فارسی
سه شنبه 18 ارديبهشت 1403 - الثلاثاء 27 شوال 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 4
100% این مطلب را پسندیده اند

الدعاء 1- 3

العدل: خلاف الجور، ‌و‌ عرف بانه الامر المتوسط بين طرفى الافراط ‌و‌ التفريط، ‌و‌ انتصابه على المصدر اى: جزاء عدلا، ‌او‌ على المفعول له اى: لاجل العدل.


 ‌و‌ تقدست: ‌اى‌ تطهرت ‌و‌ تنزهت اسماوه عن العيوب ‌و‌ النقائص فما ظنك بذاته العليا، ‌او‌ تنزهت عن الالحاد فيها بالتاويلات الزائغه ‌و‌ عن اطلاقها على غيره بوجه يشعر بتشاركهما فيه، ‌او‌ هى مقحمه كما ‌فى‌ قوله تعالى «تبارك اسم ربك ذى الجلال ‌و‌ الاكرام» ‌و‌ فائده هذا التوسيط سلوك سبيل الكنايه كما يقال: (ساحه فلان بريئه عن المثالب).
 قوله تظاهرات: ‌اى‌ ظهرت بمعنى تبينت لكل احد، ‌و‌ تفاعل قد ياتى بمعنى فعل نحو تجاوز بمعنى جاز، ‌و‌ تباعد بمعنى بعد، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون مطاوع ظاهر بمعنى طابق.
 يقال: ظاهر بين الثوبين اذا طابق ‌و‌ لبس احدهما على الاخر فيكون كنايه عن ترادف نعمه ‌و‌ تظاهرها.
 
و الالاء: النعم، واحدها الى كضبى، ‌و‌ الى كنحى، ‌و‌ الو كدلو، ‌و‌ الى كفتى ‌و‌ الى كحمى ‌و‌ انما ابدلت الهمزه التى هى فاء ‌فى‌ الجمع استثقالا لاجتماع همزتين.
 ‌و‌ جمله تقدست اسماوه مستانفه ‌لا‌ محل لها ‌من‌ الاعراب قصد بها تاكيد عدله سبحانه ‌و‌ رفع توهم الجور ‌فى‌ الجزاء بالعقاب ‌و‌ تنزيهه تعالى عن قول ‌من‌ ذهب ‌من‌ الملاحده ‌و‌ الدهريه الى نفى المعاد قائلا بان الاعاده ‌لا‌ لغرض عبث ‌لا‌ يليق بالحكيم، ‌و‌ الغرض ‌ان‌ كان عائدا اليه سبحانه كان نقصا له فيجب تنزيهه عنه، ‌و‌ ‌ان‌ كان عائدا الى العبد فهو ‌ان‌ كان ايلامه فهو غير لائق بالحكيم، ‌و‌ ‌ان‌ كان ايصال لذه اليه فاللذات سيما الحسيات انما هى دفع الالام كما بينه العلماء ‌و‌ الاطباء ‌فى‌ كتبهم فيلزم ‌ان‌ يولم اولا حتى يوصل اليه لذه حسيه فهل يليق هذا بالحكيم ‌و‌ هل ‌هو‌ الا كمن يقطع عضو احد ثم يضع عليه المراهم ليلتذ، فاشار (عليه السلام) ‌ان‌ لكل عمل جزاء لازما، ‌و‌ عدل العدل الحكيم يقتضى بصريح العقل ‌ان‌ يفرق بين المحسن ‌و‌ المسى ء ‌و‌ المظلوم ‌و‌ الظالم، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يجعل ‌من‌ كفر ‌به‌ ‌و‌ عصاه كمن عرفه ‌و‌ اطاعه ‌و‌ لما كانت هذه الدار ليست محلا لهذه التفرقه بل هى دار الاكتساب ‌و‌ الابتلاء كما نرى ازهد الناس ‌و‌ اعلمهم مبتلى بالافات ‌و‌ البليات ‌و‌ افسقهم ‌و‌ اجهلهم ‌فى‌ اتم اللذات ‌و‌ المسرات كما قيل:
 ‌كم‌ عالم عالم اعيت مذاهبه
 ‌و‌ جاهل جاهل تلقاه مرزوقا
 وجب بمقتضى عدله ‌و‌ حكمته ‌ان‌ تكون دار اخرى ينتقل اليها الفريقان ‌و‌ هى دار الجزاء فيجزى كلا بما عملوا ‌و‌ ‌لا‌ يظلم ربك احدا.
 
اقتباس آخر ‌من‌ كلامه ‌عز‌ شانه ‌و‌ ‌هو‌ استيناف ببيان كمال جلاله ‌و‌ جبروته ‌و‌ عزه سلطانه ‌فى‌ ملكه ‌و‌ ملكوته بحيث ليس لاحد ‌من‌ مخلوقاته ‌ان‌ يساله عما يفعل ‌من‌ افعاله مع ‌ما‌ قد ثبت بالدليل وصح بالبرهان عند جميع العقول ‌من‌ عدله ‌و‌ حكمته فهو ‌لا‌ يفعل الا الحكمه ‌و‌ الصواب ‌و‌ ‌ما‌ فيه الخير ‌و‌ الرشاد، فوجب السكوت عن السئوال للقطع بانتفاء القبح عن جميع ‌ما‌ يفعله ‌من‌ الافعال ‌فى‌ جميع الاحوال ‌و‌ ليس كذلك ‌من‌ سواه فانهم عباد مملوكون ‌و‌ خلق مستعبدون يقع منهم الحسن ‌و‌ القبيح ‌و‌ يصدر منهم الخطا ‌و‌ الصواب، فهم جديرون ‌ان‌ يسالهم مالكهم الذى ‌لا‌ يجوز لهم ‌ان‌ يسالوه ‌و‌ يقول لهم لم فعلتم ‌فى‌ كل شى ء فعلوه فهو «لا يسئل عما يفعل ‌و‌ ‌هم‌ يسئلون».
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ المسلمين اجمعوا على انه ‌لا‌ يجوز ‌ان‌ يقال لله سبحانه لم فعلت، ‌و‌ لكنهم اختلفوا ‌فى‌ عدم جواز السئوال لاى سبب.
 فذهبت الاشاعره الى ‌ان‌ افعاله تعالى ‌لا‌ تعلل بالاغراض ‌و‌ المصالح ‌و‌ له بحكم المالكيه ‌ان‌ يفعل ‌فى‌ مخلوقاته ‌ما‌ يشاء، فان ‌من‌ تصرف ‌فى‌ ملك نفسه ‌لا‌ يقال لم فعلت، ‌و‌ كيف يتصور ‌فى‌ حقه استحقاق ذم؟ ‌و‌ استحقاق المدح ثابت له ‌و‌ ‌ما‌ يثبت للشى ء لذاته يستحيل ‌ان‌ يتبدل لاجل تبدل الصفات ‌و‌ كما ‌ان‌ ذاته غير معلله بشى ء فكذلك صفاته ‌و‌ افعاله، ‌و‌ انه غير محتاج الى الاسباب ‌و‌ الوسايط ‌و‌ الاغراض ‌و‌ المقاصد، ورد بان نفى الغرض يستلزم العبث ‌و‌ ‌لا‌ يلزم عوده اليه حتى يكون مستكملا به.
 ‌و‌ قالت الاماميه ‌و‌ المعتزله: انه تعالى عالم بقبح القبائح غنى عن فعلها، ‌و‌ القبيح ‌لا‌ يصدر الا ‌من‌ جاهل بقبحه ‌او‌ محتاج الى فعله، فلما كان تعالى عالما بما
 
كان ‌و‌ يكون ‌من‌ قبيح ‌و‌ حسن غنيا عن المنافع ‌و‌ المضار صح انه ‌لا‌ يفعل الا الحكمه ‌و‌ ‌لا‌ يحدث الا الصواب، ‌و‌ استحال فعل القبيح عليه ‌من‌ كل وجه.
 ‌و‌ اذا عرف المكلف اجمالا ‌ان‌ كل ‌ما‌ يفعله تعالى فهو حكمه ‌و‌ صواب وجب ‌ان‌ يسكت عن لم، ‌و‌ اذا كان الملوك المجازيون ‌لا‌ يسالهم ‌من‌ ‌فى‌ مملكتهم عما يوردون ‌و‌ يصدرون ‌من‌ تدبير مملكتهم تهيبا ‌و‌ اجلالا مع جواز الخطا ‌و‌ الزلل عليهم، فملك الملوك ‌و‌ رب الارباب اولى بان ‌لا‌ يسال عن افعاله لما ركز ‌فى‌ العقول ‌من‌ ‌ان‌ كل ‌ما‌ يفعله فهو حسن مشتمل على الغايات الصحيحه.
 ‌و‌ عن الصادق (عليه السلام) ‌فى‌ تفسير الايه المذكوره قال: ‌لا‌ يسال عما يفعل لانه ‌لا‌ يفعل الا ‌ما‌ كان حكمه ‌و‌ صوابا ‌و‌ ‌هو‌ المتكبر الجبار ‌و‌ الواحد القهار فمن وجد ‌فى‌ نفسه حرجا ‌فى‌ شى ء مما قضى كفر، ‌و‌ ‌من‌ انكر شيئا ‌من‌ افعاله جحد، ‌و‌ ‌هم‌ يسالون قال: يعنى بذلك خلقه انه يسالهم.
 
حبس: ‌من‌ باب ضرب اى: منع.
 ‌و‌ العباد: جمع عبد ‌و‌ اكثر ‌ما‌ يطلق على المملوك ‌و‌ قد يطلق على الانسان حرا كان ‌او‌ رفيقا.
 قال صاحب المحكم: يذهب بذلك الى انه مملوك لباريه ‌عز‌ ‌و‌ جل.
 قال سيبويه: ‌هو‌ ‌فى‌ الاصل صفه، قالوا رجل عبد ‌و‌ لكنه استعمل استعمال الاسماء.
 
 
قال الجوهرى: ‌و‌ اصل العبوديه، الخشوع ‌و‌ الذل».
 ‌و‌ للعبد عشرون جمعا، اشهرها عباد ‌و‌ عبيد ‌و‌ اعبد.
 ‌و‌ جعل بعضهم العباد لله ‌و‌ غيره ‌من‌ الجمع لله ‌و‌ المخلوقين ‌و‌ لو مع ‌ما‌ ‌فى‌ حيزها صله الموصول على معنى، ‌و‌ الحمد لله الذى صفته ‌و‌ نعته انه لو حبس عن عباده معرفه حمده لتصرفوا.
 قال ابوالبقاء: ‌و‌ يقع الشرط صله ‌و‌ صفه ‌و‌ حالا، ‌و‌ كان الجمله الشرطيه مستثناه عندهم ‌من‌ الانشائيه التى ‌لا‌ يقع شيئا ‌من‌ ذلك ‌و‌ الذى سوغ ذلك ‌ان‌ كون حال الموصول ‌و‌ نحوه ‌و‌ صفته مضمون الشرطيه قضيه معلومه.
 كمانبه عليه صاحب الكشاف ‌فى‌ قوله تعالى: «و ليخش الذين لو تركوا ‌من‌ خلفهم ذريه ضعافا خافوا عليهم» حيث قال: فان قلت فما معنى لو تركوا ‌و‌ جوابه صله. قلت: معناه ‌و‌ ليخش الذين صفتهم ‌و‌ حالهم انهم لو تركوا
 قال التفتازانى: يعنى ‌ان‌ الصله تجب ‌ان‌ تكون قضيه معلومه للمخاطب ثابته للموصول كالصفه للموصوف، فكيف ذلك ‌فى‌ الشرطيه الواقعه صله؟، فاجاب بان كون حال الموصول ‌و‌ صفته مضمون هذه الشرطيه قضيه معلومه انتهى.
 
و المعرفه: العلم.
 ‌و‌ قيل: هى ادراك البسائط ‌و‌ الجزئيتات، ‌و‌ العلم ادراك المركبات ‌و‌ الكليات ‌و‌ ‌من‌ ثم يقال عرفت الله ‌و‌ لايقال علمته.
 ‌و‌ قيل: هى عباره عن الادراك التصورى، ‌و‌ العلم ‌هو‌ الادراك التصديقى.
 ‌و‌ ‌من‌ ذهب الى هذا القول جعل العرفان اعظم رتبه ‌من‌ العلم، قال: لان تصديقنا باستناد هذه المحسوسات الى موجود واجب الوجود امر معلوم بالضروره، ‌و‌ اما تصور حقيقه واجب الوجود فامر فوق الطاقه البشريه لان الشى ء ‌ما‌ لم يعرف لم تطلب ماهيته فعلى هذا كل عارف عالم ‌من‌ دون عكس، ‌و‌ لذلك كان الرجل لايسمى عارفا الا اذا توغل ‌فى‌ بحار العلوم ‌و‌ ميادينها ‌و‌ ترقى ‌من‌ مطالعها الى مقاطعها ‌و‌ ‌من‌ مباديها الى غاياتها بحسب الطاقه البشريه.
 ‌و‌ قيل: هى ادراك الشى ء ثانيا بعد توسط نسيانه فلذلك يسمى الحق تعالى بالعالم دون العارف، ‌و‌ ‌هو‌ اشهر الاقوال ‌فى‌ تعريف المعرفه.
 ‌و‌ على هذا فيحتمل ‌ان‌ يكون سبحانه الهم عباده حمده اولا ‌فى‌ عالم الارواح كما الهمهم الاقرار بربوبيته ‌فى‌ عالم الذر، ثم عرفهم اياه ثانيا ‌فى‌ عالم الاجسام بما افاض عليهم ‌من‌ القوى الادراكيه ‌او‌ بارسال الرسل بناء على ‌ما‌ ‌هو‌ الحق ‌من‌ ‌ان‌ جميع المعارف ‌و‌ الاحكام توقيفيه لاتعرف الا ‌من‌ جهه الرسول المبعوث بتعريفها.
 فان قلت: المعرفه بهذا المعنى تقتضى ‌ان‌ يعرف المدرك ‌ان‌ هذا الذى ادركه ثانيا ‌هو‌ الذى ادركه اولا ‌و‌ نحن لانعرف ذلك، فكيف يكون ادراكنا لحمده ‌فى‌ هذا العالم معرفه بهذا المعنى؟.
 قلت: اما التعريف منه سبحانه فقد وقع على طبق الهامه الاول.
 
و اما المعرفه منا فمن تخلص ‌من‌ ظلمه الطبع ‌و‌ هاويه الهوى فهو يعرف ذلك، كما ‌هو‌ حال الانبياء ‌و‌ الاوصياء ‌و‌ ارباب العرفان.
 حتى قال بعضهم: انى لاجد لذه قوله تعالى «الست بربكم» ‌فى‌ سمعى الى الان.
 ‌و‌ اما ‌من‌ نام ‌فى‌ مراقد الغفلات ‌و‌ لم يخرج بعد ‌من‌ غسق الظلمات فهو على حاله ‌فى‌ جهل الغفله ‌و‌ النسيان مستمر داخل فيمن ينادى: «و لقد يسرنا القران للذكر فهل ‌من‌ مدكر». اللهم اجعلنا ‌من‌ المنتبهين ‌من‌ سنه الغفله ‌و‌ الحقنا بمن محى عرفانه جهله.
 قوله «على ‌ما‌ ابلاهم ‌من‌ مننه». الابلاء ‌و‌ الابتلاء: الامتحان ‌و‌ الاختبار.
 يقال: ابلاه الله بخير ‌او‌ شريبليه، ابلاء ‌و‌ يتعدى بنفسه ايضا، فيقال: بلاه يبلوه بلوى ‌و‌ الاسم البلاء مثل سلام.
 ‌و‌ قال القتيبى: يقال ‌من‌ الخير ابليته ابليه ابلاء، ‌و‌ ‌من‌ الشر بلوته ابلوه بلاء.
 قال ابن الاثير: ‌و‌ المعروف ‌ان‌ الابتلاء يكون ‌فى‌ الخير ‌و‌ الشر معا ‌من‌ غير فرق بين فعليهما ‌و‌ منه قوله تعالى «و نبلوكم بالشر ‌و‌ الخير فتنه». ‌و‌ منه الحديث: «من ابلى فذكر فقد شكر» الابلاء: الانعام ‌و‌ الاحسان يقال: بلوت الرجل ‌و‌ ابليت عنده بلاء حسنا انتهى.
 قال بعضهم: ‌و‌ التحقيق مع القتيبى لان كلامه ‌فى‌ الفرق بينهما ‌لا‌ انه ‌لا‌
 
يستعمل كل ‌فى‌ غيره تغليبا، ‌او‌ مقيدا ‌و‌ نظيره الفرق المشهور بين وعد ‌و‌ اوعده حيث يستعمل الاول ‌فى‌ الخير، ‌و‌ الثانى ‌فى‌ الشر، عند الاطلاق ‌و‌ قد يستعمل كل بخلاف الاخر بقرينه صارفه كقوله تعالى «الشيطان يعدكم الفقر» ‌و‌ قوله سبحانه: «يستعجلونك بالعذاب ‌و‌ لن يخلف الله وعده».
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌و‌ اما لمه الملك فايعاد بالخير.
 ‌و‌ المنن: جمع منه بالكسر بمعنى النعمه، ‌و‌ كثيرا ‌ما‌ ترد بمعنى الاحسان الى ‌من‌ ‌لا‌ يطلب الجزاء منه، ‌و‌ منه المنان ‌من‌ اسمائه تعالى.
 ‌و‌ قيل: هى النعمه الثقيله ‌و‌ تطلق على معنيين.
 احدهما: ‌ان‌ تكون بالفعل نحو ‌من‌ عليه اثقله بالنعمه، ‌و‌ منه: «لقد ‌من‌ الله على المومنين».
 ‌و‌ الثانى: ‌ان‌ تكون بالقول ‌و‌ ‌هو‌ عد الاحسان ‌و‌ ‌هو‌ مستقبح، ‌و‌ لهذا قيل: المنه تهدم الصنيعه الا عند الكفران.
 ‌و‌ قال بعض العلماء: المنه تذكير المنعم للمنعم عليه بنعمته ‌و‌ التطاول عليه بها كقوله تعالى: «يا بنى اسرائيل اذكروا نعمتى التى انعمت عليكم»، ‌فى‌ غير موضع ‌من‌ كتابه ‌و‌ هى صفه مدح للحق سبحانه، ‌و‌ ‌ان‌ كانت صفه ذم لخلقه، ‌و‌ السبب الفارق كون كل منعم سواء يحتمل ‌ان‌ يتوقع لنعمته جزاء ‌او‌ يستفيد كمالا يعود اليه مما افاده، ‌و‌ ايسره توقع الذكر ‌و‌ يقبح بمن يعامل بنعمته ‌و‌ يتوقع
 
لها جزاء ‌ان‌ يمن بها لما يستلزمه المن ‌من‌ التطاول ‌و‌ الكبر ‌و‌ توقع الجزاء ‌و‌ الحاجه اليه مع التطاول ‌و‌ الكبر مما ‌لا‌ يجتمعان ‌فى‌ العرف، اذ التطاول ‌و‌ الكبر انما يليقان بالغنى عن ثمره ‌ما‌ تطاول ‌به‌ ‌و‌ لان التطاول مما يتاذى ‌به‌ المنعم عليه فيبطل بذلك استعداد نفس المنعم لقبول رحمه الله ‌و‌ جزائه، ‌و‌ لذلك ورد النهى عن المنه ‌فى‌ قوله تعالى: «يا ايها الذين امنوا ‌لا‌ تبطلوا صدقاتكم بالمن ‌و‌ الاذى» فجعلهما سببا لبطلان الصدقه ‌اى‌ عدم استحقاق ثوابها انتهى.
 ‌و‌ فيه نظر فقد ورد ‌فى‌ الدعاء عنهم (عليهم السلام) تنزيهه تعالى عن الامتنان بالمعنى المذكور.
 كقول على ‌بن‌ الحسين (عليهماالسلام) ‌فى‌ دعائه ‌فى‌ طلب الحوائج: «و ‌يا‌ ‌من‌ ‌لا‌ يكدر عطاياه بالامتنان».
 ‌و‌ قوله (عليه السلام) ‌فى‌ وداع شهر رمضان: «و لم تشب عطاءك بمن».
 ‌و‌ سياتى الكلام على ذلك ‌فى‌ الروضه الثانيه عشره ‌ان‌ شاء الله تعالى.
 ‌و‌ المتتابعه: المتواليه ‌من‌ تتابع الشى ء تبع بعضه بعضا.
 ‌و‌ الاسباغ: التوسيع ‌و‌ الافاضه، سبغت النعمه سبوغا اتسعت، ‌و‌ اسبغها الله افاضها ‌و‌ اتمها.
 ‌و‌ منه حديث شريح: اسبغوا لليتيم ‌فى‌ النفقه ‌اى‌ انفقوا عليه تمام ‌ما‌ يحتاج اليه ‌و‌ وسعوا عليه.
 ‌و‌ النعم: جمع نعمه بالكسر ‌و‌ هى ‌ما‌ قصد ‌به‌ الاحسان ‌و‌ النفع.
 
و المتظاهره: الظاهره ‌او‌ المترادفه كما مر بيانه.
 ‌و‌ صرفته ‌فى‌ الامر تصريفا فتصرف: جعلت يتقلب فيه كيف شاء فتقلب هو، ‌و‌ وسعت الشى ء فتوسع، بسطته فانبسط.
 
«كذلك» فيه ‌و‌ جهان:
 احدهما: ‌ان‌ تكون الكاف للاستعلاء اى: على ذلك، كقولهم ‌كن‌ كما انت عليه اى: على ‌ما‌ انت عليه ‌فى‌ احد الوجوه ‌و‌ الاشاره الى المفهوم ‌من‌ سياق الكلام ‌اى‌ ‌و‌ لو كانوا مستمرين على ذلك ‌من‌ تصرفهم ‌فى‌ مننه بغير حمده ‌و‌ توسعهم ‌فى‌ رزقه ‌من‌ دون شكره.
 الثانى: ‌ان‌ تكون على معناها ‌من‌ التشبيه.
 ‌و‌ المعنى: لو كانوا دائما مماثلين لانفسهم ‌فى‌ تلك الحاله ‌من‌ تصرفهم ‌و‌ توسعهم ‌فى‌ مننه ‌و‌ رزقه بدون حمده ‌و‌ شكره لخرجوا ‌من‌ حدود كونهم اناسا الى ‌حد‌ كونهم بهائم، فان ياء النسبه اذا لحقت آخر الاسم ‌و‌ بعدها هاء التانيث افادت معنى المصدر نحو الفرسيه ‌و‌ الضاربيه، ‌و‌ ‌فى‌ اضافه الحدود مجموعه الى الانسان اشاره الى اتصاف الانسان بامور متعدده يمتاز بها عما سواه ‌من‌ الكمالات العلميه ‌و‌ العمليه التى كل واحد منها بالنسبه اليه ‌حد‌ بخلاف البهيميه فليس لها الا ‌حد‌ عدم العقل
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه قديمه: ‌و‌ لدخلوا ‌فى‌ حريم البهيميه ‌و‌ ‌هو‌ قريب ‌من‌ معنى الحد، فان حريم الدار ‌ما‌ حولها ‌من‌ حقوقها ‌و‌ مرافقها سمى بذلك لانه يحرم على غير مالكها ‌ان‌ يستبد بالارتفاق به، ‌و‌ منه حريم البئر اربعون ذراعا.
 
و الانسان: اسم جنس يقع على الواحد ‌و‌ الجمع ‌و‌ الذكر ‌و‌ الانثى ‌و‌ اختلفوا ‌فى‌ اشتقاقه مع اتفاقهم على زياده النون الاخيره.
 فقال البصريون: ‌من‌ الانس لانهم يستانسون بامثالهم فالهمزه اصل ‌و‌ وزنه فعلان.
 ‌و‌ قال الكوفيون: مشتق ‌من‌ النسيان فالهمزه زائده ‌و‌ وزنه افعان على النقص ‌و‌ الاصل انسيان افعلان فحذفت الياء استخفافا لكثره الاستعمال ‌و‌ لهذا يرد الى اصله ‌فى‌ التصغير فيقال: انيسيان.
 ‌و‌ البهيمه: كل ذات اربع ‌من‌ دواب البر ‌و‌ البحر، ‌و‌ كل حيوان ‌لا‌ يميز فهو بهيمه.
 قوله (عليه السلام) «فى محكم كتابه». اما ‌من‌ اضافه الصفه الى الموصوف، كجرد قطيفه، ‌و‌ اخلاق ثياب، اى: كتابه المحكم، لقوله تعالى «كتاب احكمت آياته»، يقال: احكمت الشى ء اذا اتقنته فاستحكم هو.
 ‌و‌ المراد: انه ‌لا‌ اختلاف فيه ‌و‌ ‌لا‌ اضطراب كما قال تعالى: «و لو كان ‌من‌ عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا» ‌او‌ ‌من‌ باب اضافه البعض الى الكل لانقسام الكتاب الى محكم ‌و‌ متشابه لقوله تعالى: «هو الذى انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ‌ام‌ الكتاب ‌و‌ اخر متشابهات»، ‌و‌ المحكم ‌ما‌ وضح معناه، ‌و‌ المتشابه نقيضه.
 ‌و‌ قيل: غير ذلك، ‌و‌ سنستوفى الكلام عليه ‌فى‌ شرح دعاء ختم القرآن ‌ان‌ شاء الله تعالى.
 
قوله: «ان ‌هم‌ الا كالانعام» ان: نافيه اى: ‌ما‌ ‌هم‌ الا كالانعام، ‌و‌ الانعام: جمع نعم بفتحتين كسبب ‌و‌ اسباب، ‌و‌ النعم: اسم جمع ‌لا‌ واحد له ‌من‌ لفظه.
 قيل: يونث ‌و‌ يذكر.
 ‌و‌ قال الفراء: ‌هو‌ مذكر ‌و‌ ‌لا‌ يونث، ‌و‌ ‌هو‌ الابل ‌و‌ البقر ‌و‌ الضان ‌و‌ المعز.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ الابل خاصه ‌و‌ اذا كان معها بقروغنم فهى انعام ‌و‌ ‌ان‌ انفردت البقر ‌و‌ الغنم لم تسم نعما.
 قال القرطبى: ‌و‌ الاول ‌هو‌ الصحيح.
 ‌و‌ نقل الواحدى: اجماع اهل اللغه عليه.
 ‌و‌ المعنى ‌ما‌ ‌هم‌ ‌فى‌ عدم معرفه ‌ما‌ يجب عليهم ‌من‌ حمد المنعم ‌و‌ شكره على نعمه ‌و‌ مننه ‌او‌ ‌فى‌ ‌ان‌ مشاعرهم متوجهه الى اسباب التعيش مقصوره عليها الا كالانعام التى هى مثل ‌فى‌ الغفله، ‌و‌ علم ‌فى‌ الضلاله، بل ‌هم‌ اضل سبيلا منها.
 ‌و‌ بيانه: ‌ان‌ الانسان يشاركه سائر الحيوان ‌فى‌ القوى الطبيعه الغاذيه ‌و‌ الناميه ‌و‌ المولده، ‌و‌ ‌فى‌ منافع الحواس الخمس الظاهره، ‌و‌ ‌فى‌ احوال التخيل ‌و‌ انما يحصل الامتياز له بالقوه العقليه التى تهديه الى معرفه الحق لذاته ‌و‌ الخير لاجل العمل ‌به‌ فاذا لم تحصل هذه الغايه للانسان صار ‌فى‌ درجه الانعام بل اضل ‌و‌ ادون منها لانها غير
 
معطله لقوه ‌من‌ القوى المودعه فيها بل صارفه لها الى ‌ما‌ خلقت لاجله فلا تقصير ‌من‌ قبلها ‌فى‌ طلب الكمال، ‌و‌ اما هولاء فهم معطلون لقواهم العقليه مضيعون للفطره التى فطرهم الله عليها مستحقون بحكم العقل اعظم العقاب ‌و‌ اشد النكال، تذكره ‌فى‌ كلامه (عليه السلام) هذا اشاره الى ‌ان‌ شكر المنعم واجب عقلا لدلالته على انه مع عدم ارشاد العباد الى معرفته لو لم يصدر منهم لكانوا مذمومين داخلين ‌فى‌ ‌حد‌ البهائم بل كانوا اضل منها سبيلا.
 ‌و‌ المساله محل خلاف، فذهبت الاشاعره الى وجوبه شرعا، ‌و‌ ذهبت الاماميه ‌و‌ المعتزله الى انه واجب عقلا ‌و‌ لو لم يرد ‌به‌ نقل اصلا، استدلت اصحابنا الاماميه على ذلك بان ‌من‌ نظر بعين عقله الى ‌ما‌ وهب له ‌من‌ القوى ‌و‌ الحواس الباطنه ‌و‌ الظاهره، ‌و‌ تامل بنور فطرته فيما ركب ‌فى‌ بدنه ‌من‌ دقائق الحكمه الباهره، ‌و‌ صرف بصر بصيرته الى ‌ما‌ ‌هو‌ مغمور فيه ‌من‌ انواع النعماء ‌و‌ اصناف الالاء التى ‌لا‌ يحصر عشر مقدارها ‌و‌ ‌لا‌ يوقف على انحصارها، فان العقل يحكم حكما لازما بان ‌من‌ انعم عليه بتلك النعم العظيمه ‌و‌ المنن الجسميه حقيق بان يحمد ‌و‌ يشكر، ‌و‌ خليق بان ‌لا‌ يجحد ‌و‌ ‌لا‌ يكفر ‌و‌ يقضى قضاء جازما بان ‌من‌ اعرض عن شكر تلك الالطاف العظام ‌و‌ اهمل حمد هذه الايادى الجسام مع تواترها آنا فانا ‌و‌ ترادفها برا ‌و‌ امتنانا فهو مستوجب للذم ‌و‌ العتاب بل مستحق لاليم النكال ‌و‌ عظيم العقاب، ثم ‌ان‌ الاشاعره بعد ‌ما‌ لفقوا ادله سقيمه ظنوها حججا قاطعه على ابطال الحسن ‌و‌ القبح العقليين ‌و‌ رتبوا قضايا عقيمه حسبوها براهين ساطعه على حصرهما ‌فى‌ الشرعيين ارادوا تبكيت اصحابنا باظهار الغلبه عليهم على تقدير موافقتهم ‌فى‌ القول المنسوب اليهم.
 فقالوا: اننا لو تنزلنا لكم ‌و‌ سلمنا ‌ان‌ الحسن ‌و‌ القبح عقليان ‌و‌ اننا ‌و‌ اياكم ‌فى‌
 
الاذعان بذلك سيان فان عندنا ‌ما‌ يوجب تزييف قولكم بوجوب شكر المنعم بقضيه العقل ‌و‌ لدينا ‌ما‌ يقتضى تسخيف اعتقادكم بثبوت ذلك ‌من‌ دون ورود النقل، فان ‌ما‌ جعلتموه دليلا ‌من‌ خوف العتاب ‌و‌ مظنه العقاب مردود اليكم ‌و‌ مقلوب عليكم، اذ الخوف انما ‌هو‌ عند قيام العبد بوظائف الشكر ‌و‌ الحمد فان كل ‌من‌ له ادنى عقل يحكم حكما ‌لا‌ ريب فيه ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ يعتريه بان السلطان العظيم ‌و‌ الملك الكريم الذى ملك الاكناف شرقا ‌و‌ غربا ‌و‌ سخر الاطراف بعدا ‌و‌ قربا، اذا مد لاهل مملكته ‌من‌ الخاص ‌و‌ العام مائده عظيمه ‌لا‌ مقطوعه ‌و‌ ‌لا‌ ممنوعه على توالى الايام مشتمله على انواع المطاعم الشهيه مشحونه باصناف المشارب السنيه يجلس عليها الدانى ‌و‌ القاصى ‌و‌ يتمتع بطيباتها المطيع ‌و‌ العاصى، فحضرها ‌فى‌ بعض الاحيان فقير لم يحضرها قبل ذلك الان فدفع اليه الملك ‌من‌ ذلك الخبز لقمه واحده ‌لا‌ غير فتناولها ذلك الفقير ثم شرع ‌فى‌ الثناء على ذلك الملك الخطير ‌و‌ جعل يمدحه بجليل الانعام ‌و‌ الاحسان ‌و‌ يحمده على جزيل البر ‌و‌ الامتنان ‌و‌ لم يزل يصف تلك اللقمه ‌و‌ يذكرها ‌و‌ يعظم شانها ‌و‌ يشكرها فتاره يحرك انملته شاكرا ‌و‌ طورا يهز راسه ذاكرا، فلا ‌شك‌ ‌ان‌ ذلك الشكر ‌و‌ الثناء ينتظم عند العقلاء ‌فى‌ سلك التهكم ‌و‌ الاستهزاء فيتوجه العتاب اليه بل يستحق العقاب عليه، فكيف ‌و‌ نعم الله تعالى علينا بالنسبه الى عظيم سلطانه ‌و‌ عميم كرمه ‌و‌ احسانه احقر ‌من‌ تلك اللقمه بالنسبه الى ذلك الملك بمراتب ‌لا‌ يحويها الاحصاء ‌و‌ ‌لا‌ يحوم حولها الاستقصاء، فظهر ‌ان‌ العقل السليم ‌و‌ الراى القويم يقتضيان تقاعدنا عن شكره تعالى على نعمائه ‌و‌ يحكمان بوجوب الكف عن حمده سبحانه على الائه ‌و‌ ‌لا‌ يخفى على ‌من‌ سلك مسالك السداد ‌و‌ لم ينهج مناهج اللجاج ‌و‌ العناد، ‌ان‌ لاصحابنا رضوان الله عليهم ‌ان‌ يقولوا ‌ان‌ ‌ما‌
 
اوردتموه ‌من‌ الدليل ‌و‌ تكلفتموه ‌من‌ التمثيل كلام مختل عليل ‌لا‌ يروى الغليل ‌و‌ ‌لا‌ يصلح للتاويل فان تلك اللقمه لما كانت ذات قدر حقير عند الملك، ‌و‌ الفقير عديمه الاعتبار ‌فى‌ جميع الانظار، ‌لا‌ جرم كان الحمد عليها ‌و‌ الثناء منخرطا ‌فى‌ سلك السخريه ‌و‌ الاستهزاء، فالمثال المطابق لما نحن فيه المناسب لما نقتفيه ‌ان‌ يقال: اذا كان ‌فى‌ زاويه الخمول ‌و‌ هاويه الذهول، مسكين اخرس اللسان، مووف الاركان، مشلول اليدين معدوم الرجلين مبتلى بالاسقام ‌و‌ الامراض، محروم ‌من‌ جميع المطالب ‌و‌ الاغراض، عادم للحواس الظاهره باسرها، عار عن المدارك الباطنه باخرها، فاخرجه الملك ‌من‌ غيابه تلك الزاويه، ‌و‌ كابه تلك الهاويه، ‌و‌ ‌من‌ عليه باطلاق لسانه، ‌و‌ تقويه اركانه، ‌و‌ ازاحه خلله ‌و‌ علله، ‌و‌ اماطه اقعاده ‌و‌ شلله، ‌و‌ تعطف عليه باعطائه السمع ‌و‌ البصر، ‌و‌ تكرم بهدايته الى جلب النفع ‌و‌ دفع الضرر ‌و‌ بالغ ‌فى‌ اعزازه ‌و‌ اكرامه، ‌و‌ فضله على كثير ‌من‌ اتباعه ‌و‌ خدامه، ثم انه بعد انقاذ الملك له ‌من‌ تلك الافات العظيمه، ‌و‌ البلايا العميمه، ‌و‌ شفائه ‌من‌ تلك الامراض ‌و‌ الاسقام، ‌و‌ الاحسان اليه بجزيل الانعام ‌و‌ جميل الاكرام، طوى عن شكره كشحا، ‌و‌ اضرب عن حمده صفحا، ‌و‌ لم يظهر منه ‌ما‌ يدل على الاعتناء بتلك النعماء التى ساقها ذلك الملك اليه، ‌و‌ الالاء التى افاضها ‌و‌ اسبغها عليه، بل كان حاله بعد وصولها كحاله قبل حصولها، فلا ريب انه مذموم بكل لسان، مستوجب للاهانه ‌و‌ الخذلان، فدليلكم حقيق بان تكتموه ‌و‌ ‌لا‌ تظهروه، ‌و‌ تمثيلكم خليق بان تستروه ‌و‌ ‌لا‌ تسطروه فان العقل السليم ياباهما، ‌و‌ الطبع المستقيم ‌لا‌ يرضا هما «و الله يقول الحق ‌و‌ ‌هو‌ يهدى السبيل».
 
من نفسه اى: ‌من‌ ذاته المقدسه، ‌و‌ جواز اطلاق النفس مرادا ‌به‌ الذات عليه سبحانه بلا مشاكله مما ‌لا‌ كلام فيه عند المتقدمين.
 قال البغوى: النفس يطلق على الدم ‌و‌ على نفس الحيوان ‌و‌ على الذات ‌و‌ على الغيب.
 ‌و‌ الاولان يستحيلان ‌فى‌ حقه سبحانه، ‌و‌ الاخران يصح ‌ان‌ يرادا ‌و‌ منه «و ‌لا‌ اعلم ‌ما‌ ‌فى‌ نفسك» ‌اى‌ ‌فى‌ ذاتك ‌او‌ ‌فى‌ غيبك.
 ‌و‌ زعم بعض المتاخرين انه ‌لا‌ يجوز اطلاقه عليه تعالى ‌و‌ ‌ان‌ اريد ‌به‌ الذات الا مشاكله ‌و‌ كفى شاهدا على جوازه وروده ‌فى‌ كلام المعصومين (عليهم السلام)
 ‌و‌ «من» ‌فى‌ كلا الفقرتين بيانيه.
 ‌و‌ معنى تعريف الله سبحانه نفسه: انه تعالى عرف عباده ‌و‌ جوده ‌و‌ علمه ‌و‌ قدرته ‌و‌ حكمته:
 اولا: بما يدل على ذلك بالضروره، فان ‌من‌ تامل ‌فى‌ خلق السماوات ‌و‌ الارض ‌و‌ ‌ما‌ بينهما سيما ‌فى‌ بدء خلقه ‌فى‌ ظلمات الارحام، ‌و‌ متضاعفات الاستار ‌و‌ استقراره ‌فى‌ قرار مكين الى قدر معلوم، ‌و‌ اجل معين، ‌و‌ تقلبه ‌فى‌ بطن امه ‌من‌ حال الى حال، ‌و‌ ‌هو‌ ‌لا‌
 
يعى دعاء ‌و‌ ‌لا‌ يسمع نداء ‌و‌ خروجه ‌من‌ ذلك المضيق الى منزل لم يشهده ‌و‌ مقام لم يعرفه ‌و‌ اجترار غذائه ‌من‌ الثدى عند الحاجه يعلم ‌ان‌ له الها صانعا قادرا عليما حكيما، ‌و‌ هذا العلم ضرورى، ‌و‌ ‌ان‌ احتاج الى تنبيه كما ورد ‌فى‌ مواضع ‌من‌ القرآن العزيز.
 ثم عرفهم ‌ما‌ وراء ذلك ‌من‌ صفات الكمال ‌و‌ عينيتها ‌و‌ نعوت الجلال التى ‌لا‌ تطلع عليها العقول بالاستقلال بالاشراقات القلبيه ‌و‌ ارسال الرسل ‌و‌ انزال الكتب ‌و‌ نصب الائمه ليحيى ‌من‌ حى عن بينه ‌و‌ يهلك ‌من‌ هلك عن بينه ‌و‌ لئلا يكون للناس على الله حجه، فوجب عليهم ‌ان‌ يعرفوه كما عرفهم، ‌و‌ ‌ان‌ يصفوه بما وصف ‌به‌ نفسه ‌و‌ ‌من‌ وصفه بغير ذلك فقد اشرك بالله ‌و‌ الحد ‌فى‌ امره ‌و‌ تعدى ‌فى‌ حقه.
 
 تبصره
 
 ليس المراد بمعرفته سبحانه الا معرفه كونه موجودا قيوما متصفا بالصفات الحسنى مقدسا عما ‌لا‌ يليق بجنابه الاسنى.
 ‌و‌ اما معرفه كنه ذاته ‌و‌ حقيقه صفاته فامر مستحيل ‌و‌ ليس للعقول اليه سبيل.
 قالوا ‌و‌ تقرير ذلك ‌و‌ بيانه: ‌ان‌ طريق معرفه الشى ء احد امور ثلاثه.
 اما: بمشاهدته ‌و‌ حضوره عند العارف كمعرفه هذا الرجل ‌و‌ هذا الفرس.
 ‌و‌ اما: بمعرفه علله ‌و‌ اسبابه ‌و‌ هذا الطريق يقال له: برهان لمى.
 ‌و‌ اما: بمعرفه آثاره ‌و‌ معلولاته ‌و‌ يقال له: برهان انى.
 ‌و‌ ‌لا‌ طريق الى المعرفه غير هذه الثلاثه لان ‌ما‌ ‌لا‌ يكون نفس الشى ء ‌و‌ ‌لا‌ علته ‌و‌ ‌لا‌ معلوله ‌لا‌ تعلق له بذلك الشى ء فلا مدخل له ‌فى‌ كونه وسيله الى معرفته.
 
ثم الطريق الاول ‌لا‌ يمكن الا بفناء هويه الممكن ‌و‌ اندكاك جبل انيته ‌و‌ لم يتيتسر لاحد ‌من‌ الانبياء ‌فى‌ دار الدنيا فضلا عن غيرهم.
 ‌و‌ الطريق الثانى ‌لا‌ اثر له ‌فى‌ ساحه قدسه ‌جل‌ شانه لانه بسيط صرف ‌لا‌ تركيب فيه اصلا ‌لا‌ ذهنا ‌و‌ ‌لا‌ خارجا، واجب لذاته مبدا لجميع ‌ما‌ سواه ‌و‌ اليه تنتهى الاثار كلها فلا فاعل له خارجا عن ذاته ‌و‌ ‌لا‌ سبب له داخلا ‌فى‌ ذاته، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
 فبقى الطريق الثالث، ‌و‌ العلم الحاصل منه علم ناقص ‌لا‌ يعلم ‌به‌ خصوصيه ذات المعلوم لان الاثر ‌و‌ المعلول ‌لا‌ يستدعيان الا سببا ‌ما‌ ‌و‌ عله ‌ما‌ على وجه كلى ‌لا‌ موثرا معينا ‌و‌ عله معلومه، بل غايه ‌ما‌ يستفاد منه انا اذا نظرنا الى اجزاء العالم ‌و‌ وجود الحوادث ‌و‌ الحركات على اتقن وجه ‌و‌ احكمه علمنا ‌ان‌ ‌فى‌ الوجود خالقا قيوما ازليا واحدا ‌لا‌ شريك له ‌و‌ ‌لا‌ شبيه عالما قادرا موصوفا بالصفات الحسنى ‌و‌ الامثال العليا ‌و‌ الكبرياء ‌و‌ الالاء ‌و‌ هذه الطريقه يشترك ‌فى‌ سلوكها جميع ارباب العقول ‌من‌ العالمين حتى الانبياء ‌و‌ المرسلين كما قال تعالى: «و كذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات ‌و‌ الارض ‌و‌ ليكون ‌من‌ الموقنين» ‌و‌ ‌ان‌ كان سلوكهم ‌و‌ وصولهم على تفاوت مراتب عقولهم، الا ترى انك تستدل بملكوت السماوات ‌و‌ حركات الكواكب ‌و‌ بزوغها ‌و‌ افولها على صانعها ‌و‌ مدبرها كما استدل بها خليل الرحمن ‌و‌ لكن ‌لا‌ يحصل لك ‌من‌ ذلك الا علم ضعيف ‌لا‌ يكاد يمازجه ايمان ‌و‌ ‌لا‌ ايقان حتى لو وقعت ‌فى‌ ادنى بليه جعلت تلوذ بكل ‌من‌ تتوهم انه ينجيك منها. ‌و‌ الذى حصل له (عليه السلام)
 
علم ثابت ‌و‌ يقين جازم، حتى قال له الروح الامين حين رمى بالمنجنيق فكان ‌فى‌ الهواء مائلا الى النار: الك حاجه؟ قال: اما اليك فلا، فاعراضه عنه ‌فى‌ تلك الحاله ‌و‌ التجاوه الى ربه ليس الا لانه راى ‌ان‌ كل ‌ما‌ سواه مفتقر اليه، خاشع لديه، خاضع بين يديه، مقهور لعزته، مغلوب لقدرته، بل لم ير موجودا سواه، ‌و‌ ‌لا‌ ملجا الا اياه، فتبين ‌ان‌ معرفه حقيقه ذاته ‌و‌ ماله ‌من‌ كمال صفاته، امر غير ممكن الحصول ‌و‌ ‌لا‌ للعقول اليه وصول، سواء ‌فى‌ ذلك الملائكه المقربون ‌و‌ الانبياء ‌و‌ المرسلون.
 كما قال اعرف الخلق به: «سبحانك ‌ما‌ عرفناك ‌حق‌ معرفتك».
 ‌و‌ قال: «ان الله احتجب عن العقول كما احتجب عن الابصار ‌و‌ ‌ان‌ الملاء الاعلى يطلبونه كما تطلبونه».
 فلا تلتفت الى ‌من‌ يزعم انه قد وصل الى كنه الحقيقه المقدسه، بل احث التراب ‌فى‌ فيه فقد ضل ‌و‌ غوى ‌و‌ كذب ‌و‌ افترى. فان الامر ارفع ‌و‌ اظهر ‌من‌ ‌ان‌ يتلوث بخواطر البشر. ‌و‌ كل ‌ما‌ تصوره العالم الراسخ، فهو عن حرم الكبرياء بفراسخ، ‌و‌ اقصى ‌ما‌ وصل اليه الفكر العميق، فهو غايه مبلغه ‌من‌ التدقيق.
 ‌و‌ الى ذلك اشار بعضهم حيث قال:
 ‌و‌ الله ‌لا‌ موسى ‌و‌ ‌لا‌ عيسى المسيح ‌و‌ ‌لا‌ محمد
 علموا ‌و‌ ‌لا‌ جبريل ‌و‌ ‌هو‌ الى محل القدس يصعد
 كلا ‌و‌ ‌لا‌ النفس البسيطه ‌لا‌ ‌و‌ ‌لا‌ العقل المجرد
 ‌من‌ كنه ذاتك غير انك واحدى الذات سرمد
 
فسبحان ‌من‌ احتجب بغير حجاب ‌و‌ تقدس عن ادراك العقول ‌و‌ الالباب.
 قوله (عليه السلام) «و الهمنا ‌من‌ شكره». الالهام: ‌ما‌ يلقى ‌فى‌ القلب بطريق الفيض فلا يجب اسناده ‌و‌ استناده الى المعرفه بالنظر ‌فى‌ الادله.
 قال ‌فى‌ الغريب: يقال لما يقع ‌فى‌ النفس ‌من‌ عمل الخير: الهام، ‌و‌ لما يقع ‌من‌ الشر ‌و‌ مالا خير فيه: وسواس، ‌و‌ لما يقع ‌من‌ الخوف: ايحاش: ‌و‌ لما يقع ‌من‌ تقدير نيل الخير: امل، لما يقع ‌من‌ التقدير الذى ‌لا‌ على الانسان ‌و‌ ‌لا‌ له: خاطر انتهى.
 قالوا ‌و‌ الفرق بين الالهام ‌و‌ الوحى ‌من‌ وجوه:
 احدها: ‌ان‌ الالهام يحصل ‌من‌ الحق تعالى ‌من‌ غير واسطه الملك، ‌و‌ الوحى يكون بواسطته.
 الثانى: ‌ان‌ الوحى ‌من‌ خواص الرساله، ‌و‌ الالهام ‌من‌ خواص الولايه.
 الثالث: ‌ان‌ الوحى مشروط بالتبليغ كما قال تعالى: «يا ايها الرسول بلغ ‌ما‌ انزل اليك» دون الالهام.
 ‌و‌ منهم ‌من‌ جعل الالهام نوعا ‌من‌ الوحى كما تقدم.
 ‌و‌ اما لغه: فيطلق احدهما على الاخر، ‌و‌ منه «و اوحى ربك الى النحل» اى: الهمها ‌و‌ قذف ‌فى‌ قلوبها.
 ‌و‌ الشكر: حاله نفسانيه تنشا ‌من‌ العلم بالمشكور ‌و‌ صفاته ‌و‌ انعامه، ‌و‌ تثمر العمل بالقلب ‌و‌ اللسان ‌و‌ الاركان ‌و‌ ‌هم‌ بالنظر الى تلك الثمره، عرفوه: بانه فعل دال على تعظيم المنعم قولا ‌و‌ عملا ‌و‌ اعتقادا. ‌و‌ تخصيصه بالالهام قد وقع نحوه ‌فى‌ كلام اميرالمومنين (عليه السلام) حيث قال ‌فى‌ مفتتح خطبه له: «الحمد لله الملهم عباده حمده».
 
قال بعض الشارحين: اراد بالعباد الملهمين حمده خواص البشر.
 ‌و‌ قال غيره: ‌ان‌ حمد العباد له سبحانه ‌و‌ الثناء عليه بما يليق بجبروته ‌و‌ وصفه بما يصح وصفه ‌به‌ ‌و‌ ‌ان‌ لم تدرك حقيقه صفته انما ‌هو‌ بالهام منه سبحانه ‌ان‌ يحمدوه به، ‌و‌ هذه نعمه منه تعالى يجب الحمد عليها انتهى.
 قلت: ‌و‌ لعل فيه اشاره الى ‌ما‌ روى ‌ان‌ الله سبحانه لما نفخ ‌فى‌ آدم ‌من‌ روحه ‌و‌ صار بشرا فعند ‌ما‌ استوى جالسا عطس فالهم ‌ان‌ قال: الحمد لله رب العالمين، فقال الله تعالى: يرحمك الله ‌يا‌ آدم فكان اول حمد وقع ‌من‌ البشر الهاما.
 ‌و‌ قال ابن ابى طاهر: ‌ما‌ خلق الله شيئا ‌من‌ خلقه الا ‌و‌ الهمه الحمد.
 ‌و‌ قد يراد بالالهام معناه اللغوى ‌و‌ ‌هو‌ الاعلام مطلقا فلا اشكال حينئذ.
 
 تذكره
 
 ‌فى‌ حمده (عليه السلام) لله تعالى على الهام الشكر اشاره الى ‌ما‌ روى عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال: اوحى الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ الى موسى (عليه السلام) ‌يا‌ موسى اشكرنى ‌حق‌ شكرى، فقال: ‌يا‌ رب كيف اشكرك ‌حق‌ شكرك ‌و‌ ليس ‌من‌ شكر اشكرك ‌به‌ الا ‌و‌ انت انعمت ‌به‌ على، قال: ‌يا‌ موسى الان شكرتنى حين علمت ‌ان‌ ذلك منى.
 ‌و‌ مثل ذلك ‌ما‌ روى ‌من‌ طريق العامه ‌فى‌ مناجات رسول الله (صلى الله
 
عليه ‌و‌ آله): انت ‌يا‌ رب اسبغت على النعم السوابغ فشكرتك عليها فكيف لى بشكر شكرك، فقال الله تعالى: تعلمت العلم الذى ‌لا‌ يفوته علم بحسبك ‌ان‌ تعلم ‌ان‌ ذلك ‌من‌ عندى.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذا المعنى يقول محمود الوراق:
 شكر الاله نعمه موجبه لشكره
 ‌و‌ كيف شكرى ‌من‌ بره ‌و‌ شكره ‌من‌ تبره
 ‌و‌ سنستوفى الكلام على مباحث الشكر ‌فى‌ شرح الدعاء السابع ‌و‌ الثلاثين ‌ان‌ شاء الله تعالى.
 ابواب العلم: وجوهه، كان كل وجه منها باب يدخل الى العلم منه.
 ‌و‌ العلم: الاعتقاد الجازم المطابق للواقع.
 ‌و‌ قوله: بربوبيته، متعلق ‌به‌ اى: العلم بانه رب كل شى ء، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ الاصل مصدر بمعنى التربيه، ‌و‌ هى تبليغ الشى ء الى كماله شيئا فشيئا، ثم وصف ‌به‌ الفاعل مبالغه كالعدل ‌و‌ سمى ‌به‌ المالك لانه يحفظ ‌ما‌ يملكه ‌و‌ يربيه، ‌و‌ انما خص الربوبيه ‌من‌ بين الصفات نظرا الى مبدء الاشتقاق الذى ‌هو‌ التربيه، فان العلم بها على حسب آثارها ‌و‌ فتح ابواب العلم بها ‌من‌ اعظم النعم التى يجب الحمد عليها اذ ‌لا‌ شى ء مما احدق ‌به‌ نطاق الامكان ‌و‌ الوجود ‌من‌ العلويات ‌و‌ السفليات ‌و‌ المجردات ‌و‌ الماديات ‌و‌ الروحانيات ‌و‌ الجسمانيات الا ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ ‌حد‌ ذاته بحيث لو فرض انقطاع التربيه عنه آنا واحدا لما استقر له قرار ‌و‌ لهوى ‌فى‌ مهاوى العدم ‌و‌ البوار، ‌و‌ لكنه ‌عز‌ شانه يفيض عليه ‌من‌ جنابه الاقدس ‌فى‌ كل ‌آن‌ ‌و‌ زمان ‌من‌ انواع الفيوض المتعلقه
 
بذاته ‌و‌ صفاته ‌ما‌ ‌لا‌ يحيط ‌به‌ الا ‌هو‌ سبحانه ضروره انه كمالا يستحق شى ء ‌من‌ الممكنات بذاته الوجود ابتداء ‌لا‌ يستحقه بقاء، ‌و‌ انما ذلك ‌من‌ جناب المبدا الاول ‌عز‌ شانه، فكما ‌لا‌ يتصور وجوده ابتداء ‌ما‌ لم ينسد عنه جميع انحاء عدمه الاصلى ‌لا‌ يتصور بقاوه على الوجود بعد تحققه بعلته ‌ما‌ لم ينسد عنه جميع انحاء عدمه الطارى لما ‌ان‌ الدوام ‌من‌ خصائص الوجود الواجبى ‌و‌ ظاهر ‌ان‌ ‌ما‌ يتوقف عليه وجوده ‌من‌ الامور الوجوديه التى هى علله ‌و‌ شرائطه ‌و‌ ‌ان‌ كانت متناهيه لوجوب تناهى ‌ما‌ دخل تحت الوجود، لكن الامور العدميه التى لها مدخل ‌فى‌ وجوده ‌و‌ هى المعبر عنها بارتفاع الموانع ليس كذلك اذ ‌لا‌ استحاله ‌فى‌ ‌ان‌ يكون لشى ء واحد موانع غير متناهيه يتوقف وجوده ‌او‌ بقاوه على ارتفاعها ‌اى‌ بقائها على العدم مع امكان وجودها ‌فى‌ نفسها، فابقاء تلك الموانع التى ‌لا‌ تتناهى على العدم تربيه لذلك الشى ء ‌من‌ وجوه غير متناهيه.
 ‌و‌ بالجمله فاثار تربيته ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ الفائضه على كل فرد ‌من‌ افراد الموجودات ‌فى‌ كل ‌آن‌ ‌من‌ انات الوجود ‌لا‌ تقف على ساحل بحرها الافهام ‌و‌ الالباب، ‌و‌ ‌لا‌ يحيط بمحيط مقدارها حصر ‌و‌ ‌لا‌ حساب، فسبحان ‌من‌ ‌لا‌ يتناهى احسانه ‌و‌ ‌لا‌ يضاهى امتنانه.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ ابواب العلم بربوبيته سبحانه ‌و‌ ‌ان‌ كانت ‌لا‌ تحصى جهاتها الا انها تنحصر ‌فى‌ ثلاثه اقسام تندرج تحت كل قسم مراتب غير محصوره.
 احدها: العلم الفطرى ‌و‌ ‌هو‌ حاصل للعوام ايضا اذ ‌ما‌ ‌من‌ احد الا ‌و‌ يعلم ‌ان‌ له ربا بحسب الفطره الاصليه لما ركب فيه ‌من‌ العقل الذى ‌هو‌ الحجه الاولى ‌و‌ ‌ان‌ انكر وجوده منكر، فانما ‌هو‌ لغلبه الشقاوه المكتسبه المبطله للاستعداد الفطرى ‌و‌ ‌هو‌ مع ذلك يعترف ‌به‌ ‌فى‌ حال الاضطرار.
 الثانى: العلم بالنظر ‌و‌ الاستدلال بالاثار ‌و‌ هذا القسم للخواص.
 
الثالث: العلم بالكشف ‌و‌ الشهود الذى ‌هو‌ عين اليقين ‌و‌ هذا القسم لخواص الخواص الذين يعرفون الحق بالحق.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد بابواب العلم الهداه اليه ‌و‌ الدالين عليه اذ كان العلم يتادى بهم الى مدينه العلم، كما ‌فى‌ قوله (صلى الله عليه ‌و‌ آله): «انا مدينه العلم ‌و‌ على بابها»، ‌و‌ كذا حكم اولاده المعصومين (عليهم السلام).
 قال بعضهم: ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون الباء ‌فى‌ قوله بربوبيته للسببيه ‌و‌ ‌لا‌ يخفى بعده.
 الدلاله: الارشاد.
 ‌و‌ الاخلاص: مصدر اخلص الشى ء اذا جعله خالصا مما يشوبه.
 يقال: خلص الماء اذا صفا ‌من‌ الكدر.
 ‌و‌ كل شى ء صفا عن شوبه ‌و‌ خلص يسمى خالصا، قال تعالى: «من بين فرث ‌و‌ ‌دم‌ لبنا خالصا» اى: ‌لا‌ شوب فيه ‌من‌ الفرث ‌و‌ الدم، ‌و‌ اخلصت النار الذهب: صفته مما يشوبه ‌من‌ الحديد ‌و‌ النحاس ‌و‌ غيرهما، ‌و‌ اخلص طاعته: ترك الرياء فيها، ‌و‌ اخلص لله الدين: لم يشرك به، قال تعالى: «و ‌ما‌ امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين» اى: موحدين غير مشركين.
 ‌و‌ التوحيد لغه: جعل الشى ء واحد، اى: الحكم بوحدانيته ‌و‌ العلم بها، ‌و‌ قد يطلق بالاشتراك على التفريق بين شيئين بعد الاتصال ‌و‌ على الاتيان بالفعل الواحد منفردا.
 ‌و‌ اصطلاحا: اثبات ذات الله بوحدانيته منعوتا بالتنزه عما يشابهه ‌و‌ يشاركه،
 
 
و وحدانيته بمعنى انه ‌لا‌ ثانى له ‌فى‌ الوجود، بمعنى انه ‌لا‌ كثره فيه مطلقا ‌لا‌ ‌فى‌ عين الذات لانتفاء التركيب ‌و‌ الاجزاء، ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ مرتبه الذات لانتفاء زياده الوجود، ‌و‌ ‌لا‌ بعد مرتبه الذات لانتفاء زياده الصفات، ‌و‌ قد يقصد بها معنى انه لم يفته ‌من‌ كماله شى ء بل كل ‌ما‌ ينبغى له فهو له بالذات ‌و‌ الفعل، اذ الواحد قد يقال لما لم يفته ‌من‌ كماله شى ء بل كل كمال ينبغى له فهو حاصل له بالفعل.
 ‌و‌ المعنى الاول ‌هو‌ المشتمل عليه اول كلمه نطق بها الداعى الى الله تعالى ‌و‌ ‌هو‌ قول: «لا اله الا الله».
 ‌و‌ لما كان للتوحيد مراتب اكملها الاخلاص فيه حمده سبحانه على الدلاله عليه، ‌و‌ مراتبه اربع:
 اولها: قول يقال: كتوحيد المنافق ‌و‌ المسلم ‌من‌ خوف السيف المشهور عليه.
 ‌و‌ الثانيه: تصديق يعتقد كتوحيد عامه المسلمين.
 ‌و‌ الثالثه: يقين يستبصر بواسطته نور الحق فيرى اشياء كثيره ‌و‌ لكن صدورها على كثرتها ‌من‌ الواحد الفرد، ‌و‌ ‌هو‌ مقام المقربين كانهم قربوا الى منتهى المقامات، ‌و‌ بشروا بطلوع ثنيات المكاشفات.
 اليس لتقريب المنازل فرحه
 ‌و‌ ‌لا‌ فرحه العطشان فاجاه القطر
 يقولون قد جاز الثنيه رحله
 فتنتشر البشرى ‌و‌ ينشرح الصدر
 الرابعه: كشف عن مشاهده الصديقين فلا يرى ‌فى‌ الوجود الا واحدا ‌و‌ ‌هو‌ الذى تسميه الصوفيه الفناء ‌فى‌ التوحيد، لانه ‌من‌ حيث لايرى الا واحدا ‌لا‌ يرى نفسه ايضا، فيفنى بواحده عن كل ‌ما‌ سواه ‌و‌ يفنى عن نفسه ايضا فلا يراه.
 فالاول: موحد بمجرد اللسان، ‌و‌ يعصم ذلك صاحبه ‌فى‌ الدنيا، ‌و‌ يوفيه حظه منها فلا يراق له دم، ‌و‌ ‌لا‌ يباح له حريم، ‌و‌ ‌لا‌ يحرم ‌من‌ مغنم، ‌و‌ ‌لا‌ يستحرم منه ‌فى‌ منكح ‌و‌ ‌لا‌ مذبح.
 
و الثانى: يعصمه ‌فى‌ الاخره ايضا ‌من‌ عذابها اذا توفى على الوفاء باحكامه ‌و‌ لم تحل المعاصى عقده اسلامه
 ‌و‌ تزيد مرتبه الثالث عليه بمقام اليقين ‌و‌ سلوك طريقه المجتهدين ‌فى‌ التجريد اذ يرى كلها ‌من‌ الواحد ‌و‌ لكنه يراها كثيره نظرا الى ذواتها.
 ‌و‌ يزيد الرابع على هذا زياده الشمس على النجم ‌و‌ السماء على الارض ‌من‌ حيث ‌لا‌ يرى ‌فى‌ شهوده غير الواحد الحق فلا يشاهده بالاشياء بل يشهد الاشياء ‌به‌ كما قال تعالى: «او لم يكف بربك انه على كل شى ء شهيد».
 ‌و‌ مثال الاول: ‌هو‌ القشره العليا ‌من‌ الجوز ‌لا‌ خير فيه البته ‌ان‌ اكل فهو مر المذاق بعيد عن المساغ، ‌و‌ ‌ان‌ نظر اليه فهو بسر الوجه كريه المنظر، ‌و‌ ‌ان‌ استوقد دخن البيت، ‌و‌ ‌ان‌ ترك لوث المكان، ‌و‌ لكنه يحفظ القشره الصلبه السفلى التى هى بدن اللب، فالتوحيد عن ظاهر اللسان يحفظ بدن المنافق ‌فى‌ دنياه ثم يرمى ‌به‌ فلا يغنى عنه شيئا ‌فى‌ اخراه.
 ‌و‌ مثال الثانى: ‌هو‌ القشره الصلبه الاخرى فانه ظاهر النفع بين الجدوى يصون اللب عن الفساد ‌و‌ يربيه الى وقت الحصاد ‌و‌ ينفصل عنه فينتفع ‌به‌ ‌فى‌ الوقود ‌و‌ غيره، لكنه نازل القدر زهيد النفع بالاضافه الى اللب، فكذلك الايمان الظاهر عن مجرد الاعتقاد ‌من‌ غير ايقان ناقص الشرف بالنسبه الى حال انشراح الصدر بالصدر ‌و‌ انفساح القلب باليقين.
 ‌و‌ مثال الثالث: اللب.
 ‌و‌ مثال الرابع: الدهن المستخرج ‌من‌ اللب.
 
و كما ‌ان‌ اللب نفيس ‌فى‌ نفسه نفيس بالنسبه الى القشره ‌و‌ لكنه ‌لا‌ يخلو ‌من‌ شوب عصاره ‌و‌ ثخين قراره بالاضافه الى الدهن المستخرج منه الصافى عن المشوبات الخالص ‌من‌ الكدورات الذى يكاد يضى ء ‌و‌ لو لم تمسسه نار، فكذلك توحيد الموقنين الصادقين عال للمقربين ‌و‌ لكن الاعلى ‌من‌ ذلك اذا صفا ‌من‌ شوب ملاحظه الاغيار ‌و‌ خلص عن الالتفات الى الكثره بشهود الحق ‌لا‌ غير، ‌و‌ انما حملنا الاخلاص ‌فى‌ التوحيد على هذه المرتبه التى هى الغايه القصوى ‌من‌ مراتبه، لانها الخالصه ‌من‌ الشوائب الصافيه عن الاشائب، ‌و‌ لانها مرتبه الداعى (عليه السلام) ‌و‌ ‌ان‌ كان الاخلاص مقولا بالتشكيك.
 كما يدل عليه قول اميرالمومنين (عليه السلام): «اول الدين معرفته، ‌و‌ كمال معرفته التصديق به، ‌و‌ كمال التصديق ‌به‌ توحيده، ‌و‌ كمال توحيده الاخلاص له، ‌و‌ كمال الاخلاص له نفى الصفات عنه».
 اذ ‌لا‌ ‌شك‌ ‌فى‌ ‌ان‌ الاخلاص الذى ‌دل‌ الله تعالى عليه اولياءه المعصومين انما ‌هو‌ الاخلاص الكامل الذى ‌لا‌ اخلاص فوقه ‌و‌ الله اعلم.
 جنبت الرجل الشر جنوبا ‌من‌ باب (قعد): ابعدته عنه، ‌و‌ جنبته بالتثقيل مبالغه، كانه ماخوذ ‌من‌ جعل الشى جانبا. ‌و‌ عداه بمن لتضمينه معنى الابعاد ‌او‌ المفعول محذوف.
 ‌و‌ «من» بيانيه.
 ‌و‌ الالحاد: ‌فى‌ الاصل الميل ‌و‌ العدول عن الشى ء، ثم قيل: الحد الرجل ‌فى‌ الدين : اذا طعن فيه كانه عدل عنه.
 
و قال ابوعبيده: الحد الحادا جادل ‌و‌ مارى.
 ‌و‌ المراد بالشك هنا: معناه اللغوى الذى عرفه ائمه اللغه بقولهم: الشك خلاف اليقين، فقولهم خلاف اليقين: ‌هو‌ التردد بين شيئين سواء استوا طرفاه ‌او‌ رجح احدهما على الاخر، قال تعالى: «فان كنت ‌فى‌ ‌شك‌ مما انزلنا اليك».
 قال المفسرون: ‌اى‌ غير مستيقن.
 ‌و‌ ‌هو‌ يعم الحالتين فهو اعم ‌من‌ الشك الاصطلاحى الذى ‌هو‌ التردد بين النقيضين ‌لا‌ ترجيح لاحدهما على الاخر عند الشاك.
 ‌و‌ على المعنى الاول ورد قول ابى عبدالله (عليه السلام): «من ‌شك‌ ‌فى‌ الله تعالى ‌و‌ ‌فى‌ رسوله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) فهو كافر».
 ‌و‌ على المعنى الثانى ورد قوله (عليه السلام): «من ‌شك‌ ‌او‌ ظن فاقام على احدهما احبط الله تعالى عمله ‌ان‌ حجه الله هى الحجه الواضحه» فعطف الظن على الشك لاراده معناه الاصطلاحى.
 قوله: (فى امره) اى: ‌فى‌ معرفه ذاته ‌و‌ صفاته، ‌او‌ ‌فى‌ دينه ‌و‌ شرعه، كما فسر ‌به‌ قوله تعالى: «و ظهر امر الله».
 ‌و‌ الامر: الشان، ‌و‌ قد يطلق عند الحكماء على الذات المقدسه فيقولون: ‌هو‌ الامر المحض الذى ‌لا‌ يعلل.
 
حمدا: منصوب على المفعوليه المطلقه مفيد لتاكيد عامله ‌و‌ تقويه معناه ‌و‌ عامله.
 اما قوله: الحمد لله باعتبار كونه مصدرا، ‌او‌ باعتبار تضمنه معنى الفعل، ‌او‌ فعل مقدر يدل عليه المصدر، ‌و‌ قس على ذلك ‌ما‌ ياتى ‌من‌ نظائره.
 قوله «نعمر»: بضم النون ‌و‌ فتح العين المهمله ‌و‌ تشديد الميم المفتوحه على ‌ما‌ ‌فى‌ النسخه المشهوره ‌من‌ العمر بفتح العين ‌و‌ ضمها ‌و‌ بضمتين ‌و‌ ‌هو‌ الحياه.
 يقال: عمر يعمر ‌من‌ باب (تعب) اى: طال عمره فهو عامر.
 ‌و‌ يتعدى بنفسه ‌و‌ بالتضعيف، فيقال: عمره يعمره ‌من‌ باب (قتل) ‌و‌ عمره تعميرا، اى: طال عمره.
 ‌و‌ المعنى: حمدا يطال ‌به‌ عمرنا مع ‌من‌ حمده، ‌او‌ حال كوننا داخلين ‌فى‌ عداد الحامدين له.
 ‌و‌ قول بعضهم: يحتمل ‌ان‌ يكون ‌من‌ العماره غلط، فان استعمال التعمير ‌فى‌ العماره استعمال عامى لم يرد ‌فى‌ اللغه، ‌و‌ انما يقال: عمر الله منزله عماره ‌من‌ باب (كتب) كتابه، كما نبه عليه بعض المحققين ‌من‌ اهل اللغه.
 ‌و‌ وقع ‌فى‌ نسخه ابن ادريس: يغمر ‌به‌ ‌من‌ حمده، بفتح الياء المثناه ‌من‌ تحت ‌و‌ سكون الغين المعجمه ‌و‌ ضم الميم ‌و‌ بعدها راء مهمله، مع اسقاط لفظ ‌فى‌ ‌من‌ قوله : «فى ‌من‌ حمده»، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الغمر بفتح الغين المعجمه بمعنى: الستر.
 يقال: غمره غمرا مثل ستره سترا، وزنا ‌و‌ معنى، فالضمير المستتر ‌فى‌ يغمر راجع الى الله تعالى، ‌و‌ المعنى يستر ‌به‌ ‌من‌ حمده.
 ‌و‌ حمد: ‌من‌ باب (سمع) ‌لا‌ غير.
 ‌و‌ ‌من‌ خلقه: متعلق به، ‌و‌ (من) بيانيه.
 
و سبق يسبق: ‌من‌ باب (ضرب) ‌و‌ (قتل) تقدم.
 ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا التقدم ‌فى‌ الشرف ‌و‌ الفضل، بان يكون حمده اشرف ‌و‌ افضل ‌من‌ حمد غيره فيتقدم ‌به‌ ‌من‌ تقدم الى رضاه ‌و‌ عفوه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الكلام استعاره مكنيه تخييليه، شبه الرضا ‌و‌ العفو بالغايه التى يتسابق اليها، ‌و‌ ذكر السبق الذى ‌هو‌ ‌من‌ لوازم المشبه به.
 ‌و‌ الرضا: ‌فى‌ الانسان حاله للنفس توجب تغيرها ‌و‌ انبساطها ‌لا‌ يصال النفع الى الغير، ‌او‌ الانقياد لحكمه، ‌و‌ رضاه تعالى عباره عن ثوابه.
 كما روى عن الصادق (عليه السلام): رضاه ثوابه ‌و‌ سخطه عقابه.
 ‌و‌ قيل رضاه: اراده الثواب، ‌و‌ سخطه: اراده العقاب.
 ‌و‌ قال ابن ميثم ‌فى‌ شرح النهج: رضاه تعالى عن العبد يعود الى علمه بموافقته لامره ‌و‌ طاعته، ‌و‌ غضبه تعالى يعود الى علمه بمخالفه اوامره ‌و‌ عدم طاعته له.
 ‌و‌ قال بعض المحققين ‌من‌ علمائنا المتاخرين: لرضاه تعالى مراتب.
 فمنها رضا ازلى: ‌هو‌ عين ذاته، ‌لا‌ يقابله سخط، ‌و‌ ‌لا‌ يمازجه شوب، ‌و‌ ‌هو‌ كونه بحيث تصدر عنه الاشياء موافقه لعلمه بها على افضل وجه ‌و‌ اتمه.
 ‌و‌ منها ملك مقدس روحانى: ‌هو‌ رضوان الله بالفعل، اذ وجوده عين الرضا ‌من‌ الله سبحانه، ‌و‌ كذا كل جوهر عقلى ‌و‌ ‌لا‌ يشوبه ‌شر‌ ‌و‌ معصيه، اذ كان فعله طاعه لله.
 ‌و‌ منها: ثواب الله ‌و‌ الجنه، ‌و‌ يقابله سخطه ‌و‌ النار.
 ‌و‌ العفو: محو الذنوب، ‌من‌ عفت الريح المنزل اذا درسته.
 ‌و‌ انما بدء بالرضا مع ‌ان‌ حصوله بعد العفو اهتماما بشانه ‌و‌ تنويها بمقامه، فان
 
العرب قد تبدا بالشى ء ‌و‌ المقدم غيره لنكته ما، ‌و‌ الا فالمقام يقتضى الترقى ‌من‌ الادنى الى الاعلى كما قال تعالى: «و سارعوا الى مغفره ‌من‌ ربكم ‌و‌ جنه عرضها السموات ‌و‌ الارض».
 ‌و‌ على ذلك ‌ما‌ يحكى ‌ان‌ رجلا غضب على غلام له فاستشفع الغلام الى سيده انسانا فشفعه فاخذ الغلام يعفر ‌فى‌ التراب خده ‌و‌ يسقى الارض دمعه، فقال الشفيع: ‌و‌ لم ذلك كله ‌و‌ قد عفا عنك، فقال السيد: انه يطلب الرضا ‌و‌ ليس ذلك اليه، فانما يبكى لاجله، ‌او‌ للتنبيه على ‌ان‌ عفوه ‌جل‌ شانه ليس كعفو غيره الذى ‌هو‌ عباره عن محو الذنب فقط حتى يكون رضاه الذى ‌هو‌ عباره عن ثوابه بعده، بل عفوه ابلغ ‌من‌ رضاه لان رضاه كما علمت ثوابه، ‌و‌ الثواب ‌هو‌ النفع المستحق.
 ‌و‌ اما عفوه فيتضمن النفع ‌من‌ غير استحقاق لانه كريم العفو، ‌و‌ معنى كرم عفوه تبديل السيئه حسنه.
 كما ورد ‌فى‌ الحديث: ‌ان‌ جبرئيل (عليه السلام) سمع ابراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه يقول: ‌يا‌ كريم العفو، فقال له: ‌او‌ تدرى ‌يا‌ ابراهيم ‌ما‌ كرم عفوه؟ قال: ‌لا‌ ‌يا‌ جبرئيل، قال: ‌ان‌ عفا عن السيئه كتبها حسنه.
 ‌و‌ يدل عليه قوله تعالى: «الا ‌من‌ تاب ‌و‌ امن ‌و‌ عمل عملا صالحا فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ‌و‌ كان الله غفورا رحيما»، هذا ‌ان‌ فسرنا الرضا بالثواب.
 ‌و‌ ‌ان‌ فسرنا باراده الخير للعبد فيكون سبب كل سعاده ‌و‌ موجب كل فوز، ‌و‌ ‌به‌ ينال كرامته التى هى اكبر اصناف الثواب كما قال تعالى: «و رضوان ‌من‌ الله
 
اكبر».
 فالوجه ‌فى‌ تقديمه ‌ما‌ قدمناه ‌من‌ الاهتمام، ‌او‌ جعله ‌من‌ باب التتميم ‌لا‌ الترقى كانه قال: ‌ان‌ لم نسبق ‌من‌ سبق الى رضاه فمن سبق الى عفوه.
 ‌و‌ يناسبه ‌ما‌ ‌فى‌ الدعاء: «ان لم ترض عنى فاعف عنى»، ‌و‌ قد يعفوا السيد عن عبده ‌و‌ ليس براض عنه، ‌و‌ الله اعلم.
 بدل كل ‌من‌ قوله حمدا نعمر به.
 
و اضاء الصبح اضاءه: انار ‌و‌ اشرق، ‌و‌ الاسم: الضياء، ‌و‌ قد تهمز الياء، ‌و‌ ضاء ضواءا ‌من‌ باب (قال) لغه فيه ‌و‌ يكون اضاء لازما ‌و‌ متعديا، فيقال: اضائه غيره ايضا، كما يقال: انار الشى ء ‌و‌ اناره غيره.
 ‌و‌ الضياء ‌و‌ النور مترادفان لغه، ‌و‌ قد يفرق بينهما بان الضوء: ‌ما‌ كان ‌من‌ ذات الشى ء المضى ء، ‌و‌ النور: ‌ما‌ كان مستفادا ‌من‌ غيره.
 قيل: ‌و‌ عليه جرى قوله تعالى: «جعل الشمس ضياءا ‌و‌ القمر نورا».
 ‌و‌ الظلمات: جمع ظلمه، ‌و‌ هى عدم الضوء عما ‌من‌ شانه ‌ان‌ يكون مضيئا.
 ‌و‌ قيل: هيئه مضاده للنور.
 ‌و‌ وقع ‌فى‌ النسخ المشهوره تضى ء مضبوطا بضم التاء المثناه ‌من‌ فوق، ‌و‌ رفع ظلمات على انه فاعل، فيكون ‌من‌ اضاء اللازم.
 ‌و‌ بضم الياء المثناه ‌من‌ تحت، ‌و‌ نصب ظلمات بالكسر نيابه عن الفتحه على انه مفعول، ‌و‌ الفاعل ضمير مستتر ‌فى‌ يضى ء راجع الى الله سبحانه، فيكون ‌من‌ اضاء المتعدى.
 
و لك قراءه يضى ء بالياء المثناه ‌من‌ تحت، ‌و‌ رفع ظلمات على انه فعل لازم ‌و‌ فاعل.
 ‌و‌ تضى ء بالتاء المثناه ‌من‌ فوق، ‌و‌ نصب ظلمات على انه فعل متعد ‌و‌ مفعول، ‌و‌ الفاعل ضمير خطاب مستتر، ‌و‌ يكون ‌من‌ باب الالتفات ‌من‌ الغيبه الى خطابه تعالى ، ففى العباره اربعه اوجه ‌من‌ الاعراب.
 ‌و‌ البرزخ: ‌فى‌ اللغه: الحاجز بين الشيئين، ‌و‌ اطلق على الحاله التى تكون بين الموت ‌و‌ البعث، قال تعالى: «و ‌من‌ ورائهم برزخ الى يوم يبعثون»، ‌و‌ هى مده مفارقه الروح لهذا الجسد المحسوس الى وقت البعث وعودها اليه، ‌و‌ يطلق على القبر بهذا الاعتبار.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى باسناده عن عمر ‌بن‌ يزيد قال: قلت لابى عبدالله (عليه السلام) انى سمعتك ‌و‌ انت تقول كل شيعتنا ‌فى‌ الجنه على ‌ما‌ كان منهم، قال : صدقتك كلهم ‌و‌ الله ‌فى‌ الجنه قال: قلت جعلت فداك ‌ان‌ الذنوب كثيره كبار، فقال: اما ‌فى‌ القيامه فكلكم ‌فى‌ الجنه بشفاعه النبى المطاع ‌او‌ وصى النبى، ‌و‌ لكنى ‌و‌ الله اتخوف عليكم ‌فى‌ البرزخ، قلت: ‌و‌ ‌ما‌ البرزخ؟ قال: القبر منذحين موته الى يوم القيامه.
 
 تنبيهات
 
 الاول: ‌فى‌ هذه الفقره ‌من‌ الدعاء دلاله على بقاء النفوس الناطقه بعد خراب
 
الابدان، لان الاضاءه المطلوبه ليست الا للروح ‌و‌ الا فالجسم يضمحل ‌و‌ يستحيل، ‌و‌ ‌هو‌ مذهب اكثر العقلاء ‌من‌ المليين ‌و‌ الفلاسفه القائلين بان الروح: جوهر مجرد ابدى لايعتريه الزوال، ‌و‌ ‌لا‌ يتطرق اليه الاختلال، ‌و‌ لم ينكره الا شرذمه قليلون، كالقائلين بان النفس هى المزاج، ‌او‌ الدم، ‌و‌ امثالهم ممن ‌لا‌ يعبابهم، ‌و‌ ‌لا‌ يلتفت الى اقوالهم، ‌و‌ الشواهد العقليه ‌و‌ النقليه على ذلك اكثر ‌من‌ ‌ان‌ تحصى، ‌و‌ يكفى ‌فى‌ ذلك قوله تعالى: «و ‌لا‌ تحسبن الذين قتلوا ‌فى‌ سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله ‌من‌ فضله ‌و‌ يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم ‌من‌ خلفهم الا خوف عليهم ‌و‌ ‌لا‌ ‌هم‌ يحزنون».
 الثانى: «الباء» ‌فى‌ قوله (عليه السلام) «يضى ء به» اما للسببيه ‌او‌ للاله، ثم الظاهر ‌ان‌ المراد بالاضاءه ‌به‌ ‌ان‌ يصير الحمد جسما متكيفا بالضوء تشرق ‌به‌ الظلمات البرزخيه، كالشمس المشرقه التى تشرق بضوئها الظلمات الزمانيه، بناءا على ‌ما‌ ‌هو‌ الصحيح ‌من‌ تجسم الاعمال ‌و‌ الاعتقادات ‌فى‌ تلك النشاه، كما ‌دل‌ عليه كثير ‌من‌ الاخبار المرويه عن ارباب العصمه (عليهم السلام)، فالاعمال الصالحه ‌و‌ الاعتقادات الصحيحه تظهر صورا نورانيه مشرقه يستضى ء بنورها اصحابها، كما قال تعالى: «يوم ترى المومنين ‌و‌ المومنات يسعى نورهم بين ايديهم ‌و‌ بايمانهم».
 ‌و‌ ‌فى‌ الخبر: «ان العمل الصالح يضى ء قبر صاحبه كما يضى ء المصباح الظلمه».
 ‌و‌ الاعمال السيئه ‌و‌ الاعتقادات الباطله تظهر صور ظلمانيه كاسفه يتحير ‌فى‌
 
ظلمها اربابها، كما قال تعالى: «يوم يقول المنافقون ‌و‌ المنافقات للذين امنوا انظرونا نقتبس ‌من‌ نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا».
 ‌و‌ قال (عليه السلام): «الظلم ظلمات يوم القيامه». فيكون المراد بظلمات البرزخ ايضا الاعمال ‌و‌ الاعتقادات المظلمه.
 ‌و‌ المراد باضائتها حينئذ: اما محوها ‌و‌ اذهابها، كما قال تعالى: «ان الحسنات يذهبن السيئات»، ‌او‌ تبديلها حسنات، كما قال سبحانه: «فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات».
 ‌و‌ قيل: المراد بظلمه البرزخ: ظلمه القبر، ‌و‌ ظلمه العمل، ‌و‌ ظلمه البدن الهيولانى الذى انقطع منه نور النفس المجرده ‌و‌ استعد للرجوع الى الماده الاصليه، انتهى. ‌و‌ ‌هو‌ كما تراه.
 الثالث: قال بعضهم: ‌لا‌ يبعد ‌ان‌ يحمل البرزخ على الوجود ‌فى‌ عالم الشهود، اعنى الوجود الحسى كما يطلق عليه المحققون ‌من‌ الصوفيه فيقولون الموجودات ‌فى‌ غواسق برزخيه، ‌و‌ وجه الاطلاق انهم ارتقوا عن فناء العدم الصرف ‌و‌ ‌ما‌ اتصلوا بالوجود البحت الابدى ‌و‌ لم يصلوا الى ساحته فكانوا بين بين، ‌و‌ تعدد الظلمات حينئذ باعتبار ظلمه الامكان ‌و‌ الاحتياج ‌و‌ الماده ‌و‌ بقيه آثار ظلمه العدم الى غير ذلك.
 قال: ‌و‌ زعمى ‌ان‌ حمل كلام المعصوم (عليه السلام) على هذا الوجه اللطيف
 
ابهى ‌و‌ احرى ‌من‌ حمله على المعنى السابق، ‌و‌ ‌لا‌ سيما بقرينه ‌ما‌ سيذكره (عليه السلام) ‌فى‌ الفقره التى تليه ‌من‌ تسهيل سبيل المبعث الشامل للقبر، بل ‌هو‌ مساوق له، ‌و‌ ‌فى‌ الفقره التى بعدها ‌من‌ شرف المنازل الحاصل ‌فى‌ يوم المبعث لئلا يكون فيه شائبه ‌من‌ التكرار انتهى
 قلت: بل ‌هو‌ بعيد جدا.
 اما اولا: فحمل كلامه (عليه السلام) على مصطلح الصوفيه مما ‌لا‌ يقبله العقل السليم ‌و‌ الطبع المستقيم.
 ‌و‌ اما ثانيا: فلانه قد تكرر ‌فى‌ كلامهم (عليهم السلام) تفسير البرزخ بزمان القبر كما تقدم ‌فى‌ الحديث السابق عن الصادق (عليه السلام).
 ‌و‌ عنه (عليه السلام) ايضا: ‌و‌ الله ‌ما‌ اخاف عليكم الا البرزخ، ‌و‌ اما اذا صار الامر الينا فنحن اولى بكم.
 ‌و‌ قال (عليه السلام) ‌فى‌ قوله تعالى: «النار يعرضون عليها غدوا ‌و‌ عشيا» هذا ‌فى‌ نار البرزخ قبل يوم القيامه.
 فاذا ورد البرزخ ‌فى‌ كلامهم (عليهم السلام) بهذا المعنى فحمله على ‌ما‌ ‌لا‌ يعرف لغه ‌و‌ عرفا شايعا ‌فى‌ نهايه البعد.
 ‌و‌ اما ثالثا: فلان التكرار الذى توهمه ‌و‌ حمله على ‌ما‌ زعمه ممنوع كما ستقف عليه اذا افضت النوبه اليه، ‌و‌ الله يقول الحق ‌و‌ ‌هو‌ يهدى السبيل.
 
تبصره فيها تذكره
 
 دلت الاخبار المنقوله عن الائمه الاطهار صلوات الله ‌و‌ سلامه عليهم ‌ان‌ الارواح بعد مفارقتها الابدان العنصريه تتعلق باشباح مثاليه تشابه تلك الابدان، ‌و‌ هذا التعلق يكون ‌فى‌ مده البرزخ فتتنعم ‌او‌ تتالم بها الى ‌ان‌ تقوم الساعه فتعود عند ذلك الى ابدانها كما كانت عليه.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى باسناده عن ابى بصير قال: سالت اباعبدالله (عليه السلام) عن ارواح المومنين، فقال: ‌فى‌ الجنه على صور ابدانهم لو رايتهم لقلت فلان.
 ‌و‌ عنه قال: قلت لابى عبدالله (عليه السلام) انا نتحدث عن ارواح المومنين انها ‌فى‌ حواصل طير خضر ترعى ‌فى‌ الجنه، ‌و‌ تاوى الى قناديل تحت العرش، فقال: ‌لا‌ اذن ماهى ‌فى‌ حواصل طير خضر. قلت: فاين هى؟ قال: ‌فى‌ روضه كهيئه الاجساد ‌فى‌ الجنه.
 ‌و‌ عن ابى ولاد الحناط، عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال: قلت جعلت فداك يروون ‌ان‌ ارواح المومنين ‌فى‌ حواصل طيور خضر حول العرش، فقال: ‌لا‌ المومن اكرم على الله ‌من‌ ‌ان‌ يجعل روحه ‌فى‌ حوصله طير، ‌و‌ لكن ‌فى‌ ابدان كابدانهم.
 
و عن يونس ‌بن‌ الظبيان قال: كنت عند ابى عبدالله (عليه السلام) فقال: ‌ما‌ يقول الناس ‌فى‌ ارواح المومنين، فقلت يقولون تكون ‌فى‌ حواصل طيور خضر ‌فى‌ قناديل تحت العرش، فقال ابوعبدالله (عليه السلام): سبحان الله المومن اكرم على الله ‌من‌ ‌ان‌ يجعل روحه ‌فى‌ حوصله طير، ‌يا‌ يونس اذا كان ذلك اتاه محمد (صلى الله عليه ‌و‌ آله) ‌و‌ على ‌و‌ فاطمه ‌و‌ الحسن ‌و‌ الحسين ‌و‌ الملائكه المقربون (عليهم السلام) فاذا قبضه الله ‌عز‌ ‌و‌ جل، صير تلك الروح ‌فى‌ قالب كقالبه ‌فى‌ الدنيا، فياكلون ‌و‌ يشربون، فاذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصوره التى كانت ‌فى‌ الدنيا.
 ‌و‌ عن حبه العرنى قال: خرجت مع اميرالمومنين (عليه السلام) الى الظهر، فوقف بوادى السلام كانه مخاطب لاقوام، فقمت بقيامه حتى اعييت، ثم جلست حتى مللت، ثم قمت حتى نالنى ‌ما‌ نالنى اولا، ثم جلست حتى مللت، ثم قمت ‌و‌ جمعت ردائى، فقلت: ‌يا‌ اميرالمومنين انى قد اشفقت عليك ‌من‌ طول القيام فراحه ساعه، ثم طرحت الرداء ليجلس عليه، فقال لى: ‌يا‌ حبه ‌ان‌ ‌هو‌ الا محادثه مومن ‌او‌ موانسته، قال: قلت: ‌يا‌ اميرالمومنين ‌و‌ انهم لكذلك، قال: نعم ‌و‌ لو كشف لك لرايتهم حلقا حلقا محتبين يتحادثون، فقلت: اجسام ‌ام‌ ارواح، فقال ارواح ‌و‌ ‌ما‌ ‌من‌ مومن يموت ‌فى‌ بقعه ‌من‌ بقاع الارض الا قيل لروحه الحقى بوادى السلام ‌و‌ انها لبقعه ‌من‌ جنه عدن.
 ‌و‌ عن ضريس الكناسى قال: سالت اباجعفر (عليه السلام) ‌ان‌ الناس يذكرون ‌ان‌ فراتنا يخرج ‌من‌ الجنه فكيف ‌هو‌ ‌و‌ ‌هو‌ يقبل ‌من‌ المغرب ‌و‌ تصب فيه
 
العيون ‌و‌ الاوديه، قال: فقال ابوجعفر (عليه السلام): ‌و‌ انا اسمع ‌ان‌ لله جنه خلقها الله ‌فى‌ المغرب ‌و‌ ماء فراتكم هذا يخرج منها ‌و‌ اليها تخرج ارواح المومنين ‌من‌ حفرهم عند كل مساء فتسقط على ثمارها ‌و‌ تاكل منها ‌و‌ تتنعم فيها ‌و‌ تتعارف فاذا طلع الفجر هاجت ‌من‌ الجنه فكانت ‌فى‌ الهواء فيما بين السماء ‌و‌ الارض تطير ذاهبه ‌و‌ جائيه ‌و‌ تعهد حفرها اذا طلعت الشمس ‌و‌ تتلاقى ‌فى‌ الهواء ‌و‌ تتعارف قال: ‌و‌ ‌ان‌ لله نارا ‌فى‌ المشرق خلقها ليسكنها ارواح الكفار ‌و‌ ياكلون ‌من‌ زقومها ‌و‌ يشربون ‌من‌ حميمها ليلهم، فاذا طلع الفجر هاجت الى واد باليمن يقال له: «برهوت» اشد حرا ‌من‌ نيران الدنيا كانوا فيه يتلاقون ‌و‌ يتعارفون فاذا كانوا الى المساء عادوا الى النار فهم كذلك الى يوم القيامه.
 ‌و‌ الاحاديث ‌فى‌ هذا المعنى كثيره جدا.
 قال العلامه البهائى قدس سره: ‌ما‌ تضمنته هذه الاحاديث ‌من‌ ‌ان‌ الاشباح التى تتعلق بها النفوس ‌ما‌ دامت ‌فى‌ عالم البرزخ ليست باجسام ‌و‌ انهم ياكلون ‌و‌ يشربون ‌و‌ يجلسون حلقا حلقا على صور اجسادهم العنصريه يتحدثون ‌و‌ يتنعمون، ‌و‌ انهم ربما يكونون ‌فى‌ الهواء بين الارض ‌و‌ السماء يتعارفون ‌فى‌ الجو ‌و‌ يتلاقون ‌و‌ نحو ذلك مما يدل على نفى الجسميه ‌و‌ اثبات بعض لوازمها، يعطى ‌ان‌ تلك الاشباح ليست ‌فى‌ كثافه الماديات، ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ لطافه المجردات، بل هى ذوات جهتين ‌و‌ واسطه بين العالمين، ‌و‌ هذا يويد ‌ما‌ قاله طائفه ‌من‌ اساطين الحكماء: ‌من‌ ‌ان‌ ‌فى‌ هذا الوجود عالما مقداريا غير العالم الحسى، ‌هو‌ واسطه بين عالم المجردات ‌و‌ عالم الماديات ليس ‌فى‌ تلك اللطافه، ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ هذه الكثافه فيه للاجسام ‌و‌ الاعراض ‌من‌ الحركات ‌و‌ السكنات ‌و‌ الاصوات ‌و‌ الطعوم ‌و‌ غيرها مثل قائمه بذواتها معلقه ‌لا‌ ‌فى‌ ماده ‌و‌ ‌هو‌ عالم عظيم
 
الفسحه، ‌و‌ سكانه على طبقات متفاوته ‌فى‌ اللطافه ‌و‌ الكثافه ‌و‌ قبح الصور ‌و‌ حسنها، ‌و‌ لابدانهم المثاليه جميع الحواس الظاهره ‌و‌ الباطنه فيتنعمون ‌و‌ يتالمون باللذات ‌و‌ الالام النفسانيه ‌و‌ الجسمانيه.
 ‌و‌ قد نسب العلامه ‌فى‌ شرح حكمه الاشراق، القول بوجود هذا العالم الى الانبياء ‌و‌ الاولياء ‌و‌ المتالهين، ‌و‌ ‌هو‌ ‌و‌ ‌ان‌ لم يقم على وجوده شى ء ‌من‌ البراهين العقليه، لكنه قد تايد بالظواهر النقليه، ‌و‌ عرفه المتالهون بمجاهداتهم الذوقيه، ‌و‌ تحققوه بمشاهداتهم الكشفيه، ‌و‌ انت تعلم ‌ان‌ ارباب الارصاد الروحانيه اعلى قدرا ‌و‌ ارفع شانا ‌من‌ اصحاب الارصاد الجسمانيه، فكما انك تصدق هولاء فيما يلقونه اليك ‌من‌ خفايا الهيئات الفلكيه، فحقيق ‌ان‌ تصدق اولئك ايضا فيما يتلونه عليك ‌من‌ خبايا العوالم القدسيه الملكيه انتهى.
 سهل الله الشى ء بالتشديد: جعله سهلا ‌لا‌ عسر فيه، ‌و‌ سهل ‌هو‌ بالضم سهوله، هذه هى اللغه المشهوره.
 ‌و‌ قال ابن القطاع: يقال سهل بالفتح ‌و‌ الكسر ايضا.
 ‌و‌ الضمير ‌فى‌ يسهل- بالتشديد ‌و‌ الياء المثناه ‌من‌ تحت على ‌ما‌ ‌فى‌ النسخه المشهوره- راجع الى الله تعالى.
 
و سبيل المبعث بالنصب مفعول به، ‌و‌ كذا على قرائته بضم التاء المثناه ‌من‌ فوق كما وقع ‌فى‌ نسخه على طريق الخطاب.
 ‌و‌ اما على ‌ما‌ ضبط ‌فى‌ بعض النسخ، بفتح الياء المثناه ‌من‌ تحت ‌و‌ ضم الهاء المخففه، فسبيل المبعث مرفوع على انه فاعل له، ‌و‌ اسناد الفعل اليه مجاز.
 ‌و‌ يوجد ‌فى‌ بعضها ضبطه بضم الياء المثناه ‌من‌ تحت ‌و‌ فتح الهاء المشدده، على البناء للمفعول، فيكون سبيل المبعث نائبا عن الفاعل مرفوعا بالنيابه.
 ‌و‌ السبيل: الطريق، يذكر ‌و‌ يونث.
 ‌و‌ المبعث: اما اسم مكان، ‌او‌ مصدر ميمى بمعنى البعث ‌و‌ ‌هو‌ لغه الارسال.
 يقال: بعثت رسولا اى: ارسلته.
 ‌و‌ اصطلاحا: نشر الله الموتى ‌من‌ القبور ‌و‌ ارسالهم الى المحشر.
 قيل: المراد بالمبعث هنا المحشر.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌ان‌ الذهاب ‌من‌ القبر الى عرصه المحشر يوم البعث يشق على قوم ‌و‌ يسهل على آخرين انتهى.
 ‌و‌ الاولى ‌ان‌ يكون المراد بالمبعث: البعث، فيكون مصدرا، ‌و‌ يكون المراد بسبيل المبعث: السبيل التى يبعث ‌اى‌ يرسل منها الناس الى المحشر، ‌و‌ بتسهيلها سلوكها دون مشقه، ‌و‌ السلامه ‌من‌ اهوالها ‌و‌ شدائد احوالها.
 فقد روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الروضه ‌فى‌ حديث طويل: اذا كان يوم القيامه بعث الله الناس ‌من‌ حفرهم عزلا بهما جردا ‌فى‌ صعيد واحد، يسوقهم النور، ‌و‌ تجمعهم الظلمه، حتى يقفوا على عقبه المحشر فيركب بعضهم بعضا ‌و‌ يزدحمون دونها، فيمنعون ‌من‌ المضى، فتشتد انفاسهم ‌و‌ يكثر عرقهم ‌و‌ تضيق بهم امورهم ‌و‌ يشتد
 
ضجيجهم ‌و‌ ترتفع اصواتهم، قال: ‌و‌ ‌هو‌ اول هول ‌من‌ اهوال يوم القيامه، الى ‌ان‌ قال: ثم يخلى سبيلهم فينطلقون الى العقبه يكرد بعضهم بعضا حتى ينتهوا الى العرصه، ‌و‌ الحديث طويل اخذنا منه موضع الحاجه.
 يشرف اى: يعلى ‌من‌ الشرف بمعنى العلو.
 يقال: شرفه تشريفا، ‌و‌ ‌فى‌ نسخه تشرف بالمثناه ‌من‌ فوق مفتوحه على مثال تحسن.
 ‌و‌ رفع المنازل على الفاعليه.
 ‌و‌ المواقف: جمع موقف، ‌و‌ ‌هو‌ مكان الوقوف.
 ‌و‌ الاشهاد: جمع شاهد كصاحب ‌و‌ اصحاب، ‌او‌ شهيد كشريف ‌و‌ اشراف.
 قال ابوعلى: ‌و‌ هذا ارجح لكثره ورود شهيد ‌فى‌ القران.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ جمع شهد ‌و‌ ‌هو‌ جمع شاهد، كصحب جمع صاحب، ‌و‌ جمعه اصحاب.
 ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ شهد على الشى ء اى: اطلع عليه ‌و‌ عاينه، ‌او‌ ‌من‌ شهد ‌به‌ اى: اخبر بما قد شاهد.
 ‌و‌ المراد بهم ‌من‌ يقف يوم القيامه للشهاده على الناس ‌من‌ الملائكه ‌و‌ الانبياء ‌و‌ المومنين كما قال تعالى: «انا لننصر رسلنا ‌و‌ الذين آمنوا ‌فى‌ الحيوه الدنيا ‌و‌ يوم يقوم الاشهاد».
 قيل: ‌و‌ الفائده ‌فى‌ قيام الاشهاد ‌و‌ اعتبار قولهم المبالغه ‌فى‌ اظهار الفضيحه.
 
و قال قتاده: المراد بالاشهاد: الحضار ‌و‌ ‌هم‌ جميع اهل الموقف.
 ‌و‌ روى: ‌ان‌ الامم ينكرون يوم القيامه تبليغ الانبياء فيطالب الله الانبياء بالبينه على انهم قد بلغوا، ‌و‌ ‌هو‌ اعلم فيوتى عليهم بالشهداء.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى باسناده عن العجلى قال: قلت لابى جعفر (عليه السلام) قول الله تبارك ‌و‌ تعالى: «و كذلك جعلناكم امه وسطا لتكونوا شهداء على الناس ‌و‌ يكون الرسول عليكم شهيدا»، قال: نحن الامه الوسط ‌و‌ نحن شهداء الله على خلقه ‌و‌ حججه ‌فى‌ ارضه.
 ‌و‌ عنه (عليه السلام): ‌فى‌ قوله تعالى: «ليكون الرسول عليكم شهيدا ‌و‌ تكونوا شهداء على الناس» قال رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله): الشهيد علينا بما بلغنا عن الله تعالى ‌و‌ نحن الشهداء على الناس فمن صدق يوم القيامه صدقناه ‌و‌ ‌من‌ كذب كذبناه.
 اقتباس ‌من‌ قوله تعالى ‌فى‌ سوره الجاثيه: «و خلق الله السموات ‌و‌ الارض بالحق ‌و‌ لتجزى كل نفس بما كسبت ‌و‌ ‌هم‌ ‌لا‌ يظلمون» ‌و‌ قد تقدم ‌ان‌ المقتبس ليس بقرآن حقيقه، بل كلام يماثله فلا يضر فيه التغيير اليسير كما وقع هنا، ‌و‌ انما انث الفعل ‌فى‌ تجزى، ‌و‌ جى ء بالضمير مفردا مونثا ‌فى‌ كسبت لان كلا ‌و‌ ‌ان‌ كان لفظها الافراد ‌و‌ التذكير يجب مراعاه معناها حيث اضيفت الى منكر نحو «كل نفس ذائقه
 
الموت»، فان اضيفت الى معرف ‌او‌ قطعت جاز مراعاه لفظها ‌و‌ مراعاه معناها، نحو: كلهم قائم ‌و‌ قائمون، «فكلا اخذنا بذنبه»، «و كل كانوا ظالمين».
 ‌و‌ الضمير ‌فى‌ «و ‌هم‌ ‌لا‌ يظلمون» راجع الى النفوس المدلول عليها بكل نفس، ‌و‌ جمعه لانه انسب بحال الجزاء كما ‌ان‌ الافراد اوفق بحال الكسب ‌اى‌ ‌لا‌ يظلمون بنقص ثواب ‌او‌ زياده عقاب لاستحاله الظلم عليه تعالى خلافا للاشاعره حيث قالوا: ‌ان‌ تسميه ذلك ظلما لبيان غايه تنزه ساحه لطفه عما ذكر بتنزيله منزله الظلم الذى يستحيل صدوره عنه تعالى، ‌و‌ الا فهو ليس بظلم لان له ‌ان‌ يفعل ‌ما‌ يشاء ‌و‌ يحكم ‌ما‌ يريد.
 بدل ‌من‌ قوله: يوم تجزى ‌و‌ ‌هو‌ اقتباس آخر ‌من‌ قوله تعالى ‌فى‌ سوره الدخان: «ان يوم الفصل ميقاتهم اجمعين يوم ‌لا‌ يغنى مولى عن مولى شيئا ‌و‌ ‌لا‌ ‌هم‌ ينصرون».
 يقال: اغنى فلان عن فلان اذا اجزا عنه ‌و‌ قام مقامه، ‌و‌ ‌ما‌ يغنى عنك هذا اى: ‌ما‌ يجزيك ‌و‌ ‌ما‌ ينفعك.
 ‌و‌ حكى الازهرى: ‌ما‌ اغنى فلان شيئا بالغين ‌و‌ العين، ‌اى‌ لم ينفع ‌فى‌ مهم ‌و‌ لم يكف موونه.
 ‌و‌ المولى: الولى ‌و‌ الناصر ‌و‌ القريب ‌و‌ الصاحب ‌و‌ المنعم ‌و‌ الجار ‌و‌ الحليف ‌و‌ المحب ‌و‌ التابع ‌و‌ المعتق ‌و‌ المعتق ‌و‌ العبد ‌و‌ النزيل ‌و‌ الشريك ‌و‌ المالك.
 
و المراد: ‌ان‌ احدا منهم باى معنى فرض ‌لا‌ ينفع ‌اى‌ مولى كان شيئا ‌من‌ الاغناء. ‌و‌ الضمير ‌فى‌ ولاهم ينصرون للمولى الاول باعتبار المعنى لانه عام.
 ‌و‌ تتمه الايه «الا ‌من‌ رحم الله انه ‌هو‌ العزيز الرحيم» ‌اى‌ الا ‌من‌ رحمه بالعفو عنه ‌و‌ قبول الشفاعه ‌فى‌ حقه انه ‌هو‌ العزيز الذى ‌لا‌ ينصر ‌من‌ اراد تعذيبه، الرحيم لمن اراد ‌ان‌ يرحمه
 

0
100% (نفر 4)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5
اسناد الصحیفه السجادیه- 1
الدعاء 1- 3
الدعاء 3- 1
الدعاء 31- 2
الدعاء 48- 2
الدعاء 6- 2

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 45- 1

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^