بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى تذلل لعزته العظماء و تواضع لخشيته العلماء والصلاه والسلام على نبيه الذى انارت بنبوته الظلماء و على اهل بيته الذين ثلجت بولايتهم القلوب الظماء.
و بعد: فهذه الروضه الثالثه و الخمسون من رياض السالكين فى شرح صحيفه سيدالعابدين صلى الله عليه ابدالابدين.
املاء راجى فضل ربه السنى على الصدر الحسينى الحسنى جعله الله من المتذللين لعزته و المتمسكين بعروته.
التذلل: تكلف، الذل بالضم: و هو الصغار و الهوان، و صيغه التفعل للايذان بالاجتهاد و بذل الطاقه فيه.
و التذلل لله تعالى: عباره عن كمال الخضوع و التواضع له تعالى، و اظهار الذل و الافتقار اليه و هو يكون بالجنان كالاعتقاد بانه اقل عباده و افقرهم اليه، و بالاركان كالصاق الخد بالارض و تعفير الوجه فى التراب و الرمى بالنظر نحو الارض و سكون حركات الاطراف، و باللسان كالاقرار و الاعتراف بالنطق بما اعتقده من ذل نفسه و افتقاره و عظيم ما اكتسبه من الخطايا و الذنوب، و التضرع اليه تعالى و مناجاته سبحانه بالسئوال و الدعاء و الابتهال اليه فى حط ذنوبه و غفران خطاياه كما اشتمل عليه هذا الدعاء الشريف.
و اعلم: ان التذلل لله تعالى: هو قوام العباده و العبوديه و قطبها الذى عليه مدارهما، و من تامل فى انواع العبادات المفروضه و اجزائها من الصلاه و الصيام و الزكاه و الحج وجدها موضوعه على المذله و التواضع و الخضوع و الاستسلام لعزته تعالى و عظمته و تصور كماله و تذكر وعده و وعيده، و اهوال الموقف بين يديه عز و جل فكان التذلل مناط العبادات و به منال السعادات.
و فى الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام قال: اوحى الله عز و جل الى موسى عليه السلام: ان يا موسى اتدرى لم اصطفيتك بكلامى دون خلقى؟ قال: يا رب و لم ذاك؟ قال: فاوحى الله تبارك و تعالى اليه يا موسى انى قلبت عبادى ظهرا لبطن فلم اجد فيهم احدا اذل لى نفسا منك، يا موسى انك اذا صليت وضعت خدك على التراب او قال على الارض. و الاخبار فى هذا المعنى كثيره.
التعرض لوصف الربوبيه المنبئه عن افاضه ما فيه صلاح المربوب مع الاضافه الى ضميره عليه السلام لتحريك سلسله الاجابه و المبالغه فى التضرع و الابتهال.
و فحم الصبى يفحم بفتحتين فحوما: بكى حتى انقطع نفسه و صوته، و افحمه البكاء. و منه: افحمت الخصم: اسكته بالحجه، و اسناد الافحام الى الذنوب مجاز عقلى للملابسه السببيه اذ كانت سببا للفحوم، اى اسكنتنى ذنوبى لكثرتها و عظمها فلا اطيق ان اتكلم بحجه او عذر. و من العجيب ما وقع لبعضهم هنا من تصحيف الافحام بالاقحام بالقاف ففسر قوله عليه السلام افحمتنى الذنوب بقوله: «اقحمتنى الذنوب فى مهلكات الشدائد» مع اتفاق النسخ على الفاء.
و انقطعت مقالتى: وقفت.
قال صاحب المجمل: انقطع كلامه: وقف فلم يمض.
و «الفاء» من قوله فلا حجه للدلاله على ترتب ما بعدها على ما قبلها، اى فبسبب افحام ذنوبى و انقطاع مقالتى لاحجه لى احتج بها فيما فعلت.
و الحجه: الكلام المستقيم المبين للحجه و هى جاده الطريق و لذلك سمى الدليل و البرهان حجه، و قد يسمى العذر حجه.
و فى نسخه: و لا عذر.
و «الفاء» من قوله عليه السلام: «فانا الاسير ببليتى» لترتب ما بعدها على ما قبلها من انتفاء الحجه، اى اذ لا حجه لى فانا الاسير ببليتى اى الماسور المقيد بما وقعت فيه من الشده و البلاء.
و المرتهن: اسم مفعول من رهنته المتاع بالدين، اى حبسته عنده به فارتهنه منى، اى اخذه منى رهنا. فالمتاع مرهون و مرتهن.
قال الراغب: لما كان الرهن يتصور منه حبسه استعير ذلك للمحتبس اى شى ء كان قال تعالى: «كل امرى ء بما كسب رهين».
و قال الزمخشرى فى الاساس: فلان رهن بكذا و رهين و رهينه و مرتهن به: ماخوذ به و منه: «كل امرى ء بما كسب رهين». «كل نفس بما كسبت رهينه»، و الانسان رهن عمله.
قال صاحب الكشف: معنى كون الانسان رهن عمله و مرتهن به: ان العمل بمنزله الدين و الانسان مرتهن به عند الله. و لا ينفك الرهن ما لم يود الدين فان كان العمل صالحا فقد ادى الدين لان العمل الصالح يقبله ربه و يصعد اليه و ان كان غير ذلك فلا اداء اذ لا يصعد اليه غير الطيب، انتهى.
اذا عرفت ذلك فقوله عليه السلام: المرتهن بعملى اعتراف منه بسوء عمله كانه بقى محبوسا بعمله غير مفكوك به حيث لم يعمل صالحا فيكون قد ادى الدين و فك نفسه المرتهنه بعمله، و يحتمل ان يكون المراد بكونه مرتهنا بعمله انه موثوق به عن الصعود الى حضره جلال الله كما فسر به بعض الشارحين قول اميرالمومنين عليه السلام: «رهن بخطيئته» فيكون المراد بالعمل من قوله: «بعملى» العمل السى ء و الله اعلم.
و المتردد: اسم من قولهم: تردد فى الطريق اذا جاء و ذهب فيه مره بعد اخرى، او من تردد فى امره اذا تحير فيه، و منه: المردد و المتردد للرجل الحائر البائر و هو الذى لم يتجه لشى ء.
و تحير فى الامر: لم يدر وجه الصواب.
و القصد: مصدر بمعنى الفاعل، يقال: سبيل قصد اى مستقيم، و منه: قوله تعالى: «و على الله قصد السبيل» اى: حق عليه بيان الطريق المستقيم الموصل الى الحق، و يقال للرشد و الاستقامه و الهدى قصد ايضا، و جمل العباره على هذا المعنى ظاهر حسن و تعديه التحير بعن لتضمينه معنى الميل و الانحراف.
و قطع بفلان فهو مقطوع و انقطع به فهو منقطع به بالبناء للمفعول فيهما اذا كان ابن سبيل فحصل له سبب عاقه عن السفر دون مقصده و مرامه الذى سافر اليه، ثم اطلق على كل من حيل بين و بين ما يومله على الاستعاره او التشبيه لانه قطع به دون ماموله.
و وقفت نفسى: جعلتها واقفه، و النسخ المشهوره على اوقفت بالالف و انكرها بعضهم.
قال الزجاج فى شرح ادب الكاتب: ليس فى كلام العرب اوقف الا فى موضوعين: يقال: تكلم الرجل فاوقف: اذا انقطع عن القول عيا عن الحجه، و اوقفت المراه: اذا جعلت لها سوارا من الوقف و هو الذيل انتهى.
قال صاحب القاموس: وقف يقف وقوفا: دام قائما و وقفته انا وقفا: فعلت به ما وقف كوقفته و اوقفته، انتهى.
فاثبت اوقفته بمعنى وقفته.
و قيل: هى لغه تميم و على كل حال فوقفت افصح من اوقفت على ثبوتها، و بها ورد التنزيل، قال تعالى: «وقفوهم انهم مسئولون».
و الموقف: مصدر ميمى بمعنى الوقوف، و يحتمل كونه اسم مكان.
و تجرا عليه بالهمز: اقدم و اسرع فى الهجوم عليه من غير هيبه و لا توقف و الاسم: الجراه بالضم كغرفه.
و استخف به: استهان به.
و الوعد: يكون فى الخير و الشر، يقال: وعدته بنفع و ضر، و من الوعد بالشر «يستعجلونك بالعذاب و لن يخلف الله وعده». و مما يتضمن الامرين قوله تعالى: « الا ان وعد الله حق و لكن اكثرهم لايعلمون» فانه وعد بالقيامه، و جزاء العباد، ان خيرا فخير، و ان شرا فشر، و ما وقع لبعضهم من حمل الوعد على الثواب خاصه بناء على انه لايكون الا فى الخير ليس بشى ء، و فى كثير من النسخ بوعيدك و هو فى الشر خاصه لانه بمعنى التهديد.
قوله عليه السلام: «سبحانك» اى جراه اجترات عليك تعجب من شده تهوره فى الذنوب و تنزيها لساحه قدسه تعالى عما لايليق بها من ارتكاب مخالفه امره و نهيه جل شانه.
و اى جراه: استفهام تعظيم و تهويل، و هو صفه لمصدر محذوف، و العامل فيه اجترات، اى اجترات عليك اجتراء، اى جراه، كقوله تعالى: «اى منقلب ينقلبون» اى ينقلبون انقلابا اى منقلب، و مثله و اى تغرير غررت بنفسى، و تقديم المفعول فى ذلك واجب للزوم الاستفهام الصدر.
و غرر بنفسه تغريرا: حملها على الغرر و هو الخطر، اى خاطر بها.
و فى القاموس: غرر بنفسه تغريرا و تغره: عرضها للهلكه و الاسم الغرر و الله اعلم.
كبا لوجهه كبوا: سقط على وجهه، و «اللام» بمعنى على نحو: «و يخرون للاذقان» «و تله للجبين».
و حر الوجه: ما بدا و اقبل عليك، منه يقال: ضربه على حر وجهه.
و قال النووى: حر الوجه: صفحته و ما رق من بشرته. و الكلام من باب التمثيل شبه صوره وقوعه فى المعاصى بصوره من سقط على صفحه وجهه و مثله قوله: «زله قدمى» فان زله القدم: هو استرسالها و دحوضها فى مكان زلق، فشبه صوره استرسالها فى ارتكاب الخطيئه بصوره من زلت قدمه كقولهم: اراك تقدم رجلا و توخر اخرى، و ايقاع فعل الرحمه على الكبوه، و زله القدم من باب المجاز العقلى من حيث كون كل منهما سببا موجبا لسئوال الرحمه، وقس على ذلك نظائره الاتيه.
و وقع فى النسخ المشهوره ضبط زله قدمى بالخفض فقال بعضهم: لا وجه له، و الصحيح: النصب كما وقع فى بعض النسخ عطفا على كبوتى.
قلت: بل له وجه صحيح و هو كونه من باب- العطف على التوهم- و ذلك ان اصل «ارحم كبوتى»: ارحمنى بكبوتى فلما اراد ايقاع الفعل على السبب حذف المفعول حقيقه و اقام السبب مقامه و حذف لام التعليل فانتصب على المفعوليه فيكون عطف قوله: «و زله قدمى» بالجر على كبوتى و هو منصوب على توهم دخول لام التعليل فيه، كقولك: ليس زيد قائما و لا قاعد بالجر على توهم دخول «الباء» فى الخبر، و منه: قول الشاعر:
ما الحازم الشهم مقداما و لا بطل
بجر بطل عطفا على مقداما لتوهم دخول «الباء» فيه، و له نظائر فى كلامهم. قالوا: و شرط جوازه صحه دخول العامل المتوهم و شرط حسنه كثرته، و الشرطان متوفران هنا.
قوله عليه السلام: «وعد بحلمك على جهلى» يقال: عاد الله علينا بمعروفه بمعنى: جاد به علينا، اى جد بحلمك على جهلى، و باحسانك على اساءتى. فالباء لتاديه الفعل لا للسببيه كما توهمه بعضهم.
و «الفاء» من قوله عليه السلام: «فانا المقر بذنبى» للسببيه لان الاقرار بالذنب، و الاعتراف بالخطيئه يوجبان الرحمه و الحلم و الاحسان و من كلامهم: من اقر فقد استوجب العفو لحسن ظنه بك.
و فى الحديث: «لا و الله ما اراد الله من الناس الا ان يقروا له بالذنوب فيغفرها لهم».
و هذه يدى: اى استسلمت اليك و انقدت لك.
قال الزمخشرى فى الفائق: فى مناجاه النبى صلى الله عليه و آله ربه «و هذه يدى لك»، يقولون: هذه يدى لك اى انقدت لك فاحكم على بما شئت، و يقال: فى خلافه خرج فلان نازع يداى عصى و نزع يده من الطاعه انتهى.
و منه: حديث عثمان «هذه يدى لعمار» اى انا منقاد له و مستسلم فليقتص منى، و نحو اعطى بيده.
و الناصيه: الشعر المسترسل فى مقدم الراس يقال: هذه ناصيتى بيدك اى: انا فى قبضتك و تحت حكمك و منه: «ما من دابه الا هو آخذ بناصيتها»، و المراد الاستسلام و الانقياد ايضا.
و استكين: اى اذل و اخضع، قيل: ماخوذ من السكون و وزنه افتعل. و قيل: من الكينه: و هى الحاله السيئه فوزنه استفعل.
و «الباء» للملابسه، اى استكين ملتبسا بالقود، و هو القصاص و قتل القاتل بدل القتيل، يقال: اقاد من نفسه اذا سلم نفسه للقتل بمن قتل.
و اقدت زيدا من عمرو، و اقاده السلطان من اخيه: اى سلمه لان يقتل قصاصا بمن قتله، و الاسم القود بفتحتين و عباره الدعاء تمثيل لصوره استسلامه للعذاب و العقاب بما جناه بصوره استسلام القاتل للقتل بمن قتله، و انما جاء بالجمله منفصله عما قبلها لكمال الاتصال به لانها بيان لمضمون قوله: «و هذه يدى و ناصيتى من الاستسلام و الانقياد» و الله اعلم.
الشيب و الشيبه: ابيضاض الشعر، و المشيب الدخول فى حد الشيب، و قد يستعمل بمعنى الشيب ايضا.
و نفد الشى ء ينفد من باب- تعب- نفادا بالدال المهمله: فنى و انقطع.
و المراد بنفاد الايام: مشارفتها للنفاد كما يدل عليه قوله: «و اقتراب اجلى » و ايثار صيغه الافتعال فى القرب للايذان بالمبالغه فيه و تاكيده.
و الاجل: يطلق على مده العمر، و الوقت الذى ينقرض فيه، و هو المراد هنا. و الضعف بفتح الضاد و ضمها: خلاف القوه، و منهم من يجعل الفتح فى الراى، و الضم فى البدن و هو ضعيف، و المراد به هنا ضعف الهرم كما قال تعالى: «ثم جعل من بعد قوه ضعفا و شيبه».
و المسكنه: الفاقه و الحاجه، و قد مر الكلام على بيان اشتقاقها، و المراد فاقته و حاجته الى رحمته تعالى.
و الحيله: اسم من الاحتيال كالخيره اسم من الاختيار و الفديه اسم من الافتداء و هى عباره عن القدره على التصرف و تقليب الفكر حتى يهتدى الى المقصود، يقال: فلان قليل الحيله اى لا حيله له من باب تعبيرهم عن القله بالعدم، و غرضه عليه السلام بنفى حيلته عدم قدرته و احتياله على دفع ضر او جلب نفع الى نفسه الا باذنه تعالى كما ورد فى دعاء آخر و اعيت الحيل الا عندك، و عليه حمل بعضهم نفى الحول فى لا حول و لا قوه الا بالله.
و انقطاع الاثر: عباره عن فناء الشى ء، و ذهابه و عدمه، يقال: انقطع الشى ء اذا ذهب و عدم.
و الاثر: حصول ما يدل على وجود الشى ء، و يطلق الاثر على الاجل بمعنى مده العمر، و منه: حديث من سره ان يبسط الله فى رزقه و ينسا فى اثره فليصل رحمه اى يوخر فى اجله.
قال ابن الاثير: الاثر الاجل، و سمى به لانه يتبع العمر قال زهير:
و المرء ما عاش ممدود له امل
لا ينتهى العمر حتى ينتهى الاثر
و اصله من اثر مشيه فى الارض فان من مات لايبقى له اثر فلا يرى لاقدامه فى الارض اثر.
و الامحاء: انفعال من المحو ادغمت النون فى الميم و المحو: ازاله الاثر، يقال: محوته فامحى، اى ذهب اثره و زال.
و ذكر الشى ء: حضوره فى النفس و هو تاره يكون بالقلب و تاره باللسان.
و «من» فى الفقرتين: ابتدائيه، و يجوز كونها فى الثانيه بمعنى «فى» فتكون متعلقه بالذكر.
و نسيان الشى ء: عدم خطوره بالبال، يقال: نسيه ينساه من باب- تعب- نسيانا فهو منسى، و منه: «و كنت نسيا منسيا». و المراد بالمنسيين هنا: الموتى الذين لايخطر ذكرهم ببال احد.
و «فى»: بمعنى «مع» اى مع المنسيين كقوله تعالى: «ادخلوا فى امم» اى معها، و يجوز كونها بمعناها من الظرفيه اى فى زمره المنسيين، و الظرف: اما مستقر فى محل نصب على انه خبر كان، و التقدير: و كنت حاصلا فى المنسيين كقوله تعالى: «و اذا كنت فيهم» فيكون قوله عليه السلام: «كمن قد نسى» فى موضع نصب، على انه خبر ثان، او على الحال من الضمير فى كنت او فى حاصلا او لغو متعلق بكنت، و الخبر قوله: كمن قد نسى و هذا بناء على جواز تعلق الظرف بالفعل الناقص و هو الصحيح كقوله تعالى: «اكان للناس عجبا ان اوحينا»، و يجوز كونه متعلقا بمحذوف هو حال من الموصول او من الضمير فى نسى، و التقدير: و كنت كمن قد نسى حاصلا فى المنسيين فقدمت لرعايه الفاصله.
قوله عليه السلام: «عند تغير صورتى و حالى».
صوره الشى ء: هيئته الحاصله عند ايقاع التاليف بين اجزائه، و تطلق على الوجه خاصه، و منه: حديث نهى عن ضرب الصوره.
و حال الشى ء: صفته و كيفيته التى يكون عليها.
و بلى الميت يبلى من باب- تعب- بلاءا: افنت الارض جسمه.
و الاعضاء: جمع عضو، و ضم العين فيه اشهر من كسرها.
قال صاحب المجمل: هو كل عظم وافر بلحمه، و تفرق الاعضاء انفصال بعضها من بعض.
و الاوصال: المفاصل.
قال فى الاساس: قطع الله اوصاله: مفاصله جمع وصل بالكسر و الضم، قال:
اذا ابن ابى موسى بلالا بلغته
فقام بفاس بين وصليك جازر
و فى القاموس: الاوصال: المفاصل او مجتمع العظام.
فان قلت: مضمون هذا الفصل من الدعاء ينافى ما روى ان الارض لاتبلى لهم عليهم السلام جسدا و انهم لايبقون فيها اكثر من ثلاثه ايام.
قلت: لما كان غرضه عليه السلام من هذا الدعاء التذلل و الخضوع لم ير نفسه الا واحدا من عامه الناس فكان ملحوظه ما يشمل الخلق دون ما خص به هو و امثاله على ان ملحوظه هذا هو ديدنه فى سائر ادعيته كما يشهد به الاستقراء و الله اعلم.
قوله عليه السلام: «يا غفلتى عما يراد بى»: منادى متوجع منه نحويا اسفى و يا حسرتى، و يسمى مندوبا به و متفجعا منه اى: يا غفلتى احضرى حتى يتعجب من فظاعتك، و قد سبق الكلام على ذلك مستوفى فى الروضه الخمسين عند قوله عليه السلام: «فياسواتا مما احصاه على كتابك» فليرجع اليه.
و الغفله: سهو يعترى الانسان من عدم التحفظ و التيقظ، و قد يستعمل فى ترك الشى ء اهمالا و اعراضا، و منه: قوله تعالى «و هم فى غفله معرضون».
يقال: غفلت عن الشى ء غفولا من باب- قعد- و غفله و غفلا بفتحتين.
و «الباء» فى «بى» للالصاق، اى: يراد ان يلصق بى كقوله تعالى: «يريد الله بكم اليسر»، اى: يريد ان يلصق بكم اليسر و ايثار التعبير بالموصول للتفخيم و التهويل، اى عما يراد بى من الاهوال التى لايقدر على وصفها و لا يقوى على حدها و حصرها، و المراد بها اهوال الموت و ما بعده من السئوال و ضغطه القبر و ظلمته و وحشته و البعث و الحشر و النشر و الحساب و ما فى اثناء ذلك من المواقف الهائله و المصاعب الفادحه كما ورد فى دعاء الحزين: «اى الاهوال اتذكر و ايها انسى و لو لم يكن الا الموت لكفى، كيف و ما بعد الموت اعظم و ادهى». و العدول عن اسناد الاراده اليه تعالى الى بناء فعلها للمفعول جرى على منهاج الاداب التنزيليه فى عدم اسناد المكروهات اليه تعالى كقوله تعالى: «و انا لا ندرى اشر اريد بمن فى الارض ام اراد بهم ربهم رشدا»، فاسند اراده الرشد اليه تعالى دون اراده الشر، و منه: «غير المغضوب عليهم» و الله اعلم.
الحشر لغه: اخراج الجماعه عن مقرهم و ازعاجهم و سوقهم الى الحرب و نحوها، ثم خص فى عرف الشرع عند الاطلاق باخراج الموتى عن قبورهم و سوقهم الى الموقف للحساب و الجزاء.
قال الراغب: و لا يقال الحشر الا فى الجماعه، انتهى.
قلت: هذا فى اصل اللغه و الا فقد استعمل فى الواحد و الاثنين كعباره الدعاء، و حديث آخر من يحشر راعيان. و قد يطلق الحشر و يراد به جمع اجزاء بدن الميت و تاليفها مثل ما كانت و اعاده روحه المدبره اليه كما كان و يسمى حشر الاجساد و اراده هذا المعنى هنا ظاهره حسنه.
و نشر الميت نشورا من باب- قعد-: عاش، و نشره الله نشرا يتعدى و لا يتعدى و يتعدى بالهمزه ايضا فيقال: انشره الله و منه: «ثم اذا شاء انشره»، و المعنى: و ارحمنى فى يوم حشرى و نشرى بدليل و اجعل فى ذلك اليوم، و ما فى الاشاره من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار اليه للايذان ببعد منزلته فى الهول و الفخامه كقوله تعالى: «ذلك اليوم الحق» و «ذلك يوم مجموع له الناس».
و الموقف: مصدر ميمى اى وقوفى، و مثله: المصدر و المسكن اى صدورى و مسكنى، و يحتمل كون المسكن اسم مكان اى: فى جوارك محل سكناى.
و المراد بالموقف: الوقوف للحساب.
و بالمصدر: الصدور عن الموقف الى دار الجزاء و هو الصدور الذى بينه الله تعالى بقوله: «يومئذ يصدر الناس اشتاتا» اى: يصدرون عن الموقف متفرقين ذات اليمين الى الجنه و ذات الشمال الى النار نعوذ بالله منها.
و قيل: يصدرون من قبورهم الى موقف الحساب اشتاتا على حسب طبقاتهم بيض الوجوه آمنين و سود الوجوه فزعين.
و الجوار بالكسره: مصدر جاوره مجاوره و جوارا اذا لا صقه فى السكن، و الاسم: الجوار بالفتح و الضم، و المراد بجواره تعالى حضرته المقدسه التى ليست بمكان و لا زمان، بل هى قرب معنوى و عنديه روحانيه، و هى المشار اليها بقوله تعالى: «فى مقعد صدق عند مليك مقتدر»، و يعبر عنها بالجنه النورانيه الروحانيه.
و ختم الدعاء بقوله عليه السلام: «يا رب العالمين» اى: مالك امرهم و مبلغهم الى كمالهم اللائق لمزيد استدعاء الاجابه، فان من كان ذلك شانه و صفته كان من شانه افاضه ما فيه صلاح المربوب حتى ينتهى به الى اقصى غايه الكمال و اشرف المراتب و الاحوال و الله اعلم.