحاله اقرب الى رحمه الله تعالى منه ‌فى‌ غيرها ‌من‌ الحالات، ‌و‌ ايضا فقد جرت العاده ‌من‌ الملوك ‌فى‌ ‌حق‌ ‌من‌ يتواضع لهم، ‌و‌ يوفيهم حقهم ‌من‌ الاجلال ‌و‌ الاكرام ‌و‌ حسن الانقياد، ‌ان‌ يقربوا منزلته ‌و‌ يرفعوا درجته ‌و‌ يسمعوا لقوله ‌و‌ ينجحوا ماربه، فبالحرى ‌ان‌ يكون المتواضع الخاشع للملك المطلق قريب المنزله منه مسموع القول مستجاب الدعاء مقضى المرام.
 ‌و‌ الايناس: خلاف الايحاش ‌من‌ الانس بالضم، ‌و‌ ‌هو‌ سكون القلب ‌و‌ عدم نفرته.
 ‌و‌ فضله ‌و‌ احسانه تعالى عباره عن افاضه جوده ‌و‌ كرمه ابتداء ‌من‌ غير استحقاق،
 
فاذا عرف العبد سعه رحمه ربه ‌و‌ فيضه ‌و‌ لطفه ‌و‌ رافته ‌و‌ احسانه ‌و‌ اجرائه نعمه عليه، ظاهره ‌و‌ باطنه جليه ‌و‌ خفيه ضروريه ‌و‌ غير ضروريه، منذ كونه جنينا ‌فى‌ بطن امه بلا سبق استحقاق ‌و‌ ‌لا‌ تقدم استيهال، كان ذلك موجبا لسكون نفسه اليه باعثا على رجائه دليلا له الى توقع قضاء حاجته منه ‌و‌ نجاح مطلوبه ‌و‌ اسعافه بماموله، فلا جرم جعل ذلك سببا لسئواله، مقسما عليه ‌و‌ متوسلا اليه بذاته المقدسه ‌و‌ باكرم خلقه عليه، ‌ان‌ ‌لا‌ يرده ‌و‌ ‌لا‌ يرجعه خائبا مما سال غير ظافر بما طلب، ‌و‌ الله اعلم.
 هذا آخر الروضه الثالثه عشر ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيدالعابدين، ‌و‌ قد وفق الله سبحانه لاجتناء ازهارها ‌و‌ اقتطاف يانع ثمارها، عشيه يوم الخميس المبارك لست بقين ‌من‌ ذى القعده الحرام عام ثمان ‌و‌ تسعين ‌و‌ الف، ‌و‌ لله الحمد.
 ‌و‌ كتب مولفه العبد على ‌بن‌ احمد الحسينى كان الله لهما.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^