فارسی
سه شنبه 18 ارديبهشت 1403 - الثلاثاء 27 شوال 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

الدعاء 4

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ ‌به‌ نستعين


 الحمد لله الذى جعل اتباع الرسل منوطا بالشرف ‌و‌ الكرامه فاستحق اتباعهم بتصديقهم اياهم تشريفه تعالى ‌و‌ اكرامه، ‌و‌ الصلاه ‌و‌ السلام على نبيه المظلل بالغمامه ‌و‌ على اهل بيته المخصوصين بالولايه ‌و‌ الامامه.


 ‌و‌ بعد: فهذه الروضه الرابعه ‌من‌ رياض السالكين تتضمن شرح الدعاء الرابع ‌من‌ ادعيه صحيفه سيد العابدين. املاء راجى ربه الغنى: على صدرالدين الحسينى الحسنى احسن الله احواله ‌و‌ قرن بالسداد افعاله ‌و‌ اقواله.
 
الاتباع: جمع تابع كصاحب ‌و‌ اصحاب ‌و‌ طاهر ‌و‌ اطهار، ‌او‌ جمع تبع كسبب ‌و‌ اسباب، ‌و‌ التبع ‌و‌ ‌ان‌ استوى فيه الواحد ‌و‌ الجمع تقول: المصلى تبع لامامه، ‌و‌ الناس تبع له، لكنهم اجازوا جمعه على افعال، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون جمع تبيع كنصير ‌و‌ انصار وزنا ‌و‌ معنى، ‌و‌ الاول اولى لان المراد بالتابعين للرسل المقتدون بهم ‌فى‌ كل ‌ما‌ ياتون ‌و‌ يذرون ‌من‌ امور الدنيا، فيدخل فيه الاتباع ‌فى‌ النصره دخولا اوليا، ‌و‌ الا دخل ‌فى‌ العموم نحو: المنافقين الذين كانوا ‌فى‌ الظاهر ‌من‌ الانصار، ‌و‌ عدم ارادتهم هنا ظاهر.
 ‌و‌ قوله: «و مصدقيهم» ‌من‌ قبيل عطف الشى ء على مرادفه لان كل تابع بالمعنى المذكور مصدق ‌و‌ كل مصدق تابع، اذ المراد بتصديقهم: الايمان بهم ‌و‌ بما انزل عليهم كما قالت الحواريون: «ربنا آمنا بما انزلت ‌و‌ اتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين».
 
قوله: «و اتباع الرسل» مبتدا خبره قوله بعد ذلك «فاذكرهم» ‌و‌ الفاء جواب لاما مقدره كما مربيانه ‌فى‌ اول الدعاء السابق.
 
و قوله: «من اهل الارض» بيان لجنس المصدقين، كقوله تعالى: «فاجتنبوا الرجس ‌من‌ الاوثان» اى: المصدقون الذين ‌هم‌ ‌من‌ جنس اهل الارض اى: البشر لبيان ‌ان‌ المقصود بالدعاء له هنا ‌من‌ صدق ‌من‌ الثقلين، ‌و‌ اما اهل السماء ‌و‌ ‌من‌ ‌هو‌ ‌من‌ جنسهم ‌من‌ الملائكه ‌و‌ ‌ان‌ كانوا مصدقين فقد سبق الدعاء لهم.
 ‌و‌ قوله: «بالغيب» يجوز ‌ان‌ يكون صله للتصديق، فالباء للتعديه ‌و‌ ‌هو‌ واقع موقع المفعول الثانى، ‌و‌ على هذا يكون الغيب بمعنى الغائب، اما تسميته بالمصدر كما سمى الشاهد بالشهاده ‌فى‌ قوله تعالى: «عالم الغيب ‌و‌ الشهاده» ‌و‌ العرب تسمى المطمئن ‌من‌ الارض غيبا، ‌و‌ اما مخفف فيعل كميت مخفف ميت، ‌و‌ على التقديرين فالمراد ‌به‌ الخفى الذى ‌لا‌ ينفذ فيه ابتداء الا علم اللطيف الخبير، ‌و‌ انما نعلم نحن منه ‌ما‌ اعلمناه ‌و‌ نصب لنا دليلا عليه ‌و‌ ذلك نحو: الصانع ‌و‌ صفاته ‌و‌ النبوات ‌و‌ ‌ما‌ يتعلق بها ‌و‌ البعث ‌و‌ النشور ‌و‌ الحساب ‌و‌ الوعد ‌و‌ الوعيد ‌و‌ غير ذلك.
 ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون حالا فالباء للمصاحبه، ‌و‌ الغيب مصدر على حاله بمعنى الغيبه ‌و‌ الخفاء كما ‌فى‌ قوله تعالى: «يخشون ربهم بالغيب» ‌و‌ قوله: «ليعلم انى لم اخنه بالغيب» اى: ‌و‌ مصدقوهم ملتبسين بالغيبه اما عن المصدقين: ‌اى‌ غائبين عن الرسل غير مشاهدين لما فيهم ‌من‌ شواهد النبوه لما روى ‌ان‌ اصحاب ابن مسعود ذكروا اصحاب رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم ‌و‌ ايمانهم فقال ابن مسعود: ‌ان‌ امر محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم كان بينا لمن رآه، ‌و‌ الذى ‌لا‌ اله غيره ‌ما‌ آمن مومن افضل ‌من‌ الايمان بغيب، ثم تلا قوله تعالى: «الذين يومنون بالغيب».
 ‌و‌ اما عن الناس اى: غائبين عن المومنين ‌لا‌ كالمنافقين الذين «و اذا لقوا
 
الذين آمنوا قالوا: آمنا، ‌و‌ اذا خلوا الى شياطينهم قالوا: انا معكم».
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد بالغيب: القلب لانه مستور، ‌و‌ المعنى: ‌و‌ مصدقوهم بقلوبهم ‌لا‌ كالذين «يقولون بافواههم ‌ما‌ ليس ‌فى‌ قلوبهم» فالباء حينئذ للاله
 عند: هنا ظرف لزمان الحضور نحو: عند طلوع الشمس.
 ‌و‌ عارض الشى ء بالشى ء معارضه: قابله.
 ‌و‌ عاند فلان عنادا ‌من‌ باب قاتل: اذا ركب الخلاف ‌و‌ العصيان.
 قال الازهرى: المعاند: المعارض بالخلاف ‌لا‌ بالوفاق.
 ‌و‌ قال صاحب المحكم: المعانده ‌و‌ العناد: ‌ان‌ يعرف الرجل الشى ء فياباه ‌و‌ يميل عنه، ‌و‌ عانده عنادا: عارضه.
 ‌و‌ قوله: «لهم» متعلق بالمعارضه ‌او‌ بالمعاندين ‌و‌ الضمير عائد الى الرسل.
 ‌و‌ بالتكذيب: متعلق بالمعارضه اى: عند مقابلتهم بالتكذيب.
 الاشتياق: بالشين المعجمه افتعال ‌من‌ الشوق ‌و‌ ‌هو‌ نزاع النفس الى الشى ء، هكذا ضبط ‌فى‌ جميع النسخ.
 ‌و‌ نقل بعضهم ‌ان‌ ‌فى‌ نسخه الشهيد «الاستباق» بالسين المهمله ‌و‌ الباء الموحده بعد التاء المثناه ‌من‌ فوق افتعال ‌من‌ السبق ‌و‌ ‌هو‌ التقدم ‌و‌ ‌لا‌ يكون الا ‌من‌ اثنين فصاعدا يجتهد كل منهم ‌ان‌ يسبق صاحبه ‌و‌ منه: «و استبقا الباب» اى: تبادر اليه، ‌و‌ اياما كان فهو معطوف على معارضه المعاندين، ‌و‌ قيل: على الارض، ‌و‌ الاول اظهر.
 
و المعنى على الروايه المشهوره: ‌و‌ مصدقوهم بالغيب عند اشتياق المومنين الى المرسلين ‌و‌ ذلك ‌فى‌ حال غيبتهم اذ الاشتياق ‌لا‌ يكون الا مع عدم الحضور، ‌و‌ على ‌ما‌ نقل ‌من‌ نسخه الشهيد عند تسابق الناس اليهم، ‌و‌ ذلك ‌فى‌ اول الدعوه ‌و‌ حال طلب فضيله السبق الى الاجابه ‌و‌ الفوز بنيل درجته ‌و‌ منزلته، كما رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى باسناده عن ابى عمر ‌و‌ الزبيرى عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قلت له: ‌ان‌ للايمان درجات ‌و‌ منازل يتفاضل المومنون فيها عند الله. قال: نعم قلت: صفه لى رحمك الله حتى افهمه. قال: ‌ان‌ الله سبق بين المومنين كما يسبق بين الخيل يوم الرهان ثم فضلهم على درجاتهم ‌فى‌ السبق اليه، فجعل كل امرى ء منهم على درجه سبقه ‌لا‌ ينقصه فيها ‌من‌ حقه ‌و‌ ‌لا‌ يتقدم مسبوق سابقا ‌و‌ ‌لا‌ مفضول فاضلا، تفاضل بذلك اوائل هذه الامه اواخرها ‌و‌ لو لم يكن للسابق الى الايمان فضل على المسبوق، اذن للحق آخر هذه الامه اولها، نعم ‌و‌ لتقدموهم اذا لم يكن لمن سبق الى الايمان الفضل على ‌من‌ ابطا عنه ولكن بدرجات الايمان قدم الله السابقين ‌و‌ بالابطاء عن الايمان اخر الله المقصرين لانا نجد ‌من‌ المومنين ‌من‌ الاخرين ‌من‌ ‌هو‌ اكثر عملا ‌من‌ الاولين ‌و‌ اكثرهم صلاه ‌و‌ صوما ‌و‌ حجا ‌و‌ زكاه ‌و‌ جهادا ‌و‌ انفاقا ‌و‌ لو لم تكن سوابق يفضل بها المومنون بعضهم بعضا لكان الاخرون بكثره العمل مقدمين على الاولين، ولكن ابى الله تعالى ‌ان‌ يدرك آخر درجات الايمان اولها ‌و‌ يقدم فيها ‌من‌ اخر الله، ‌و‌ يوخر فيها ‌من‌ قدم الله.
 قلت: اخبرنى عما ندب الله تعالى المومنين اليه ‌من‌ الاستباق الى الايمان. فقال: قول الله تعالى: «سابقوا الى مغفره ‌من‌ ربكم ‌و‌ جنه» الايه، ‌و‌ قال: «السابقون السابقون اولئك المقربون». ‌و‌ قال: «السابقون الاولون ‌من‌ المهاجرين ‌و‌ الانصار ‌و‌ الذين اتبعوهم باحسان رضى الله عنهم ‌و‌ رضوا عنه». فبدا بالمهاجرين الاولين على درجه سبقهم ثم ثنى بالانصار، ثم ثلث بالتابعين لهم
 
باحسان، فوضع كل قوم على درجاتهم ‌و‌ منازلهم عنده. ‌و‌ الحديث طويل اقتصرنا منه على ‌ما‌ تعلق الغرض به.
 ‌و‌ قوله: «بحقايق الايمان» الباء: اما سببيه متعلق بالاشتياق، ‌او‌ الاستباق على الروايتين، ‌او‌ للمصاحبه متعلقه بمحذوف وقع حالا ‌من‌ الاتباع ‌و‌ المصدقين، ‌او‌ ‌من‌ فاعل الاشتياق ‌او‌ الاستباق اى: ملتبسين بحقايق الايمان.
 «و الحقايق»: جمع حقيقه: ‌و‌ هى ‌ما‌ ‌به‌ الشى ء ‌هو‌ هو باعتبار تحققه، فحقايق الايمان: التصديقات الحقه بجميع ‌ما‌ جاء ‌به‌ المرسلون.
 قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: ‌و‌ ‌فى‌ الحديث «لا يبلغ المومن حقيقه الايمان حتى ‌لا‌ يعيب مسلما بعيب ‌هو‌ فيه» يعنى خالص الايمان ‌و‌ محضه ‌و‌ كنهه انتهى.
 
الدهر ‌و‌ الزمان ‌فى‌ اللغه: مترادفان، ‌و‌ قيل: الدهر طائفه ‌من‌ الزمان غير محدوده، ‌و‌ الزمان: مرور الليالى ‌و‌ الايام.
 ‌و‌ قالت الحكماء: الدهر: ‌هو‌ الان الدائم الذى ‌هو‌ امتداد الحضره الالهيه، ‌و‌ ‌هو‌ باطن الزمان ‌و‌ ‌به‌ يتحدد الازل ‌و‌ الابد، ‌و‌ الزمان مقدار حركه الفلك الاطلس. ‌و‌ هذان المعنيان غير مرادين هنا.
 ‌و‌ قال المتكلمون: الزمان: عباره عن متحدد معلوم يقدر ‌به‌ متحدد آخر موهوم. كما يقال: آتيك عند طلوع الشمس، فان طلوع الشمس معلوم ‌و‌ مجيئه موهوم، فاذا قرن ذلك الموهوم بذلك المعلوم زال الابهام.
 ‌و‌ جمله «ارسلت» ‌فى‌ محل جر على انها وصف لكل.
 ‌و‌ اقمت: ‌اى‌ نصبت، ‌و‌ هى جمله تابعه للاولى.
 ‌و‌ الدليل: المرشد، ‌و‌ لما كان المنصوب ‌من‌ الله تعالى مرشدا للخلق الى سلوك
 
سبيل الحق صدق عليه انه دليل.
 من: هنا لابتداء الغايه ‌فى‌ الزمان، نحو: مطرنا ‌من‌ الجمعه الى الجمعه، ‌و‌ هى متعلقه بمحذوف واقع حالا ‌من‌ كل دهر ‌و‌ زمان، لو صفه بالجمله، ‌و‌ النكره الموصوفه كالمعرفه اى: كائنا ‌من‌ لدن آدم، ‌او‌ وصفا له اى: كائن
 ‌و‌ لدن: بفتح اللام ‌و‌ ضم الدال المهمله ‌و‌ سكون النون ‌من‌ الظروف المبنيه ‌و‌ هى لاول غايه زمان ‌او‌ مكان ‌و‌ بنيت لشبهها بالحرف ‌فى‌ لزومها استعمالا واحدا ‌و‌ ‌هو‌ الابتداء ‌و‌ عدم التصرف ‌و‌ الغالب اقترانها بمن، ‌و‌ لم تقع ‌فى‌ التنزيل الا كذلك.
 ‌و‌ آدم: ابوالبشر، قيل: ‌هو‌ اسم اعجمى، ‌و‌ الاقرب ‌ان‌ وزنه فاعل كازر، ‌و‌ قيل: عربى ‌و‌ وزنه افعل.
 قال الجواليقى: اسماء الانبياء كلها اعجميه الا اربعه: آدم ‌و‌ صالح ‌و‌ شعيب ‌و‌ محمد عليهم السلام. ‌و‌ اختلف ‌فى‌ اشتقاقه فقيل: ‌من‌ الادمه بالفتح بمعنى: الاسوه.
 يقال: ‌هو‌ ادمه اهله: ‌اى‌ اسوتهم الذى ‌به‌ يعرفون.
 ‌و‌ قيل: ‌من‌ الادمه بالضم بمعنى: الالفه ‌و‌ الخلطه.
 ‌و‌ قيل: ‌من‌ اديم الارض، ‌و‌ ‌هو‌ الصحيح. لما رواه الصدوق «قدس سره» ‌فى‌ كتاب العلل باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: «انما سمى آدم آدم لانه خلق ‌من‌ اديم الارض».
 ‌و‌ اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال: «انما سمى آدم لانه خلق ‌من‌ طاديم الارض».
 
 
و قال الصدوق: اسم الارض الرابعه اديم ‌و‌ خلق آدم منها فلذلك قيل: خلق ‌من‌ اديم الارض.
 ‌و‌ منعه ‌من‌ الصرف على القول الاول العلميه ‌و‌ العجمه، ‌و‌ على الثانى للعلميه ‌و‌ وزن الفعل.
 قال ابن ابى حنتمه: عاش آدم سبعمائه سنه ‌و‌ ستين سنه.
 ‌و‌ قال النووى: اشتهر ‌فى‌ كتب التواريخ انه عاش الف سنه.
 ‌و‌ ‌فى‌ حديث الخصال التى سال ابوذر عنها النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم قلت: «يا رسول الله ‌كم‌ النبيون؟ قال: مائه الف ‌و‌ اربعه ‌و‌ عشرون الف نبى. قلت: ‌يا‌ رسول الله ‌كم‌ المرسلون؟ قال: ثلاثمائه ‌و‌ ثلاثه عشر جم الغفير. قلت: ‌من‌ كان اول الانبياء؟ قال: آدم. قلت: ‌و‌ كان ‌من‌ الانبياء مرسلا؟ قال: نعم، خلقه الله بيده ‌و‌ نفخ فيه ‌من‌ روحه. ثم قال: ‌يا‌ اباذر اربعه ‌من‌ الانبياء سريانيون: آدم، ‌و‌ شيث، ‌و‌ ادريس ‌و‌ ‌هو‌ اول ‌من‌ ‌خط‌ بالقلم، ‌و‌ نوح، ‌و‌ اربعه ‌من‌ العرب: هود، ‌و‌ صالح، ‌و‌ شعيب، ‌و‌ نبيك محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ عليهم، ‌و‌ اول الانبياء آدم، ‌و‌ آخرهم محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم، ‌و‌ اول نبى ‌من‌ انبياء بنى اسرائيل موسى ‌و‌ آخرهم عيسى صلى الله عليهما ‌و‌ بينهما الف نبى عليهم السلام».
 قال بعض العلماء: «ان لله تعالى ‌فى‌ كل الف سنه نبيا بعثه بمعجزات غريبه ‌و‌ بينات عجيبه لوضوح دينه القويم ‌و‌ ظهور صراطه المستقيم ‌و‌ ليس نقول على راس الف كل سنه بل نقول ‌فى‌ كل الف سنه فجاز ‌ان‌ يكون بين النبيين اكثر ‌من‌ الف سنه ‌او‌ اقل. فكان ‌فى‌ الالف الاول ابوالبشر آدم صلوات الله عليه، ‌و‌ ‌فى‌ الثانى شيخ
 
المرسلين نوح صلوات الله عليه، ‌و‌ ‌فى‌ الثالث خليل الله ابراهيم صلوات الله عليه، ‌و‌ ‌فى‌ الرابع كليم الله موسى صلوات الله عليه، ‌و‌ ‌فى‌ الخامس نبى الله سليمان ‌بن‌ داود صلوات الله عليه، ‌و‌ ‌فى‌ السادس روح الله عيسى صلوات الله عليه، ‌و‌ ‌فى‌ السابع حبيب الله المصطفى صلوات الله عليه، ثم ختمت ‌به‌ النبوه ‌و‌ انتهت آلاف الدنيا، لما روى سعيد ‌بن‌ جبير عن ابن عباس: الدنيا جمعه ‌من‌ جمعات الاخره سبعه آلاف سنه ‌و‌ قد مضت سته آلاف ‌و‌ مائه، ‌و‌ لياتين عليها مئون انتهى.
 «من»: بيانيه ظرف مستقر، وصف لدليل اى: دليلا كائنا ‌من‌ ائمه الهدى.
 ‌و‌ الائمه: جمع امام ‌و‌ ‌هو‌ المقتدى ‌به‌ ‌فى‌ امر الدين ‌و‌ اصله ائممه كامثله فادغمت الميم ‌فى‌ الميم بعد نقل حركتها الى الهمزه، فمن القراء: ‌من‌ يبقى الهمزه مخففه على الاصل، ‌و‌ منهم ‌من‌ يسهلها على القياس بين بين، ‌و‌ بعض النحاه يبدلها ياء للتخفيف، ‌و‌ بعضهم يعده لحنا ‌و‌ يقول ‌لا‌ وجه له ‌فى‌ القياس.
 ‌و‌ الهدى: ‌فى‌ الاصل مصدر هداه كالسرى ‌و‌ البكى ‌و‌ معناه: الدلاله بلطف على ‌ما‌ يوصل الى البغيه ‌اى‌ ‌ما‌ ‌من‌ شانه ذلك. ‌و‌ قيل: الدلاله الموصله اليها بدليل وقوع الضلاله ‌فى‌ مقابلته ‌فى‌ قوله تعالى: «اولئك الذين اشتروا الضلاله بالهدى» ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ ‌فى‌ ‌ان‌ عدم الوصول معتبر ‌فى‌ مفهوم الضلال فيعتبر الوصول ‌فى‌ مفهوم مقابله، ‌و‌ لانه ‌لا‌ يقال مهدى الا لمن اهتدى الى المطلوب.
 ‌و‌ القاده: جمع قائد ‌من‌ قاد الامير الجيش قياده، ‌و‌ يجمع على قواد ايضا.
 ‌و‌ التقى: مصدر تقاه كهداه بمعنى اتقاه، ‌و‌ التاء مبدله ‌من‌ واو، ‌و‌ الاسم: التقوى، ‌و‌ يجور ‌ان‌ تكون التقى جمع تقاه ‌فى‌ تقدير رطبه ‌و‌ رطب فيكون الجمع باعتبار مراتبه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ اللغه بمعنى: الوقايه ‌و‌ هى فرط الصيانه، ‌و‌ خص ‌فى‌ عرف الشرع بوقايه
 
النفس عما يضرها ‌فى‌ الاخره ‌و‌ له ثلاث مراتب:
 الاولى: التوقى عن العذاب المخلد بالتبرى عن الكفر، ‌و‌ عليه قوله تعالى: «و الزمهم كلمه التقوى».
 الثانيه: التجنب عن كل ‌ما‌ يوثم ‌من‌ فعل ‌او‌ ترك حتى الصغائر عند قوم، ‌و‌ ‌هو‌ المتعارف بالتقوى ‌فى‌ الشرع، ‌و‌ ‌هو‌ المعنى بقوله تعالى: «و لو ‌ان‌ اهل القرى آمنوا ‌و‌ اتقوا».
 الثالثه: ‌ان‌ يتنزه عن كل ‌ما‌ يشغل سره عن الحق ‌و‌ يتبتل اليه بكليته ‌و‌ ‌هو‌ التقوى الحقيقى المامور ‌به‌ ‌فى‌ قوله تعالى: «يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله ‌حق‌ تقاته». ‌و‌ لهذه المرتبه عرض عريض تتفاوت فيه طبقات اصحابها حسب تفاوت درجات استعداداتهم الفائضه عليهم بموجب المشيئه الالهيه، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا ‌ما‌ يعم المراتب الثلاث.
 ثم المراد بالدليل الموصوف بكونه ‌من‌ ائمه الهدى ‌و‌ قاده اهل التقى ‌هو‌ ‌من‌ نصبه الله حجه على خلقه نبيا كان ‌او‌ وصيا اذ ‌لا‌ تخلو الارض ‌من‌ حجه لله على عباده، كما رواه رئيس المحدثين ‌فى‌ كتاب العلل باسناده عن ابى جعفر عليه السلام قال: «و الله ‌ما‌ ترك الله الارض منذ قبض الله آدم الا ‌و‌ فيها امام يهتدى ‌به‌ الى الله ‌و‌ ‌هو‌ حجه الله على عباده، ‌و‌ ‌لا‌ تبقى الارض بغير حجه لله على عباده».
 ‌و‌ روى ‌فى‌ كتاب الخصال باسناده عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم قال: خلق الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ مائه الف نبى ‌و‌ اربعه ‌و‌ عشرين الف نبى، انا اكرمهم على الله ‌و‌ ‌لا‌ فخر، ‌و‌ خلق الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ مائه الف وصى ‌و‌ اربعه ‌و‌ عشرين الف وصى فعلى
 
اكرمهم على الله ‌و‌ افضلهم.
 خبر قوله «و اتباع الرسل».
 قال الواحدى: اصل الذكر ‌فى‌ اللغه: التنبيه على الشى ء، ‌و‌ ‌من‌ ذكرك شيئا فقد نبهك عليه، ‌و‌ اذا ذكرته فقد نبهت له. قال: ‌و‌ معنى الذكر حضور المعنى ‌فى‌ النفس ثم يكون تاره بالقلب ‌و‌ تاره بالقول، ‌و‌ ليس شرطه ‌ان‌ يكون بعد نسيان، انتهى.
 ‌و‌ لما كان الذكر بالمعنى المذكور يستلزم تخصيص الشى ء بحضوره ‌فى‌ النفس، كان المراد بذكر الله تعالى لعباده تخصيصهم بما يتعلق بالثواب ‌من‌ باب اطلاق اللازم على الملزوم، فقوله «فاذكرهم» اى: فخصهم، نحو: هل يستطيع ربك: ‌اى‌ هل يفعل، ‌و‌ اطلق الاستطاعه على الفعل لانها لازمه له.
 ‌و‌ «من» ‌فى‌ قوله «منك» لابتداء الغايه مجازا، ‌و‌ متعلقه بالذكر اى: ابتداء منك على نهج التفضل زائدا على ‌ما‌ وعدتهم ‌فى‌ مقابله اعمالهم.
 
اى: بخصوصهم دون غيرهم فهى حال ‌من‌ الاصحاب، ‌و‌ التاء فيها للنقل كعامه ‌و‌ كافه ‌لا‌ للتانيث.
 ‌و‌ الاصحاب: جمع صاحب ‌و‌ ‌هو‌ على اظهر الاقوال: ‌من‌ لقى النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم مومنا ‌به‌ ‌و‌ مات على الاسلام ‌و‌ لو تخللت رده.
 ‌و‌ المراد باللقاء: ‌ما‌ ‌هو‌ اعم ‌من‌ المجالسه ‌و‌ المماشاه ‌و‌ وصول احدهما الى الاخر ‌و‌ ‌ان‌ لم يكالمه، ‌و‌ يدخل فيه رويه احدهما الاخر سواء كان ذلك بنفسه ‌او‌ بغيره، كما اذا حمل شخص طفلا ‌و‌ اوصله الى النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله. ‌و‌ المراد رويته ‌فى‌
 
حال حياته صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم، فلو رآه بعد موته قبل دفنه كابى ذويب الهذلى فليس بصحابى على المشهور، ‌و‌ كذا المراد رويته اعم ‌من‌ ‌ان‌ تكون مع تمييزه ‌و‌ عقله حتى يدخل فيه الاطفال الذين حنكهم ‌و‌ لم يروه بعد التمييز ‌و‌ ‌من‌ رآه ‌و‌ ‌هو‌ ‌لا‌ يعقل.
 ‌و‌ التعبير باللقاء اولى ‌من‌ قول بعضهم: الصحابى ‌من‌ راى النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله، لانه يخرج حينئذ ابن ‌ام‌ مكتوم ‌و‌ نحوه ‌من‌ العميان ‌و‌ ‌هم‌ صحابه بلا تردد.
 ‌و‌ اللقاء ‌فى‌ هذا التعريف كالجنس يشمل المحدود ‌و‌ غيره.
 ‌و‌ قولنا: «مومنا» كالفصل يخرج ‌من‌ حصل له اللقاء المذكور، لكن ‌فى‌ حال كونه كافرا لم يومن باحد ‌من‌ الانبياء كالمشركين.
 ‌و‌ قولنا: «به»، فصل ثان يخرج ‌من‌ لقيه مومنا لكن بغيره ‌من‌ الانبياء عليهم السلام لكنه هل يخرج ‌من‌ لقيه مومنا بانه سيبعث ‌و‌ لم يدرك البعثه كبحيرا الراهب، فيه تردد، فمن اراد اللقاء حال نبوته حتى ‌لا‌ يكون مثله صحابيا عنده يخرج عنه، ‌و‌ ‌من‌ اراد اعم منه يدخل.
 ‌و‌ قولنا: «مات على الاسلام» فصل ثالث يخرج ‌من‌ ارتد بعد ‌ان‌ لقيه مومنا ‌و‌ مات على الرده كعبدالله ‌بن‌ جحش.
 ‌و‌ قولنا: «و لو تخللت رده» اى: بين لقائه له مومنا ‌و‌ بين موته عليه السلام بل بعده ايضا. فان اسم الصحبه باق سواء رجع الى الاسلام ‌فى‌ حياته ‌ام‌ بعده، ‌و‌ سواء لقيه ثانيا بعد الرجوع الى الاسلام ‌ام‌ لا. هذا مذهب الجمهور خلافا لبعضهم، قالوا: ‌و‌ يدل عليه قصه الاشعث ‌بن‌ قيس فانه كان ممن ارتد ‌و‌ اتى ‌به‌ الى ابى بكر اسيرا فعاد الى الاسلام، فقبل منه ذلك، ‌و‌ زوجه اخته ‌و‌ كانت عوراء فاولدها ابنه محمدا احد قتله الحسين عليه السلام، ‌و‌ لم يتخلف احد عن ذكره ‌فى‌ الصحابه ‌و‌ ‌لا‌ عن
 
تخريج احاديثه ‌فى‌ المسانيد ‌و‌ غيرها.
 ‌و‌ قيل: ‌ان‌ الصحابى ‌هو‌ ‌من‌ طالت مجالسته له عليه السلام على طريق التبع له ‌و‌ الاخذ عنه. فلا يدخل ‌من‌ وفد عليه ‌و‌ انصرف بدون مكث، ‌و‌ ‌هو‌ قول اصحاب الاصول.
 ‌و‌ حكى عن سعيد ‌بن‌ المسيب انه قال: ‌لا‌ يعد صحابيا الا ‌من‌ اقام معه عليه السلام سنه ‌و‌ سنتين، ‌و‌ غزا معه غزوه ‌او‌ غزوتين.
 ‌و‌ وجهه: ‌ان‌ صحبته صلى الله عليه ‌و‌ اله ‌و‌ سلم شرف عظيم فلا يظهر الا باجتماع يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص كالغزو المشتمل على السفر الذى ‌هو‌ محك اخلاق الرجال، ‌و‌ السنه المشتمله على الفصول الاربعه التى بها يختلف المزاج.
 ‌و‌ عورض بانه صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم بشرف منزلته اعطى كل ‌من‌ رآه حكم الصحبه، ‌و‌ ايضا يلزم ‌ان‌ ‌لا‌ يعد جويبر ‌بن‌ عبدالله ‌و‌ نحوه صحابيا، ‌و‌ ‌لا‌ خلاف ‌فى‌ انهم صحابه.
 ثم الصحابه على مراتب كثيره بحسب التقدم ‌فى‌ الاسلام ‌و‌ الهجره ‌و‌ الملازمه ‌و‌ القتال معه ‌و‌ القتل تحت رايته ‌و‌ الروايه عنه ‌و‌ مكالمته ‌و‌ مشاهدته ‌و‌ مماشاته، ‌و‌ ‌ان‌ اشترك الجميع ‌فى‌ شرف الصحبه.
 ‌و‌ يعرف كونه صحابيا بالتواتر ‌و‌ الاستفاضه ‌و‌ الشهره القاصره عن التواتر ‌و‌ اخبار الثقه.
 ‌و‌ قبض رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم عن مائه ‌و‌ اربعه عشر الف صحابى آخرهم موتا على الاطلاق ابوالطفيل عامر ‌بن‌ واثله، مات سنه مائه ‌من‌ الهجره، ‌و‌ الله اعلم.
 
بفتح الصاد مصدر صحبه بكسر الحاء، يصحبه بفتحها كالصحبه، ‌و‌ تاتى جمعا لصاحب، ‌و‌ الجمله ‌فى‌ محل رفع على انها صفه للاصحاب مقيده لهم، اذ حكم الصحابه عندنا حكم غيرهم، ‌لا‌ يتحتم الحكم بايمانهم ‌و‌ عدالتهم ‌و‌ نجاتهم بمجرد صحبتهم، بل لابد مع ذلك ‌من‌ تحقق ايمانهم ‌و‌ عدالتهم ‌و‌ حسن صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم بحفظهم وصيته ‌فى‌ اهل بيته ‌و‌ تمسكهم بالثقلين بعده.
 ‌و‌ اما ‌من‌ انقلب على عقبيه ‌و‌ اظهر العداوه لاهل البيت عليهم السلام فهو هالك ‌لا‌ محاله، بل تجب عداوته لله تعالى ‌و‌ البراءه الى الله منه، خلافا للعامه ‌و‌ الحشويه القائلين بوجوب الكف ‌و‌ الامساك عن جميع الصحابه ‌و‌ عما شجر بينهم، ‌و‌ اعتقاد الايمان ‌و‌ العداله فيهم جميعا، ‌و‌ حسن الظن بهم كلهم.
 قال بعض العلماء ‌من‌ الشيعه: لو كان الامساك عن عداوه ‌من‌ عادى الله ‌من‌ اصحاب محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌من‌ حفظ رسول الله ‌فى‌ اصحابه ‌و‌ رعايه عهده لم نعادهم ‌و‌ لو ضربت رقابنا بالسيوف، ولكن محبه رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ليست كمحبه الجهال الذين يضع احدهم محبته لصاحبه مع العصبيه، ‌و‌ انما اوجب رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله محبه اصحابه لطاعتهم لله تعالى، فاذا عصو الله ‌و‌ تركوا ‌ما‌ اوجب محبتهم فليس عند رسول الله محاباه ‌فى‌ ترك لزوم ‌ما‌ كان عليه ‌من‌ محبتهم ‌و‌ ‌لا‌ تغطرس ‌فى‌ العدول عن التمسك بموالاتهم، فلقد كان صلى الله عليه ‌و‌ آله يحب ‌ان‌ يعادى اعداء الله ‌و‌ لو كانوا عترته، كما يحب ‌ان‌ يوالى اولياء الله ‌و‌ لو كانوا ابعد الخلق نسبا منه.
 ‌و‌ الشاهد على ذلك اجماع الامه على ‌ان‌ الله تعالى قد اوجب عداوه ‌من‌ ارتد بعد الاسلام ‌و‌ عداوه ‌من‌ نافق ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌من‌ اصحاب رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله.
 
فاما ‌ما‌ ورد ‌فى‌ القرآن ‌من‌ قوله تعالى: «لقد رضى الله عن المومنين» ‌و‌ قوله سبحانه: «محمد رسول الله ‌و‌ الذين معه» فمشروط بسلامه العاقبه، ‌و‌ كيف يجوز ‌ان‌ نحكم حكما جزما ‌ان‌ كل واحد ‌من‌ الصحابه عدل، ‌و‌ ‌من‌ جمله الصحابه الحكم ‌بن‌ ابى العاص، ‌و‌ كفاك ‌به‌ عدوا مبغضا لرسول الله، ‌و‌ ‌من‌ الصحابه الوليد ‌بن‌ عقبه الفاسق بنص الكتاب، ‌و‌ منهم حبيب ‌بن‌ سلمه الذى فعل ‌ما‌ فعل بالمسلمين ‌فى‌ دوله معاويه، ‌و‌ بسر ‌بن‌ ارطاه عدو الله ‌و‌ عدو رسوله، ‌و‌ ‌فى‌ الصحابه كثير ‌من‌ المنافقين ‌لا‌ يعرفهم الناس، ‌و‌ ‌من‌ ذا الذى يجترى على القول بان اصحاب محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌لا‌ يجوز البراءه ‌من‌ احد منهم ‌و‌ ‌ان‌ اساء ‌و‌ عصى، بعد قول الله تعالى للذى شرفوا برويته: «لئن اشركت ليحبطن عملك ‌و‌ لتكونن ‌من‌ الخاسرين» ‌و‌ بعد قوله سبحانه: «قل انى اخاف ‌ان‌ عصيت ربى عذاب يوم عظيم» ‌و‌ بعد قوله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «فاحكم بين الناس بالحق ‌و‌ ‌لا‌ تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ‌ان‌ الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد» الا ‌من‌ ‌لا‌ فهم له ‌و‌ ‌لا‌ نظر معه ‌و‌ ‌لا‌ تمييز عنده.
 نعم ‌من‌ ثبت ايمانه منهم ‌و‌ عدالته ‌و‌ استقامته على عهد رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله وجبت موالاته ‌و‌ التقرب الى الله تعالى بمحبته ‌و‌ الدعاء له، كما وقع ‌من‌ سيد العابدين عليه السلام ‌فى‌ هذا الدعاء، ‌و‌ كما قال الصادق عليه السلام: اعلم ‌ان‌ الله اختار لنبيه صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌من‌ اصحابه طائفه اكرمهم باجل الكرامه، ‌و‌ حلاهم بحلى التاييد ‌و‌ النصر ‌و‌ الاستقامه لصحبته على المحبوب ‌و‌ المكروه، ‌و‌ انطق لسان محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله بفضائلهم ‌و‌ مناقبهم، فاعتقد محبتهم ‌و‌ اذكر فضلهم.
 
ابلى ‌فى‌ الحرب بلاء حسنا: اذا اظهر باسه حتى بلاه الناس، اى: خبروه، قاله الزمخشرى ‌فى‌ اساس اللغه.
 ‌و‌ كانفه: ‌اى‌ عاونه.
 ‌و‌ الوفاده بالكسر: اسم ‌من‌ وفد فلان على الامير، اى: ورد رسولا فهو وافد، ‌و‌ اوفدته انا، اى: ارسلته. اى: اسرعوا الى تصديق رسالته ‌و‌ الايمان بوروده عليهم رسولا، ‌و‌ ‌من‌ قال ‌ان‌ المعنى اسرعوا الى الوفاده عليه فقد ابعد.
 ‌و‌ الدعوه- بالفتح-: اسم ‌من‌ دعوته: اذا طلبت اقباله، اى: سابقوا الى اجابه دعوته. ‌و‌ اجماع الشيعه ‌و‌ المعتزله على ‌ان‌ اول ‌من‌ اجاب دعوته ‌و‌ صدق رسالته ‌و‌ اسلم اميرالمومنين عليه السلام.
 قال بعض العامه: ‌و‌ الروايات الصحيحه ‌و‌ الاسانيد القويه الوثيقه كلها ناطقه بان عليا عليه السلام اول ‌من‌ اسلم.
 ‌و‌ زعمت العامه ‌ان‌ اول ‌من‌ اسلم ابوبكر.
 قال ابوجعفر الاسكافى: ‌و‌ جمهور المحدثين لم يذكروا ‌ان‌ ابابكر اسلم الا بعد عده ‌من‌ الرجال منهم: على ‌بن‌ ابى طالب ‌و‌ جعفر اخوه ‌و‌ زيد ‌بن‌ حارثه ‌و‌ ابوذر الغفارى ‌و‌ عمر ‌بن‌ عنبسه السلمى ‌و‌ خالد ‌بن‌ سعيد ‌بن‌ العاص ‌و‌ خباب ‌بن‌ الارت. ‌و‌ الله اعلم.
 استجاب له: اذا دعاه الى شى ء فاطاع كاجابه.
 
و «حيث» هنا ظرف زمان ‌اى‌ حين اسمعهم، ‌و‌ فيه شاهد على ورودها له، وفاقا للاخفش ‌و‌ ابن هشام.
 ‌و‌ الحجه بالضم: الدليل ‌و‌ البرهان، ‌و‌ المراد بها هنا القرآن المجيد، ‌و‌ انما كان حجه لاعجازه ‌من‌ حيث فصاحته ‌و‌ بلاغته ‌و‌ مباينته لسائر كلام الناس ‌و‌ عجز مداره الفصحاء ‌و‌ البلغاء عن معارضه شى ء منه ‌و‌ تاثيره ‌فى‌ النفوس ‌و‌ القلوب بحيث يجد سامعه ‌من‌ اللذه ‌و‌ الحلاوه عند سماعه ‌ما‌ ‌لا‌ يجد عند سماع غيره ‌و‌ احاطته بعلوم الاولين ‌و‌ الاخرين كما قال تعالى: «ما فرطنا ‌فى‌ الكتاب ‌من‌ شى ء» ‌و‌ اخباره بالمغيبات مما كان ‌و‌ يكون نحو: «و الله يعصمك ‌من‌ الناس»، «ان الذى فرض عليك القرآن لرادك الى معاد» ‌اى‌ الى مكه، «و اذ يعدكم الله احدى الطائفتين انها لكم»، «سيهزم الجمع ‌و‌ يولون الدبر» ‌و‌ غير ذلك.
 
«و الازواج»: جمع زوج ‌و‌ ‌هو‌ كما يقال للرجل يقال للمراه ايضا، ‌و‌ هى اللغه الفصيحه المشهوره التى جاء بها التنزيل قال تعالى: «اسكن انت ‌و‌ زوجك الجنه». ‌و‌ قد يقال للمراه زوجه بالهاء ‌و‌ هى لغه مشهوره حكاها جماعه ‌من‌ اهل اللغه، قال ابوحاتم السجستانى ‌فى‌ المذكر ‌و‌ المونث: لغه اهل الحجاز زوج ‌و‌ هى التى جاء بها القرآن، ‌و‌ الجمع: ازواج، قال: ‌و‌ اهل نجد يقولون زوجه للمراه، قال: ‌و‌ اهل مكه ‌و‌ المدينه يتكلمون بذلك ايضا.
 ‌و‌ «فى»: للتعليل اى: لاجل. اظهار كلمته: ‌اى‌ جعلها ظاهره ‌اى‌ غالبه ‌من‌
 
ظهر على عدوه اذا غلبه ‌او‌ بارزه، ‌من‌ ظهر الشى ء اذا برز وبان بعد الخفاء.
 ‌و‌ كلمته: دعوته الى الاسلام.
 مصداق هذا الكلام قول اميرالمومنين عليه السلام ‌من‌ خطبه له: «و لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله نقتل آباءنا ‌و‌ ابناءنا ‌و‌ اخواننا ‌و‌ اعمامنا، ‌و‌ ‌ما‌ يزيدنا ذلك الا ايمانا ‌و‌ تسليما ‌و‌ مضيا على اللقم ‌و‌ صبرا على مضض الالم، ‌و‌ جدا ‌فى‌ جهاد العدو، ‌و‌ لقد كان الرجل منا ‌و‌ الاخر ‌من‌ عدونا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان انفسهما ايهما يسقى صاحبه كاس المنون، فمره لنا ‌من‌ عدونا ‌و‌ مره لعدونا منا، فلما راى الله صدقنا انزل بعدونا الكبت ‌و‌ انزل علينا النصر حتى استقر الاسلام ملقيا جرانه ‌و‌ متبوا اوطانه».
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «و انتصروا به» ‌من‌ باب التكميل المسمى بالاحتراس ‌فى‌ علم البيان ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يوتى ‌فى‌ كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفع ذلك الوهم، فانه لو اقتصر على ‌ما‌ قبل هذه الجمله لاوهم ‌ان‌ انتصارهم كان بمجرد حسن بلائهم ‌و‌ جدهم ‌فى‌ القتال، فدفع ذلك بقوله «و انتصروا به» ايذانا بان انتصارهم انما كان ببركته صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ انه السبب ‌فى‌ نزول النصر عليهم ‌من‌ الله تعالى لان النصر انما ‌هو‌ ‌من‌ عند الله، ‌و‌ قد وعد الله نبيه بالنصر فانجز له ‌ما‌ وعد. فانتصارهم بسبب ايمانهم ‌به‌ ‌و‌ كونهم جندا له، كما قال اميرالمومنين عليه السلام: «ان هذا الامر لم يكن نصره ‌و‌ لاخذلانه بكثره ‌و‌ ‌لا‌ قله ‌و‌ ‌هو‌ دين الله الذى اظهره ‌و‌ جنده الذى اعده
 
و امده حتى بلغ ‌ما‌ بلغ ‌و‌ طلع حيث طلع».
 
«من»: موصول اسمى يشترك فيه الواحد ‌و‌ غيره، تقول: جاءنى ‌من‌ قام ‌و‌ ‌من‌ قاما ‌و‌ ‌من‌ قاموا.
 ‌و‌ فلان منطو على كذا: مضمر له.
 ‌و‌ الرجاء: ارتياج النفس لانتظار ‌ما‌ ‌هو‌ محبوب لها ‌و‌ توقعها حصوله لسبب حاصل، ‌و‌ استعار لفظ التجاره للثواب. ‌و‌ الجمله ‌فى‌ موضع نصب على الحال.
 ‌و‌ لن تبور ترشيح اى: لن تكسد ‌و‌ لن تهلك بالخسران اصلا، صفه للتجاره جى ء بها للدلاله على انها ليست كسائر التجارات الدائره بين الربح ‌و‌ الخسران، بل هى تجاره ‌لا‌ كساد فيها ‌و‌ ‌لا‌ بوار.
 ‌و‌ الموده: اسم ‌من‌ وده يوده ‌من‌ باب تعب، ودا بفتح الواو ‌و‌ ضمها بمعنى: احبه.
 ‌و‌ قيل: الود اشد ‌من‌ الحب.
 ‌و‌ «فى»: اما للتعليل متعلقه ب«يرجون»، ‌او‌ للظرفيه مجازا ‌و‌ هى ‌و‌ مجرورها ‌فى‌ موضع نصب اما صفه ثانيه للتجاره ‌او‌ حال منها ‌و‌ يحتمل تعلقها بتبور.
 
هجر صاحبه هجرا: ‌من‌ باب قتل، ‌و‌ الشى ء تركه، ‌و‌ الاسم: الهجران بالكسر.
 ‌و‌ العشائر: جمع عشيره ‌و‌ هى القبيله ‌و‌ قيل بنو ابى الرجل الادنون.
 قال ابوعلى: قال ابوالحسن: ‌و‌ لم يجمع بجمع السلامه.
 
و قال غيره: ‌و‌ يجمع على عشيرات، ‌و‌ قول بعضهم «العشائر المعاشرون» غلط فان العشيره بمعنى المعاشر ‌لا‌ يجمع على عشائر بل جمعه عشراء ككريم ‌و‌ كرماء.
 ‌و‌ تعلق بالشى ء: استمسك به.
 ‌و‌ عروه: الدلو ‌و‌ الكوز ‌و‌ نحوه: مقبضه الذى يتعلق به، ‌و‌ عروه القميص: مدخل زره.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ تستعار العروه لما يوثق ‌به‌ ‌و‌ يعول عليه.
 ‌و‌ هى هنا استعاره للاعتقاد الحق الذى ‌هو‌ دين الاسلام. ‌و‌ التعلق بها ترشيح.
 ‌و‌ انتفى ‌من‌ ولده: دفع نسبه اليه ‌و‌ لم يثبته، ‌و‌ اصله ‌من‌ نفى الحصى نفيا ‌من‌ باب رمى اذا رفعه عن وجه الارض فانتفى، ثم قيل: لكل شى ء تدفعه ‌و‌ ‌لا‌ تثبته نفيته فانتفى، ‌و‌ نفيت النسب اذا لم تثبته ‌و‌ الرجل منفى النسب، ‌و‌ قد يقول الرجل لابنه: لست بولدى، ‌و‌ ‌لا‌ يريد ‌به‌ نفى النسب بل مراده نفى خلق الولد ‌و‌ طبعه الذى تخلق ‌به‌ ابوه، فكانه قال: لست على خلقى ‌و‌ طبعى، ‌و‌ هذا نقيض قولهم: فلان ابن ابيه. ‌و‌ المعنى ‌هو‌ على خلقه ‌و‌ طبعه.
 ‌و‌ القرابات: جمع قرابه، ‌و‌ هى كما تطلق على القرب ‌فى‌ النسب تطلق على القريب ‌و‌ على الاقارب.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: «بينهم قربه ‌و‌ قربى ‌و‌ قرابه ‌و‌ ‌هو‌ قريبى ‌و‌ قرابتى ‌و‌ ‌هم‌ اقربائى ‌و‌ قرابتى» انتهى.
 فيكون المراد بالقرابات هنا: «الاقارب، ‌و‌ ‌لا‌ عبره بقول صاحب القاموس: ‌و‌ ‌هو‌ قريبى ‌و‌ ذو قرابتى ‌و‌ ‌لا‌ تقل قرابتى» بعد نقل الزمخشرى لذلك ‌و‌ نصه عليه، ‌و‌ ‌هو‌ الامام الثبت الثقه ‌فى‌ اللغه حتى قال التفتازانى ‌فى‌ شرح الكشاف: «ان استعماله
 
بمنزله روايته، على انه لم يتفرد بذلك، بل قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: القرابه: القريب ‌فى‌ الرحم، ‌و‌ هى ‌فى‌ الاصل مصدر» انتهى. ‌و‌ على تسليم انكار صاحب القاموس فاسناد الانتفاء الى القرابات مجاز عقلى.
 ‌و‌ «اذ»: ‌فى‌ الفقرتين للتعليل، اى: هجرتهم العشائر لاجل تعلقهم بعروته، ‌و‌ انتفت منهم القرابات لاجل سكونهم ‌فى‌ ظل قرابته، مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «و لن ينفعكم اليوم اذ ظلمتم انكم ‌فى‌ العذاب مشتركون» اى: ‌و‌ لن ينفعكم اليوم اشتراككم ‌فى‌ العذاب لاجل ظلمكم ‌فى‌ الدنيا، ‌و‌ هل هى حرف بمنزله لام العله ‌او‌ ظرف؟ ‌و‌ التعليل مستفاد ‌من‌ قوه الكلام لامن اللفظ، فانه اذا قيل ضربته اذ اساء ‌و‌ اريد الوقت اقتضى ظاهر الحال ‌ان‌ الاساءه سبب الضرب قولان: اجاز ابن مالك الاول.
 ‌و‌ رجحه الرضى حيث قال: «تجى ء اذ للتعليل ‌و‌ الاولى حرفيتها اذا، اذ ‌لا‌ معنى لتاويلها بالوقت حتى تدخل ‌فى‌ ‌حد‌ الاسم» انتهى.
 ‌و‌ اختار الشلوبين الثانى.
 ‌و‌ الظل: الفى ء الحاصل ‌من‌ الحاجز بينك ‌و‌ بين الشمس.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌من‌ الطلوع الى الزوال، ‌و‌ الفى ء ‌من‌ الزوال الى الغروب، ثم ‌كى‌ ‌به‌ عن الكنف ‌و‌ الناحيه ‌و‌ الستر، فقيل: ‌هو‌ ‌فى‌ ظل فلان اى: ‌فى‌ كنفه ‌و‌ ستره. ‌و‌ منه الحديث: «سبعه ‌فى‌ ظل العرش».
 فقوله: «فى ظل قرابته» اى: ‌فى‌ كنفها ‌و‌ حمايتها، ‌و‌ القرابه هنا بمعنى القرب.
 قال الفيومى ‌فى‌ المصباح: «قرب الشى ء منا قربا ‌و‌ قرابه ‌و‌ قربه ‌و‌ قربى،
 
و يقال: القرب ‌فى‌ المكان، ‌و‌ القربه ‌فى‌ المنزله، ‌و‌ القربى ‌و‌ القرابه ‌فى‌ النسب» انتهى.
 ‌و‌ على هذا القول الاخير: فاطلاق القرابه على القرب ‌من‌ باب المشاكله، ‌و‌ ‌هو‌ نوع ‌من‌ البديع.
 
نسى الشى ء كرضى ينساه نسيانا اشترك بين معنيين:
 احدهما: الترك على تعمد ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا، اى: ‌لا‌ تترك ‌ما‌ تركوا لك ‌و‌ فيك هملا ‌من‌ غير جزاء ‌و‌ ثواب، ‌و‌ عليه قوله تعالى: «و ‌لا‌ تنسوا الفضل بينكم» اى: ‌لا‌ تقصدوا الترك ‌و‌ الاهمال.
 ‌و‌ الثانى: ترك الشى ء عن ذهول ‌و‌ غفله، ‌و‌ ذلك خلاف الذكر له. ‌و‌ ‌ان‌ حملته على هذا المعنى هنا كان المراد: ‌لا‌ تعاملهم معامله الناسين لهم فيما تركوا لك لاستحاله النسيان بهذا المعنى عليه تعالى.
 ‌و‌ الغرض، الدعاء لهم باثابتهم ‌و‌ مجازاتهم على ‌ما‌ تركوه لله ‌و‌ ‌فى‌ سبيله ‌من‌ الازواج ‌و‌ الاولاد ‌و‌ الاموال ‌و‌ الاوطان ‌و‌ نحو ذلك مما يعز تركه ‌و‌ فراقه. ‌و‌ فائدته: طلب التجاوز عنهم على كل حال ‌و‌ مكافاتهم على كل فعل ‌و‌ ترك وقع منهم له تعالى، كما يقول الانسان اذا اراد ‌ان‌ يشفع لاحد عند عظيم: ‌لا‌ تنس له حسن بلائه ‌فى‌ رضاك، ‌و‌ ‌ما‌ قاسى ‌من‌ الشدائد لاجلك. ثم ترقى عليه السلام عن ذلك الى سوال الرضا عنهم حتى يرضوا، فقال: «و ارضهم ‌من‌ رضوانك».
 ‌و‌ «من»: ابتدائيه ‌لا‌ بيانيه كما توهم بعضهم.
 قوله: «و بما حاشوا الخلق عليك» الواو: عاطفه ‌و‌ المعطوف عليه مقدر يتضمنه
 
الكلام السابق ‌و‌ التقدير: ‌و‌ ارضهم ‌من‌ رضوانك بسبب ‌ما‌ ذكر ‌من‌ جميل اعمالهم ‌و‌ بما حاشوا الخلق عليك.
 ‌و‌ «ما»: مصدريه اى: بحوشهم. يقال: حشت عليه الصيد، ‌و‌ احشته اذا سقته اليه ‌و‌ جمعته عليه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: «حاش الصيد جاءه ‌من‌ حواليه يصرفه الى الحباله ‌و‌ الابل جمعها ‌و‌ ساقها». انتهى.
 ‌و‌ المعنى: بسبب جمعهم الناس على دينك ‌و‌ ترغيبهم لهم ‌فى‌ طاعتك، ‌و‌ على هذا فحاشوا بضم الشين كقالوا ‌و‌ ناموا، ‌و‌ ‌فى‌ نسخه بفتح الشين فاصله: حاشووا كفاعلوا، تحركت الواو ‌و‌ انفتح ‌ما‌ قبلها فقلبت الفا فالتقى ساكنان الالف ‌و‌ واو الجماعه فحذفت الالف فصار حاشوا بفتح الشين اى: جانبوا الخلق، ‌و‌ صاروا على حاشيه كل شى ء: ناحيته ‌و‌ طرفه الاقصى.
 ‌و‌ «على» ‌من‌ قوله: «عليك» للتعليل اى: لك، ‌و‌ المعنى: اعتزلوا الناس ‌و‌ جانبوهم لاجلك، كما قال الكوفيون ‌فى‌ قوله تعالى: «و قلن حاش لله» ‌ان‌ المعنى: جانب يوسف المعصيه لاجل الله تعالى.
 ‌و‌ كانوا مع رسولك: ‌اى‌ مجتمعين ‌و‌ مشتركين. ‌و‌ اللام ‌من‌ قوله: «لك» للاختصاص متعلقه بمحذوف صفه للدعاه اى: كائنين لك، فهو ظرف مستقر، ‌و‌ اليك ظرف لغو متعلق بالدعاه اى: دعاه الى طاعتك ‌و‌ الدخول ‌فى‌ دينك.
 
اى: جازهم بجزيل الاجر على تركهم لاجلك ديار قومهم، ‌و‌ لما كان سبحانه
 
مجازيا للمطيع بجزيل الثواب جعل مجازاته شكرا لهم على سبيل المجاز، ‌و‌ الا فالشكر ‌هو‌ الاعتراف بالاحسان، ‌و‌ الله سبحانه ‌هو‌ المحسن الى عباده ‌و‌ المنعم عليهم، ‌و‌ قيل: معنى شكره تعالى لعبده ثناوه عليه اذا اطاعه. ‌و‌ المراد بهذا الكلام الدعاء للمهاجرين ‌من‌ الصحابه.
 قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: «و الهجره هجرتان: احداهما التى وعد الله عليها الجنه ‌فى‌ قوله: «ان الله اشترى ‌من‌ المومنين انفسهم ‌و‌ اموالهم بان لهم الجنه». فكان الرجل ياتى النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم ‌و‌ يدع اهله ‌و‌ ماله لايرجع ‌فى‌ شى ء منه، ‌و‌ ينقطع بنفسه الى مهاجره، ‌و‌ كان النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم يكره ‌ان‌ يموت الرجل بالارض التى هاجر منها، فمن ثم قال: لكن البائس سعد ‌بن‌ خوله يرثى له ‌ان‌ مات بمكه، ‌و‌ قال حين قدم مكه: صارت دار اسلام كالمدينه ‌و‌ انقطعت الهجره.
 ‌و‌ الهجره الثانيه: ‌من‌ هاجر ‌من‌ الاعراب ‌و‌ غزا مع المسلمين ‌و‌ لم يفعل كما فعل اصحاب الهجره الاولى، فهو مهاجر، ‌و‌ ليس بداخل ‌فى‌ فضل ‌من‌ هاجر تلك الهجره، ‌و‌ ‌هو‌ المراد بقوله عليه السلام: ‌لا‌ تنقطع الهجره حتى تنقطع التوبه. فهذا وجه الجمع بين الحديثين.
 ‌و‌ اذا اطلق ‌فى‌ الحديث ذكر الهجرتين فانما يراد بهما هجره الحبشه ‌و‌ هجره المدينه» انتهى كلامه.
 ‌و‌ السعه: خلاف الضيق، ‌و‌ هى مصدر وسع يسع، ‌و‌ الهاء فيها عوض عن الواو، ‌و‌ تطلق على الجده ‌و‌ الطاقه، قال تعالى: «لينفق ذو سعه ‌من‌ سعته» اى: على قدر غناه وسعته.
 
و «المعاش» هنا بمعنى المعيشه ‌و‌ هى ‌ما‌ يعاش به، ‌و‌ يقع مصدرا يقال: عاش عيشا ‌و‌ معاشا، ‌و‌ اسم زمان قال تعالى: «و جعلنا النهار معاشا». اى: وقت التقلب ‌فى‌ تحصيل المعاش.
 ‌و‌ ضاق الشى ء ضيقا ‌و‌ ضيقا بالفتح ‌و‌ الكسر: خلاف اتسع، ‌و‌ قيل: بالفتح مصدر، ‌و‌ بالكسر اسم. ‌و‌ الضيق بالفتح ايضا تخفيف الضيق كميت ‌و‌ ميت، فيجوز حمله ‌فى‌ الدعاء على هذا المعنى ‌فى‌ روايه الفتح.
 
 فائده
 
 روى رئيس المحدثين ‌فى‌ كتاب الخصال باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: «كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله اثنى عشر الف، ثمانيه آلاف ‌من‌ المدينه ‌و‌ الفين ‌من‌ غير المدينه، ‌و‌ الفين ‌من‌ الطلقاء، ‌و‌ لم يرفيهم قدرى ‌و‌ ‌لا‌ مرجى ‌و‌ ‌لا‌ حرورى ‌و‌ ‌لا‌ معتزلى ‌و‌ ‌لا‌ صاحب راى كانوا يبكون الليل ‌و‌ النهار، ‌و‌ يقولون: اقبض ارواحنا قبل ‌ان‌ ناكل خبز الخمير».
 ‌و‌ ‌فى‌ خطبه لاميرالمومنين عليه السلام: «اين القوم الذين دعوا الى الاسلام فقبلوه، ‌و‌ قراوا القرآن فاحكموه، ‌و‌ هيجوا الى الجهاد فولهوا ‌و‌ له اللقاح الى اولادها، ‌و‌ سلبوا السيوف اغمادها، ‌و‌ اخذوا باطراف الارض زحفا زحفا، ‌و‌ صفا صفا، بعض هلك ‌و‌ بعض نجا، ‌لا‌ يبشرون بالاحياء ‌و‌ ‌لا‌ يعزون بالموتى، مره العيون ‌من‌ البكاء، خمص البطون ‌من‌ الصيام، ذبل الشفاه ‌من‌ الدعاء، صفر الالوان ‌من‌ السهر، على وجوههم غبره الخاشعين، اولئك اخوانى الذاهبون، فحق لنا ‌ان‌ نظما اليهم ‌و‌ نعض
 
الايدى ‌فى‌ فراقهم».
 قال ابن ابى الحديد: «فان قلت: ‌من‌ هولاء الذين يشير عليه السلام اليهم؟ قلت: ‌هم‌ قوم كانوا ‌فى‌ ناناه الاسلام ‌و‌ ‌فى‌ زمان ضعفه ‌و‌ خموله ارباب زهد ‌و‌ عباده ‌و‌ جهاد شديد ‌فى‌ سبيل الله كمصعب ‌بن‌ عمير ‌من‌ بنى عبدالدار، ‌و‌ كسعد ‌بن‌ معاذ ‌من‌ الاوس، ‌و‌ كجعفر ‌بن‌ ابى طالب ‌و‌ عبدالله ‌بن‌ رواحه ‌و‌ غيرهم ممن استشهد ‌من‌ الصالحين ارباب الدين ‌و‌ العباده ‌و‌ الشجاعه ‌فى‌ يوم احد ‌و‌ ‌فى‌ غيره ‌من‌ الايام ‌فى‌ حياه رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ كعمار، ‌و‌ ابى ذر، ‌و‌ المقداد، ‌و‌ سلمان، ‌و‌ خباب، ‌و‌ جماعه ‌من‌ اصحاب الصفه ‌و‌ فقراء المسلمين ارباب العباده الذين قد جمعوا بين الزهد ‌و‌ الشجاعه. ‌و‌ قد جاء ‌فى‌ الاخبار الصحيحه ‌ان‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ اله قال: ‌ان‌ الجنه لتشتاق الى اربعه على ‌و‌ عمار ‌و‌ ابى ذر ‌و‌ المقداد، ‌و‌ جاء ‌فى‌ الاخبار الصحيحه ايضا: ‌ان‌ جماعه ‌من‌ اصحاب الصفه مر بهم ابوسفيان ‌بن‌ حرب بعد اسلامه فعضوا ايديهم عليه فقالوا: ‌وا‌ اسفاه كيف لم تاخذ السيوف ماخذها ‌من‌ عنق عدو الله! ‌و‌ كان معه ابوبكر فقال لهم: اتقولون هذا لسيد البطحاء؟ فرفع قوله الى رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله فانكره، ‌و‌ قال لابى بكر: انظر ‌لا‌ تكون اغضبتهم فتكون قد اغضبت ربك. فجاء ابوبكر اليهم ‌و‌ ترضاهم ‌و‌ سالهم ‌ان‌ يستغفروا له. فقالوا: غفر الله لك» انتهى.
 عطف على الذين هجرتهم العشائر. ‌و‌ قيل: على ضمير الجمع ‌فى‌ قوله: ‌و‌ اشكرهم.
 ‌و‌ «فى»: للتعليل اى: لاجل اعزاز دينك.
 
و اعزه اعزازا: جعله عزيزا اى: رفيعا ممتنعا، ‌و‌ اعزه ايضا اذا قواه ‌و‌ شدده كعززه، ‌و‌ منه: «فعززنا بثالث» ‌اى‌ فقوينا ‌و‌ شددنا.
 قال صاحب المحكم: «و ‌فى‌ التنزيل: «اذله على المومنين اعزه على الكافرين». ‌اى‌ اشداء عليهم، ‌و‌ ليس ‌هو‌ ‌من‌ عزه النفس».
 ‌و‌ «من»: ‌فى‌ قوله: «من مظلومهم» لبيان الموصول، مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «ليمسن الذين كفروا منهم عذاب اليم» ‌و‌ هى ‌و‌ مجرورها ‌فى‌ موضع نصب على الحال، ‌و‌ صاحبها ‌من‌ الموصوله لانها ‌فى‌ محل نصب مفعول كثرت ‌و‌ ‌هو‌ العامل فيها، ‌و‌ المراد بظلمهم: ‌ما‌ اصابهم ‌من‌ تعذيب المشركين لهم قبل الهجره حتى قالوا: «ربنا اخرجنا ‌من‌ هذه القريه الظالم اهلها» ‌و‌ اخراجهم اياهم ‌من‌ ديارهم ‌و‌ اموالهم كما قال تعالى: «الذين اخرجوا ‌من‌ ديارهم ‌و‌ اموالهم يبتغون فضلا ‌من‌ الله ‌و‌ رضوانا» ‌و‌ ذلك حين اضطرتهم كفار مكه ‌و‌ احوجوهم الى الخروج ‌و‌ ‌ما‌ اصيبوا ‌به‌ ‌فى‌ الانفس ‌من‌ القتل ‌و‌ الاسر ‌و‌ الجراح، ‌و‌ ‌فى‌ الاموال ‌من‌ النهب ‌و‌ الغصب، ‌و‌ ‌ما‌ كانوا يقاسونه ‌من‌ سماع الاذى ‌من‌ اهل الكتاب ‌و‌ المشركين ‌من‌ الطعن ‌فى‌ الدين الحنيف ‌و‌ القدح ‌فى‌ احكام الشرع الشريف ‌و‌ ‌صد‌ ‌من‌ اراد ‌ان‌ يومن ‌و‌ تخطئه ‌من‌ آمن، ‌و‌ نحو ذلك. كما قال تعالى: «لتبلون ‌فى‌ اموالكم ‌و‌ انفسكم ‌و‌ لتسمعن ‌من‌ الذين اوتوا الكتاب ‌من‌ قبلكم ‌و‌ ‌من‌ الذين اشركوا اذى كثيرا ‌و‌ ‌ان‌ تصبروا ‌و‌ تتقوا فان ذلك ‌من‌ عزم الامور».
 ‌و‌ ‌من‌ فواقر التاويلات هنا قول بعضهم: يجوز ‌ان‌ تكون «من» ابتدائيه، على
 
ان يكون المظلوم بمعنى البلد الذى ‌لا‌ رعى فيه ‌و‌ ‌لا‌ مرعى للدواب ‌و‌ الارض التى لم تعهد للزرع قط، اعنى مكه زادها الله تعالى شرفا ‌و‌ تعظيما.
 
التابعون: ‌هم‌ اللاحقون بالسابقين ‌من‌ المهاجرين ‌و‌ الانصار ‌و‌ فيه تلميح الى قوله تعالى: «و السابقون الاولون ‌من‌ المهاجرين ‌و‌ الانصار ‌و‌ الذين اتبعوهم باحسان رضى الله عنهم ‌و‌ رضوا عنه».
 ‌و‌ الباء ‌فى‌ قوله: «باحسان» للملابسه اى: ملتبسين به، ‌و‌ المراد ‌به‌ كل خصله حسنه، فيدخل ‌فى‌ التابعين ماعدا السابقين ‌من‌ الفريقين صحابيا كان ‌او‌ تابعيا، ‌او‌ التابعين لهم بالايمان ‌و‌ الطاعه الى يوم القيامه، فالمراد بهم المومنون بعد الصحابه الى آخر الدهر.
 ‌و‌ قوله: «الذين يقولون» الى آخره، نعت للتابعين ‌و‌ ‌هو‌ اقتباس ‌من‌ قوله تعالى: «و الذين جاءوا ‌من‌ بعدهم يقولون ربنا اغفرلنا ‌و‌ لاخواننا الذين سبقونا بالايمان ‌و‌ ‌لا‌ تجعل ‌فى‌ قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رووف رحيم».
 ‌و‌ الجمله مسوقه لمدحهم بمحبتهم لمن تقدمهم ‌من‌ المومنين ‌و‌ مراعاتهم لحقوق الاخوه ‌فى‌ الدين، الذى ‌هو‌ اعز ‌و‌ اشرف عندهم ‌من‌ النسب، ‌و‌ الاعتراف لهم بفضل السبق بالايمان الذى احرزوه دونهم.
 ‌و‌ خير: للتفضيل، اصلها اخير، حذفت الهمزه منها كما حذفت ‌من‌ شر، ‌و‌ هى لغه جميع العرب فيهما ماعدا بنى عامر فانهم يقولون: هذا اخير ‌من‌ ذاك ‌و‌ اشر منه باثباتها.
 ‌و‌ اختلف ‌فى‌ سبب حذفها عند غيرهم، فقيل: لكثره الاستعمال، ‌و‌ ‌هو‌ المشهور.
 
و قال الاخفش: لانهما لما لم يشتقا ‌من‌ فعل خولف لفظهما، فعلى هذا فيهما شذوذان حذف الهمزه ‌و‌ كونهما ‌لا‌ فعل لهما.
 ‌و‌ الجزاء: المكافاه على الشى ء، يقال: جزاه ‌به‌ ‌و‌ عليه جزاء ‌و‌ جازاه مجازاه، ‌و‌ قد يطلق على المجازى به، ‌و‌ منه «فان جهنم جزاوكم جزاء موفورا».
 
قصدت الشى ء له ‌و‌ اليه قصدا ‌من‌ باب ضرب: طلبته بعينه. ‌و‌ قصدت قصده: ‌اى‌ نحوت نحوه.
 ‌و‌ السمت: الطريق ‌و‌ القصد، ‌و‌ حسن النحو ‌و‌ السكينه ‌و‌ الوقار، ‌و‌ ‌هو‌ حسن السمت: ‌اى‌ الهيئه. ‌و‌ تحرى الشى ء: توخاه ‌و‌ تعمده ‌و‌ قصده، ‌و‌ اصل التحرى طلب ‌ما‌ ‌هو‌ الاحرى، ‌اى‌ الاليق ‌و‌ الاخلق.
 ‌و‌ الوجهه: بكسر الواو ‌و‌ تضم، قال المازنى ‌و‌ المبرد ‌و‌ الفارسى: هى اسم ظرف بمعنى المكان المتوجه اليه، فلا شذوذ ‌فى‌ اثبات واوها لانها ليس بمصدر، ‌و‌ هى انما تحذف ‌و‌ يعوض عنها الهاء اذا كانت ‌فى‌ المصادر كعده وزنه.
 ‌و‌ ذهب قوم الى انها مصدر بمعنى التوجه، ‌و‌ ‌هو‌ الذى يظهر ‌من‌ كلام سيبويه، ‌و‌ نسب الى المازنى ايضا. ‌و‌ على هذا فاثبات الواو فيها شاذ، ‌و‌ المسوغ لاثباتها دون غيرها ‌من‌ المصادر انها مصدر غير جار على فعله اذ ‌لا‌ يحفظ وجه يجه، فلما فقد مضارعه لم يحذف منه الواو، ‌و‌ اذ ‌لا‌ موجب لحذفها منه الا حمله على مضارعه، ‌و‌ ‌لا‌ مضارع له، ‌و‌ الفعل المستعمل منه توجه ‌و‌ اتجه ‌و‌ المصدر الجارى عليه التوجه فحذفت زوائده ‌و‌ قيل: وجهه.
 
و رجح الشلوبين القول بانها مصدر فقال: لان وجهه ‌و‌ جهه بمعنى واحد، فلا يمكن ‌ان‌ يقال ‌فى‌ جهه انها اسم للمكان، اذ ‌لا‌ يبقى للحذف وجه.
 ‌و‌ رجح الرضى الاول، قال: ‌و‌ اما الجهه فشاذ لانه ليس بمصدر، فليس تاوه بدلا ‌من‌ الواو.
 ‌و‌ الشاكله: النيه ‌و‌ الطريقه ‌و‌ المذهب ‌و‌ ‌ما‌ يشاكل الانسان، ‌و‌ منه قوله تعالى: «قل كل يعمل على شاكلته» اى: طريقته التى تشاكل حاله بالهدى ‌و‌ الضلاله.
 ‌و‌ قيل: جوهر روحه ‌و‌ احواله التابعه لمزاج بدنه.
 ‌و‌ مفاد هذه الفقرات ‌من‌ الدعاء بيان اتباع التابعين لهم باحسان ‌و‌ تقرير اقتفائهم آثارهم ‌و‌ سلوكهم مسالكهم ‌و‌ الاقتداء بهم ‌فى‌ اعمالهم ‌و‌ افعالهم.
 
ثناه يثنيه ‌من‌ باب رمى: اذا عطفه ‌و‌ رده، ‌و‌ عن مراده صرفه عنه.
 ‌و‌ الريب ‌فى‌ الاصل: مصدر قولك: رابنى الشى ء، اذا حصل فيك الريبه بالكسر، ‌و‌ حقيقتها: قلق النفس ‌و‌ اضطرابها ثم استعمل ‌فى‌ معنى الشك مطلقا، ‌او‌ مع تهمه لانه يقلق النفس ‌و‌ يزيل الطمانينه.
 
و ‌فى‌ الحديث: «دع ‌ما‌ يريبك الى ‌ما‌ ‌لا‌ يريبك» فان الشك ريبه ‌و‌ الصدق طمانينه.
 ‌و‌ البصيره: العقيده ‌و‌ العلم ‌و‌ الخبره ‌و‌ الفطنه ‌و‌ هى للنفس كالبصر للجسد.
 ‌و‌ الاختلاج: افتعال ‌من‌ الخلج ‌و‌ ‌هو‌ الجذب ‌و‌ النزع، يقال: خلجه ‌من‌ باب ضرب، ‌و‌ اختلجه: اذا جذبه ‌و‌ انتزعه.
 ‌و‌ منه الحديث: «ليردن على الحوض اقوام ثم ليختلجن دونى» اى: يجتذبون ‌و‌ يقتطعون. ‌و‌ منه خالج قلبى امر اى: نازعنى فيه فكر، ‌و‌ تخالجته الاشواق ‌و‌ الهموم: تجاذبته.
 ‌و‌ الشك: خلاف اليقين، ‌و‌ اصله: اضطراب القلب ‌و‌ النفس، ثم استعمل ‌فى‌ التردد بين الشيئين سواء استوى طرفاه ‌او‌ ترجح احدهما على الاخر، قال تعالى: «فان كنت ‌فى‌ ‌شك‌ مما انزلنا اليك» اى: غير مستيقن، ‌و‌ قال الاصوليون: ‌هو‌ تردد الذهن بين الامرين على ‌حد‌ سواء. قالوا: التردد بين الطرفين ‌ان‌ كان على السواء فهو الشك، ‌و‌ الا فالراجح ظن ‌و‌ المرجوح ‌و‌ هم.
 ‌و‌ قفوت اثره قفوا ‌من‌ باب قال: تبعته.
 ‌و‌ الاثار جمع اثر بفتحتين: ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ بقى ‌من‌ رسم الشى ء، ‌و‌ انما قيل لمن تبع شخصا قفا اثره ‌و‌ اقتفى آثاره لانه كالماشى على اثر اقدامه.
 ‌و‌ الائتمام: الاقتداء ‌من‌ ائتم ‌به‌ اى: اقتدى، ‌و‌ اسم الفاعل: موتم ‌و‌ اسم المفعول: موتم به، فالصله فارقه.
 ‌و‌ الهدايه: مصدر هداه الطريق يهديه هدايه اى: دله عليه. هذه لغه الحجاز، ‌و‌ ‌فى‌
 
لغه غيرهم يتعدى بالحرف فيقال: هديته الى الطريق ‌و‌ للطريق.
 ‌و‌ المنار: بفتح الميم، قال الجوهرى: «علم الطريق، ‌و‌ ذو المنار ملك ‌من‌ ملوك اليمن ‌و‌ اسمه ابرهه ‌بن‌ الحرث الرائش، ‌و‌ انما قيل له ذوالمنار لانه اول ‌من‌ ضرب المنار على طريقه ‌فى‌ مغازيه ليهتدى بها اذا رجع» انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: «المنار: العلم ‌و‌ ‌ما‌ يوضع بين الشيئين ‌من‌ الحدود ‌و‌ محجه الطريق» انتهى.
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: ‌و‌ فيه «لعن الله ‌من‌ غير منار الارض» المنار: جمع مناره، ‌و‌ هى العلامه تجعل بين الحدين، ‌و‌ منار الحرم: اعلامه التى ضربها الخليل عليه السلام على اقطاره ‌و‌ نواحيه، ‌و‌ الميم زائده. ‌و‌ منه حديث ابى هريره: «ان للاسلام صوى ‌و‌ منارا» اى: علامات ‌و‌ شرائع يعرف بها انتهى.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: «اهتدوا بمنار الارض: باعلامها، ‌و‌ هدم فلان منار المسجد جمع مناره» انتهى.
 ‌و‌ على هذا فقوله: بهدايه منارهم يجوز ‌ان‌ يكون مفردا بمعنى العلم، ‌و‌ ‌ان‌ يكون اسم جنس بمعنى الاعلام، ‌و‌ جمله لم يثنهم ‌فى‌ محل نصب على الحال ‌من‌ الذين ‌او‌ ضميره.
 
كانفه: عاونه، ‌و‌ ‌فى‌ النهايه ‌فى‌ حديث الدعاء: مضوا على شاكلتهم، مكانفين: اى: يكنف بعضهم بعضا اى: يعين، يقال: كنف صاحبه اذا اعانه.
 ‌و‌ الموازره: التقويه ‌و‌ المساعده ‌من‌ الازر بالفتح بمعنى القوه ‌و‌ الشده، ‌و‌ واوها منقلبه عن همزه يقال: آزره يوازره موازره. ‌و‌ اما وازره بمعنى صار له وزيرا فهو ‌من‌ الوزر بالكسر بمعنى الثقل لان الوزير يحمل اثقال الملك مع الملك فواوه اصليه.
 
و يدينون بدينهم اى: يتبعونهم ‌و‌ يوافقونهم على دينهم.
 قال ابن الاثير ‌فى‌ حديث الحج: «كانت قريش ‌و‌ ‌من‌ دان بدينهم» اى: اتبعهم ‌فى‌ دينهم ‌و‌ وافقهم عليه فاتخذ دينهم له دينا ‌و‌ عباده.
 ‌و‌ الهدى: بفتح الهاء ‌و‌ سكون الدال على وزن فلس: مصدر بمعنى الهدى بضم الهاء ‌و‌ فتح الدال.
 قال ‌فى‌ القاموس: «هداه هدى ‌و‌ هديا ‌و‌ هدايه ‌و‌ هديه بكسرهما ارشده فتهدى ‌و‌ اهتدى» انتهى.
 ‌و‌ الهدى على وزن فلس: الطريقه ‌و‌ السيره ‌و‌ الهيئه ايضا، يقال: هدى هدى فلان، اذا سار سيرته، ‌و‌ منه الحديث: «و اهدوا هدى عمار»: ‌اى‌ سيروا سيرته ‌و‌ تهياوا بهيئته.
 فقوله عليه السلام: يهتدون بهديهم، يجوز ‌ان‌ يكون بمعنى الهدايه، ‌اى‌ يهتدون بهدايتهم ‌و‌ ارشادهم، ‌و‌ ‌ان‌ يكون بمعنى الطريقه اى: يهتدون بطريقتهم ‌و‌ سيرتهم. ‌و‌ الهدى بهذا المعنى اشهر منه بمعنى الهدايه.
 ‌و‌ نصب مكانفين ‌و‌ موازرين على الحال. ‌و‌ جمله يدينون اما حال متداخله ‌او‌ مستانفه على وجه التعليل اى: لانهم يدينون بدينهم.
 اى: يجتمعون عليهم ‌و‌ ‌لا‌ يختلفون ‌فى‌ امرهم بان يقول بعضهم فيهم قولا، ‌و‌ يقول آخرون خلافه، بل كلمتهم مجتمعه عليهم.
 ‌و‌ الاتفاق: افتعال ‌من‌ الوفق بمعنى الموافقه، ‌و‌ اصله: اوتفاق، الا ‌ان‌ الواو قلبت ياء لانكسار ‌ما‌ قبلها ‌و‌ هى ساكنه ‌و‌ ادغمت ‌فى‌ تاء الافتعال بعد قلبها تاء لاجل
 
الادغام فتولدت التشديده لذلك، ‌و‌ هكذا الكلام ‌فى‌ يتفقون اصله: يوتفقون، جرى فيه نحو الاعلال المذكور ‌من‌ قلب الواو تاء ‌و‌ ادغامها ‌فى‌ تاء الافتعال فصار يتفقون.
 ‌و‌ قس على ذلك الاتهام ‌و‌ يتهمون ‌و‌ نحوه، ‌و‌ اتهمه بكذا كافتعله: ادخل عليه التهمه كرطبه اى: ‌ما‌ يتهم عليه، ‌و‌ اتهمه ‌فى‌ كذا: ‌شك‌ ‌فى‌ صدقه.
 ‌و‌ ادى اليه الشى ء: اوصله، ‌و‌ منه اداء الامانه، ‌اى‌ ‌لا‌ يشكون ‌فى‌ صدقهم ‌و‌ صحه ‌ما‌ اوصلوه اليهم ‌من‌ الاثار ‌و‌ الاحوال ‌و‌ الاحكام التى سمعوها ‌و‌ شاهدوها ‌من‌ النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله.
 ‌و‌ جمله يتفقون عليهم مستانفه استئنافا بيانيا كانه سئل كيف يكانفونهم ‌و‌ يوازرونهم ‌و‌ يدينون بدينهم فقال: يتفقون عليهم الى آخره، ‌و‌ لهذا لم يعطفها على ‌ما‌ قبلها.
 
من يومنا هذا: ‌اى‌ ‌من‌ وقتنا، ‌و‌ اليوم: ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌فى‌ اللغه عباره عن الزمن الذى يقع ‌ما‌ بين طلوع الشمس الى غروبها الا ‌ان‌ العرب قد تطلقه ‌و‌ تريد ‌به‌ مطلق الوقت ‌و‌ الحين، نهارا كان ‌او‌ ليلا فيقولون: ذخرتك لهذا اليوم اى: لهذا الوقت الذى افتقرت فيه اليك، ‌و‌ منه تلك ايام الهرج: ‌اى‌ وقته، ‌و‌ ‌لا‌ يكادون يفرقون بين قولهم: يومئذ، ‌و‌ حينئذ، ‌و‌ ساعتئذ.
 ‌و‌ من: لابتداء الغايه ‌فى‌ الزمان عند ‌من‌ اثبتها له ‌و‌ ‌هو‌ الصحيح نحو:
 تخيرن ‌من‌ ازمان يوم حليمه
 الى اليوم قد جربن كل التجارب
 ‌و‌ يجوز ‌ان‌ تكون بمعنى فى، نحو: «اذا نودى للصلاه ‌من‌ يوم الجمعه» ‌و‌ هى متعينه لذلك عند ‌من‌ انكر ورودها لابتداء الغايه ‌فى‌ الزمان، ‌و‌ على التقديرين فهى متعلقه ب«التابعين» ‌لا‌ بقوله «صل» كما توهم بعضهم.
 
و «الواو» ‌من‌ قوله: «و الى يوم الدين» ثابته ‌فى‌ النسخ المشهوره ‌و‌ هى عاطفه، ‌و‌ الظرف بعدها متعلق بمحذوف ‌دل‌ عليه ‌ما‌ قبله، ‌و‌ التقدير: «و على التابعين ‌من‌ بعد يومنا هذا الى يوم الدين» على كون «من» ابتدائيه او: «و على التابعين ‌فى‌ كل يوم الى يوم الدين» على كونها ظرفيه. ‌و‌ فائده ايراد الواو: ادخال ‌من‌ تجدد ‌من‌ التابعين ‌فى‌ كل وقت الى يوم القيامه.
 ‌و‌ اما ‌ما‌ قيل ‌من‌ ‌ان‌ الاتيان بها لاراده التابعين الذين بقيت متابعتهم الى ‌ما‌ يترتب لهم على المتابعه ‌من‌ الثواب الى يوم الدين ‌و‌ ‌لا‌ يعتريهم تغير ‌و‌ ‌لا‌ تبدل فغير ظاهر، بل لو قيل: ‌ان‌ عدمها يدل على هذا المعنى كان اظهر، ‌و‌ يحتمل احتمالا بعيدا ‌ان‌ تكون «من» ‌فى‌ قوله: «من يومنا هذا» لانتهاء الغايه بمعنى الى، كما ذهب اليه الكوفيون ‌و‌ تبعهم ابن مالك ‌من‌ اثبات هذا المعنى لها ‌و‌ استدل له ابن مالك بصحه قولك: «تقربت منه» ‌و‌ ‌هو‌ بمعنى تقربت اليه.
 ‌و‌ على هذا فيكون المعنى ‌و‌ صل على التابعين الى يومنا هذا ‌و‌ الى يوم الدين، فايراد الواو حينئذ متحتم ‌و‌ مفادها ظاهر، ‌و‌ اليوم المضاف الى الدين مراد ‌به‌ مطلق الوقت ايضا.
 ‌و‌ الدين هنا بمعنى الجزاء خيرا كان ‌او‌ شرا ‌و‌ منه: الثانى، ‌فى‌ المثل السائر: كما تدين تدان، ‌و‌ الاول ‌فى‌ بيت الحماسه:
 ‌و‌ لم يبق سوى العدوان
 دناهم كما دانوا
 ‌و‌ اما الاول ‌فى‌ الاول، ‌و‌ الثانى ‌فى‌ الثانى فليس بجزاء حقيقه ‌و‌ انما سمى ‌به‌ مشاكله، ‌او‌ تسميه للشى ء باسم مسببه كما سميت اراده القيام ‌و‌ القراءه باسمهما ‌فى‌
 
قوله تعالى: «اذا قمتم الى الصلاه» ‌و‌ قوله سبحانه: «فاذا قرات القرآن فاستعذ بالله» ‌و‌ لعله ‌هو‌ السر ‌فى‌ بناء المفاعله ‌من‌ الافعال التى تقوم اسبابها بمفعولاتها نحو: عاقبت اللص، ‌و‌ نظائره، فان قيام السرقه التى هى سبب للعقوبه باللص نزل منزله قيام المسبب ‌به‌ ‌و‌ هى العقوبه، فصارت كانها قامت بالجانبين ‌و‌ صدرت عنهما فبنيت صيغه المفاعله الداله على المشاركه بين الاثنين ‌و‌ اضافه اليوم اليه لادنى ملابسه كاضافه سائر الظروف الزمانيه الى ‌ما‌ وقع فيها ‌من‌ الحوادث كيوم الاحزاب ‌و‌ عام الفتح ‌و‌ تخصيصه ‌من‌ بين سائر ‌ما‌ يقع فيه ‌من‌ القيامه ‌و‌ الجمع ‌و‌ الحساب، لكونه ادخل ‌فى‌ الترغيب ‌و‌ الترهيب، فان ‌ما‌ ذكر ‌من‌ القيامه ‌و‌ غيرها ‌من‌ مبادى الجزاء ‌و‌ مقدماته.
 اعاده الجار للتاكيد ‌و‌ افاده تعدد الصلوات لتكون الصلاه على كل منهم مستقله ‌لا‌ بطريق التبعيه.
 ‌و‌ زوج الرجل: امراته، ‌و‌ زوج المراه: بعلها ايضا، ‌و‌ الجمع فيهما ازواج، هذه اللغه العاليه ‌و‌ بها جاء التنزيل.
 قال ابوحاتم: «و اهل نجد يقولون ‌فى‌ المراه زوجه بالهاء، ‌و‌ اهل الحرم يتكلمون بها» ‌و‌ عكس ابن السكيت فقال: «و اهل الحجاز يقولون زوج بغير هاء، ‌و‌ سائر العرب زوجه بالهاء، ‌و‌ جمعها زوجات» ‌و‌ الفقهاء يقتصرون ‌فى‌ الاستعمال عليها للايضاح ‌و‌ خوف لبس الذكر بالانثى اذ لو قيل: تركه فيها زوج ‌و‌ ابن، لم يعلم اذكر ‌ام‌ انثى.
 ‌و‌ الذريات: جمع ذريه مثلثه الاول ‌و‌ الضم اشهر ‌و‌ هى نسل الرجل قيل: هى فعوله ‌من‌ ذروت ‌او‌ ذريت ‌و‌ الاصل ذرووه ‌او‌ ذرويه فاجتمع ‌فى‌ الاولى ‌و‌ اوان
 
زائده ‌و‌ اصليه، فقلبت الاصليه ياء فصارت كالثانيه فاجتمعت ياء ‌و‌ واو ‌و‌ سبقت احداهما بالسكون فقلبت الواو ياء ‌و‌ ادغمت الياء ‌فى‌ الياء فصارت ذريه.
 ‌و‌ قيل: فعيله منهما ‌و‌ الاصل ‌فى‌ الاولى ذريوه فقلبت الواو ياء لما سبق ‌من‌ اجتماعهما بالسكون فصارت ذرييه كالثانيه فادغمت الياء ‌فى‌ مثلها فصارت ذريه .
 ‌و‌ قيل: فعليه ‌من‌ الذرء بالهمز بمعنى الخلق، ‌و‌ الاصل ذريئه فخففت الهمزه بابدالها ياء كهمزه خطيئه ثم ادغمت الياء الزائده ‌فى‌ المبدله.
 ‌و‌ قيل: فعليه ‌من‌ الذر بمعنى التفريق ‌و‌ الاصل ذريره قلبت الراء الاخيره ياء لتوالى الامثال كما ‌فى‌ تقصى ‌و‌ تظنى فادغمت الياء ‌فى‌ الياء كما مر.
 ‌و‌ قيل: فعوله منه ‌و‌ الاصل ذروره، فقلبت الراء الاخيره ياء فجاء الادغام.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «و على ‌من‌ اطاعك منهم» ‌من‌ عطف الخاص على العام اظهارا لشرف الطاعه ‌و‌ ابانه لخطرها ‌و‌ اهتماما بشان اهلها بتخصيصهم بالذكر بعد العموم، ‌و‌ الدعاء لهم ضمنا ‌و‌ استقلالا، ‌و‌ الضمير ‌فى‌ «منهم» اما للاولاد ‌او‌ للازواج ‌و‌ الاولاد معا، فتذكيره على سبيل التغليب.
 
تعصمهم: ‌فى‌ محل نصب على النعت لاصلاه ‌و‌ هى منصوبه على المفعوليه المطلقه، ‌و‌ عصمه الله ‌من‌ المكروه ‌و‌ نحوه: يعصمه ‌من‌ باب ضرب حفظه ‌و‌ وقاه، ‌و‌ الاسم: العصمه.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ «بها» للسببيه، ‌و‌ الضمير للصلاه.
 ‌و‌ المعصيه مفعله ‌من‌ العصيان، يقال: عصاه يعصيه عصيا ‌و‌ عصيانا، ‌و‌ معصيه: لم يطعه.
 قال سيبويه: «لا يجى ء هذا الضرب على مفعل الا ‌و‌ فيه الهاء لانه ‌ان‌ جاء على مفعل بغير هاء اعتل فعدلوا الى الاخف».
 
و فسح له ‌فى‌ المكان: ‌من‌ باب نفع ‌و‌ وسع، ‌و‌ الاسم: الفسحه بالضم بمعنى السعه.
 ‌و‌ الرياض: جمع روضه ‌و‌ الاصل رواض، قلبت الواو ياء لكسره ‌ما‌ قبلها، ‌و‌ هى الموضع المعجب بالزهور.
 ‌و‌ قيل: كل ارض ذات نبات ‌و‌ ماء ‌و‌ رونق ‌و‌ نضاره.
 ‌و‌ قيل: سميت بذلك لاستراضه المياه السائله فيها اى: لسكونها بها، قال تعالى: «فاما الذين آمنوا ‌و‌ عملوا الصالحات فهم ‌فى‌ روضه يحبرون» اى: يسرون ‌او‌ ينعمون.
 المنع: تحجير الشى ء، ‌و‌ فلان يمنع الجار: يحميه ‌من‌ ‌ان‌ يضام.
 ‌و‌ كاده كيدا: ‌من‌ باب باع: خدعه ‌و‌ مكر به.
 ‌و‌ ‌فى‌ الشيطان: قولان (احدهما) انه ‌من‌ شطن اذا بعد فانه بعيد عن الخير ‌و‌ الرحمه فتكون نونه اصليه، ‌و‌ وزنه: فيعال.
 (الثانى) ‌ان‌ الياء اصليه ‌و‌ النون زائده عكس الاول ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ شاط يشيط: اذا بطل ‌و‌ احترق، فوزنه: فعلان.
 ‌و‌ استعانه ‌و‌ استعان به: طلب معونته، يتعدى بنفسه ‌و‌ بالحرف.
 ‌و‌ البر بالكسر: التوسع ‌فى‌ الخير ‌من‌ البر بالفتح الذى ‌هو‌ الفضاء الواسع يتناول جميع اصناف الخيرات، ‌و‌ لذلك قيل: البر ثلاثه: ‌بر‌ ‌فى‌ عباده الله تعالى، ‌و‌ ‌بر‌ ‌فى‌ مراعات الاقارب، ‌و‌ ‌بر‌ ‌فى‌ مسالمه الاجانب.
 ‌و‌ «من»: بيان لما. ‌و‌ تنكير «البر» هنا للاستغراق، ‌و‌ النكره ‌فى‌ الايجاب ‌و‌ ‌ان‌ كانت ظاهره ‌فى‌ عدم الاستغراق الا انها قد تستعمل فيه مجازا كثيرا ‌فى‌ المبتدا، نحو:
 
تمره خير ‌من‌ جراده، ‌و‌ قليلا ‌فى‌ غيره نحو: «علمت نفس ‌ما‌ احضرت».
 ‌و‌ قول الحريرى: ‌يا‌ اهل ذا المغنى وقيتم شرا، ‌و‌ ‌ما‌ نحن فيه ‌من‌ هذا القبيل. ‌و‌ انما قدم طلب المنع ‌من‌ كيد الشيطان على طلب الاعانه على البر جريا على القاعده المشهوره ‌من‌ تقديم التخليه على التحليه.
 ‌و‌ قاه الله السوء: يقيه وقايه بالكسر: حفظه منه وصانه عنه.
 ‌و‌ الطوارق: جمع طارقه ‌و‌ هى ‌فى‌ الاصل اسم فاعل ‌من‌ طرق طرقا ‌و‌ طروقا: اذا جاء ليلا. قال الماوردى: «و اصل الطرق: الدق، ‌و‌ منه سميت المطرقه، ‌و‌ انما سمى قاصد الليل طارقا لاحتياجه الى طرق الباب غالبا، ثم اتسع ‌فى‌ كل ‌ما‌ ظهر بالليل كائنا ‌ما‌ كان، ثم اتسع ‌فى‌ التوسع حتى اطلق على الصور الخياليه فقالوا: طرق الخيال» ‌و‌ المراد هاهنا مطلق الحوادث ليلا كانت ‌او‌ نهارا لاضافتها اليهما، ‌و‌ الاضافه بمعنى ‌فى‌ نحو «مكر الليل»، ‌و‌ «تربص اربعه اشهر» على الصحيح وفاقا لابن الحاجب ‌و‌ ابن مالك ‌و‌ قال الجمهور: ‌ما‌ اوهم معنى فى، فهو على معنى اللام مجازا، ‌و‌ ‌هو‌ تكلف ‌لا‌ داعى اليه.
 ‌و‌ قوله: «الا طارقا» ‌اى‌ حادثا.
 ‌و‌ «الباء» ‌فى‌ «بخير» للملابسه ‌اى‌ ملتبسا بخير، مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «اهبط بسلام منا» قال الرضى: قيل ‌و‌ ‌لا‌ تكون بهذا المعنى الا مستقرا، ‌و‌ الظاهر: انه ‌لا‌ منع ‌من‌ كونها لغوا.
 
بعثه على الشى ء: حمله على فعله.
 ‌و‌ اعتقدت كذا: عقدت عليه القلب ‌و‌ الضمير، حتى قيل: العقيده ‌ما‌ يدين الانسان به.
 ‌و‌ الرجاء بالمد: الامل.
 قال بعض المحققين: ‌و‌ حقيقته ارتياح النفس لانتظار ‌ما‌ ‌هو‌ محبوب عندها فهو حاله لها تصدر عن علم ‌و‌ تقتضى عملا، بيان ذلك: ‌ان‌ ‌ما‌ تتصوره النفس ‌من‌ محبوب ‌او‌ مكروه: اما ‌ان‌ يكون موجودا ‌فى‌ الماضى ‌او‌ الحال ‌او‌ يوجد ‌فى‌ الاستقبال، ‌و‌ الاول يسمى ذكرا ‌و‌ تذكرا، ‌و‌ الثانى يسمى وجدا لوجدان النفس له ‌فى‌ الحال، ‌و‌ الثالث ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يغلب على ظنك وجود شى ء ‌فى‌ الاستقبال لنفسك ‌به‌ تعلق فيسمى ذلك انتظارا ‌و‌ توقعا فان كان مكروها حدث منه ‌فى‌ القلب تالم يسمى خوفا، ‌و‌ ‌ان‌ كان محبوبا حصل ‌من‌ انتظاره ‌و‌ تعلق القلب ‌به‌ لذه للنفس ‌و‌ ارتياح باخطار وجوده بالبال يسمى ذلك الارتياح رجاء، ولكن ذلك المتوقع لابد ‌ان‌ يكون لسبب، فان كان توقعه لاجل حصول اكثر اسبابه فاسم الرجاء صادق عليه، ‌و‌ ‌ان‌ كان انتظاره مع العلم بانتفاء اسبابه فاسم الغرور ‌و‌ الحمق عليه اصدق، ‌و‌ ‌ان‌ كانت اسبابه غير معلومه الوجود ‌و‌ ‌لا‌ الانتفاء فاسم التمنى اصدق على انتظاره.
 ‌و‌ اعلم: ‌ان‌ الرجاء لثواب الله ‌و‌ رحمته ‌و‌ الفوز بالسعادات الاخرويه مقام شريف مستلزم لمقامات عاليه لانه يستلزم الصبر على المكاره ‌و‌ فعل الطاعات ‌و‌ ترك المنهيات لعلمه بان الجنه حفت بالمكاره ‌و‌ النار حفت بالشهوات، ‌و‌ مقام الصبر يودى الى مقام المجاهده ‌و‌ التجرد لذكر الله تعالى ‌و‌ دوام الفكر فيه، ‌و‌ مقام المجاهده يودى الى مقام كمال المعرفه المودى الى مقام الانس المودى الى مقام المحبه المستلزم لمقام الرضا ‌و‌ التوكل، اذ ‌من‌ ضروره المحبه الرضا بفعل المحبوب ‌و‌ تفويض نفسه ‌و‌ امره اليه
 
و الوثوق بعنايته، ‌و‌ لذلك قيل: الرجاء ‌لا‌ ينفك عن الاعمال الصالحه.
 ‌و‌ قيل: الرجاء ماده الاستهتار بلزوم الطاعه، ‌و‌ يدل عليه ‌ما‌ روى عن الصادق عليه السلام: قيل له: ‌ان‌ قوما ‌من‌ مواليك يلمون بالمعاصى ‌و‌ يقولون نرجو فقال: كذبوا ليسوا لنا بموال، اولئك قوم ترجحت بهم الامانى، ‌من‌ رجا شيئا عمل له، ‌و‌ ‌من‌ خاف ‌من‌ شى ء هرب منه.
 ‌و‌ ‌فى‌ خطبه لاميرالمومنين عليه السلام: «زعم انه يرجو الله، كذب ‌و‌ العظيم، ‌ما‌ له ‌لا‌ يتبين رجاوه ‌فى‌ عمله، ‌و‌ كل ‌من‌ رجا عرف رجاوه ‌فى‌ عمله».
 ‌و‌ ‌من‌ ثم قالوا: الرجاء ‌من‌ الفضائل اذا قارنه خوف، لان كل واحد منهما ‌من‌ دون الاخر ‌من‌ الملكات الرديه المهلكه كما يرشد اليه قوله تعالى: «يدعون ربهم خوفا ‌و‌ طمعا».
 ‌و‌ قول الباقر عليه السلام: انه ليس ‌من‌ عبد مومن الا ‌و‌ ‌فى‌ قلبه نوران: نور خيفه ‌و‌ نور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا، ‌و‌ لو وزن هذا لم يزد على هذا.
 ‌و‌ قول بعض العارفين: ‌من‌ حمل نفسه على الرجاء تعطل، ‌و‌ ‌من‌ حمل نفسه على الخوف قنط، ولكنه ينبغى ‌ان‌ يخاف العبد راجيا ‌و‌ يرجو خائفا. ‌و‌ تقييده (عليه السلام) الرجاء بالحسن ‌فى‌ قوله: «حسن الرجاء» اشاره الى ذلك.
 ‌و‌ قوله: «لك» اى: لثوابك ‌او‌ لرحمتك كقوله تعالى: «لمن كان يرجوا الله» اى: رحمته، بدليل قوله سبحانه: «و يرجون رحمته».
 قوله عليه السلام: «و الطمع فيما عندك» طمع فيه ‌و‌ به: ‌من‌ باب فرح طمعا ‌و‌ طماعا ‌و‌ طماعيه مخففه: حرص عليه ‌و‌ رجاه، ‌و‌ اكثر ‌ما‌ يستعمل فيما يقرب حصوله.
 
و المراد بما عنده سبحانه خزائن رحمته الدنيويه ‌و‌ الاخرويه كما قال تعالى: «ان ‌ما‌ عند الله ‌هو‌ خير لكم ‌ان‌ كنتم تعلمون، ‌ما‌ عندكم ينفد ‌و‌ ‌ما‌ عند الله باق». اما الاخرويه فبقاوها ظاهر، ‌و‌ اما الدنيويه فحيث كانت موصوله بالاخرويه ‌و‌ مستتبعه لها فقد انتظمت ‌فى‌ سمط الباقيات الصالحات، ‌و‌ بهذا يظهر ‌ان‌ هذه الفقره ليست تكرارا للاولى لاختصاص الاولى بالرحمه الاخرويه ‌و‌ عموم هذه للدنيويه ‌و‌ الاخرويه معا، فهى ‌من‌ قبيل عطف العام على الخاص.
 قوله: «و ترك التهمه فيما تحويه ايدى العباد» التهمه: على وزن رطبه، اسم ‌من‌ اتهمته بكذا: اذا ظننت به. ‌و‌ سكون الهاء لغه حكاها الفارابى، ‌و‌ اصل التاء واو كما مربيانه.
 ‌و‌ حواه يحويه: ضمه ‌و‌ استولى عليه، ‌و‌ حواه ايضا: ملكه ‌و‌ جمعه كاحتواه ‌و‌ احتوى عليه.
 ‌و‌ ايدى: جمع قله، ‌و‌ لامها محذوفه، ‌و‌ الاصل يدى. قيل: بفتح الدال، ‌و‌ قيل: بسكونها، ‌و‌ جمع الكثره: الايادى. ‌و‌ لما كانت اليد ‌من‌ بين جوارح الانسان مناط عامه صنائعه ‌و‌ مدار اكثر منافعه عبر بها تاره عن النفس كما يقال: ‌هو‌ ملك يده اى: ملكه، ‌و‌ تاره عن القدره كما يقال: اخذته عن يد ‌اى‌ عن قدره عليه، ‌و‌ تاره عن الملك كما يقال: الدار ‌فى‌ يد فلان اى: ‌فى‌ ملكه، ‌و‌ تاره عن التصرف كما يقال: الامر بيده اى: ‌فى‌ تصرفه.
 ‌و‌ المراد بترك التهمه: اما ترك التهمه لله سبحانه ‌فى‌ قضائه بسبب ‌ما‌ تحويه ايدى الناس ‌من‌ متاع الدنيا بان يتهموه بعدم العدل ‌فى‌ القسمه اذا نظروا الى خلو ايديهم عما جمعه ‌و‌ ملكه غيرهم. كما رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى باسناده عن ابى
 
الحسن الاول عليه السلام قال: «ينبغى لمن عقل عن الله ‌ان‌ ‌لا‌ يستبطئه ‌فى‌ رزقه، ‌و‌ ‌لا‌ يتهمه ‌فى‌ قضائه».
 ‌و‌ ‌فى‌ ذلك يقول الشاعر:
 ‌من‌ لم يكن لله متهما
 لم يمس محتاجا الى احد
 ‌و‌ قال آخر:
 ‌لا‌ اقول الله يظلمنى
 كيف اشكو غير متهم
 ‌او‌ ترك التهمه للعباد فيما جمعوه ‌و‌ ملكوه بان يسيئوا الظن فيهم اذا منعوهم ‌ما‌ ‌فى‌ ايديهم. كما رواه ‌فى‌ الكافى ايضا عن ابى عبدالله عليه السلام قال: «من صحه يقين المرء المسلم ‌ان‌ ‌لا‌ يرضى الناس بسخط الله، ‌و‌ ‌لا‌ يلومهم على ‌ما‌ لم يوته الله».
 قال بعض العلماء: ‌و‌ النهى عن لومهم لوجوه:
 الاول: ‌ان‌ لومهم ظلم لهم، لانهم لم يمنعوه بل الله لم يوته ‌ما‌ سال منهم.
 الثانى: ‌ان‌ لومهم ينتهى الى الله، لانه انما يلام المانع ‌من‌ الاعطاء، ‌و‌ ‌لا‌ معطى ‌و‌ ‌لا‌ مانع الا الله، فيرجع اللوم اليه.
 الثالث: ‌ان‌ لومه للمانع ‌من‌ الخلق شرك، لانه اعتقد انه مانع له، فلامه ‌و‌ اشرك ‌فى‌ المنع مع الله غيره.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه ترك النهمه بفتح النون ‌و‌ سكون الهاء اى: الشهوه.
 قال ‌فى‌ الاساس: «له ‌فى‌ هذا الامر نهمه اى: شهوه». ‌و‌ المعنى على هذه الروايه ظاهر.
 
«اللام» للتعليل. قال ابن هشام: «و انتصاب الفعل بعدها بان مضمره بعينها وفاقا للجمهور، ‌لا‌ ب«ان» مضمره ‌او‌ ب«كى» مصدريه مضمره خلافا للسيرافى
 
و ابن كيسان، ‌و‌ ‌لا‌ ب«اللام» بطريق الاصاله خلافا لاكثر الكوفيين، ‌و‌ ‌لا‌ بها لنيابتها عن ‌ان‌ خلافا لثعلب» انتهى. ‌و‌ متعلقها قوله ‌و‌ تبعثهم.
 ‌و‌ رده ردا: بمعنى صرفه، اى: لتصرفهم الى الرغبه اليك، اى: الضراعه ‌و‌ المساله لك. يقال: رغب الى الله رغبه: اذا دعاه ‌و‌ ساله. ‌و‌ اذا عديت ب«فى» فهى بمعنى الاراده، يقال: رغب فيه اى: اراده. ‌او‌ ب«عن» فهى بمعنى الكراهه، يقال: رغب عنه: اذا كرهه ‌و‌ لم يرده.
 ‌و‌ الرهبه: الخوف.
 قال المحقق الطوسى ‌فى‌ اوصاف الاشراف: «هو تالم النفس ‌من‌ العقاب بسبب ارتكاب المنهيات ‌و‌ التقصير ‌فى‌ الطاعات، كما ‌فى‌ اكثر الخلق. ‌و‌ قد يحصل بمعرفه عظمه الحق ‌و‌ مشاهده هيبه كما ‌فى‌ الانبياء ‌و‌ الاولياء».
 ‌و‌ فرق بعض العارفين بين الخوف ‌و‌ الرهبه فقال: «الخوف ‌هو‌ توقع الوعيد، ‌و‌ ‌هو‌ سوط الله يقوم ‌به‌ الشاردين عن بابه ‌و‌ يسير بهم على صراطه حتى يستقيم ‌به‌ امر ‌من‌ كان مغلوبا على رشده، ‌و‌ ‌من‌ علامته قصر الامل، ‌و‌ طول البكاء. ‌و‌ الرهبه: هى انصباب الى وجهه الهرب بل هى الهرب.
 رهب ‌و‌ هرب: مثل جبذ ‌و‌ جذب، فصاحبها يهرب ابدا لتوقع العقوبه. ‌و‌ ‌من‌ علاماتها: حركه القلب الى الانقباض ‌من‌ داخل ‌و‌ هربه ‌و‌ انزعاجه عن انبساطه حتى انه يكاد ‌ان‌ يبلغ الرهابه ‌فى‌ الباطن مع ظهور الكمد ‌و‌ الكابه على الظاهر» انتهى.
 ‌و‌ الرهابه كسحابه: عظم ‌فى‌ الصدر مشرف على البطن.
 
زهد ‌فى‌ الشى ء ‌و‌ زهد عنه ايضا زهدا ‌و‌ زهاده: تركه ‌و‌ اعرض عنه فهو زاهد، ‌و‌ الجمع: زهاد، ‌و‌ يتعدى بالتضعيف فيقال: زهدته فيه.
 ‌و‌ العاجل: اسم فاعل ‌من‌ عجل عجلا ‌من‌ باب تعب اذا اسرع ‌و‌ حضر، ‌و‌ منه: العاجله للساعه الحاضره ‌و‌ ‌هو‌ صفه لموصوف محذوف اى: سعه المعاش العاجل، كما ورد ‌فى‌ دعاء آخر: «و ‌لا‌ تشغل قلبى بدنياى ‌و‌ عاجل معاشى عن آجل ثواب آخرتى».
 ‌و‌ تحبب اليهم العمل: ‌اى‌ تجعله محبوبا لهم، ‌و‌ لما كان ‌فى‌ التحبيب معنى انهاء المحبه ‌و‌ ايصالها اليهم، استعمله بكلمه الى.
 ‌و‌ الاجل: فاعل ‌من‌ اجل الشى ء اجلا ‌من‌ باب تعب، ‌و‌ اجل اجولا ‌من‌ باب قعد لغه بمعنى تاخر، ‌و‌ منه: اجل الشى ء لمدته ‌و‌ وقته الذى يحل فيه.
 ‌و‌ «اللام»: للتعليل متعلقه بالعمل، ‌و‌ الموصوف محذوف اى: للثواب الاجل.
 ‌و‌ الاستعداد للامر: التهيوله، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا ترك المعاصى ‌و‌ فعل الطاعات ليصيروا بذلك بعد الموت ناجين ‌من‌ العذاب فائزين بجزيل الثواب، ‌و‌ فيه اشعار بتجرد النفس الانسانيه ‌و‌ بقائها بعد الموت كما وردت ‌به‌ نصوص كثيره عنهم عليهم السلام.
 
تهون: ‌اى‌ تسهل، ‌من‌ هان يهون هونا بالفتح اذا لان ‌و‌ سهل فهو هين، ‌و‌ يعدى بالتضعيف فيقال: هونته.
 ‌و‌ الكرب: الحزن ‌و‌ الغم ياخذ بالنفس، ‌و‌ كربه الامر ‌من‌ باب قتل: شق عليه،
 
و الكربه بالضم اسم منه.
 ‌و‌ ‌حل‌ العذاب يحل حلولا ‌من‌ باب ضرب ‌و‌ قعد: ‌اى‌ نزل، ‌و‌ اما ‌حل‌ بالبلد حلولا فهو ‌من‌ باب قعد ‌لا‌ غير.
 ‌و‌ يوم خروج الانفس: ‌اى‌ وقت خروجها، فالمراد باليوم: مطلق الوقت كما تقدم بيانه.
 ‌و‌ اراد بكل كرب يحل بهم: غمرات الموت ‌و‌ سكراته التى هى افظع ‌من‌ ‌ان‌ يحيط بها وصف ‌او‌ يقوم ببيانها شرح، كما قال اميرالمومنين عليه السلام ‌فى‌ خطبه له: «و ‌ان‌ للموت لغمرات هى افظع ‌من‌ ‌ان‌ تستغرق بصفه ‌او‌ تعتدل على عقول اهل الدنيا» اى: ‌لا‌ تستقيم على العقول فلا تصدق بها لهولها ‌و‌ عظمها.
 ‌و‌ روى ‌ان‌ النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله كان يقول ‌فى‌ سكرات الموت: «اللهم اعنى على سكرات الموت».
 قال بعض المحققين: ‌و‌ امر يستعين عليه الرسول صلى الله عليه ‌و‌ آله مع كمال اتصاله بالعالم الاعلى فلا ‌شك‌ ‌فى‌ شدته، ‌و‌ الله المستعان.
 
 تنبيه
 
 ظاهر قوله عليه السلام: «يوم خروج الانفس ‌من‌ ابدانها» ‌ان‌ النفس داخله ‌فى‌ البدن فهى عند الموت تخرج منه، ‌و‌ ‌هو‌ بظاهره يويد قول المنكرين لتجرد النفس كالنظام القائل بانها اجسام لطيفه ساريه ‌فى‌ البدن سريان ماء الورد ‌فى‌
 
الورد. ‌و‌ جمهور المعتزله القائلين بانها جسم لطيف بخارى يتكون ‌من‌ الطف اجزاء الاغذيه ينفذ ‌فى‌ العروق الضوارب، ‌و‌ الحياه عرض قائم بالنفس ‌و‌ حال فيها.
 قالوا: ‌و‌ كيفيه قبض ملك الموت للنفس انه يلج ‌فى‌ فم الانسان الى قلبه لانه جسم لطيف هوائى ‌لا‌ يتعذر عليه النفوذ ‌فى‌ المخارق الضيقه فيخالط النفس التى هى كالشبيهه ‌به‌ لانها جسم لطيف بخارى ثم يخرج ‌من‌ حيث دخل ‌و‌ النفس معه، ‌و‌ انما يكون ذلك ‌فى‌ الوقت الذى ياذن الله تعالى له فيه ‌و‌ ‌هو‌ حضور الاجل ‌و‌ هولاء نافون للنفس الناطقه، لكن اعاظم الحكماء الالهيين، ‌و‌ اكابر الصوفيه العارفين كلهم قائلون: باثبات النفس الناطقه ‌و‌ تجردها عن عالم الاجسام، ‌و‌ وافقهم ‌من‌ متكلمى الاسلام قدماء اصحابنا الاماميه رحمهم الله كابن بابويه ‌و‌ الشيخ المفيد ‌و‌ المرتضى علم الهدى ‌و‌ بنى نوبخت حسب ‌ما‌ استفادوه ‌من‌ ائمتهم المعصومين عليهم السلام. ‌و‌ ‌من‌ الاشاعره: الغزالى ‌و‌ الفخر الرازى، فذهبوا الى ‌ان‌ النفس الناطقه موجود ليس بجسم ‌و‌ ‌لا‌ جسمانى اى: حال ‌فى‌ الجسم ‌و‌ هى التى يشير اليها كل واحد منا بقوله انا، ‌و‌ انها ليست بداخله ‌فى‌ البدن
 
 
و ‌لا‌ خارجه عنه بالمباينه ‌و‌ ‌لا‌ متصله ‌به‌ ‌و‌ ‌لا‌ منفصله عنه لان مصحح الاتصاف بهذه الامور الجسميه ‌و‌ التحيز ‌و‌ قد انتفيا عنها.
 ‌و‌ ليست ايضا ‌فى‌ جهه ‌من‌ الجهات بل منزهه عن الاختصاص بالجهات ‌و‌ الاتصال بالاجسام ‌و‌ الحلول فيها.
 ‌و‌ ‌لا‌ هى عرض مطلقا لان العرض ‌لا‌ يتصف بصفه لانه نفس الصفه فلا يقبل صفه اخرى سيما الصفه المقابله كالعلم ‌و‌ الجهل ‌و‌ الشجاعه ‌و‌ الجبن، ‌و‌ تعلقها بالبدن انما ‌هو‌ كتعلق العاشق بالمعشوق عشقا جبليا الهاميا ‌لا‌ يمكن العاشق بسببه مفارقه معشوقه ‌ما‌ دامت مصاحبته ممكنه، ‌و‌ لذلك يكره مفارقته ‌و‌ ‌لا‌ يمله مع طول مصاحبته اياه، ‌و‌ كتعلق الصانع بالالات التى يحتاج اليها ‌فى‌ افعاله فكان ‌من‌ الواجب ‌ان‌ يكون لها بحسب كل فعل آله مناسبه لذلك الفعل، فلذلك خلق ‌فى‌ البدن قوى مختلفه كل واحده منها آله لفعل مخصوص كقوه البصر للابصار ‌و‌ السمع للسماع، فتبارك الله احسن الخالقين.
 ‌و‌ حقيقه الموت عند هولاء: ‌هو‌ انقطاع تعلق النفس بالبدن ‌و‌ تصرفها فيه لخروجه عن ‌حد‌ الانتفاء به، ‌و‌ كيفيه قبض ملك الموت لها انه يتولى افاضه العدم على قوى هذا البدن حال انقطاع تعلق النفس به، ‌و‌ على هذا فيكون خروج الانفس عن ابدانها كنايه عن مفارقتها لها ‌و‌ انقطاع تعلقها بها.
 ‌و‌ لما كانت النفس منغمسه منغمره ‌فى‌ عوارض البدن ‌و‌ علائقه الماديه ‌و‌ ملاحظتها اياه دائما ‌لا‌ تنفك عن الالتفات اليه ‌ما‌ دامت متعلقه ‌به‌ لسعيها ‌فى‌ مصالح هذا المزاج ‌و‌ اصلاحه، ‌و‌ اعدادها اياه لتمام التصريف ‌و‌ الاستعمال كانت كانها حاله فيه حلول الساكن ‌فى‌ الدار القائم بمصالحها، فعبر عن القائها اياه ‌و‌ طرحها له ‌و‌ تخليها عنه بالخروج عنه، ‌و‌ فيه دلاله على ‌ان‌ النفس الانسانيه شى ء غير هذا الهيكل المحسوس، لان الخارج يجب ‌ان‌ يكون مغائرا للمخروج منه خلاف
 
الجمهور المتكلمين القائلين بان النفس هى الهيكل المخصوص، ‌و‌ الله اعلم.
 
عافاه الله ‌من‌ المكروه معافاه ‌و‌ عافيه: وهب له العافيه، ‌و‌ هى دفاع الله عن العبد. تكون اسما ‌و‌ تكون مصدرا ‌و‌ ‌هو‌ الاصل فيها، جاءت على فاعله، ‌و‌ مثله ناشئه الليل بمعنى نشوء الليل. ‌و‌ الخاتمه بمعنى الختم، ‌و‌ العاقبه بمعنى العقب ‌و‌ منه: «ليس لوقعتها كاذبه» ‌اى‌ كذب.
 ‌و‌ وقع الشى ء: حصل ‌و‌ وجد ‌و‌ المكروه نزل، ‌و‌ اوقعه: اوجده ‌و‌ احدثه كوقع ‌به‌ مثل: اذهبه ‌و‌ ذهب به، فالباء للتعديه ‌و‌ هى المعاقبه للهمزه ‌فى‌ تصيير الفاعل مفعولا.
 قال صاحب المحكم: «وقع بالامر: احدثه ‌و‌ انزله».
 ‌و‌ «من» بيان لما. ‌و‌ المعنى مما توقعه الفتنه ‌من‌ محذوراتها اى: تحدثه ‌و‌ تنزله، ‌و‌ ‌من‌ جعل الباء للسببيه ‌و‌ ‌من‌ بيان للفتنه فقد اخطا ‌او‌ تعسف.
 ‌و‌ الفتنه بالكسر: اسم عن فتنه يفتنه ‌من‌ باب ضرب، فتنا ‌و‌ فتونا اذا امتحنه ‌و‌ اختبره، ‌و‌ قد كثر استعمالها فيها اخرجه الاختبار للمكروه، ثم كثر حتى استعمل بمعنى الضلال ‌و‌ الاثم ‌و‌ الكفر ‌و‌ الفضيحه ‌و‌ العذاب ‌و‌ الجنون ‌و‌ القتال ‌و‌ الاحراق ‌و‌ الازاله ‌و‌ الصرف عن الشى ء، ‌و‌ المراد بها هنا المحنه.
 ‌و‌ المحذورات: المخوفات، ‌من‌ حذر الشى ء ‌من‌ باب تعب اذا خافه، فالشى ء محذور ‌اى‌ مخوف.
 كبه الشى ء بالفتح: شدته ‌و‌ صدمته، يقال: جاءت كبه الشتاء اى: شدته.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: «كبه النار: معظمها».
 
و ‌فى‌ النهايه: «كبه النار: صدمتها».
 ‌و‌ طال الشى ء طولا بالضم: امتد، ‌و‌ منه طال الجلوس: اذا امتد زمانه.
 ‌و‌ خلد بالمكان خلودا ‌من‌ باب قعد: اقام فيه، ‌و‌ خلد ‌فى‌ النعيم خلودا ايضا: بقى فيه ابدا، ‌و‌ هذا ‌من‌ قبيل نفى الشى ء بنفى لازمه لان الخلود يلزمه امتداد الزمان، فاذا نفاه فقد انتفى مطلق الخلود. ‌و‌ المراد: معافاتهم ‌من‌ الكون ‌فى‌ النار مطلقا.
 
اى تنقلهم، ‌من‌ صار زيد غنيا اذا انتقل الى حاله الغنى بعد ‌ان‌ لم يكن عليها، ‌او‌ تجعل مصيرهم ‌اى‌ عاقبتهم ‌و‌ مالهم ‌من‌ صار الامر الى كذا اذا ‌آل‌ اليه ‌و‌ رجع، يقال: مصبره الى كذا: ‌اى‌ مرجعه ‌و‌ ماله.
 ‌و‌ الامن: ‌ضد‌ الخوف، ‌و‌ المراد محل ذو امن، جعله نفس الامن مبالغه كقولهم: رجل عدل، فحذف الموصوف ‌و‌ اقام الوصف مقامه، نحو: «و عندهم قاصرات الطرف» اى: حور قاصرات الطرف، ‌او‌ ‌هو‌ على حذف المضاف اى: محل امن نحو: «و اسئل القريه التى كنا فيها ‌و‌ العير التى اقبلنا فيها» اى: اهل القريه ‌و‌ اهل العير.
 ‌و‌ قوله: «من مقيل المتقين» صفه له، اى: كائن ‌من‌ مقيل المتقين.
 ‌و‌ المقيل: اسم مكان ‌من‌ القيلوله ‌و‌ هى الاستراحه نصف النهار ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن معها نوم.
 ‌و‌ قيل: هى نوم نصف النهار، يقال: قال يقيل قيلا ‌و‌ قيلوله فهو قائل، ثم اطلق على المكان الذى يووى اليه راحه للاسترواح الى الازواج ‌و‌ التمتع بمغاز لتهن، لان التمتع ‌به‌ يكون وقت القيلوله غالبا، قال تعالى: «اصحاب الجنه يومئذ خير مستقرا
 
و احسن مقيلا» قال المفسرون: المقيل: المكان الذى ياوون اليه للاسترواح الى ازواجهم ‌و‌ الاستمتاع بمغازلتهن ‌و‌ ملامستهن كحال المترفين ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ ‌لا‌ نوم ‌فى‌ الجنه، ‌و‌ انما سمى مكان دعتهم ‌و‌ استرواحهم الى الحور مقيلا على طريق التشبيه.
 ‌و‌ عن ابن عباس: «لا ينتصف النهار ‌من‌ يوم القيامه حتى يقيل اهل الجنه ‌فى‌ الجنه ‌و‌ اهل النار ‌فى‌ النار».
 ‌و‌ عن سعيد ‌بن‌ جبير: «ان الله تعالى اذا اخذ ‌فى‌ فصل القضاء قضى بينهم كقدر ‌ما‌ بين صلاه الغد الى نصف النهار فيقيل اهل الجنه ‌فى‌ الجنه ‌و‌ اهل النار ‌فى‌ النار».
 ‌و‌ قال مقاتل: يخفف الحساب على اهل الجنه حتى يكون بمقدار نصف يوم ‌من‌ ايام الدنيا ثم يقيلون يومهم ذلك ‌فى‌ الجنه.
 ‌و‌ انما ذكر المتقين دون سائر اوصاف اهل الجنه تلميحا الى الايه المذكوره، فان اصحاب الجنه فيها ‌هم‌ المتقون المشار اليهم ‌فى‌ الايه التى قبلها بايات ‌من‌ سوره الفرقان، ‌و‌ هى قوله تعالى: «قل اذلك خير ‌ام‌ جنه الخلد التى وعد المتقون كانت لهم جزاء ‌و‌ مصيرا» كما نبه عليه بعض متاخرى المفسرين.
 ‌و‌ المتقون: ‌هم‌ الذين وقوا انفسهم عما يضرها ‌فى‌ الاخره ‌من‌ اعتقاد ‌و‌ خلق ‌و‌ عمل. ‌و‌ قد تقدم الكلام على حقيقه التقوى، ‌و‌ الله اعلم.
 هذا آخر الروضه الرابعه ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيد العابدين ‌و‌ قد وفق الله لاتمامه عصر يوم الاربعاء لسبع خلون ‌من‌ شهر ربيع الثانى سنه ست ‌و‌ تسعين ‌و‌ الف، ‌و‌ الحمدلله رب العالمين.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5
اسناد الصحیفه السجادیه- 1
الدعاء 1- 3
الدعاء 3- 1
الدعاء 31- 2
الدعاء 48- 2
الدعاء 6- 2

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 45- 1

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^