فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 47- 6

و الرضوان بالضم ‌و‌ الكسر: الرضى، ‌و‌ قيل: الكثير منه ‌و‌ لذلك خص ‌فى‌ التنزيل بما كان ‌من‌ الله تعالى ‌من‌ حيث ‌ان‌ رضاه اعظم الرضا.


 ‌و‌ الصفر بالكسر فالسكون: الخالى، يقال: بيت صفر: ‌اى‌ خال ‌من‌ المتاع، ‌و‌ ‌هو‌ صفر اليدين: ليس فيهما شى ء، قيل: ‌هو‌ ماخوذ ‌من‌ الصفير ‌و‌ ‌هو‌ الصوت الخالى ‌من‌ الحروف، ‌و‌ قيل: ‌من‌ صفر الاناء يصفر ‌من‌ باب- تعب- اذا خلا حتى سمع منه صفير لخلوه ثم صار متعارفا لكل خال ‌من‌ الانيه ‌و‌ غيرها.
 ‌و‌ الانقلاب: الانصراف، ‌اى‌ ‌لا‌ تردنى خاليا مما ينصرف ‌به‌ المتعبدون، يقال: تعبد الرجل اذا تنسك ‌و‌ اجتهد ‌فى‌ العباده.
 
و قدم الامر تقديما: اسلفه ‌و‌ فعله ‌من‌ قبل: ‌و‌ منه: «و نكتب ‌ما‌ قدموا» ‌اى‌ ‌ما‌ فعلوه قبل.
 ‌و‌ ‌من‌ الصالحات: بيان لما قدموه، ‌اى‌ ‌من‌ الاعمال الصالحات فحذف الموصوف ‌و‌ اقام الوصف مقامه.
 فان قلت: اين خبر «ان» ‌من‌ قوله: «و انى ‌و‌ ‌ان‌ لم اقدم ‌ما‌ قدموه؟».
 قلت قال العلامه التفتازانى ‌فى‌ شرح الكشاف: الفاء ‌فى‌ خبر المبتدا المقرون بان الوصليه شائع ‌فى‌ عبارات المصنفين مثل: زيد ‌و‌ ‌ان‌ كان غنيا فهو بخيل، ‌و‌ كذا كلمه لكن، ‌و‌ الا، مثل: زيد ‌و‌ ‌ان‌ كان غنيا لكنه بخيل، ‌او‌ الا انه بخيل، ‌و‌ وجهه على ‌ان‌ يجعل الشرط عطفا على محذوف، ‌و‌ الفاء: جوابه ‌و‌ الشرطيه خبر المبتدا ظاهر ‌اى‌ ‌ان‌ لم يكن غنيا ‌و‌ ‌ان‌ كان غنيا فهو بخيل ‌و‌ ‌ان‌ جعل الواو للحال على ‌ما‌ يراه المصنف ‌و‌ الشرط غير محتاج الى الجزاء فاشبه الخبر الجزاء حيث قرن الشرط بالمبتدا ‌و‌ اما «لكن» ‌و‌ «الا» فيحتاج الى تقدير آخر، ‌اى‌ ليس بجواد لكنه  بخيل، انتهى.
 ‌و‌ على هذا فخبر «ان» ‌فى‌ عباره الدعاء اما الجمله الشرطيه باسرها ‌ان‌ جعلنا الواو الداخله على «ان» للعطف ‌و‌ ‌هو‌ قول الخبزى.
 قال الرضى: ‌و‌ جواب الشرط ‌فى‌ الحقيقه ‌هو‌ الخبر ‌و‌ الشرط قيد فيه.
 ‌و‌ اما قوله: فقد قدمت ‌ان‌ جعلنا الواو للحال ‌و‌ ‌هو‌ قول الجمهور ‌و‌ اقترانه بالفاء لاقتران المبتدا بالشرط ‌و‌ كذا ‌ان‌ جعلنا الواو للاعتراض كما ‌هو‌ راى الرضى «رضى الله عنه». لكن لم اقف على نص ‌من‌ احد ‌من‌ النحاه على ‌ان‌ المبتدا اذا قرن بالشرط جاز دخول الفاء على خبره فليحرز.
 ‌و‌ اما على روايه ابن ادريس: «ان لم اقدم» بدون واو فلا اشكال ‌فى‌ كون الجمله الشرطيه هى الخبر، لكن ينبغى ‌ان‌ يعلم ‌ان‌ الفعل المنفى بلم هنا باق على معناه ‌من‌ المضى ‌و‌ لم ينقلب الى المستقبل بكلمه الشرط سواء كانت «ان» وصليه على الروايه المشهوره ‌من‌ كونها مع الواو ‌او‌ شرطيه محضه على روايه ابن ادريس ‌و‌ ‌هو‌ ‌و‌ ‌ان‌ كان قليلا لكنه مسموع فصيح.
 قال الرضى: قد يستعمل الماضى ‌فى‌ الشرط متحقق الوقوع ‌و‌ ‌ان‌ كان بغير لفظ كان لكنه قليل نحو قوله:
 اتغضب ‌ان‌ اذنا قتيبه خزتا
 ‌و‌ نحو قولك: انت ‌و‌ ‌ان‌ اعطيت مالا بخيل، ‌و‌ انت ‌و‌ ‌ان‌ صرت اميرا ‌لا‌ اهابك، انتهى فتامل.
 ‌و‌ توحيده تعالى: افراده بالالوهيه ‌و‌ اعتقاد انه اله واحد ‌لا‌ شريك له، ‌و‌ قيل: تنزيهه عن شائبه التعدد ‌و‌ التركيب بوجه ‌من‌ الوجوه، ‌و‌ توهم المشاركه ‌فى‌ الحقيقه  و خواصها، ‌و‌ قد اسلفنا الكلام على ذلك مبسوطا.
 ‌و‌ نفيت الشى ء نفيا ‌من‌ باب- رمى-: دفعته ‌و‌ لم اثبته.
 ‌و‌ الاضداد ‌و‌ الانداد: جمع ‌ضد‌ ‌و‌ ند، يقال: ليس لله ‌ضد‌ ‌و‌ ‌لا‌ ند، ‌و‌ معناه نفى ‌ما‌ يسد مسده، ‌و‌ نفى ‌ما‌ ينافيه، ‌و‌ قد تقدم الكلام عليه غير مره.
 ‌و‌ قال العارف عبدالرزاق الكاشى: الند: ‌هو‌ المثل ‌فى‌ الالهيه بمعنى الشريك ‌و‌ المعاون بحيث لاينبرم حكم الامر الالهى الا بموافقته ‌و‌ امضاء امره، ‌و‌ لو قضى بنقض ‌ما‌ بنى الحق لايحرم تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ‌و‌ الضد: ‌هو‌ المثل ‌فى‌ الالهيه الا انه لايقضى بنقض ‌ما‌ بنى الاله ‌و‌ لايمضى امره امر الحق، بل يخلق خلقا يخالف خلق الاله كما قالت الثنويه: ‌ان‌ خالق الخير ‌هو‌ الله ‌و‌ خالق الشر ‌هو‌ اهرمن حاشا ‌و‌ كلا.
 ‌و‌ الاشباه: اما جمع شبه بكسر فسكون كحمل ‌و‌ احمال ‌او‌ شبهه محركا كسبب ‌و‌ اسباب ‌و‌ ‌هو‌ بمعنى الشبيه ‌و‌ المثل ‌و‌ قد تقدم بيان نفى الضد ‌و‌ الند ‌و‌ المثل عنه تعالى.
 قوله عليه السلام: «و اتيتك ‌من‌ الابواب التى امرت ‌ان‌ توتى منها» الاتيان: المجى بسهوله، يقال: اتى الرجل ياتى آتيا: ‌اى‌ جاء ‌و‌ اتيته انا ‌اى‌ جئته يستعمل لازما ‌و‌ متعديا، ‌و‌ معنى اتيان الله تعالى: الاقبال عليه ‌و‌ التوجه اليه بالطاعه كقوله تعالى: «و ‌ان‌ ‌من‌ شيعته لابراهيم اذ جاء ربه بقلب سليم» اى: اقبل عليه بقلبه ‌و‌ اخلص العمل له ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ باب التمثيل.
 ‌و‌ الابواب، جمع باب ‌و‌ ‌هو‌ مدخل البيت ‌و‌ الدار ‌و‌ نحوهما، ثم استعير لما يتوصل ‌به‌ الى الشى ء يقال: هذا باب الى كذا اى: يتوصل ‌به‌ اليه: ‌و‌ منه: انا مدينه العلم   و على بابها، ‌اى‌ ‌به‌ يتوصل اليه.
 ‌و‌ المعنى انى دنتك ‌و‌ اقبلت عليك ‌و‌ توجهت اليك ‌من‌ الجهات التى امرت ‌ان‌ يتوجه اليك منها، ‌و‌ هى الوسائط التى امر تعالى ‌ان‌ يتوصل اليه سبحانه بالتمسك بها ‌و‌ اقتفاء آثارها ‌و‌ الاقتداء بها ‌من‌ النبى ‌و‌ اهل بيته القائمين مقامه الهادين الى سبيله الدالين عليه، ‌و‌ لذلك جاء بالابواب بلفظ الجمع ‌و‌ فيه تلميح الى قوله تعالى: «و اتوا البيوت ‌من‌ ابوابها».
 فعن ابى جعفر عليه السلام قال: يعنى ‌ان‌ يوتى الامر ‌من‌ وجهه ‌اى‌ الامور كان. فدخل ‌فى‌ عموم ذلك اتيان الله تعالى ‌من‌ بابه.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى بصير قال: قال ابوعبدالله عليه السلام: الاوصياء ‌هم‌ ابواب الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ التى يوتى منها، ‌و‌ لو ‌لا‌ ‌هم‌ ‌ما‌ عرف الله ‌عز‌ ‌و‌ جل، ‌و‌ بهم احتج الله تبارك ‌و‌ تعالى على خلقه.
 ‌و‌ عن ابى جعفر عليه السلام: ‌آل‌ محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله ابواب الله ‌و‌ سبيله ‌و‌ الدعاه الى الجنه ‌و‌ القاده اليها ‌و‌ الادلاء عليها الى يوم القيامه.
 ‌و‌ ‌فى‌ استعاره لفظ الباب اشعار بانه ‌لا‌ مدخل يتوصل ‌به‌ اليه سبحانه سوى ‌من‌ جعله بابا للوصول اليه اذ لايدخل الى الدار ‌و‌ ‌لا‌ يتوصل اليها الا ‌من‌ بابها، فمن ظن انه يتوصل اليه سبحانه ‌من‌ غير هذه الابواب فقد ظن باطلا ‌و‌ اخطا سهمه الثغره ‌و‌ ضل سواء السبيل.
 قال الشيخ العارف مجدد الدين البغدادى: رايت النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌فى‌ المنام فقلت ‌ما‌ تقول ‌فى‌ ‌حق‌ ابن سينا فقال صلى الله عليه ‌و‌ آله: ذاك رجل اراد ‌ان‌ يصل الى الله بلا وساطتى فحجبته هكذا بيدى فسقط ‌فى‌ النار.
 
و عن اميرالمومنين عليه السلام ‌من‌ جمله حديث: ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ لو شاء لعرف العباد نفسه، ‌و‌ لكن جعلنا ابوابه ‌و‌ صراطه ‌و‌ سبيله، ‌و‌ الوجه الذى يوتى منه فمن عدل عن ولايتنا ‌او‌ فضل علينا غيرنا فانهم عن الصراط لناكبون.
 ‌و‌ عن الصادق عليه السلام ‌من‌ جمله حديث ‌من‌ اتى البيوت ‌من‌ ابوابها اهتدى، ‌و‌ ‌من‌ اخذ ‌فى‌ غيرها سلك طريق الردى، ‌و‌ صل الله طاعه ولى امره بطاعه رسوله ‌و‌ طاعه رسوله بطاعته، فمن ترك طاعه ولاه الامر لم يطع الله ‌و‌ ‌لا‌ رسوله، ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى اكثر ‌من‌ ‌ان‌ تحصى.
 قوله عليه السلام: «و تقربت اليك بما لايقرب احد منك الا بالتقرب به» تقرب الى الله بكذا: طلب ‌به‌ القرب منه المتحقق بحصول الرفعه عنده ‌و‌ نيل الثواب لديه سبحانه تشبيها بالقرب المكانى، ‌اى‌ طلبت القرب منك بالامر الذى لايقرب احد منك ‌فى‌ حال ‌من‌ الاحوال الا حال كونه ملتبسا بالتقرب ‌به‌ فالاستثناء مفرغ ‌من‌ اعم الاحوال.
 قال بعضهم: ‌و‌ المراد ‌به‌ مثل حسن الاعتقاد، ‌و‌ العمل الصالح ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ حصر حصول القرب ‌فى‌ التقرب ‌به‌ لايساعد هذا المعنى بل المراد ‌به‌ ولايه ولاه امر الله تعالى ‌و‌ مودتهم ‌و‌ ‌هم‌ اهل بيت النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ عليهم الذين افترض الله طاعتهم ‌و‌ حتم ولايتهم اذ هى الامر الذى لايرفع عمل الا ‌به‌ ‌و‌ ‌لا‌ تقبل حسنه الا معه كما نطقت بذلك الاخبار ‌و‌ تظافرت ‌به‌ الروايات ‌من‌ الطريقين.
 اخرج الموفق ‌بن‌ احمد المعروف بفخر خوارزم بسنده عن جعفر ‌بن‌ عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ احب عليا قبل الله منه صلاته ‌و‌ صيامه  و قيامه ‌و‌ استجاب دعائه، الا ‌من‌ احب عليا اعطاه الله بكل عرق ‌فى‌ بدنه مدينه ‌من‌ الجنه، الا ‌و‌ ‌من‌ احب ‌آل‌ محمد صلوات الله عليهم امن ‌من‌ الحساب ‌و‌ النار ‌و‌ الصراط، الا ‌و‌ ‌من‌ مات على بغض ‌آل‌ محمد صلوات الله عليهم جاء يوم القيامه مكتوب بين عينيه آيس ‌من‌ رحمته.
 ‌و‌ عن عمار ‌بن‌ يقظان الاسدى عن ابى عبدالله عليه السلام ‌فى‌ قوله تعالى: «اليه يصعد الكلم الطيب ‌و‌ العمل الصالح يرفعه» قال: ولايتنا اهل البيت، ‌و‌ اهوى بيده الى صدره فمن لم يتولنا لم يرفع الله له عملا.
 ‌و‌ اخرج ابن مردويه، ‌و‌ الموفق ‌بن‌ احمد ‌و‌ غيرهما، عن زيد ‌بن‌ على، عن ابيه، عن جده، عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله قال: ‌يا‌ على لو ‌ان‌ عبدا عبدالله مثل ‌ما‌ قام نوح ‌فى‌ قومه، ‌و‌ كان له مثل احد ذهبا فانفقه ‌فى‌ سبيل الله، ‌و‌ مد ‌فى‌ عمره حتى ‌حج‌ الف عام على قدميه ثم قتل بين الصفا ‌و‌ المروه مظلوما، ثم لم يوالك ‌يا‌ على لم يشم رائحه الجنه ‌و‌ لم يدخلها.
 ‌و‌ ‌فى‌ تاريخ النسائى ‌و‌ شرف المصطفى ‌و‌ اللفظ له قال النبى عليه السلام: لو ‌ان‌ عبدا عبدالله تعالى بين الركن ‌و‌ المقام الف عام، ثم الف عام، ثم الف عام، ‌و‌ لم يكن يحبنا اهل البيت لاكبه الله على منخره ‌فى‌ النار.
 ‌و‌ اخرج ابوالمويد ‌فى‌ المناقب، ‌و‌ ابوتراب ‌فى‌ الحدائق عن انس ‌بن‌ مالك، ‌و‌ الديلمى ‌فى‌ الفردوس عن معاذ ‌و‌ جماعه، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: حب على ‌بن‌ ابى طالب حسنه لاتضر معها سيئه ‌و‌ بغضه سيئه  لاتنفع معها حسنه.
 ‌و‌ اخرج غير واحد عن عمار ‌و‌ معاذ ‌و‌ عائشه عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله قال: النظر الى على ‌بن‌ ابى طالب عباده، ‌و‌ ذكره عباده، ‌و‌ ‌لا‌ يقبل ايمان عبد الا بولايته، ‌و‌ البراءه ‌من‌ اعدائه.
 ‌و‌ عن ابى جعفر عليه السلام ‌فى‌ قوله تعالى «قل هذه سبيلى ادعوا الى الله على بصيره» يعنى بالسبيل على ‌بن‌ ابى طالب ‌و‌ لاينال ‌ما‌ عندالله الا بولايته.
 ‌و‌ هذا غيض ‌من‌ فيض ‌و‌ برض ‌من‌ عد، ‌و‌ ‌فى‌ المولفات ‌فى‌ هذا المعنى ‌ما‌ يغنى عن الزياده على ‌ما‌ ذكرنا.
 فاتضح ‌ان‌ المراد بما ‌لا‌ يقرب احد ‌من‌ الله تعالى الا بالتقرب به، حب على ‌و‌ اوصيائه ‌من‌ ابنائه صلوات الله ‌و‌ سلامه عليهم ‌و‌ مودتهم ‌و‌ ولايتهم فانه عماد كل قربه، ‌و‌ قوام كل عمل، ‌و‌ ‌ما‌ سواه تبع له كما يشعر ‌به‌ قوله عليه السلام: «ثم اتبعت ذلك بالانابه اليك» الى آخره.
 
ف «ثم» هنا للترتيب الذى ‌هو‌ كون مضمون الجمله التى بعدها عقيب مضمون التى قبلها ذاتا ‌و‌ مرتبه ‌و‌ وضعا، ‌و‌ لما كان مقتضى «ثم» الترتيب بتراخ ‌و‌ مهله احترز عنها بقوله: اتبعت فلان اتبع هنا متعدى تبعه اذا مربه فمضى معه ‌او‌ مشى خلفه ‌من‌ غير ريث ‌و‌ لبث فموقع ثم هنا موقعها ‌من‌ قوله:
 كهز الردينى تحت العجاج
 جرى ‌فى‌ الانابيب ثم اضطرب
 فان الهزمتى جرى ‌فى‌ انابيب الرمح يعقبه الاضطراب ‌و‌ لم يتراخ عنه.
 ‌و‌ الانابه الى الله تعالى: الرجوع اليه بالتوبه ‌و‌ اخلاص العمل ‌و‌ منه: «و انيبوا  الى ربكم ‌و‌ اسلموا له».
 ‌و‌ التذلل: تفعل ‌من‌ الذل، ‌و‌ ‌هو‌ خلاف العز، ‌و‌ التفعل هنا اما للتكلف كانه قهر نفسه على ذلك، ‌او‌ للاعتقاد ‌اى‌ اعتقد ‌فى‌ نفسه انها ذليله كما يقال: ‌فى‌ ضده تكبر: ‌اى‌ اعتقد ‌فى‌ نفسه انها كبيره.
 ‌و‌ الاستكانه: الخضوع ‌و‌ التضرع، ‌و‌ منه: «فما استكانوا لربهم ‌و‌ ‌ما‌ يتضرعون» ‌و‌ هى اما استفعاله ‌من‌ الكون لان الخاضع ينتقل ‌من‌ كون الى كون، فمعناها طلب الكون على صفه الخضوع ‌و‌ افتعاله ‌من‌ السكون اشبعت فتحتها فنشات منها الف كمنشراح ‌فى‌ منشرح، ‌و‌ قد اسلفنا الكلام على ذلك بابسط ‌من‌ هذا فليرجع اليه.
 ‌و‌ حسن الظن ‌به‌ تعالى: عباره عن رجاء الفوز بالسعاده الابديه ‌و‌ الخلاص ‌من‌ الشقاوه السرمديه، ‌و‌ ترقب النعم الدنيويه ‌و‌ الاخرويه ‌من‌ فضله ‌و‌ رحمته وجوده ‌و‌ كرمه، ‌لا‌ بمحض العمل ‌و‌ مجرد السعى فان العمل ‌و‌ ‌ان‌ بلغ ‌حد‌ الكمال قاصر ‌فى‌ جناب عزته ناقص ‌فى‌ ازاء عظمته لايوجب الوصول الى كمال قربه ‌و‌ الفوز بجلائل نعمه.
 ‌و‌ الثقه بما عنده: عباره عن الاعتماد على ‌ما‌ عنده ‌من‌ خزائن رحمته الدنيويه ‌و‌ الاخرويه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌لا‌ يكمل ايمان احدكم حتى يكون بما عند الله اوثق منه بما ‌فى‌ يده.
 ‌و‌ شفعت الشى ء شفعا ‌من‌ باب- نفع-: ضممته الى الفرد، ‌اى‌ ‌و‌ ضممت ذلك الى رجائك الذى لايخيب عليه راجيك.
 ‌و‌ ‌قل‌ هنا: ‌فى‌ معنى النفى، ‌و‌ كثيرا ‌ما‌ يقصد بالقليل النفى ‌من‌ حيث ‌ان‌ القليل اقرب شى ء الى النفى فيقوم مقامه.
 
و «ما» كافه لقل عن طلب فاعل ‌و‌ لذلك وليها الفعل ‌و‌ ‌هو‌ لازم لها ‌فى‌ غير الضروره.
 قال ‌فى‌ الهمع: ‌و‌ ‌من‌ الفعل الجامد «قل» للنفى المحض فترفع متلوا بصفه مطابقه له نحو: ‌قل‌ رجل يقول ذلك، ‌و‌ ‌قل‌ رجلان يقولان ذلك، بمعنى ‌ما‌ رجل ‌و‌ تكف عنه بما الكافه فلا يليها غير فعل اختيارا ‌و‌ ‌لا‌ فاعل لها لانه اجرى بها مجرى حرف النفى: قلما قام زيد ‌و‌ قد يليها الاسم ضروره كقوله:
 صددت ‌و‌ اطولت الصدود ‌و‌ قلما
 وصال على طول الصدود يدوم
 انتهى.
 ‌و‌ «على» ‌من‌ قوله: «عليه» بمعنى مع ‌اى‌ لايخيب مع كقولهم فلان على جلالته يقول كذا، ‌اى‌ معها، ‌و‌ منه: «و آتى المال على حبه» ‌و‌ الله اعلم.
 
السئوال: استدعاء مطلوب، يقال: سالت الله العافيه سئوالا ‌و‌ مساله ‌اى‌ استدعيتها ‌و‌ طلبتها، ‌و‌ لما كان الغرض الاعلام بمجرد ايقاع السئوال منه عليه السلام له تعالى على هذا الوجه، اقتصر عليه ‌و‌ لم يذكر المفعول الثانى ‌و‌ ‌هو‌ متعلق السئوال، ‌و‌ ليس ‌هو‌ محذوف ‌و‌ ‌لا‌ منويا بل الفعل المتعدى الى اثنين نزل منزله المتعدى الى واحد لهذا القصد كما ينزل المتعدى الى واحد منزله اللازم لهذا الغرض، ‌و‌ قد مر  لذلك نظائر كثيره ‌و‌ نبهنا عليه غير مره ‌و‌ منه: «ربى الذى يحيى ‌و‌ يميت».
 ‌و‌ حقر الشى ء بضم العين حقاره: هان قدره فلا يعبا ‌به‌ فهو حقير.
 ‌و‌ ذل ذلا بالضم: هان ‌و‌ ضعف فهو ذليل.
 ‌و‌ بئس بالكسر يباس ‌من‌ باب- تعب- بوسا بالضم: اذا نزل ‌به‌ الضر فضرع له فهو بائس.
 ‌و‌ فقر يفقر ‌من‌ باب- تعب- فقرا: احتاج فهو فقير.
 ‌و‌ الخوف: توقع مكروه عن اماره مظنونه ‌او‌ معلومه ‌و‌ يقال: خاف يخاف خوفا ‌و‌ خيفه ‌و‌ مخافه.
 ‌و‌ استجار: طلب ‌ان‌ يجار، ‌اى‌ يحمى ‌من‌ مكروه يناله فهو مستجير، ‌و‌ مع ذلك خيفه ‌و‌ تضرعا متعلق بمضمر معطوف على قوله عليه السلام «و سالتك»، ‌اى‌ ‌و‌ دعوتك مع ذلك خيفه ‌و‌ تضرعا بدليل: «و ادعوه خوفا ‌و‌ طمعا» «ادعوا ربكم تضرعا» فحذف الفعل كما حذف ‌من‌ قوله تعالى: «و الذين تبوء ‌و‌ الدار ‌و‌ الايمان» ‌اى‌ ‌و‌ اعتقدوا الايمان، ‌و‌ قوله: علفتها تبنا ‌و‌ ماء باردا، ‌اى‌ ‌و‌ سقيتها ماء، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المضمر ‌من‌ لفظ المذكور، ‌اى‌ وسالتك مع ذلك خيفه ‌و‌ تضرعا كقوله تعالى: «و الى عاد اخاهم هودا» ‌اى‌ ‌و‌ ارسلنا الى عاد عطفا على قوله: «لقد ارسلنا نوحا» ‌و‌ مع ذلك ‌اى‌ مصموما اليه كما تقول: افعل هذا مع هذا، ‌اى‌ مجموعا اليه ‌و‌ ذلك اشاره الى المعنى المذكور ‌من‌ سئواله له تعالى مساله الحقير الذليل.
 قال الرضى: يجوز ‌فى‌ المعنى الحاضر اذا تقدم ذكره ذكر اسم الاشاره بلفظ  الغيبه ‌و‌ البعد تقول: ‌و‌ الله الطالب الغالب، ‌و‌ ذلك قسم عظيم ‌لا‌ فعلن.
 ‌و‌ انما جاز ذلك لان المعنى ‌لا‌ يدركه الحس حتى يشار اليه اشاره حسيه فهو ‌فى‌ حكم الغائب البعيد.
 ‌و‌ الخيفه: الخوف، ‌و‌ التضرع: الخضوع ‌و‌ الابتهال ‌و‌ المبالغه ‌فى‌ الرغبه ‌و‌ السئوال.
 ‌و‌ التعوذ ‌و‌ التلوذ: تفعل ‌من‌ عاذبه ولاذ، ‌اى‌ اعتصم ‌به‌ ولجا اليه، ‌و‌ صيغه التفعل للمبالغه، ‌و‌ اصلها التكلف فان ‌من‌ تكلف شيئا التمسه بجهده.
 ‌و‌ «لا» ‌من‌ قوله عليه السلام: «لا مستطيلا» اما عاطفه ‌ان‌ جعلنا خيفه ‌و‌ ‌ما‌ عطف عليها احوالا كما ‌هو‌ مذهب سيبويه ‌فى‌ نحو: جاء زيد ركضا، ‌اى‌ راكضا.
 قال ابن هشام ‌و‌ يويده قوله تعالى: «ائتيا طوعا ‌او‌ كرها قالتا اتينا طائعين» فجاءت الحال ‌فى‌ موضع المصدر السابق ذكره، انتهى.
 فيكون: ‌لا‌ مستطيلا ‌من‌ باب عطف الحال على الحال كقولك: جاء زيد راكبا ‌لا‌ ماشيا، ‌و‌ اما لمجرد النفى ‌ان‌ جعلنا خيفه ‌و‌ ‌ما‌ بعدها منصوبا على المصدريه على ‌حد‌ جاء زيد رغبه، ‌اى‌ يرغب رغبه ‌او‌ مجيئى رغبه فيكون «لا مستطيلا» حالا موكده لمضمون الكلام السابق نحو: «و ‌لا‌ تعثوا ‌فى‌ الارض مفسدين».
 ‌و‌ استطال استطاله: علا ‌و‌ ترفع كتطاول، يقال: ‌هو‌ يستطيل على الناس ‌و‌ يتطاول.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: «لا متسلطا» ‌من‌ تسلط بمعنى تمكن ‌و‌ تحكم.
 ‌و‌ تعالى تعاليا تكلف العلو ‌و‌ بالغ فيه ‌او‌ اعتقد ‌فى‌ نفسه العلو كتكبر بمعنى اعتقد ‌فى‌ نفسه انها كبيره.
 
و الداله اسم ‌من‌ ادل فلان على قريبه ‌و‌ على ‌من‌ له منزله عنده، ‌اى‌ انبسط ‌و‌ اجترء عليه ثقه بمحبته ‌و‌ منزلته عنده.
 ‌و‌ الشفاعه: الانضمام الى آخر ناصرا له ‌و‌ مانعا عنه ‌و‌ اكثر ‌ما‌ تستعمل ‌فى‌ انضمام ‌من‌ ‌هو‌ اعلى مرتبه الى ‌من‌ ‌هو‌ ادنى، ‌و‌ منه الشفاعه ‌فى‌ القيامه قال تعالى: «فما تنفعهم شفاعه الشافعين» ‌اى‌ لايشفع لهم.
 
قوله عليه السلام: «و انا بعد» جمله مستانفه استئنافا نحويا.
 ‌و‌ «بعد»: ظرف زمان مقطوع عن الاضافه مبنى على الضم ‌و‌ الاصل بعد ذلك، ‌اى‌ بعد ‌ما‌ ذكر ‌من‌ الكون على الاحوال ‌و‌ الصفات الناشئه عن التواضع، فحذف المضاف اليه ‌و‌ نوى معناه فبنى على الضم لمشابهته الحرف ‌من‌ حيث تضمنه معنى الاضافه الذى ‌هو‌ معنى الحرف، ‌و‌ انما بنى على الحركه دون السكون ليعلم ‌ان‌ له اصلا ‌فى‌ الاعراب، ‌و‌ كانت ضمته جبرا باقوى الحركات لما لحقه ‌من‌ الوهن بحذف المضاف اليه مع ‌ان‌ معناه مقصود.
 ‌و‌ اقل الاقلين: ‌من‌ القله بمعنى الذله ‌و‌ الصغار، يقال: فلان يقل عن ذلك: ‌اى‌ يصغر عنه ‌و‌ يحقر.
 قال الراغب: يكنى بالقله عن الذله اعتبارا بما قال الشاعر:
 ‌و‌ لست بالاكثر منهم حصى
 ‌و‌ انما العزه للكاثر
 ‌و‌ على ذلك قوله تعالى: «و اذكروا اذ انتم قليل».
 ‌و‌ اذل الاذلين: عطف مفاده التاكيد ‌و‌ التفسير للمعطوف عليه.
 ‌و‌ الذره واحده الذر: ‌و‌ ‌هو‌ اصغر النمل، ‌و‌ بها فسر قوله تعالى: «فمن يعمل مثقال ذره خيرا يره» الايه.
 
و قيل: الذره ‌ما‌ يرى ‌فى‌ عين الشمس ‌من‌ الهباء.
 ‌و‌ عن ابن عباس: اذا وضعت راحتك على الارض ثم رفعتها فكل واحد مما لزق بها ‌من‌ التراب مثقال ذره ‌و‌ كل ‌من‌ هذه المعانى يصح حمل عباره الدعاء عليه.
 ‌و‌ «او» هنا للاضراب عند ‌من‌ اثبته، ‌اى‌ بل انا دونها.
 قال الرضى: ‌و‌ تجيى ء «او» للاضراب بمعنى بل فلا يكون بعدها الا الجمل فلا تكون حرف عطف بل حرف استيناف ‌و‌ جعل منه قوله تعالى: «كلمح البصر ‌او‌ ‌هو‌ اقرب» قال اخبر تعالى اولا بانه كلمح البصر بناء على ‌ما‌ يقول الناس ‌فى‌ التحديد، ثم اخذ ‌فى‌ التحقيق فاضرب عما يغلط فيه غيره فقال: ‌او‌ ‌هو‌ اقرب ‌اى‌ بل اقرب، انتهى بالمعنى.
 ‌و‌ على هذا فقوله عليه السلام: «اودونها» اضراب عن التشبيه بالذره لكن ‌لا‌ على الوجه المقرر ‌فى‌ الايه، بل على انه شبه نفسه ‌فى‌ الحقاره بالذره اولا ثم بداله فاضرب عنه ‌و‌ ابطله، فقال: «اودونها» ‌اى‌ بل انا دونها مبالغه ‌فى‌ تحقير نفسه ‌و‌ اغراقا ‌فى‌ التواضع له تعالى، ‌و‌ اما عند ‌من‌ لايرى ورود ‌او‌ للاضراب فهى اما للتخيير عند ‌من‌ لايشترط كونها حينئذ بعد امر ‌او‌ ‌فى‌ معناه ‌او‌ للترديد فمعنى التخيير هنا انه بلغ ‌من‌ الحقاره مبلغا بحيث اذا ‌لا‌ حظه ‌و‌ قدره كان له ‌ان‌ يقول: انا مثل الذره، ‌و‌ كان له ‌ان‌ يقول: انا دونها، ‌و‌ معنى الترديد انه عرف ‌من‌ حقاره حاله تردد فيها انا مثل الذره اودونها، ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ الحمل على الاضراب اولى فقد اثبته الثقاه ‌و‌ شهد ‌به‌ الاستعمال ‌و‌ دلت عليه القرينه هنا، اعنى قوله: «و انا بعد اقل الاقلين» فكان الغرض الترقى ‌فى‌ مراتب الحقاره الى غايتها ‌و‌ ‌هو‌ كونه دون الذره الذى ‌لا‌ ادون منه  و نصب «دونها» على الظرفيه ‌و‌ معناه خلاف فوق ‌و‌ ‌هو‌ هنا واقع موقع الخبر ‌و‌ العامل فيه الاستقرار ‌و‌ التقدير ‌او‌ انا كائن دونها ‌و‌ الله اعلم.
 «الفاء»: للاستئناف ‌و‌ الجمله بعدها مستانفه.
 ‌و‌ عاجله الله بذنبه: اخذه ‌به‌ ‌و‌ لم يمهله.
 ‌و‌ النده: الزجر ‌و‌ الرد، يقال: ندهته ندها ‌من‌ باب- نفع-.
 قال الجوهرى: ندهت البعير اذا زجرته عن الحوض ‌و‌ غيره، ‌و‌ ندهت الابل سقتها مجتمعه، ‌و‌ كان طلاق الجاهليه، اذهبى فلا انده ‌سر‌ بك، ‌اى‌ ‌لا‌ ارد ابلك لتذهب حيث شاءت انتهى.
 ‌و‌ قيل: النده الزجر بصه ‌و‌ مه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: نده البعير زجره ‌و‌ طرده بالصياح.
 ‌و‌ المترفين جمع مترف بفتح الراء المهمله اسم مفعول ‌من‌ اترفه اترافا: ‌اى‌ نعمه، ‌او‌ ‌من‌ اترفته النعمه: ‌اى‌ اطغته.
 قال النيسابورى: المترف ‌فى‌ اللغه: المنعم الذى قد ابطرته النعمه وسعه العيش.
 
و قال ابن عرفه: المترف المتروك يصنع ‌ما‌ يشاء لايمنع منه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ المتنعم لايمنع ‌من‌ تنعمه، ‌و‌ يطلق المترفون على الملوك ‌و‌ الجبارين ايضا لانهم المتنعمون الذين لايمنعون ‌من‌ تنعمهم ‌و‌ ‌لا‌ يزجرون عما شاووا ‌ان‌ يصنعوه ‌و‌ المراد بهم هنا ‌ما‌ يعم الجميع، ‌و‌ المعنى انه تعالى املى لهم ‌و‌ امهلهم فلا يزجرهم عن تنعمهم، ‌و‌ عن صنعهم ‌ما‌ شاووا.
 ‌و‌ ‌من‌ عليه بكذا منا ‌من‌ باب- قتل-: انعم ‌و‌ تفضل.
 ‌و‌ اقال الله عثرته اقاله: سامحه بذنبه ‌و‌ غفر زلته، ‌و‌ اصله ‌من‌ يرفع العاثر ‌من‌ سقوطه، ‌و‌ قيل: للزله: عثره لانها سقوط ‌فى‌ الاثم.
 ‌و‌ الانظار: الامهال ‌و‌ التاخير ‌و‌ منه: «انظرنى الى يوم يبعثون» ‌اى‌ امهلنى ‌و‌ اخرنى.
 ‌و‌ الخاطى ء: اسم فاعل ‌من‌ خطا خطا ‌من‌ باب- علم-.
 قال ابوعبيده: خطا ‌و‌ اخطا بمعنى واحد، لمن يذنب على غير عمد.
 ‌و‌ قال غيره: خطى ء ‌فى‌ الدين ‌و‌ اخطا ‌فى‌ كل شى ء عامدا كان ‌او‌ غير عامد، ‌و‌ قيل: خطى ء اذا تعمد ‌ما‌ نهى عنه فهو خاطى ء، ‌و‌ اخطا اذا اراد الصواب فصار الى غيره.
 ‌و‌ هذا المعنى انسب بعباره الدعاء ‌من‌ الاولين.
 
و المسى ء اسم فاعل ‌من‌ اساء ‌فى‌ فعله، اذا فعل سوء ‌او‌ ‌هو‌ كل ‌ما‌ يقبح.
 ‌و‌ اعترف بالشى ء: اقربه على نفسه.
 
و الخاطى: المتعمد للذنب كما عرفت.
 ‌و‌ العاثر: الساقط ‌فى‌ الاثم ‌من‌ عثر يعثر عثرا ‌و‌ عثارا ‌و‌ عثورا ‌من‌ باب- قتل- اذا سقط ‌فى‌ ثوبه ‌و‌ نحوه ‌و‌ ‌هو‌ ماش.
 
و اقدم على قرنه اقداما: اجترء فيكون مجترئا حالا موكده لعاملها.
 ‌و‌ ‌فى‌ المصباح: اقدم على العيب اقداما كنايه عن الرضا به، ‌و‌ قدم عليه يقدم ‌من‌ باب- تعب- مثله.
 ‌و‌ على ذلك فمجترئا حال مبينه لهيئه صاحبها.
 
و عصى العبد مولاه عصيا ‌من‌ باب- رمى- ‌و‌ معصيه: خرج عن طاعته ‌و‌ الاسم العصيان.
 ‌و‌ تعمدت الشى ء: قصدت اليه.
 قال الراغب: ‌و‌ التعمد ‌فى‌ التعارف خلاف السهو، ‌و‌ ‌هو‌ المقصود بالنيه.
 
و الاستخفاء: طلب الاختفاء ‌و‌ ‌هو‌ الاستتار.
 ‌و‌ العباد جمع عبد: ‌و‌ ‌هو‌ الانسان حرا كان ‌او‌ رقيقا.
 قال صاحب المحكم: يذهب ‌به‌ ‌فى‌ ذلك الى انه مربوب لباريه ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌
 ‌و‌ لذلك قال الراغب: الناس كلهم عباد الله بل الاشياء كلها كذلك.
 ‌و‌ المبارزه: مفاعله ‌من‌ البروز، يقال: برز بروزا: اذا خرج الى البراز بالفتح ‌و‌ ‌هو‌ الفضاء، ‌و‌ بارز قرنه مبارزه برز اليه ‌و‌ خرج للقائه.
 
وهابه يهابه ‌من‌ باب- تعب- هيبه ‌و‌ مهابه: حذره ‌و‌ خافه.
 ‌و‌ الامن: عدم الخوف ‌و‌ طمانينه النفس، يقال: آمنه ‌و‌ امن منه ‌من‌ باب- تعب- امنا ‌و‌ امانا اذا سكنت نفسه منه ‌و‌ لم تخش له ضررا.
 
و رهب رهبا ‌من‌ باب- تعب-: خاف ‌و‌ الاسم الرهبه، ‌و‌ قيل: الرهب ‌و‌ الرهبه: مخافه مع تحرز ‌و‌ اضطراب.
 وسطا عليه ‌و‌ ‌به‌ يسطو سطوا ‌و‌ سطوه: وثب عليه ‌و‌ رفع يده فبطش ‌به‌ ‌و‌ قهره ‌و‌ اذله، ‌و‌ اصله ‌من‌ سطا الفرس على الرمكه اذا قام على رجليه رافعا يديه لينزوا عليها.
 ‌و‌ الباس: شده النكايه ‌و‌ فرط القوه ‌فى‌ الاضرار، ‌و‌ منه: «و الله اشد باسا» ‌و‌ قد بوس يبوس مثل قرب يقرب باسا بالفتح.
 
و جنى على نفسه ‌من‌ باب «رمى» جنايه: اذنب ذنبا يواخذ ‌به‌ ‌و‌ اصله ‌من‌ جنيت الثمره اذا قطفتها.
 
و المرتهن بضم الميم ‌و‌ فتح الهاء: اسم مفعول بمعنى مرهون ‌من‌ الرهن ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ وضع وثيقه للدين، ‌و‌ لما كان الرهن محتبسا ‌فى‌ يد المرتهن استعير ذلك للمحتبس، ‌اى‌ شى ء كان ‌و‌ منه: «كل امرء بما كسب رهين».
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: فلان رهن بكذا ‌و‌ رهين ‌و‌ رهينه ‌و‌ مرتهن ‌به‌ ماخوذ به.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: «مرتهن» بالكسر ‌و‌ ‌هو‌ اسم فاعل ‌من‌ ارتهن لازما بمعنى احتبس مطاوع حبسه كانه ضمن معناه.
 
و فلان قليل الحياء: ‌اى‌ ‌لا‌ حياء له، كما يقال: قليل الخير: ‌اى‌ لايكاد يفعله، ‌و‌ الاصل قليل حياوه ‌و‌ قليل خيره، ‌و‌ قد اسلفنا وجه اطلاق القله على العدم قبل هذا.
 ‌و‌ لما كان الرادع عن المساوى ‌و‌ القبائح ‌هو‌ الحياء سلبه عن نفسه، ‌و‌ غرضه الاعتراف بانه فعل مادعته اليه نفسه ‌و‌ هواه ‌من‌ القبيح ‌و‌ ارتكاب المعاصى، اذا
 
كان متخلعا عن الحياء المانع ‌من‌ ذلك، كما ورد ‌فى‌ الحديث المشهور: اذا لم تستحى فاصنع ‌ما‌ شئت، ‌و‌ انا استغفر الله تعالى ‌من‌ التفوه بهذه الاعتبارات ‌فى‌ شرح كلامه عليه السلام، ‌و‌ حاشا جنابه الشريف ‌من‌ التفريط بالسهو ‌و‌ النسيان فضلا عن الاثم ‌و‌ العصيان، ‌و‌ لكن ‌حل‌ الفاظ العباره موجب لهذا البيان، ‌و‌ انا اشهد الله باعتقاد عصمته ‌و‌ الاقرار بها بالقلب ‌و‌ اللسان.
 
و طال الشى ء يطول طولا بالضم: امتد.
 ‌و‌ العناء: بالفتح ‌و‌ المد: النصب ‌و‌ التعب، يقال: عنى كتعب وزنا ‌و‌ معنى، ‌و‌ المراد بطول عنائه اما ‌فى‌ الدنيا فبالاهتمام بما اكتسب ‌و‌ طول الفكر ‌فى‌ الارتهان بما جنى ‌و‌ كثره الخشيه ‌و‌ الاضطراب مما اقترف ‌و‌ القدوم على ‌ما‌ قدم، ‌و‌ اما ‌فى‌ الاخره فبالوقوع ‌فى‌ جزاء ‌ما‌ اسلف ‌و‌ عقاب ‌ما‌ اجرم ‌ان‌ لم يتغمده الله بغفرانه ‌و‌ الله اعلم.
 
«الباء» للقسم الاستعطافى، ‌و‌ ‌هو‌ الموكد لجمله طلبيه نحو: بالله هل قام زيد؟ ‌اى‌ اسالك مستحلفا بالله، ‌و‌ التقدير هنا اسالك بحق ‌من‌ انتجبت مستحلفا هكذا.
 قال كثير ‌من‌ النحويين منهم ابن جنى، ‌و‌ ابن مالك، ‌و‌ الرضى، ‌و‌ ابن هشام، ‌و‌ اكثر المتاخرين على ذلك، ‌و‌ المغاربه ‌و‌ جماعه لايسمون ذلك قسما بل استعطافا، لان القسم لايجاب الا بجمله خبريه ‌و‌ هذا ايجاب بالطلب.
 ‌و‌ وجهه ‌ان‌ القسم يتعلق ‌به‌ الحنث ‌و‌ البر ‌و‌ لايتحقق ذلك الا فيما يدخله الصدق ‌و‌ الكذب، ‌و‌ لهذا لايقولون: اقسم بالله هل قام زيد. ‌و‌ ممن ذهب الى ذلك
 
الزمخشرى فانه قال ‌فى‌ تفسير قوله تعالى: «رب بما انعمت على فلن اكون ظهيرا للمجرمين» «بما انعمت على» يجوز ‌ان‌ يكون قسما جوابه محذوف تقديره اقسم بانعامك على بالمغفره لاتوبن فلن اكون ظهيرا للمجرمين.
 ‌و‌ ‌ان‌ يكون استعطافا كانه قال: ربى اعصمنى بحق ‌ما‌ انعمت ‌به‌ على ‌من‌ المغفره فلن اكون ‌ان‌ عصمتنى ظهيرا للمجرمين فجعل الاستعطاف قسيما للقسم فدل انه ليس عنده بقسم ‌و‌ على هذا فالتقدير: اسالك بحق ‌من‌ انتجبت متوسلا، ‌و‌ المراد بحقهم ‌ما‌ ثبت لهم عنده تعالى ‌من‌ المنزله ‌و‌ الرتبه الرفيعه ‌و‌ الثواب الذى وجب لهم بوعده الحق.
 ‌و‌ الانتجاب ‌و‌ الاصطفاء ‌و‌ الاختيار ‌و‌ الاجتباء كلها بمعنى واحد، ‌و‌ ‌هو‌ عائد الى افاضته كمال الرئاسه العامه عليهم ‌و‌ اختصاصهم بمزيد القرب ‌و‌ الزلفى لديه سبحانه بحسب ‌ما‌ وهبته لهم العنايه الالهيه ‌من‌ القبول ‌و‌ الاستعداد.
 ‌و‌ وصلت طاعته بطاعتك: ‌اى‌ جعلت طاعته متصله بطاعتك متحده بها، فان اصل الاتصال اتحاد الاشياء بعضها ببعض كاتحاد طرفى الدائره، ‌و‌ المعنى انك حكمت بان ‌من‌ اطاعه فقد اطاعك كما قال تعالى: «من يطع الرسول فقد اطاع الله».
 
و جعلت معصيته كمعصيتك: ‌اى‌ مثلها ‌فى‌ النهى عنها ‌و‌ ترتب العقاب عليها.
 ‌و‌ قرنت موالاته بموالاتك: ‌اى‌ جمعت بين محبته ‌و‌ محبتك يقال: قرنت البعير بالبعير ‌من‌ باب- قتل- ‌و‌ ‌فى‌ لغه ‌من‌ باب- ضرب- اذا جمعت بينهما ‌فى‌ قران ‌و‌ ‌هو‌ الحبل، ‌و‌ منه قرن بين الحج ‌و‌ العمره.
 ‌و‌ نطت الشى ء بالشى ء نوطا ‌من‌ باب- قال- علقته به، ‌اى‌ جعلت معاداته منوطه بمعاداتك فمن عاداه عاداك.
 فان قلت: كيف فصل بين هذه الجمل ‌و‌ لم يعطف بعضها على بعض مع اقتضاء التناسب فيها للعطف؟.
 قلت: انما لم يعطف بينها لكمال الاتصال اذ ‌لا‌ مغايره هناك تقتضى الربط بالعاطف فان الفقره الثانيه مع معطوفها بعد الاولى بمنزله التاكيد اللفظى للاولى مع معطوفها لاتحاد المعنى فيهما، ‌و‌ الفقره الثالثه ‌و‌ معطوفها اعنى قوله: «بحق ‌من‌ وصلت طاعته بطاعتك» الى آخره، بمنزله البدل مما قبلها لانها اوفى بتاديه المراد لدلالتها على انزاله تعالى لهم منزله نفسه ‌فى‌ الطاعه ‌و‌ العصيان، فهى تدل على الاجتباء ‌و‌ الاصطفاء ‌و‌ نحوهما مع زيادتها تسويتهم له بنفسه، ‌و‌ ‌هو‌ يدل على كمال القرب ‌و‌ المكانه منه تعالى.
 ‌و‌ اما الفقره الرابعه مع معطوفها، اعنى قوله: ‌من‌ قرنت موالاته بموالاتك فهى بمنزله التاكيد لما قبلها كما مر، ‌و‌ يختمل ‌ان‌ يكون اخلاوهما عن العاطف ‌و‌ تجريد هما عن الرابط اللفظى لقصد ايرادها على منهاج التعديد كقوله تعالى: «الرحمن علم القرآن: خلق الانسان علمه البيان» ‌و‌ كقول الشاعر:
 بحق الوفاء بالود بالشيمه التى
 عرفت بها بالجود بالكرم الجم
 
بتلك الخصال الاشرفيات بالنهى
 بعزتك العليا على قمه النجم
 بذاك المحيا الهش بالمنطق الشهى
 بما فيك ‌من‌ خلق رضى ‌و‌ ‌من‌ عزم
 اجرنى ‌من‌ التكليف ‌و‌ اقبل تحيتى
 بتقبيل ارض لم تزل منتهى همى
 قوله عليه السلام: «تغمدنى ‌فى‌ هذا اليوم» هذه هى الجمله المجاب بها القسم عند ‌من‌ يرى ‌ان‌ ذلك قسم ‌و‌ المستعطف لاجلها عند ‌من‌ يراه مجرد استعطاف.
 ‌و‌ تغمده الله برحمته: غشاه بها ‌و‌ جلله كما يغشى السيف بالغمد ‌و‌ ‌هو‌ القراب.
 ‌و‌ «الباء» ‌من‌ قوله: «بما تتغمد» للاستعانه كانه جعل المتغمد ‌به‌ آله للتغمد كما ‌ان‌ الغمد آله لغمد السيف ‌و‌ ستره.
 ‌و‌ اما ‌ما‌ قيل انها للتعديه بمعناها الخاص، ‌و‌ هى الداخله على ‌ما‌ ‌هو‌ فاعل متعلقها ‌فى‌ المعنى، اذ يصح ‌ان‌ يقال: تغمده عفو الله ‌فى‌ مكان تغمده الله بعفوه.
 فسهو ظاهر، لان اسناد التغمد للعفو ‌فى‌ تغمده عفو الله مجاز كاسناد كل فعل الى آلته الا ترى انه يقال: ‌فى‌ كتبت بالقلم ‌و‌ قطعت بالسكين كتبت القلم، ‌و‌ قطعت السكين على سبيل المجاز، مع ‌ان‌ الباء ‌فى‌ كتبت بالقلم، ‌و‌ قطعت بالسكين، للاستعانه بالاجماع ‌و‌ تسمى باء الاله ‌و‌ باء التعديه بمعناها الخاص، انما تدخل على الفاعل حقيقه فتصيره مفعولا نحو: ذهب زيد ‌و‌ ذهبت به، ‌و‌ قام زيد ‌و‌ قمت به، فالقول بانها للتعديه خطا محض.
 ‌و‌ جار يجار جارا ‌من‌ باب- نفع- ‌و‌ جوارا بالضم مهموز العين ‌فى‌ الكل: ضبح ‌و‌ رفع صوته بالدعاء، ‌و‌ تضرع ‌و‌ استغاث تشبيها بجوار الوحشيات كالظبى ‌و‌ البقر ‌و‌ ‌هو‌ صياحها ‌و‌ منه: «فاليه تجارون».
 ‌و‌ تنصل ‌من‌ ذنبه: خرج ‌و‌ تبرء.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: نصل علينا فلان اذا خرج ‌من‌ طريق ‌او‌ ظهر ‌من‌
 
حجاب ‌و‌ منه: تنصل ‌من‌ ذنبه.
 ‌و‌ ‌فى‌ النهايه: فيه ‌من‌ تنصل اليه اخوه فلم يقبل ‌اى‌ انتفى ‌من‌ ذنبه ‌و‌ اعتذر.
 ‌و‌ عاذ باستغفارك: ‌اى‌ اعتصم ‌به‌ حال كونه تائبا.
 
و تولاه الله بحفظه وليه ‌به‌ وقام عليه بحفظه ‌من‌ وليه ‌و‌ تولاه اذا قام ‌به‌ ‌و‌ المعنى: ‌كن‌ متوليا اياى بما تكون متوليا ‌به‌ اهل طاعتك.
 ‌و‌ الزلفى بالضم: الحظوه ‌و‌ القرب.
 ‌و‌ المكانه: المنزله يقال: لفلان مكانه عند السلطان: ‌اى‌ منزله.
 
و توحده الله بكذا: ‌اى‌ قام له ‌به‌ وحده تعالى ‌من‌ غير واسطه ‌او‌ وكول له الى غيره، يقال: توحده الله بعصمته اى: عصمه وقام بحفظه ‌و‌ لم يكله الى غيره، ‌و‌ توهم بعض المترجمين ‌ان‌ معنى توحدنى اجعلنى واحدا منفردا، ‌اى‌ افردنى بما تفرد به، ‌من‌ ‌و‌ ‌فى‌ بعهدك ‌و‌ ‌هو‌ ‌و‌ ‌هم‌ محض فاحذره.
 ‌و‌ وفى بالعهد: اذا اتمه ‌و‌ لم ينقضه ‌و‌ لم يهمل حفظه، ‌و‌ العهد: الوصيه ‌و‌ الموثق.
 قال الراغب: العهد: حفظ الشى ء ‌و‌ مراعاته حالا بعد حال ‌و‌ سمى الموثق الذى يلزم مراعاته عهدا، قال تعالى: «و اوفوا بالعهد» ‌اى‌ اوفوا بحفظ الايمان.
 ‌و‌ عهد الله تاره يكون بما ركزه ‌فى‌ عقولنا، ‌و‌ تاره يكون بما امرنا ‌به‌ بكتابه ‌و‌ بالسنه رسله، ‌و‌ تاره بما تلتزمه ‌و‌ ليس بلازم ‌فى‌ اصل الشرع كالنذر ‌و‌ ‌ما‌ يجرى مجراه.
 ‌و‌ قيل: عهد الله تعالى: الايمان ‌به‌ ‌و‌ الطاعه له، فانه تعالى عهد الى عباده ‌ان‌ يومنوا ‌به‌ ‌و‌ يطيعوه بنصب الدلائل ‌و‌ ارسال الرسل ‌و‌ انزال الكتب ‌و‌ للوفاء ‌به‌ عرض عريض، فاول مراتبه الاتيان بكلمتى الشهاده، ‌و‌ آخرها الاستغراق ‌فى‌ بحر التوحيد
 
بحيث يغفل العبد عن نفسه فضلا عن غيره.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: المراد بعهد الله تعالى ‌ما‌ ركز ‌فى‌ عقول الخلق ‌من‌ الحجه على التوحيد، كانه امر ‌و‌ صاهم ‌به‌ ‌و‌ وثقه عليهم ‌و‌ ‌هو‌ معنى قوله تعالى: «و اشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى». ‌و‌ قيل: عهود الله الى خلقه ثلاثه:
 عهد اخذه على جميع ذريه آدم ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يقروا بربوبيته ‌و‌ ‌هو‌ قوله تعالى: «و اذ اخذ ربك» الايه.
 ‌و‌ عهد خص ‌به‌ النبيين ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يبلغوا الرساله ‌و‌ يقيموا الدين ‌و‌ لايتفرقوا فيه ‌و‌ ‌هو‌ قوله: «و اذ اخذنا ‌من‌ النبيين ميثاقهم» الايه.
 ‌و‌ عهد خص ‌به‌ العلماء ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يبينوا الحق ‌و‌ ‌لا‌ يكتموه ‌و‌ ‌هو‌ قوله: «و اذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ‌و‌ لاتكتمونه».
 قوله عليه السلام: «و اتعب نفسه ‌فى‌ ذاتك» ‌اى‌ ‌فى‌ حقك ‌و‌ المراد: طاعتك ‌و‌ عبادتك كقوله: «فى جنب الله».
 قال البيضاوى: ‌اى‌ ‌فى‌ حقه ‌و‌ ‌هو‌ طاعته، ‌و‌ قيل: ‌فى‌ ذاته على تقدير مضاف كالطاعه انتهى.
 ‌و‌ فيه شاهد على صحه استعمال ذات الشى ء بمعنى حقيقته ‌و‌ خاصته ‌و‌ ‌ان‌ انكر ذلك جماعه ‌من‌ العلماء.
 قال الراغب: ذو لفظ يتوصل ‌به‌ الى الوصف باسماء الاجناس ‌و‌ الانواء، ‌و‌ يضاف الى الظاهر دون المضمر، ‌و‌ يثنى ‌و‌ يجمع، ‌و‌ يقال: ‌فى‌ المونث ذات، ‌و‌ قد استعار اصحاب المعانى الذات فجعلوها عباره عن عين الشى ء جوهرا كان ‌او‌ عرضا، ‌و‌ استعملوها مفرده ‌و‌ مضافه الى المضمر بالالف ‌و‌ اللام، ‌و‌ اجروها مجرى
 
النفس، ‌و‌ الخاصه فقالوا: ذاته ‌و‌ نفسه ‌و‌ خاصته ‌و‌ ليس ذلك ‌من‌ كلام العرب انتهى.
 ‌و‌ قال ابن برهان: قول المتكلمين ذات الله جهل لان اسماءه تعالى لاتلحقها تاء التانيث فلا يقال: علامه ‌و‌ ‌ان‌ كان اعلم العالمين قال: ‌و‌ قولهم الصفات الذاتيه خطا ايضا فان النسبه الى ذات ذو ‌وى‌ لان النسبه ترد الاسم الى اصله انتهى.
 ‌و‌ قال النووى ‌فى‌ التهذيب: انكر بعض الادباء اطلاق الذات مرادا بها الحقيقه ‌و‌ قال: لايعرف ذات ‌فى‌ لغه العرب بمعنى حقيقه ‌و‌ انما ذات بمعنى صاحبه انتهى.
 ‌و‌ انكر الجمهور هذا الانكار ‌و‌ اثبتوا صحه هذا الاطلاق ‌و‌ نص على ثبوته غير واحد ‌من‌ ائمه اللغه.
 فحكى الازهرى عن ابن الاعرابى: ذات الشى ء: حقيقته ‌و‌ خاصته ‌و‌ ‌هو‌ منقول عن مونث ذو، بمعنى صاحب لان المعنى القائم بنفسه بالنسبه الى ‌ما‌ يقوم به، ‌و‌ افراده يستحق الصاحبيه ‌و‌ المالكيه ‌و‌ لمكان النقل لم يعتبروا تاء التانيث عوضا عن اللام المحذوفه ‌و‌ اجروها مجرى التاء ‌فى‌ صات بمعنى الرجل الصيت، ‌و‌ لهذا ابقوها ‌فى‌ النسبه ‌و‌ لم يتحاشوا عن اطلاقها على البارى ‌جل‌ ذكره ‌و‌ ‌ان‌ لم يجيزوا اجراء نحو: علامه عليه تعالى لمكان تاء التانيث، ‌و‌ اطراده ‌فى‌ لسان حمله الشريعه دليل على ‌ان‌ الاذن ‌فى‌ الاطلاق صادر، ‌و‌ قد يطلقونها على ‌ما‌ يرادف الماهيه، انتهى.
 ‌و‌ قال الفيومى ‌فى‌ المصباح: قد يجعل ذات اسما مستقلا فيعبر بها عن الاجسام فيقال: ذات الشى ء بمعنى حقيقته ‌و‌ ماهيته ‌و‌ اما قولهم: ‌فى‌ ذات الله فهو
 
مثل قولهم: ‌فى‌ جنب الله، ‌و‌ لوجه الله ‌و‌ قد صار استعمالها بمعنى نفس الشى ء عرفا مشهورا حتى قيل: «ذات مميزه» ‌و‌ «ذات محدثه» ‌و‌ نسبوا اليها على لفظها ‌من‌ غير تغيير، فقالوا: «عيب ذاتى» بمعنى جبلى ‌و‌ خلقى، ‌و‌ حكى المطرزى: كل شى ء «ذات» ‌و‌ كل ذات شى ء ‌و‌ حكى عن صاحب التكمله: جعل الله ‌ما‌ بيننا «فى ذاته» ‌و‌ قول ابى تمام:
 ‌و‌ يضرب ‌فى‌ ذات الاله فيوجع
 ‌و‌ حكى ابن فارس ‌فى‌ متحيز اللغه:
 منعم ابن عم القوم ‌فى‌ ذات ماله
 ‌اى‌ ‌فى‌ نفس ماله ‌من‌ الجود ‌و‌ الكرم، ‌و‌ قال النابغه:
 مجلتهم ذات الاله ‌و‌ دينهم
 قويم فما يرجون غير العواقب
 المجله بالجيم: الصحيفه، ‌اى‌ كتابهم عبوديه نفس الاله.
 ‌و‌ قال المهدوى ‌فى‌ التفسير: النفس ‌فى‌ اللغه على معان نفس الحيوان، ‌و‌ ذات الشى ء، الذى يخبر عنه فجعل نفس الشى ء ‌و‌ ذات الشى ء مترادفين ‌و‌ اذا نقل هذا فالكلمه عربيه ‌و‌ ‌لا‌ التفات الى ‌من‌ انكر كونها ‌من‌ العربيه انتهى:
 قلت: ‌و‌ ورد ‌فى‌ الحديث: ‌و‌ ذلك ‌فى‌ ذات الله.
 قال الطيبى ‌فى‌ شرح المشكاه: ذات الشى ء نفسه ‌و‌ حقيقته ‌و‌ المراد ‌ما‌ اضيف اليه انتهى.
 ‌و‌ لو لم يرد ذلك الا ‌فى‌ عباره الدعاء المذكوره لكفى ‌به‌ شاهدا كيف ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ نثرهم ‌و‌ نظمهم اكثر ‌من‌ ‌ان‌ يحصى.
 قوله عليه السلام: «و اجهد نفسه ‌فى‌ مرضاتك» ‌اى‌ استفرغ طاقته ‌و‌ بلغ جهده
 
فى تحرى رضاك ‌و‌ توخيه يقال: جهد الدابه ‌و‌ اجهدها اذا حمل عليها ‌فى‌ السير فوق طاقتها، ‌و‌ الغرض المبالغه ‌فى‌ السعى ‌و‌ العمل فيما يوجب رضوانه تعالى ‌و‌ الله اعلم.
 
اخذه الله بذنبه اخذا ‌من‌ باب- قتل- عاقبه عليه ‌و‌ آخذه بالمد مواخذه مثله، ‌و‌ منه: «و لو يواخذ الله الناس بظلمهم».
 قال الراغب: تخصيص لفظ المواخذه تنبيه على معنى المجازاه ‌و‌ المقابله لما اخذوه ‌من‌ النعم فلم يقابلوه بالشكر.
 ‌و‌ فرط ‌فى‌ الامر تفريطا: قصر فيه ‌و‌ ضيعه.
 ‌و‌ جنب الله: قيل ‌فى‌ معناه اقوال.
 قال العلامه النيسابورى ‌فى‌ تفسير قوله تعالى: «ان تقول نفس ‌يا‌ حسرتى على ‌ما‌ فرطت ‌فى‌ جنب الله» للمفسرين فيه عبارات: قال ابن عباس: ‌اى‌ ضيعت ‌من‌ ثواب الله، ‌و‌ قال مقاتل: امتنعت عن ذكر الله، ‌و‌ قال مجاهد: ‌فى‌ امر الله، ‌و‌ قال الحسن: ‌فى‌ طاعه الله، ‌و‌ عن سعيد ‌بن‌ جبير: ‌فى‌ ‌حق‌ الله، ‌و‌ قيل: ‌فى‌ قرب الله ‌من‌ الجنه ‌من‌ قوله: «و الصاحب بالجنب» ‌و‌ قيل: ‌فى‌ جانب هدى الله، لان الطريق متشعب الى الهدى ‌و‌ الضلال فكل واحد جانب ‌و‌ جنب.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: الجنب الجانب، يقال: انا ‌فى‌ جنب فلان ‌و‌ جانبه ‌و‌ ناحيته، ‌و‌ فلان لين الجنب ‌و‌ الجانب، ثم قالوا: فرط ‌فى‌ جنبه ‌و‌ جانبه يريدون ‌فى‌ حقه. قال سابق البربرى:
 
اما تتقين الله ‌فى‌ جنب وامق
 له كبد حرى عليك تقطع
 ‌و‌ هذا ‌من‌ باب الكنايه لانك اذا اثبت الامر ‌فى‌ مكان الرجل ‌و‌ حيزه فقد اثبته فيه الا ترى الى قوله:
 ‌ان‌ السماحه ‌و‌ المروه ‌و‌ الندى
 ‌فى‌ قبه ضربت على ‌بن‌ الحشرج
 ‌و‌ منه قول الناس: لمكانك فعلت كذا، يريدون لاجلك. ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: «من الشرك الخفى ‌ان‌ يصلى الرجل لمكان الرجل» ‌و‌ كذلك فعلت هذا ‌من‌ جهتك، فمن حيث لم يبق فرق فيما يرجع الى اداء الفرض بين ذكر المكان ‌و‌ تركه قبل فرطت ‌فى‌ جنب الله على معنى ‌فى‌ ذات الله.
 فان قلت: فمرجع كلامك الى ‌ان‌ ذكر الجنب كلا ذكر سوى ‌ما‌ يعطى ‌من‌ حسن الكنايه ‌و‌ بلاغتها ‌و‌ كانه قال فرطت ‌فى‌ الله فما معنى فرطت ‌فى‌ الله؟.
 قلت: لابد ‌من‌ تقدير مضاف محذوف سواء ذكر الجنب اولم يذكر، ‌و‌ المعنى فرطت ‌فى‌ طاعه الله ‌و‌ عبادته ‌و‌ ‌ما‌ اشبه ذلك انتهى كلامه.
 ‌و‌ قال النيسابورى: التحقيق ‌فى‌ المساله ‌ان‌ الشى ء الذى يكون ‌من‌ لوازم الشى ء ‌و‌ ‌من‌ توابعه كانه ‌من‌ حدوده ‌و‌ جانب ‌من‌ جوانبه، فلما حصلت المشابهه بين الجنب الذى ‌هو‌ العضو ‌و‌ بين ‌ما‌ يكون لازما للشى ء ‌و‌ تابعا، لاجرم حسن اطلاق لفظ الجنب ‌فى‌ الايه على احد المضافات التى ذكرها المفسرون انتهى.
 فان قلت: قد ورد ‌من‌ طريق اهل البيت عليهم السلام: انهم قالوا: نحن جنب الله كما رواه العياشى باسناده عن ابى جارود، عن ابى جعفر عليه السلام، انه قال: نحن جنب الله، ‌و‌ ‌فى‌ روايه: جنب الله على، ‌و‌ ‌فى‌ اخرى: ولايه على
 
فهل يصح ‌ان‌ تحمل عباره الدعاء على هذا المعنى؟.
 قلت: نعم كما صح حملها على معنى ‌حق‌ الله فان ولايتهم عليهم السلام ‌من‌ اعظم حقوقه تعالى.
 ‌و‌ معنى التفريط فيها بالنسبه الى المعترفين بها: عدم القيام بما يجب لها كما يجب، ‌و‌ التقصير ‌فى‌ الوفاء بحقوقها فان امرهم عليهم السلام ‌من‌ امر الله ‌عز‌ ‌و‌ جل، ‌و‌ ‌هو‌ يقول: «و ‌ما‌ قدروا الله ‌حق‌ قدره» ‌و‌ الله اعلم.
 ‌و‌ تعدى فلان طوره: ‌اى‌ تجاوز حده ‌و‌ قدره ‌و‌ حاله التى تليق به.
 ‌و‌ حدود الله: قيل: احكامه، ‌و‌ قيل: محارمه التى منع ‌من‌ مقاربتها ‌و‌ ارتكابها لقوله تعالى: «تلك حدود الله فلا تقربوها» ‌و‌ ‌هو‌ الظاهر لعطفه عليه السلام، قوله: ‌و‌ مجاوزه احكامك على تعدى الطور ‌فى‌ حدوده، فيكون ‌من‌ باب عطف العام على الخاص، فان الاحكام تشتمل المحارم ‌و‌ الواجبات ‌و‌ غيرها فلا حاجه الى القول بان الفقره الثانيه تاكيد للاولى ‌او‌ تفسير لها كما وقع لبعضهم مع صحه التاسيس.
 
قوله عليه السلام «و ‌لا‌ تستدرجنى باملائك لى» الاستدراج استفعال اما ‌من‌ درج ‌من‌ باب «سمع» بمعنى صعد، ‌و‌ منه: الدرجه للمرقاه ثم اتسع فيه فاستعمل ‌فى‌ كل فعل تدريجى، سواء كان بطريق الصعود ‌او‌ الهبوط ‌او‌ الاستقامه.
 ‌و‌ اما ‌من‌ درج الصبى دروجا ‌من‌ باب- قعد-: اذا مشى قليلا ‌فى‌ اول ‌ما‌ يمشى، ‌و‌ اما ‌من‌ درجت الكتاب ‌من‌ باب- قعد- ايضا اذا طويته، ‌و‌ الاول ‌هو‌ الانسب بالمعنى المراد الذى ‌هو‌ النقل الى اعلا درجات المهالك ليبلغ اقصى مراتب العقوبه ‌و‌ العذاب، ثم استعير لطلب كل نقل تدريجى ‌من‌ حال الى حال ‌من‌
 
الاحوال الملائمه للمتنقل الموافقه لهواه بحيث يحسب ‌ان‌ ذلك ترق ‌فى‌ مراقى منافعه مع انه ‌فى‌ الحقيقه ترد ‌فى‌ مهاوى مصارعه فاستدراجه سبحانه لمن خذله ‌ان‌ يواتر عليه النعم ‌من‌ انهما ‌كه‌ ‌فى‌ الغى فيحسب انها لطف ‌به‌ منه تعالى فيزداد انهما كا ‌و‌ غيا لكن ‌لا‌ على ‌ان‌ المطلوب تدرجه ‌فى‌ مراتب النعم، بل ‌هو‌ تدرجه ‌فى‌ مراتب المعاصى الى ‌ان‌ تحق عليه كلمه العذاب على غره منه ‌و‌ على افظع حال ‌و‌ اشنعها، ‌و‌ لذلك ورد عن ابى عبدالله عليه السلام ‌فى‌ تفسيره حيث سئل عن قوله تعالى: «سنستدرجهم ‌من‌ حيث لايعلمون» فقال: ‌هو‌ العبد يذنب الذنب فيجدد له النعمه معه تلهيه تلك النعمه عن الاستغفار ‌من‌ ذلك الذنب.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌هو‌ العبد يذنب الذنب فيملى له ‌و‌ يجدد له عنده النعمه فتلهيه عن الاستغفار ‌من‌ الذنوب فهو مستدرج ‌من‌ حيث لايعلم.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: استدراج الله العبد انه كلما جدد خطيئه جدد له نعمه ‌و‌ انساه الاستغفار ‌و‌ ‌ان‌ ياخذه قليلا ‌و‌ لايباغته.
 الاملاء: الامهال ‌و‌ التاخير.
 ‌و‌ «الباء»: للاستعانه، ‌او‌ السببيه، ‌او‌ الملابسه، ‌و‌ فيه تلميح الى قوله تعالى: «و الذين كذبوا باياتنا سنستدرجهم ‌من‌ حيث لايعلمون ‌و‌ املى لهم ‌ان‌ كيدى متين».
 قوله عليه السلام: «استدراج ‌من‌ منعنى خير ‌ما‌ عنده ‌و‌ لم يشركك ‌فى‌ حلول نعمته بى» مفعول مطلق مبين لنوع عامله ‌و‌ الاصل استدراجا مثل استدراج ‌من‌ منعنى فحذف الموصوف ثم المضاف ‌و‌ اقيم المضاف اليه مقامه.
 
و منعته الامر ‌و‌ منه منعا: حرمته اياه ‌و‌ لم اسمح له به.
 ‌و‌ شركته ‌فى‌ الامر اشركه ‌من‌ باب- تعب- شركا ‌و‌ شركه على وزن كلم ‌و‌ كلمه بفتح الاول ‌و‌ كسر الثانى اذا صرت له شريكا كشاركته.
 ‌و‌ قال الجوهرى: شركته ‌فى‌ البيع ‌و‌ الميراث اشركه شركه، ‌و‌ الاسم الشرك انتهى.
 ‌و‌ قد اختلفت اقوال الاصحاب ‌فى‌ معنى هذه العباره ‌من‌ الدعاء، ‌و‌ اضطربت آراوهم فقال بعضهم: يحتمل ‌ان‌ يكون بمن منعه عليه السلام خير ‌ما‌ عنده اهل الدوله ‌و‌ السلطان ‌من‌ اعدائهم الذين منعوهم حقهم، فانهم منعوهم السلطان الذى ‌هو‌ ثابت لهم ‌من‌ الله سبحانه، ‌و‌ ‌هو‌ خير ‌ما‌ عند عدوهم، فطلب منه تعالى ‌ان‌ لايستدرجه كاستدراجه ‌من‌ منعه ذلك.
 ‌و‌ قوله: «و لم يشركك ‌فى‌ حلول نعمه بى» ‌اى‌ ‌فى‌ حلول النعمه التى هى حاله ‌بى‌ منك ‌و‌ هى وجوب طاعتى ‌و‌ متابعتى ‌و‌ اضافه النعمه اليه حينئذ باعتبار غصبه اياها، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يراد بعدم المشاركه: عدم ترك حقى الذى اختصصتنى ‌به‌ دونه، ‌او‌ المعنى ‌ان‌ غيرك بسبب منعه اياى خير ‌ما‌ عنده لم يكن شريكك ‌فى‌ الانعام على اذ لو لم يمنعنى كانت النعمه منك ‌و‌ منه، ‌و‌ ليس المراد حينئذ المنع بعد الطلب بل عدم ايصال ذلك الى ‌و‌ عليه ‌فى‌ للسببيه، ‌و‌ لعل هذا المراد انتهى.
 ‌و‌ قال آخر: لايبعد ‌ان‌ يكون المراد بمن منعه خير ‌ما‌ عنده الشيطان فان الشيطان يمنع خيره، ‌و‌ ليس ‌هو‌ شريكا لله تعالى ‌فى‌ حلول النعمه فيكون حاصل المعنى: لاتستدرجنى باملائك استدراج الشيطان الذى امليت له ‌و‌ انظرته الى يوم القيامه ‌و‌ لم تباغته بل اخرت عذابه، ‌و‌ جعلت له اعوانا ‌و‌ انصارا ثم انك يوم القيامه
 
تاخذه بالعذاب الموبد ‌و‌ العقاب المخلد نعوذ بالله ‌من‌ ذلك، ‌و‌ هذا كله كما تراه بعيد عن الغرض بمراحل، ‌و‌ نائى عن المقصود بمنازل، ‌و‌ ‌فى‌ جميعه ‌من‌ التعسف ‌و‌ التكلف ‌ما‌ ‌لا‌ مزيد عليه، بل ليس ‌فى‌ العباره ‌ما‌ يوهمه فضلا ‌من‌ ‌ان‌ يدل عليه، ‌و‌ انما اوقعهم ‌فى‌ هذه التمحلات جعلهم اضافه الاستدراج الى قوله: «من منعنى» ‌من‌ باب اضافه المصدر الى المفعول كضربته ضرب اللص، ‌و‌ الصواب: انه ‌من‌ اضافه المصدر الى الفاعل كضربته ضرب الامير.
 ‌و‌ قوله تعالى: «فاخذناهم اخذ عزيز مقتدر» ‌و‌ المعنى لاتستدرجنى استدراج مستدرج منعنى خير ‌ما‌ عنده، ‌و‌ ‌هو‌ مع ذلك مستبد ‌و‌ مستقل ‌فى‌ حلول نعمته بى، فان استدراج ‌من‌ هذه صفته يكون افظع استدراج ‌و‌ اشده، لانه اذا منعه خير ‌ما‌ عنده ‌و‌ كان مستبدا ‌فى‌ حلول النعمه ‌به‌ كان متمكنا ‌من‌ حرمانه سابقا ‌و‌ ‌لا‌ حقا، فاذا استدرج لم يبق ‌و‌ لم يذر، بخلاف ‌ما‌ اذا لم يكن مستبدا ‌فى‌ الانعام، بل شرك غيره فيه، ‌و‌ اراد الاستدراج لم يتمكن كل التمكن لاحتمال ‌ان‌ يوافقه شريكه على الحرمان خصوصا اذا كان الشريك اقوى ‌و‌ اكرم ‌و‌ ارحم ‌و‌ ‌هو‌ الله سبحانه ‌و‌ تعالى، ‌و‌ ‌من‌ هنا قيل: انما العاجز ‌من‌ لايستبد.
 ‌و‌ على هذا فجمله قوله: «و لم يشركك» يجوز ‌ان‌ تكون ‌من‌ تمام الصله عطفا على منعنى، ‌و‌ ‌ان‌ تكون حالا ‌من‌ فاعله، ‌اى‌ غير شريك لك، ‌و‌ ‌لا‌ تتعين الحاليه كما توهم بعضهم.
 اذا عرفت ذلك ظهر لك ‌ان‌ اضافه الاستدراج الى الموصول ‌من‌ اضافه المصدر الى الفاعل كما ذكرناه لامن اضافه المصدر الى المفعول كما توهم القوم، ‌و‌ ‌هو‌ نظير قولك: «لا تاخذنى اخذ عزيز مقتدر» لفظا ‌و‌ معنى.
 
فان قلت: كيف عبر بالماضى فقال: «من منعنى» ‌و‌ كان الانسب بهذا المعنى ‌ان‌ يعبر بالمستقبل فيقول: «من يمنعنى»؟.
 قلت: ‌هو‌ ‌من‌ باب التعبير بالفعل عن ارادته، ‌اى‌ ‌من‌ اراد منعى كقوله تعالى: «و ‌كم‌ ‌من‌ قريه اهلكناها فجاءها باسنا» ‌اى‌ اردنا اهلاكها، ‌و‌ قول الشاعر:
 فارقنا قبل ‌ان‌ نفارقه
 ‌اى‌ اراد فراقنا.
 ‌و‌ ذلك ‌ان‌ الاستدراج لايكون بعد المنع بل بعد ارادته كما ‌ان‌ مجى ء الباس لايكون بعد الاهلاك بل بعد ارادته ‌و‌ مما يدل على ذلك صريحا.
 ‌ما‌ روى عن ابى عبدالله عليه السلام: اذا اراد الله بعبد خيرا فاذنب ذنبا اتبعه بنقمه ‌و‌ يذكره الاستغفار، ‌و‌ اذا اراد بعبد شرا فاذنب ذنبا اتبعه بنعمه لينسيه الاستغفار ‌و‌ يتمادى بها، ‌و‌ ‌هو‌ قول الله تعالى: «سنستدرجهم ‌من‌ حيث لايعلمون».
 ‌و‌ ‌هو‌ صريح ‌فى‌ ‌ان‌ الاستدراج بعد اراده الشر الذى ‌هو‌ عباره عن منع الخير.
 هذا ‌و‌ قد طويت كشحا عن بيان ‌ما‌ ‌فى‌ اقوال الاصحاب المذكوره ‌من‌ الوهن ‌و‌ البعد عن المقصود، ‌و‌ وكلت ذلك الى ذوق اولى الانصاف بعد اطلاعهم على ‌ما‌ شرحته ‌و‌ بينته ‌و‌ الله يقول الحق ‌و‌ ‌هو‌ يهدى السبيل.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^