فارسی
سه شنبه 18 ارديبهشت 1403 - الثلاثاء 27 شوال 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

الدعاء 1- 5

ابتدر الشى ء ‌و‌ بادره ‌و‌ بادر اليه: عاجله ‌و‌ اسرع اليه.


 ‌و‌ العقوبه بالضم: اسم ‌من‌ عاقبت المسى ء معاقبه ‌و‌ عقابا: كافاته.
 ‌و‌ النقمه ككلمه ‌و‌ بالكسر ‌و‌ الفتح مع سكون القاف: المكافاه بالعقوبه، نقم منه كضرب ‌و‌ علم، ‌و‌ انتقم: عاقبه، ‌و‌ فيه تلميح الى قوله تعالى: «و لو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى اليهم اجلهم» سمى العقوبه شرا لانها اذى ‌و‌ الم ‌فى‌ ‌حق‌ المعاقب، اى: لو يريد الله عجله الشر للناس كما ارادوا عجله الخير لهم لاميتوا ‌و‌ اهلكوا، ‌و‌ لكن اقتضت حكمته ‌و‌ مصلحته تعالى ‌ان‌ ‌لا‌ يعجل ايصال الشر اليهم لعلهم يومنون ‌او‌ يتوبون، ‌او‌ يخرج ‌من‌ اصلابهم ‌من‌ يومن.
 «بل»: حرف عطف يفيد بعد النفى ‌و‌ النهى، تقرير حكم متلوه ‌و‌ اثبات ضده لتاليه كما افاد هنا تقرير نفى الابتدار ‌و‌ المعاجله عنه تعالى ‌و‌ اثبت التانى ‌و‌ الانتظار له سبحانه. هذا مذهب ابن مالك ‌و‌ جماعه ‌من‌ النحويين
 ‌و‌ قال بعضهم: بل الداخله على الجمله حرف ابتداء ‌لا‌ عاطفه ‌و‌ فائدتها الاضراب ‌و‌ الانتقال ‌من‌ جمله الى اخرى اهم ‌من‌ الاولى
 ‌و‌ تانى ‌فى‌ الامر: تمكث ‌و‌ لم يعجل، ‌و‌ الاسم منه اناه على وزن حصاه، ‌و‌ تانيته ‌و‌ استانيته: امهلته ‌و‌ لم اعجله.
 «و الباء» ‌فى‌ برحمته للسببيه.
 ‌و‌ الرحمه: قيل رقه القلب ‌و‌ انعطاف يقتضى التفضل ‌و‌ الاحسان، ‌و‌ الحق انها
 
فينا حاله نفسانيه تكون مع رقه القلب بها نفعل الموده ‌و‌ الاحسان كما ‌ان‌ الغضب حاله نفسانيه تكون ‌فى‌ الاكثر مع قساوه القلب ‌و‌ جموده تصدر منها الاساءه ‌و‌ الجور، ‌و‌ هكذا العلم ‌و‌ الحلم ‌و‌ الحياء ‌و‌ الصبر ‌و‌ العفه ‌و‌ المحبه ‌و‌ غيرها فينا، صفات نفسانيه تناسبها احوال القلب ‌و‌ مزاج البدن، ‌و‌ هى مبادى ء افعال ‌و‌ آثار تناسبها.
 قال بعض المحققين ‌من‌ اصحابنا المتاخرين: ‌و‌ اذا اطلق بعض هذه الصفات على الله تعالى فلا ‌بد‌ ‌ان‌ يكون هناك على وجه اعلى ‌و‌ اشرف، لان صفات كل موجود على حسب وجوده، فصفات الجسم كوجوده جسمانيه، ‌و‌ صفات النفس نفسانيه ‌و‌ صفات العقل عقلانيه، ‌و‌ صفات الله تعالى الهيه، ‌لا‌ كما عليه كثير ‌من‌ اهل التحصيل ‌و‌ لتمييز ‌من‌ انكار هذه الصفات ‌فى‌ حقه تعالى راسا، ‌و‌ القول بان اسماء الله تعالى انما تطلق عليه باعتبار الغايات دون المبادى التى تكون انفعالات ‌و‌ هذا ‌من‌ قصور العلم ‌و‌ ضيق الصدر ‌و‌ عدم سعه التعقل حيث لم يدركوا مقامات الوجود ‌و‌ مواطنه ‌و‌ معارجه ‌و‌ منازله ‌و‌ احواله ‌فى‌ كل موطن ‌و‌ مقام، فوقعوا ‌فى‌ مثل هذا التعطيل الخالى عن التحصيل، ‌و‌ بالجمله: العوالم متطابقه فما وجد ‌من‌ الصفات الكماليه ‌فى‌ الادنى يكون ‌فى‌ الاعلى على وجه ارفع ‌و‌ اشرف ‌و‌ ابسط، فافهم هذا التحقيق ‌و‌ اغتنمه فانه عزيز جدا انتهى
 قوله (عليه السلام) تكرما اى: تطولا ‌و‌ تفضلا ‌و‌ امتنانا، ‌و‌ نصبه على المفعوليه لاجله لكونه عله موثره للفعل الذى ‌هو‌ التانى، كما تقول: قعدت عن الحرب جبنا ‌لا‌ عله غائيه له كضربته تاديبا.
 ‌و‌ ياتى التكرم بمعنى التنزه عما ‌لا‌ يليق، يقال: تكرم عن القبيح ‌اى‌ تنزه، ‌و‌ منه قول ابى حيه النميرى:
 
الم تعلمى انى اذا النفس اشرقت
 على طمع لم انس ‌ان‌ اتكرما
 ‌و‌ يمكن حمله هنا على هذا المعنى ايضا اى: تانانا برحمته تنزها عن معا جلتنا لان المعاجله شان ‌من‌ يخشى الفوت كما ورد ‌فى‌ الدعاء: «انما يعجل ‌من‌ يخاف الفوت» ‌و‌ ‌هو‌ تعالى منزه عن ذلك. ‌و‌ الاول انسب.
 قوله (عليه السلام): «و انتظر مراجعتنا برافته حلما» الانتظار ‌فى‌ اللغه: ترقب حضور الشى ء ‌او‌ حصوله، يقال: انتظره ‌و‌ نظره ايضا قال تعالى: «ما ينظرون الا صيحه واحده» ‌اى‌ ‌ما‌ ينتظرون.
 ‌و‌ المراجعه: المعاوده ‌و‌ هى الرجوع الى الامر الاول، ‌و‌ منه راجع امراته.
 ‌و‌ اعلم انه لما كان غرض العنايه الالهيه ‌هو‌ الوصول الى جناب عزه تعالى الذى ‌هو‌ غايه الخلق ‌و‌ سوق كل ناقص منهم الى كماله ليصل اليه كاملا، حسن ‌ان‌ يعبر عن ابقاء العاصى بالتانى له، ‌و‌ عن طلب العنايه الالهيه رجوعه الى طاعته له بالانتظار لمراجعته ‌و‌ الا فهو سبحانه منزه عن التانى ‌و‌ الانتظار.
 قوله (عليه السلام): «برافته» قيل: الرافه اشد الرحمه.
 ‌و‌ قيل: الرحمه اكثر ‌من‌ الرافه، ‌و‌ الرافه اقوى منها ‌فى‌ الكيفيه، لانها عباره عن ايصال النعم بلا كراهه، ‌و‌ الرحمه ايصال النعم مطلقا، ‌و‌ قد يكون مع الكراهه للمصلحه كقطع العضو المتاكل.
 ‌و‌ اطلاق الرافه عليه تعالى كاطلاق الرحمه ‌و‌ قد مر تحقيقه آنفا، ‌و‌ قس عليه كل ‌ما‌ ياتى ‌من‌ هذا القبيل.
 ‌و‌ الحلم ‌فى‌ الانسان: الاناه ‌و‌ التثبت ‌فى‌ الامور، ‌و‌ ‌هو‌ فضيله تحت الشجاعه يعتبر معها عدم انفعال النفس عن الواردات المكروهه الموذيه.
 
و اما ‌فى‌ حقه تعالى فقيل: يعود الى عدم انفعاله تعالى عن مخالفه اوامره ‌و‌ نواهيه، فهو الحليم بمعنى الذى ‌لا‌ يستخفه شى ء ‌من‌ معاصى العباد، ‌و‌ ‌لا‌ يستفزه الغضب عليهم، ‌و‌ ‌لا‌ يحمله على سرعه الانتقام منهم- مع قدرنه التامه- غيض ‌و‌ ‌لا‌ طيش، ‌و‌ الفرق بينه تعالى ‌و‌ بين العبد ‌فى‌ هذا الوصف: ‌ان‌ سلب الانفعال عنه سلب مطلق، ‌و‌ عن العبد عما ‌من‌ شانه ‌ان‌ يكون له ذلك الشى ء فكان عدم الانفعال عنه ابلغ ‌و‌ اتم. ‌و‌ الحق: انه ‌فى‌ العبد صفه نفسانيه، ‌و‌ ‌فى‌ الرب صفه الهيه كما علمت، فهو فيه اعلى ‌و‌ اشرف ‌و‌ اكمل ‌و‌ ارفع.
 
دلنا على التوبه اى: عرفنا حقيقتها، لان المكلف لابد ‌ان‌ يعرف ماهيه التوبه حتى يتمكن بعقله ‌من‌ تدارك الذنوب. ‌او‌ عرفنا وجوبها ‌و‌ كونها مقبوله. ‌او‌ ذكرنا نعمه العظيمه علينا حتى صار ‌من‌ الدواعى القريبه الى التوبه.
 ‌و‌ افدت الشى ء: استفدته ‌و‌ اعطيته ضد.
 قال ‌فى‌ المغرب: افادنى مالا اعطانى، ‌و‌ افاده بمعنى استفاده.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ المجمل: افدت اذا استفدت، ‌و‌ افدت اذا افدت غيرك يقال افدت غيرى ‌و‌ افدت ‌من‌ غيرى انتهى.
 فقوله (عليه السلام): «لم نفدها» ضبط بكسر الفاء ‌و‌ فتحها مع ضم النون، فالكسر ‌من‌ الافاده بمعنى الاستفاده، اى: لم نستفدها، ‌و‌ بالفتح ‌من‌ الافاده بمعنى الاعطاء اى: لم نعطها بالبناء للمفعول.
 
و تشنيع بعض المحشين على ‌من‌ ضبطه بفتح الفاء ‌لا‌ وجه له، ثم استفادتنا التوبه ‌من‌ فضله تعالى اما باعتبار دلالته لنا عليها، ‌او‌ ‌من‌ حيث انه لما كانت عباره عن انزجار النفس العاقله عن متابعه النفس الاماره بالسوء، ‌و‌ انزجارها انما يكون بسوانح ‌و‌ جواذب الهيه تسنح لها، فتطلع معها على قبح ‌ما‌ كانت عليه ‌من‌ اتباع شياطينها، فتكون سببا لجذبها عن مهاوى الهلاك ‌و‌ توجيهها عن الجنبيه السافله الى القبله الحقيقيه لم يكن استفادتنا لها الا ‌من‌ فضله.
 اعتددت بالشى ء على افتعلت اى: ادخلته ‌فى‌ العد ‌و‌ الحساب فهو معتد ‌به‌ اى: محسوب غير ساقط، ‌و‌ الواقع ‌فى‌ جميع النسخ لم نعتدد بفك الادغام ‌و‌ هى لغه اهل الحجاز، ‌و‌ اما بنوتميم فلغتهم الادغام ‌و‌ قرى ء قوله تعالى: «و ‌من‌ يرتدد منكم عن دينه» باللغتين.
 قال بعضهم: ‌و‌ جواب «لو» ‌فى‌ هذا المقام محذوف ‌و‌ التقدير: لو لم نعتدد ‌من‌ فضله الا بها لكفانا ذلك، ‌و‌ هذا متعارف كثيرا انتهى.
 قلت: ‌و‌ انما ادعى حذف الجواب، ‌و‌ لم يجعل قوله: لقد حسن بلاوه عندنا جوابها، لان النحاه لم يذكروا اقتران جواب «لو» الماضى باللام ‌و‌ قد، بل انما ذكروا اقترانها ب «قد» فقط ‌و‌ حكموا بندرته.
 قال ابن هشام ‌فى‌ المغنى: ‌و‌ ورد جواب «لو» الماضى مقرونا بقد، ‌و‌ ‌هو‌ غريب كقول جرير: لو شئت قد نقع الفواد بشربه انتهى.
 
لكنه قد سمع اقترانه بهما معا.
 قال الدمامينى ‌فى‌ تحفه الغريب: وقع ‌فى‌ صحيح البخارى ‌فى‌ باب رجم الحبلى ‌فى‌ الزنا ‌فى‌ حديث ابن عباس الطويل الذى فيه ذكر البيعه بعد وفاه النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌ما‌ نصه قال لى عبدالرحمن ‌بن‌ عوف: لو رايت رجلا اتى اميرالمومنين فقال: ‌يا‌ اميرالمومنين هل لك ‌فى‌ فلان يقول: لو قدمات عمر لقد بايعت فلانا انتهى.
 قال الدمامينى ففيه ورود جواب «لو» ‌و‌ شرطها جميعا مقرونين بقد قال: ‌و‌ فلان المشار اليه بالبيعه ‌هو‌ طلحه ‌بن‌ عبيدالله وقع ذلك ‌فى‌ فوائد البغوى.
 ‌و‌ ثبت ايضا ‌فى‌ صحيح البخارى ‌فى‌ ابواب الخمس ‌من‌ حديث جابر ‌بن‌ عبدالله قال: قال النبى (صلى الله عليه ‌و‌ آله) لو قد جاء مال البحرين قد اعطيتك هكذا ‌و‌ هكذا ‌و‌ هكذا انتهى.
 فالاولى ‌ان‌ يكون قوله (عليه السلام): «لقد حسن بلاوه عندنا» ‌هو‌ جواب «لو»، لثبوت مثله ‌فى‌ فصيح الكلام، ‌و‌ الحذف ‌و‌ التقدير خلاف الاصل، فيكون المعنى حينئذ لو لم نعتدد ‌من‌ فضله الا بالتوبه لكان بلاوه عندنا حسنا ‌و‌ احسانه الينا جليلا، ‌و‌ فضله علينا جسيما، ‌و‌ ذلك لان التوبه ‌من‌ اعظم نعم الله تعالى على عباده، لانها ممحاه للذنوب، مستره للعيوب، مرضاه للرحمن. مسخطه للشيطان، مفتحه- لابواب الجنان، معده لاشراق شموس المعارف الالهيه على الواح النفوس، مستنزله- للمواهب الربانيه ‌من‌ الملك القدوس.
 
 
روى عن اميرالمومنين (عليه السلام) انه قال: ‌لا‌ شفيع انجح ‌من‌ التوبه.
 ‌و‌ عن ابى جعفر (عليه السلام): التائب ‌من‌ الذنب كمن ‌لا‌ ذنب له.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله (عليه السلام): ‌ان‌ الله تعالى يفرح بتوبه عباده المومنين اذا تابوا كما يفرح احدكم بضالته اذا وجدها.
 ‌و‌ سياتى تمام الكلام عليها ‌فى‌ شرح دعائها ‌ان‌ شاء الله تعالى.
 قوله (عليه السلام): «حسن بلاوه» البلاء هنا بمعنى الاحسان ‌و‌ الانعام، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و ليبلى المومنين منه بلاء حسنا».
 قال المفسرون اى: عطاء جميلا غير مشوب بمقاساه الشدائد ‌و‌ المكاره.
 قوله: «جل احسانه» اى: عظم.
 يقال: ‌جل‌ الشى ء جلالا ‌من‌ باب (ضرب) اى: عظم فهو جليل، ‌و‌ منه الجلى بالضم للامر العظيم.
 قوله: «جسم فضله» كعظم لفظا ‌و‌ معنى فهو جسيم، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الجسم بمعنى جماعه البدن كانه صار ذا جسم.
 
السنه بالضم لغه: الطريقه المستقيمه.
 قيل: ماخوذه ‌من‌ سن الماء اذا والى صبه، ‌او‌ ‌من‌ سن النصل اذا حده، ‌او‌ ‌من‌ سن الابل اذا ارسلها ‌فى‌ الرعى.
 ‌و‌ سنه الله تعالى: حكمه.
 
و هكذا: اشاره الى الحاضر ‌فى‌ الذهن ‌من‌ سنته ‌فى‌ التوبه المفترضه على هذه الامه المرحومه التى ليس هى الا الندم على الذنب لكونه ذنبا.
 ‌و‌ المراد بمن كان قبلنا: بنواسرائيل الذين كانت سنته تعالى ‌فى‌ التوبه لهم قتل انفسهم ‌لا‌ الندم فقط كما نطق ‌به‌ التنزيل ‌فى‌ قوله تعالى: «و اذ قال موسى لقومه ‌يا‌ قوم انكم ظلمتم انفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه ‌هو‌ التواب الرحيم».
 روى: ‌ان‌ موسى (عليه السلام) سال ربه التوبه على بنى اسرائيل ‌من‌ عباده العجل، فقال: ‌لا‌ الا ‌ان‌ يقتلوا انفسهم، فامرهم موسى (عليه السلام) بالقتل فاجابوا، فاخذ عليهم المواثيق ليصبرن على القتل، فاصبحوا مجتمعين ‌و‌ قد اغتسلوا ‌و‌ لبسوا اكفانهم كل قبيله على حده، ‌و‌ اتاهم هارون بالاثنى عشر الفا الذين لم يعبدوا العجل ‌و‌ بايديهم السيوف فتقدم موسى ‌و‌ قال لهم: ‌ان‌ هولاء اخوانكم قد اتوكم شاهرين للسيوف فاحتبوا بافنيه بيوتكم ‌و‌ اتقوا الله ‌و‌ اصبروا فلعن الله رجلا ‌حل‌ حبوته، ‌او‌ قام ‌من‌ مجلسه، ‌او‌ مد اليهم طرفه، ‌او‌ اتقاهم بيد، ‌او‌ رجل فيقولون: آمين.
 روى: ‌ان‌ الرجل كان يبصر ولده ‌و‌ جاره ‌و‌ قريبه فلم يمكنه المضى لامر الله، فارسل الله سبحانه ضبابه ‌و‌ سحابه سوداء ‌لا‌ يتباصرون تحتها فجعلوا يقتلونهم الى المساء، فقام موسى ‌و‌ هارون يدعوان الله ‌و‌ يقولان هلكت بنواسرائيل البقيه البقيه ‌يا‌ الهنا، فكشف الضبابه ‌و‌ السحابه ‌و‌ اوحى الله تعالى اليهما: قد غفرت ذنب ‌من‌
 
قتل ‌و‌ تبت على ‌من‌ لم يقتل، قالوا: ‌و‌ كانت القتلى سبعين الفا.
 «اللام» جواب قسم محذوفه، فانه حيث قيل: لقد فعل اولا فعلن ‌او‌ لئن فعل ‌و‌ لم تتقدم جمله قسم فثم جمله قسم محذوفه نحو: «و لقد صدقكم الله وعده» «لاعذبنه عذابا شديدا»، «لئن اخرجوا ‌لا‌ يخرجون معهم».
 ‌و‌ التقدير: اقسم بالله لقد وضع عنا ‌ما‌ ‌لا‌ طاقه لنا به، اى: ‌ما‌ ‌لا‌ قدره لنا عليه ‌من‌ التكاليف الشاقه، ‌لا‌ ‌ما‌ ‌لا‌ تفى ‌به‌ الطاقه البشريه حقيقه، فان ذلك غير جائز عليه تعالى عقلا خلافا للاشاعره. ‌و‌ استعمال عدم الطاقه فيما يشق شائع ‌فى‌ كلامهم.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث عن النبى (صلى الله عليه ‌و‌ آله) قال ‌فى‌ المملوك: له طعامه ‌و‌ كسوته ‌و‌ ‌لا‌ يكلف ‌من‌ العمل الا ‌ما‌ يطيق اى: ‌ما‌ ‌لا‌ يشق.
 ‌و‌ المراد: انه تعالى لم يشدد علينا ‌فى‌ التكاليف كما شدد على ‌من‌ قبلنا ‌من‌ اليهود حيث فرض عليهم خمسين صلاه ‌و‌ امرهم باداء ربع اموالهم ‌فى‌ الزكاه، ‌و‌ اوجب عليهم قرض ‌ما‌ اصابته النجاسه ‌من‌ الثوب ‌و‌ الجلد كالخف ‌و‌ الفروه ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يطهر بالغسل، ‌و‌ اذا اتوا بخطيئه حرم عليهم ‌من‌ الطعام بعض ‌ما‌ كان لهم حلالا قال تعالى: «فبظلم ‌من‌ الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم»، ‌و‌ حتم عليهم
 
تعيين القصاص ‌فى‌ العمد ‌و‌ الخطا ‌من‌ غير الديه، ‌و‌ قطع الاعضاء الخاطئه، ‌و‌ احراق الغنائم، ‌و‌ تحريم السبت، ‌و‌ كانوا اذا قاموا الى الصلاه لبسوا المسوح ‌و‌ غلوا ايدبهم الى اعناقهم ‌و‌ ربما ثقب الرجل ترقوته ‌و‌ جعل فيها طرف السلسله ‌و‌ اوثقها الى الساريه لحبس نفسه على العباده، الى غير ذلك ‌من‌ اعباء التكاليف الثقيله، ‌و‌ قد عصم الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ بفضله ‌و‌ رحمته هذه الامه عن امثال ذلك ‌و‌ انزل ‌فى‌ شانهم: «و يضع عنهم اصرهم ‌و‌ الاغلال التى كانت عليهم».
 ‌و‌ قال (عليه السلام): بعثت بالحنيفيه السهله السمحه.
 قوله (عليه السلام): «و لم يكلفنا الا وسعا». التكليف: الزام ‌ما‌ فيه كلفه ‌و‌ مشقه.
 ‌و‌ الوسع بالضم: ‌ما‌ يسع الانسان ‌و‌ ‌لا‌ يضيق عليه، اى: لم يكلفنا الا ‌ما‌ اتسع له طوقنا ‌و‌ لم تضق عنه قدرتنا كما قال تعالى: «و ‌ما‌ جعل عليكم ‌فى‌ الدين ‌من‌ حرج».
 قوله (عليه السلام): «و لم يجشمنا الا يسرا».
 جشمت الامر: كسمعت، ‌و‌ تجشمته اذا تكلفته على مشقه، ‌و‌ جشمته غيرى بالتشديد ‌و‌ اجشمته بالالف: كلفته اياه.
 ‌و‌ اليسر بالضم: نقيض العسر ‌و‌ اصله السهوله، ‌و‌ منه اليسار للغنى لان ‌به‌ تتسهل الامور ‌و‌ تتسنى المقاصد. اى: لم يكلفنا الا ‌ما‌ سهل علينا، ‌و‌ تيسر دون مدى الطاقه ‌و‌ الوسع، الا تراه اوجب علينا ‌من‌ الصلاه خمسا، ‌و‌ ‌من‌ السنه صوم شهر، ‌و‌ ‌فى‌
 
العمر حجه واحده مع امكان الانسان ‌و‌ طاقته ‌ان‌ يصلى اكثر ‌من‌ الخمس، ‌و‌ يصوم اكثر ‌من‌ الشهر، ‌و‌ يحج اكثر ‌من‌ حجه، لكنه تعالى اراد بنا اليسر فضلا منه ‌و‌ رحمه كما قال: «يريد الله بكم اليسر ‌و‌ ‌لا‌ يريد بكم العسر»، ‌و‌ هذه الفقره ‌من‌ باب التكميل، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يوتى بكلام ‌فى‌ فن فيرى انه ناقص فيكمل باخر فانه (عليه السلام) لما قال ‌و‌ لم يكلفنا الا وسعا توهم ‌ان‌ ذلك يوهم انه كلفنا مبلغ وسعنا فكمل بقوله: ‌و‌ لم يجشمنا الا يسرا نفيا لذلك الايهام ‌و‌ هذا ‌من‌ كمال البلاغه ‌و‌ ايفائها حقوقها.
 لم يدع: ‌اى‌ لم يترك، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الودع بمعنى الترك، قالوا: ‌و‌ لم يستعمل منه الا المضارع، ‌و‌ الامر، فلا يقال: ودعه بل تركه، ‌و‌ ‌لا‌ وداع ‌و‌ لكن تارك، ‌و‌ ‌لا‌ تقل: اعجبنى ودعك الفحش، بل تركك، ‌و‌ ‌لا‌ مودوع ‌و‌ لكن متروك، ‌و‌ ‌ما‌ ورد منه فشاذ.
 ‌و‌ مثله ‌و‌ ذر انما يقال منه ذر ‌و‌ ‌لا‌ تذر ‌لا‌ غير.
 ‌و‌ الحجه بالضم: ‌ما‌ ‌دل‌ على صحه الدعوى.
 ‌و‌ العذر: التفصى عن الذنب بوجه معقول، ‌و‌ المعنى انه تعالى لما لم يكلفنا الا دون وسعنا ‌و‌ لم يشق علينا ‌فى‌ شى ء ‌من‌ التكاليف، لم يترك لاحد حجه يحتج بها ‌و‌ ‌لا‌ عذرا يقيمه ‌فى‌ عدم طاعته ‌و‌ لزوم اوامره ‌و‌ نواهيه التى ‌لا‌ كلفه علينا ‌فى‌ القيام بها، بل له تعالى الحجه البالغه.
 ‌و‌ عن الصادق (عليه السلام): اذا نظرت ‌فى‌ جميع الاشياء لم تجد احدا ‌فى‌ ضيق، ‌و‌ لم تجد احدا الا ‌و‌ لله عليه الحجه، ‌و‌ ‌ما‌ امروا الا بدون سعتهم، ‌و‌ كل شى ء امر الناس ‌به‌ فهم يسعون له، ‌و‌ كل شى ء ‌لا‌ يسعون له فهو موضوع عنهم، ‌و‌ لكن الناس ‌لا‌ خير فيهم.
 
الهلاك: الموت، هلك يهلك ‌من‌ باب (ضرب) هلكا بالضم، ‌و‌ مهلكه مثلثه اللام، ‌و‌ الاسم الهلاك، ‌و‌ يعبر ‌به‌ عن الخسران ‌و‌ استيجاب النار ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا لمقابلته بالسعيد لاستلزامه الشقاوه.
 ‌و‌ منه الحديث: اذا قيل هلك الناس، فهو اهلكهم.
 قال ابن الاثير: يروى بفتح الكاف ‌و‌ ضمها، فمن فتحها كانت فعلا ماضيا، ‌و‌ معناه ‌ان‌ الغالين ‌فى‌ الدين يويسون الناس ‌من‌ رحمه الله يقولون: هلك الناس: ‌اى‌ استوجبوا النار بسوء اعمالهم، فاذا قال الرجل ذلك فهو الذى اوجبه لهم ‌لا‌ الله تعالى، ‌او‌ ‌هو‌ الذى لما قال لهم ذلك ‌و‌ آيسهم حملهم على ترك الطاعه ‌و‌ الانهماك ‌فى‌ المعاصى، فهو الذى اوقعهم ‌فى‌ الهلاك.
 ‌و‌ اما الضم فمعناه انه اذا قال لهم ذلك فهو اهلكهم، اى: اكثرهم هلاكا، ‌و‌ ‌هو‌ الرجل يولع بعيب الناس ‌و‌ يذهب بنفسه عجبا ‌و‌ يرى له عليهم فضلا انتهى.
 ‌و‌ «على» ‌من‌ قوله: هلك عليه.
 قيل: بمعنى مع، اى: مع سعه رحمته.
 ‌و‌ قيل: ضمن معنى استعلى ‌و‌ استعصى.
 ‌و‌ قيل: معناه الخاسر ‌من‌ خسر عنده.
 ‌و‌ الصواب: ‌ان‌ معناه على كره منه، كما يقال: باع القاضى عليه داره، لانه تعالى ‌لا‌ يرضى بهلاك احد ‌من‌ عباده، ‌و‌ لذلك وسع لهم رحمته ‌و‌ لم يعاجلهم بالاخذ على ذنوبهم، بل تاناهم برحمته، ‌و‌ انتظر مراجعتهم برافته، ‌و‌ فتح لهم باب التوبه، ‌و‌ وضع عنهم مالا طاقه لهم، ‌و‌ لم يكلفهم الا دون وسعهم، فمن هلك بعد ذلك كله
 
بسوء سعيه كان كانه هالك على كره منه سبحانه، ‌و‌ انما دلت «على» على ذلك لانها تستعمل ‌فى‌ الافعال الشاقه المستثقله، يقال: هذا لك ‌و‌ هذا عليك فتستعمل « اللام» فيما يوثره ‌و‌ «على» فيما يكرهه.
 قالت الخنساء:
 ساحمل نفسى على حاله
 فاما عليها ‌و‌ اما لها
 ‌و‌ منه قوله تعالى: «لها ‌ما‌ كسبت ‌و‌ عليها ‌ما‌ اكتسبت».
 ‌و‌ السعيد: خلاف الشقى.
 ‌و‌ رغب الى الله: ساله ‌و‌ طلبه.
 ‌و‌ قصر المسند على المسند اليه ‌فى‌ الفقرتين للمبالغه ‌فى‌ هلاك ‌من‌ هلك عليه كانه ‌لا‌ هالك غيره، ‌و‌ سعاده ‌من‌ رغب اليه كانه ‌لا‌ سعيد غيره، على ‌ما‌ قالوه ‌فى‌ نحو: الامير زيد ‌و‌ الشجاع عمرو، ‌من‌ ‌ان‌ اللام ‌ان‌ حمل ‌فى‌ المقام الخطابى على الاستغراق كان بمنزله كل امير زيد، ‌و‌ كل شجاع عمرو، ‌و‌ ‌ان‌ حمل على الجنس افاد: ‌ان‌ زيدا ‌و‌ جنس الامير ‌و‌ عمروا ‌و‌ جنس الشجاع متحدان ‌فى‌ الخارج، ‌و‌ كيف كان فالقصر الادعائى حاصل.
 
«الباء»: للاستعانه ‌او‌ للمصاحبه.
 ‌و‌ حمده: ضبط بكسر الميم كعلمه، ‌و‌ بتشديدها ‌من‌ التحميد ‌و‌ ‌هو‌ حمده تعالى مره بعد اخرى.
 ‌و‌ ادنى ملائكته: ‌اى‌ اقربهم اليه، ‌من‌ الدنو، بمعنى القرب.
 ‌و‌ ارضى: هنا اسم تفضيل ‌من‌ رضى مصوغا للمفعول، اذ المعنى اعظم المرضيين لديه.
 ‌و‌ بناء اسم التفضيل- ‌و‌ ‌ان‌ كان الغالب فيه ‌ان‌ يكون ‌من‌ الفعل المصوغ للفاعل- لكنه قد سمع بناوه ‌من‌ المصوغ للمفعول ايضا بكثره كاجن ‌و‌ اشغل ‌و‌ اعجب ‌و‌ اشغف ‌و‌ اعذر ‌و‌ اشهر، ‌و‌ كفى شاهدا على صحته وروده ‌فى‌ كلامه (عليه السلام) فلا عبره بمن منعه ‌من‌ النحاه.
 قوله: «لديه» ‌اى‌ عنده، ‌و‌ ياوها منقلبه عن الف لان اصلها لدى كعلى، لكنهم عاملوا الفها معامله الفى الى ‌و‌ على، فتسلم مع الظاهر ‌و‌ تقلب ياء مع المضمر ‌فى‌ الافصح كما قال تعالى: «و الفيا سيدها لدا الباب»، «و لدينا مزيد».
 
 تنبيه
 
 الظاهر ‌ان‌ المراد بقوله: «ادنى ملائكته ‌و‌ اكرم خليقته ‌و‌ ارضى حامديه» كل ‌من‌ اتصف بهذه الصفات منهم ‌لا‌ واحد معين، ‌و‌ انما افرد اسم التفضيل لاستعماله
 
مضافا، ‌و‌ ‌هو‌ اذا استعمل كذلك كان عدم المطابقه فيه اولى، كما قال تعالى: «و لتجدنهم احرص الناس على حيوه» ‌و‌ لم يقل: احرصى بالياء.
 فان قلت: اسم التفضيل اذا قصد ‌به‌ التفضيل على ‌من‌ اضيف اليه وجب كونه منهم واحدا كان ‌او‌ متعددا لتحصل المشاركه بين الجميع ‌فى‌ المعنى بذكره معهم ليصح تفضيله عليهم، ‌و‌ ذلك يستلزم تفضيل الشى ء على نفسه؟.
 قلت: ‌هو‌ داخل فيهم افرادا، خارج عنهم تركيبا، ‌او‌ داخل فيهم لفظا، خارج عنهم اراده، فلا يلزم ذلك.
 
فضله يفضله ‌من‌ باب (كتب): زاد عليه ‌فى‌ الفضل.
 يقال: فاضلنى ففضلته.
 ‌و‌ سائر الحمد: باقيه، ‌اى‌ ‌ما‌ عدا الحمد المذكور.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الكشاف العربى: السائر بمعنى الباقى، ‌و‌ استعماله ‌فى‌ كلام المصنفين بمعنى الجميع غير ثبت انتهى.
 ‌و‌ قال الصغانى: سائر الناس باقيهم، ‌و‌ ليس معناه جميعهم كما زعم ‌من‌ قصر ‌فى‌ اللغه باعه، ‌و‌ جعله بمعنى الجميع ‌من‌ لحن العوام.
 
قال الحريرى ‌فى‌ دره الغواص ‌فى‌ اوهام الخواص ‌ما‌ لفظه: ‌و‌ ‌من‌ اوهامهم الفاضحه ‌و‌ اغلاطهم الواضحه انهم يقولون: قدم سائر الحاج، ‌و‌ استوفى سائر الخراج فيستعملون سائرا بمعنى جميع، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ كلام العرب بمعنى الباقى، ‌و‌ منه قيل لما يبقى ‌فى‌ الاناء: سور ‌و‌ الدليل على صحه ذلك ‌ان‌ النبى (صلى الله عليه ‌و‌ آله) قال لغيلان حين اسلم ‌و‌ عنده عشر نسوه: «اختر اربعا ‌و‌ فارق سائرهن»، اى: ‌من‌ بقى بعد الاربع اللاتى تختارهن. ‌و‌ لما وقع «سائر» ‌فى‌ هذا الموطن بمعنى الباقى الاكثر، منع بعضهم ‌من‌ استعماله بمعنى الباقى الاقل. ‌و‌ الصحيح: انه يستعمل ‌فى‌ كل باق ‌قل‌ ‌او‌ كثر، لاجماع اهل اللغه على ‌ان‌ معنى الحديث: «اذا شربتم فاساروا» اى: ابقوا ‌فى‌ الاناء بقيه ماء، ‌لا‌ ‌ان‌ المراد ‌به‌ ‌ان‌ يشرب الاقل ‌و‌ يبقى الاكثر، ‌و‌ انما ندب الى التادب بذلك، لان الاكثار ‌من‌ المطعم ‌و‌ المشرب منباه عن النهم ‌و‌ ملامه عند العرب، ‌و‌ مما يدل على ‌ان‌ سائرا بمعنى الباقى ‌ما‌ انشد:
 ترى الثور فيها مدخل الظل راسه
 ‌و‌ سائره باد الى الشمس اجمع
 انتهى كلامه.
 قال ابن برى: يويد ذلك ‌ان‌ ابن دريد نقل ‌فى‌ بعض اماليه: ‌ان‌ سائر الشى ء
 
يقع على جله ‌و‌ معظمه ‌و‌ ‌لا‌ يستغرقه كقولهم: جاء سائر الحاج. اى: جلهم، ‌و‌ لك سائر المال اى: معظمه، ‌و‌ انشد قول مضرس:
 فما حسن ‌ان‌ يعذر المرء نفسه
 ‌و‌ ليس له ‌فى‌ سائر الناس عاذر
 ‌و‌ ‌من‌ استشهد ‌به‌ على ‌ان‌ سائرا فيه بمعنى الجميع فقد اخطا خطا بينا، لان ‌من‌ عدا المرء العاذر لنفسه ‌من‌ الناس ‌هو‌ باق بالنسبه اليه ‌و‌ ‌ان‌ كثر، ‌و‌ ‌لا‌ يقال: جميع الناس، الا اذا لم يشذ احد ‌من‌ الافراد.
 ‌و‌ ممن نص على ‌ان‌ سائرا بمعنى الجميع: الجوهرى ‌فى‌ الصحاح فقال: سائر الناس جميعهم.
 قال الشيخ تقى الدين: ‌و‌ ‌لا‌ التفات الى قوله فانه ‌لا‌ يقبل ‌ما‌ تفرد به، ‌و‌ قد حكم عليه بالغلط ‌فى‌ هذا ‌من‌ وجهين:
 احدهما: تفسيره ذلك بالجميع.
 ‌و‌ الثانى: ذكره له ‌فى‌ باب سير، ‌و‌ حقه ‌ان‌ يذكره ‌فى‌ باب سار، لانه ‌من‌ السور الهمز ‌و‌ ‌هو‌ بقيه الشى ء
 ‌و‌ قال النووى: هى لغه صحيحه لم يتفرد بها الجوهرى، بل وافقه عليها الامام ابومنصور الجواليقى ‌فى‌ اول كتابه شرح ادب الكاتب، ‌و‌ اذا اتفق هذان
 
الامامان على نقلها فهى لغه صحيحه
 ‌و‌ انكر ابوعلى ‌ان‌ يكون سائر ‌من‌ السور بمعنى البقيه لانها تقتضى الاقل ‌و‌ السائر الاكثر، ‌و‌ لحذفهم عينها ‌فى‌ نحو قولهم: «و هى ادماء سارها» لانها لما اعتلت بالقلب اعتلت بالحذف، ‌و‌ لو كانت العين همزه ‌فى‌ الاصل لما حذفت.
 ‌و‌ قال ابن برى: ‌من‌ جعل سائرا ‌من‌ سار يسير فيجوز ‌ان‌ يقول لقيت سائر القوم ‌اى‌ الجماعه التى يسير فيها هذا الاسم، ‌و‌ انشدوا على ذلك ابياتا منها قول الاحوص:
 فجلتها لنا لبانه لما
 ‌و‌ قذ النوم سائر الحراس
 انتهى.
 ‌و‌ انما استوفينا الكلام على هذا اللفظ هنا لانه كثيرا ‌ما‌ يقع السئوال عنه ‌و‌ لعلك ‌لا‌ تجده بهذا الاشباع ‌فى‌ غير هذا الكتاب.
 قوله (عليه السلام): «كفضل ربنا» ‌فى‌ محل النصب على المفعوليه المطلقه، ‌و‌ الاصل: فضلا كفضل ربنا، فحذف الموصوف ‌و‌ اقيم الوصف مقامه.
 قيل: ‌و‌ المراد التشبيه ‌فى‌ مطلق الفضل فلا يلزم ‌ان‌ يكون غير تام، لان المشبه متناه بخلاف المشبه به، ‌و‌ الاولى ‌ان‌ يقال: المراد كون فضل حمده على سائر حمد الحامدين ‌فى‌ مرتبه ‌من‌ الكمال الذى ‌لا‌ نهايه له، مثل فضله تعالى على جميع الخلق ‌اى‌ الممكنات.
 ‌و‌ المراد بسائر الحمد: حمد المخلوقين بقرينه المقام، فلا يدخل ‌فى‌ عمومه حمده
 
تعالى نفسه.
 
«ثم» هنا استينافيه ‌لا‌ عاطفه، فلا حاجه الى التمحل بانه انما اتى بها لما بين الحمدين السابق ‌و‌ اللاحق ‌من‌ التفاوت، ‌و‌ فضل كل واحد على الاخر ‌من‌ وجه كفضل الاول ‌من‌ حيث الكيفيه ‌و‌ الثانى ‌من‌ حيث الكميه مثلا.
 ‌و‌ وقوع «ثم» للابتداء صرح ‌به‌ صاحب رصف المبانى كما حكاه عنه المرادى.
 قال الدمامينى: وفات ابن هشام عد هذا القسم ‌فى‌ المغنى.
 ‌و‌ قدم الخبر ‌فى‌ قوله: «له الحمد» لافاده الاختصاص ‌و‌ القصر فيه حقيقى.
 ‌و‌ المكان: موضع كون الشى ء اى: موضع كل نعمه.
 ‌و‌ المراد: كونه حاصلا حيث حصلت كل نعمه فيكون كنايه مجاز عن كونه بازاء كل نعمه ‌و‌ عوضا عنها، كما تقول: خذ هذا مكان ذاك اى: قائما مقامه ‌و‌ عوضا عنه، ‌و‌ ‌هو‌ حال ‌من‌ المبتدا كما ‌فى‌ قوله تعالى: «و له الحمد ‌فى‌ السموات ‌و‌ الارض».
 ‌و‌ منهم ‌من‌ يجعل الظرف متعلقا بمعنى النسبه التى تشتمل عليها الجمله.
 ‌و‌ حكم العلامه التفتازانى ‌فى‌ شرح المفتاح عند قول السكاكى: ‌و‌ ‌هو‌ عند السلف كذا، بان الظرف معمول لثبوت الخبر للمبتدا. ‌و‌ اختاره المحقق الشريف ‌و‌ حكم بانه اظهر ‌من‌ جعله حالا ‌من‌ المبتدا.
 
و قول بعضهم: انه منصوب بنزع الخافض.
 ‌و‌ قول آخر: انه مفعول مطلق غلط فاحش فاحذره.
 فان قلت: كيف يكون الحمد بازاء كل نعمه ‌و‌ عوضا عنها ‌و‌ قد قيل: ‌من‌ اعتقد ‌ان‌ شكره يساوى نعمه الله فقد اشرك؟.
 قلت: انما كان عوضا ‌من‌ حيث رضا الله تعالى ‌به‌ كفا لنعمته، ‌لا‌ ‌من‌ حيث كونه مساويا لها.
 ‌و‌ ‌فى‌ الخبر: ‌ان‌ الله تعالى اوحى الى ايوب (عليه السلام) انى رضيت الشكر مكافاه ‌من‌ اوليائى.
 على ‌ان‌ حمده تعالى نعمه منه ايضا، فهو ‌من‌ جعل نعمه له تعالى عوضا عن نعمه له اخرى بامره ‌و‌ توفيقه.
 ‌و‌ عن الصادق (عليه السلام): ‌من‌ حمد الله على نعمه فقد شكره ‌و‌ كان الحمد افضل ‌من‌ تلك النعمه اى: نعمه افضل ‌من‌ تلك النعمه.
 هذا ‌و‌ انما حمده تعالى على كل نعمه له على غيره ‌من‌ ماض ‌و‌ باق ‌من‌ حيث انه المنعم بها، ‌و‌ تصور الجهه التى باعتبارها كان مستحقا للحمد دون غيره، ‌و‌ هى كونه المفيض لتلك النعم التى ‌لا‌ تحصى ‌و‌ ‌لا‌ يقدر غيره على مثلها، ‌و‌ هذه الملاحظه هى مطلوب الله تعالى ‌من‌ العبادات، ‌و‌ ‌هو‌ جار منها مجرى الروح ‌من‌ الجسد.
 قوله (عليه السلام): «الماضين ‌و‌ الباقين» المراد بالماضين: ‌من‌ مات ‌و‌ فنى ‌من‌ قولهم: مضى الشى ء يمضى مضيا ‌و‌ مضاء بالفتح ‌و‌ المد: ذهب ‌و‌ خلا.
 ‌و‌ الباقين: ‌من‌ لم يمت سواء وجد اولم يوجد بعد، ‌من‌ بقى الشى ء يبقى بقاء
 
ضد فنى، ‌او‌ ‌من‌ بقى بمعنى تاخر فيشتمل الحاضر منهم ‌و‌ المستقبل، ‌و‌ يدخل فيهم الملائكه ‌و‌ العقول الباقيه ببقاء الدنيا.
 ‌و‌ ‌لا‌ حاجه الى تكلف تخصيص الماضين بالذوات المتغيره الفائته ‌من‌ الناس، ‌و‌ الباقين بالذوات الباقيه الثابته ‌من‌ العقول ‌و‌ الملائكه.
 العدد: اسم ‌من‌ عد الشى ء اذا احصاه.
 ‌و‌ الكميه التى تقع جوابا لكم، ‌و‌ ‌هو‌ مفعول مطلق مبين لعدد عامله اى: اعد حمده عدد ‌ما‌ احاط ‌به‌ علمه. ‌و‌ اغرب ‌من‌ قال انه منصوب بنزع الخافض.
 ‌و‌ احاط بالشى ء علما: ادركه بكماله ظاهرا ‌و‌ باطنا.
 ‌و‌ علمه تعالى: عباره عن انكشاف الاشياء له ‌فى‌ الازل كليها ‌و‌ جزئيها كل ‌فى‌ وقته ‌و‌ بحسب مرتبته ‌و‌ على ‌ما‌ ‌هو‌ عليه فيما ‌لا‌ يزال.
 ‌و‌ هذا الانكشاف حاصل له تعالى ‌من‌ ذاته بذاته قبل خلق الاشياء ‌و‌ ‌هو‌ عين ذاته، فهو تعالى لم يزل عالما بذاته ‌و‌ عالما بالاشياء قبل ايجادها، ‌و‌ ‌لا‌ يعزب عنه شى ء منها كلياتها ‌و‌ جزئياتها ‌و‌ حقائقها ‌و‌ لوازمها ‌و‌ عوارضها ‌و‌ جوانبها ‌و‌ حدودها التى تنتهى اليها بعلم قديم كامل ‌من‌ جميع الجهات، ‌هو‌ عين ذاته الحقه التى هى العلم بالاشياء كلها على نحو واحد ‌لا‌ بعلم حادث زائد عليه قائم به.
 فان قلت: ذاته تعالى مجهوله لنا، ‌و‌ مفهوم العلم معلوم، فكيف يكون احدهما عين الاخر؟.
 قلت: المعلوم ‌من‌ العلم مفهوم الكلى، المشترك المقول بالتشكيك على افراده، الموجود بوجودات مختلفه، ‌و‌ الذى ‌هو‌ ذات البارى ‌جل‌ شانه فرد خاص منه، ‌و‌ ذلك الفرد لشده نورانيته ‌و‌ فرط ظهوره مجهول لنا، محتجب عن عقولنا، ‌و‌ كذا الكلام ‌فى‌ سائر صفاته الذاتيه، فمفهوماتها المشتركه معلومه، ‌و‌ وجودها القدسى الواجبى مجهول، ‌و‌ ‌فى‌ هذه الفقره ‌رد‌ صريح على ‌من‌ زعم انه تعالى ليس عالما بذاته لوجوب المغايره
 
بين العالم ‌و‌ المعلوم، ‌و‌ لم يعلم ‌ان‌ التغاير الاعتبارى كاف كعلمنا بانفسنا فهو عالم ‌و‌ معلوم، ‌و‌ على ‌من‌ زعم انه ليس عالما بغيره لان علم احد بغيره عباره عن صوره مساويه له مرتسمه ‌فى‌ العالم، ‌و‌ لم يعلم ‌ان‌ علم احد بغيره قد يكون حضوريا، بمعنى حضور ذلك الشى ء بنفسه ‌لا‌ بمثاله ‌و‌ صورته عند العالم ‌و‌ عدم غفله العالم عنه، ‌و‌ ‌ان‌ العلم الحضورى اقوى ‌من‌ العلم الحصولى، ضروره ‌ان‌ انكشاف الشى ء على احد لاجل حضوره بنفسه اقوى ‌من‌ انكشافه عليه لاجل حصول مثاله ‌و‌ صورته فيه، ‌و‌ على ‌من‌ زعم انه تعالى ليس عالما بالجزئيات، لان الجزئيات متغيره فعلمه بها يوجب التغير ‌فى‌ ذاته، ‌و‌ لم يعلم ‌ان‌ التغير امر اعتبارى يقع ‌فى‌ الاضافه ‌لا‌ ‌فى‌ ذاته ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ صفاته، ‌و‌ لان علمه تعالى بالكليات ‌و‌ الجزئيات لعدم كونه زمانيا مستمر على نحو واحد ازلا ‌و‌ ابدا ‌من‌ غير تغير اصلا.
 «الواو»: للاستيناف، ‌و‌ الظرف خبر، ‌و‌ عددها مبتدا، هذا على ضبط عددها بالضم. ‌و‌ اما على نسخه ابن ادريس: ‌من‌ ضبطه بالفتح، فالواو عاطفه، ‌و‌ المعطوف عليه مكان السابق، ‌و‌ عددها منصوب على المصدريه بفعل مقدر اى: اعدد حمده عددها، ‌و‌ الضمير ‌فى‌ منها ‌و‌ عددها راجع الى كل نعمه.
 ‌و‌ الاضعاف: جمع الضعف بالكسر، ‌و‌ ضعف الشى ء: مثله، ‌و‌ ضعفاه: مثلاه، ‌و‌ اضعافه: امثاله.
 ‌و‌ قال الخليل رحمه الله: ‌و‌ التضعيف ‌ان‌ يزاد على اصل الشى ء فيحصل مثلاه ‌و‌ اكثر، ‌و‌ كذلك الاضعاف ‌و‌ المضاعفه.
 ‌و‌ قال الازهرى: ‌و‌ الضعف ‌فى‌ كلام العرب: المثل، هذا ‌هو‌ الاصل، ثم
 
استعمل ‌فى‌ المثل ‌و‌ ‌ما‌ زاد، ‌و‌ ليس للزياده ‌حد‌ يقال: هذا ضعف هذا اى: مثله، ‌و‌ هذان ضعفاه اى: مثلاه.
 قال: ‌و‌ جاز ‌فى‌ كلام العرب ‌ان‌ يقال: هذا ضعف هذا اى: مثلاه ‌و‌ ثلاثه امثاله، لان الضعف زياده غير محصوره، فلو قال ‌فى‌ الوصيه: اعطوه ضعف نصيب ولدى: اعطى مثليه، ‌و‌ لو قال: اعطوه ضعفيه اعطى ثلاثه امثاله، حتى لو حصل للابن مائه اعطى مائتين ‌فى‌ الضعف ‌و‌ ثلاثمائه ‌فى‌ الضعفين، ‌و‌ على هذا جرى عرف الناس ‌و‌ اصطلاحهم. ‌و‌ الوصيه تحمل على العرف ‌لا‌ على دقائق اللغه انتهى.
 ‌و‌ الابد ‌فى‌ اللغه: الدهر، ‌و‌ ‌هو‌ الزمن الممتد.
 قيل: اشتقاقه ‌من‌ الابود، ‌و‌ ‌هو‌ النفور لان العقول تنفر ‌من‌ ادراك آخره.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاصطلاح: استمرار الوجود ‌فى‌ ازمنه مقدره غير متناهيه ‌فى‌ جانب المستقبل، كما ‌ان‌ الازل استمرار الوجود ‌فى‌ ازمنه مقدره غير متناهيه ‌فى‌ جانب الماضى ‌و‌ السرمد: الدائم الذى ‌لا‌ ينقطع.
 قال الخليل: ‌هو‌ دوام الزمان ‌و‌ اتصاله ‌من‌ ليل ‌او‌ نهار.
 قيل: ‌و‌ اشتقاقه ‌من‌ السرد ‌و‌ ‌هو‌ التوالى ‌و‌ التعاقب، ‌و‌ لما كان الزمان انما يبقى بسبب تعاقب اجزائه كان لذلك مسمى بالسرد، ‌و‌ ادخلوا عليه الميم لتفيد المبالغه.
 قوله (عليه السلام): «الى يوم القيامه» متعلق ‌به‌ اذ كان بمعنى الدائم.
 ‌و‌ القيامه: قيل اصلها مصدر قام الخلق ‌من‌ قبورهم قيامه.
 ‌و‌ قيل: هى تعريب قيمتا، ‌و‌ ‌هو‌ بالسريانيه بهذا المعنى.
 
اى ‌لا‌ انتهاء لحده ‌و‌ ‌هو‌ اقصى ‌ما‌ يمكن ‌ان‌ يبلغه ‌و‌ لك جعل المنتهى بمعنى النهايه.
 ‌و‌ الحد: مصدر ‌من‌ حددت الشى ء اذا جعلت له حدا ينتهى اليه.
 ‌و‌ هذا اضراب عما قبله، فلا يقال: جعل للحمد اولا غايه ‌و‌ ‌هو‌ يوم القيامه ثم نفى الغايه عنه هنا، ‌و‌ ‌هو‌ تناقض بل هذا فن ‌من‌ فنون البلاغه بديع يسمى الرجوع ‌فى‌ علم البديع، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يعود المتكلم الى كلامه السابق فينقضه لنكته كانه ‌و‌ ‌هم‌ سابقا عما ينبغى فرجع اليه، ‌و‌ ‌هو‌ هنا كذلك فانه (عليه السلام) غيا اولا الحمد لله بيوم القيامه لانه غايه كل حامد ثم تنبه الى انه ينبغى ‌ان‌ يكون الحمد مناسبا للمحمود الذى ‌لا‌ غايه له فرجع عنه، ‌و‌ قال: حمدا ‌لا‌ منتهى لحده كانه قال: بل احمده حمدا ‌لا‌ غايه له كما ورد ‌فى‌ دعاء آخر (حمدا خالدا مع خلودك)، ‌و‌ هذا النمط ‌فى‌ كلام بلغاء العرب كثير ‌و‌ قد استوفيت الكلام عليه ‌فى‌ شرح بديعيتى المسمى بانوار الربيع ‌و‌ ذكرت شواهده
 قوله (عليه السلام): «و ‌لا‌ حساب لعدده».
 الحساب: الاحصاء ‌و‌ جمع العدد تقول: حسبت المال ‌من‌ باب (قتل) حسبا بالفتح ‌و‌ حسبانا بالضم ‌و‌ حسابا بالكسر اى: احصيته ‌و‌ جمعت عدده.
 ‌و‌ العدد: كميه تطلق على الواحد ‌و‌ ‌ما‌ يتالف منه فيدخل الواحد.
 ‌و‌ قيل: ‌ما‌ ساوى نصف مجموع حاشيتيه القريبتين ‌او‌ البعيدتين على السواء كالاثنين فانه حاشيته السفلى واحد، ‌و‌ العليا ثلاثه ‌و‌ مجموع ذلك اربعه ‌و‌ نصف الاربعه اثنان ‌و‌ ‌هو‌ المطلوب، ‌و‌ على هذا فالواحد ليس بعدد لانه ‌لا‌ حاشيه له سفلى ‌و‌ يطلق على الصوره التى تنطبع ‌فى‌ نفس العاد ‌من‌ تكرار الواحد ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا لما سياتى.
 
قوله (عليه السلام): «لا مبلغ لغايته» ‌اى‌ ‌لا‌ منتهى لغايته، ‌و‌ غايه الشى ء مداه.
 ‌و‌ ‌لا‌ انقطاع لامده: ‌اى‌ ‌لا‌ انتهاء، ‌و‌ منه منقطع الشى ء: بالبناء للمفعول حيث ينتهى طرفه نحو منقطع الوادى ‌و‌ الرمل ‌و‌ الطريق.
 ‌و‌ الامد: الغايه.
 ‌و‌ هذه الفقرات الاربع كلها ‌من‌ باب نفى الشى ء بنفى لازمه ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ ينفى اللازم، ‌و‌ المراد نفى الملزوم مبالغه ‌فى‌ النفى ‌و‌ تاكيدا له كقوله: على ‌لا‌ حب ‌لا‌ يهتدى بمناره، ‌و‌ قوله: ‌و‌ ‌لا‌ ترى الضب بها ينجحر ‌اى‌ ‌لا‌ منار فلا اهتداء ‌و‌ ‌لا‌ ضب فلا انجحار، ‌و‌ وجه المبالغه ‌فى‌ ذلك ايذانه بان انتفاء الملزوم امر محقق ‌لا‌ نزاع فيه ‌و‌ بلغ ‌فى‌ تحققه الى ‌ان‌ صار كالشاهد على نفى اللازم اذ لو كان له منار لوقع الاهتداء ‌به‌ ‌و‌ لو كان بهاضب لكان له انجحار.
 ‌و‌ الامر هنا كذلك فان المراد بقوله (عليه السلام): ‌لا‌ منتهى لحده ‌و‌ ‌لا‌ حساب لعدده ‌لا‌ ‌حد‌ له فلا انتهاء ‌و‌ ‌لا‌ عدد له لعدم تناهيه فلا حساب اذ لو كان له ‌حد‌ لكان له منتهى ‌و‌ لو كان له عدد لكان له حساب ‌و‌ قس على ذلك.
 ‌و‌ نفى الغايه عنه بثلاث جمل مترادفه اهتماما بنفيها ‌و‌ تاكيدا لسلبها ‌و‌ ابرزه ‌فى‌ قوالب مختلفه ايذانا بان اللائق نفيها بكل عباره يمكن التعبير بها عنه.
 
الوصله بالضم: الوسيله، ‌و‌ كل شى ء اتصل بشى ء فما بينهما وصله، ‌و‌ هذا وصله الى كذا: يتوصل ‌به‌ اليه.
 ‌و‌ السبب ‌فى‌ الاصل: الحبل الذى يتوصل ‌به‌ الى الاستعلاء ثم استعير لكل ‌ما‌ يتوصل ‌به‌ الى شى ء كقوله تعالى: «و تقطعت بهم الاسباب» ‌اى‌ الوصل
 
و المودات.
 ‌و‌ الرضوان بكسر الراء ‌و‌ قيس ‌و‌ تميم يضمانها: بمعنى الرضا ‌و‌ ‌هو‌ خلاف السخط.
 ‌و‌ الذريعه: الوسيله ‌و‌ هى ‌ما‌ يتقرب ‌به‌ الى الشى ء، ‌و‌ فلان ذريعتى الى فلان، ‌و‌ قد تذرعت ‌به‌ اليه: توسلت.
 ‌و‌ المغفره: ‌فى‌ الاصل اسم ‌من‌ غفر الشى ء غفرا ‌من‌ باب (ضرب) اذا ستره ثم اطلقت على ستر القادر القبيح الصادر ممن ‌هو‌ تحت قدرته حتى ‌ان‌ العبد اذا سترعيب سيده مخافه عقابه ‌لا‌ يقال: غفر له ‌و‌ اذا نسبت الى الله تعالى، فالمراد بها ستره لذنوب عباده ‌و‌ عيوبهم مع تجاوزه عن خطاياهم ‌و‌ ذنوبهم، ‌و‌ عفوه عن معاصيهم ‌لا‌ مجرد الستر، كما يدل عليه ‌ما‌ ورد ‌فى‌ احاديثهم (عليهم السلام) «و الله لقد ستر حتى كانه غفر».
 استعار الطريق للحمد لكونها مستلزمه للوصول الى الغايه، فطلب ‌ان‌ يكون حمده مستلزما للوصول الى الجنه التى هى الغايه الحقيقيه ‌و‌ لمثلها يعمل العاملون ‌و‌ فيها يتنافس المتنافسون.
 ‌و‌ الخفير: بالخاء المعجمه ‌و‌ الفاء: المجير ‌و‌ الحامى ‌من‌ خفره يخفره ‌من‌ باب (ضرب) ‌و‌ (قتل) اذا اجاره ‌و‌ حماه ‌من‌ طالب له بمكروه، ‌و‌ الاسم: الخفاره بالكسر ‌و‌ الضم، ‌و‌ لما كان الخفير يذود عن مخفوره ‌و‌ يحميه عن مكروه يصل اليه استعاره للحمد ‌و‌ طلب ‌ان‌ يكون مجيرا له ‌من‌ نقمته، ‌و‌ حاميا له ‌من‌ عقوبته بان يكون سببا لغفران ذنوبه ‌و‌ محو خطاياه التى تترتب عليها النقمه ‌و‌ العقاب.
 ‌و‌ الامن: ‌ضد‌ الخوف، ‌و‌ ‌هو‌ هنا بمعنى المومن اسم فاعل ‌من‌ امنه ‌ضد‌ اخافه، وضع المصدر موضع الفاعل مبالغه، جعل المسمى نفسه امنا كما وضعوا العدل موضع العادل ‌و‌ الكلام على هذه الفقره كالتى قبلها.
 
الظهير: المعين، ‌و‌ يطلق على الواحد ‌و‌ الجمع، ‌و‌ ‌فى‌ التنزيل: «و كان الكافر على ربه ظهيرا» «و الملئكه بعد ذلك ظهير»، ‌و‌ تظاهروا: تعاونوا.
 ‌و‌ المراد ‌ان‌ يكون حمده سببا لافاضه قوه على استعداد يقوى ‌به‌ عقله على تذليل نفسه لطاعته تعالى كما يكون الظهير سببا للقوه على قهر الخصم ‌و‌ اذلاله.
 ‌و‌ الحاجز: الحائل بين الشيئين.
 ‌و‌ المعصيه: ترك الانقياد للامر ‌و‌ المراد كونه سببا لحسم اسباب المعاصى ‌و‌ عدم الاعداد لها بتوفيقه تعالى ‌و‌ العون ‌و‌ المعين بمعنى.
 ‌و‌ التاديه: مصدر ادى الحق الى صاحبه اذا اوصله اليه، ‌و‌ الاسم الاداء.
 ‌و‌ الوظائف: جمع وظيفه ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يقدر للانسان ‌فى‌ كل وقت ‌من‌ رزق ‌او‌ عمل، ‌و‌ عطفها على حقه ‌من‌ عطف الخاص على العام، اذ كان المراد بحقه تعالى تكاليفه الشرعيه ‌و‌ العقليه، ‌و‌ بالوظائف: ‌ما‌ وظفه ‌من‌ حقوقه واجباتها ‌و‌ مندوباتها كالصلوات ‌و‌ العبادات التى لها اوقات معينه.
 فان قلت: كيف يكون الحمد عونا على تاديه حقه تعالى؟ ‌و‌ قد قال اميرالمومنين ( عليه السلام) ‌فى‌ اول خطبه له ‌فى‌ نهج البلاغه: الحمد لله الذى ‌لا‌ يبلغ مدحته القائلون، ‌و‌ ‌لا‌ يحصى نعماءه العادون، ‌و‌ ‌لا‌ يودى حقه المجتهدون. ‌و‌ هذا صريح ‌فى‌ ‌ان‌ تاديه حقه تعالى ‌لا‌ يطيقه المجتهدون فضلا عن غيرهم.
 قلت: المراد بنفى تاديه المجتهدون حقه نفى تاديه ‌حق‌ نعمته تعالى ‌و‌ جزائها، ‌و‌ ‌لا‌
 
شك ‌ان‌ جزاء نعمته سبحانه امر ليس ‌فى‌ طاقه البشر ‌من‌ وجهين:
 احدهما: انه لما كان اداء ‌حق‌ النعمه ‌هو‌ مقابله الاحسان بجزاء ‌و‌ كانت نعمه تعالى ‌لا‌ تحصى كما قال: «لا يحصى نعمه العادون» بدليل قوله تعالى: «و ‌ان‌ تعدوا نعمه الله ‌لا‌ تحصوها» لزم ‌من‌ ذلك ‌ان‌ ‌لا‌ يمكن مقابلتها بمثل.
 الثانى: ‌ان‌ كل ‌ما‌ نتعاطاه ‌من‌ افعالنا الاختياريه مستندا الى جوارحنا ‌و‌ قدرتنا ‌و‌ ارادتنا ‌و‌ سائر اسباب حركاتنا ‌و‌ هى باسرها مستنده الى جوده ‌و‌ مستفاده ‌من‌ نعمته، ‌و‌ كذلك ‌ما‌ يصدر عنا ‌من‌ الحمد ‌و‌ الشكر ‌و‌ سائر العبادات نعمه منه سبحانه فكيف يكون مقابله نعمته بنعمته جزاء ‌و‌ تاديه لحق نعمته.
 ‌و‌ اما المراد بتاديه حقه ‌فى‌ الدعاء فهو القيام بتكاليفه تعالى لانها لما كانت تسمى حقوقا سمى القيام بها تاديه ‌و‌ القائم بها موديا، ‌و‌ هذا الاداء ‌فى‌ الحقيقه ‌من‌ اعظم نعمه تعالى على عباده اذ كان القيام بتكاليفه ‌و‌ سائر اسباب السلوك الموصل الى الله تعالى كلها مستنده الى جوده ‌و‌ عنايته ‌و‌ اليه الاشاره بقوله تعالى: «يمنون عليك ‌ان‌ اسلموا ‌قل‌ ‌لا‌ تمنوا على اسلامكم بل الله يمن عليكم ‌ان‌ هديكم للايمان ‌ان‌ كنتم صادقين»، ‌و‌ ‌ما‌ كان ‌فى‌ الحقيقه نعمه لله تعالى ‌لا‌ يكون اداء لها ‌و‌ جزاء لها ‌و‌ ‌ان‌ اطلق ذلك ‌فى‌ العرف اذ كان ‌من‌ شان الحق المفهوم المتعارف بين الخلق استلزامه وجوب الجزاء ‌و‌ الاداء ليسارعوا الى الاتيان ‌به‌ رغبه ‌و‌ رهبه فيحصل المقصود ‌من‌ التكليف حتى لو لم يعتقدوا انه ‌حق‌ لله بل ‌هو‌ مجرد نفع خالص لهم لم يهتموا ‌به‌ غايه الاهتمام اذ كانت غايته غير متصوره لهم كما هى،
 
و قلما تهتم النفوس بامر ‌لا‌ تتصور غايته ‌و‌ منفعته خصوصا مع المشقه اللازمه ‌فى‌ تحمله الا بباعث قاهر ‌من‌ خارج.
 
لما كانت همته (عليه السلام) مقصوره على السعاده الاخرويه التى هى مطمح ابصار اولى النفوس القدسيه، جعل مطلبها منتهى مطالبه ‌و‌ طلب اعظم وسائلها التى هى الشهاده غايه ماربه.
 ‌و‌ السعداء: جمع سعيد ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ عرف ربه ‌و‌ سلك سبيله حتى وصل اليه، ‌و‌ الوصول اليه هى الغايه العظمى للسعاده بل ‌هو‌ عينها.
 ‌و‌ «فى» بمعنى مع، ‌اى‌ مع السعداء كقوله تعالى: «ادخلوا ‌فى‌ امم» ‌اى‌ معهم.
 ‌و‌ «من» ‌فى‌ قوله: ‌من‌ اوليائه بيانيه، اى: السعداء الذين ‌هم‌ اوليائه.
 ‌و‌ الولى قيل: فعيل بمعنى مفعول ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ يتولى الله امره كما قال تعالى «و ‌هو‌ يتولى الصالحين».
 ‌و‌ قيل: بمعنى فاعل ‌اى‌ الذى يتولى عباده الله ‌و‌ يوالى طاعته ‌من‌ غير تخلل معصيه، ‌و‌ كلا الوصفين شرط ‌فى‌ الولايه.
 ‌و‌ قال المتكلمون: الولى ‌من‌ كان آتيا بالاعتقاد الصحيح المبنى على الدليل ‌و‌ بالاعمال الشرعيه ‌و‌ التركيب يدل على القرب فكانه قريب منه تعالى لاستغراقه ‌فى‌ انوار معرفته ‌و‌ جمال جلاله.
 قال بعض المحققين: ‌و‌ تحقيقه ‌ان‌ يقال: ‌هو‌ ‌من‌ يتولى الله تعالى بذاته امره فلا تصرف له اصلا اذ ‌لا‌ وجود له ‌و‌ ‌لا‌ ذات ‌و‌ ‌لا‌ فعل ‌و‌ ‌لا‌ وصف فهو الفانى بيد المفنى
 
- يفعل ‌به‌ ‌ما‌ يشاء حتى يمحو رسمه ‌و‌ اسمه ‌و‌ يمحق عينه ‌و‌ اثره ‌و‌ يحييه بحياته ‌و‌ يبقيه ببقائه.
 ‌و‌ قيل: الولى ‌هو‌ المطلع على الحقائق الالهيه ‌و‌ معرفه ذاته تعالى ‌و‌ صفاته ‌و‌ افعاله كشفا ‌و‌ شهودا ‌من‌ الله خاصه ‌من‌ غير واسطه ملك ‌او‌ بشر.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌من‌ ثبتت له الولايه التى توجب لصاحبها التصرف ‌فى‌ المعالم العنصرى ‌و‌ تدبيره باصلاح فساده ‌و‌ اظهار الكمالات فيه لاختصاص صاحبها بعنايه الهيه توجب له قوه ‌فى‌ نفسه ‌لا‌ يمنعها الاشتغال بالبدن عن الاتصال بالعالم العلوى ‌و‌ اكتساب العلم الغيبى منه ‌فى‌ حال الصحه ‌و‌ اليقظه بل تجمع بين الامرين لما فيها ‌من‌ القوه التى تسع الجانبين، ‌و‌ الولايه بهذا المعنى مرادفه للامامه عندنا.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى باسناده عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) ‌من‌ عرف الله ‌و‌ عظمه منع فاه ‌من‌ الكلام ‌و‌ بطنه ‌من‌ الطعام ‌و‌ عنى نفسه بالصيام ‌و‌ القيام، قالوا بابائنا ‌و‌ امهاتنا ‌يا‌ رسول الله هولاء اولياء الله، قال: ‌ان‌ اولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكرا، ‌و‌ نظروا فكان نظرهم عبره، ‌و‌ نطقوا فكان نطقهم حكمه، ‌و‌ مشوا فكان مشيهم بين الناس بركه، لو ‌لا‌ الاجال التى كتبت عليهم لم تقر ارواحهم ‌فى‌ اجسادهم خوفا ‌من‌ العذاب ‌و‌ شوقا الى الثواب.
 ‌و‌ قيل: الاولياء عرائس الله، ‌و‌ ‌هم‌ مخدرون عنده ‌فى‌ حجال الانس، ‌لا‌ يراهم احد ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ الاخره.
 ‌و‌ عن يحيى ‌بن‌ معاذ: ولى الله ‌لا‌ يجد له اخوانا، ‌و‌ ‌لا‌ على الدين اعوانا، قد ابدله الله خيرا منهم، فاتخذ الصبر شعارا، ‌و‌ الشكر دثارا، ‌و‌ القرآن معينا، ‌و‌ الفقر مبيتا، ‌و‌ التقوى
 
مطيه، ‌و‌ المجاهده زادا، ‌و‌ الايام مراحل، ‌و‌ الاحوال مناهل، ‌و‌ التفويض رفيقا، ‌و‌ التوكل منارا ‌و‌ الرضا نورا، ‌و‌ الجنه مقصدا، ‌و‌ الذكر انيسا، ‌و‌ الفكر جليسا، ‌و‌ اليقين محجه، ‌و‌ الصدق حجه.
 ‌و‌ عن الصادق (عليه السلام): اولياء الله ‌هم‌ الذين يذكرون الله برويتهم.
 ‌و‌ الى هذا المعنى اشار ‌من‌ قال: الولى ‌من‌ اولياء الله ريحان الله ‌فى‌ الارض يتشممه الصديقون فيشتاقون ‌به‌ الى مولاهم.
 ‌و‌ قال ابوزيد: اولياء الله ‌لا‌ يخافون ‌و‌ ‌لا‌ يحزنون لانهم ‌فى‌ ضياء الرضا ‌و‌ برد الموافقه ‌و‌ ظل القبول ‌و‌ انس الوصول قال تعالى «الا ‌ان‌ اولياء الله ‌لا‌ خوف عليهم ‌و‌ ‌لا‌ ‌هم‌ يحزنون».
 قوله (عليه السلام): «و نصير ‌به‌ ‌فى‌ نظم الشهداء بسيوف اعدائه».
 النظم: التاليف، ‌و‌ ضم الشى ء الى آخر، ‌و‌ نظم اللولو ‌من‌ باب (ضرب) الفه ‌و‌ جمعه ‌فى‌ سلك، ‌و‌ ‌هو‌ النظام بالكسر، ‌و‌ يطلق النظم على المنظوم كالنثر على المنثور، ‌و‌ يقال: جاءنا نظم ‌من‌ جراد، ‌و‌ منظوم منه، ‌و‌ نظام ‌اى‌ صف.
 ‌و‌ المعنى: ‌فى‌ جماعه الشهداء ‌او‌ ‌فى‌ صفهم.
 ‌و‌ الشهداء: جمع شهيد ‌و‌ ‌هو‌ القتيل ‌فى‌ سبيل الله، فعيل بمعنى مفعول لان الملائكه شهدت غسله ‌او‌ شهدت نقل روحه الى الجنه ‌او‌ لان الله شهد له بالجنه.
 ‌و‌ قيل: بمعنى: فاعل لسقوطه على الشاهده ‌و‌ هى الارض ‌او‌ لانه حى عند ربه حاضر ، ‌او‌ لانه يشهد ملك الله تعالى ‌و‌ ملكوته، ‌او‌ لانه ممن يستشهد يوم القيامه على الامم الخاليه فيشهد، ‌او‌ لانه يشهد ‌ما‌ اعده الله له ‌من‌ الكرامه.
 
و قيل: غير ذلك، ‌و‌ استشهد بالبناء للمفعول قتل شهيدا ‌و‌ الاسم الشهاده.
 ‌و‌ العدو: خلاف الصديق الموالى يكون للواحد ‌و‌ الاثنين ‌و‌ الجمع ‌و‌ الذكر ‌و‌ الانثى بلفظ واحد، ‌و‌ ‌فى‌ التنزيل: «فانهم عدو لى الا رب العالمين»
 قال سيبويه: عدو، وصف ‌و‌ لكنه ضارع الاسم، ‌و‌ قد يثنى ‌و‌ يجمع ‌و‌ يونث، ‌و‌ الجمع اعداء، ‌و‌ الاعادى جمع الجمع، ‌و‌ العدى ‌و‌ العدى بالكسر ‌و‌ الضم اسمان للجمع.
 ‌و‌ عرفوا العداوه بانها حاله تتمكن ‌من‌ القلب لقصد الاضرار ‌و‌ الانتقام.
 ‌و‌ المراد بالعداوه لله تعالى: مخالفه امره عنادا، ‌و‌ الخروج عن طاعته مكابره، لان العدو ‌لا‌ يمتثل امر عدوه ‌و‌ ‌لا‌ ينقاد لطاعته فاطلقت على ‌ما‌ ‌هو‌ ‌من‌ لوازمها مجازا، ‌او‌ المراد بعدواته تعالى عداوه اوليائه ‌و‌ خواصه، كقوله تعالى: «انما جزاء الذين يحاربون الله» اى: يحاربون اوليائه، ‌و‌ انما اضافهم اليه تعالى تفخيما لشانهم، ‌و‌ ايذانا بان عداوتهم عداوته ‌عز‌ ‌و‌ جل.
 فان قلت: ‌ما‌ فائده التقييد بسيوف اعدائه فان الشهيد قتيل الكفره الذين ‌هم‌ اعداء الله؟.
 قلت: ‌هو‌ ‌فى‌ الاصل ذلك ‌و‌ لكن قد اتسع فيه فاطلق على ‌من‌ سماه النبى (صلى الله عليه ‌و‌ آله) ‌من‌ المبطون ‌و‌ الغرق ‌و‌ الحرق ‌و‌ صاحب الهدم ‌و‌ ذات الجنب ‌و‌ غيرهم شهيدا فالقيد للتنصيص على المراد، ‌او‌ لرفع توهم ‌ان‌ المراد بالشهداء ‌هم‌ المذكورون ‌فى‌ قوله تعالى: «و كذلك جعلناكم امه وسطا لتكونوا شهداء على
 
الناس»، ‌و‌ انما ختم (عليه السلام) دعاءه بطلب المصير ‌فى‌ نظم الشهداء لكون طريق الشهاده افضل الطرق عند الله ثوابا ‌و‌ اكرمها مابا.
 كما يدل على ذلك صريحا ‌ما‌ روى عن ابى عبدالله (عليه السلام): ‌ان‌ اميرالمومنين (صلوات الله عليه) كان اذا اراد القتال قال: اللهم انك اعلمت سبيلا ‌من‌ سبلك جعلت فيه رضاك، ‌و‌ ندبت اليه اولياءك ‌و‌ جعلته اشرف سبلك عندك ثوابا، ‌و‌ اكرمها لديك مابا، ‌و‌ احبها اليك مسلكا، ثم اشتريت فيه ‌من‌ المومنين انفسهم ‌و‌ اموالهم بان لهم الجنه يقاتلون ‌فى‌ سبيل الله فيقتلون ‌و‌ يقتلون وعدا عليك حقا، فاجعلنى ممن اشتريت فيه منه نفسه ثم ‌و‌ ‌فى‌ لك ببيعه الذى بايعك عليه غير ناكث ‌و‌ ‌لا‌ ناقص عهدا ‌و‌ ‌لا‌ مبدلا تبديلا، استيجابا لمحبتك ‌و‌ تقربا ‌به‌ اليك، فاجعله خاتمه عملى ‌و‌ صير فيه فناء عمرى، ‌و‌ الدعاء طويل اخذنا منه موضع الحاجه.
 فتراه (عليه السلام) كيف طلب ‌ان‌ يكون سبيل الشهاده خاتمه عمله ‌و‌ فيه فناء عمره ‌و‌ هذا ملحوظ سبطه (عليه السلام) ‌فى‌ ختم دعائه بطلبها.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله (عليه السلام) ايضا قال: قال رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله): فوق كل ذى ‌بر‌ بر حتى يقتل ‌فى‌ سبيل الله فاذا قتل ‌فى‌ سبيل الله فليس فوقه بر.
 ‌و‌ عن انس ‌بن‌ مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) ‌من‌ طلب الشهاده صادقا اعطيها ‌و‌ ‌ان‌ لم تصبه.
 
اى اعطى ثواب اهلها ‌و‌ ‌ان‌ لم يتفق له القتل ‌فى‌ سبيل الله تعالى.
 قوله (عليه السلام): انه ولى حميد.
 الولى: ‌من‌ اسمائه تعالى بمعنى الناصر لعباده المومنين كما قال الله تعالى: « الله ولى الذين آمنوا يخرجهم ‌من‌ الظلمات الى النور».
 ‌و‌ قيل: المتولى لامور العالم ‌و‌ الخلايق ‌و‌ القائم بها.
 ‌و‌ قيل: المتولى اولياءه بالاحسان ‌و‌ الاكرام ‌و‌ الفور بالثواب ‌فى‌ دار السلام.
 قيل: ‌و‌ هذا اولى ‌من‌ التعميم الذى اقتضاه القول الثانى لان الله سبحانه قد تبرا ‌من‌ ولايه الكفار بقوله «و الذين كفروا اولياوهم الطاغوت».
 ‌و‌ قال يوسف الصديق (عليه السلام): «فاطر السموات ‌و‌ الارض انت وليى ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره» اى: انت هديتنى الى الاسلام، ‌و‌ غرست ‌فى‌ قلبى شجره الايمان ‌و‌ نجيتنى ‌من‌ المعصيه ‌و‌ الهلك، ‌و‌ علمتنى ‌من‌ تاويل الاحاديث، ‌و‌ آتيتنى الملك.
 ‌و‌ الحميد: الذى يستحق الحمد ‌فى‌ السراء ‌و‌ الضراء ‌و‌ الشده ‌و‌ الرخاء، المحمود بما حمد ‌به‌ نفسه، ‌و‌ بما حمده ‌به‌ عباده ‌و‌ خلقه، ‌و‌ انما كان محمودا ‌فى‌ الشده ‌و‌ الضراء كما كان محمودا ‌فى‌ الرخاء ‌و‌ السراء، لان شدته ‌و‌ ضراءه ‌من‌ نعمه التى يستحق عليها الحمد اذ كان الصبر عليها موجبا للثواب مستلزما للزلفى لديه ‌و‌ حسن الماب ‌و‌ ‌لا‌ يخفى حسن ختام الدعاء باسمه الحميد اذ كان الدعاء مخصوصا بالتحميد.
 ‌و‌ الحمد لله على ‌ما‌ هدانا اليه، ‌و‌ الصلاه ‌و‌ السلام على نبيه ‌و‌ آله المحمودين لديه، اللهم اجعلنا ‌من‌ الحامدين لك على حسن بلائك، ‌و‌ الشاكرين لاحسانك ‌و‌ نعمائك
 
و اجعل ‌ما‌ اوردناه ‌فى‌ هذه الاوراق خالصا لوجهك الكريم ‌و‌ تقبله منا انك انت السميع العليم.
 قال مولفه العبد على ‌بن‌ احمد الحسنى الحسينى: هذا آخر الروضه الاولى ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيد العابدين، ‌و‌ يتلوه بعون الله ‌و‌ حسن توفيقه شرح الدعاء الثانى ‌و‌ ‌هو‌ دعاوه (عليه السلام) ‌فى‌ الصلاه على رسول الله (صلى الله عليه ‌و‌ آله) ‌و‌ اتفق الفراغ منه بعد العشاء الاخره ‌من‌ ليله السبت لخمس عشره خلون ‌من‌ محرم الحرام مفتتح عام ست ‌و‌ تسعين ‌و‌ الف ‌من‌ الهجره النبويه على صاحبها ‌و‌ آله افضل الصلاه ‌و‌ السلام ‌و‌ التحيه.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5
اسناد الصحیفه السجادیه- 1
الدعاء 1- 3
الدعاء 3- 1
الدعاء 31- 2
الدعاء 48- 2
الدعاء 6- 2

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 45- 1

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^