فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 2- 1

بسم الله الرحمن الرحيم


 ‌و‌ ‌به‌ نستعين
 الحمد لله الذى شرف محمدا صلى الله عليه ‌و‌ آله بمزيد كرامته تشريفا له ‌و‌ تكريما ‌و‌ صلى عليه ‌هو‌ ‌و‌ ملائكته ‌و‌ امر سائر خلقه بذلك اجلالا له ‌و‌ تعظيما فقال: «ان الله ‌و‌ ملائكته يصلون على النبى ‌يا‌ ايها الذين آمنوا صلوا عليه ‌و‌ سلموا تسليما» صلى الله عليه ‌و‌ على آله الذين اورثهم معارفه ‌و‌ علمهم ‌من‌ لدنه تعليما.


 ‌و‌ بعد: فهذه الروضه الثانيه ‌من‌ رياض السالكين تتضمن شرح الدعاء الثانى ‌من‌ ادعيه صحيفه سيد العابدين، املاء راجى فضل ربه السنى على صدر الدين الحسينى الحسنى وفقه الله تعالى لمراضيه ‌و‌ جعل مستقبل حاله خيرا ‌من‌ ماضيه.


 الكلام ‌فى‌ هذا المقام يستدعى مباحث:
 
الاول: اختلف العلماء ‌فى‌ اشتقاق الصلاه:
 فقيل: ‌من‌ صليت العود بالنار اذا لينته ‌و‌ قومته لان المصلى يلين بالحنو ‌و‌ العطف ‌و‌ يسعى ‌فى‌ تعديل ظاهره ‌و‌ تقويم باطنه كالخشب الذى يعرض على النار.
 قال النووى: ‌و‌ ‌فى‌ هذا القول غباوه ‌من‌ صاحبه لان الصلاه واويه ‌و‌ «صليت العود» ‌من‌ ذوات الياء فكيف يصح الاشتقاق؟.
 قال الزركشى: ‌و‌ ‌هو‌ عجيب، فان المشدد تقلب منه الواو ياء كما ‌فى‌ زكيت المال، ‌و‌ الظاهر: ‌ان‌ النووى توهم انه ماخوذ ‌من‌ صليت المخففه ذاهلا عن كون الثقيله ‌و‌ هى التصليه كالتزكيه انما هى مصدر لصلى المشدده ‌لا‌ المخففه. انتهى.
 ‌و‌ هذا التعجب: اعجب ‌و‌ اعجب فان كلا ‌من‌ صليت العود ‌و‌ صليته المخففه ‌و‌ المشدده ‌من‌ ذوات الياء فلم تقلب الواو ‌فى‌ المشدده ياء كما زعمه الزركشى بل الياء فيهما ‌من‌ سنخ الكلمه بخلاف التزكيه فانها واويه فقلبت الواو ياء مع التشديد ‌و‌ هذا ظاهر.
 ‌و‌ قيل: ‌من‌ الصلوين، ‌و‌ هما عرقان ‌من‌ جانبى الذنب ‌و‌ عظمان ينحنيان عند
 
الانحناء فناسب ‌ان‌ يراد بها الحنو ‌و‌ الانعطاف المعنويين.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الكشاف: الصلاه فعله ‌من‌ صلى، كالزكاه ‌من‌ زكى، ‌و‌ كتبتا بالواو على لفظ المفخم، ‌و‌ حقيقه صلى حرك الصلوين لان المصلى يفعل ذلك ‌فى‌ ركوعه ‌و‌ سجوده انتهى.
 فان قلت: هذا الاشتقاق انما يناسب معنى الصلاه ذات الركوع ‌و‌ السجود ‌لا‌ المعنى المراد منها هنا.
 قلت: اجيب بان المصلى لما كان يتعطف ‌فى‌ ركوعه ‌و‌ سجوده فكانت الصلاه ذات الاركان مشتمله على التعطف استعيرت للتعطف على الغير حنوا ‌و‌ تروفا.
 ‌و‌ قيل: بل اصل الصلاه اللغوى، بمعنى الدعاء.
 ‌و‌ يويده: بان الصلاه بهذا المعنى ‌فى‌ اشعار الجاهليه كثيره الاستعمال.
 الثانى: قال الجمهور: الصلاه ‌من‌ الله تعالى، الرحمه، ‌و‌ ‌من‌ الملائكه، الاستغفار، ‌و‌ ‌من‌ الادميين، الدعاء.
 ‌و‌ استبعد ‌من‌ جهات: احداها: اقتضاوه الاشتراك، ‌و‌ الاصل عدمه لما فيه ‌من‌ الالباس حتى ‌ان‌ قوما نفوه، ثم المثبتون له يقولون: متى عارضه غيره مما يخالف الاصل كالمجاز قدم عليه، ‌و‌ لذلك تسمعهم يقولون: المجاز خير ‌من‌ الاشتراك.
 الثانيه: انا ‌لا‌ نعرف ‌فى‌ العربيه فعلا واحدا يختلف معناه باختلاف المسند اليه اذا كان الاسناد حقيقيا.
 الثالثه: ‌ان‌ الرحمه فعلها متعد ‌و‌ الصلاه فعلها قاصر ‌و‌ ‌لا‌ يحسن تفسير القاصر بالمتعدى.
 
الرابعه: انه لو قيل: مكان صلى عليه، دعا عليه، انعكس المعنى، ‌و‌ ‌حق‌ المترادفين صحه حلول كل منهما محل الاخر.
 ‌و‌ قال المحققون: انها لغه بمعنى واحد ‌و‌ ‌هو‌ العطف، ثم العطف بالنسبه الى الله تعالى الرحمه اللائقه به، ‌و‌ الى الملائكه الاستغفار، ‌و‌ الى الادميين، دعاء بعضهم لبعض.
 قال السهيلى ‌فى‌ نتائج الفكر: الصلاه كلها ‌و‌ ‌ان‌ اختلفت معانيها راجعه الى اصل واحد فلا تظنها لفظ اشتراك ‌و‌ ‌لا‌ استعاره، انما معناها العطف ‌و‌ يكون محسوسا ‌و‌ معقولا انتهى.
 ‌و‌ الحاصل: ‌ان‌ الاختلاف على هذا القول ‌فى‌ افراد معنى الصلاه، ‌و‌ على قول الجمهور ‌فى‌ نفس معنى الصلاه.
 الثالث: معنى الصلاه على رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله تعظيمه ‌فى‌ الدنيا باعلاء كلمته ‌و‌ ابقاء شريعته، ‌و‌ ‌فى‌ الاخره بتضعيف مثوبته ‌و‌ الزياده ‌فى‌ رفع درجته.
 قيل: ‌و‌ غايه الدعاء بذلك عائده الى المصلى، لان الله تعالى قد اعطاه ‌من‌ اعلاء الكلمه ‌و‌ علو الدرجه ‌و‌ رفع المنزله ‌ما‌ ‌لا‌ يوثر فيه صلاه مصل ‌و‌ ‌لا‌ دعاء داع.
 ‌و‌ قيل: بل غايته طلب زياده كماله عليه السلام ‌و‌ قربه ‌من‌ الله تعالى، اذ مراتب استحقاق نعم الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ غير متناهيه.
 الرابع: الصلاه عليه صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌فى‌ غير الصلاه ‌و‌ عند عدم ذكره مستحبه عند جميع اهل الاسلام ‌و‌ ‌لا‌ يعرف ‌من‌ قال بوجوبها غير الكرخى فانه اوجبها ‌فى‌ العمر مره كما ‌فى‌ الشهادتين، ‌و‌ اما ‌فى‌ الصلاه فاجمع علماونا رضوان الله عليهم على وجوبها ‌فى‌ التشهدين معا.
 
و قال الشافعى: هى مستحبه ‌فى‌ الاول واجبه ‌فى‌ الثانى.
 ‌و‌ قال ابوحنيفه ‌و‌ مالك: مستحبه فيهما معا.
 ‌و‌ اما عند ذكره صلى الله عليه ‌و‌ آله فظاهر كثير ‌من‌ الاخبار كقوله صلى الله عليه ‌و‌ آله: «من ذكرت عنده ‌و‌ لم يصل على دخل النار، ‌و‌ ‌من‌ ذكرت عنده فنسى الصلاه على خطى ‌به‌ طريق الجنه» ‌و‌ قوله: «من ذكرت عنده ‌و‌ لم يصل على
 
فدخل النار فابعده الله» انها تجب كلما ذكر ‌و‌ كلما سمع ذكره لان الوعيد اماره الوجوب ‌و‌ ‌هو‌ مختار ابن بابويه ‌و‌ المقداد ‌من‌ اصحابنا، ‌و‌ الطحاوى ‌من‌ العامه.
 قال الزمخشرى: ‌و‌ ‌هو‌ الذى يقتضيه الاحتياط.
 ‌و‌ منهم ‌من‌ اوجبها ‌فى‌ كل مجلس مره، ‌و‌ منهم ‌من‌ اوجبها ‌فى‌ العمر مره.
 ‌و‌ قال المحقق الاردبيلى: ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ ‌ان‌ احتياط الزمخشرى احوط، ‌و‌ يمكن اختيار الوجوب ‌فى‌ مجلس ‌ان‌ صلى آخرا، ‌و‌ ‌ان‌ صلى ثم ذكر يجب ايضا كما ‌فى‌ تعدد الكفاره ‌فى‌ تعدد الموجب اذا تخللت، ‌و‌ الا فلا انتهى.
 ‌و‌ الحق: ‌ان‌ هذه التفاصيل عريه عن المستند فالقول بشى ء منها تحكم، ‌و‌ الاولى: الوجوب عند كل ذكر للاخبار الكثيره الصريحه بالامر بها كلما ذكر، ‌و‌ الاصل ‌فى‌ الامر: الوجوب.
 ‌و‌ اما القول بالاستحباب مطلقا كما ذهب اليه جماعه مستدلين بالاصل ‌و‌ الشهره المستندين الى عدم تعليمه عليه السلام للموذنين ‌و‌ تركهم ذلك مع عدم وقوع نكير عليهم كما يفعلون الان ‌و‌ لو كان لنقل.
 
ففيه: ‌ان‌ عدم التعليم ممنوع، ‌و‌ كذا عدم النكير، كعدم النقل، فقد روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى ‌فى‌ باب بدء الاذان ‌و‌ الاقامه باسناده عن ابى جعفر عليه السلام: «اذا اذنت فافصح بالالف ‌و‌ الهاء ‌و‌ صل على النبى عليه السلام كلما ذكرته ‌او‌ ذكره ذاكر ‌فى‌ اذان ‌و‌ غيره».
 على ‌ان‌ عدم النقل ‌لا‌ يدل على عدمه، ‌و‌ اصاله البرائه ‌لا‌ يصح التمسك بها بعد ورود القرآن ‌و‌ الاخبار به.
 ثم الظاهر ‌من‌ بعض الاخبار كقول الصادق عليه السلام: «اذا ذكر النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله فاكثروا الصلاه عليه». حيث رتب الامر بالصلاه على الذكر بالفاء التعقيبيه ‌هو‌ ايقاعها على الفور فلو اهمل الفور اثم على القول بالوجوب ‌و‌ لم تسقط، ‌و‌ كذا الظاهر ‌ان‌ الامر بها عام لكل احد ‌و‌ على كل حاله حتى ‌فى‌ الصلاه فلو ترك الامتثال ‌و‌ اشتغل بالقراءه فيها هل تبطل الصلاه على تقدير الوجوب ‌ام‌ لا؟ فان قلنا: ‌ان‌ الامر بالشى ء نهى عن ضده الخاص، ‌و‌ النهى ‌فى‌ العباده يقتضنى الفساد بطلت، ‌و‌ ‌ان‌ قلنا بعدمه فلا ‌و‌ ‌هو‌ الراجح.
 فلو تكرر الذكر تكرارا كثيرا بحيث يخرج بالاشتغال بالصلاه عليه صلى الله عليه ‌و‌ آله عن كونه مصليا، ‌لا‌ يبعد القول بسقوط التكليف بها لان الفعلين اذا تضيقا ‌و‌ تعذر الجمع بينهما علمنا ‌ان‌ احدهما ليس بواجب قطعا، ‌و‌ لما كان مشتغلا بالصلاه ‌و‌ وجب اتمامها ‌و‌ الاستمرار فيها، كان ‌ما‌ ينافيه غير مامور ‌به‌ فليتامل.
 الخامس: انما كان عليه السلام يدعو بالصلاه عليه صلوات الله عليه ‌و‌ آله بعد التحميد لما ورد ‌فى‌ ذلك عن جديه عليهماالسلام، فعن ابى عبدالله عليه السلام:
 
«ان رجلا دخل المسجد فصلى ركعتين، ثم سال الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ فقال رسول الله- صلى الله عليه ‌و‌ آله: اعجل العبد ربه. ‌و‌ جاء آخر فصلى ركعتين، ثم اثنى على الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌و‌ صلى على النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله، فقال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: سل تعط».
 ‌و‌ عنه عليه السلام: «ان ‌فى‌ كتاب على عليه السلام: ‌ان‌ الثناء على الله، ‌و‌ الصلاه على رسوله قبل المساله».
 ‌و‌ لو لم يرد ذلك لكان فعله عليه السلام ايضا حجه ‌و‌ سنه ينبغى اقتفاوها، ثم الصلاه على النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌من‌ اعظم شروط الاجابه.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: «لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلى على محمد ‌و‌ ‌آل‌ محمد».
 ‌و‌ عنه عليه السلام: «من دعا ‌و‌ لم يذكر النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله رفرف الدعاء على راسه، فاذا ذكر النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله رفع الدعاء».
 قال العلماء: ‌و‌ السر ‌فى‌ قبول الدعاء اذا قرن بالصلاه، امران:
 الاول: ‌ان‌ النبى ‌و‌ آله عليهم السلام وسائط بين الله سبحانه ‌و‌ بين عباده ‌فى‌ قضاء حوائجهم ‌و‌ نجاح مطالبهم، ‌و‌ ‌هم‌ ابواب معرفته ‌عز‌ ‌و‌ جل، فلابد ‌من‌ التوسل بذكرهم ‌فى‌ عرض الدعاء عليه ‌و‌ قبوله لديه، ‌و‌ ذلك كما اذا اراد احد ‌من‌ الرعيه اظهار حاجته على السلطان توسل بمن يعظمه ‌و‌ ‌لا‌ يرد قوله.
 الثانى: اذا ضم العبد الصلاه مع دعائه، ‌و‌ عرض المجموع على الله تعالى،
 
و الصلاه غير محجوبه، فالدعاء غير محجوب، لانه تعالى اكرم ‌من‌ ‌ان‌ يقبل الصلاه ‌و‌ يرد الدعاء، فيكون قد قبل الصحيح ورد المعيب، كيف؟ ‌و‌ قد نهى تعالى عباده عن تبعيض الصفقه! ‌و‌ ‌لا‌ يمكن ‌رد‌ الجميع لكرامه الصلاه عليه، فلم يبق الا قبول الكل ‌و‌ ‌هو‌ المطلوب.
 ‌و‌ ‌فى‌ نهج البلاغه عن اميرالمومنين عليه السلام: «اذا كانت لك الى الله سبحانه حاجه، فابدا بمساله الصلاه على النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله، ثم اسال حاجتك، فان الله اكرم ‌من‌ ‌ان‌ يسال حاجتين فيقضى احداهما ‌و‌ يمنع الاخرى».
 السادس: الاخبار ‌فى‌ فضل الصلاه عليه صلى الله عليه ‌و‌ آله اكثر ‌من‌ ‌ان‌ تحصى.
 فمنها: ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: «اذا ذكر النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله فاكثروا الصلاه عليه فانه ‌من‌ صلى على النبى صلاه واحده صلى الله عليه الف صلاه ‌فى‌ الف ‌صف‌ ‌من‌ الملائكه ‌و‌ لم يبق شى ء مما خلقه الله الا صلى على العبد لصلاه الله ‌و‌ صلاه ملائكته، فمن لم يرغب ‌فى‌ هذا فهو جاهل مغرور قد برى الله منه ‌و‌ رسوله ‌و‌ اهل بيته».
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: «من صلى على صلى الله عليه ‌و‌ ملائكته، فمن شاء فليقل ‌و‌ ‌من‌ شاء فليكثر».
 ‌و‌ عنه عليه السلام: «من صلى على محمد ‌و‌ ‌آل‌ محمد عشرا صلى الله عليه ‌و‌ ملائكته الفا، اما تسمع قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «هو الذى يصلى عليكم ‌و‌ ملائكته
 
ليخرجكم ‌من‌ الظلمات الى النور ‌و‌ كان بالمومنين رحيما».
 ‌و‌ عن احدهما عليهماالسلام قال: «ما ‌فى‌ الميزان شى ء اثقل ‌من‌ الصلاه على محمد ‌و‌ ‌آل‌ محمد، ‌و‌ ‌ان‌ الرجل لتوضع اعماله ‌فى‌ الميزان فتميل ‌به‌ فيخرج صلى الله عليه ‌و‌ آله الصلاه عليه فيضعها ‌فى‌ ميزانه فترجح».
 «و عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ارفعوا اصواتكم بالصلاه على فانها تذهب بالنفاق».
 السابع: ‌ما‌ وقع ‌فى‌ عنوان هذا الدعاء ‌من‌ قوله صلى الله عليه ‌و‌ آله بالعطف على الضمير المجرور ‌من‌ دون اعاده الخافض، مبنى على مذهب الكوفيين، ‌و‌ يونس ‌و‌ الاخفض ‌من‌ البصريين، ‌من‌ عدم وجوب اعاده الخافض ‌فى‌ ذلك، خلافا لجمهور البصريين، ‌و‌ اختاره الشلوبين، ‌و‌ صححه ابن مالك ‌و‌ ابوحيان، ‌و‌ جرى عليه ابن هشام ‌فى‌ شرح الشذور.
 ‌و‌ التوضيح لثبوت ذلك: ‌فى‌ فصيح الكلام كقراءه حمزه «و اتقوا الله الذى تساءلون ‌به‌ ‌و‌ الارحام» بخفض الارحام عطفا على الضمير المخفوض بالباء.
 ‌و‌ حكايه قطرب: ‌ما‌ فيها غيره ‌و‌ فرسه بخفض الفرس عطفا على الهاء المخفوضه باضافه غير اليها. ‌و‌ قول الشاعر:
 فاذهب فما بك ‌و‌ الايام ‌من‌ عجب
 
بخفض الايام عطفا على الكاف المخفوضه بالباء، ‌و‌ الى ذلك اشار ابن مالك بقوله ‌فى‌ الخلاصه:
 ‌و‌ عود خافض لدى عطف على
 ضمير خفض لازما قد جعلا
 ‌و‌ ليس عندى لازما اذ قد اتى
 ‌فى‌ النثر ‌و‌ النظم الصحيح مثبتا
 ‌و‌ اما ‌ما‌ زعمه بعضهم: ‌من‌ ‌ان‌ الشيعه تلتزم عدم اعاده الخافض ‌و‌ ‌هو‌ «على» ‌فى‌ مثل هذه العباره، لحديث ياثرونه ‌و‌ هو: «من فصل بينى ‌و‌ بين آلى بعلى فقد جفانى»، فزعم محض ‌لا‌ عين له ‌و‌ ‌لا‌ اثر، اذ ‌لا‌ تعرف الشيعه هذا الخبر ‌و‌ لم ترد ‌به‌ روايه ‌من‌ طرقهم، بل ‌و‌ لم يذكر ‌و‌ ‌لا‌ منقطعا ‌فى‌ شى ء ‌من‌ كتبهم، كيف ‌و‌ الادعيه الماثوره عن اهل البيت عليهم السلام مشحونه باعاده الخافض ‌فى‌ مثل ذلك كما ستقف عليه مكررا ‌فى‌ ادعيه الصحيفه الشريفه ‌و‌ الله المستعان.
 قال سيد العابدين ‌و‌ امام الموحدين صلوات الله عليه:.
 
الواو: عاطفه للجمله على قوله ‌فى‌ الدعاء السابق: «ثم له الحمد» لانه عليه السلام كان يصل هذا الدعاء ‌به‌ ‌من‌ غير فصل كما ‌هو‌ ظاهر العنوان، ‌او‌ هى استئنافيه.
 ‌و‌ معنى «المن» هاهنا: الانعام على ‌من‌ ‌لا‌ يطلب الجزاء منه، ‌و‌ فيه اشاره الى قوله تعالى: «لقد ‌من‌ الله على المومنين اذ بعث فيهم رسولا ‌من‌ انفسهم يتلوا عليهم آياته ‌و‌ يزكيهم ‌و‌ يعلمهم الكتاب ‌و‌ الحكمه ‌و‌ ‌ان‌ كانوا ‌من‌ قبل لفى ضلال مبين».
 ‌و‌ محمد: علم منقول ‌من‌ الصفه التى معناها كثير الخصال المحموده.
 
قال اهل اللغه: رجل محمد: ‌اى‌ كثير الخصال المحموده.
 ‌و‌ قال ابن فارس: سمى نبينا محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله محمدا لكثره خصاله المحموده. يعنى الهم الله تعالى اهله تسميته بذلك لما علم ‌من‌ خصاله الحميده
 ‌و‌ قال السهيلى: ‌فى‌ محمد معنى المبالغه ‌و‌ التكرار فالمحمد: ‌هو‌ الذى حمد مره بعد مره، كما ‌ان‌ المكرم ‌من‌ كرم مره بعد اخرى، ‌و‌ كذلك الممدح ‌و‌ اسم محمد مطابق لمعناه، ‌و‌ الله تعالى سماه ‌به‌ قبل ‌ان‌ يسمى به، ‌و‌ ‌هو‌ علم ‌من‌ اعلام نبوته، اذ كان اسمه صادقا عليه فهو صلى الله عليه ‌و‌ آله محمود ‌فى‌ الدنيا بما هدى اليه ‌و‌ نفع ‌به‌ ‌من‌ العلم ‌و‌ الحكمه، ‌و‌ ‌هو‌ محمود ‌فى‌ الاخره بالشفاعه، فقد تكرر فيه معنى الحمد كما يقتضيه اللفظ انتهى.
 ‌و‌ ورد ‌فى‌ اخبار كثيره ‌من‌ طرق اهل البيت عليهم السلام، عنه صلى الله عليه ‌و‌ آله انه قال: «سمانى الله ‌من‌ فوق عرشه ‌و‌ شق لى اسما ‌من‌ اسمائه فسمانى محمدا ‌و‌ ‌هو‌ محمود».
 ‌و‌ اخرج البخارى ‌فى‌ تاريخه الصغير: ‌من‌ طريق على ‌بن‌ زيد قال: كان ابوطالب يقول:
 ‌و‌ شق له ‌من‌ اسمه ليجله
 فذو العرش محمود ‌و‌ هذا محمد.
 
قال القسطلانى ‌فى‌ المواهب: ‌و‌ قد سماه الله تعالى بهذا الاسم قبل الخلق بالفى عام، كما ورد ‌من‌ حديث انس ‌بن‌ مالك ‌من‌ طريق ابى نعيم ‌فى‌ مناجاه موسى (عليه السلام).
 قال ابن قتيبه: ‌و‌ ‌من‌ اعلام نبوته صلى الله عليه ‌و‌ آله انه لم يسم احد قبله باسمه محمد صيانه ‌من‌ الله بهذا الاسم كما فعل بيحيى اذ لم يجعل له ‌من‌ قبل سميا، ‌و‌ ذلك انه تعالى سماه ‌فى‌ الكتب المتقدمه ‌و‌ بشر ‌به‌ الانبياء، فلو جعل اسمه مشتركا فيه لوقعت الشبهه، الا انه لما قرب زمانه ‌و‌ بشر اهل الكتاب بقربه سمى قوم اولادهم بذلك رجاء ‌ان‌ يكون هو، ‌و‌ الله اعلم حيث يجعل رسالته.
 ‌و‌ ‌هو‌ ابوالقاسم محمد ‌بن‌ عبدالله ‌بن‌ عبدالمطلب، خاتم النبيين ‌و‌ سيد المرسلين، حملت ‌به‌ امه ‌فى‌ ايام التشريق ‌فى‌ شعب ابى طالب عند الجمره الوسطى ليله الجمعه، ‌و‌ هى آمنه بنت وهب ‌بن‌ عبدمناف ‌بن‌ زهره ‌بن‌ كلاب ‌بن‌ مره، ‌و‌ ولد (صلى الله عليه ‌و‌ آله) بمكه يوم الجمعه عند طلوع الشمس السابع عشر ‌من‌ شهر ربيع الاول عام الفيل.
 ‌و‌ عند جمهور العامه انه ولد يوم الاثنين ‌من‌ ربيع الاول ثم اختلفوا: فقيل: لليلتين خلتا منه، ‌و‌ قيل: لثمان خلون منه، ‌و‌ قيل: لعشر، ‌و‌ قيل: لاثنتى عشره ليله، ‌و‌ عليه عمل اهل مكه ‌فى‌ زيارتهم موضع مولده ‌فى‌ هذا الوقت.
 ‌و‌ وافقهم على ذلك ‌من‌ اصحابنا ثقه الاسلام محمد ‌بن‌ يعقوب الكلينى ‌فى‌ الكافى.
 
و قيل: لسبع عشره، وفاقا لما عليه جمهور الشيعه. ‌و‌ قيل: ولد يوم عاشوراء، ‌و‌ قيل: ‌فى‌ صفر، ‌و‌ قيل: ‌فى‌ ربيع الاخر، ‌و‌ قيل: ‌فى‌ رجب، ‌و‌ قيل: ‌فى‌ شهر رمضان.
 ‌و‌ روى عن ابن عباس باسناد لايصح، ‌و‌ ‌هو‌ موافق للقول بان امه حملت ‌به‌ ‌فى‌ ايام التشريق.
 ‌و‌ اما على المشهور بانه ولد ‌فى‌ ربيع الاول، فيلزم منه الاشكال المشهور، ‌و‌ ‌هو‌ انه يلزم ‌ان‌ يكون مده حمله ثلاثه اشهر، ‌او‌ سنه ‌و‌ ثلاثه اشهر، ‌و‌ هذا مخالف لما اتفق عليه الاصحاب ‌من‌ ‌ان‌ مده الحمل ‌لا‌ تزيد عن سنه، ‌و‌ لم ينقل احد ‌ان‌ ذلك ‌من‌ خصائصه.
 ‌و‌ الجواب: ‌ان‌ المراد بايام التشريق الايام المعلومه ‌من‌ شهر جمادى الاولى، وقع فيه ‌حج‌ المشركين ‌فى‌ عام الفيل باعتبار النسى ء حيث كانوا يوخرون الحج عن ذى الحجه فيحجون سنتين ‌فى‌ محرم ‌و‌ سنتين ‌فى‌ صفر ‌و‌ هكذا الى ‌ان‌ يتم الدور ثم يستانفونه.
 ‌و‌ على القول بان مولده كان ‌فى‌ ثانى عشر ‌من‌ شهر ربيع الاول يكون مده الحمل عشره اشهر بلا زياده ‌و‌ ‌لا‌ نقصان، اذا فرض ‌ان‌ حمله كان ‌فى‌ ثانى عشر ‌من‌ جمادى الاولى ‌و‌ الله اعلم.
 ‌و‌ نقل عن ابى معشر البلخى، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ مهره علم النجوم، انه استخرج طالع النبى ( صلى الله عليه ‌و‌ آله) فكان عشرين درجه ‌من‌ الجدى حين كان زحل ‌و‌ المشترى ‌فى‌ ثالث درجه ‌من‌ العقرب مقترنين ‌فى‌ درجه وسط السماء، ‌و‌ المريخ ‌فى‌ بيته ‌فى‌ الحمل ‌و‌ الشمس ايضا ‌فى‌ الحمل ‌فى‌ الشرف، ‌و‌ الزهره ‌فى‌ الحوت ‌فى‌ الشرف، ‌و‌ عطارد ايضا ‌فى‌ الحوت، ‌و‌ القمر ‌فى‌ اول الميزان، ‌و‌ الراس ‌فى‌ الجوزاء ‌فى‌ الشرف،
 
 
و الذنب ‌فى‌ القوس ‌فى‌ الشرف ‌فى‌ بيت الاعداء، ذكر ذلك ‌فى‌ روضه الاحباب.
 ‌و‌ مات ابوه عبدالله ‌بن‌ عبدالمطلب، ‌و‌ ‌هو‌ ابن شهرين ‌او‌ سبعه اشهر، ‌و‌ لما بلغ اربعا اوستا ‌من‌ السنن ماتت امه ‌و‌ كان ‌فى‌ حجر جده عبدالمطلب ثمانى سنين ‌و‌ شهرين ‌و‌ عشره ايام، فتوفى عبدالمطلب ‌و‌ وليه عمه ابوطالب عليه السلام، ‌و‌ ذهب ‌به‌ الى الشام بعد ماتم له اثنتا عشره سنه ‌و‌ شهران ‌و‌ عشره ايام، ‌و‌ رجع ‌من‌ بصرى ‌و‌ خرج الى الشام مره اخرى مع ميسره غلام خديجه ‌فى‌ تجاره لها قبل ‌ان‌ يتزوجها، ثم تزوجها بعد ‌ما‌ بلغ خمسا ‌و‌ عشرين ‌و‌ بقيت معه ثمانيه عشره سنه، ‌و‌ لما بلغ خمسا ‌و‌ ثلاثين شهد بنيان الكعبه، فلما بلغ اربعين سنه بعثه الله رحمه للعالمين بشيرا ‌و‌ نذيرا يوم الاثنين لثمان خلون ‌من‌ شهر ربيع الاول، فما ‌من‌ شجر ‌و‌ حجر الا سلم عليه قائلا: السلام عليك ‌يا‌ رسول الله، ‌و‌ فرض عليه التبليغ ‌و‌ قرائه القرآن، ‌و‌ لما تمت له احدى ‌و‌ خمسون سنه ‌و‌ تسعه اشهر، اسرى ‌به‌ «دنى فتدلى فكان قاب قوسين ‌او‌ ادنى» ‌و‌ فرض عليه خمس صلوات، ‌و‌ لما بلغ ثلاثا ‌و‌ خمسين هاجر الى المدينه يوم الاثنين لثمان خلون ‌من‌ شهر ربيع الاول، ‌و‌ دخلها ضحى يوم الاثنين، ‌و‌ اذن له ‌فى‌ الجهاد ‌فى‌ السنه الثانيه لمن ابتداه ‌فى‌ غير الاشهر الحرم، ثم ابيح له ابتداوهم فيها ايضا ‌و‌ فيها فرض صوم شهر رمضان، ‌و‌ اختلفوا ‌فى‌ الزكاه هل فرضت قبله ‌او‌ بعده؟ ‌و‌ فرض الحج ‌فى‌ الخامسه ‌او‌ السادسه؟ ‌و‌ ‌فى‌ السنه الخامسه كانت بيعه الرضوان، ‌و‌ ‌فى‌ الثامنه فتح مكه، ‌و‌ اظلت عليه حمامها يومئذ فدعا لها بالبركه، ‌و‌ ‌فى‌ العاشره حجه الوداع، ‌و‌ كانت وقفه عرفه فيها يوم الجمعه بالاجماع، ‌و‌ لم يحج بعد الهجره الا اياها
 
و قبلها لم يضبط ‌و‌ اعتمر اربعا، ‌و‌ كانت غزواته سبعا ‌و‌ عشرين، ‌و‌ سراياه ستا ‌و‌ خمسين، ‌و‌ قيل غير ذلك، ‌و‌ تزوج احدى ‌و‌ عشرين امراه، طلق ستا، ‌و‌ ماتت عنده خمس، ‌و‌ توفى عن عشر واحده منهن لم يدخل بها، ‌و‌ اولاده سته، ذكران ‌و‌ هما: القاسم ‌و‌ ابراهيم، ‌و‌ اربع بنات ‌و‌ هن: فاطمه عليهاالسلام ‌و‌ زينت ‌و‌ رقيه ‌و‌ ‌ام‌ كلثوم، ‌و‌ كلهم ‌من‌ خديجه عليهاالسلام، الا ابراهيم، هذا المتفق عليه ‌و‌ اختلف فيما سوى هولاء، ‌و‌ لما بلغ صلى الله عليه ‌و‌ آله ثلاثا ‌و‌ ستين ‌و‌ قيل: خمسا ‌و‌ ستين، اختار الرفيق الاعلى يوم الاثنين لليلتين بقيتا ‌من‌ صفر سنه احدى عشره ‌من‌ الهجره ‌و‌ قيل: لثنتى عشره خلت ‌من‌ اول ربيعى السنه المذكوره، ‌و‌ دفن ليله الثلاثاء ‌او‌ الاربعاء ‌فى‌ حجرته التى قبض فيها، هذه نبذ مما ذكره ارباب السير، ‌و‌ ‌فى‌ كون وفاته يوم الاثنين ثانى عشر اول الربيعين مع كون وقفه عرفه يوم الجمعه ‌فى‌ السنه العاشره اشكال يعرف بالتامل.
 قوله عليه السلام: «دون الامم الماضيه». دون: بمعنى التجاوز، كما مر ‌فى‌ شرح السند، فهى ظرف مستقر وقع حالا ‌من‌ ضمير المتكلمين ‌فى‌ علينا، ‌و‌ العامل فيه «من» اى: ‌من‌ علينا بمحمد صلى الله عليه ‌و‌ آله، حال كوننا متجاوزين الامم الماضيه ‌فى‌ المنه ‌به‌ علينا.
 ‌و‌ قد يقال: انها مستعاره ‌من‌ معناها الوضعى الذى ‌هو‌ ادنى مكان ‌من‌ شى ء لقدامه كما ‌فى‌ قول الاعشى:
 تريك القذى ‌من‌ دونها ‌و‌ هى دونه
 ‌اى‌ تريك القذى قدامها ‌و‌ هى قدامه، فيكون ظرفا لغوا معمولا ل من، ‌و‌ المعنى: ‌من‌ علينا بمحمد صلى الله عليه ‌و‌ آله بين يدى الامم الماضيه اى: ‌فى‌ مستقبلها.
 
و ‌فى‌ القاموس: انها بمعنى امام ‌و‌ وراء ضد، ‌و‌ على هذا فلا حاجه الى دعوى الاستعاره، ‌و‌ كما يصح جعلها هنا بمعنى امام يصح جعلها بمعنى وراء ايضا ‌و‌ ‌هو‌ واضح.
 ‌و‌ الامم: جمع امه ‌و‌ هى: الجماعه، ‌و‌ اصلها القصد ‌من‌ امه يومه اما اذا قصده كانهم قصدوا امرا واحدا وجهه واحده، ‌و‌ تاتى لمعان: الجماعه مطلقا، ‌و‌ جماعه ارسل اليهم رسول، ‌و‌ الجيل ‌من‌ كل حى، ‌و‌ منه: لو ‌لا‌ ‌ان‌ الكلاب امه تسبح لامرت بقتلها، ‌و‌ ‌من‌ ‌هو‌ على الحق مخالف لسائر الاديان، ‌و‌ منه: «ان ابراهيم كان امه ».
 ‌و‌ الحين، ‌و‌ منه «و ادكر بعد امه». ‌و‌ قوم الرجل، ‌و‌ خلق الله.
 ‌و‌ امه النبى نوعان:
 امه الاجابه: ‌و‌ ‌هم‌ الذين اجابوا دعوته ‌و‌ صدقوا نبوته ‌و‌ آمنوا بما جاء به، ‌و‌ هولاء ‌هم‌ الذين جاء مدحهم ‌فى‌ الكتاب ‌و‌ السنه: كقوله تعالى: «جعلناكم امه وسطا»، «كنتم خير امه»، ‌و‌ كقوله (صلى الله عليه ‌و‌ آله): «شفاعتى لامتى»، «و تاتى امتى غرا محجلين». ‌و‌ غير ذلك.
 
و امه الدعوه: ‌و‌ ‌هم‌ الذين بعث اليهم النبى عليه السلام ‌من‌ مسلم ‌و‌ كافر، ‌و‌ منه قوله صلى الله عليه ‌و‌ آله: «و الذى نفس محمد بيده ‌لا‌ يسمع ‌بى‌ احد ‌من‌ هذه الامه يهودى ‌و‌ ‌لا‌ نصرانى ‌و‌ لم يومن بالذى ارسلت ‌به‌ الا كان ‌من‌ اصحاب النار».
 قوله عليه السلام: «و القرون السالفه» القرون: جمع قرن.
 قال الهروى: القرن: كل طبقه مقترنين ‌فى‌ وقت، ‌و‌ منه قيل لاهل كل مده ‌او‌ طبقه بعث فيها نبى قلت السنون ‌او‌ كثرت: قرن.
 ‌و‌ منه: الحديث: «خيركم قرنى» يعنى اصحابى، «ثم الذين يلونهم» يعنى التابعين لهم باحسان. ‌و‌ اشتقاقه: ‌من‌ الاقتران.
 ‌و‌ قيل: القرن: ثمانون سنه، ‌و‌ قيل: اربعون، ‌و‌ قيل: مائه. ‌و‌ قال ابن الاعرابى: القرن: الوقت. ‌و‌ قال غيره: قيل للزمان قرن لانه يقرن امه بامه ‌و‌ عالما بعالم، ‌و‌ ‌هو‌ مصدر قرنت جعل اسما للوقت ‌او‌ لاهله. هذا آخر كلام الهروى.
 ‌و‌ فيه اقوال اخرى قال بعضهم: ‌و‌ الذى ارى ‌ان‌ القرن كل امه هلكت فلم يبق منها احد.
 ‌و‌ السالفه: المتقدمه ‌من‌ سلف فلان، ‌من‌ باب قعد، سلوفا: تقدم، ‌و‌ منه: سلف الرجل لابائه المتقدمين، ‌و‌ يقال: سلف سلفا محركه اى: مضى ‌و‌ انقضى، ‌و‌ انما قيد (عليه السلام) المنه علينا ‌به‌ (صلى الله عليه ‌و‌ آله) المقتضيه للحمد مطلقا بقوله «دون الامم الماضيه» لافادته تعظيم المنه ‌و‌ اقتضائه تاكيد الحمد لما ‌فى‌ ذلك ‌من‌ الكرامه التى خصنا تعالى بها دونهم تفضيلا لنا عليهم ‌و‌ مزيد عنايه بنالم يحرزوها، اذ كانت الانبياء ‌و‌ المرسلون فضلا عن اممهم يتمنون ‌ان‌ يكونوا ‌من‌ امته ‌و‌ يسالون الله ‌ان‌
 
يجعلهم منهم، كما وردت ‌به‌ الاخبار المستفيضه ‌من‌ طرق الخاصه ‌و‌ العامه، فمن ذلك مارواه رئيس المحدثين ‌فى‌ كتاب معانى الاخبار باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام: انه كان فيما ناجى الله تعالى ‌به‌ موسى ‌ان‌ قال له: ‌يا‌ موسى ‌لا‌ اقبل الصلاه الا ممن تواضع لعظمتى، ‌و‌ الزم قلبه خوفى، ‌و‌ قطع نهاره بذكرى، ‌و‌ لم يبت مصرا على الخطيئه، ‌و‌ عرف ‌حق‌ اوليائى ‌و‌ احبائى. فقال: ‌يا‌ رب تعنى باحبائك ‌و‌ اوليائك ابراهيم ‌و‌ اسحاق ‌و‌ يعقوب. فقال: ‌هم‌ كذلك ‌يا‌ موسى الا انى اردت ‌من‌ من اجله خلقت آدم ‌و‌ حواء، ‌و‌ ‌من‌ من اجله خلقت الجنه ‌و‌ النار. فقال موسى: ‌و‌ ‌من‌ ‌هو‌ ‌يا‌ رب؟ قال: محمد احمد شققت اسمه ‌من‌ اسمى، لانى انا المحمود. فقال موسى: ‌يا‌ رب اجعلنى ‌من‌ امته. قال: ‌يا‌ موسى انت ‌من‌ امته اذا انت عرفته ‌و‌ عرفت منزلته ‌و‌ منزله اهل بيته ‌و‌ الحديث طويل اخذنا منه موضع الحاجه.
 ‌و‌ اخرج ابونعيم ‌فى‌ الحليه عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله قال: ‌ان‌ موسى لما نزلت عليه التوراه ‌و‌ قراها وجد فيها ذكر هذه الامه فقال: ‌يا‌ رب انى اجد ‌فى‌ الالواح امه ‌هم‌ الاخرون السابقون فاجعلها امتى، قال: تلك امه احمد قال: ‌يا‌ رب انى اجد ‌فى‌ الالواح امه انا جيلهم ‌فى‌ صدورهم يقروونها ظاهرا فاجلعها امتى. قال: تلك امه احمد، قال: ‌يا‌ رب انى اجد ‌فى‌ الالواح امه ياكلون الفى ء، فاجعلها امتى قال: تلك امه احمد. قال: ‌يا‌ رب انى اجد ‌فى‌ الالواح امه اذا ‌هم‌ احدهم بالحسنه فلم
 
يعملها كتبت له حسنه واحده ‌و‌ ‌ان‌ عملها كتبت له عشر حسنات، فاجعلها امتى.
 قال: تلك امه احمد قال: ‌يا‌ رب انى اجد ‌فى‌ الالواح امه اذا ‌هم‌ احدهم بسيئه فلم يعملها لم تكتب، ‌و‌ ‌ان‌ عملها كتبت سيئه واحده فاجعلها امتى. قال: تلك امه احمد، قال: ‌يا‌ رب انى اجد ‌فى‌ الالواح امه يوتون العلم الاول ‌و‌ الاخر ‌و‌ يقتلون مع المسيح الدجال فاجعلها امتى قال: تلك امه احمد. قال: ‌يا‌ رب فاجعلنى ‌من‌ امه احمد، فاعطى عند ذلك خصلتين فقال: ‌يا‌ موسى انى اصطفيتك على الناس برسالاتى ‌و‌ بكلامى فخذ ‌ما‌ آتيتك ‌و‌ ‌كن‌ ‌من‌ الشاكرين، قال: قد رضيت ‌يا‌ رب ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى كثيره جدا ‌و‌ لله الحمد.
 متعلق بقوله «من علينا» ‌و‌ القدره فينا، قوه جسمانيه منبثه ‌فى‌ الاعضاء محركه لها نحو الافعال الاختياريه، ‌و‌ العجز، ‌ما‌ يقابل القدره بهذا المعنى ‌و‌ ‌هو‌ عدمها عما ‌من‌ شانه ‌ان‌ يقدر، كما ‌فى‌ ‌حق‌ الواحد منا، اذ ‌لا‌ يقال للجدار مثلا انه عاجز، ‌و‌ قدرته تعالى تعود الى اعتباركون ذاته مصدر الاثاره.
 هذا قول الجمهور ‌و‌ قد اسلفنا الكلام على ذلك مبسوطا فراجعه.
 ‌و‌ الشى ء: بحسب مفهومه اللغوى يقع على كل ‌ما‌ يصح ‌ان‌ يعلم ‌و‌ يخبر عنه كائنا ‌ما‌ كان، على انه ‌فى‌ الاصل مصدر شاء، اطلق على المفعول ‌و‌ اكتفى ‌فى‌ ذلك باعتبار تعلق المشيئه ‌به‌ ‌من‌ حيث العلم ‌او‌ الاخبار ‌به‌ فقط، فيتناول الواجب ‌و‌ الممكن ‌و‌ الممتنع، ‌و‌ قد يخص بالممكن موجودا كان ‌او‌ معدوما كما هنا لقضيه اختصاص تعلق
 
القدره به، اذا المراد بها التمكن ‌من‌ الايجاد ‌و‌ الاعدام الخاصين به.
 ‌و‌ ذهب القاضى ‌فى‌ جمع ‌من‌ الاشاعره: الى ‌ان‌ الشى ء يختص بالموجود، ‌و‌ ‌ان‌ المعدوم ‌لا‌ شى ء ‌و‌ ‌لا‌ ذات ‌و‌ ‌لا‌ ماهيه، ‌و‌ ‌هو‌ ايضا مذهب الحكماء على ‌ما‌ نقل عنهم، قالوا: الشى ء اسم لما ‌هو‌ حقيقه الشيئيه، ‌و‌ ‌لا‌ يقع على المعدوم ‌و‌ المحال، ‌و‌ ‌لا‌ علم بالمحال اصلا اذ ‌لا‌ شيئيه له، ‌و‌ ‌لا‌ ‌هو‌ مما يتمثل ‌فى‌ ذهن ‌او‌ يتصور ‌فى‌ وهم، ‌و‌ انما المعلوم المتصور المتمثل ‌فى‌ الذهن عنوان المفهوم ‌من‌ لفظه، ‌و‌ ‌هو‌ ممكن ‌ما‌ ‌من‌ الممكنات ليس ‌فى‌ ازائه حقيقه ‌من‌ الحقائق، ‌و‌ شى ء ‌من‌ الاشياء ابدا، ‌و‌ الى الاول ذهب المعتزله ‌و‌ جماعه ‌من‌ الاشاعره.
 قال الزمخشرى ‌و‌ النيسابورى: الشى ء: اعم العام، كما ‌ان‌ الله اخص الخاص يجرى على الجوهر ‌و‌ العرض، ‌و‌ القديم ‌و‌ الحادث، بل على المعدوم ‌و‌ المحال، ‌و‌ هذا العام محصوص، بدليل العقل، فمن الاشياء، ‌ما‌ ‌لا‌ تتعلق القدره ‌به‌ كالمستحيل ‌و‌ الواجب وجوده لذاته.
 ‌و‌ قال القطب العلامه: كل ‌من‌ قال: بان الوجود، عين الماهيه مثل الاشعرى ‌و‌ اتباعه، قال: بان المعدوم ليس بشى ء لانتفاء الماهيه عند العدم، ‌و‌ ‌من‌ قال: بان الوجود غيرها، فهم قد اختلفوا ‌فى‌ ذلك، ‌و‌ النزاع انما ‌هو‌ ‌فى‌ المعدوم
 
الممكن، ‌لا‌ ‌فى‌ المعدوم الممتنع فانه ليس بشى ء عند الفريقين، انتهى.
 ‌و‌ هذا ‌لا‌ يرد على ‌ما‌ صرح ‌به‌ الزمخشرى ‌و‌ النيسابورى لان كلامهما بحسب مفهومه لغه، ‌و‌ ‌ما‌ ذكره ‌من‌ النزاع انما ‌هو‌ ‌فى‌ الشيئيه بمعنى التحقق منفكا عن صفه الوجود، ‌لا‌ ‌فى‌ اطلاق لفظ الشى ء على مفهوم فانه بحث لغوى مرجعه الى النقل ‌و‌ السماع ‌لا‌ يصلح محلا لاختلاف العقلاء الناظرين ‌فى‌ المباحث العلميه، ‌و‌ لهذا قال صاحب الكشف: النزاع ‌فى‌ هذا ‌لا‌ ينبغى ‌ان‌ يقع بين المحققين لانه امر لفظى، ‌و‌ البحث فيه ‌من‌ وظيفه اصحاب اللغه، انتهى.
 
 تبصره
 
 قال العلماء: معنى كون قدرته تعالى ‌لا‌ تعجز عن شى ء، ‌و‌ كونه على كل شى ء قديرا: ‌ان‌ قدرته ‌لا‌ تعجز عن ‌ما‌ يمكن تعلق القدره ‌به‌ ‌و‌ انه على كل شى ء يصح تعلقها ‌به‌ قدير ‌من‌ كل ماهيه امكانيه، ‌او‌ شيئيه تصوريه.
 ‌و‌ اما الممتنعات فلا ماهيه لها ‌و‌ ‌لا‌ شيئيه حتى يصح كونها مقدوره له تعالى ‌و‌ ليس ‌فى‌ نفى مقدوريتها نقص على عموم القدره، بل القدره عامه ‌و‌ الفيض شامل ‌و‌ الممتنع ‌لا‌ ذات له، ‌و‌ انما يخترع العقل ‌فى‌ وهمه مفهوما يجعله عنوانا لامر باطل الذات، كشريك البارى، ‌و‌ اللا شى ء، ‌و‌ اجتماع النقيضين، ‌او‌ يركب بين معان ممكنه آحادها تركيبا ممتنعا، فان كلا ‌من‌ المتناقضين كالحركه ‌و‌ السكون امر ممكن خارجا ‌و‌ عقلا، ‌و‌ كذا معنى التركيب ‌و‌ الاجتماع، امر ممكن عينا ‌و‌ ذهنا.
 ‌و‌ اما اجتماع المتنافيين، فلا ذات له ‌فى‌ الخارج ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ العقل، لكن العقل يتصور مفهوم اجتماع النقيضين على وجه التلفيق، ‌و‌ يجعله عنوانا، ليحكم على
 
افرادهما المقدره بامتناع الوجود. ‌و‌ ‌من‌ هنا اطلق على المستحيل انه شى ء ‌و‌ الا فهو ‌لا‌ ماهيه له ‌و‌ ‌لا‌ معنى، فلا تعلق للقدره به.
 ‌و‌ اما الحديث المشهور الذى رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى: عن على ‌بن‌ ابراهيم، عن محمد ‌بن‌ اسحاق الخفاف، ‌او‌ عن ابيه، عن محمد ‌بن‌ اسحاق، قال: ‌ان‌ عبدالله الديصانى سال هشام ‌بن‌ الحكم، فقال له: الك رب؟ فقال: بلى، قال: اقادر هو؟ قال: نعم قادر قاهر، قال: ايقدر ‌ان‌ يدخل الدنيا كلها ‌فى‌ بيضه ‌لا‌ تكبر البيضه ‌و‌ ‌لا‌ تصغر الدنيا؟ قال هشام: النظره، فقال له: انظرتك حولا، ثم خرج عنه، فركب هشام الى ابى عبدالله عليه السلام فاستاذن عليه فاذن له، فقال: ‌يا‌ ابن رسول الله اتانى عبدالله الديصانى بمساله ليس المعول فيها الا على الله ‌و‌ عليك، فقال ابوعبدالله عليه السلام: عما ذا سالك، فقال: قال لى: كيت ‌و‌ كيت، فقال ابوعبدالله عليه السلام: ‌يا‌ هشام ‌كم‌ حواسك؟ قال: خمس، قال: ايها اصغر؟ قال: الناظر، قال: ‌و‌ ‌كم‌ قدر الناظر؟ قال: مثل العدسه ‌او‌ اقل منها، فقال له: ‌يا‌ هشام فانظر امامك ‌و‌ فوقك ‌و‌ اخبرنى بما ترى، فقال: ارى سماء ‌و‌ ارضا ‌و‌ دورا ‌و‌ قصورا ‌و‌ براريا ‌و‌ جبالا ‌و‌ انهارا، فقال له ابوعبدالله عليه السلام: ‌ان‌ الذى قدر ‌ان‌ يدخل الذى تراه العدسه ‌او‌ اقل منها، قادر ‌ان‌ يدخل الدنيا كلها البيضه ‌لا‌ تصغر الدنيا ‌و‌ ‌لا‌ تكبر البيضه، فاكب هشام عليه ‌و‌ قبل يديه ‌و‌ راسه ‌و‌ رجليه ‌و‌ قال: حسبى ‌يا‌ ابن رسول الله. ‌و‌ الحديث طويل اخذنا منه موضع الحاجه.
 ‌و‌ مثله ‌ما‌ رواه رئيس المحدثين ‌فى‌ كتاب التوحيد بسنده الى احمد ‌بن‌ محمد ‌بن‌ ابى نصر قال: جاء رجل الى الرضا عليه السلام فقال: هل يقدر ربك ‌ان‌ يجعل السماوات ‌و‌ الارض ‌و‌ ‌ما‌ بينهما ‌فى‌ بيضه؟ قال: نعم ‌و‌ ‌فى‌ اصغر ‌من‌ البيضه قد جعلها
 
الله ‌فى‌ عينك ‌و‌ هى اقل ‌من‌ البيضه لانك اذا فتحتها عاينت السماء ‌و‌ الارض ‌و‌ ‌ما‌ بينهما ‌و‌ لو شاء لاعماك عنها.
 فقال بعضهم: ‌ان‌ السئوال ‌فى‌ ذلك ‌و‌ ‌هو‌ ادخال الكبير مع كبره ‌فى‌ الصغير مع صغره، ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌من‌ قبيل المتنافيين، فكان حقيقه الجواب عنه ‌ان‌ يقال: ‌ان‌ هذا امر محال، ‌و‌ المحال غير مقدور عليه، اذ ‌لا‌ ذات له ‌و‌ ‌لا‌ شيئيه، الا انه عليه السلام عدل عنه الى ‌ما‌ ذكره لقصور الافهام العاميه عن ادراك ذلك الوجه، فالذى افاده عليه السلام وجه اقناعى مبناه على المقدمه المشهوره لدى الجمهور: ‌ان‌ الرويه بدخول المرئيات ‌فى‌ العضو البصرى فاكتفى ‌فى‌ الجواب بهذا القدر لقبول الخصم له ‌و‌ تسليمه اياه، قال: ‌و‌ الذى يدل على صحه ‌ما‌ حملنا عليه غرض هذا الحديث ‌ما‌ رواه ‌فى‌ كتاب التوحيد عن ابى عبدالله عليه السلام: قال: قيل لاميرالمومنين عليه السلام: هل يقدر ربك ‌ان‌ يدخل الدنيا ‌فى‌ بيضه ‌من‌ غير ‌ان‌ تصغر الدنيا ‌و‌ تكبر البيضه؟ فقال: ‌ان‌ الله تعالى ‌لا‌ ينسب الى العجز ‌و‌ الذى سالتنى ‌لا‌ يكون.
 ‌و‌ هذا الحديث صريح ‌فى‌ ‌ان‌ الذى ساله ذلك الرجل، ممتنع بالذات محال، ‌و‌ المحال ‌لا‌ شيئيه له، فليس بمقدور ‌و‌ الله على كل شى ء قدير، ‌و‌ لو لم يكن معنى الروايتين الاوليين ‌ما‌ اولنا هما به، لكان بين الاخبار تناقض، ‌و‌ جلت احاديثهم عليهم السلام عن ‌ان‌ يناقض بعضها بعضا، لعصمه الجميع عن الخطا.
 ‌و‌ مثل الحديث المروى عن اميرالمومنين عليه السلام، ‌ما‌ رواه ‌فى‌ كتاب التوحيد ايضا بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام انه جاء رجل الى اميرالمومنين عليه السلام فقال له: ايقدر الله ‌ان‌ يدخل الارض ‌فى‌ بيضه ‌و‌ ‌لا‌ يصغر الارض ‌و‌ ‌لا‌ يكبر البيضه؟
 
فقال له: ويلك ‌ان‌ الله ‌لا‌ يوصف بالعجز، ‌و‌ ‌من‌ اقدر ممن يلطف الارض ‌و‌ يعظم البيضه.
 فدلت هذه الروايه: على ‌ان‌ ادخال العظيم ‌او‌ تعظيم الصغير بنحو التكاثف ‌و‌ التخلخل ‌و‌ ‌ما‌ يجرى مجراهما ‌و‌ ‌ان‌ تلطيف الارض الى ‌حد‌ تدخل ‌فى‌ البيضه، ‌او‌ تعظيم البيضه الى ‌حد‌ تدخل فيها الارض غايه القدره.
 ‌و‌ قال بعض المعاصرين: ‌ان‌ هذه الاحاديث كلها متفقه، ‌لا‌ تنافى ‌و‌ ‌لا‌ تناقض فيها، ‌و‌ ‌ان‌ الجواب ‌فى‌ كل منها بحسب ‌ما‌ يقتضيه المقام ‌و‌ حال السائل، ‌و‌ كلامهم عليهم السلام اصله واحد ‌و‌ قد امروا ‌ان‌ يكلموا الناس على قدر عقولهم.
 ‌و‌ بيان ذلك: ‌ان‌ الحديثين الاولين يدلان على ‌ما‌ ‌دل‌ عليه الحديثان الاخران على وجه لطيف ‌و‌ معنى شريف، ‌و‌ توضيحه: ‌ان‌ الظاهر ‌من‌ حال الديصانى ‌فى‌ الحديث الاول: انه كان مناظرا مجادلا كما يظهر ‌من‌ سياق كلامه مع مثل هشام ‌بن‌ الحكم، ‌و‌ جواب الامام عليه السلام له على هذا النحو يدل على انه كان يعلم ‌ان‌ ‌ما‌ سال عنه محال، ‌و‌ القدره ‌لا‌ تتعلق بالمحال، لنقصه عن الاستعداد لتعلق القدره به، فعدوله عليه السلام الى ‌ما‌ يدل على كمال القدره مع وجوده، ‌و‌ عدم لزوم المحال فيه، مع كونه نظيرا لما اراده السائل فيه، تمام الفصاحه ‌و‌ البلاغه، ‌و‌ الالزام لمن عرف عليه السلام ‌من‌ حاله انه يفهم ذلك، ‌و‌ حال هشام ‌فى‌ فهمه كحال الديصانى، ‌و‌ الا فمثل هشام مع العلم بحاله ‌لا‌ يخفى عليه ‌ان‌ السائل اراد غير ‌ما‌ اجابه عليه السلام ‌به‌ ‌و‌ لم يراجعه ‌فى‌ ذلك لاجل دفع ‌ما‌ يورده السائل ‌من‌ انه اراد غير ‌ما‌ تضمنه الجواب.
 ‌و‌ حاصل الكلام: انه عليه السلام نبهه ‌ان‌ الله سبحانه قادر على ‌ان‌ يدخل
 
الدنيا ‌فى‌ البيضه مثل دخول ‌ما‌ تراه بناظرك ‌فى‌ الناظر ‌و‌ ‌هو‌ بهذا القدر ‌و‌ ذلك بحيث لاتكبر البيضه ‌و‌ ‌لا‌ تصغر الدنيا، كما ‌ان‌ ‌ما‌ يراه الناظر يدخل تحت قدرته بحيث ‌لا‌ يكبر الناظر ‌و‌ ‌لا‌ يصغر ‌ما‌ ينظره.
 ‌و‌ على هذا النحو ‌ما‌ ‌فى‌ الحديث الاخر ‌من‌ قول الرضا عليه السلام «نعم ‌و‌ ‌فى‌ اصغر ‌من‌ البيضه قد جعلها الله ‌فى‌ عينك ‌و‌ هى اصغر ‌من‌ البيضه» ففيه تنبيه للسائل على كمال قدرته تعالى مما ‌هو‌ ممكن، ‌و‌ غير محال، ‌و‌ ‌ان‌ ‌ما‌ سال عنه ‌لا‌ ينبغى ‌ان‌ يسال عنه لما ذكر ‌من‌ كونه محالا، فظهر كون الاحاديث كلها متفقه ‌لا‌ تنافى فيها، ‌و‌ الا فكيف يتصور ‌ان‌ يخفى على الامام عليه السلام ‌ما‌ اراده السائل حتى يجيبه بغير ‌ما‌ ‌دل‌ عليه سئواله؟ ‌و‌ مع ذلك ‌لا‌ يفرق هشام ‌و‌ السائل بين السئوال ‌و‌ الجواب، ‌و‌ ينقل مثل هذا اجلاء العلماء ‌من‌ غير تعرض لدفع ‌ما‌ ذكر؟ ‌و‌ ‌ما‌ ذلك الا لفهمهم وجه ذلك، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «و ‌ان‌ عظم» (ان) هذه هى التى يسميها اكثر المتاخرين ‌و‌ صليه ‌و‌ متصله، ‌و‌ ذلك حيث وقع الشرط بها مدلولا على جوابه بما قبله ‌من‌ الكلام، ‌و‌ كان ‌ضد‌ الشرط اولى بجزائه ‌من‌ الشرط كقولك: اكرمه ‌و‌ ‌ان‌ شتمنى، فالشتم بعيد ‌من‌ الاكرام، ‌و‌ ضده ‌و‌ ‌هو‌ المدح اولى بالاكرام، ‌و‌ مثله قوله: «و ‌ان‌ عظم» فان كون الشى ء عظيما بعيد ‌فى‌ الظاهر عن القدره عليه، ‌و‌ ضده ‌و‌ ‌هو‌ كونه لطيفا اولى بالقدره عليه، ‌و‌ مثل ‌ان‌ ‌فى‌ ذلك (لو) المستعمله ‌فى‌ معناها نحو: «اطلبوا العلم ‌و‌ لو بالصين».
 ‌و‌ الواو، قيل: للعطف على محذوف، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ضد‌ الشرط المذكور، ‌اى‌ ‌لا‌ تعجز عن
 
شى ء ‌ان‌ لم يعظم ‌و‌ ‌ان‌ عظم.
 ‌و‌ قيل: للحال، ‌و‌ العامل فيها، ‌ما‌ تقدم ‌من‌ الكلام ‌و‌ المعنى: ‌لا‌ تعجز عن شى ء ‌و‌ الحال انه عظيم.
 ‌و‌ قيل: الجمله: اعتراضيه، ‌و‌ الواو للاعتراض ‌و‌ هى قد تاتى بعد تمام الكلام.
 ‌و‌ فيه: انه ‌لا‌ يفيد ادخال الواو حينئذ كون الجزاء اولى ‌من‌ الشرط، فان واو الاعتراض هى الاستئنافيه كما جزم ‌به‌ بعضهم.
 ‌و‌ عظم الشى ء بالضم: خلاف صغر، عظما كعنب، ‌و‌ عظامه فهو عظيم.
 قوله- عليه السلام-: «و ‌لا‌ يفوتها شى ء ‌و‌ ‌ان‌ لطف» فاته الشى ء فوتا ‌و‌ فواتا: ذهب عنه، ‌و‌ لطف كعظم، لطفا بالضم، ‌و‌ لطافه: صغر حجمه ‌و‌ دق فهو لطيف، ‌اى‌ ‌لا‌ يذهب عن قدرته شى ء لصغره ‌و‌ دقته كما ‌لا‌ يعجزها شى ء لعظمه ‌و‌ كبره، بل ‌هو‌ على كل شى ء قدير عظيما كان ‌او‌ لطيفا، لعموم قدرته ‌جل‌ شانه ‌و‌ ‌عز‌ سلطانه.
 
 اكمال  
 
 قال بعضهم: الاولى ‌فى‌ اثبات عموم قدرته تعالى ‌و‌ نحوه ‌من‌ المطالب التى ‌لا‌ يتوقف ارسال الرسول عليها بالادله السمعيه فيستدل على شمول القدره بقوله تعالى: «و الله على كل شى ء قدير».
 ‌و‌ اعترض المحقق الدوانى بان كون شمول القدره مما ‌لا‌ يتوقف عليه ارسال
 
الرسول، مسلم اذ لو فرض قدرته على الارسال فقط لكفى ‌فى‌ صدور الارسال عنه، لكن اثبات ارسال الرسول مما يتوقف على شمول القدره، اذ طريق اثباته: ‌ان‌ المعجزه فعل الله تعالى خارق للعاده ‌و‌ قد صدر عنه حال دعوى النبوه، ‌و‌ اذا خالف الفاعل المختار عادته حين استدعاء النبى تصديقه بامر يخالف عادته ‌دل‌ ذلك على تصديقه قطعا، ‌و‌ هذا يتوقف على كونه فعلا له، ‌و‌ كونه فعلا له مثبت بشمول القدره اذ ‌لا‌ دليل لنا على ‌ان‌ خصوص المعجزه فعل الله تعالى ‌و‌ مقدوره ‌و‌ ‌ان‌ زعمه المعتزله، ‌و‌ احتمال وجوده ‌لا‌ يجدى نفعا فلا يتم هذا القول.
 ‌و‌ اورد انه ‌لا‌ يكفى ‌فى‌ ثبوت المعجزه كون الامر الخارق للعاده فعل الله تعالى بل يتوقف على العلم بان الله تعالى ‌لا‌ يصدق الكاذب، ‌و‌ ‌هم‌ ‌لا‌ يقولون بالحسن ‌و‌ القبح العقليين، فيتوقف على اخبار الرسول بذلك فيدور ايضا.
 ‌و‌ ‌من‌ الادله العقليه على عموم القدره ‌ان‌ عله المقدوريه عامه ‌فى‌ جميع الممكنات فالقدره عامه ‌فى‌ جميعها، اما ‌ان‌ عله المقدوريه عامه ‌فى‌ جميعها فلان علتها الامكان، ‌و‌ ‌هو‌ وصف مشترك ‌فى‌ جميع الممكنات، فيكون جميعها مقدورا له تعالى.
 قال جدنا العلامه نظام الدين احمد قدس سره: لو ثم هذا الدليل لدل على ‌ان‌ قدره العباد ايضا عامه، فان الامكان عله للمقدوريه على الممكن للعبد ايضا، ‌و‌ اذا كانت عله المقدوريه عامه ‌فى‌ جميع الممكنات كانت قدرته ايضا عامه ‌و‌ ‌لا‌ قائل ‌به‌ اصلا، ‌و‌ المشهور ‌فى‌ الاستدلال على ذلك: ‌ان‌ المقتضى للقدره، ‌هو‌ الذات، ‌و‌ المصحح للمقدوريه ‌هو‌ الامكان، فان الوجوب ‌و‌ الامتناع يحيلان المقدوريه ‌و‌ نسبه الذات الى جميع الممكنات على السواء، فاذا ثبتت قدرته على بعضها ثبتت على كلها. لكن هذا انما يتم اذا لم تكن الممكنات حال العدم ممتازه بعضها عن بعض ‌و‌ ‌لا‌ يكون لها ماده كما ‌هو‌ مذهب الاشاعره، بل المحققين ‌من‌ المتكلمين. اما على القول بان لها امتيازا حال العدم بان يكون لها ثبوت دون الوجود فتكون ممتازه
 
بعضها عن بعض حال العدم كما ‌هو‌ مذهب المعتزله القائلين بالوجود الذهنى، ‌و‌ ‌ان‌ الموجودات الذهنيه لها ثبوت دون الوجود، فيجوز ‌ان‌ يكون خصوصيه بعض الممكنات ‌فى‌ حال العدم مانعه عن تعلق قدرته تعالى به، فلا تكون نسبه الذات الى الجميع على السواء، ‌و‌ كذا على القول بان لها ماده كما ‌هو‌ مذهب الحكماء اذ يجوز ‌ان‌ تكون تلك الماده معده لبعض الممكنات دون بعض، فما اعدته الماده كان مقدورا له تعالى دون غيره، فلا تتساوى نسبه الذات اليها ايضا على هذا القول. اما اذا لم تكن الممكنات حاله العدم ممتازه بعضها عن بعض ‌و‌ لم تكن لها ماده كانت نسبه الذات الى جميعها على السواء فيثبت عموم القدره عليها.
 قال جدنا العلامه المذكور (قدس سره): ‌و‌ يرد عليه انه على تقدير عدم ثبوت الممكنات حال العدم، ‌و‌ عدم الماده ايضا، يجوز ‌ان‌ يقال: لما كانت تلك الممكنات معلومه للواجب تعالى ‌فى‌ الازل، كانت ممتازه بعضها عن بعض بحسب علمه، فيمكن ‌ان‌ يقال: لم ‌لا‌ يكون خصوصيه بعضها ‌فى‌ علمه تعالى مانعه عن تعلق قدرته به، فلا تكون نسبه الذات الى جميعها على السواء لابد لنفى ذلك ‌من‌ دليل.
 انتهى، فتامل.
 ‌و‌ الحق: ‌ان‌ المعول ‌فى‌ ذلك على الدليل السمعى ‌و‌ اجماع الانبياء عليهم السلام الذين علموا ذلك بالوحى ‌و‌ العلم الشهودى، كما قال تعالى مخاطبا لخاتم انبيائه عليه ‌و‌ عليهم السلام: «الم تعلم ‌ان‌ الله على كل شى ء قدير».
 ‌و‌ لزوم الدور، انما يرد على كون معرفه صدق النبى بالمعجزه موقوفا على العلم بعموم القدره، لكن العلم الضرورى العادى يحصل بمجرد ظهور المعجزه على صدقه
 
كما جزم ‌به‌ جدنا الاعظم غياث الحكماء ‌فى‌ رسالته: دليل الهدى، ‌و‌ وافقه عليه بعض المحققين، فيحصل العلم بالقدره ‌و‌ العلم ‌و‌ عمومهما ‌من‌ اخبارهم عليهم السلام، فاعرف ذلك ‌و‌ ابن عليه امثال هذه المطالب فانه السبيل الذى ‌لا‌ يضل بسلوكه الطالب، ‌و‌ الله يقول الحق ‌و‌ ‌هو‌ يهدى السبيل.
 
ختم الكتاب، ‌من‌ باب ضرب، ‌و‌ ختم عليه ختما: وضع عليه الخاتم ‌و‌ ‌هو‌ الطابع.
 ‌و‌ الباء: للسببيه. قال ابن مالك ‌فى‌ شرح التسهيل: ‌و‌ هى الداخله على صالح للاستغناء ‌به‌ عن فاعل معداها مجازا نحو: «فاخرج ‌به‌ ‌من‌ الثمرات» فلو قصد اسناد الاخراج الى الهاء لحسن، ‌و‌ لكنه مجاز، قال: ‌و‌ منه: كتبت بالقلم، ‌و‌ قطعت بالسكين، فانه يقال: كتب القلم ‌و‌ قطعت السكين. ‌و‌ النحويون يعبرون عن هذه الباء، بالاستعانه، ‌و‌ آثرت على ذلك التعبير بالسببيه، ‌من‌ اجل الافعال المنسوبه الى الله تعالى، فان استعمال السببيه فيها يجوز ‌و‌ استعمال الاستعانه ‌لا‌ يجوز.
 ‌و‌ ذرا الله الخلق ذرا بالهمز ‌من‌ باب نفع: خلقهم.
 قال ابن الاثير: ‌و‌ كان الذرء مختص بخلق الذريه انتهى.
 ‌و‌ الذريه مثلثه: نسل الثقلين. ‌و‌ المعنى: انه تعالى جعلنا آخر جميع ‌من‌ خلق، ‌من‌ الانبياء ‌و‌ اممهم كما قال تعالى: «و ‌ان‌ ‌من‌ امه الا خلافيها نذير» فختمهم بنا، فلا
 
امه بعدنا يرسل اليها رسول كما ‌ان‌ نبينا صلى الله عليه ‌و‌ آله، خاتم الانبياء ‌و‌ المرسلين، فلا احد ينبى ء بعده ‌و‌ ‌لا‌ يقدح فيه نزول عيسى عليه السلام بعده، لانه ممن نبى ء قبله ‌و‌ حين ينزل انما ينزل عاملا على شريعه محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله مصليا الى قبلته كانه بعض امته.
 قوله عليه السلام: «و جعلنا شهداء على ‌من‌ جحد» الشهداء: جمع شهيد، فعيل بمعنى فاعل ‌من‌ شهد على الشى ء: اطلع عليه ‌و‌ عاينه، فهو شهيد ‌و‌ شاهد.
 ‌و‌ جحده حقه يجحده جحدا ‌و‌ جحودا، ‌من‌ باب منع: انكره، ‌و‌ ‌لا‌ يكون الا على علم ‌من‌ الجاحد به، ‌و‌ ‌فى‌ هذه الفقره اشاره الى قوله تعالى: «و كذلك جعلناكم امه وسطا لتكونوا شهداء على الناس ‌و‌ يكون الرسول عليكم شهيدا».
 ‌و‌ الوسط ‌فى‌ الاصل: اسم لما تستوى نسبه الجوانب اليه كمركز الدائره، ثم استعير للخصال المحموده البشريه، لكن ‌لا‌ لان الاطراف يتسارع اليها الخلل ‌و‌ الاوساط محوطه كما قيل، فان تلك العلامه بمعزل ‌من‌ الاعتبار ‌فى‌ هذا المقام، اذ ‌لا‌ ملابسه بينها ‌و‌ بين اهليه الشهاده التى جعلت غايه للجعل المذكور، بل كون تلك الخصال، اوساطا للخصال الذميمه المكتنفه بها ‌من‌ طرفى الافراط ‌و‌ التفريط، كالعفه التى طرفاها: الفجور ‌و‌ الخمود ‌و‌ كالشجاعه التى طرفاها: التهور ‌و‌ الجبن، ‌و‌ كالحكمه التى طرفاها: الجربزه ‌و‌ البلاده، ثم اطلق على المتصف بها مبالغه كانه نفسها، ‌و‌ سوى فيه بين المفرد ‌و‌ الجمع ‌و‌ المذكر ‌و‌ المونث رعايه لجانب الاصل كساير الاسماء التى يوصف بها، ‌اى‌ جعلناكم متصفين بالخصال الحميده، خيارا، عدولا، مزكين بالعلم ‌و‌ العمل لتكونوا شهداء على الناس بان الله تعالى قد اوضح السبل فارسل الرسل فبلغوا ‌و‌ نصحوا اذ كنتم واقفين على الحقايق المودعه ‌فى‌ الكتاب المبين
 
المنطوى على احكام الدين ‌و‌ احوال الامم اجمعين حاويا لشرايط الشهاده عليهم.
 روى: ‌ان‌ الامم يوم القيامه يجحدون تبليغ الانبياء عليهم السلام فيطالب الله تعالى الانبياء بالبينه عليهم على انهم قد بلغوا، ‌و‌ ‌هو‌ اعلم للحجه على الجاحدين ‌و‌ زياده لخزيهم، فيوتى بامه محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله فيشهدون. فيقول الامم: ‌من‌ اين عرفتم؟ فيقولون: عرفنا ذلك باخبار الله تعالى ‌فى‌ كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق، فيوتى عند ذلك بمحمد صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ يسئل عن امته فيزكيهم ‌و‌ يشهد بعد التهم، ‌و‌ ذلك قوله تعالى: «و يكون الرسول عليكم شهيدا» ‌و‌ ‌من‌ الحكمه ‌فى‌ ذلك، تمييز امه محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌فى‌ الفضل عن ساير الامم حيث يبادرون الى تصديق الله ‌و‌ تصديق جميع الانبياء ‌و‌ الايمان بهم جميعا، فهم بالنسبه الى غيرهم كالعدل بالنسبه الى الفاسق فلذلك تقبل شهادتهم على الامم، ‌و‌ ‌لا‌ تقبل شهاده الامم عليهم.
 ‌و‌ انما لم يقل: ‌و‌ يكون الرسول لكم شهيدا، مع ‌ان‌ شهادته لهم ‌لا‌ عليهم؟ لما ‌فى‌ الشهيد ‌من‌ معنى الرقيب، مثل: «و الله على كل شى ء شهيد» مع رعايه المطابقه للاول ‌و‌ تقديم الظرف، للدلاله على اختصاص شهادته عليه السلام بهم.
 ‌و‌ قيل: ‌ان‌ هذه الشهاده ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ ذلك ‌ان‌ الشاهد ‌فى‌ عرف الشرع: ‌من‌ يخبر عن حقوق الناس بالفاظ مخصوصه على جهات مخصوصه فكل ‌من‌ عرف حال شخص فله ‌ان‌ يشهد عليه، فان الشهاده: خبر قاطع، ‌و‌ شهاده الامه ‌لا‌ يجوز ‌ان‌ تكون موقوفه على الاخره لان عدالتهم ‌فى‌ الدنيا ثابته بدليل «جعلناكم» بلفظ الماضى،
 
فلا اقل ‌من‌ حصولها ‌فى‌ الحال، ثم رتب كونهم شهداء على عدالتهم، فيجب ‌ان‌ يكونوا شهداء ‌فى‌ الدنيا.
 فان قيل: لعل التحمل ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ لكن الاداء ‌فى‌ الاخره.
 قلنا: المراد ‌فى‌ الايه الاداء لان العداله انما تعتبر ‌فى‌ الاداء ‌لا‌ ‌فى‌ التحمل، ‌و‌ ‌من‌ هنا يعلم ‌ان‌ اجماعهم حجه ‌لا‌ بمعنى ‌ان‌ كل واحد منهم محق ‌فى‌ نفسه بل هيئتهم الاجتماعيه تقتضى كونهم محقين، ‌و‌ هذا ‌من‌ خواص هذه الامه.
 ثم ‌لا‌ يبعد ‌ان‌ يحصل لهم مع ذلك الشهاده ‌فى‌ الاخره فيجرى الواقع منهم مجرى التحمل لانهم اذا بينوا الحق عرفوا عنده ‌من‌ القابل ‌و‌ ‌من‌ الراد ثم يشهدون بذلك يوم القيامه كما ‌ان‌ الشاهد على العقود يعرف ‌ما‌ الذى تم، ثم يشهد بذلك عند الحاكم ‌او‌ يكون المعنى: لتكونوا شهداء على الناس ‌فى‌ الدنيا فيما ‌لا‌ يصح الا بشهاده العدول الاخيار.
 قال النيسابورى: قيل: الايه متروكه الظاهر، لان وصف الامه بالعداله يقتضى اتصاف كل واحد منهم بها، ‌و‌ ليس كذلك، فلابد ‌من‌ حملها على البعض، فنحن نحملها على الائمه المعصومين سلمناه، لكن الخطاب ‌فى‌ جعلناكم للموجودين عند نزول الايه، لان خطاب ‌من‌ ‌لا‌ يوجد محال، فالايه تدل على ‌ان‌ اجماع اولئك ‌حق‌ لكنا ‌لا‌ نعلم بقاء جميعهم باعيانهم الى ‌ما‌ بعد وفاه الرسول صلى الله عليه ‌و‌ آله فلا يثبت صحه الاجماع ‌و‌ قتئذ.
 ‌و‌ اجيب: بان حال الشخص ‌فى‌ نفسه غير حاله بالقياس الى غيره، فلم ‌لا‌ يجوز ‌ان‌ ‌لا‌ يكون الشخص مقبول القول عند الانفراد، ‌و‌ يكون مقبول القول عند الاجتماع ‌و‌ الخطاب لجميع الامه ‌من‌ حين نزول الايه الى قيام الساعه كما ‌فى‌ سائر التكاليف مثل: «كتب عليكم الصيام» «كتب عليكم القصاص» فللموجودين بالذات ‌و‌ للباقين بالتبعيه، لكنا لو اعتبرنا اول الامه ‌و‌ آخرها باسرها لزالت فائده
 
الايه اذ لم يبق بعد انقضائها ‌من‌ تكون الايه حجه عليه، فعلمنا ‌ان‌ المراد بها اهل كل عصر، ثم ‌ان‌ الله تعالى ‌من‌ على هذه الامه ‌ان‌ جعلهم خيارا ‌و‌ عدولا عند الاجتماع، فلو امكن اجتماعهم على الخطا لم يكن بينهم ‌و‌ بين سائر الامم فرق ‌فى‌ ذلك فلا منه انتهى.
 قلت: اما عدم اجتماعهم على الخطا فمسلم، لكن ‌لا‌ ‌من‌ حيث عصمتهم حال اجتماعهم عن الخطا كما يزعمه المخالفون القائلون بجواز الخلو عن المعصوم، بل ‌من‌ حيث دخول المعصوم فيهم، لان تحقق الاجماع كاشف عن دخوله، ‌و‌ المساله مستوفاه ‌فى‌ كتب الاصول.
 هذا ‌و‌ الحق: ‌ان‌ المراد بالشهاده، الشهاده ‌فى‌ الاخره، ‌و‌ بالشهداء الائمه المعصومين عليهم السلام، لما روى عن الصادق عليه السلام: انه قال: ظننت ‌ان‌ الله عنى بهذه الايه جميع اهل القبله ‌من‌ الموحدين، افترى ‌ان‌ ‌من‌ ‌لا‌ تجوز شهادته ‌فى‌ الدنيا على صاع ‌من‌ تمر يطلب الله شهادته يوم القيامه ‌و‌ يقبلها منه بحضره جميع الامم الماضيه؟ كلا لم يعن الله مثل هذا ‌من‌ خلقه، يعنى الامه التى وجبت لها دعوه ابراهيم «كنتم خير امه اخرجت للناس» ‌و‌ ‌هم‌ الائمه الوسطى ‌و‌ ‌هم‌ خير امه اخرجت للناس
 ‌و‌ روى الحاكم ابوالقاسم الحسكانى ‌فى‌ كتاب شواهد التنزيل: باسناده عن
 
 
سليم ‌بن‌ قيس الهلالى، عن على عليه السلام: ‌ان‌ الله تعالى ايانا عنى بقوله: «لتكونوا شهداء على الناس» فرسول الله شاهد علينا، ‌و‌ نحن شهداء الله على خلقه ‌و‌ حجته ‌فى‌ ارضه، ‌و‌ نحن الذين قال الله تعالى: «و كذلك جعلناكم امه وسطا».
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده، عن بريد ‌بن‌ معاويه قال: قلت لابى جعفر عليه السلام قوله: «و كذلك جعلناكم امه وسطا لتكونوا شهداء على الناس» قال: نحن الامه الوسط ‌و‌ نحن شهداء الله على خلقه ‌و‌ حجته ‌فى‌ ارضه».
 ‌و‌ بسنده، عن ابى بصير، عن ابى عبدالله عليه السلام قال: نحن الشهداء على الناس بما عندهم ‌من‌ الحلال ‌و‌ الحرام ‌و‌ بما ضيعوا منه.
 ‌و‌ على هذا فالضمير ‌فى‌ جعلنا، ‌من‌ قوله «و جعلنا شهداء على ‌من‌ جحد» للامه باعتبار بعضهم الذين ‌هم‌ الائمه عليهم السلام.
 قال بعض العلماء: فان قلت: ‌ما‌ حقيقه هذه الشهاده ‌و‌ ‌ما‌ فائدتها مع ‌ان‌ الله تعالى عالم الغيب ‌و‌ الشهاده؟
 قلت: اما حقيقتها: فيعود الى اطلاعهم صلوات الله عليهم على افعال الامه، ‌و‌ بيان ذلك: ‌ان‌ للنفوس القدسيه الاطلاع على الامور الغيبيه ‌و‌ الانتقاش بها مع كونها ‌فى‌ جلابيب ‌من‌ ابدانها، فكيف بها قبل ملابستها لها ‌و‌ بعد مفارقتها لهذا العالم ‌و‌ الجسم المظلم، فانها اذن تكون مطلعه على افعال جميع الامم ‌و‌ مشاهده لها ‌من‌ خير ‌و‌ ‌شر‌
 ‌و‌ اما فائدتها: فقد علمت ‌ان‌ اكثر احكام الناس ‌و‌ هميه، ‌و‌ الوهم منكر للاله على الوجه الذى ‌هو‌ الاله، فبالحرى ‌ان‌ ينكر كونه عالما بجزئيات افعال عباده ‌و‌ دقائق
 
خطرات اوهامهم، ‌و‌ ظاهر ‌ان‌ ذلك الانكار يستتبع عدم المبالاه بفعل القبيح ‌و‌ الانهماك ‌فى‌ الامور الباطله التى نهى الله تعالى عنها، فاذا ذكر لهم ‌ان‌ عليهم شهداء ‌و‌ رقباء ‌و‌ كتابا لما يفعلون مع صدق كل ذلك باحسن تاويل، كان ذلك مما يعين العقل على كسر النفس الاماره بالسوء، ‌و‌ قهر الاوهام الكاذبه، ‌و‌ يردع النفس عن متابعه الهوى، ‌و‌ اذا كان معنى الشهاده، يعود الى اطلاع الشاهد على ‌ما‌ ‌فى‌ ذمه المشهود عليه ‌و‌ علمه بحقيقته وفائدتها حفظ ‌ما‌ ‌فى‌ ذمه المشهود عليه، ‌و‌ تخوفه ‌ان‌ جحد، اولم يوصله الى مستحقه ‌ان‌ يشهد عليه الشاهد فيفضحه ‌و‌ ينزع منه على اقبح وجه، ‌و‌ كان المعنى ‌و‌ الفائده قائمين ‌فى‌ شهاده الائمه عليهم السلام اذ بها تحفظ اوامر الله ‌و‌ تكاليفه التى هى حقوقه الواجبه، ‌و‌ يحصل الخوف للمقصرين فيها بذكر شهادتهم عليهم بالتقصير فيفتضحوا ‌فى‌ محفل القيامه ‌و‌ يستوفى منهم جزاء ‌ما‌ كلفوا ‌به‌ فقصروا فيه بالعقاب الاليم، ‌لا‌ جرم ظهر معنى كونهم شهداء الله على خلقه.
 قوله عليه السلام: «و كثرنا بمنه على ‌من‌ قل» كثرت الشى ء تكثيرا ‌و‌ اكثرته اكثارا: جعلته كثيرا، اى: جعلنا كثيرين وافرين العدد، دون سائر الامم الذين ‌هم‌ قليلون بالنسبه الينا، ‌و‌ عدى كثر ب(على) لتضمينه معنى التفضيل، كانه قال: كثرنا بمنه مفضلا لنا على ‌من‌ قل.
 ‌و‌ تكثيرنا، اما باعتبار كون شرعه عليه السلام موبدا الى يوم القيامه، فتكون امته مستمره ‌لا‌ انقطاع لها الى انقضاء الدنيا، بخلاف سائر الامم، ‌او‌ باعتبار شمول رسالته الى العرب ‌و‌ العجم ‌و‌ الانس ‌و‌ الجن، ‌او‌ باعتبار البركه ‌فى‌ النسل كما قال صلى الله عليه ‌و‌ آله: «تناكحوا تناسلوا فانى مكاثر بكم الامم يوم القيامه»،
 
او باعتبار بقاء معجزه الذى ‌هو‌ القرآن الى آخر الدهر.
 ‌و‌ بالجمله، فقد عد العلماء ‌من‌ خصائصه عليه السلام، كونه اكثر الانبياء تابعا.
 ‌و‌ روى عنه- صلى الله عليه ‌و‌ آله- انه قال: «ما ‌من‌ الانبياء نبى الا اعطى ‌من‌ الايات ‌ما‌ مثله آمن عليه البشر، ‌و‌ انما كان الذى اوتيت ‌و‌ حيا ‌او‌ حاه الله الى فارجو انى اكثرهم تابعا يوم القيامه». ‌و‌ هذا الخبر يويد الاعتبار الاخير.
 ‌و‌ فسر قوله تعالى: «انا اعطيناك الكوثر» بالكثير ‌من‌ اولاده ‌و‌ اتباعه- عليه السلام-.
 ‌و‌ يحتمل: ‌ان‌ يراد بالكثره: الثروه، ‌و‌ بالقله: الفقر، يقال: رجل مكثر، اذا كان ذامال، كما يقال: رجل مقل، اذا كان فقيرا، اى: جعلنا مكثرين موسرين، فائقين على ‌من‌ كان فقيرا مقلا.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يراد بهما: العزه ‌و‌ الذله، اذ كان ‌من‌ الشائع ‌ان‌ يكنى بالكثره عن العزه، ‌و‌ بالقله عن الذله، اى: اعزنا على ‌من‌ ذل.
 قال الزجاج ‌فى‌ قوله تعالى: «و اذكروا اذ كنتم قليلا فكثركم»: يحتمل كثره العدد بعد القله، ‌و‌ كثره العدد بعد النزاره، ‌و‌ كثره القدره ‌و‌ الشده بعد الضعف ‌و‌ الذله.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: «اى ‌و‌ اذكروا على جهه الشكر وقت كونكم قليلا عددكم فكثركم الله ‌و‌ وفر عددكم، ‌و‌ يجوز اذ كنتم فقراء مقلين فكثركم فجعلكم مكثرين موسرين، ‌او‌ كنتم اقله اذله فاعزكم بكثره العدد ‌و‌ العدد».
 
اصل اللهم ‌يا‌ الله، حذف حرف النداء ‌و‌ عوض عنه الميم، ‌و‌ لذلك ‌لا‌ يجمع بينهما الا ضروره كقول الشاعر:
 انى اذا ‌ما‌ حدث الما
 اقول ‌يا‌ اللهم ‌يا‌ اللهما
 ‌و‌ انما اخرت الميم تبركا باسمه تعالى، ‌و‌ خصت بذلك دون غيرها لان الميم عهد زيادتها آخرا، كميم زرقم للشديد الزرقه، هذا مذهب البصريين ‌و‌ ذهب الكوفيون الى ‌ان‌ الميم ليست عوضا، بل بقيه ‌من‌ جمله محذوفه ‌و‌ هى: امنا بخير.
 قال الرضى: ‌و‌ ليس بوجه لانك تقول: اللهم ‌لا‌ تومهم بخير.
 ‌و‌ قال ابوعلى: ‌و‌ لانه لو كان كما ذكر لما حسن، اللهم امنا بخير، ‌و‌ ‌فى‌ حسنه دليل على ‌ان‌ الميم ليست ماخوذه منه، اذ لو كان كذلك لكان تكريرا.
 ‌و‌ قال بعضهم: اصل اللهم: ‌يا‌ الله المطلوب للمهم، فحذف حرف النداء لدلاله الطلب ‌و‌ الاهتمام عليه مع قيامه مقامه، ثم اقتصر ‌من‌ لفظى الصفتين باول الاول ‌و‌ آخر الثانى ‌و‌ ادغم احدهما ‌فى‌ الاخر.
 قوله عليه السلام: «امينك على وحيك» الامين: فعيل ‌من‌ الامانه، فهو اما بمعنى مفعول اى: مامون ‌من‌ امنه كعلمه، اذا استامنه، ‌او‌ بمعنى فاعل ‌من‌ امن ‌هو‌ ككرم فهو امين.
 ‌و‌ الوحى ‌فى‌ اللغه: الاشاره ‌و‌ الرساله ‌و‌ الكتاب ‌و‌ الالهام ‌و‌ كل ‌ما‌ القيته الى غيرك ليعلمه فهو وحى كيف كان. ‌و‌ ‌هو‌ مصدر وحى اليه يحى ‌من‌ باب وعد، ‌و‌ اوحى اليه بالالف مثله، ‌و‌ هى لغه: القرآن الفاشيه، ثم غلب استعمال الوحى فيما
 
يلقى الى الانبياء ‌من‌ عند الله، ‌و‌ المراد بكونه امينا على وحيه تعالى: قوته على ‌ما‌ كلف ‌به‌ ‌من‌ ضبط الوحى ‌فى‌ الواح قواه الشريفه بحكم الحكمه الالهيه بها عليه، ‌و‌ كمال استعداد نفسه الطاهره لاسرار الله ‌و‌ علومه، ‌و‌ حكمه، ‌و‌ حفظه لها، عن ضياعها، ‌و‌ صيانتها عن تدنسها باذهان غير اهلها، ‌و‌ عدم تطرق تبديل ‌او‌ زياده ‌او‌ نقصان اليها، اذ كان ‌من‌ شان الامين قوته على ضبط ‌ما‌ يستامن عليه، ‌و‌ استعداده له ‌و‌ حفظه ‌و‌ صيانته عن التلف ‌و‌ الادناس ‌و‌ التبديل ‌و‌ الزياده ‌و‌ النقصان، ‌و‌ لهذا السر كانت العرب تسميه بالامين قبل مبعثه لما شاهدوه ‌من‌ امانته، ‌و‌ شهر بهذا الاسم قبل نبوته ‌و‌ بعدها.
 قوله عليه السلام: «و نجيبك ‌من‌ خلقك» النجيب: الكريم النفيس ‌فى‌ نوعه، فعيل بمعنى فاعل، ‌من‌ نجب ككرم نجابه، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون بمعنى مفعول اى: اللباب الخالص الذى انتجبته ‌من‌ خلقك ‌من‌ قولهم: نجبت العود ‌من‌ باب ضرب ‌و‌ قتل، ‌و‌ انتجبته، اذا قشرت نجبه بالتحريك ‌و‌ هو: لحاوه ‌و‌ قشره ‌و‌ تركت لبابه ‌و‌ خالصه.
 ‌و‌ ‌فى‌ حديث ابن مسعود: الانعام، ‌من‌ نجائب القرآن ‌او‌ نواجب القرآن.
 قال ‌فى‌ القاموس: نجائب القرآن: افضله ‌و‌ محصنه، ‌و‌ نواجبه، لبابه الذى عليه نجب.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس: نجيك ‌من‌ خلقك بالياء المثناه ‌من‌ تحت مشدده بعد الجيم، ‌و‌ ‌هو‌ فعيل ‌من‌ النجوى بمعنى السر، يقال: ناجيته ‌اى‌ ساررته، ‌و‌ ‌هو‌ نجى فلان: مناجيه دون اصحابه.
 
و قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه ‌فى‌ حديث الدعاء: «اللهم بمحمد نبيك ‌و‌ موسى نجيك » ‌هو‌ المناجى المخاطب للانسان ‌و‌ المحدث له، يقال: ناجاه يناجيه مناجاه فهو مناج، ‌و‌ النجى فعيل منه، ‌و‌ قد تناجيا مناجاه ‌و‌ انتجاء ‌و‌ منه: الحديث: «لايتناجى اثنان دون الثالث» ‌و‌ ‌فى‌ روايه: «لا ينتجى اثنان دون صاحبهما» ‌اى‌ ‌لا‌ يتسار ران منفردين لان ذلك ليسووه ‌و‌ منه: حديث على عليه السلام: «دعاه رسول الله- صلى الله عليه ‌و‌ آله- يوم الطائف فانتجاه فقال الناس لقد اطال نجواه فقال: ‌ما‌ انتجيته ‌و‌ لكن الله انتجاه، ‌اى‌ ‌ان‌ الله امرنى ‌ان‌ اناجيه» الى هنا كلام ابن الاثير.
 قوله- عليه السلام-: «وصفيك ‌من‌ عبادك» الصفى اما بمعنى المصطفى ‌اى‌ المختار، ‌و‌ منه الصفى ‌و‌ الصفيه لما يختاره الرئيس لنفسه ‌من‌ الغنيمه، ‌او‌ بمعنى الحبيب المصافى ‌من‌ صافاه الود ‌و‌ الاخاء: صدقه كاصفاه، يقال: ‌هو‌ صفى ‌من‌ بين اخوانى.
 قال ابن الاثير: «هو فعيل بمعنى فاعل ‌او‌ مفعول» ‌و‌ انتجاب الله تعالى ‌و‌ اصطفاوه له عليه السلام ‌و‌ كذلك مصافاته له يعود الى افاضه الكمال النبوى عليه بحسب ‌ما‌ وهبت له العنايه الالهيه ‌من‌ القبول ‌و‌ الاستعداد ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد ياصطفائه تعالى له عليه السلام جعله صفوه خلقه ‌و‌ عباده ‌اى‌ خيرتهم كما قال- صلى الله عليه ‌و‌ آله-: «ان الله اصطفى ‌من‌ ولد ابراهيم اسماعيل، ‌و‌ اصطفى ‌من‌ ولد اسماعيل كنانه، ‌و‌ اصطفى ‌من‌ كنانه قريشا، ‌و‌ اصطفى ‌من‌ قريش بنى هاشم، ‌و‌ اصطفانى ‌من‌ بنى هاشم».
 
و ‌فى‌ هذا المعنى اخبار اخر سياتى ذكر بعضها ‌فى‌ الروضه السادسه ‌ان‌ شاء الله تعالى.
 بدل ‌من‌ محمد، ‌او‌ عطف بيان عليه، ‌و‌ الامام: ‌ما‌ يقتدى ‌به‌ ‌من‌ رئيس ‌او‌ غيره فيطلق على الخليفه، ‌و‌ العالم المقتدى به، ‌و‌ ‌من‌ يوتم ‌به‌ ‌فى‌ الصلاه، ‌و‌ يستوى فيه المذكر ‌و‌ المونث، قال بعضهم: ‌و‌ ربما انث امام الصلاه فقيل: امراه امامه، ‌و‌ قيل: الهاء فيها خطا ‌و‌ الصواب حذفها لان الامام اسم ‌لا‌ صفه، ‌و‌ قال بعضهم: ‌لا‌ يمتنع ‌ان‌ يقال: امراه امامه لان ‌فى‌ الامام معنى الصفه.
 ‌و‌ الرحمه قيل: هى ميل القلب الى الشفقه على الخلق ‌و‌ التلطف بهم.
 ‌و‌ قيل: هى اراده ايصال الخير اليهم، ‌و‌ اضافه الامام اليها، اما بمعنى اللام الاختصاصيه، ‌اى‌ امام للرحمه، ‌و‌ المعنى: الامام المختص بالرحمه، ‌او‌ بمعنى (من ) البيانيه ‌اى‌ امام ‌من‌ جنس الرحمه، ‌و‌ المعنى: الامام الذى ‌هو‌ الرحمه كانه نفس الرحمه مبالغه، ‌و‌ فيه اشاره الى قوله تعالى: «و ‌ما‌ ارسلناك الا رحمه للعالمين».
 قال اهل العربيه: يجوز ‌ان‌ تكون رحمه، مفعولا له ‌اى‌ لاجل الرحمه، ‌و‌ ‌ان‌ تكون حالا مبالغه ‌فى‌ ‌ان‌ جعله نفس الرحمه، ‌و‌ اما على حذف مضاف ‌اى‌ ذا رحمه، ‌او‌ بمعنى راحم. ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: «انا نبى الرحمه» ‌و‌ ‌فى‌ آخر: «انما انا رحمه مهداه».
 ‌و‌ تفصيل هذه الرحمه ‌من‌ وجوه:
 احدها: انه الهادى الى سبيل الرشاد، ‌و‌ القائد الى رضوان الله سبحانه، ‌و‌ بسبب هدايته يكون وصول الخلق الى المقاصد العاليه ‌و‌ دخول جنات النعيم التى هى غايه الرحمه.
 
الثانى: ‌ان‌ التكاليف الوارده على يديه اسهل التكاليف ‌و‌ اخفها على الخلق بالنسبه الى سائر التكاليف الوارده على ايدى الانبياء السابقين لاممها. قال عليه السلام: «بعثت بالحنيفيه السهله السمحه» ‌و‌ ذلك عنايه ‌من‌ الله تعالى ‌و‌ رحمه اختص بها امته على يديه.
 الثالث: انه ثبت ‌ان‌ الله تعالى يعفو عن عصاه امته ‌و‌ يرحمهم بسبب شفاعته.
 الرابع: انه سال الله ‌ان‌ يرفع عن امته بعده عذاب الاستيصال، فاجاب الله دعوته ‌و‌ رفع العذاب رحمه.
 الخامس: ‌ان‌ الله وضع ‌فى‌ شرعه الرخص تخفيفا ‌و‌ رحمه لامته.
 السادس: انه عليه السلام رحم كثيرا ‌من‌ اعدائه كاليهود ‌و‌ النصارى ‌و‌ المجوس، برفع السيف عنهم ‌و‌ بذل الامان لهم ‌و‌ قبول الجزيه منهم. ‌و‌ قال صلى الله عليه ‌و‌ آله: «من آذى ذميا فقد آذانى» ‌و‌ لم يقبل احد ‌من‌ الانبياء الجزيه قبله.
 السابع: ‌ان‌ الله تعالى اخر عذاب ‌من‌ كذبه الى الموت، ‌او‌ القيامه كما قال الله تعالى: «و ‌ما‌ كان الله ليعذبهم ‌و‌ انت فيهم» ‌و‌ كل نبى ‌من‌ الانبياء قبله كان اذا كذب اهلك الله ‌من‌ كذبه الى غير ذلك ‌من‌ الوجوه التى ‌لا‌ تكاد تحصى كثره.
 فان قلت: كيف كان رحمه ‌و‌ قد جاء بالسيف ‌و‌ استباحه الاموال حتى قال ‌فى‌ حديث آخر: «انا نبى الملحمه» ‌اى‌ القتال.
 قلت: انما جاء بالسيف لمن جحد ‌و‌ عاند ‌و‌ اراد خفض كلمه الله ‌و‌ لم يتفكر ‌و‌ لم
 
يتدبر، الا ترى انه كان عليه السلام ‌لا‌ يبدا احدا بقتال حتى يدعوه الى الله ‌و‌ ينذره، ‌و‌ ‌من‌ اسماء الله تعالى الرحمن الرحيم، ثم ‌هو‌ المنتقم ‌من‌ العصاه فلا ‌شك‌ انه عليه السلام كان رحمه لجميع الخلق، للمومنين بالهدايه ‌و‌ غيرها، ‌و‌ للمنافقين بالامان، ‌و‌ للكافرين بتاخير العذاب، فذاته عليه السلام رحمه تعم المومن ‌و‌ الكافر.
 ‌و‌ روى انه صلى الله عليه ‌و‌ آله قال لجبرئيل لما نزل عليه بقوله تعالى: «و ‌ما‌ ارسلناك الا رحمه للعالمين»: هل اصابك ‌من‌ هذه الرحمه شى ء؟ قال: نعم كنت اخشى سوء العاقبه فامنت ‌ان‌ شاء الله بقوله تعالى: «ذى قوه عند ذى العرش مكين مطاع ثم امين».
 قوله عليه السلام: «و قائد الخير» قاد الدابه قودا، ‌من‌ باب قال، ‌و‌ قيادا: اذا تقدمها آخذا بقيادها ‌و‌ ‌هو‌ خلاف السوق، ‌و‌ منه: قائد الجيش لاميرهم كانه يقودهم، ‌و‌ جمعه: قاده ‌و‌ قواد. ‌و‌ قد يقال للدليل ايضا: قائد بهذا الاعتبار.
 ‌و‌ الخير، قيل: ‌هو‌ شى ء ‌من‌ اعمال القلب نورانى زائد على الايمان ‌و‌ غيره ‌من‌ الصفات المرضيه، يدل على ذلك ‌ما‌ ‌فى‌ حديث انس: «يخرج ‌من‌ النار ‌من‌ قال: ‌لا‌ اله الا الله ‌و‌ كان ‌فى‌ قلبه ‌من‌ الخير ‌ما‌ يزن مثقال ذره».
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ الوجود ‌و‌ يطلق على غيره بالعرض، ‌و‌ ‌هو‌ اما خير مطلق كوجود العقل لانه خير محض ‌لا‌ يشوبه ‌شر‌ ‌و‌ نقص، ‌و‌ اما خير مقيد، كوجود كل ‌من‌ الصفات المرضيه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌ما‌ يطلبه ‌و‌ يوثره ‌و‌ يختاره كل عاقل، ‌و‌ ‌هو‌ ينقسم: الى خير بالذات، ‌و‌ خير بالعرض.
 
فالاول: ‌هو‌ الحقيقى ‌و‌ مرجعه الى الوجود البحت، ‌و‌ الموجود بما ‌هو‌ موجود كالعلم، ‌و‌ الايمان الحقيقيين.
 ‌و‌ الثانى: ‌ما‌ ‌هو‌ وسيله الى الاول، كالعباده، ‌و‌ الزهد.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌ما‌ يتشوقه كل احد بلا مثنويه ‌و‌ ‌هو‌ المختار ‌من‌ اجل نفسه، ‌و‌ المختار غيره لاجله فان الكل يطلبه بالحقيقه الخير ‌و‌ ‌ان‌ كان قد يعتقد ‌فى‌ الشر انه خير فيختاره، فمقصده الخير ‌و‌ يضاده الشر ‌و‌ ‌هو‌ المجتوى ‌من‌ اجل نفسه، ‌و‌ المجتوى غيره ‌من‌ اجله.
 ‌و‌ الحق: ‌ان‌ الخير، كلى، يندرج تحته جميع الاعمال الصالحه كما يدل عليه قول اميرالمومنين عليه السلام: «افعلوا الخير ‌و‌ ‌لا‌ تحقروا منه شيئا، فان صغيره كبير، ‌و‌ قليله كثير» ‌و‌ يويده: ‌ما‌ ‌فى‌ بعض الاخبار: يخرج منها اى: ‌من‌ جهنم- قوم لم يعملوا خيرا قط ‌و‌ هولاء الذين ليس معهم الا الايمان انتهى.
 ‌و‌ يقابله، الشر، فيكون كليا يندرج تحته جميع الاعمال السيئه، ‌و‌ اضافه القائد الى الخير ‌من‌ اضافه الفاعل الى المفعول، ‌و‌ فيه استعاره لطيفه، فان القائد لما كان ‌من‌ شانه ‌ان‌ يقود الدابه حتى يصل بها الى الموضع المقصود، ‌و‌ كان عليه السلام قد جاء بالخير ‌و‌ اوصله الى الخلق، ‌لا‌ جرم حسنت استعاره القائد له.
 قوله عليه السلام: «و مفتاح البركه» المفتاح: ‌ما‌ يفتح ‌به‌ المغلاق، ‌و‌ المفتح مثله، ‌و‌ كانه مقصور ‌من‌ الاول، ‌و‌ جمع الاول: مفاتيح، ‌و‌ الثانى: مفاتح بغير ياء.
 ‌و‌ البركه محركه: النماء ‌و‌ الزياده ‌و‌ السعاده، ‌و‌ فيه استعاره بديعيه جدا، ‌و‌ ذلك: ‌ان‌ الكفر ‌و‌ الضلال لما كانا ‌ما‌ نعين ‌من‌ نماء الاعمال ‌و‌ سعاده الدارين، شببههما بالمغلاق
 
الذى يمنع ‌من‌ الدخول الى الدار. ‌و‌ لما كان عليه السلام رافعا للكفر، ‌و‌ ‌ما‌ حيا للضلال، ‌و‌ كان سببا للاقدام على استفاده الخيرات الزاكيه، ‌و‌ السعادات الناميه، شبهه بالمفتاح.
 
الكاف: للتعليل عند ‌من‌ اثبته لها ‌اى‌ صل عليه لاجل نصبه لامرك نفسه كما ‌فى‌ قوله تعالى: «و اذكروه كما هديكم» اى: لهدايته اياكم، فما مصدريه، ‌و‌ زعم الزمخشرى، ‌و‌ ابن عطيه، ‌و‌ غيرهما: انها: كافه.
 قال ابن هشام: ‌و‌ فيه اخراج الكاف عما ثبت لها ‌من‌ عمل الجر ‌من‌ غير مقتض، ‌و‌ ‌من‌ نفى ورود الكاف للتعليل، اجاب بانه ‌من‌ وضع الخاص موضع العام اذ الذكر ‌و‌ الهدايه يشتركان ‌فى‌ امر ‌و‌ ‌هو‌ الاحسان، فهذا ‌فى‌ الاصل بمنزله «و احسن كما احسن الله اليك».
 ‌و‌ الكاف للتشبيه ‌لا‌ للتعليل، فوضع الخاص ‌و‌ ‌هو‌ الذكر، موضع العام ‌و‌ ‌هو‌ الاحسان، ‌و‌ الاصل: ‌و‌ احسنوا كما احسن الله اليكم ثم عدل عن ذلك الاصل الى خصوصيه المطلوب ‌و‌ ‌هو‌ الذكر ‌و‌ الهدايه.
 ‌و‌ كذا القول ‌فى‌ عباره الدعاء اذا قلنا بان الكاف فيها للتشبيه فيكون الاصل: فاحسن اليه كما احسن ثم عدل عن ذلك الى قوله: «فصل عليه» كما نصب للاعلام بخصوصيه المطلوب ‌و‌ ‌لا‌ خفاء بما ‌فى‌ ذلك ‌من‌ التكلف.
 ‌و‌ الحق: ورودها للتعليل، فان معنى التعليل ظاهر ‌فى‌ حكايه سيبويه «كما
 
انه ‌لا‌ يعلم فتجاوز الله عنه». ‌و‌ ‌فى‌ قول الشاعر:
 ‌و‌ طرفك اما جئتنا فاحبسنه
 كما يحسبوا ‌ان‌ الهوى حيث تنظر
 اذ معناه: انك اذا جئتنا فلا تنظر الينا ‌و‌ انظر الى غيرنا ليحسب الرقباء ‌ان‌ هواك مقصور على ‌من‌ تنظر اليه ليكون ذلك سببا للستر ‌و‌ عدم الفضيحه.
 قال ابن مالك: ‌و‌ نصب الفعل بعدها تشبيها ب(كى) ‌فى‌ المعنى.
 ‌و‌ نصب اما ‌من‌ النصب بسكون الصاد، مصدر نصبت الشى ء ‌من‌ باب ضرب اذا اقمته، تقول: نصبته لامر كذا فانتصب اى: اقمته له فقام.
 ‌و‌ المعنى: اقام لامرك نفسه، ‌او‌ ‌من‌ النصب محركه بمعنى التعب يقال: نصب ينصب، كتعب يتعب، لفظا ‌و‌ معنى، ‌و‌ نصبه غيره ‌و‌ انصبه نص عليه ابن الاثير ‌فى‌ النهايه ‌و‌ المعنى: اتعب لامرك نفسه.
 ‌و‌ الامر: اما بمعنى طلب الفعل ‌اى‌ لما امرته به، ‌او‌ بمعنى الدين ‌و‌ الشرع كما ‌فى‌ قوله تعالى: «و ظهر امر الله».
 
قوله- عليه السلام-: «و عرض فيك للمكروه بدنه» عرضته لكذا تعريضا فتعرض نصبته له فانتصب كانك جعلته عرضه له اى: معروضا.
 ‌و‌ «فيك» اى: لاجلك، ففى: للتعليل كقوله تعالى: «فذلكن الذى لمتننى فيه» ‌اى‌ لاجله.
 ‌و‌ المكروه: ‌ما‌ يكرهه الانسان ‌و‌ يشق عليه.
 
و بدن الانسان: قال الجوهرى: جسده.
 ‌و‌ قال الازهرى، ‌و‌ الفيروز آبادى: ‌هو‌ ‌من‌ الجسد ‌ما‌ سوى الراس ‌و‌ الشوى.
 ‌و‌ قال بعضهم: ‌هو‌ ‌ما‌ سوى المقاتل.
 ‌و‌ الصحيح: انه جمله الجسد، كما يدل عليه: كلامه عليه السلام، ‌و‌ ‌فى‌ هاتين الفقرتين اشاره الى قيامه صلى الله عليه ‌و‌ آله بامر الله تعالى كما امره ‌و‌ بذله مهجته ‌و‌ جسده ‌فى‌ سبيله، ‌و‌ مقاساته للمكاره ‌و‌ تحمله للمشاق ‌فى‌ ذاته. فعن ابى عبدالله عليه السلام: «ان الله تعالى كلف رسوله ‌ما‌ لم يكلف احدا ‌من‌ خلقه، كلفه ‌ان‌ يخرج على الناس كلهم وحده بنفسه ‌ان‌ لم يجد فئه تقاتل معه، ‌و‌ لم يكلف هذا احدا ‌من‌ خلقه قبله ‌و‌ ‌لا‌ بعده، ثم تلا: هذه الايه: «فقاتل ‌فى‌ سبيل الله ‌لا‌ تكلف الا نفسك».
 ‌و‌ اما ‌ما‌ ‌لا‌ قاه عليه السلام ‌من‌ المكروه ‌و‌ المشقه ‌فى‌ ذات الله فمن قرا كتب السير علم ذلك، كاستهزاء قريش ‌به‌ ‌فى‌ اول الدعوه، ‌و‌ رميهم اياه بالحجاره حتى ادموا عقبيه ‌و‌ صياح الصبيان به، ‌و‌ فرث الكرش على راسه، ‌و‌ فتل الثوب ‌فى‌ عنقه، ‌و‌ حصره مع اهله ‌فى‌ شعب بنى هاشم سنين عده محرمه معاملتهم ‌و‌ مبايعتهم ‌و‌ مناكحتهم ‌و‌ كلامهم حتى كادوا يموتون جوعا لو ‌لا‌ ‌ان‌ بعض ‌من‌ كان يحنو عليهم لرحم ‌او‌ لسبب غيره كان يسترق القليل ‌من‌ الدقيق ‌او‌ التمر فيلقيه اليهم ليلا، ثم قصدهم له بالاذى، ‌و‌ لاصحابه بالضرب ‌و‌ التعذيب بالجوع ‌و‌ الوثاق ‌فى‌ الشمس، ‌و‌ طردهم اياهم ‌من‌ شعاب مكه، حتى خرج ‌من‌ خرج منهم الى الحبشه ‌و‌ خرج ‌هو‌ عليه السلام
 
مستجيرا منهم تاره بثقيف، ‌و‌ تاره ببنى عامر، ‌و‌ تاره بربيعه الفرس ‌و‌ بغيرهم، ثم اجمعوا على قتله ‌و‌ الفتك ‌به‌ ليلا حتى هرب منهم، لائذا بالاوس ‌و‌ الخزرج، تاركا اهله ‌و‌ ولده ‌و‌ ماحوته يده، ناجيا بحشاشه نفسه، حتى وصل الى المدينه، فناصبوه الحرب ‌و‌ رموه بالكتائب، ‌و‌ صدقوه القتال ‌و‌ الكفاح حتى ادموا فمه وطاح مغشيا عليه، ‌و‌ لم يزل منهم ‌فى‌ عناء شديد ‌و‌ حروب متصله الى ‌ان‌ اكرمه الله تعالى بنصره ‌و‌ ايده بظهور دينه. ‌و‌ ‌من‌ له انس بالتواريخ يعلم ‌من‌ تفاصيل هذه الاحوال ‌ما‌ يطول شرحه.
 
كاشفه بالعداوه: باداه بها اى: جاهره ‌من‌ الكشف بمعنى الاظهار ‌و‌ (فى)، للتعليل، كاللتين بعدها.
 ‌و‌ الدعاء الى الله: طلب الخلق الى توحيده ‌و‌ الاقبال الى طاعته.
 ‌و‌ حامه الرجل: خاصته ‌و‌ ‌من‌ يقرب منه، ‌و‌ ‌هو‌ الحميم ايضا ‌و‌ منه: الحديث: «انصرف كل رجل ‌من‌ وفد ثقيف الى حامته» قاله ابن الاثير.
 ‌و‌ قال الجوهرى: هولاء حامه الرجل اى: اقرباوه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: هى خاصه الرجل ‌من‌ اهله ‌و‌ ولده.
 ‌و‌ الاسره: بالضم كغرفه، ‌و‌ ‌من‌ ضبطه بالفتح فقد وهم، ‌و‌ ‌هم‌ رهط الرجل الادنون، ‌و‌ اصلها ‌من‌ الاسر ‌و‌ ‌هو‌ الشد، لان الرجل يشتد برهطه ‌و‌ عشيرته ‌و‌ يقوى بهم
 
و قطع رحمه قطعا ‌و‌ قطيعه: هجرها ‌و‌ عقها اى: شق عصى الفتها ‌و‌ ترك برها، ‌و‌ الحنو عليها.
 ‌و‌ الرحم: ككتف ‌و‌ يخفف بسكون الحاء مع فتح الراء ‌و‌ مع كسرها ايضا ‌فى‌ لغه بنى كلاب، ‌و‌ ‌فى‌ لغه لهم: بكسر الحاء اتباعا لكسره الراء، ‌و‌ هى: موضع تكوين الولد ‌و‌ وعاوه ‌فى‌ بطن امه، ثم سميت القرابه رحما لكونهم يرجعون الى رحم واحده.
 ‌و‌ اختلف العلماء: ‌فى‌ تحقيق معناها، فقيل: هى خلاف الاجنبى فتعم القرابه ‌و‌ الوصله ‌من‌ جهه الولاء، ذكره الفيومى ‌فى‌ المصباح.
 ‌و‌ قيل: هى قرابه الرجل ‌من‌ جهه طرفيه آباوه ‌و‌ ‌ان‌ علوا، ‌و‌ ابنائه ‌و‌ ‌ان‌ سفلوا، ‌و‌ ‌ما‌ يتصل بالطرفين ‌من‌ الاعمام ‌و‌ العمات ‌و‌ الاخوه ‌و‌ الاخوات ‌و‌ اولادهم.
 ‌و‌ قيل: الرحم التى تجب صلتها كل رحم بين اثنين لو كان احدهما ذكرا لم يتناكحا، فعلى هذا ‌لا‌ يدخل اولاد الاعمام ‌و‌ اولاد الاخوال.
 ‌و‌ قيل: هى نسبه ‌و‌ اتصال بين المنتسبين تجمعهما رحم واحده.
 قيل: ‌و‌ هذا يشبه ‌ان‌ يكون دوريا ‌و‌ ليس بدورى، لان الرحم الواقعه ‌فى‌ التعريف بمعنى موضع تكوين الولد، فلا دور ‌و‌ هذا معنى قول بعضهم: هى عام ‌فى‌ كل ‌من‌ يجمع بينك ‌و‌ بينه نسب ‌و‌ ‌ان‌ بعد، ‌و‌ ‌هو‌ اقرب الى الصواب.
 ‌و‌ يدل عليه: ‌ما‌ رواه: «على ‌بن‌ ابراهيم ‌فى‌ تفسير قوله تعالى: «فهل عسيتم ‌ان‌ توليتم ‌ان‌ تفسدوا ‌فى‌ الارض ‌و‌ تقطعوا ارحامكم» انها نزلت ‌فى‌ بنى اميه». ‌و‌ يويده روايات اخر.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذه الفقرات: اشاره الى ‌ما‌ فعله صلى الله عليه ‌و‌ آله مع قومه ‌و‌ عشيرته،
 
و اسرته، ‌و‌ اقربائه ‌من‌ قريش، ‌و‌ بنى المطلب ‌و‌ بنى هاشم الذين كذبوه ‌و‌ حاربوه ليطفووا نور الله ‌و‌ يابى الله الا ‌ان‌ يتم نوره، فحاربهم ‌و‌ قاتلهم ‌و‌ قتل منهم الجم الغفير ‌فى‌ بدر، ‌و‌ احد، ‌و‌ اسر منهم ‌من‌ اسر، لم تاخذه بهم رافه ‌و‌ ‌لا‌ عطفته عليهم رحم، غضبا لله تعالى، ‌و‌ طلبا لمرضاته، ‌و‌ احياء لدينه، حتى علت كلمته، ‌و‌ ظهر دينه، ‌و‌ لو كره المشركون.
 
كاشفه بالعداوه: باداه بها اى: جاهره ‌من‌ الكشف بمعنى الاظهار ‌و‌ (فى)، للتعليل، كاللتين بعدها.
 ‌و‌ الدعاء الى الله: طلب الخلق الى توحيده ‌و‌ الاقبال الى طاعته.
 ‌و‌ حامه الرجل: خاصته ‌و‌ ‌من‌ يقرب منه، ‌و‌ ‌هو‌ الحميم ايضا ‌و‌ منه: الحديث: «انصرف كل رجل ‌من‌ وفد ثقيف الى حامته» قاله ابن الاثير.
 ‌و‌ قال الجوهرى: هولاء حامه الرجل اى: اقرباوه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: هى خاصه الرجل ‌من‌ اهله ‌و‌ ولده.
 ‌و‌ الاسره: بالضم كغرفه، ‌و‌ ‌من‌ ضبطه بالفتح فقد وهم، ‌و‌ ‌هم‌ رهط الرجل الادنون، ‌و‌ اصلها ‌من‌ الاسر ‌و‌ ‌هو‌ الشد، لان الرجل يشتد برهطه ‌و‌ عشيرته ‌و‌ يقوى بهم
 
و قطع رحمه قطعا ‌و‌ قطيعه: هجرها ‌و‌ عقها اى: شق عصى الفتها ‌و‌ ترك برها، ‌و‌ الحنو عليها.
 ‌و‌ الرحم: ككتف ‌و‌ يخفف بسكون الحاء مع فتح الراء ‌و‌ مع كسرها ايضا ‌فى‌ لغه بنى كلاب، ‌و‌ ‌فى‌ لغه لهم: بكسر الحاء اتباعا لكسره الراء، ‌و‌ هى: موضع تكوين الولد ‌و‌ وعاوه ‌فى‌ بطن امه، ثم سميت القرابه رحما لكونهم يرجعون الى رحم واحده.
 ‌و‌ اختلف العلماء: ‌فى‌ تحقيق معناها، فقيل: هى خلاف الاجنبى فتعم القرابه ‌و‌ الوصله ‌من‌ جهه الولاء، ذكره الفيومى ‌فى‌ المصباح.
 ‌و‌ قيل: هى قرابه الرجل ‌من‌ جهه طرفيه آباوه ‌و‌ ‌ان‌ علوا، ‌و‌ ابنائه ‌و‌ ‌ان‌ سفلوا، ‌و‌ ‌ما‌ يتصل بالطرفين ‌من‌ الاعمام ‌و‌ العمات ‌و‌ الاخوه ‌و‌ الاخوات ‌و‌ اولادهم.
 ‌و‌ قيل: الرحم التى تجب صلتها كل رحم بين اثنين لو كان احدهما ذكرا لم يتناكحا، فعلى هذا ‌لا‌ يدخل اولاد الاعمام ‌و‌ اولاد الاخوال.
 ‌و‌ قيل: هى نسبه ‌و‌ اتصال بين المنتسبين تجمعهما رحم واحده.
 قيل: ‌و‌ هذا يشبه ‌ان‌ يكون دوريا ‌و‌ ليس بدورى، لان الرحم الواقعه ‌فى‌ التعريف بمعنى موضع تكوين الولد، فلا دور ‌و‌ هذا معنى قول بعضهم: هى عام ‌فى‌ كل ‌من‌ يجمع بينك ‌و‌ بينه نسب ‌و‌ ‌ان‌ بعد، ‌و‌ ‌هو‌ اقرب الى الصواب.
 ‌و‌ يدل عليه: ‌ما‌ رواه: «على ‌بن‌ ابراهيم ‌فى‌ تفسير قوله تعالى: «فهل عسيتم ‌ان‌ توليتم ‌ان‌ تفسدوا ‌فى‌ الارض ‌و‌ تقطعوا ارحامكم» انها نزلت ‌فى‌ بنى اميه». ‌و‌ يويده روايات اخر.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذه الفقرات: اشاره الى ‌ما‌ فعله صلى الله عليه ‌و‌ آله مع قومه ‌و‌ عشيرته،
 
و اسرته، ‌و‌ اقربائه ‌من‌ قريش، ‌و‌ بنى المطلب ‌و‌ بنى هاشم الذين كذبوه ‌و‌ حاربوه ليطفووا نور الله ‌و‌ يابى الله الا ‌ان‌ يتم نوره، فحاربهم ‌و‌ قاتلهم ‌و‌ قتل منهم الجم الغفير ‌فى‌ بدر، ‌و‌ احد، ‌و‌ اسر منهم ‌من‌ اسر، لم تاخذه بهم رافه ‌و‌ ‌لا‌ عطفته عليهم رحم، غضبا لله تعالى، ‌و‌ طلبا لمرضاته، ‌و‌ احياء لدينه، حتى علت كلمته، ‌و‌ ظهر دينه، ‌و‌ لو كره المشركون.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^