فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 16

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ ‌به‌ نستعين


 الحمد لله مقيل عثرات المذنبين، ‌و‌ راحم عبرات المنيبين، ‌و‌ غافر ذنوب المستقيلين، ‌و‌ ساتر عيوب المستغفرين، ‌و‌ الصلاه ‌و‌ السلام على اشرف النبيين ‌و‌ على آله ‌و‌ عترته الهداه المهديين.
 ‌و‌ بعد فهذه الروضه السادسه عشره ‌من‌ رياض السالكين، ‌فى‌ شرح الدعاء السادس عشر ‌من‌ صحيفه سيدالعابدين صلوات الله عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الطاهرين، املاء العبد راجى فضل ربه السنى على صدرالدين الحسنى الحسينى، وفقه الله لرضوانه ‌و‌ هداه سبل عرفانه.
 
استقال: ‌اى‌ سال الاقاله، ‌و‌ هى التجاوز عن الذنب. ‌و‌ اصلها ‌من‌ اقال عثرته: اذا رفعه ‌من‌ سقوطه، ‌و‌ منه الاقاله ‌فى‌ البيع، لانها رفع العقد. ‌و‌ اقاله العثره استعاره للتجاوز عن الذنوب ‌و‌ منه: اقيلوا ذوى المروات عثراتهم.
 ‌و‌ الذنوب: جمع ذنب ‌و‌ ‌هو‌ الاثم، ‌و‌ عرف بانه ‌ما‌ يحجب العبد عن الله.
 ‌و‌ تضرع: تذلل ‌و‌ ابتهل ‌و‌ بالغ ‌فى‌ السئوال، ‌من‌ ضرع له يضرع بالفتح فيهما ضراعه اى: ذل.
 ‌و‌ العفو: المحو، ‌و‌ عدى ب«عن» لتضمينه معنى التجاوز.
 ‌و‌ العيوب: جمع عيب ‌و‌ ‌هو‌ الوصمه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ الاصل مصدر عابه يعيبه، لكنه استعمل اسما فجمع على عيوب.
 
قدم الجار ‌و‌ المجرور على الفعل ‌فى‌ المواضع الثلاثه لافاده القصر. ‌و‌ استغاث به: طلب اغاثته اى: نصره ‌و‌ اعانته ‌و‌ كشف شدته، يقال اغاثهم الله برحمته اى: كشف شدتهم.
 
و خص الرحمه اما لانها بمعنى ترك عقوبه ‌من‌ يستحقها، فناسب استغاثه المذنبين بها، ‌و‌ اما بمعنى اراده ايصال الخير، فهى متقدمه على المغفره ‌و‌ العفو، فلا يغفر ‌و‌ ‌لا‌ يعفو حتى يرحم، فاستغاثوا بها لترتب المغفره عليها.
 
و الذكر ‌فى‌ اللغه: التنبه لشى ء، ‌و‌ اذا ذكرت شيئا فقد نبهت له، ‌و‌ ‌من‌ ذكرك شيئا فقد نبهك عليه.
 قال الواحدى: معنى الذكر حضور المعنى ‌فى‌ النفس، ثم يكون تاره بالقلب ‌و‌ تاره بالقول، ‌و‌ ليس شرطه ‌ان‌ يكون بعد نسيان انتهى.
 ‌و‌ احسانه تعالى تفضله ‌و‌ تطوله.
 ‌و‌ فزع اليه يفزع- ‌من‌ باب فرح-: لجاء اليه ‌و‌ اعتصم به.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ المحكم: فزع الى القوم استغاثهم، ‌و‌ فزع فلان القوم ‌و‌ افزعهم اغاثهم، قال زهير:
 اذا فزعوا طاروا الى مستغيثهم
 طوال رماح لاضعاف ‌و‌ ‌لا‌ عزل.
 ‌و‌ فزع اليه: لجاء انتهى.
 ‌و‌ المضطر: مفتعل ‌من‌ الضروره، ‌و‌ ‌هو‌ الذى اشتد ضره ‌و‌ بلغ منه كل مبلغ.
 ‌و‌ المعنى: ‌ان‌ كل مضطر ‌لا‌ يفزع ‌و‌ ‌لا‌ يلجا الا الى ذكر احسانه تعالى اليه بكشف ضره، كما قال سبحانه:«ثم اذا مسكم الضر فاليه تجئرون، ‌اى‌ تتضرعون.
 
و الجوار: رفع الصوت بالدعاء ‌و‌ الاستغاثه.
 ‌و‌ الخيفه: الخوف، اصلها خوفه قلبت الواو ياء لانكسار ماقبلها.
 
و الانتحاب: اشد البكاء، يقال: نحب نحبا- ‌من‌ باب منع- ‌و‌ انتحب انتحابا، ‌و‌ الاسم النحيب.
 ‌و‌ الخاطئون: اصحاب الخطايا ‌من‌ خطى ء- ‌من‌ باب علم- اذا تعمد الذنب، ‌من‌ الخطا المقابل للصواب دون المقابل للعمد.
 يقال: خطا اذا تعمد ‌ما‌ نهى عنه فهو خاطى ء، ‌و‌ اخطا اذا اراد الصواب فصار الى غيره فهو مخطى.
 ‌و‌ قال ابوعبيده: خطى ء خطا- ‌من‌ باب علم- ‌و‌ اخطا بمعنى واحد لمن يذنب على غير عمد.
 ‌و‌ قال غيره: خطى ء ‌فى‌ الدين ‌و‌ اخطا ‌فى‌ كل شى ء عامدا كان ‌او‌ غير عامد.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ القاموس: خطى ‌فى‌ دينه ‌و‌ اخطا: سلك سبيل خطا عامدا ‌او‌ غيره، ‌و‌ الخاطى متعمده.
 
انس يانس انسا- ‌من‌ باب علم ‌و‌ ‌فى‌ لغه ‌من‌ باب ضرب-: اذا سكن قلبه ‌و‌ لم ينفر، ‌و‌ الانس بالضم اسم منه.
 ‌و‌ استوحش: وجد الوحشه ‌و‌ هى خلاف الانس.
 ‌و‌ الغريب: فعيل بمعنى فاعل، ‌من‌ غرب الشخص بالضم غرابه بعد عن الوطن، ‌و‌ الاسم الغربه بالضم.
 ‌و‌ الفرج بفتحتين: انكشاف الكرب ‌و‌ الهم، ‌من‌ فرج الله الهم: كشفه.
 ‌و‌ رجل مكروب: محزون مهموم.
 ‌و‌ كئب- ‌من‌ باب تعب- كابه بمد الهمزه: حزن اشد الحزن فهو كئيب.
 
و الغوث: اسم ‌من‌ اغاثه اذا اعانه ‌و‌ نصره. ‌و‌ اطلاق لفظ الانس ‌و‌ الفرج ‌و‌ الغوث عليه تعالى ‌و‌ ‌ان‌ كان ذلك ‌به‌ مجاز، ‌من‌ باب اطلاق اسم المسبب على السبب .
 ‌و‌ خذله يخذله- ‌من‌ باب قتل-: ترك نصره ‌و‌ اعانته فهو مخذول، ‌و‌ الاسم الخذلان بالكسر.
 ‌و‌ الفريد: المنفرد.
 ‌و‌ العضد: ‌ما‌ بين المرفق الى الكتف، ثم استعير للمعين ‌و‌ الناصر، ‌و‌ الجامع الاستعانه، ‌و‌ هى استعاره تبعيه، ‌و‌ ‌فى‌ التنزيل «ما كنت متخذ المضلين عضدا».
 يقال: ‌هو‌ عضدى ‌و‌ ‌هم‌ عضدى ‌و‌ ‌هم‌ اعضادى.
 ‌و‌ الطريد فعيل بمعنى مفعول، ‌من‌ طرده طردا- ‌من‌ باب قتل- اذا ابعده.
 ‌و‌ هذه الاعتبارات الاربعه راجعه الى معنى واحد، ‌هو‌ كونه تعالى ملجا كل مضطر ‌فى‌ ضرورته، ‌من‌ وحشه ‌و‌ غربه ‌و‌ كابه ‌و‌ كربه ‌و‌ خذلان ‌و‌ انفراد. ‌و‌ احتياج ‌و‌ ابعاد. فالمستوحش الغريب اذا ضاق ‌به‌ الامر فزع اليه ‌فى‌ ايناس وحشته ‌و‌ غربته، ‌و‌ المكروب الكئيب اذا امضه الهم لجا اليه ‌فى‌ كشف كابته ‌و‌ كربته، ‌و‌ المخذول الفريد اذا بلغت منه الشده ضرع اليه ‌فى‌ نصرته ‌و‌ اعانته، ‌و‌ المحتاج الطريد اذا تناهت ‌به‌ الحال عول عليه ‌فى‌ كفايته ‌و‌ اعانته، فعلم ‌من‌ كل نجواه ‌و‌ كشف بلواه. ‌و‌ هذه الاعتبارات تستلزم كمال القدره لله تعالى، لشهاده فطره كل ذى ضروره بنسبه جميع احوال وجوده الى جوده، ‌و‌ تستلزم كمال العلم له سبحانه، لشهاده فطرته باطلاعه على ضرورته، ‌و‌ كل مفزع ‌و‌ ملجا غيره فلمضطر ‌ما‌ ‌لا‌ لكل مضطر ‌و‌ مجاز ‌لا‌ حقيقه، ‌و‌ اضافى ‌لا‌ حقيقى. ‌و‌ قد تفسر هذه الفقرات بمعنى ‌هو‌ ‌من‌ مشرب اهل
 
التوحيد ‌و‌ العرفان اقرب، فيقال: ‌ان‌ كل ‌ما‌ يتصور ‌ان‌ يانس ‌به‌ كل ذى وحشه، ‌و‌ يفرج ‌به‌ كرب كل ذى كرب، ‌و‌ يغاث ‌به‌ كل مخذول، ‌و‌ يعضد ‌به‌ كل طريد، انما ‌هو‌ لمعه ‌من‌ نور رحمته ‌و‌ رشحه ‌من‌ بحار لطفه ‌و‌ رافته، اذ ليس ‌فى‌ الوجود الا ذاته ‌و‌ صفاته ‌و‌ آثاره، فتحقق انه انس كل مستوحش ‌و‌ فرج كل مكروب ‌و‌ غوث كل مخذول ‌و‌ عضد كل مطرود، ‌و‌ الله اعلم.
 
وسع الاناء المتاع بالكسر يسعه بالفتح: ‌اى‌ اتسع له.
 قال الزمخشرى: فان قلت: تعالى الله عن المكان، فكيف صح ‌ان‌ يقال: وسع كل شى ء ؟ قلت: الرحمه ‌و‌ العلم اللذان وسعا كل شى ء ‌فى‌ المعنى، ‌و‌ الاصل وسع كل شى ء رحمتك ‌و‌ علمك، ‌و‌ لكن ازيل الكلام عن اصله بان اسند الفعل الى صاحب الرحمه ‌و‌ العلم، ‌و‌ اخرجا منصوبين على التمييز للاغراق ‌فى‌ وصفه بالرحمه ‌و‌ العلم، كان ذاته رحمه ‌و‌ علم واسعان كل شى ء انتهى.
 ‌و‌ المعنى انه ‌لا‌ اختصاص لرحمتك بشى ء دون شى ء، بل شملت جميع الاشياء، ‌و‌ ‌لا‌ يختص علمك بمعلوم دون آخر، بل انت تفسير عالم بكل معلوم. ‌و‌ تقديم الرحمه لانها المقصوده بالذات هاهنا، كما ‌فى‌ آيه المومن المقتبس منها، ‌و‌ هى قوله تعالى: «ربنا وسعت كل شى ء رحمه ‌و‌ علما».
 قال اكثر المحققين: معنى اتساع رحمته لكل شى ء ‌ان‌ رحمته تعالى ‌فى‌ الدنيا نعم الكل، فما ‌من‌ مسلم ‌و‌ ‌لا‌ كافر ‌و‌ ‌لا‌ مطيع ‌و‌ ‌لا‌ عاص بل ‌ما‌ ‌من‌ مكلف ‌و‌ غيره الا ‌و‌ ‌هو‌ متقلب ‌فى‌ نعمته، ‌و‌ اما ‌فى‌ الاخره فهى مختصه بالمومنين.
 ‌و‌ قيل: الرحمه عباره عن اراده الخير، ‌و‌ ‌لا‌ حى الا ‌و‌ قد خلقه الله تعالى للرحمه
 
و الخير ‌و‌ اللذه، ‌و‌ ‌ان‌ حصل هناك الم فله اعواض كثيره.
 
و السهم: النصيب، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ الاصل واحد السهام التى يضرب بها ‌فى‌ الميسر ‌و‌ هى القداح، ثم سمى ‌ما‌ يفوز ‌به‌ الفالج سهما تسميته بالسهم المضروب به، ثم كثر حتى سمى كل نصيب سهما، قاله الزمخشرى ‌فى‌ الفائق.
 قيل: ‌و‌ لما كان سبوغ نعمه تعالى دائما لاثار قدرته التى استلزمت طبائعها الحاجه اليه، فوجب لها فيض جوده، اذ كل ممكن مفتقر الى كرمه وجوده ‌فى‌ حال وجوده، صدق انه تعالى جعل لكل مخلوق ‌فى‌ نعمه سهما.
 ‌و‌ قيل: الوجود خير ‌من‌ العدم، فلا موجود الا ‌و‌ ‌هو‌ مشمول بنعمته.
 ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ المراد بالفقره الثانيه اخص ‌من‌ المراد بالفقره الاولى، فيكون المراد بقوله: «وسعت كل شى ء رحمه» الرحمه العامه، اعنى افاضه الوجود على الممكنات، ‌و‌ بقوله: «جعلت لكل مخلوق ‌فى‌ نعمك سهما» تخصيص كل ممكن بحصه ‌من‌ كل تلك الرحمه، اعنى الوجود الخاص ‌و‌ ‌ما‌ يتبعه ‌من‌ وجود كمالاته، كما قال تعالى: «ربنا الذى اعطى كل شى ء خلقه ثم هدى».
 ‌او‌ يكون المراد برحمته التى وسعت كل شى ء ‌ما‌ يعم الكل ‌فى‌ الاطوار كلها، حسبما ‌فى‌ قوله تعالى: «و رحمتى وسعت كل شى ء»، ‌و‌ بجعله لكل مخلوق ‌فى‌ نعمه سهما ‌ما‌ يفيض على الكل بعد الخروج الى طور الوجود ‌من‌ النعم، كما يدل عليه لفظ كل مخلوق، فبين انه تعالى خالق لجميع الاشياء منعم عليها بجميع ‌ما‌ يليق بها بطريق التفضل. ‌و‌ اتى بلفظ النعم مجموعا ايذانا بتنوعها، لان منها ‌ما‌ ‌هو‌ محسوس ‌و‌ غير محسوس، ‌و‌ معلوم ‌و‌ غير معلوم، الى غير ذلك. ‌و‌ جاء بالعائد ‌فى‌ خبر الموصول مخاطبا، ‌و‌ ‌ان‌ كان الاكثر لكونه غائبا كما ‌فى‌ الفقرات الاتيه- استلذاذا بالخطاب.
 
اعلى: ‌اى‌ اغلب، ‌من‌ علا فلان فلانا بمعنى غلبه ‌و‌ قهره، ‌و‌ منه قوله تعالى: «لا تخف انك انت الاعلى»، اى: انت الغالب عليهم ‌و‌ القاهر لهم. ‌و‌ لما كان العفو خيرا ‌و‌ ‌هو‌ مطلوب بالذات، ‌و‌ العقاب شرا ‌و‌ ‌هو‌ مطلوب بالعرض، ‌و‌ ‌ما‌ بالذات راجح غالب، كان عفوه تعالى اعلى ‌من‌ عقابه.
 روى ‌ان‌ حبيب ‌بن‌ الحرث قال لرسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: انى رجل مقراف للذنوب فقال له: فتب الى الله ‌يا‌ حبيب، فقال انى اتوب ثم اعود، قال: كلما اذنبت فتب، حتى قال عفو الله اكثر ‌من‌ ذنوبك ‌يا‌ حبيب.
 ‌و‌ ‌هو‌ نص ‌فى‌ ‌ان‌ الذنوب ‌و‌ المعاصى المقتضيه للعقاب ‌و‌ الانتقام ‌لا‌ تغلب العفو ‌و‌ ‌ان‌ كثرت، بل ‌هو‌ غالبها، فكان عفوه تعالى اعلى ‌من‌ عقابه، ‌و‌ ‌فى‌ التنزيل: «و ‌ما‌ اصبكم ‌من‌ مصيبه فبما كسبت ايديكم ‌و‌ يعفو عن كثير».
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ليغفرن الله تعالى يوم القيامه مغفره ‌ما‌ خطرت قط على قلب احد، حتى ‌ان‌ ابليس ليتطاول لها رجاء ‌ان‌ تصيبه.
 
و سعى يسعى سعيا- ‌من‌ باب ابى-: عدا ‌فى‌ مشيه. ‌و‌ الامام بالفتح: نقيض الوراء.
 ‌و‌ سعى الرحمه امام الغضب عباره عن سبقها له، كما ورد ‌فى‌ دعاء آخر «سبقت رحمتك غضبك».
 
قال شارح الفصوص ‌فى‌ معنى سبق الرحمه للغضب: اعلم ‌ان‌ الغضب ‌فى‌ الجناب الالهى ليس الا افاضه الوجود على حال غير ملائم للمغضوب عليه ‌فى‌ المغضوب عليه بحيث يتضرر ‌و‌ يتالم، ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ ‌ان‌ تلك الافاضه امر وجودى يطلب الوجود الذى ‌هو‌ الرحمه، فما لم يتعلق الوجود الذى ‌هو‌ الرحمه لم يتحقق الغضب فهو مسبوق بالرحمه. ‌و‌ ايضا افاضه الوجود مطلقا ‌هو‌ الرحمه، لكن قد ينصبغ باعتبار متعلقه بصبغ الغضب، ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ ‌ان‌ انصباغها بهذا الصبغ متاخر عنها، فهذا معنى آخر لسبق الرحمه على الغضب. ‌و‌ قد يجعل السبق بمعنى الغلبه، فسبق الرحمه الغضب باعتبار غلبتها عليه آخرا انتهى.
 ‌و‌ قيل: لما كانت الرحمه مقصوده اولا ‌و‌ بالذات، ‌و‌ الغضب مقصودا بالعرض ‌و‌ التبع، لانه مقتضى معاصى العباد، ‌و‌ ‌ما‌ بالذات متقدم على ‌ما‌ بالتبع، كانت الرحمه سابقه للغضب.
 ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ المراد هنا ‌ان‌ ‌من‌ كان ‌من‌ اهل الرحمه ‌و‌ الغضب، توجهت اليه الرحمه قبل الغضب ‌و‌ سبقته اليه، كما يدل على ذلك ايثار صيغه الاستقبال الداله على التجدد ‌و‌ الاستمرار، ‌و‌ انها سنته الجاريه على مر الدهور.
 
العطاء بالمد ‌و‌ يقصر: اسم ‌من‌ اعطيته الشى ء اذا سمحت له به، ‌و‌ يطلق على المعطى نفسه ايضا.
 ‌و‌ المراد هنا المعنى الاول، لمقابلته بالمنع ‌و‌ ‌هو‌ ‌ضد‌ العطاء. ‌و‌ لما كانت نعم الله تعالى المستفيضه عن جوده ‌و‌ عطائه على خلقه غير منحصره ‌و‌ ‌لا‌ معدوده ، كما قال سبحانه:«و ‌ان‌ تعدوا نعمه الله ‌لا‌ تحصوها»، ‌و‌ كان منعه لاعن بخل ‌و‌ ‌لا‌ ضيق،
 
بل لحكمه ‌و‌ مصلحه ظاهره ‌او‌ خفيه، لاجرم كان عطاوه اكثر ‌من‌ منعه. ‌و‌ بيان ذلك: ‌ان‌ ‌ما‌ ‌من‌ فرد ‌من‌ افراد الناس ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌فى‌ اقصى مراتب الفقر ‌و‌ الافلاس، ممنوا باصناف العناء مبتلى بانواع البلاء، الا ‌و‌ ‌هو‌ بحيث لو تاملته القيته متقلبا ‌فى‌ نعم لاتحد ‌و‌ منن ‌لا‌ تحصى ‌و‌ ‌لا‌ تعد، كانه قد اعطى كل ساعه ‌و‌ ‌آن‌ ‌من‌ النعماء ‌ما‌ حواه حيطه الامكان. ‌و‌ ‌ان‌ كنت ‌فى‌ ريب ‌من‌ ذلك فقدر انه ملك ملك اقطار العالم، ‌و‌ دانت له جميع الامم، ‌و‌ اذعنت لطاعته القلوب، ‌و‌ خضعت لهيبته الرقاب، ‌و‌ فاز بكل مرام، ‌و‌ نال كل منال، ‌و‌ حاز جميع ‌ما‌ ‌فى‌ الدنيا ‌من‌ اصناف الاموال، ‌من‌ غير ند يزاحمه، ‌و‌ ‌لا‌ شريك يساهمه، بل قدر ‌ان‌ جميع ‌ما‌ فيها ‌من‌ حجر ‌و‌ مدر يواقيت غاليه ‌و‌ نفايس درر، ثم قدر انه وقع ‌من‌ فقد مشروب ‌او‌ مطعوم الى حاله بلغت نفسه الحلقوم، فهل كان يشترى- ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ تلك الحال- بجميع ماله ‌من‌ الملك ‌و‌ المال لقمه تنجيه ‌او‌ شربه ترويه؟ ‌ام‌ يختار الهلاك فتذهب الاموال ‌و‌ الاملاك بغير بدل تبقى عليه ‌و‌ ‌لا‌ نفع يوول اليه؟ كلا بل يبذل لذلك كل ‌ما‌ تحويه اليدان كائنا ‌ما‌ كان، ‌و‌ ليس ‌فى‌ صفقته شائبه خسران، فاذن تلك اللقمه ‌او‌ الشربه خير مما ‌فى‌ الدنيا بالفى رتبه، مع انهما على طرف التمام ينالهما متى شاء ‌من‌ الليالى ‌و‌ الايام. ‌او‌ قدر انه احتبس منه النفس فشاهد الموت ‌و‌ ايقن بالفوت، اما كان يعطى ذلك كله بمقابله نفس واحد، بل يعطى ‌و‌ ‌هو‌ لرايه حامد، فاذن ‌هو‌ خير ‌من‌ اموال الدنيا بجملتها ‌و‌ مطالبها برمتها، مع انه قد ابيح له ‌فى‌ كل ‌آن‌ ‌من‌ غير منع ‌و‌ ‌لا‌ حرمان، هذا ‌من‌ الظهور ‌و‌ الجلاء بحيث ‌لا‌ يخفى على احد ‌من‌ العقلاء، ‌و‌ ‌كم‌ له سبحانه ‌من‌ نعم جليله ‌و‌ دقيقه ‌لا‌ يحيط بها نطاق التعبير ‌و‌ ‌لا‌ يعلمها الا العليم الخبير. فاتضح انه تعالى يعطى كل ‌آن‌ عطايا ‌لا‌ تتناهى. ‌و‌ اما منعه سبحانه ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌هو‌ ‌فى‌ الظاهر منعا، فهو- لكونه لاعن بخل ‌و‌ ‌لا‌ ضيق بل لحكمه بالغه- عين العطاء ‌و‌ الاحسان ‌و‌ الفضل ‌و‌ الامتنان، لما ورد ‌فى‌ الحديث القدسى: ‌ان‌ ‌من‌ عبادى المومنين ‌من‌ ‌لا‌ يصلحه الا
 
الفقر ‌و‌ لو اغنيته لافسده ذلك.
 ‌و‌ ‌فى‌ حديث آخر: ‌و‌ ‌ان‌ ‌من‌ عبادى المومنين لعبادا ‌لا‌ يصلح لهم امر دينهم الا بالفاقه ‌و‌ المسكنه ‌و‌ السقم ‌فى‌ ابدانهم، فابلوهم بالفاقه ‌و‌ المسكنه ‌و‌ السقم فيصلح عليه امر دينهم، ‌و‌ انا اعلم بما يصلح عليه امر دين عبادى المومنين.
 فتراه سبحانه كيف بين ‌من‌ حكمه منعه ‌ما‌ يقضى العقل انه عين الجود. ‌و‌ مع ذلك فالاستقراء دال على ‌ان‌ الخير غالب كالصحه ‌و‌ الشبع ‌و‌ السمع ‌و‌ البصر الى غير ذلك، حتى انه ‌ما‌ احله سبحانه لعباده اكثر مما حرم عليهم، فان الواجب ‌و‌ المندوب ‌و‌ المباح ‌و‌ المكروه يصدق على جميعها اسم الحلال، ‌و‌ هى اكثر ‌من‌ الحرام الذى ‌هو‌ قسم واحد ‌من‌ الاحكام، ‌و‌ ‌ما‌ ذلك الا لجوده الكامل ‌و‌ عطائه الشامل، فسبحان ‌من‌ ‌لا‌ تزيده كثره العطاء الا كرما وجودا.
 
قوله عليه السلام: «و انت الذى اتسع الخلائق كلهم ‌فى‌ وسعه» اتسع مطاوع وسع الاناء المتاع فاتسع ‌هو‌ فيه، مثل قولنا: كسرت الاناء فانكسر، فقولنا: انكسر مطاوع لكسرت، ‌و‌ معناه انه قبل الفعل اى: الاثر ‌و‌ ‌هو‌ الكسر ‌و‌ لم يمتنع ‌من‌ قبوله، فكانه طاوع الاول.
 قال ‌فى‌ القاموس: هذا الاناء يسع عشرين كيلا ‌اى‌ يتسع لعشرين، ‌و‌ هذا يسعه عشرون كيلا اى: يتسع فيه عشرون.
 ‌و‌ الوسع مثلثه: الجده ‌و‌ الغنى كالسعه، ‌و‌ الهاء عوض عن الواو. ‌و‌ ‌من‌ الاسماء الحسنى الواسع اى: الذى وسع رزقه جميع خلقه ‌و‌ رحمته كل شى ء.
 
الجزاء بالمد: المكافاه على الشى ء.
 ‌و‌ لما كان تعالى ‌هو‌ الغنى المطلق ‌فى‌ كل شى ء عن كل شى ء، صدق انه لم يعط ‌من‌ اعطاه رغبه ‌فى‌ جزائه، بل بمحض جوده ‌و‌ ‌هو‌ فيضان الخير عنه على كل قابل بقدر ‌ما‌ يقبله، ‌من‌ غير بخل ‌و‌ ‌لا‌ منع ‌و‌ ‌لا‌ شائبه غرض ‌و‌ ‌لا‌ ضميمه عله. ‌و‌ بهذا الاعتبار كان كل شى ء مربوبا له ‌و‌ ‌هو‌ رب كل شى ء، ‌و‌ كل عبد فقير ‌و‌ ‌هو‌ مغنيه. ‌و‌ فيه تنزيه له تعالى عن صفه المخلوقين، لان الرغبه ‌فى‌ الجزاء ‌من‌ لوازم الاحتياج الذى ‌هو‌ ‌من‌ صفات المخلوق ‌لا‌ الخالق، ‌و‌ اذ ‌لا‌ احتياج فلا رغبه ‌فى‌ الجزاء.
 
و افرط ‌فى‌ الامر يفرط افراطا: اسرف ‌و‌ تجاوز الحد.
 ‌و‌ لما كان تعالى قائما بالقسط عدلا ‌فى‌ الحكم، لم يكن ليفرط ‌فى‌ عقاب ‌من‌ عصاه ‌و‌ يشتط ‌فى‌ الانتقام منه فعل ‌من‌ يريد التشفى ‌من‌ عدوه بضرر الم لحقه بتعديه عليه، ‌و‌ ذلك محال ‌فى‌ صفه الله تعالى، بل عقابه بقدر المعصيه حسبما يقتضيه عصيان العاصى، كما قال سبحانه: «من جاء بالحسنه فله عشر امثالها ‌و‌ ‌من‌ جاء بالسيئه فلا يجزى الا مثلها ‌و‌ ‌هم‌ ‌لا‌ يظلمون»، ‌و‌ ذلك ‌من‌ عظيم فضله تعالى ‌و‌ جزيل انعامه على عباده، حيث ‌لا‌ يقتصر ‌فى‌ الثواب على قدر الاستحقاق بل يزيد عليه، ‌و‌ ربما يعفو عن ذنوب المومن منا منه عليه ‌و‌ تفضلا، ‌و‌ ‌ان‌ عاقب عاقب على قدر الاستحقاق عدلا منه ‌و‌ قسطا.
 فان قلت: كيف يكون عقابه على قدر الاستحقاق، ‌و‌ كفر الكافر منقطع ‌و‌ عذابه موبد؟.
 قلت: ‌ان‌ الكافر كان على عزم الكفر لو عاش ابدا، فاستحق العقاب الابدى
 
بناء على ذلك الاعتقاد. ‌و‌ ايضا الذى جهله الكافر ‌و‌ ‌هو‌ ذات القديم سبحانه ‌و‌ صفاته شى ء ‌لا‌ نهايه له، فيكون جهله ‌لا‌ يتناهى فكذا عقابه.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه ابن ادريس «لايفرط ‌فى‌ عقاب ‌من‌ عصاه» بتشديد الراء، ‌من‌ فرط ‌فى‌ الامر تفريطا اى: قصر فيه وضيعه حتى فات.
 ‌و‌ المعنى على هذا انه سبحانه لايترك عقاب ‌من‌ عصاه اهمالا ‌و‌ تقصيرا منه بل يجازى العاصى بمعصيته، كما قال ‌فى‌ محكم كتابه: «ليس بامانيكم ‌و‌ ‌لا‌ امانى اهل الكتب ‌من‌ يعمل سوء يجز ‌به‌ ‌و‌ ‌لا‌ يجد له ‌من‌ دون الله وليا ‌و‌ ‌لا‌ نصيرا».
 ‌لا‌ يقال هذا يدل على ‌ما‌ ذهب اليه المعتزله ‌من‌ القطع بوعيد الفساق ‌و‌ نفى الشفاعه ‌فى‌ درء العقاب، لانا نقول: ‌هو‌ مخصوص بالكفار، ‌و‌ على تسليم عمومه فهو مخصوص بايات العفو ‌و‌ المغفره، كقوله تعالى: «و يغفر ‌ما‌ دون ذلك لمن يشاء»، ‌او‌ يكون عقابه ‌و‌ جزاوه الالام ‌و‌ الاسقام ‌و‌ الهموم ‌و‌ الغموم الدنيويه.
 روى انه لما نزلت الايه المذكوره بكى المسلمون ‌و‌ حزنوا، ‌و‌ قالوا: ‌يا‌ رسول الله ‌ما‌ ابقت هذه الايه ‌من‌ شى ء، فقال صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: اما ‌و‌ الذى نفسى بيده انها لكما نزلت، ‌و‌ لكن ابشروا ‌و‌ قربوا ‌و‌ سددوا انه لايصيب احدا منكم مصيبه الا كفر الله بها حتى الشوكه يشاكها احدكم ‌فى‌ قدمه.
 ‌و‌ عن ابى جعفر عليه السلام: ‌ان‌ الله اذا كان ‌من‌ امره ‌ان‌ يكرم عبدا له ‌و‌ له ذنب ابتلاه بالسقم، فان لم يفعل ذلك ‌به‌ ابتلاه بالحاجه، فان لم يفعل ذلك ‌به‌ شدد عليه الموت ليكافئه بذلك.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: قال الله
 
تعالى: ‌و‌ عزتى ‌و‌ جلالى ‌لا‌ اخرج عبدا ‌من‌ الدنيا ‌و‌ انا اريد ‌ان‌ ارحمه حتى استوفى منه كل خطيئه عملها، اما بسقم ‌فى‌ جسده ‌و‌ اما بضيق ‌فى‌ رزقه ‌و‌ اما بخوف ‌فى‌ دنياه، فان بقيت عليه بقيه شددت عليه عند الموت.
 ‌و‌ الروايات ‌فى‌ هذا المعنى كثيره. سلمنا ‌ان‌ العقاب ‌و‌ الجزاء انما يصل اليه ‌فى‌ الاخره لكنه روى عن ابن عباس رضى الله عنه: انه لما نزلت الايه شقت على المسلمين، ‌و‌ قالوا: ‌يا‌ رسول الله ‌و‌ اينا لم يعمل سوء فكيف الجزاء؟ فقال صلى الله عليه ‌و‌ آله: انه تعالى وعد على الطاعه عشر حسنات ‌و‌ على المعصيه الواحده واحده، فمن جوزى بالسيئه نقصت واحده ‌من‌ عشره ‌و‌ بقيت له تسع حسنات، فويل لمن غلبت آحاده اعشاره.
 اما حديث نفى الشفاعه، فاذا كانت شفاعه ‌من‌ ‌هو‌ اهل للشفاعه باذن الله تعالى، صدق انه لاولى لاحد ‌و‌ ‌لا‌ نصير الا الله ‌جل‌ جلاله.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه اخرى «يفرط ‌فى‌ عقاب ‌من‌ عصاه» ‌من‌ فرط ‌فى‌ الامر يفرط فرطا- ‌من‌ باب كتب- ‌و‌ له معنيان:
 احدهما: ‌ان‌ يكون بمعنى فرط ‌فى‌ الامر تفريطا بمعنى قصر فيه وضيعه كما مر، يقال: فرط ‌فى‌ الامر فرطا ‌و‌ فرط تفريطا بمعنى.
 ‌و‌ الثانى: ‌ان‌ يكون بمعنى عجل ‌و‌ بادر، ‌و‌ منه قوله تعالى: «انا نخاف ‌ان‌ يفرط علينا» اى: يبادر بعقوبتنا ‌و‌ يعجل علينا بها.
 ‌و‌ المعنى على هذا انه سبحانه ‌لا‌ يعجل ‌و‌ ‌لا‌ يبادر ‌فى‌ عقاب ‌من‌ عصاه، بل يحلم ‌و‌ يتانى عليه ليراجع التوبه تفضلا منه، ‌او‌ لما ‌فى‌ ذلك ‌من‌ المصلحه التى ‌هو‌ اعلم بها.
 
و ‌من‌ اسمائه الحسنى الحليم اى: الذى ‌لا‌ يستخفه شى ء ‌من‌ معاصى العباد ‌و‌ ‌لا‌ يستفزه الغضب عليهم، ‌و‌ لكنه جعل لكل شى ء امدا فهو منته اليه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث ‌ان‌ الله يمهل ‌و‌ ‌لا‌ يهمل. قال الله تعالى «و لو يواخذ الله الناس بما كسبوا ‌ما‌ ترك على ظهرها ‌من‌ دابه ‌و‌ لكن يوخرهم الى اجل مسمى فاذا جاء اجلهم فان الله كان بعباده بصيرا».
 
امرته بالدعاء اشاره الى قوله تعالى: «ادعونى استجب لكم».
 ‌و‌ لبيك: مثنى مصدر لب بالمكان اذا اقام به، ‌و‌ جوز ‌ان‌ يكون مصدر الب بمعنى لب، فيكون محذوف الزوائد. ‌و‌ الوجه الاول، لان الاصل عدم الحذف، فالاصل اذن الب لك لبين، اى: اقيم على طاعتك لبا كثيرا متتاليا متكررا، ‌و‌ ليس المراد خصوص الاثنين، ‌و‌ جعلت التثنيه داله على التكثير لانها اول تضعيف للعدد.
 ‌و‌ زعم يونس ‌ان‌ لبيك مفرد ك«لديك»، ‌و‌ الاصل لبب كجعفر قلبت الباء الاخيره ياء لثقل التضعيف، ثم قلبت الياء الفا لتحركها ‌و‌ انفتاح ‌ما‌ قبلها، ثم صارت ياء بالاضافه الى الضمير كلديك ‌و‌ عليك.
 ‌و‌ سعديك: تابعه لبيك، اى: اسعدك اسعادا بعد اسعاد، اى: كلما دعوتنى اجبتك ‌و‌ ساعدتك، ‌و‌ ‌لا‌ تستعمل بدونها ‌و‌ تستعمل لبيك بدونها. ‌و‌ هما منصوبان بعامل محذوف واجب الحذف لوجود القرينه ‌و‌ هى النصب المشعر بالحذف ‌و‌ قيام التكرير مقام المحذوف، كذا قيل.
 
و دفع بان التكرير ‌لا‌ يصلح لذلك، لكونه امرا معنويا فلا ينوب عن اللفظ المحذوف ثم يرد نحو «ثم ارجع البصر كرتين»، لانه مصدر مثنى فيه معنى التكرير ‌و‌ لم يجب حذفه.
 قال الرضى: ليس وقوع المصدر مثنى ‌من‌ المصادر التى يعرف بها وجوب حذف فعله، سواء كان المراد بالتثنيه التكرير نحو «ثم ارجع البصر كرتين» اى: رجعا كثيرا مكررا، ‌او‌ كان لغير التكرير نحو ضربته ضربتين اى: مختلفتين، بل الضابط لوجوب الحذف ‌فى‌ هذا ‌و‌ امثاله اضافه الى الفاعل ‌او‌ المفعول.
 ‌و‌ بيانه: انه لما كان ‌حق‌ الفاعل ‌و‌ المفعول ‌به‌ ‌ان‌ يعمل فيهما الفعل ‌و‌ يتصلابه، ‌و‌ استحسن حذف الفعل ‌فى‌ هذا ‌و‌ امثاله، بقى المصدر مبهما لايدرى ‌ما‌ تعلق ‌به‌ ‌من‌ فاعل ‌او‌ مفعول، فذكر ‌ما‌ ‌هو‌ مقصود المتكلم ‌من‌ احدهما بعد المصدر ليختص به، فلما تبين بعد المصدر بالاضافه قبح اظهار الفعل بل لم يجز ‌و‌ يقدر عامل لبيك ‌من‌ معناها ‌و‌ عامل سعديك ‌من‌ لفظها. ‌و‌ الكاف فيهما ‌فى‌ موضع المفعول، لان المعنى لزوما ‌و‌ انقيادا لاجابتك ‌و‌ مساعده لما تحبه.
 ‌و‌ زعم الاعلم ‌ان‌ الكاف حرف الخطاب ‌لا‌ موضع لها ‌من‌ الاعراب كهى ‌فى‌ ذلك، ‌و‌ حذفت النون لشبه الاضافه، ‌و‌ لان الكاف تطلب الاتصال بالاسم كاتصالها باسم الاشاره ‌و‌ النون تمنعها ‌من‌ ذلك فخذفت.
 ورد بان وقوع الاسم الظاهر ‌و‌ ضمير الغائب موضع الكاف ‌فى‌ قوله: قلبى يدى مسود، ‌و‌ قوله لبيه: لمن يدعونى، يبطل كونها حرفا.
 قوله عليه السلام: «ها انا ذا يارب مطروح بين يديك» هذه الجمله يحتمل ‌ان‌
 
تكون محكيه بالقول ايضا فتكون ‌فى‌ محل نصب، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون كلاما مستانفا، فتكون جمله مستانفه منقطعه عما قبلها ‌لا‌ محل لها ‌من‌ الاعراب.
 ‌و‌ طرحته طرحا- ‌من‌ باب نفع-: رميت ‌به‌ ‌و‌ القيته فهو مطروح. ‌و‌ بين اليدين: عباره عن الامام بمعنى قدام، لان ‌ما‌ بين يدى الانسان امامه ‌و‌ قدامه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ باب التمثيل كما مر بيانه.
 
او قرت: ‌اى‌ اثقلت ‌من‌ الوقر بمعنى الثقل، يقال: ‌او‌ قره الدين اذا كثر عليه.
 ‌و‌ توهم بعضهم انه ‌من‌ الوقر بمعنى الحمل، ‌و‌ ليس بصحيح، اذ يكون المعنى حينئذ انا الذى حملت الخطايا ظهره وقرا. ‌و‌ الخطايا هى الوقر فهى المحموله، فكيف تكون هى الحامله؟.
 ‌و‌ الصحيح ‌ما‌ ذكرناه. ‌و‌ ‌هو‌ استعاره مكنيه تخييليه، شبه الخطايا ‌فى‌ نفسه بالاعباء الثقيله فيما يترتب عليها ‌من‌ الجهد ‌و‌ المشقه، ثم اثبت لها الايقار اى: الاثقال الذى ‌هو‌ مختص بالمشبه به، ‌و‌ هذا ‌هو‌ التخييل.
 ‌و‌ فنى الشى ء كرضى فناء بالمد: عدم، ‌و‌ يعدى بالهمزه فيقال: افنيته. ‌و‌ اسناد الافناء الى الذنوب مجاز عقلى لتلبس الفاعل بها، اذ المعنى انا الذى صرف ‌و‌ اذهب ‌فى‌ اكتساب الذنوب عمره.
 بجهله: متعلق بعصاك.
 ‌و‌ الباء: للسببيه، اى: بسبب جهله. ‌و‌ ليس المراد بالجهل هنا عدم العلم، بل عدم التفكر ‌فى‌ العاقبه كما يفعله الجاهل، ‌و‌ يعبر عن هذا المعنى للجهل بالسفه، ‌و‌ ‌هو‌ خفه تعرض للانسان ‌من‌ رغبه ‌او‌ رهبه ‌او‌ غضب ‌و‌ نحوه، تحمله على عدم التفكر ‌فى‌ العاقبه، فيعمل بخلاف طور العقل ‌و‌ موجب الشرع. ‌و‌ بهذا المعنى فسر اكثر
 
المفسرين قوله تعالى: «انما التوبه على الله للذين يعملون السوء بجهله».
 قال القاضى: ‌اى‌ متلبسين بها سفها، فان ارتكاب الذنب سفه ‌و‌ تجاهل.
 ‌و‌ قال قتاده: اجتمع اصحاب رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله فراوا ‌ان‌ كل شى ء عصى ‌به‌ العبد ربه فهو جهاله، عمدا كان ‌او‌ خطا.
 ‌و‌ عن مجاهد: ‌من‌ عصى الله تعالى فهو جاهل حتى ينزع عن جهالته.
 قال العلامه الطبرسى ‌فى‌ مجمع البيان: ‌و‌ ‌هو‌ المروى عن ابى عبدالله عليه السلام، فانه قال: كل ذنب عمله عبد ‌و‌ ‌ان‌ كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه ‌فى‌ معصيه ربه، فقد حكى الله سبحانه قول يوسف ‌فى‌ اخوته: «هل علمتم ‌ما‌ فعلتم يوسف ‌و‌ اخيه اذ انتم جاهلون» فنسبهم الى الجهل لمخاطرتهم بانفسهم ‌فى‌ معصيه الله تعالى.
 ‌و‌ قال النيسابورى: قال اكثر المفسرين: كل ‌من‌ عصى الله فهو جاهل ‌و‌ فعله جهاله، ‌و‌ لهذا قال موسى: «اعوذ بالله ‌ان‌ اكون ‌من‌ الجاهلين»، لانه حيث لم يستعمل ‌ما‌ معه ‌من‌ العلم بالعقاب ‌و‌ الثواب فكانه ‌لا‌ علم له، ‌و‌ بهذا التفسير تكون المعصيه مع العلم بانها معصيه جهاله. ‌و‌ قيل المراد انه جاهل بعقاب المعصيه انتهى.
 ‌و‌ اما حمل الجهل على عدم العلم فذهب اليه الجبائى ‌فى‌ الايه، ‌و‌ قال: معناه انهم يجهلون انها ذنوب ‌و‌ معاصى فيفعلونها، اما بتاويل يخطوون فيه، ‌و‌ اما بان
 
يفرطوا ‌فى‌ الاستدلال على قبيحها.
 ‌و‌ ضعف الرمانى. ذلك بانه خلاف ‌ما‌ اجمع عليه المفسرون، ‌و‌ لانه يوجب ‌ان‌ ‌لا‌ يكون لمن علم انها ذنوب توبه، لان قوله تعالى: «انما التوبه» يفيد انها لهولاء دون غيرهم.
 قوله عليه السلام: «و لم تكن اهلا منه لذاك».
 الواو للحال اى: ‌و‌ الحال انك لم تكن مستوجبا منه للعصيان.
 يقال: ‌هو‌ اهل لكذا اى: مستوجب له، للواحد ‌و‌ الجمع.
 ‌و‌ يقال: ‌هو‌ اهل كذا ايضا بالاضافه، قال تعالى: «و كانوا احق بها ‌و‌ اهلها».
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: اهل الثناء ‌و‌ المجد، اى: مستحقهما، ‌و‌ اصله ‌من‌ الاهل بمعنى عشيره الرجل ‌و‌ ذوى قرباه.
 
هذا الاستفهام يمتنع حمله على حقيقته، فالمراد منه طلب ايجاب الرحمه ‌و‌ سئوال تحققها سريعا.
 قال الزمخشرى: ‌فى‌ قوله تعالى: «و قيل للناس هل انتم مجتمعون» المراد منه: استعجالهم ‌و‌ استحثاثهم، كما يقول الرجل لغلامه: هل انت منطلق اذا اراد ‌ان‌ يحرك منه ‌و‌ يحثه على الانطلاق، ‌و‌ منه قول تابط شرا:
 هل انت باعث دينار لحاجتنا
 
يريد ابعثه لنا سريعا ‌و‌ ‌لا‌ تبطى ء ‌به‌ انتهى ملخصا.
 ‌و‌ قول بعض المترجمين: ‌ان‌ الاستفهام هنا للتقرير ليس بشى ء، لان معنى التقرير حملك المخاطب على ‌ان‌ يقر بامر يعرفه، نحو «هل ثوب الكفار ‌ما‌ كانوا يفعلون» اى: الم يثوب، ‌و‌ هذا المعنى ليس مرادا هنا قطعا، الا ‌ان‌ يراد بالتقرير التحقيق ‌و‌ الاثبات نحو «هل ‌فى‌ ذلك قسم لذى حجر».
 ‌و‌ ابلغ ‌فى‌ الشى ء: اذا فعله بمبالغه.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: ابلغت الى فلان اذا فعلت ‌به‌ ‌ما‌ بلغ ‌به‌ الاذى ‌و‌ المكروه البليغ.
 ‌و‌ الروايه المشهوره «فابلغ» باسناده الى المتكلم، ‌و‌ ‌هو‌ فعل مضارع منصوب بان مضمره بعد الفاء السببيه ‌فى‌ جواب الاستفهام.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه ابن ادريس «فابلغ» باسناده الى ضمير الغائب، فهو فعل ماض معطوف بالفاء على دعاك.
 قوله عليه السلام: «ام انت غافر لمن بكاك».
 ام: حرف عطف، ‌و‌ هى هنا منقطعه ‌و‌ معناها الاضراب ك«بل»، ‌و‌ تقتضى مع ذلك استفهاما، ‌و‌ التقدير: ‌ام‌ هل انت غافر لمن بكاك؟.
 ‌و‌ بكى يبكى ‌و‌ بكا ‌و‌ بكاء بالقصر ‌و‌ المد مع ضم الباء فيهما.
 ‌و‌ قيل: القصر مع خروج الدموع، ‌و‌ المد على اراده الصوت. ‌و‌ قد جمع الشاعر اللغتين فقال:
 بكت عينى ‌و‌ ‌حق‌ لها بكاها
 ‌و‌ ‌ما‌ يغنى البكاء ‌و‌ ‌لا‌ العويل
 
يقال: بكاه ‌و‌ بكى له ‌و‌ بكاه بالتشديد بمعنى.
 ‌و‌ المراد ‌من‌ البكاء على الله البكاء على ‌ما‌ فاته ‌من‌ طاعته ‌او‌ على ‌ما‌ ارتكبه ‌من‌ عصيانه. ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون على حذف الجار، يقال توسعا اى: بكا اليك، كما يقال شكاه حاله اى: شكى اليه حاله، فحذف ‌و‌ اوصل. ‌و‌ ‌هو‌ كثير واقع ‌فى‌ فصيح الكلام، كقوله تعالى: «فاستبقوا الصراط» اى: اليه، ‌و‌ «سنعيدها سيرتها». ‌اى‌ اليها، «و القمر قدرناه منازل» اى: قدرنا له منازل. ‌و‌ اسرع ‌فى‌ مشيه ‌و‌ غيره اسراعا: عجل. قيل: الاصل اسرع مشيه ‌و‌ «فى» زائده. ‌و‌ قيل الاصل اسرع الحركه ‌فى‌ مشيه.
 ‌و‌ قيل: اسرع الحركه لازم كسرع، نص عليه ابن سيده فيكون الظرف حالا اى. اخذا ‌فى‌ البكاء.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه «و اسرع» بالواو العاطفه مسندا الى ضمير الغائب على انه فعل ماض معطوف على بكاك.
 «ام» هذه كالتى قبلها، الا انها تحتمل ‌ان‌ تكون هنا مقتضيه مع الاضراب استفهاما كما تقدم ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون لمحض الاضراب، ‌و‌ المعنى: بل انت متجاوز ‌من‌ غير تقدير «هل».
 ‌و‌ التجاوز: العفو ‌و‌ الصفح، ‌و‌ قد تقدم الكلام عليه.
 ‌و‌ عفر وجهه عفرا- ‌من‌ باب ضرب- ‌و‌ عفره بالتثقيل للمبالغه: مرغه ‌فى‌ العفر، ‌و‌ ‌هو‌ وجه الارض، ‌و‌ يطلق على مطلق التراب.
 
و تذللا ‌و‌ توكلا: يحتمل نصبهما ‌ان‌ يكون على المصدريه، اى: فتذلل تذللا ‌و‌ توكل توكلا، ‌و‌ ‌ان‌ يكون على الحاليه، اى: متذللا ‌و‌ متوكلا، ‌و‌ ‌ان‌ يكون على المفعول لاجله، اى: لاجل التذلل ‌و‌ التوكل. ‌و‌ مثل ذلك قوله تعالى: «يريكم البرق خوفا ‌و‌ طمعا»، اى: فيخافون خوفا ‌و‌ تطمعون طمعا، ‌او‌ خائفين ‌و‌ طامعين، ‌او‌ لاجل الخوف ‌و‌ الطمع.
 ‌و‌ عرف التوكل بانه الثقه بما عند الله ‌و‌ الياس عما ‌فى‌ ايدى الناس.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ صدق الانقطاع الى الله، ‌و‌ صدق الانقطاع الى الله ‌ان‌ ‌لا‌ يكون لك حاجه الى غير الله.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌ان‌ لاتطلب لنفسك ناصرا غير الله، ‌و‌ ‌لا‌ لرزقك قاسما غير الله، ‌و‌ ‌لا‌ لعلمك شاهدا غير الله.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ نفى الشكوك ‌و‌ التفويض الى مالك الملوك.
 
خاب يخيب خيبه: لم يظفر بما طلب، ‌و‌ خيبه الله بالتشديد: جعله خائبا.
 ‌و‌ خذله- ‌من‌ باب قتل-: ترك نصره ‌و‌ اعانته ‌و‌ الاسم الخذلان بالكسر.
 ‌و‌ استغينت بالشى ء: اكتفيت به. ‌و‌ هذا ‌من‌ قبيل الدعاء بما يعلم الانسان انه حاصل له قبل الدعاء ‌من‌ فضل الله، اما لاستدامته، ‌و‌ اما لاعتداد تلك النعمه، ‌و‌ اما لاظهار الانقطاع اليه ‌و‌ بث الفقر الى مسالته، ‌و‌ يجرى ذلك مجرى قوله تعالى: «ربنا ‌لا‌ تواخذنا ‌ان‌ نسينا ‌او‌ اخطانا»، «قال رب احكم بالحق»، «ربنا ‌و‌ ءاتنا ‌ما‌ وعدتنا على رسلك».
 
اذ ‌من‌ المعلوم المحقق ‌ان‌ الله سبحانه ‌لا‌ يخيب ‌و‌ ‌لا‌ يخذل المنقطع اليه، بنص « ‌و‌ ‌من‌ يتوكل على الله فهو حسبه» اى: كافيه ‌فى‌ جميع اموره، لان المعبود الحقيقى القادر على كل شى ء الغنى عن كل شى ء الجواد بكل شى ء اذا انقطع عبده اليه ‌لا‌ يهمله البته.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه «لايخيب ‌و‌ لايخذل» بالياء المثناه ‌من‌ تحت ‌فى‌ اول الفعلين، ‌و‌ بناء الاول للمعلوم ‌و‌ الثانى للمجهول، على ‌ان‌ «لا» نافيه، اى: ‌لا‌ يكون خائبا ‌و‌ ‌لا‌ متروك الاعانه.
 
اعرض عنه: ‌صد‌ ‌و‌ ولى.
 قال الفيومى: ‌و‌ حقيقته جعل الهمزه للصيروره اى: اخذ عرضا اى: جانبا غير الجانب الذى ‌هو‌ فيه. ‌و‌ الاعراض هنا مجاز عن الاستهانه ‌و‌ السخط، كما ‌ان‌ الالتفات ‌و‌ الاقبال مجاز عن الاكرام ‌و‌ الاحسان، لان الالتفات ‌من‌ لوازم الاكرام فتركه ‌من‌ لوازم الاهانه.
 ‌و‌ اقبل اليه: توجه اليه. ‌و‌ الاقبال اليه تعالى كنايه عن الانابه ‌و‌ الرجوع اليه سبحانه. ‌و‌ حرمه: منعه.
 ‌و‌ رغب اليه: ساله.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ القاموس: رغب اليه رغبا محركه: ابتهل، ‌او‌ ‌هو‌ الضراعه ‌و‌ المساله. ‌و‌ جبهه يجبهه جبها- ‌من‌ باب منع-: استقبله بما يكره، ‌و‌ اصله ‌من‌ جبهته اذا اصيبت جبهته.
 
و ‌فى‌ القاموس: جبهه كمنعه ضرب جبهته ورده، ‌او‌ لقيه بما يكره. ‌و‌ ‌هو‌ هنا مجاز عن السخط ‌و‌ الغضب.
 ‌و‌ انتصب: ‌اى‌ قام، ‌و‌ ‌هو‌ مطاوع نصب، يقال: نصبته فانتصب ‌اى‌ اقمته فقام. ‌و‌ قد يتكلم بالمطاوع ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن معه مطاوع، كقولك: انكسر الاناء، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ كلامهم كثير.
 
الوصف: لغه ذكر ‌ما‌ ‌فى‌ الموصوف ‌من‌ الصفه اى: المعنى القائم به. ‌و‌ هذا المعنى لايصح ‌فى‌ الواجب تعالى، لان صفاته ليست معانى قائمه به، خلافا للاشاعره ‌فى‌ الصفات الذاتيه ‌و‌ اجماعا ‌فى‌ غيرها، فالمراد بوصف نفسه بالرحمه اثبات الرحمه لنفسه باعتبار غايتها على ‌ما‌ ‌هو‌ المشهور.
 ‌و‌ سميته زيدا ‌و‌ سميته بزيد: جعلته اسما له.
 ‌و‌ العفو كصبور: الكثير العفو، لان فعولا ‌من‌ صيغ المبالغه. فان قلت: ‌ما‌ الفرق بين اسمائه تعالى ‌و‌ صفاته؟.
 قلت: الفرق بينهما كالفرق بين المركب ‌و‌ البسيط، فانهم صرحوا بان الذات مع اعتبار صفته ‌من‌ الصفات ‌هو‌ الاسم، ‌و‌ لذلك قال عليه السلام: «وصفت نفسك بالرحمه ‌و‌ سميت نفسك بالعفو».
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه «بالعفو» مخففا، ‌و‌ ‌هو‌ على تضمين سميت معنى وصفت. ‌و‌ انما قال: انت الذى وصفت نفسك ‌و‌ سميت نفسك، ‌و‌ لم يقل وصف نفسه ‌و‌ سمى نفسه، مع انه الاكثر فيما اذا كان الموصول ‌او‌ موصوفه خبرا عن مخاطب، تلذذ بخطابه تعالى فحمل على المعنى، ‌و‌ ‌هو‌ جائز كثير ‌و‌ ‌ان‌ كان كون العائد غائبا اكثر.
 
قد: هنا للتكثير، مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «قد نرى تقلب وجهك ‌فى‌ السماء».
 قال الزمخشرى: ‌اى‌ ربما نرى، ‌و‌ معناه كثره الرويه، كقوله:
 قد اترك القرن مصفرا انامله
 ‌و‌ فاض السيل يفيض فيضا: كثر حتى سال ‌من‌ شفه الوادى، ‌و‌ فاض الماء ‌و‌ الدمع قطرا، ‌و‌ فاض كل سائل: جرى.
 ‌و‌ الخيفه: الخوف، ‌و‌ اصلها خوفه قلبت الواو ياء لانكسار ‌ما‌ قبلها.
 ‌و‌ وجب القلب يجب وجبا ‌و‌ وجيبا رجف ‌و‌ خفق.
 ‌و‌ الخشيه: الخوف.
 قال المحقق الطوسى طاب ثراه ‌فى‌ بعض مولفاته ‌ما‌ حاصله: ‌ان‌ الخوف ‌و‌ الخشيه ‌و‌ ‌ان‌ كانا ‌فى‌ اللغه بمعنى واحد، الا ‌ان‌ بين خوف الله ‌و‌ خشيته ‌فى‌ عرف ارباب القلوب فرقا، ‌هو‌ ‌ان‌ الخوف تالم النفس ‌من‌ العقاب المتوقع بسبب ارتكاب المنهيات ‌و‌ التقصير ‌فى‌ الطاعات، ‌و‌ ‌هو‌ يحصل لاكثر الخلق ‌و‌ ‌ان‌ كانت مراتبه متفاوته جدا، ‌و‌ المرتبه العليا منه ‌لا‌ تحصل الا للقليل. ‌و‌ الخشيه حاله تحصل عند الشعور بعظمه الحق ‌و‌ هيبته ‌و‌ خوف الحجب عنه، ‌و‌ هذه الحاله ‌لا‌ تحصل الا لمن اطلع على جلال الكبرياء ‌و‌ ذاق حلاوه القرب، ‌و‌ لذلك قال سبحانه: «انما يخشى الله ‌من‌ عباده العلماء»، فالخشيه خوف خاص، ‌و‌ قد يطلقون عليها الخوف ايضا انتهى كلامه.
 ‌و‌ الانتفاض بالفاء ‌و‌ الضاد المعجمه- كما ‌فى‌ احدى الروايتين-: التحرك، ‌من‌
 
 
نفض الثوب نفضا- ‌من‌ باب قتل- فانتفض: حركه ليزول عنه الغبار. اى: ارتعاش جوارحى.
 ‌و‌ اما الانتقاض بالقاف ‌و‌ الضاد المعجمه- كما ‌فى‌ الروايه الاخرى-: فهو بمعنى الانفكاك ‌و‌ الانحلال، ‌من‌ نقض الحبل نقضا- ‌من‌ باب قتل-: ‌حل‌ برمه فانتقض هو، ‌و‌ منه نقضت ‌ما‌ ابرمه اذا ابطلته، ‌و‌ انتقضت الطهاره: بطلت، ‌و‌ انتقض الجرح بعد برئه: نكس، ‌و‌ الامر بعد التيامه: فسد، ‌و‌ الثغر بعد امانه: اخيف، كل ذلك اصله ‌من‌ نقض الحبل.
 ‌و‌ معنى انتقاض جوارحى ضعفها ‌و‌ انحلالها بعد القوه. ‌و‌ اما قول اكثر المحشين ‌و‌ المترجمين: انه بمعنى التصويت ‌من‌ النقيض ‌و‌ ‌هو‌ صوت الرحال ‌و‌ المحامل ‌و‌ الاصابع ‌و‌ الاضلاع ‌و‌ المفاصل، اى: تصويت جوارحى، فليس بصحيح، لانه بهذا المعنى لايقال ‌فى‌ فعله الا انقض انقاضا ‌او‌ تنقض تنقضا كتعلم، كما يشهد ‌به‌ استقراء كتب اللغه، ‌و‌ اما قوله تعالى: «الذى انقض ظهرك» فقيل: معناه اثقل.
 قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: انقضت الذنوب ظهره اى: اثقلته.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: ‌اى‌ حمله على النقيض ‌و‌ ‌هو‌ صوت الانتقاض ‌و‌ الانفكاك، انتهى.
 ‌و‌ ‌من‌ العجيب قول بعض المحشين: يحتمل ‌ان‌ يكون انتقاض الجوارح ‌من‌ تنقضت الارض عن الكماه اى: تفطرت.
 ‌و‌ الهيبه قيل: هى بمعنى الخوف، هابه يهابه هيبه: خافه. ‌و‌ قال ابن فارس: الهيبه الاجلال.
 
و قال العارفون: الهيبه حاله فوق الخوف مقتضاها غيبه القلب عن علم ‌ما‌ يجرى ‌من‌ احوال الخلق بل ‌من‌ احوال نفسه، بما يرد عليه ‌من‌ الحق اذا عظم الوارد ‌و‌ استولى عليه سلطان الحقيقه.
 قالوا: ‌و‌ هى ‌لا‌ تسكن الا ‌فى‌ كل قلب منيب اواب، ‌و‌ ‌لا‌ تلم الا بساحه كل مصلح تواب.
 
ذا: اسم اشاره ‌و‌ اللام عماد جى ء بها للدلاله على بعد المشار اليه، ‌و‌ الكاف: للخطاب. ‌و‌ المشار اليه ‌ما‌ ذكر ‌من‌ فيض الدمع ‌و‌ ‌ما‌ بعده.
 ‌و‌ تجوز الاشاره الى المتعدد بتاويل ‌ما‌ ذكر ‌و‌ تقدم ‌و‌ ‌ما‌ فيه ‌من‌ معنى البعد مع قرب العهد بالمشار اليه باعتبار المقتضى، فانه ‌فى‌ حكم المتباعد. ‌و‌ هذا ‌فى‌ كل كلام يحدث الرجل بحديث ثم يقول: ‌و‌ ذلك ‌ما‌ ‌لا‌ ‌شك‌ فيه، ‌و‌ يحسب الحاسب ثم يقول: فذلك كذا ‌و‌ كذا، ‌و‌ قال الله تعالى: «لا فارض ‌و‌ ‌لا‌ بكر عوان بين ذلك»، ‌و‌ قال: «ذلكما مما علمنى ربى».
 ‌و‌ الحياء: انقباض النفس ‌من‌ امر حذرا ‌من‌ اللوم فيه، ‌و‌ ‌هو‌ نوعان:
 نفسانى: ‌و‌ ‌هو‌ الذى خلقه الله ‌فى‌ النفوس كلها، كالحياء عن كشف العوره ‌و‌ الجماع بين الناس.
 ‌و‌ ايمانى: ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يمنع المومنين ‌من‌ فعل المعاصى خوفا ‌من‌ الله تعالى، ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا.
 فان قلت: كيف اخبر عن فيض دمعه ‌و‌ ‌ما‌ بعده بانه حياء، ‌و‌ ليس المبتدا عين الخبر.
 قلت: ‌هو‌ اما على حذف مضاف مقدر مع الخبر، ‌و‌ التقدير: كل ذلك مقتضى
 
حياء منى، فحذف المضاف ‌و‌ اقيم المضاف اليه مقامه، كقوله تعالى: «ذلك افكهم» اى: اثر افكهم، ‌و‌ قوله: «الحج اشهر معلومات» اى: ‌حج‌ اشهر معلومات، ‌و‌ انما لم نقدر المحذوف مع المبتدا كان نقول مثلا: باعث كل ذلك حياء منى، لان الحذف ‌من‌ آخر الجمله اولى.
 ‌و‌ اما ‌من‌ باب اطلاق المسبب على السبب، كاطلاق الضرب على التاديب ‌فى‌ قولك لمن ضربته تاديبا: هذا الضرب تاديب.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه «حياء» بالنصب على انه مفعول لاجله، فيكون خبر المبتدا محذوفا، ‌اى‌ كل ذلك كائن منى لاجل الحياء.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه ابن ابى الحديد «و خجلا منك لكثره ذنوبى» ‌و‌ هى تعين روايه النصب ‌فى‌ حياء، ‌و‌ المشار اليه بقوله عليه السلام «و لذلك» الحياء المذكور.
 ‌و‌ خمد خمودا- ‌من‌ باب قعد ‌و‌ علم-: سكن، ‌من‌ خمدت النار اذا سكن لهبها ‌و‌ لم يطف جمرها.
 ‌و‌ جار مهموز العين جارا ‌و‌ جوارا بالضم- ‌من‌ باب منع-: رفع صوته بالدعاء ‌و‌ تضرع ‌و‌ استغاث.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: جار الداعى الى الله: ضج ‌و‌ رفع صوته.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: كانى انظر الى موسى له جوار الى ربه بالتلبيه.
 ‌و‌ كل السيف كلولا- ‌من‌ باب ضرب- اذا لم يقطع قال ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز كل بصره ‌و‌ لسانه ‌و‌ ‌هو‌ كليل البصر ‌و‌ اللسان.
 ‌و‌ ناجيته مناجاه: ساررته، ‌و‌ الاسم النجوى.
 
الفاء الاولى: للترتيب الذكرى، ‌و‌ الثانيه: للسببيه، اذ المعنى لك الحمد بسبب كثير ‌ما‌ عاملتنى ‌به‌ ‌من‌ ستر معائبى. ‌و‌ كم: خبريه، بمعنى كثير.
 ‌و‌ من: لبيان الجنس على الصحيح، ‌لا‌ زائده كما زعم بعضهم، حتى ذهب الفراء الى انها اذا لم تكن مذكوره لفظا فخفض التمييز بها تقديرا ‌لا‌ بالاضافه، ‌و‌ عمل الجار المقدر ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌فى‌ غير هذا الموضع نادرا، الا انه لما كثر دخول «من» على مميز الخبريه نحو «و ‌كم‌ ‌من‌ قريه» ‌و‌ «كم ءاتينهم ‌من‌ ءايه» ساغ عمله مقدرا، لان الشى ء اذا عرف ‌فى‌ موضع جاز تركه لقوه الدلاله عليه، على ‌ان‌ المشهور ‌من‌ مذهب النحويين ‌ما‌ عدا الاخفش ‌ان‌ «من» ‌لا‌ تزاد ‌فى‌ غير الايجاب.
 ‌و‌ ‌فى‌ راويه ابن ادريس «فكم عائبه» ‌من‌ دون «من» باضافه ‌كم‌ الى عائبه، فالجر بالاضافه عند الجمهور حملا ل«كم» على ‌ما‌ هى مشابهه له ‌من‌ العدد ‌و‌ المميز فيه انما يخفض بالاضافه.
 ‌و‌ كم: ‌فى‌ موضع رفع على الابتداء، كما ‌فى‌ قولك: زيد ضربته، ‌و‌ جمله سترتها ‌هو‌ الخبر. ‌و‌ يجوز ‌ان‌ تكون ‌فى‌ موضع نصب بفعل محذوف مماثل لسترتها مفسر ‌به‌ فيكون ‌من‌ باب الاشتغال، ‌و‌ التقدير: ‌كم‌ ‌من‌ عائبه سترت سترتها، ‌او‌ سترت ‌كم‌ ‌من‌ عائبه سترتها. ‌و‌ التقدير الاول اولى، للزوم ‌كم‌ التصدر، ‌و‌ الثانى ‌لا‌ مانع منه، لان
 
المقدر معدوم لفظا، ‌و‌ التصدر اللفظى ‌هو‌ المقصود كما نص عليه الرضى. ‌و‌ الوجه الاول- اعنى الرفع- ارجح، لسلامته ‌من‌ التقدير بلا مقتض، ‌و‌ ‌من‌ ثمه اوجبه بعض النحويين ‌فى‌ نحو زيد ضربته. ‌و‌ يرده انه قرى «سوره انزلناها» بالنصب.
 ‌و‌ ‌من‌ العجيب قول بعض ‌من‌ تصدى لاعراب الصحيفه الشريفه: ‌ان‌ ‌كم‌ هنا خبريه، ‌و‌ اشتغال الفعل بعدها اوجب تقدير عامل لها ‌من‌ جنسه. ‌و‌ ‌هو‌ غلط فاحش فاحذره.
 ‌و‌ العائبه: مصدر بمعنى العيب، جاء على فاعله كعافيه ‌و‌ عاقبه. ‌و‌ ‌فى‌ روايه ابن ابى الحديد «كم ‌من‌ عيب سترته على فلم تفضحنى».
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله «فلم تفضحنى» عاطفه سببيه، كقوله تعالى: «فوكزه موسى فقضى عليه».
 ‌و‌ شهره شهره بالضم- ‌من‌ باب منع-: اظهره ‌و‌ اعلنه.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ القاموس: الشهره بالضم: ظهور الشى ء ‌فى‌ شنعه. ‌و‌ ‌فى‌ النهايه: الشهره: الفضيحه.
 ‌و‌ الشائبه: واحده الشوائب، ‌و‌ هى الاقذار ‌و‌ الادناس، قاله الجوهرى. ‌و‌ ‌فى‌ نسخه قديمه «و ‌كم‌ ‌من‌ شائنه» ‌و‌ هى فاعله ‌من‌ الشين بمعنى العيب ‌و‌ القبيح.
 قال ‌فى‌ الاساس: ‌هو‌ فعل شائن، ‌و‌ هذه شائنه ‌من‌ الشوائن. ‌و‌ وجهك شين ‌و‌ وجهى زين.
 
و الم بالذنب الماما: فعله.
 ‌و‌ هتك الستر- ‌من‌ باب ضرب: خرقه.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: ‌هو‌ ‌ان‌ تجذبه حتى تنزعه ‌من‌ مكانه، ‌او‌ تشقه حتى يظهر ماوراءه، ‌و‌ ‌من‌ المجاز هتك الله ستر الفاجر فضحه.
 ‌و‌ قلدت المراه قلاده: جعلتها ‌فى‌ عنقها، ‌و‌ قلدته السيف: القيت حمائله ‌فى‌ عنقه.
 قال الزمخشرى: ‌و‌ قلد فلان قلاده سوء: هجى بما بقى عليه وسمه.
 ‌و‌ ‌فى‌ امثالهم: تقلدها طوق الحمامه اذا جاء بسيئه يسب بها ‌و‌ يذم، ‌و‌ ‌هو‌ كنايه عن كون السيئه لازمه لزوم الطوق للعنق بحيث ‌لا‌ ينفك عنه بحال، يستعمل ‌فى‌ الشر اللازم الظاهر يشتهر ‌به‌ صاحبه.
 ‌و‌ المعنى: لم تلزمنى مكروه شنارها فاشتهر به، ‌و‌ ‌ان‌ كنت مستحقا لالزامى اياه الزام القلاده للعنق.
 ‌و‌ الشنار بالفتح: العيب ‌و‌ العار، ‌و‌ قيل: عيب فيه عار.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ القاموس: ‌هو‌ اقبح العيب، ‌و‌ العار، ‌و‌ الامر المشهور بالشنعه.
 ‌و‌ مكروه شنارها ‌من‌ اضافه الصفه الى الموصوف، ‌و‌ الاصل شنارها المكروه، فقدم الصفه ‌و‌ جعلها نوعا مضافا الى الجنس للتبيين، اذ المكروه يحتمل ‌ان‌ يكون ‌من‌ الشنار ‌و‌ ‌من‌ غيره.
 ‌و‌ السوات: جمع سواه بالفتح.
 قال ‌فى‌ القاموس: السواه: الفرج، ‌و‌ الفاحشه، ‌و‌ الخله القبيحه. ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: السواه ‌فى‌ الاصل الفرج، ثم نقل الى كل ‌ما‌ يستحيا منه اذا ظهر
 
من قول ‌و‌ فعل.
 ‌و‌ التمس الشى ء: طلبه.
 ‌و‌ المعايب بلا همزه: العيوب، جمع معابه ‌و‌ هى العيب، كمنائر جمع مناره.
 قال ‌فى‌ القاموس: العيب ‌و‌ العاب: الوصمه، كالمعاب ‌و‌ المعابه.
 ‌و‌ الجيره: جمع جار، ‌و‌ ‌هو‌ المجاور ‌فى‌ السكن، ‌و‌ يجمع على جيران ايضا. ‌و‌ انما خص الجيره بالتماس المعايب، لان الحسد فيهم اكثر.
 ‌و‌ قد قيل: الحسد ‌فى‌ ثلاثه اجناس ‌من‌ الناس، الجيران ‌فى‌ المنزل، ‌و‌ الشركاء ‌فى‌ العمل، ‌و‌ القرابات ‌فى‌ النسب، ‌و‌ ذلك لما يكون بين هولاء ‌من‌ المناظره ‌و‌ المباهاه ‌و‌ طلب تفوق كل واحد منهم على الاخر.
 ‌و‌ الحسده: جمع حاسد، ‌و‌ ‌هو‌ المتمنى زوال النعمه ‌من‌ المحسود اليه.
 ‌و‌ قوله: «عندى» ‌فى‌ محل نصب على الحال ‌من‌ النعمه.
 
ثم هنا: لاستبعاد عدم النهى، بعد وضوح ‌ما‌ ذكره ‌من‌ حسن صنيعه تعالى اليه ‌من‌ ستر معايبه الكثيره، ‌و‌ قد كان مقتضاه ‌ان‌ ينتهى ‌و‌ يقف عن كل ‌ما‌ ‌لا‌ يرضاه سبحانه.
 قال الرضى: قد تكون ثم ‌فى‌ الجمل خاصه لاستبعاد مضمون ‌ما‌ بعدها عن مضمون ‌ما‌ قبلها ‌و‌ عدم مناسبته له، كقوله تعالى: «خلق السموت ‌و‌ الارض ‌و‌ جعل الظلمت ‌و‌ النور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون»، فالاشراك بخالق السماوات ‌و‌ الارض مستبعد غير مناسب، ‌و‌ هذا المعنى فرع التراخى ‌و‌ مجازه انتهى.
 
و نهاه عن الشى ء ينهاه نهيا فانتهى: كفه عنه.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه قديمه «لم ينهنهنى» اى: لم يكفنى ‌و‌ لم يزجزنى، يقال: نهنه فتنهنه ‌اى‌ كفه ‌و‌ زجره فكف.
 ‌و‌ ذلك: اشاره الى ‌ما‌ ذكر ‌من‌ ستر العوايب ‌و‌ تغطيته الذنوب ‌و‌ الشوائب، ‌و‌ ‌ما‌ فيه ‌من‌ معنى البعد للايذان ببعد منزلته ‌فى‌ الاحسان، ‌و‌ علو درجته ‌فى‌ الرحمه، ‌و‌ كمال رتبته ‌فى‌ التفضل.
 ‌و‌ جريت الى كذا اجرى جريا: قصدت ‌و‌ اسرعت.
 ‌و‌ عهدته عرفته، ‌و‌ الامر كما تعهد اى: تعرف، ‌و‌ ‌هو‌ قريب العهد بكذا اى: قريب العلم ‌و‌ الحال، فقوله: «ما عهدت منى» اى: ‌ما‌ علمته منى، لان المعرفه ‌لا‌ تطلق عليه سبحانه. ‌و‌ ايراد المضاف اليه موصولا لزياده تقرير الغرض المسوق له الكلام، فانه ادل على الاعتراف بسوء الافعال ‌من‌ ‌ان‌ يقول: الى سوء فعلى ‌و‌ عملى، ‌و‌ مثله قول: المعرى:
 اعباد المسيح يخاف صحبى
 ‌و‌ نحن عبيد ‌من‌ خلق المسيحا
 فانه ادل على عدم خوفهم النصارى ‌من‌ ‌ان‌ يقول: ‌و‌ نحن عبيدالله.
 
الفاء: فصيحه، اى: اذا كان هذا حالى فمن اجهل منى.
 ‌و‌ الجهل: هنا بمعنى فعل الشى ء بخلاف ‌ما‌ حقه ‌ان‌ يفعل.
 قال الراغب: الجهل على ثلاثه اضرب:
 الاول: خلو النفس عن العلم، هذا ‌هو‌ الاصل.
 
الثانى: اعتقاد الشى ء بخلاف ‌ما‌ ‌هو‌ عليه.
 ‌و‌ الثالث: فعل الشى ء بخلاف ‌ما‌ حقه ‌ان‌ يفعل، سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا، ‌او‌ فاسدا كمن ترك الصلاه متعمدا، ‌و‌ على ذلك قوله تعالى حكايه عن موسى عليه السلام: «اعوذ بالله ‌ان‌ اكون ‌من‌ الجاهلين»، فجعل فعل الهزو جهلا انتهى.
 ‌و‌ الاستفهام للانكار ‌و‌ الاستبعاد لان يكون احد اجهل ‌و‌ اغفل ‌و‌ ابعد منه ‌او‌ مساويا له، ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن سبك التركيب متعرضا لانكار المساواه، يشهد ‌به‌ العرف الفاشى ‌و‌ الاستعمال المطرد، فاذا قيل: ‌من‌ اكرم ‌من‌ فلان ‌او‌ ‌لا‌ افضل ‌من‌ فلان، فالمراد ‌به‌ حتما انه اكرم ‌من‌ كل كريم ‌و‌ افضل ‌من‌ كل فاضل.
 ‌و‌ الرشد بالضم: الصلاح، ‌و‌ ‌هو‌ خلاف الغى، ‌و‌ الرشد بفتحتين مثله.
 ‌و‌ الغفله: غيبه الشى ء عن بال الانسان ‌و‌ عدم تذكره له، ‌و‌ قد تستعمل فيمن تركه اهمالا ‌و‌ اعراضا، كقوله تعالى، «و ‌هم‌ ‌فى‌ غفله معرضون» يقال فيه: غفلت عن الشى ء غفولا- ‌من‌ باب قتل-.
 ‌و‌ الحظ: النصيب، قيل مطلقا، ‌و‌ قيل: خاص بالنصيب ‌من‌ الخير ‌و‌ الفضل، ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا.
 ‌و‌ استصلح الشى ء: طلب صلاحه، ‌و‌ ‌هو‌ خلاف الفساد.
 ‌و‌ الانفاق: اخراج المال، ‌و‌ ‌هو‌ ‌و‌ الانفاد اخوان، خلا ‌ان‌ ‌فى‌ الثانى بمعنى الاذهاب بالكليه دون الاول.
 ‌و‌ اجريت عليه رزقا: جعلته جاريا اى: دارا متصلا.
 ‌و‌ اعلم: ‌ان‌ انفاق الرزق ‌فى‌ معصيه الله تعالى ‌من‌ كفران النعمه، فان شكر
 
الانسان نعمه الله عليه بان لايستعين بها على معصيته.
 حدث الجنيد قال: كنت بين يدى السرى العب ‌و‌ انا ابن سبع سنين، ‌و‌ بين يديه جماعه يتكلمون ‌فى‌ الشكر، فقال لى: ‌يا‌ غلام ‌ما‌ الشكر؟ فقلت: ‌ان‌ ‌لا‌ يعصى الله بنعمه، فقال: يوشك ‌ان‌ يكون حظك ‌من‌ الله لسانك، قال الجنيد: فلا ازال ابكى على هذه الكلمه التى قالها السرى.
 ‌و‌ ‌فى‌ نهج البلاغه ‌من‌ كلام اميرالمومنين عليه السلام: ‌ان‌ اقل ‌ما‌ يلزمكم الله ‌ان‌ ‌لا‌ تستعينوا بنعمته على معصيته. ‌و‌ ذلك ‌ان‌ العدل ‌ان‌ يستعان بنعمته على طاعته، فان لم يفعل ذلك فلا اقل ‌من‌ ‌ان‌ تستعمل ‌فى‌ الامور المباحه دون الاستعانه بها على معصيته، فان ذلك مما يعد لسخطه تعالى، نعوذ بالله منه.
 غور كل شى: قعره ‌و‌ عمقه، ‌و‌ غار ‌فى‌ الامر اذا دقق النظر فيه كانه وصل الى غوره.
 يقال: فلان بعيد الغور اذا كان متعمق النظر عارفا بالامور. فغورا ‌فى‌ الدعاء يحتمل ‌ان‌ يكون اسما بمعنى القعر ‌و‌ العمق، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون مصدرا بمعنى الوصول الى الغور، ‌و‌ على الاول فالظرف متعلق بابعد، ‌و‌ على الثانى متعلق بغورا.
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: ‌فى‌ الحديث: «انه سمع ناسا يذكرون القدر، فقال: انكم قد اخذتم ‌فى‌ شعبين بعيدى الغور» غور كل شى ء: عمقه ‌و‌ بعده، اى: يبعد
 
ان تدركوا حقيقه علمه، كالماء الغائر الذى لايقدر عليه. ‌و‌ منه حديث الدعاء « ‌و‌ ‌من‌ ابعد غورا ‌فى‌ الباطل منى» انتهى.
 ‌و‌ قدم على قومه اقداما: اجترا عليه، ‌و‌ هذا المعنى ‌هو‌ المراد هنا، اى: اشد اجتراء على السوء.
 قال الفيومى: اقدم على العيب اقداما كنايه عن الرضابه. ‌و‌ السوء ‌فى‌ الاصل: مصدر ساءه يسووه سوء اذا حزنه، يطلق على جميع المعاصى سواء كانت ‌من‌ اعمال الجوارح ‌او‌ افعال القلوب، لاشتراكها كلها ‌فى‌ انها تسوء صاحبها بعواقبها.
 ‌و‌ المراد بالوقوف بين الدعوتين استعداده لقبول كل منهما، فان الانسان خلق مستعدا للهدايه ‌و‌ الضلال.
 فقول بعضهم: ‌ان‌ المراد ‌به‌ التحير بينهما ‌لا‌ وجه له، بعد قوله تعالى: «و هدينه النجدين»، ‌و‌ قد صرح بذلك الداعى عليه السلام بقوله: «على غير عمى منى ‌فى‌ معرفه به»، فكيف يفسر بالتحير؟ ‌و‌ الحيره عدم الاهتداء لوجه الصواب لعدم العلم به.
 ‌و‌ الدعوه: اسم ‌من‌ دعاه اذا طلب اقباله.
 ‌و‌ المراد بدعوته تعالى: الادله العقليه ‌و‌ الشرعيه التى بينها للملكفين ليهتدوا بها الى معرفته ‌و‌ توحيده ‌و‌ طاعته، ‌و‌ بدعوه الشيطان تسويله ‌و‌ وسوسته ‌و‌ تزيينه ‌ما‌ حرم الله. ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله «فاتبع»: للعطف ‌و‌ التعقيب.
 ‌و‌ تبعت القوم تبعا بالتحريك ‌و‌ اتبعتهم على افتعلت: مشيت خلفهم، ‌او‌ مروا
 
بك فمضيت معهم. ‌و‌ ‌هو‌ هنا كنايه عن اجابه الدعوه، كما قال: «و ‌ما‌ كان لى عليكم ‌من‌ سلطن الا ‌ان‌ دعوتكم فاستجبتم لى». ‌و‌ حقيقه دعوه الشيطان ‌و‌ اتباعها ‌ان‌ الانسان بينا ‌هو‌ ذاهل عن النبى ء ذكره الشيطان ذلك، فيحدث له ميل جازم يترتب الفعل على حصول ذلك الميل، فكانت دعوه الشيطان ‌هو‌ ذلك التذكير، ‌و‌ اجابتها حصول ذلك الميل الذى ‌هو‌ ‌من‌ شان النفس.
 ‌و‌ «على» ‌من‌ قوله: «على غير عمى منى» بمعنى مع، اى: مع غير عمى منى، كقوله تعالى: «و ‌ان‌ ربك لذو مغفره للناس على ظلمهم».
 ‌و‌ المراد بالعمى هنا الجهل، ‌و‌ ‌هو‌ عمى البصيره، استعاره ‌من‌ عمى البصر، اذ العمى حقيقه عباره عن عدم ملكه البصر، ‌و‌ وجه الشبه ‌ان‌ الاعمى كما ‌لا‌ يهتدى لمقاصده المحسوسه بالبصر لعدمه، كذلك اعمى البصيره لايهتدى لمقاصده المعقوله لعدم عقله لوجوه رشده.
 ‌و‌ قوله «منى»: صفه لعمى، ‌اى‌ كائن منى، «و ‌فى‌ معرفه» صفه اخرى له.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون حالا منه ايضا، دون الظرف الاول، لتخصص النكره بالصفه الاولى.
 ‌و‌ النسيان: ‌هو‌ الغفله عن الشى ء مع انمحاء صورته ‌او‌ معناه عن خزانه الخيال ‌او‌ الذكر.
 ‌و‌ الحفظ يقال تاره: لقوه النفس التى بها يثبت ‌ما‌ يودى اليه الفهم، ‌و‌ تاره لضبط الشى ء ‌فى‌ النفس، ‌و‌ تاره: لاستعمال تلك القوه.
 ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا المعنى الاول- اعنى القوه الحافظه- ‌و‌ الظرف صفه لنسيان، اى: نسيان كائن ‌من‌ حفظى. «وله»: متعلق بنسيان، اى: نسيان له، ‌و‌ هذه اللام هى
 
المسماه لام التقويه، ‌و‌ هى المزيده لتقويه عامل ضعيف ‌و‌ ‌هو‌ هنا النسيان، فانه مصدر ‌و‌ عمل المصدر ضعيف، لكونه فرعا ‌فى‌ العمل عن الفعل، فهو كقولك: ضربى لزيد حسن ‌و‌ المعنى: ‌ان‌ اتباع دعوته لم يكن عن جهل منى بمعرفتى به، ‌و‌ ‌لا‌ عن نسيان له ‌من‌ حافظتى، بل عن علم ‌و‌ ذكر. ‌و‌ ‌من‌ جعل قوله «له» متعلق بحفظى، ‌و‌ جعل الحفظ متعلق النسيان فقد اعزب. ‌و‌ اغرب منه ‌من‌ جعل الحفظ بمعنى المحفوظ، ‌و‌ فسره بعدم النسيان لمحفوظه مما ورد ‌فى‌ ذم الشيطان، ‌و‌ لم يهتدوا الى ‌ان‌ النسيان ‌لا‌ يتعدى بمن، ‌و‌ كل ذلك خبط عشواء، نسال الله الهدايه الى سواء السبيل.
 
و الواو ‌من‌ قوله: «و انا حينئذ موقن» للحال، ‌و‌ الجمله حال ‌من‌ ضمير اتبع. ‌و‌ حينئذ: ‌اى‌ حين اتبع دعوته، فحذفت الجمله للعلم بها، ‌و‌ عوض عنها التنوين، ‌و‌ كسرت الذال لالتقاء الساكنين، ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك مستوفى.
 ‌و‌ ايقن بالشى ء: علمه علما ‌لا‌ ‌شك‌ معه.
 ‌و‌ المنتهى: مصدر ميمى بمعنى النهايه.
 يقال: انتهى الامر اى: بلغ النهايه، ‌و‌ ‌هو‌ اقصى ‌ما‌ يمكن ‌ان‌ يبلغه.
 ‌و‌ المعنى: ‌ان‌ غايه دعوتك المصير الى الجنه، ‌و‌ غايه دعوته المصير الى النار.
 ‌و‌ بيان ذلك: انه لما كان الغايه ‌من‌ وجود الخلق ‌ان‌ يكونوا عباد الله، كما قال تعالى: «و ‌ما‌ خلقت الجن ‌و‌ الانس الا ليعبدون»، ‌و‌ كان المقصود ‌من‌ العباده انما ‌هو‌ الوصول الى جناب عزته، ‌و‌ الطيران ‌فى‌ حظائر القدس باجنحه الكمال مع الملائكه المقربين، كان ذلك ‌هو‌ غايه الانسان المطلوبه منه ‌و‌ المقصوده له ‌و‌ الامور بالتوجه اليها بوجبهه الحقيقى. فان سعى لها سعيها باتباع دعوه الله تعالى ادركها ‌و‌ فاز
 
بحلول جنات النعيم ‌و‌ كانت غايته، ‌و‌ ‌ان‌ قصر ‌فى‌ طلبها ‌و‌ انحرف عن سواء الصراط الموصل اليها باتباع دعوه الشيطان، كان ‌فى‌ النار ‌من‌ الهاوين ‌و‌ كانت غايته فدخلها مع الداخلين.
 
سبحانك: تعجب ‌من‌ شده اجترائه على الله بما ذكره ‌من‌ نفسه ‌و‌ اعترف ‌به‌ سابقا، ‌و‌ تنزيه لساحه كبريائه ‌و‌ جبروته عما ‌لا‌ يليق ‌به‌ ‌من‌ ذلك، ‌و‌ قد تقدم بيان استعمال سبحان ‌فى‌ مقام التعجب ‌فى‌ الروضه الثالثه عشره.
 ثم كرر التعجب صريحا لفظاعه ‌ما‌ شهد ‌به‌ على نفسه.
 ‌و‌ عدده ‌من‌ مكتوم امره مما سبق، ‌و‌ عدده تعديدا: مبالغه ‌فى‌ عده عدا بمعنى احصاه، ‌و‌ كانه لاحظ كثره المعدود.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ السبب ‌فى‌ التعجب ‌من‌ الامر ‌هو‌ عدم اطلاع النفس على اسبابه لغموضها ، ‌و‌ لذلك قيل: اذا ظهر السبب بطل العجب، ‌و‌ ‌من‌ اجل ذلك وضع اهل اللغه قولهم: ‌ما‌ افعله صيغه للتعجب نحو ‌ما‌ احسن زيدا، اذ التقدير فيها السوال عن اسباب حسنه، ‌و‌ كلما كان الامر اغرب ‌و‌ اسبابه اخفى كان اعجب، ‌و‌ لذلك جاء بصيغه التعجب ‌من‌ العجب، فقال: «ما اعجب ‌ما‌ اشهد ‌به‌ على نفسى». اذا عرفت ذلك فحاله- ‌فى‌ افناء الذنوب عمره ‌و‌ عصيان ربه، ‌و‌ ستر الله عليه عوائبه ‌و‌ ذنوبه ‌و‌ شوائبه، ثم كون ذلك لم ينهه عن الاسراع الى المعاصى، ثم شده جهله برشده ‌و‌ غفلته عن حظه ‌و‌ بعد استصلاح نفسه حين ينفق نعمه الله ‌فى‌ معصيته، ‌و‌ بعد غوره ‌فى‌ الباطل ‌و‌ شده اقدامه على السوء، حين يجيب دعوه الشيطان دون دعوه الله، مع معرفته بالشيطان ‌و‌ ذكره له، ‌و‌ ‌هو‌ عالم علم يقين بان دعوه الله تنتهى ‌به‌
 
الى الجنه، ‌و‌ دعوه الشيطان تنتهى ‌به‌ الى النار- ‌من‌ العجب العجاب الذى ‌لا‌ يهتدى لسببه. ‌و‌ كل ذلك منه عليه السلام استنزال لرحمه الله تعالى بالاقرار المستلزم للعفو، فقد قيل: ‌من‌ اقر فقد استوجب العفو.
 ‌و‌ قد اسلفنا الكلام مبسوطا ‌فى‌ وجه اعتراف المعصومين عليهم السلام بالذنوب ‌و‌ المعاصى ‌فى‌ الروضه الثانيه عشر فلا وجه لاعادته.
 
ذلك: اشاره الى ‌ما‌ شهد ‌به‌ على نفسه وعدده ‌من‌ مكتوم امره، ‌و‌ ‌ما‌ فيه ‌من‌ معنى البعد اشعار بفخامته ‌و‌ فظاعته ‌و‌ بعده ‌فى‌ مرتبه العجب.
 ‌و‌ الاناه: على وزن حصاه اسم ‌من‌ تانى ‌فى‌ الامر اذا تمكث ‌و‌ لم يعجل، ‌و‌ عداها بعن لتضمينها معنى الصفح ‌او‌ التجاوز.
 ‌و‌ عاجله بذنبه: عاقبه عليه سريعا ‌و‌ لم يمهله.
 ‌و‌ كرم الشى ء كرما: ‌عز‌ فهو كريم.
 ‌و‌ من: للتعليل، ‌و‌ الظرف ‌فى‌ محل نصب خبر لليس، ‌و‌ تانيا: عطف عليه، ‌او‌ نصب على انه خبر لكان مقدره ‌و‌ التقدير: بل كان ذلك تانيا، ‌او‌ على انه مفعول مطلق اى: بل تانيت تانيا.
 ‌و‌ اللام ‌فى‌ لان: للتعليل، ‌و‌ ان: مصدريه ناصبه.
 ‌و‌ ردعته عن الشى ء- ‌من‌ باب نفع- منعته ‌و‌ زجرته فارتدع.
 ‌و‌ المسخطه: اسم فاعل ‌من‌ اسخطه بمعنى اغضبه، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون ‌من‌ اسخطه
 
اى عرضه للسخط ‌و‌ نصبه له، كما تقول ابعته اى: عرضته للبيع ‌و‌ نصبته له، ‌و‌ التقدير على الاول: المسخطه لك، ‌و‌ على الثانى: المسخطه لى.
 ‌و‌ اقلع عن الامر اقلاعا: تركه، ‌و‌ منه اقلعت عنه الحمى.
 ‌و‌ المخلقه: اسم فاعل ‌من‌ اخلق الثوب اذا لبسه حتى ابلاه.
 يقال: اخلقت الذنوب وجهه كانها اذهبت نضارته ‌و‌ بهجته.
 كما يقال للسائل: اخلق السوال وجه، ‌و‌ ‌هو‌ كنايه عن الاذلال ‌و‌ الاهانه.
 ‌و‌ انما كان عفو الله تعالى احب اليه ‌من‌ عقوبته، لان العفو مقتضى الرحمه ‌و‌ هى ذاتيه له تعالى، ‌و‌ العقوبه مقتضى الغضب، ‌و‌ ‌هو‌ مطلوب بالعرض، لانه ‌من‌ تبعات افعال العباد ‌و‌ لوازم سيئاتهم ‌و‌ معاصيهم، حتى لو لم يكن كفر ‌و‌ ‌لا‌ معصيه لم يكن غضب ‌و‌ لم يخلق جحيم، فهو سبحانه يمهل عبده ‌و‌ ‌لا‌ يبادر بعقوبته ليقلع عن سيئاته، ‌و‌ يتوب اليه فيستحق بذلك عفوه ‌و‌ غفرانه، فلا يعاقبه لكون العفو احب اليه ‌من‌ العقوبه.
 فان قلت: كيف جعل الارتداع ‌و‌ الاقلاع غايه لاناته تعالى عليه، ‌و‌ جعل كون العفو احب اليه ‌من‌ عقوبته غايه.
 اخرى لها، ‌و‌ الغايه انما ‌هو‌ الثانى دون الاول، ‌و‌ الاول انما ‌هو‌ وسيله الى الثانى ‌لا‌ غايه لاناته؟.
 قلت: لما كان كل ‌من‌ التخليه ‌و‌ التحليه غرضا صحيحا للشارع ‌و‌ مطلوبا له، صح ‌ان‌ يجعل الارتداع ‌و‌ الاقلاع غايه براسها ‌و‌ حب العفو غايه اخرى.
 فان قلت: كيف تعجب ‌من‌ اناته سبحانه عليه مع علمه بسببها الذى ذكره، ‌و‌ العجب انما يكون لخفاء السبب؟.
 قلت: ليس تعجبه ‌من‌ اناته تعالى لخفاء سببها، بل لخفاء سبب استيهاله لها منه سبحانه مع عظم ذنبه المستلزم لخلافها، كما سيصرح ‌به‌ عليه السلام ‌فى‌ اثناء
 
هذا الدعاء، فهو ‌فى‌ الحقيقه تعجب ‌من‌ عظيم حلمه تعالى ‌و‌ جليل كرمه وسعه رحمته.
 
بل: هنا حرف ابتداء، لان تاليها جمله، ‌لا‌ عاطفه على الصحيح ‌و‌ معنى الاضراب فيها الانتقال ‌من‌ غرض الى آخر.
 ‌و‌ الاثار: جمع اثر كسبب ‌و‌ اسباب، ‌و‌ ‌هو‌ هنا اما اسم ‌من‌ اثرت الحديث اثرا بالسكون- ‌من‌ باب قتل- بمعنى نقلته، فتكون الاثار بمعنى الاشياء الماثوره عنه، ‌و‌ اما بمعنى العلامه ‌و‌ السمه اى: اقبح سمات، ‌و‌ المراد بها ‌ما‌ اتسم ‌به‌ ‌من‌ الاعمال.
 ‌و‌ قيل: الاثار هى الاعمال التى تبقى بعد عاملها سنه يقتدى فيها به، حسنه كانت كعلم علمه ‌او‌ كتاب الفه ‌او‌ مسجد بناه ‌او‌ غير ذلك ‌من‌ وجوه البر، ‌او‌ السيئه كتاسيس قوانين الظلم ‌و‌ العدوان ‌و‌ ترتيب مبادى الشر ‌و‌ الفساد، ‌و‌ بذلك فسر قوله تعالى: «و نكتب ‌ما‌ قدموا ‌و‌ آثارهم»، ‌و‌ اصله ‌من‌ الاثر الذى ‌هو‌ بقيه الشى ء.
 ‌و‌ شنع الشى ء بالضم شناعه: قبح فهو شنيع.
 ‌و‌ الباطل: ‌هو‌ الذى لايكون صحيحا باصله، ‌و‌ لذلك اطلق على كل ‌ما‌ خالف الحق، ‌و‌ اصله ‌من‌ بطل الشى ء بمعنى فسد. ‌و‌ تهور الرجل تهورا: وقع ‌فى‌ الامر بقله مبالاه.
 ‌و‌ تيقظ للامر: تنبه له ‌و‌ فطن.
 ‌و‌ الوعيد: التهديد.
 ‌و‌ ارتقبه ارتقابا: انتظره.
 ‌و‌ انتصاب ذنوبا ‌و‌ ‌ما‌ بعده على التمييز، ‌و‌ ‌ان‌ ‌من‌ قوله: «من ‌ان‌ احصى»: مصدريه
 
متاوله هى ‌و‌ الفعل بعدها بمصدر، ‌و‌ التقدير: ‌من‌ احصائى لك عيوبى.
 فان قلت: ‌ما‌ معنى هذا التفضيل؟ فان ظاهره تفضيل نفسه ‌فى‌ كثره الذنوب، ‌و‌ قبح الاثار، ‌و‌ شناعه الافعال، ‌و‌ شده التهور ‌فى‌ الباطل، ‌و‌ ضعف التيقظ عند الطاعه، ‌و‌ قله الانتباه ‌و‌ الارتقاب للوعيد، على احصائه لعيوبه ‌و‌ قدرته على ذكر ذنوبه، ‌و‌ هذا ‌لا‌ معنى له.
 قلت: نظائر هذا التركيب كثيره مشهوده الاستعمال، كقولهم: زيد اعقل ‌من‌ ‌ان‌ يكذب، ‌و‌ قول العلماء: هذا اظهر ‌من‌ ‌ان‌ يخفى، ‌و‌ ‌قل‌ ‌من‌ يتنبه لاشكالها، ‌و‌ قد وجهه جماعه ‌من‌ علماء العربيه بوجوه.
 قال محمد ‌بن‌ مسعود ‌بن‌ الزكى ‌فى‌ كتابه البديع- ‌و‌ ‌هو‌ كتاب خالف فيه اقوال النحويين ‌فى‌ امور كثيره-: ‌ان‌ الذى ‌و‌ ‌ان‌ المصدريه يتقارضان فتقع الذى مصدريه كقوله:
 اتقرح اكباد المحبين كالذى
 ارى كبدى ‌من‌ حب ميه تقرح
 ‌و‌ تقع ‌ان‌ بمعنى الذى، كقولهم: زيد اعقل ‌من‌ ‌ان‌ يكذب، ‌اى‌ ‌من‌ الذى يكذب انتهى. ‌و‌ تعقبه ابن هشام فقال: اما وقوع الذى مصدريه فقال ‌به‌ يونس ‌و‌ الفراء ‌و‌ الفارسى، ‌و‌ ارتضاه ابن خروف ‌و‌ ابن مالك، ‌و‌ جعلوا منه «و خضتم كالذى خاضوا»، ‌و‌ اما عكسه فلم اعرف قائلا به، ‌و‌ الذى جراه عليه اشكال هذا الكلام.
 قال: ‌و‌ ظهر لى توجيهان:
 احدهما: ‌ان‌ يكون ‌فى‌ الكلام تاويل على تاويل، فيوول ‌ان‌ ‌و‌ الفعل بالمصدر ‌و‌ يوول المصدر بالوصف، فيوول الى المعنى الذى اراده ‌و‌ لكن بتوجيه يقبله العلماء، الا ترى انه قيل ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌ما‌ كان هذا القرآن ‌ان‌ يفترى»: ‌ان‌ التقدير
 
ما كان افتراء ‌و‌ معنى هذا ‌ما‌ كان مفترى. ‌و‌ هذا الوجه عندى ضعيف، لان التفضيل على الناقص ‌لا‌ فضل فيه، كقوله.
 اذا انت فضلت امرا ذا براعه
 على ناقص كان المديح ‌من‌ النقص
 التوجيه الثانى: ‌ان‌ افعل ضمن معنى ابعد فمعنى المثال زيد ابعد الناس ‌من‌ الكذب لفضله على غيره، فمن المذكوره ليست الجاره للمفضول، بل متعلقه بافعل، لما ضمنه ‌من‌ معنى البعد، ‌لا‌ لما فيه ‌من‌ المعنى الوضعى، ‌و‌ المفضل عليه متروك ابدا مع افعل هذا لقصد التعميم انتهى.
 ‌و‌ قال الرضى: اما نحو قولهم: انا اكبر ‌من‌ ‌ان‌ اشعر، ‌و‌ انت اعظم ‌من‌ ‌ان‌ تقول كذا، فليس المقصود تفضيل المتكلم على الشعر ‌و‌ المخاطب على القول، بل المراد بعدهما عن الشعر ‌و‌ القول، ‌و‌ افعل التفضيل يفيد بعد الفاضل ‌من‌ المفضول ‌و‌ تجاوزه عنه، فمن ‌فى‌ مثله ليست تفضيليه بل هى مثل ‌ما‌ ‌فى‌ قولك: بنت ‌من‌ زيد، تعلقت بافعل المستعمل بمعنى متجاوز ‌و‌ بائن بلا تفضيل، فمعنى قولك: انت اعز على ‌من‌ ‌ان‌ اضربك، انت بائن ‌من‌ ‌ان‌ اضربك ‌من‌ فرط عزتك على. ‌و‌ انما جاز ذلك لان ‌من‌ التفضيليه متعلقه بافعل التفضيل بقريب ‌من‌ هذا المعنى، الا ترى انك اذا قلت: زيد افضل ‌من‌ عمرو، فمعناه زيد متجاوز ‌فى‌ الفضل عن مرتبه عمرو، فمن فيما نحن فيه كالتفضيليه الا ‌فى‌ معنى التفضيل. ‌و‌ منه قول اميرالمومنين عليه السلام ‌فى‌ وصف الدنيا: ‌و‌ لهى بما تعدك ‌من‌ نزول البلاء بجسمك ‌و‌ النقض ‌فى‌ قوتك اصدق ‌و‌ اوفى ‌من‌ ‌ان‌ تكذبك ‌او‌ تغرك. اى: هى متجاوزه ‌من‌ فرط صدقها عن الكذب انتهى.
 اذا عرفت ذلك فمعنى قوله عليه السلام: «انا اكثر ذنوبا ‌من‌ ‌ان‌ احصى لك
 
عيوبى» على توجيه ابن مسعود: ‌و‌ انا اكثر ذنوبا ‌من‌ الذى احصى لك عيوبى، ‌و‌ ‌هو‌ مشكل، لانه لو كان كذلك لوجب ‌ان‌ يقال: ‌من‌ الذى يحصى بالياء، لتكون الصله متحمله لضمير غيبه يعود الى «ان» التى هى اسم بمعنى «الذى»، ‌و‌ كذا الكلام ‌فى‌ نظائره المشتمله على التكلم ‌و‌ الخطاب، ‌و‌ على التوجيه الاول ‌من‌ توجيهى ابن هشام: انا اكثر ذنوبا ‌من‌ محص لك عيوبى، ‌و‌ على التوجيه الثانى منهما: انا ابعد الناس ‌من‌ الاحصاء لعيوبى لكثره ذنوبى، ‌و‌ على توجيه الرضى: انا متجاوز ‌و‌ بائن ‌من‌ كثره ذنوبى عن احصائى لك عيوبى.
 
انما: للحصر عند الجمهور، لتضمنها معنى «ما ‌و‌ الا»، ‌و‌ انكر قوم افادتها اياه، ‌و‌ الصحيح الاول. ‌و‌ ‌هو‌ هنا اما على توجيهه الى نفس الفعل، على معنى ‌ما‌ اقصد بهذا الا توبيخ نفسى ‌لا‌ غيره، كما قاله بعض المفسرين ‌فى‌ قوله تعالى: «يا قوم انما فتنتم به»: ‌ان‌ القصر متوجه الى نفس الفعل ‌لا‌ الى قيده، على معنى انما فعل بكم الفتنه ‌لا‌ الارشاد، ‌لا‌ على معنى انما فتنتم بالعجل ‌لا‌ بغيره. ‌و‌ اما على توجيهه الى المفعول لاجله اعنى طمعا، على معنى ‌ما‌ اوبخ بهذا نفسى الا طمعا. ‌و‌ اما توجيه الى قيد الفعل ‌او‌ الى المفعول ‌به‌ فلا يصح، اذ ليس الغرض ‌ما‌ اوبخ نفسى الا بهذا ‌لا‌ بغيره، ‌و‌ ‌لا‌ ‌ما‌ اوبخ بهذا الا نفسى ‌لا‌ غيرها.
 قال بعضهم ‌فى‌ نظير هذا المقام: لو قيل: ‌ان‌ «انما» هنا لتاكيد الحكم ‌لا‌ للقصر، لم يبعد، لان الحصر يقتضى ‌ان‌ يكون للمخاطب حكم مشوب بصواب ‌و‌ خطا، فيثبت صوابه ‌و‌ يرد خطاه، ‌و‌ المخاطب هنا ‌هو‌ الله سبحانه ‌و‌ ‌هو‌ منزه عن ذلك.
 
 
لا يقال: فلا يحتاج الى التاكيد، لانه لدفع الشك ورد الانكار.
 لانا نقول: قد نص الزمخشرى: ‌و‌ عبد القاهر ‌ان‌ له فوائد اخرى غيرهما، منها: الاهتمام بمضمون الكلام ‌و‌ تقريره ‌و‌ اظهار كمال العنايه به، كما ‌فى‌ «انا فتحنا» ‌و‌ «انا اعطيناك» ‌و‌ ‌كم‌ مثلها انتهى.
 قلت: قد وقع ‌فى‌ مواضع ‌من‌ القرآن المجيد خطابه سبحانه بما ‌هو‌ نص ‌فى‌ الحصر اجماعا، كقوله تعالى حاكيا عن الملائكه: «لا علم لنا الا ‌ما‌ علمتنا» ‌و‌ قوله تعالى حاكيا عن موسى: «ان هى الا فتنتك»، «رب انى ‌لا‌ املك الا نفسى ‌و‌ اخى»، ‌و‌ الحصر فيها لمجرد توكيد الحكم قطعا ‌و‌ ايثاره للمبالغه ‌فى‌ توكيده، اذ الحصر ليس الا تاكيدا للحكم على تاكيد كما قرر ‌فى‌ محله، فلا حاجه الى انكار افاده «انما» للحصر تفاديا عن المحذور المذكور ‌و‌ ارتكاب خلاف الجمهور.
 ‌و‌ وبخته توبيخا: لمته ‌و‌ عنفته ‌و‌ عتبت عليه كلها بمعنى. ‌و‌ قال الفارابى: ‌و‌ بخته: عيرته.
 ‌و‌ طمعا: نصب على المفعول له، ‌و‌ الطمع اكثر ‌ما‌ يستعمل ‌فى‌ تعلق النفس بمحبوب يقرب حصوله.
 ‌و‌ الرافه: اشد الرحمه.
 ‌و‌ الصلاح: حصول الشى ء على الحاله المستقيمه النافعه. ‌و‌ ‌هو‌ نقيض الفساد ‌و‌ ‌هو‌ خروج الشى ء ‌من‌ ‌ان‌ يكون منتفعا به.
 ‌و‌ الرجاء: تعلق النفس بمحبوب ‌فى‌ المستقبل.
 ‌و‌ فككت الرهن: خلصته، ‌و‌ الاسم الفكاك بالفتح، ‌و‌ الكسر لغه حكاها ابن
 
السكيت، ‌و‌ اثبتها صاحب القاموس، ‌و‌ منعها الاصمعى ‌و‌ الفراء، ‌و‌ فكاك الرقاب استعاره ‌فى‌ خلاصها ‌من‌ العذاب. ‌و‌ قد تقدم وجه اطلاق الرقبه على جميع الذات ‌فى‌ الروضه الخامسه فليرجع اليه.
 
 هدايه
 
 اعلم ‌ان‌ توبيخ النفس ‌و‌ معاتبتها باب عظيم ‌من‌ ابواب المرابطه ‌فى‌ سبيل الله، فان للعارفين ‌فى‌ سلوك سبيل الله. ‌و‌ مرابطتهم مع انفسهم مقامات خمسه، ‌و‌ هى المشارطه، ثم المراقبه، ثم المحاسبه، ثم المعاتبه، ثم المعاقبه، ‌و‌ ضربوا لذلك مثالا فقالوا: ينبغى ‌ان‌ تكون حال الانسان مع نفسه كحاله مع شريكه اذا سلم اليه مالا ليتجربه، فالعقل ‌هو‌ التاجر ‌فى‌ طريق الاخره، ‌و‌ مطلبه ‌و‌ ربحه تزكيه النفس، اذ بها فلاحها كما قال تعالى: «قد افلح ‌من‌ زكها»، فالعقل يستعين بالنفس ‌فى‌ هذه التجاره اذ يستسخرها فيما يزكيها كما يستعين الانسان بشريكه، ‌و‌ كما ‌ان‌ الشريك يصير خصما منازعا يحاذيه ‌فى‌ الربح، فيحتاج ‌ان‌ يشارطه اولا ‌و‌ يراقبه ثانيا ‌و‌ يحاسبه ثالثا ‌و‌ يعاتبه ‌او‌ يعاقبه رابعا، فكذلك العقل يحتاج الى هذه المقامات الخمس.
 الاولى: المشارطه، ‌و‌ هى ‌ان‌ يشارط النفس اولا، فيوظف عليها الوظائف ‌و‌ يامرها بسلوك طريق الحق ‌و‌ يرشدها اليه ‌و‌ يحرم عليها سلوك غيره، كما يشترط التاجر على شريكه.
 الثانيه: المراقبه، ‌و‌ هى ‌ان‌ ‌لا‌ يغفل عنها لحظه فلحظه عند خوضها ‌فى‌ الاعمال ‌و‌ يلاحظها بالعين الكالئه، فان الانسان ‌ان‌ غفل عن نفسه ‌و‌ اهملها لم ير منها الا
 
الخيانه ‌و‌ تضييع راس المال، كالعبد الخائن اذا انفرد بمال سيده.
 الثالثه: المحاسبه، ‌و‌ هى ‌ان‌ يحاسبها بعد الفراغ ‌من‌ العمل، ‌و‌ يطالبها بالوفاء بما شرط عليها اولا، فان هذه تجاره ربحها الفردوس الاعلى، فتدقيق الحساب ‌فى‌ هذا اهم ‌من‌ التدقيق ‌فى‌ ارباح الدنيا، لحقارتها بالنسبه الى نعيم الاخره، فلا ينبغى ‌ان‌ يترك مناقشتها ‌فى‌ ذره ‌من‌ حركاتها ‌و‌ سكناتها ‌و‌ خطراتها ‌و‌ لحظاتها، فان كل نفس ‌من‌ انفاس العمر جوهره نفيسه ‌لا‌ عوض لها، يمكن ‌ان‌ يشترى ‌به‌ كنز ‌من‌ كنوز الاخره ‌لا‌ يتناهى نعيمه ‌و‌ لايظعن مقيمه. قالوا: ‌و‌ ينبغى للانسان ‌ان‌ يخلو عقيب فريضه كل صبح بنفسه، ‌و‌ يقول لها: ‌اى‌ نفس مالى بضاعه الا العمر، ‌و‌ مهما فنى فقد فنى راس مالى ‌و‌ وقع الياس ‌من‌ التجاره ‌و‌ طلب الربح، ‌و‌ هذا يوم جديد قد امهلنى الله فيه، ‌و‌ لو توفانى لقلت: «رب ارجعون لعلى اعمل صالحا فيما تركت»، فاجيبنى انك توفيت ثم رردت، فاياك ‌و‌ تضييع هذا اليوم ‌و‌ الغفله فيه.
 الرابعه: المعاتبه ‌و‌ التوبيخ، ‌و‌ قد علمت ‌ان‌ لك نفسا اماره بالسوء مياله الى الشر، ‌و‌ قد امرت بتقويمها وقودها بسلاسل القهر الى عباده ربها ‌و‌ طاعه خالقها، فسبيل المعاتبه ‌و‌ التوبيخ ‌ان‌ تعدد للنفس عيوبها، ‌و‌ تذكر لها ‌ما‌ هى عليه ‌من‌ الجهل ‌فى‌ ارتكاب المعاصى ‌و‌ انحرافها عن سلوك سبيل الله، لتذل ‌و‌ تنكسر فتضعف سوره شهوتها، ‌و‌ تستعد بذلك الى استنزال رحمه الله تعالى ‌و‌ رافته، كما ارشد اليه سيدالعابدين ‌و‌ امام المتقين ‌فى‌ هذا الدعاء.
 قال بعض العارفين: اعلم ‌ان‌ النفس شرد جموح، فان اهملتها لم تظفر بها بعد ذلك، ‌و‌ ‌ان‌ لازمتها بالتوبيخ ‌و‌ المعاتبه ‌و‌ اللائمه كانت نفسك هى النفس اللوامه.
 
الخامسه: المعاقبه ‌و‌ المجاهده، ‌و‌ ذلك اذا رآى نفسه قد قارفت معصيته ‌او‌ همت بها، فينبغى ‌ان‌ يعاقبها بالتضييق عليها ‌فى‌ الامور المباحه ‌و‌ ياخذها بالصبر عنها. ‌و‌ اذا رآها توانت ‌و‌ كسلت عن شى ء ‌من‌ الفضائل ‌و‌ ورد ‌من‌ الاوراد، فينبغى ‌ان‌ يودبها بتثقيل الاوراد عليها ‌و‌ يلزمها فنونا ‌من‌ الطاعات جبرا لمافات.
 قال بعض ارباب العرفان: ‌ان‌ هذه النفس ‌فى‌ غايه الخساسه ‌و‌ الدناءه ‌و‌ نهايه الجهل ‌و‌ الغباوه، ‌و‌ ينبهك على ذلك انها همت بمعصيه ‌او‌ انبعثت بشهوه، لو تشفعت اليها بالله سبحانه ثم برسوله ‌و‌ بجميع انبيائه ثم بكتبه ‌و‌ السلف الصالح ‌من‌ عباده، ‌و‌ عرضت عليها الموت ‌و‌ القبر ‌و‌ القيامه ‌و‌ الجنه ‌و‌ النار، ‌لا‌ تكاد تعطى القياد ‌و‌ ‌لا‌ تترك الشهوه، ثم ‌ان‌ متعتها رغيفا سكنت ‌و‌ ذلت ‌و‌ لانت بعد الصعوبه ‌و‌ الجماح ‌و‌ تركت الشهوه.
 
الرق بالكسر: العبوديه، ‌و‌ ‌هو‌ مصدر رق الشخص يرق- ‌من‌ باب ضرب- فهو رقيق، ‌و‌ يتعدى بالهمزه فيقال: ارقه فهو مرق، ‌و‌ قد يتعدى بالحركه فيقال: ارقه فهو مرق، ‌و‌ قد يتعدى بالحركه ايضا فيقال: رقه يرقه- ‌من‌ باب قتل- فهو مرقوق.
 ‌و‌ اعتقه: خلصه ‌من‌ الرق فهو معتق، ‌و‌ ‌لا‌ يقال: عتقه فهو معتوق. ‌و‌ لفظ الارقاق استعاره ‌فى‌ تمكن هيئات الذنوب ‌من‌ نفسه، ‌و‌ الاعتاق استعاره لمحو تلك الهيئات منها، ‌و‌ كذا الكلام فيما بعده.
 ‌و‌ لما كان المعتاد ‌فى‌ الاثقال حملها على الظهر خص الظهر باثقال الخطايا له،
 
كما قال تعالى: «و ‌هم‌ يحملون اوزارهم على ظهورهم».
 قال ‌فى‌ الكشاف: ‌هو‌ كقوله تعالى: «فما كسبت ايديكم»، لانه اعتيد حمل الاثقال على الظهور كما الف الكسب بالايدى. ‌و‌ الخطايا: جمع خطيئه، ‌و‌ هى الذنب.
 ‌و‌ قيل: الفرق بينهما ‌ان‌ الذنب قد يطلق على ‌ما‌ يقصد بالذات، ‌و‌ الخطيئه تغلب على ‌ما‌ يقصد بالعرض لانها ‌من‌ الخطا. ‌و‌ اصل خطايا خطائى كخطايع، فابدلت الهمزه ياء، فعند سيبوبه انه ابدلت الياء الزائده همزه لوقوعها بعد الالف، فاجتمعت همزتان، فابدلت الثانيه ياء، ثم قلبت الفا، ‌و‌ كانت الهمزه بين الفين فابدلت ياء. ‌و‌ عند الخليل قدمت الهمزه على الياء، ثم فعل بهما ‌ما‌ ذكر.
 
«الى» ‌من‌ قوله: «بكيت اليك»: اما بمعنى اللام، كما قيل ‌فى‌ قوله تعالى: «و الامر اليك» اى: بكيت لك، ‌و‌ اما على تضمين بكيت معنى الانابه، اى: بكيت منيبا اليك. ‌و‌ قد سبق منا الكلام على حقيقه التضمين ‌فى‌ اوائل الكتاب.
 ‌و‌ اشفار العين: منابت الهدب، جمع شفر بالضم كقفل ‌و‌ اقفال، ‌و‌ قد يفتح.
 
قال ابن قتيبه: ‌و‌ العامه تجعل اشفار العين الشعر، ‌و‌ ‌هو‌ غلط، ‌و‌ انما الاشفار حروف العين التى ينبت عليها الشعر، ‌و‌ الشعر الهدب.
 ‌و‌ النحب ‌و‌ النحيب ‌و‌ الانتحاب: البكاء بصوت طويل ‌و‌ مد، قاله ‌فى‌ النهايه.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ القاموس: النحيب اشد البكاء، ‌و‌ انتحب تنفس شديدا. ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: نحب الباكى ينحب نحيبا ‌و‌ انتحب انتحابا: جد ‌فى‌ بكائه.
 ‌و‌ انتشر العصب ‌و‌ تنشر: انتفخ.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ الصحاح: الانتشار انتفاخ ‌فى‌ عصب الدابه ‌و‌ يكون ذلك ‌من‌ التعب».
 ‌و‌ الخلع ‌و‌ يحرك: زوال المفاصل ‌من‌ غير بينونه، خلع مفصله فانخلع اى: ازاله عن مكانه.
 ‌و‌ الصلب بالضم: الظهر.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: ‌هو‌ عظم ‌من‌ لدن الكاهل الى العجب. وفقا عينه- ‌من‌ باب منع- خسفها فانفقات ‌و‌ تفقات. ‌و‌ الحدقه: سواد العين، ‌و‌ تطلق على جمله العين.
 ‌و‌ طول عمرى: منصوب على الظرفيه، اى: مده امتداد عمرى، ‌من‌ طال الشى ء بمعنى امتد.
 ‌و‌ ماء الرماد: ‌اى‌ المشوب بالرماد، ‌و‌ ماء رمد ‌اى‌ كدر صار على لون الرماد. ‌و‌ انما خص الرماد بالذكر لوجهين:
 احدهما: تجفيفه الذى ‌هو‌ خلاف الغرض المطلوب ‌من‌ شرب الماء ‌و‌ ‌هو‌ الترطيب، فلا يكون ‌فى‌ شربه غناء للشارب. فان الرماد بانواعه مجفف.
 
الثانى: تكديره الماء تكديرا ‌لا‌ يكاد يصفو معه ابدا. ‌و‌ آخر دهرى: ‌اى‌ ابدا.
 قال الجوهرى: قولهم: ‌لا‌ افعله اخرى الليالى اى: ابدا، ‌و‌ اخرى المنون اى: آخر الدهر.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: ‌لا‌ اكلمه آخر الدهر اى: ابدا ‌و‌ انما فسروا آخر الدهر بمعنى ابدا ‌و‌ ‌ان‌ كان الابد استمرار الوجود ‌فى‌ ازمنه مقدره غير متناهيه ‌فى‌ جانب المستقبل، لانهم ‌لا‌ يريدون بالابد ‌فى‌ مثل هذا المقام الا مده العمر.
 قال الرمانى: اذا قلت: ‌لا‌ اكلمه ابدا، فالابد ‌من‌ لدن تكلمت الى آخر عمرك. ‌و‌ نصبه قيل: على حذف الى، اى: الى آخر دهرى. ‌و‌ قيل: على الظرفيه، لانه بمعنى ابدا. ‌و‌ الطرف: نظر العين.
 قال الخليل: ‌لا‌ يثنى ‌و‌ ‌لا‌ يجمع، لانه مصدر طرف اذا حرك جفونه ‌فى‌ النظر
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الطرف العين، ‌و‌ اسم جامع للبصر.
 ‌و‌ الافاق: جمع افق بضمتين، ‌و‌ ‌هو‌ الناحيه ‌من‌ السماء ‌و‌ الارض. ‌و‌ عدم رفع النظر الى آفاق السماء، اما كنايه عن غض الطرف ‌و‌ الاطراق ‌من‌ الحياء، فان الانسان اذا استحيا كسر طرفه ‌و‌ اطرق براسه راميا ببصره الى الارض، ‌و‌ اما لان السماء موضع عرشه سبحانه ‌و‌ مسكن ملائكته ‌و‌ مصعد الكلم الطيب ‌و‌ العمل الصالح، فهو يستحى ‌ان‌ ينظر الى آفاقها.
 كما روى ‌ان‌ بعض الصالحين صلى يوما خارج المسجد، فقيل له: لم لادخلت المسجد فصليت فيه؟ فقال: استحى ‌ان‌ ادخل بيته ‌و‌ قد عصيته.
 
و استوجب الشى ء: استحقه، ‌من‌ وجب الحق اذا لزم ‌و‌ ثبت. ‌و‌ السيئه: اصلها سيوءه على فيعله ‌من‌ ساء يسووه سوء ‌و‌ مساءه، قلبت الواو ياء كراهه اجتماعهما لجريانهما مجرى المثلين، ‌و‌ ادغمت ‌فى‌ الياء قبلها. ‌و‌ هى ‌من‌ الصفات الغالبه تتناول جميع المعاصى صغرت ‌او‌ كبرت.
 ‌و‌ واحده: صفه مفادها التوكيد كنفخه واحده.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ مفاد هذا الفصل ‌من‌ الدعاء نفى استيجاب العبد عفوه تعالى على كل حال، لانه اذا انتفى مع ثبوت الاسباب ‌و‌ الوسائل، التى هى فوق الجهد ‌فى‌ التبتل ‌و‌ التضرع اليه تعالى، فانتفاوه مع عدمها اولى، ف«لو» هنا للدلاله على ‌ان‌ الجزاء لازم الوجود دائما.
 
كنت: هنا تفيد الاستمرار ‌و‌ الدوام، فان كان تختص باستمرار خبرها لاسمها.
 ‌و‌ استوجب مغفرتك: ‌اى‌ استيجاب تفضل ‌و‌ كرم ‌و‌ احسان، ‌و‌ كذلك قوله: «حين استحق»، فانه سبحانه اوجب للعبد على نفسه قبول توبته تفضلا منه ‌و‌ كرما، كما قال تعالى: «انما التوبه على الله للذين يعملون السوء بجهاله ثم يتوبون ‌من‌ قريب »، فان «على» هنا مفادها الوجوب، اى: واجبه على الله وجوب كرم، ‌لا‌ وجوبا يستحق بتركه الذم فالعبد بهذا الاعتبار يستوجب منه تعالى المغفره ‌و‌ يستحق العفو، ‌لا‌ باعتبار ‌ان‌ ذلك له ‌حق‌ واجب استوجبه ‌و‌ يستحقه، فلا منافاه
 
بين نفى الاستيجاب اولا ‌و‌ اثباته ثانيا.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله: «فان ذلك» رابطه لجواب الشرط.
 ‌و‌ التحقيق ‌فى‌ مثل ذلك ‌ان‌ الجواب محذوف ‌لا‌ مذكور، لان الجواب مسبب عن الشرط، ‌و‌ ذلك غير واجب له سواء اوجد المغفره ‌و‌ العفو ‌او‌ لم يوجد هما، ‌و‌ انما الاصل فقد تفضلت فان ذلك غير واجب لى، ‌و‌ مثله قوله تعالى: «من كان يرجوا لقاء الله فان اجل الله لات» فليبادر الى العمل فان اجل الله لات، لان اجل الله آت سواء اوجد الرجاء ‌ام‌ لم يوجد، فلم يكن مسببا عن الشرط ليكون جوابا، فوجب ‌ان‌ يكون الجواب محذوفا.
 ‌و‌ اذ: لتعليل نفى وجوب ذلك له، اى: ‌ان‌ ذلك غير واجب لى باستحقاق، لاجل كون جزائى ‌فى‌ اول ‌ما‌ عصيتك النار. ‌و‌ هل «اذ» هذه حرف بمنزله لام العله؟ ‌او‌ ظرف ‌و‌ التعليل مستفاد ‌من‌ قوه الكلام لامن اللفظ؟ قولان، اختار ابن مالك الاول، ‌و‌ رجحه الرضى حيث قال: يجى ء اذ للتعليل. ‌و‌ الاولى حرفيتها اذن، اذ ‌لا‌ معنى لتاويلها بالوقت حتى تدخل ‌فى‌ ‌حد‌ الاسم.
 ‌و‌ اختار الشلوبين الثانى، ‌و‌ كان تحتمل النقصان ‌و‌ الزياده.
 ‌و‌ روايه ابن ادريس «النار» بالرفع، اما انها اسم كان على النقصان، ‌و‌ اما انها خبر المبتدا على الزياده.
 ‌و‌ ما: مصدريه زمانيه، اى: ‌فى‌ اول زمان عصيانى، ‌و‌ فيه اشاره الى قوله تعالى: «و ‌من‌ يعص الله ‌و‌ رسوله ‌و‌ يتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها ‌و‌ له عذاب
 
مهين»، ‌و‌ انما كان الجزاء ‌فى‌ اول وقت العصيان النار، لان الجزاء مسبب عن العمل، فمتى وجد السبب وجب وجود المسبب، فكان مقتضى العدل انه متى حصل العصيان حصل جزاوه، لكنه سبحانه تانى عباده ‌و‌ امهلهم ليستغفروه ‌و‌ ينيبوا اليه، فيغفر لهم بمقتضى رحمته التى وسعت كل شى.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله: «فان تعذبنى»: فصيحه، اى: اذا كان الامر هكذا فان تعذبنى فلا لوم عليك، فانت غير ظالم لى. ‌و‌ انما قدرنا الجواب محذوفا لما ذكرناه آنفا.
 
تكرير النداء مرارا ‌فى‌ هذا الدعاء للتضرع، ‌و‌ اظهار لكمال الخضوع، ‌و‌ عرض للاعتراف بالوهيته مع الايمان به.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله: «فاذ تغمدتنى»: للترتيب الذكرى، كالتفصيل بعد الاجمال المفهوم ‌من‌ معاملته سبحانه له بخلاف مقتضى الجزاء وقت العصيان.
 ‌و‌ قول بعضهم: انها للتعقيب غلط، كانه لم يفرق بين الترتيب ‌و‌ التعقيب، ‌و‌ لم يعلم ‌ان‌ المراد بالترتيب ‌ان‌ يكون المعطوف بها متاخرا عن المعطوف عليه، ‌و‌ بالتعقيب ‌ان‌ يكون متصلا بالمعطوف عليه بلا تراخ.
 ‌و‌ اذ ‌فى‌ مثل هذا المقام قيل: حرف للتعليل كما مر.
 ‌و‌ قيل: ظرفيه.
 ‌و‌ تغمده الله برحمته: ستره بها، ماخوذ ‌من‌ غمد السيف ‌و‌ ‌هو‌ غلافه.
 ‌فى‌ القاموس: تغمده الله برحمته غمره بها، ‌و‌ فلانا ستر ‌ما‌ كان منه.
 
و تانى ‌فى‌ الامر: تمكث ‌و‌ لم يعجل، ‌و‌ عداه بنفسه لتضمينه معنى امهلتنى ‌و‌ انظرتنى.
 ‌و‌ حلم بالضم حلما بالكسر: صفح ‌و‌ ستر، ‌و‌ لذلك يعدى تاره ب«عن» فيقال: حلم عنه لانه بمعنى صفح، ‌و‌ تاره ب«على» فيقال: حلم عليه لانه بمعنى ستر.
 ‌و‌ غيرت الشى ء تغييرا: ازلته عما كان عليه.
 ‌و‌ كدر الماء يكدر مثلثه: زال صفاوه، ‌و‌ يتعدى بالتضعيف فيقال: كدرته.
 قال ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز كدر عيشه ‌و‌ تكدر، ‌و‌ صفا امرى فكدره فلان انتهى.
 ‌و‌ المعروف: الجود ‌و‌ الاحسان.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ اسم ‌ما‌ تبذله ‌و‌ تعطيه، اضمر تشبيهه بالماء الصافى، ‌و‌ اثبت له التكدير الذى ‌هو‌ ‌من‌ لوازم المشبه به، فالكلام استعاره مكنيه تخييليه.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله: «فارحم»: زائده على القول بان «اذ» ‌من‌ قوله: «فاذ تغمدتنى» حرف تعليل، ‌و‌ اما على القول بانها ظرفيه فهى رابطه، لاجراء الظرف مجرى كلمه الشرط، كما ذكر سيبويه ‌فى‌ نحو زيد حين لقيته فانا اكرمه.
 ‌و‌ قال الرضى: يجوز ‌ان‌ يكون مما اضمر فيه اما ‌و‌ التقدير على هذا: فاما اذ تغمدتنى فارحم.
 ‌و‌ طول تضرعى: ‌اى‌ امتداده ‌من‌ طال الشى ء بمعنى امتد. ‌و‌ المسكنه قيل: مشتقه ‌من‌ لفظ المسكين، كما اشتقوا منه الفعل فقالوا تمسكن.
 ‌و‌ قيل: هى مفعله ‌من‌ السكون كالمنجله ‌من‌ النجل، ‌و‌ معناها الخضوع ‌و‌ الذله.
 ‌و‌ الموقف: هنا مصدر ميمى بمعنى الوقوف، ‌و‌ انما اضاف السوء اليه لانه موقف
 
عاص خائف ‌من‌ مولاه، ‌و‌ ‌هو‌ وقوف يسوء صاحبه.
 
وقاه الله السوء يقيه وقايه: حفظه منه، ‌و‌ عداه الى الثانى ب«من» لتضمينه معنى الحفظ ‌و‌ الصون.
 ‌و‌ استعملنى: ‌اى‌ وفقنى للعمل بالطاعه.
 ‌و‌ الانابه: الرجوع الى الله تعالى.
 ‌و‌ التوبه قيل: بمعناها، ‌و‌ قيل: هى الندم على فعل المعصيه، ‌و‌ ‌حل‌ عقده الاصرار عن القلب، ثم القيام بجميع حقوق الرب، ‌و‌ سياتى ‌فى‌ دعائه عليه السلام ‌فى‌ ذكر التوبه ‌و‌ طلبها ‌ان‌ التوبه هى الندم، ‌و‌ الانابه ترك المعاصى، حيث قال: «اللهم ‌ان‌ يكن الندم توبه اليك فانا اندم النادمين، ‌و‌ ‌ان‌ يكن الترك لمعصيتك انابه فانا اول المنيبين».
 ‌و‌ ايده تاييدا: قواه.
 ‌و‌ العصمه ‌فى‌ اللغه: اسم ‌من‌ عصمه الله ‌من‌ المكروه يعصمه- ‌من‌ باب ضرب- بمعنى حفظه ‌و‌ وقاه.
 ‌و‌ ‌فى‌ العرف: فيض الهى يقوى ‌به‌ العبد على تحرى الخير ‌و‌ تجنب الشر، ذكره الراغب.
 
و عند المتكلمين: عباره عن ‌ان‌ ‌لا‌ يخلق الله ‌فى‌ العبد ذنبا، ‌و‌ هذا قريب منه.
 ‌و‌ قال الحكماء: هى ملكه تمنع الفجور ‌و‌ يحصل بها العلم بمثالب المعاصى ‌و‌ مناقب الطاعات.
 ‌و‌ قيل: هى ملكه اجتناب المعاصى مع التمكن منها.
 ‌و‌ استصلحه: طلب صلاحه، ‌و‌ المراد هنا ارد صلاحى «و قدره لى بالعافيه»: ‌و‌ العافيه لفظه متناوله لدفع جميع المكروهات، الظاهره ‌فى‌ البدن، ‌و‌ الباطنه ‌فى‌ الدين.
 ‌و‌ المغفره: اسم ‌من‌ غفر الله له غفرا ‌و‌ غفرانا- ‌من‌ باب ضرب- صفح عنه. ‌و‌ ‌فى‌ الكلام استعاره مرشحه، فانه استعار الحلاوه لثمره المغفره بجامع اللذه، ثم فرع عليها ‌ما‌ يلائم الحلاوه ‌من‌ الاذاقه.
 ‌و‌ الطليق: فعيل بمعنى مفعول، ‌من‌ اطلقت الاسير اذا حللت اساره ‌و‌ خليت عنه فانطلق.
 ‌و‌ العتيق: مثله، ‌من‌ اعتقت العبد اذا خلصته ‌من‌ الرق.
 ‌و‌ اكتب لى: ‌اى‌ اوجب لى ‌و‌ حقق ‌و‌ اثبت، ‌و‌ اصله ‌من‌ الكتابه بالقلم.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز: كتب عليه كذا قضى عليه، ‌و‌ كتب الله الاجل ‌و‌ الرزق، ‌و‌ كتب على عباده الطاعه ‌و‌ على نفسه الرحمه.
 ‌و‌ آثر لفظ الكتابه ‌و‌ لم يقل: «و اجعل لى» ‌او‌ «اوجب لى»، لان الكتابه اثبت ‌و‌ ادوم.
 يقال: كتب رزق فلان ‌فى‌ الديوان، فيدل ذلك على دوامه ‌و‌ ثبوته على مرور الازمان.
 
و التبشير: الاخبار بما يسر المخبر ‌به‌ اذا كان سابقا لكل خبر سواه، ‌و‌ لهذا قال علماء الجمهور: اذا قال لعبيده: ايكم بشرنى بقدوم فلان فهو حر، فبشروه فرادى، عتق اولهم، لانه ‌هو‌ الذى سره بخبره سابقا، ‌و‌ لو قال مكان بشرنى: اخبرنى، عتقوا جميعا. ‌و‌ اشتقاقه قيل: ‌من‌ البشر ‌و‌ ‌هو‌ السرور، فيختص بالخبر الذى يسر.
 ‌و‌ اما قوله تعالى: «فبشرهم بعذاب اليم»، «و اذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا»، فمن باب التهكم ‌و‌ الاستهزاء.
 ‌و‌ قيل: ‌من‌ البشره ‌و‌ ‌هو‌ ظاهر الجلد، لتاثيره ‌فى‌ تغيير بشره الوجه، فيكون ‌فى‌ ‌ما‌ يسر ‌و‌ يغم، لان السرور كما يوجب تغيير البشره فكذلك الحزن يوجبه، فوجب ‌ان‌ يكون لفظ التبشير حقيقه ‌فى‌ القسمين، لكنه عند الاطلاق يختص ‌فى‌ العرف بما يسر، ‌و‌ ‌ان‌ اريد خلافه قيد، قال تعالى: «فبشر عبادى»، ‌و‌ ‌فى‌ الثانى: «فبشرهم بعذاب اليم».
 ‌و‌ البشرى بالضم فعلى اسم منه.
 ‌و‌ العاجل ‌و‌ الاجل: وصفان لمحذوف.
 ‌و‌ دون: بمعنى قبل، اى: ‌فى‌ الوقت العاجل قبل الوقت الاجل، يريد ‌فى‌ الدنيا قبل الاخره.
 ‌و‌ عرفه الامر تعريفا: اعلمه به، ‌و‌ عرفه: بينه، اعلمه بمكانه. ‌و‌ العلامه: الاماره التى يعرف بها الشى ء.
 ‌و‌ تبين فلان الشى ء: عرفه معرفه واضحه ‌من‌ باب الامر اذا اتضح ‌و‌ انكشف.
 فان قلت: ‌ما‌ المراد بهذا التبشير ‌و‌ التعريف ‌فى‌ العاجل؟
 
قلت: يحتمل ‌ان‌ يريد ‌به‌ ‌ان‌ يرى ‌فى‌ منامه ‌ما‌ يتحقق ‌به‌ اجابه دعوته، فان الرويا الصالحه مبشره.
 ‌و‌ قد روى عن ابى جعفر عليه السلام ‌فى‌ قوله تعالى: «الذين آمنوا ‌و‌ كانوا يتقون لهم البشرى ‌فى‌ الحياه الدنيا ‌و‌ ‌فى‌ الاخره»: ‌ان‌ البشرى ‌فى‌ الدنيا الرويا الصالحه، يراها المومن لنفسه ‌او‌ ترى له، ‌و‌ ‌فى‌ الاخره بالجنه، ‌و‌ هى ‌ما‌ تبشرهم الملائكه عند خروجهم ‌من‌ القبور ‌و‌ ‌فى‌ القيامه الى ‌ان‌ يدخلوا الجنه يبشرونهم بها حالا بعد حال.
 ‌و‌ عن ابى الدرداء، سالت النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم عن قول الله تعالى: «لهم البشرى ‌فى‌ الحياه الدنيا»، قال: ‌ما‌ سالنى احد قبلك، هى الرويا الصالحه يرها المسلم ‌او‌ ترى له.
 قال بعض العلماء: ‌و‌ انما كانت الرويا الصالحه توجب البشاره، لانها دليل صفاء القلب، ‌و‌ اتصال النفس الى العالم القدسى، ‌و‌ الاطلاع على بعض ‌ما‌ هنا لك ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون مراده ‌ان‌ يوفقه سبحانه للاستعداد الى مشاهده احواله ‌و‌ سعادته التى يوول اليها ‌فى‌ الاخره فيراها بعين بصيرته ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ هذه الدار، فيتحقق انه سبحانه قد اطلق ربقته ‌و‌ اعتق رقبته ‌و‌ اوجب له امانه ‌و‌ بلغه رضوانه. ‌و‌ عبر عن هذا المعنى بالتبشير، لما يقتضيه ‌من‌ السرور الذى ‌لا‌ اسر منه، ‌و‌ ‌من‌ هنا قالوا: ‌ان‌ العارف ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌فى‌ الدنيا بجسده، فهو ‌فى‌ مشاهدته بعين بصيرته لاحوال الجنه ‌و‌ سعادتها ‌و‌ احوال النار ‌و‌ شقاوتها، كالذين شاهدوا الجنه بعين جسمهم ‌و‌ تنعموا فيها، ‌و‌ كالذين شاهدوا النار ‌و‌ عذبوا فيها، ‌و‌ هى مرتبه عين اليقين، ‌و‌ الله اعلم بمطالب اوليائه.
 
هذه الجمل تعليل للدعاء ‌و‌ اجابه المسوول.
 ‌و‌ ضاق عليه الامر: شق ‌و‌ تعسر.
 ‌و‌ الوسع بالضم: الطاقه ‌و‌ القوه، ‌و‌ منه «لا يكلف الله نفسا الا وسعها».
 ‌و‌ تكاده الامر على تفاعل ‌و‌ تفعل، ‌و‌ تصعده ‌و‌ تصاعده كذلك: اشتد عليه ‌و‌ صعب، ‌من‌ قولهم: عقبه كوود ‌و‌ عقبه صعود اى: صعبه ‌لا‌ يجوزها الا المخف.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه «يتصعبك» بالباء ‌من‌ الصعوبه.
 ‌و‌ الاناه: الحلم.
 ‌و‌ اده الشى ء: ثقل عليه.
 ‌و‌ جزل الخطب بالضم: اذا عظم ‌و‌ غلظ فهو جزل ‌و‌ جزيل، ثم استعير للعطاء، فقيل: اجزل له ‌فى‌ العطاء: اذا اوسعه، ‌و‌ ‌هو‌ جزيل العطاء: وسيعه، ‌و‌ له عطاء جزل ‌و‌ جزيل.
 ‌و‌ الهبه: العطيه بلا عوض، اصلها ‌و‌ هبه بالكسر، استثقلت الكسره على الواو فنقلت الى العين، ثم حذفت الواو، ‌و‌ لزمت تاء التانيث كالعوض.
 ‌و‌ الايات: جمع آيه ‌و‌ هى العلامه، يحتمل ‌ان‌ يراد بها هنا الايات القرآنيه المتضمنه لبيان سعه جوده ‌و‌ كرمه، ‌و‌ سميت الايه القرآنيه آيه لكونها علامه على صدق ‌من‌ اتى بها، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد بها العلامات ‌و‌ الاثار الداله على جزيل احسانه ‌و‌ جميل امتنانه، ‌و‌ هى اكثر ‌من‌ ‌ان‌ تحصى ‌و‌ اوفر ‌من‌ ‌ان‌ تستقصى، كما مر بيانه ‌فى‌ شرح صدر هذا الدعاء عند قوله عليه السلام «و انت الذى عطاوه اكثر ‌من‌ منعه».
 
انك تفعل ‌ما‌ تشاء ‌و‌ تحكم ‌ما‌ تريد: ‌اى‌ تفعل ‌ما‌ تشاء ‌من‌ الافعال ‌و‌ تحكم ‌ما‌ تريد ‌من‌ الاحكام، حسبما تقتضيه المشيئه ‌و‌ الاراده المبنيتان على الحكم البالغه ‌لا‌ يمنعك مانع ‌و‌ ‌لا‌ يعوقك عائق، فيدخل ‌فى‌ ذلك- ‌ان‌ شاء ‌و‌ اراد- ابلاغ الداعى ماموله ‌و‌ ايتاوه مسووله، ‌و‌ قد تقدم الكلام على المشيئه ‌و‌ الاراده ‌و‌ الفرق بينهما ‌فى‌ الروضه الاولى، فاغنى عن الاعاده.
 ‌و‌ قوله: «انك على كل شى ء قدير» تعليل ‌و‌ تقرير لمضمون الجمله قبله، فان القادر ‌هو‌ الذى ‌ان‌ شاء فعل ‌و‌ ‌ان‌ لم يشا لم يفعل. ‌و‌ القدير: ‌هو‌ الفعال لما يشاء الحاكم بما يريد، لان الحكم بالقضاء يرجع الى القدره، ‌و‌ الله اعلم.
 هذا آخر الروضه السادسه عشره ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيدالعابدين، ‌و‌ قد وفق الله سبحانه لاتمامها قبيل العصر ‌من‌ يوم الجمعه لاحدى عشره خلون ‌من‌ ذى القعده الحرام عام مائه ‌و‌ الف، ‌و‌ لله الحمد.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^