فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 17

بسم الله الرحمن الرحيم  ‌و‌ ‌به‌ نستعين


 الحمد لله العلى العظيم، ‌و‌ الصلاه ‌و‌ السلام على نبيه الكريم، المنزل عليه ‌فى‌ الذكر الحكيم، «و اما ينزغنك ‌من‌ الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه ‌هو‌ السميع العليم»، ‌و‌ على آله الداعين الى الدين القويم الهادين الى الصراط المستقيم.
 ‌و‌ بعد فهذه الروضه السابعه عشره ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيدالعابدين ، املاء العبد الراجى فضل ربه السنى على صدرالدين الحسينى الحسنى، شرح الله صدره ‌و‌ وضع عنه وزره الذى انقض ظهره.
 
الاستعاذه: طلب العوذ، ‌و‌ ‌هو‌ الالتجاء ‌او‌ الاعتصام ‌او‌ التحصن.
 ‌و‌ الشيطان: فيعال ‌من‌ الشطن ‌و‌ ‌هو‌ البعد، لبعده عن الله تعالى ‌او‌ عن الخير، يريد ابعاده المتقرب الى الله لكونه ابعد ‌من‌ اجله، ‌او‌ فعلان ‌من‌ الشيط ‌و‌ ‌هو‌ البطلان ‌و‌ الهلاك ‌و‌ الاحتراق، لانه باطل ‌فى‌ نفسه مبطل لمصالحه ‌و‌ مصالح ‌من‌ ابطل ‌من‌ اجله هالك باللعنه، يريد اهلاك ‌من‌ لعن لاجله، محترق غضبا عليه اذا راه يتقرب الى ربه، ‌و‌ المستعاذ منه وسواسه ‌و‌ اغواوه ‌و‌ جميع شروره، بل نفسه لانه بذاته ‌شر‌ يستعاذ منه. ‌و‌ هنا مسائل ‌لا‌ باس بالتعرض لها.
 الاولى: اختلف ‌فى‌ وجود الشياطين، فانكره قوم لوجوه.
 الاول: لو كانت موجوده فاما ‌ان‌ تكون اجساما لطيفه ‌او‌ كثيفه، ‌و‌ كلاهما باطل.
 اما الاول فلانه يلزم ‌ان‌ ‌لا‌ تقدر على الاعمال الشاقه التى ينسبها اليهم المثبتون، ‌و‌ لوجب ‌ان‌ تتلاشى ‌و‌ تتمزق بادنى قوه ‌و‌ سبب يصل اليها ‌من‌ خارج كالريح العاصفه، ‌و‌ ‌هو‌ خلاف ‌ما‌ يعتقده المثبتون.
 
و اما الثانى فلانه يوجب ‌ان‌ يراهم كل ‌من‌ كان سليم الحس لكنا ‌لا‌ نراهم، ‌و‌ لو جوزنا اجساما كثيفه ‌لا‌ نراها لجاز ‌ان‌ يكون بحضرتنا جبال ‌و‌ تلال ‌لا‌ نراها، ‌و‌ بوقات ‌و‌ طبول لانسمعها، ‌و‌ ‌هو‌ سفسطه محضه.
 ‌و‌ الجواب: ‌ان‌ لطفها بمعنى الشفافيه اعنى عدم اللون، فلا يلزم احد الامرين، لجواز ‌ان‌ يقوى الشفاف الذى لالون له على الاعمال الشاقه ‌و‌ ‌لا‌ ينفعل بسرعه، ‌و‌ مع ذلك فلا نراها، الا ترى ‌ان‌ الريح تدحرج الاحجار العظيمه ‌من‌ الشواهق، ‌و‌ تكسر الاشجار الباسقه، ‌و‌ تخرب العمارات الهائله، مع كمال لطافتها؟
 ‌و‌ بالجمله: فاذا اردتم باللطافه الشفافيه، فنختار انها لطيفه ‌و‌ ‌لا‌ يلزم عدم قوتها، ‌و‌ ‌ان‌ اردتم بها سرعه الانفعال ‌و‌ الانقسام ورقه القوام، فنختار انها غير لطيفه ‌و‌ ‌لا‌ يلزم رويتها كالافلاك، كيف؟ ‌و‌ قد يفيض عليها القادر المختار- مع لطافتها ‌و‌ رقتها- قوه عظيمه، فان القوه ‌لا‌ تتعلق بالقوام ‌فى‌ الرقه ‌و‌ الغلظ، ‌و‌ ‌لا‌ بالجثه ‌فى‌ الصغر ‌و‌ الكبر، الا ترى ‌ان‌ قوام الانسان دون قوام الحديد ‌و‌ الحجر، ‌و‌ يرى بعضهم يفتل الحديد ‌و‌ يكسر الحجر ‌و‌ يصدر منه ‌ما‌ ‌لا‌ يمكن ‌ان‌ يسند الى غلظ القوام؟ ‌و‌ نرى الحيوانات مختلفه ‌فى‌ القوه اختلافا ليست بحسب اختلاف القوام ‌و‌ الجثه، كما ‌فى‌ الاسد مع الحمار.
 الثانى: لو كان لها وجود ‌فى‌ العالم لخالطوا الناس ‌و‌ شوهدت منهم العداوه ‌و‌ الصداقه ‌و‌ ليس كذلك، ‌و‌ اهل التعزيم اذا تابوا ‌من‌ صنعتهم يكذبون انفسهم فيما ينسبون اليهم. ‌و‌ مجال المنع ‌فى‌ هذا الوجه ‌لا‌ يخفى ضعفه، لثبوت الاختلاط ‌و‌ العداوه منهم بالنسبه الى كثيرين، قال تعالى: «و اذ صرفنا اليك نفرا ‌من‌ الجن»، «و ‌من‌ الجن ‌من‌ يعمل بين يديه».
 
و قال عليه السلام: ‌ان‌ الشيطان يجرى ‌من‌ ابن آدم مجرى الدم.
 ‌و‌ قد تواترت الاخبار برويه جم غفير ‌من‌ الانبياء صورته ‌و‌ سماعهم صوته، ‌و‌ ايضا فقد علم ‌من‌ سنه الله انه لايفعل شيئا الا بسبب يخصه، ‌و‌ لهذا اذا استنارت حيطان البيت ‌و‌ اسود سقفه علم ‌ان‌ سبب الاستناره غير سبب الاسوداد، فكذلك اسباب استناره القلب ‌و‌ اسوداده يقع فيه افكار ‌و‌ اذكار يستبصر بها تاره ‌و‌ يتحير اخرى فالمبصر ملك خلق لافاضه المنافع ‌فى‌ العاقبه ‌و‌ كشف الحق ‌و‌ الوعد بالمعروف، ‌و‌ المحير شيطان خلق لضد ذلك.
 الثالث: ‌ان‌ وجودهم يخل بالوثوق بالمعجزات، اذ يجوز ‌ان‌ يقال كلما اتى ‌به‌ الانبياء فانما حصل باعانه الجن ‌او‌ الشياطين، فمن الجائز ‌ان‌ حنين الجذع كان بسبب نفوذ جنى ‌او‌ شيطان ‌فى‌ الجذع، ‌و‌ كل فرع ادى الى ابطال الاصل فهو باطل.
 ‌و‌ الجواب: ‌ان‌ الفرق بين المعجزه ‌و‌ غيرها ينفى الجواز المذكور كما قرر ‌فى‌ محله، ‌و‌ الدليل الدال على صحه نبوه الانبياء يدل على صدق اخبارهم، ‌و‌ ‌من‌ جمله ‌ما‌ اخبروا ‌به‌ وجود الجن ‌و‌ الشياطين فصح وجودهم.
 الثانيه: اختلف المثبتون لوجود الشياطين ‌و‌ الجن ‌فى‌ حقيقتهم. فقال المتكلمون: هى اجسام شفافه تتشكل باى شكل شاءت، ‌و‌ تقدر على الولوج ‌فى‌ بواطن الحيوانات، ‌و‌ تنفذ ‌فى‌ منافذها الضيقه نفوذ الهواء المستنشق، ‌و‌ ظاهر بعض الاخبار يعضد هذا القول.
 ‌و‌ قال قوم: هى النفوس الارضيه المدبره للعناصر.
 ‌و‌ قيل: هى النفوس الناطقه التى فارقت ابدانها، فالخيره منها تتعلق بالنفوس
 
 
الخيره المتعلقه بالابدان نوعا ‌من‌ التعلق، فتعينها ‌و‌ تمدها على الخير ‌و‌ السداد ‌و‌ هى الجن ‌و‌ الشريره منها تتعلق بالنفوس الشريره، ‌و‌ تعاونها على الشر ‌و‌ الفساد ‌و‌ هى الشياطين.
 ‌و‌ قيل: هى نفوس مجرده، تتصرف بالتعلق، ‌و‌ تدرك باله هى كره الاثير ‌و‌ اول ‌به‌ خلقهم ‌من‌ نار.
 ‌و‌ قال جمهور الفلاسفه: ‌ان‌ الشيطان عباره عن الوهم المعارض للعقل، ‌و‌ جنوده سائر القوى التابعه له ‌فى‌ معارضه العقل ‌فى‌ اشخاص الكفار ‌و‌ الفاسقين عن اوامر الله سبحانه، ‌و‌ الوهم رئيس القوى البدنيه، فهى اذن- معارضتها للعقل ‌و‌ متابعتها له- جنود ابليس ‌و‌ قبيله. قالوا: ‌و‌ المراد بكونه خلق ‌و‌ قبيله ‌من‌ نار، ‌ان‌ الارواح الحامله لهذه القوى اجسام لطيفه تتكون عن لطافه الاخلاط، ‌و‌ هى حاره جدا مائله الى الافراط، ‌و‌ الناريه ‌و‌ الهوائيه عليها اغلب، ‌و‌ تولدها عنهما اسهل، ‌و‌ هى احر اجزاء البدن، ‌و‌ كذلك القلب الذى ‌هو‌ منبعها، فكانت تلك الارواح كالابدان لهذه القوى فلذلك نسبوا الى النار.
 الثالثه: قد يسال وجه الحكمه ‌فى‌ خلق الشيطان ‌و‌ تسليطه على آدم ‌و‌ ذريته، ‌و‌ هى مساله مهمه ‌لا‌ باس بذكر ‌ما‌ حضرنا فيها.
 فنقول: نقل الشهرستانى ‌فى‌ كتاب الملل ‌و‌ النحل: ‌ان‌ اول شبهه وقعت ‌فى‌ البريه شبهه ابليس لعنه الله، مصدرها استبداده بالراى ‌فى‌ مقابله النص ‌و‌ اختياره الهوى ‌فى‌ معارضه الامر، ‌و‌ استكباره بالماده التى خلق منها ‌و‌ هى النار على ماده آدم ‌و‌ هى الطين، ‌و‌ انشعبت هذه الشبهه سبع شبهات، ‌و‌ سرت ‌فى‌ اذهان الناس حتى صارت مذاهب بدعه ‌و‌ ضلال، ‌و‌ تلك الشبهات مسطوره ‌فى‌ شرح الاناجيل الاربعه، ‌و‌ مذكوره ‌فى‌ التوراه ‌و‌ متفرعه على شكل مناظره بينه ‌و‌ بين الملائكه بعد الامر بالسجود ‌و‌ الامتناع منه، قال- كما نقل عنه-: انى سلمت ‌ان‌ البارى تعالى الهى
 
و اله الخلق، عالم قادر، ‌و‌ انه مهما اراد شيئا قال له ‌كن‌ فيكون، ‌و‌ ‌هو‌ حكيم ‌فى‌ فعله، الا انه يتوجه على وجه حكمته اسئله، قال الملائكه: ‌ما‌ هى ‌و‌ ‌كم‌ هى؟ قال لعنه الله: هى سبع:
 الاولى منها: انه علم قبل خلقى انه ‌اى‌ شى ء يصدر عنى ‌و‌ يحصل منى، فلم خلقنى اولا؟ ‌و‌ ‌ما‌ الحكمه ‌فى‌ خلقه اياى؟
 الثانيه: اذ خلقنى على مقتضى ارادته ‌و‌ مشيته فلم كلفنى بمعرفته ‌و‌ طاعته؟ ‌و‌ ‌ما‌ الحكمه ‌فى‌ التكليف بعد ‌ان‌ ‌لا‌ ينتفع بطاعه ‌و‌ ‌لا‌ يتضرر بمعصيه؟
 الثالثه: اذ خلقنى ‌و‌ كلفنى فالتزمت تكليفه بالمعرفه ‌و‌ الطاعه فعرفت ‌و‌ اطعت، فلم كلفنى بطاعه آدم ‌و‌ السجود له؟ ‌و‌ ‌ما‌ الحكمه ‌فى‌ هذا التكليف على الخصوص، بعد ‌ان‌ ‌لا‌ يزيد ذلك ‌فى‌ معرفتى ‌و‌ طاعتى؟
 الرابعه: اذ خلقنى ‌و‌ كلفنى على الاطلاق، ‌و‌ كلفنى بهذا التكليف على الخصوص، فاذ لم اسجد فلم لعننى ‌و‌ اخرجنى ‌من‌ الجنه؟ ‌و‌ ‌ما‌ الحكمه ‌فى‌ ذلك بعد ‌ان‌ لم ارتكب قبيحا الا قولى ‌لا‌ اسجد الا لك؟
 الخامسه: اذ خلقنى ‌و‌ كلفنى مطلقا ‌و‌ خصوصا فلم اطع فلعننى ‌و‌ طردنى، فلم طرقنى الى آدم؟ حتى دخلت الجنه ثانيا ‌و‌ غدرته بوسوستى فاكل ‌من‌ الشجره المنهى عنها ‌و‌ اخرجه ‌من‌ الجنه معى، ‌و‌ ‌ما‌ الحكمه ‌فى‌ ذلك بعد انه لو منعنى ‌من‌ دخول الجنه استراح منى آدم ‌و‌ بقى خالدا فيها؟.
 السادسه: اذ خلقنى ‌و‌ كلفنى عموما ‌و‌ خصوصا ‌و‌ لعننى ثم طرقنى الى الجنه ‌و‌ كانت الخصومه بينى ‌و‌ بين آدم، فلم سلطنى على اولاده حتى اراهم ‌من‌ حيث ‌لا‌ يرونى، ‌و‌ توثر فيهم ‌و‌ سوستى ‌و‌ ‌لا‌ يوثر حولهم ‌و‌ قوتهم ‌و‌ قدرتهم ‌و‌ استطاعتهم؟ ‌و‌ ‌ما‌ الحكمه
 
فى ذلك بعد ‌ان‌ لو خلقهم على الفطره دون ‌من‌ يحتالهم عنها فيعيشون طاهرين سامعين مطيعين كان احرى بهم ‌و‌ اليق بالحكمه؟.
 السابعه: سلمت هذا كله، خلقنى ‌و‌ كلفنى مطلقا ‌و‌ مقيدا، فاذ لم اطع لعننى ‌و‌ طردنى، ‌و‌ اذ اردت دخول الجنه مكننى ‌و‌ طرقنى، اذ عملت عملى اخرجنى، ثم سلطنى على بين آدم، فلم اذ استمهلته امهلنى فقلت: «انظرنى، الى يوم يبعثون قال انك ‌من‌ المنظرين الى يوم الوقت المعلوم»؟ ‌و‌ ‌ما‌ الحكمه ‌فى‌ ذلك بعد ‌ان‌ لو اهلكنى ‌فى‌ الحال استراح الخلق منى ‌و‌ ‌ما‌ بقى ‌شر‌ ‌ما‌ ‌فى‌ العالم؟ اليس بقاء العالم على بقاء الخير خيرا ‌من‌ امتزاجه بالشر؟
 قال: فهذه حجتى على ‌ما‌ ادعيه ‌فى‌ كل مساله.
 قال شارح الانجيل: فاوحى الله الى الملائكه عليهم السلام قولوا له: انك ‌فى‌ تسليمك الاول انى الهك ‌و‌ اله الخلق غير صادق ‌و‌ ‌لا‌ مخلص، اذ لو صدقت انى اله العالمين ‌ما‌ حكمت على ب«لم»، فانا الله ‌لا‌ اله الا انا ‌لا‌ اسال عما افعل ‌و‌ الخلق مسوولون.
 قال الفخر الرازى: لو اجتمع الاولون ‌و‌ الاخرون ‌من‌ الخلائق، لم يجدوا عن هذه الشبهات مخلصا الا الجواب الالهى انتهى.
 ‌و‌ تعقبه بعض المتاخرين ‌من‌ علمائنا المتبحرين، فقال: ‌ان‌ غرض الفخر الرازى اثبات مذهب اصحابه، ‌من‌ القول بالفاعل المختار ‌و‌ نفى التخصيص ‌فى‌ الافعال، ‌و‌ ذلك مما ينسد ‌به‌ باب اثبات المطالب بالبراهين، كاثبات الصانع ‌و‌ صفاته ‌و‌ افعاله ‌و‌ اثبات البعث ‌و‌ الرساله، اذ مع تمكين هذه الاراده الجزافيه لم يبق اعتماد
 
على شى ء ‌من‌ اليقينيات، فيجوز ‌ان‌ يخلق الفاعل المختار بالاراده التى يعتقدها هولاء الجدليون فينا امرا يرينا الاشياء ‌لا‌ على ‌ما‌ هى عليه.
 فاقول: ‌ان‌ لكل شبهه ‌من‌ هذه الشبهات التى اوردها اللعين جوابا برهانيا حقا، ينتفع ‌به‌ ‌من‌ له قلب سليم ‌او‌ القى السمع ‌و‌ ‌هو‌ شهيد، ‌و‌ ‌لا‌ ينفع المريض النفس ‌و‌ الجدلى الذى غرضه ليس الا المماراه ‌و‌ المجادله، فلا يمكن الزامه الا بضرب ‌من‌ الجدل، ‌و‌ لهذا اجيب اللعين ‌من‌ قبل الله تعالى بما يسكته، ‌و‌ ‌هو‌ بيان حاله ‌و‌ ‌ما‌ عليه ‌من‌ كفره ‌و‌ ظلمه جوهره عن ادراك الحق كما هو، ‌و‌ ‌ان‌ ليس غرضه ‌فى‌ ابداء هذه الشبهات الا الاعتراض ‌و‌ اغواء ‌من‌ يتبعه ‌من‌ الجهال الناقصين، ‌او‌ الغاوين الذين ‌هم‌ جنود ابليس اجمعين، فقيل له: انك لست بصادق ‌فى‌ دعواك معرفه الله تعالى ‌و‌ ربوبيته، ‌و‌ لو صدقت فيها لم تكن معترضا على فعله.
 ‌و‌ اما الاجوبه الحكميه عن تلك الشبهات على التفصيل، لمن ‌هو‌ اهلها ‌و‌ مستحقها فهى هذه:
 اما الشبهه الاولى، ‌و‌ هى السئوال عن الحكمه ‌و‌ الغايه ‌فى‌ خلق ابليس.
 فالجواب عنها: انه ‌من‌ حيث انه ‌من‌ جمله الموجودات على الاطلاق، فمصدره ‌و‌ غايته ليس الا ذاته تعالى التى تقتضى وجود كل ‌ما‌ يمكن وجوده، ‌و‌ يفيض عنها الوجود على كل قابل ‌و‌ منفعل، ‌و‌ اما حيثيه كونه موجودا ظلمانيا ‌و‌ ذاتا شريره ‌و‌ جوهرا خبيثا فليس ذلك بجعل جاعل، بل ‌هو‌ ‌من‌ لوازم هويته النازله ‌فى‌ آخر مراتب النفوس، ‌و‌ هى المتعلقه بما دون الاجرام السماويه، ‌و‌ ‌هو‌ الجرم النارى الشديد القوه، فلا جرم غلبت عليه الانانيه ‌و‌ الاستكبار ‌و‌ الافتخار ‌و‌ الاباء عن الخضوع ‌و‌ الانكسار.
 ‌و‌ اما الشبهه الثانيه، ‌و‌ هى السئوال عن حكمه التكليف بالمعرفه ‌و‌ الطاعه.
 فالجواب عنها: ‌ان‌ الغايه ‌فى‌ ذلك تخليص النفوس ‌من‌ اسر الشهوات ‌و‌ سجن
 
الظلمات، ‌و‌ نقلها ‌من‌ حدود البهيميه ‌و‌ السبعيه الى حدود الانسانيه ‌و‌ الملكيه، ‌و‌ تطهيرها ‌و‌ تهذيبها بنور العلم ‌و‌ قوه العمل عن درن الكفر ‌و‌ المعصيه ‌و‌ رجس الجهل ‌و‌ الظلمه، ‌و‌ ‌لا‌ ينافى عموم التكليف عدم تاثيره ‌فى‌ النفوس الجاسيه ‌و‌ القلوب القاسيه، كما ‌ان‌ الغايه ‌فى‌ انزال الغيث اخراج الحبوب ‌و‌ انبات الثمار ‌و‌ الاقوات منها، ‌و‌ عدم تاثيره ‌فى‌ الصخور القاسيه ‌و‌ الاراضى الخبيثه ‌لا‌ ينافى عموم النزول، ‌و‌ الله اجل ‌من‌ ‌ان‌ يعود اليه فائده ‌فى‌ هدايه الخلق، كما ‌فى‌ اعطائه اصل خلقه، بل ‌هو‌ الذى اعطى كل شى ء خلقه ثم هدى، ‌من‌ غير غرض ‌او‌ عوض ‌فى‌ فضله وجوده.
 ‌و‌ اما الشبهه الثالثه، ‌و‌ هى السئوال عن فائده تكليفه بالسجود لادم ‌و‌ الحكمه فيه.
 فالجواب عنها: اولا: ينبغى ‌ان‌ يعلم ‌ان‌ لله سبحانه ‌فى‌ كل ‌ما‌ يفعله ‌او‌ يامر ‌به‌ حكمه بل حكما كثيره، لانه تعالى منزه عن فعل العبث ‌و‌ الاتفاق ‌و‌ الجزاف، ‌و‌ ‌ان‌ خفى علينا وجه الحكمه ‌فى‌ كثير ‌من‌ الامور على التفصيل، بعد ‌ان‌ علمنا القانون الكلى ‌فى‌ ذلك على الاجمال، ‌و‌ خفاء الشى ء علينا ‌لا‌ يوجب انتفاوه، ‌و‌ هذا يصلح للجواب عن هذه الشبهه ‌و‌ نظائرها.
 ‌و‌ ثانيا: ‌ان‌ التكليف بالسجود كان عاما للملائكه، ‌و‌ كان ‌هو‌ معهم ‌فى‌ ذلك الوقت، فعمه الامر بها تبعا ‌و‌ بالقصد الثانى، لكنه لما تمرد ‌و‌ عصى ‌و‌ استكبر ‌و‌ ابى، بعد ‌ما‌ اعتقد بنفسه انه ‌من‌ المامورين، صار مطرودا ملعونا.
 ‌و‌ ثالثا: ‌ان‌ الاوامر الالهيه ‌و‌ التكاليف الشرعيه مما يمتحن ‌به‌ جواهر النفوس ‌و‌ يعلن ‌ما‌ ‌فى‌ بواطنهم ‌و‌ يبرز ‌ما‌ ‌فى‌ مكا ‌من‌ صدورهم ‌من‌ الخير ‌و‌ الشر ‌و‌ الشقاوه، فتتم ‌به‌ الحجه ‌و‌ تظهر المحجه، ليهلك ‌من‌ هلك عن بينه ‌و‌ يحيى ‌من‌ حى عن بينه.
 ‌و‌ اما الشبهه الرابعه، ‌و‌ هى السئوال عن لميه تعذيب الكفار ‌و‌ المنافقين، ‌و‌ ايلامهم
 
بالعقوبه، ‌و‌ ابعادهم عن دار الرحمه ‌و‌ الكرامه.
 فالجواب عنها: ‌ان‌ العقوبات الاخرويه ‌من‌ الله تعالى ليس باعثها الغضب ‌و‌ الانتقام ‌و‌ ازاله الغيظ ‌و‌ نحوها تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ‌و‌ انما هى لوازم ‌و‌ تبعات ساق اليها اسباب داخليه نفسانيه ‌و‌ احوال باطنيه، انتهت الى التعذيب بنتائجها ‌من‌ الهوى الى الهاويه، ‌و‌ السقوط ‌فى‌ اسفل درك الجحيم، ‌و‌ مصاحبه الموذيات ‌من‌ العقارب ‌و‌ الحيات ‌و‌ غيرها ‌من‌ المولمات. ‌و‌ مثالها ‌فى‌ هذا العالم الامراض الوارده على البدن الموجبه للاوجاع ‌و‌ الالام بواسطه نهمه سابقه، فكما ‌ان‌ وجع البدن لازم ‌من‌ لوازم ‌ما‌ ساق اليه الاحوال الماضيه ‌و‌ الافعال السابقه، ‌من‌ كثره الاكل ‌او‌ افراط الشهوه ‌و‌ نحوهما، ‌من‌ غير ‌ان‌ يكون هاهنا معذب خارجى، فكذلك حال العواقب الاخرويه ‌و‌ ‌ما‌ يوجب العذاب الدائم لبعض النفوس الجاحده للحق المعرضه عن الايات، ‌و‌ هى «نار الله الموقده التى تطلع على الافئده». ‌و‌ اما التى دلت عليه الايات ‌و‌ الاخبار الوارده ‌فى‌ الكتب الالهيه ‌و‌ الشرايع الحقه، ‌من‌ العقوبات الجسمانيه الوارده على بدن المسى ء ‌من‌ خارج- على ‌من‌ يوصف ‌فى‌ التفاسير-، فهى ايضا منشاها امور باطنيه ‌و‌ هيئات نفسانيه برزت ‌من‌ الباطن الى الظاهر، ‌و‌ تصورت بصور النيران ‌و‌ العقارب ‌و‌ الحيات ‌و‌ المقامع ‌من‌ حديد ‌و‌ غيرها، ‌و‌ هكذا حصول الاجسام ‌و‌ الاشكال ‌و‌ الاشخاص ‌فى‌ الاخره، كما حقق ‌فى‌ مباحث المعاد الجسمانى ‌و‌ كيفيه تجسم الاعمال، ‌و‌ ‌دل‌ عليه كثير ‌من‌ الايات، مثل قوله تعالى: «و ‌ان‌ جهنم لمحيطه بالكافرين» ‌و‌ قوله: «و برزت الجحيم لمن
 
يرى»، ‌و‌ قوله: «كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين»، ‌و‌ قوله: «اذا بعثر ‌ما‌ ‌فى‌ القبور ‌و‌ حصل ‌ما‌ ‌فى‌ الصدور». ثم اذا سلم معاقب ‌من‌ خارج فان ذلك ايضا مصلحه عظيمه، لان التخويف ‌و‌ الانذار بالعقوبه نافع ‌فى‌ اكثر الاشخاص، ‌و‌ الايفاء بذلك التخويف بتعذيب المجرم المسى ء تاكيد للتخويف ‌و‌ مقتض لازدياد النفع، ثم هذا التعذيب ‌و‌ ‌ان‌ كان شرا بالقياس الى الشخص المعذب، لكنه خير بالقياس الى اكثر افراد النوع، فيكون ‌من‌ جمله الخير الكثير الذى يلزم الشر القليل، كما ‌فى‌ قطع العضو لاصلاح البدن ‌و‌ سائر الاعضاء.
 ‌و‌ اما الشبهه الخامسه، ‌و‌ هى السئوال عن فائده تمكين الشيطان ‌من‌ الدخول الى آدم ‌فى‌ الجنه، حتى غره بوسوسته، فاكل ‌ما‌ نهى عنه، فاخرج ‌به‌ ‌من‌ الجنه.
 فالجواب عنها: ‌ان‌ الحكمه ‌فى‌ ذلك ‌و‌ المنفعه عظيمه، فانه لو بقى ‌فى‌ الجنه ابدا لكان بقى ‌هو‌ وحده ‌فى‌ منزلته التى كان عليها ‌فى‌ اول الفطره، ‌من‌ غير استكمال ‌و‌ اكتساب فطره اخرى فوق الاولى، ‌و‌ اذا هبط الى الارض خرج ‌من‌ صلبه اولاد لاتحصى، يعبدون الله ‌و‌ يطيعونه الى يوم القيامه، ‌و‌ يرتقى منهم عدد كثير ‌فى‌ كل زمان الى درجات الجنان بقوتى العلم ‌و‌ العباده، ‌و‌ ‌اى‌ حكمه ‌و‌ فائده اعظم ‌و‌ اجل ‌و‌ ارفع ‌و‌ اعلى ‌من‌ وجود الانبياء ‌و‌ الاولياء، ‌و‌ ‌من‌ جملتهم سيد المرسلين ‌و‌ اولاده المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين ‌و‌ على سائر الانبياء ‌و‌ المرسلين؟ ‌و‌ لو لم يكن ‌فى‌ هبوطه الى الارض مع ابليس الا ابتلاوه مده الدنيا ‌و‌ اكتسابه درجه الاصطفاء، لكانت الحكمه عظيمه ‌و‌ الخير جليلا.
 ‌و‌ اما الشبهه السادسه، ‌و‌ هى السئوال عن وجه الحكمه ‌فى‌ تسليطه- ‌و‌ ‌هو‌ العدو
 
المبين- على ذريه آدم بالاغواء ‌و‌ الوسوسه، بحيث يراهم ‌من‌ حيث ‌لا‌ يرونه.
 فالجواب عنها: ‌ان‌ نفوس افراد البشر ‌فى‌ اول الفطره ناقصه بالقوه، ‌و‌ مع ذلك بعضها خيره نورانيه شريفه بالقوه، مائله الى الامور القدسيه، عظيمه الرغبه الى الاخره، ‌و‌ بعضها خسيسه الجواهر ظلمانيه شريره بالقوه، مائله الى الجسمانيات، عظيمه ‌فى‌ ايثار الشهوه ‌و‌ الغضب، فلو لم يكن الاغواء ‌و‌ ‌لا‌ طاعه النفس ‌و‌ الهوى، لكان ذلك منافيا للحكمه لبقائهم على طبقه واحده ‌من‌ نفوس سليمه ساذجه، فلا تتمشى عماره الدنيا بعدم النفوس الجاسيه الغلاظ العماله ‌فى‌ الارض لاغراض دنيه عاجله، الا ترى الى ‌ما‌ روى ‌من‌ قوله تعالى ‌فى‌ الحديث القدسى: انى جعلت معصيه آدم سببا لعماره العالم، ‌و‌ ‌ما‌ روى ايضا ‌فى‌ الخبر: لولا انكم تذنبون لذهب الله بكم ‌و‌ جاء بقوم يذنبون.
 ‌و‌ اما الشبهه السابعه، ‌و‌ هى السوال عن الفائده ‌فى‌ امهاله الى يوم الوقت المعلوم.
 فالجواب عنها: بمثل ‌ما‌ ذكرناه، فان بقاءه تابع لبقاء النوع البشرى بتعاقب الافراد، ‌و‌ ‌هو‌ مستمر الى يوم القيامه، فكذلك وجب استمراره لاجل ادائه الفائده التى ذكرناها ‌فى‌ وجوده ‌و‌ وجود وسوسته الى يوم الدين.
 ‌و‌ قوله: «اليس بقاء العالم على الخير خيرا ‌من‌ امتزاجه بالشر؟» قلنا: فاذا لم يكن دنيا، فالدنيا ممزوجه بالشر، ‌و‌ لو كان كلها خيرا لكان وجودها خيرا ‌من‌ عدمها، لكنها جسر يعبر ‌به‌ الناس الى الاخره ‌و‌ وسيله الى الخير الاخروى ‌و‌ الدائم، ‌و‌ العالم الذى ‌لا‌ يتطرق اليه الشرور ‌و‌ الافات عالم آخر اليه رجعى الطاهرات ‌من‌ نفوسنا، ‌و‌ هذا اللعين مع اشتهاره بالعلم ‌فى‌ غايه الجهل المركب بالعناد، كما يظهر
 
من ايراده تلك الشبهات، ‌و‌ كل ‌من‌ له مرتبه متوسطه ‌فى‌ الحكمه يعلم دفعها ‌و‌ حلها، ‌و‌ فضلا عن الراسخ القدم ‌فى‌ الحكمه، المنشرح الصدر بنور الايمان ‌و‌ المعرفه.
 ‌و‌ مع ذلك ذكر الفخر الرازى- امام المشككين- ‌ما‌ نقلناه عنه: انه لو اجتمع الخلائق كلهم لم يجدوا مخلصا عن هذه الشبهات، الا بما سماه الجواب الالهى ‌من‌ القول بابطال الحكمه ‌و‌ انكار الغايه ‌و‌ نفى المرجح ‌و‌ السبب الذاتى لوجود الاشياء شغفا بمذهب اصحابه ‌و‌ ترويجا له، ‌من‌ القول بالفاعل المختار ‌و‌ الاراده الجزافيه، ‌و‌ ذلك لقصوره ‌و‌ قصورهم عن ادارك الحكمه العليه، ‌و‌ عجزهم عن دفع الاوهام ‌و‌ الشبهات ‌فى‌ الامور العقليه، ‌و‌ الله يقول الحق ‌و‌ ‌هو‌ يهدى السبيل.
 الرابعه: قد يقال: ‌ان‌ الشيطان ليس له سلطان على عباد الله المخلصين، لقوله تعالى: «ان عبادى ليس لك عليهم سلطان»، ‌و‌ قول الشيطان: «الا عبادك منهم المخلصين»، فما الفائده ‌فى‌ امره سبحانه سيد انبيائه ‌و‌ اخلص اصفيائه بقوله: «فاذا قرات القرآن فاستعذ بالله ‌من‌ الشيطان الرجيم»، ‌و‌ قوله: «قل اعوذ برب الناس»؟ ‌و‌ كيف استعاذ منه سائر الانبياء ‌و‌ المرسلين ‌و‌ الائمه المعصومين؟.
 ‌و‌ الجواب: ‌ان‌ الكلام ‌فى‌ صحه الاستعاذه كالكلام ‌فى‌ سائر الادعيه ‌و‌ العبادات التى جعلها الله سببا ‌و‌ واسطه لحصول الكمالات العاجله ‌و‌ الاجله للعبد، فجعل الاستعاذه سببا لدفع سلطان الشيطان كما جعل الدعاء ‌و‌ العباده سببا لجلب رضوان الرحمن
 
آثر عليه السلام صيغه المتكلم مع غيره ‌فى‌ الاستعاذه، اشعارا باشتراك سائر
 
الموحدين له ‌فى‌ وجوب الاستعاذه ‌به‌ تعالى، ‌او‌ تعميما للسعى ‌فى‌ اصلاح حاله ‌و‌ حال جميع اهل ملته، ‌او‌ ملاحظه دخول جميع قواه ‌و‌ حواسه الظاهره ‌و‌ الباطنه، ‌و‌ صيغه المضارع للدلاله على الاستمرار.
 ‌و‌ النزغات: جمع نزغه، ‌و‌ هى فعله ‌من‌ النزغ، يقال: نزغ الشيطان بين القوم- ‌من‌ باب نفع- اى: افسد، ‌و‌ نزغه الشيطان ايضا: وسوس اليه.
 ‌و‌ قيل: النزغ الازعاج بالاغواء، ‌و‌ اكثر ‌ما‌ يكون ذلك عند الغضب، ‌و‌ اصله الازعاج بالحركه.
 ‌و‌ قال الزجاج: النزغ ادنى حركه تكون، ‌و‌ ‌من‌ الشيطان ادنى وسوسه.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: نزغ فلانا مثل نسغه اذا طعنه ‌و‌ نخسه، ‌و‌ ‌من‌ المجاز: نزغه الشيطان، كانه ينخسه ليحثه على المعاصى، ‌و‌ نزغ بين الناس افسد بينهم بالحث على الشر.
 ‌و‌ الالف ‌و‌ اللام ‌فى‌ «الشيطان»: للجنس، ليفيد الاستعاره ‌من‌ هذا الجنس مطلقا مرئيا ‌او‌ غير مرئى، ‌و‌ لذلك جمع ضميره ‌فى‌ قوله تعالى: «ان الذين اتقو اذا مسهم طائف ‌من‌ الشيطان تذكروا فاذا ‌هم‌ مبصرون ‌و‌ اخوانهم يمدونهم ‌فى‌ الغى ثم لايقصرون»، اى: اخوان الشياطين، فاعاد الضمير جمعا باعتبار الجنس، لان الجنس يدل على الكثره باعتبار انه مفهوم كلى ‌لا‌ يمنع شركه الكثير فيه، ‌و‌ ‌لا‌ ينافى ذلك افراد ضميره ‌فى‌ الدعاء ‌و‌ ‌لا‌ وصفه بالمفرد، لانه باعتبار اللفظ، هذا. ‌و‌ لو جعل الالف ‌و‌ اللام للعهد جاز، ‌و‌ يدخل جنده فيه تبعا.
 ‌و‌ الرجيم: فعيل ‌من‌ الرجم، ‌و‌ ‌هو‌ لغه الرمى بالحجاره، ‌و‌ وصف ‌به‌ الشيطان لانه
 
يرمى بالسب ‌و‌ الشهب.
 ‌و‌ الكيد: السعى ‌فى‌ فساد الحال على جهه الاحتيال.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ اراده متضمنه لاستتار ‌ما‌ يراد عمن يراد به، لكن اكثر ‌ما‌ يستعمل ذلك ‌فى‌ الشر.
 ‌و‌ المكائد: جمع مكيده، ‌و‌ هى اسم ‌من‌ كاده يكيده. ‌و‌ عطفه على كيده للتنصيص على انواعه المختلفه.
 ‌و‌ وثق ‌به‌ يثق بكسر هما ثقه ‌و‌ وثوقا: ائتمنه ‌و‌ اطمان الى قوله. ‌و‌ الامانى بالتشديد ‌و‌ قد يخفف: جمع امنيه، اصلها امنويه على افعوله، قلبت الواو ياء ‌و‌ ادغمت ‌فى‌ الياء، ‌و‌ هى اسم ‌من‌ تمنى الشى ء اذا طلب حصوله ممكنا كان ‌او‌ ممتنعا، ‌و‌ قد يطلق على حديث النفس بما يكون ‌و‌ ‌ما‌ ‌لا‌ يكون، ‌و‌ اصله ‌من‌ منى الشى ء كرمى بمعنى قدره، لان المتمنى يقدر حصول ‌ما‌ يتمناه.
 ‌و‌ المراد بامانى الشيطان الاهواء الباطله التى يلقيها ‌فى‌ قلب الانسان، فيمنيه طول البقاء، ‌و‌ انه ينال ‌من‌ الدنيا مقصوده، ‌و‌ يستولى على اعدائه، ‌و‌ يوقع ‌فى‌ نفسه ‌ان‌ الدنيا دول فربما تيسرت لى كما تيسرت لغيرى، ‌و‌ يشوش بذلك فكره ‌فى‌ استخراج الحيل الدقيقه ‌و‌ الوسائل اللطيفه ‌فى‌ تحصيل مطالبه الشهويه ‌و‌ الغضبيه، فيصده عن الطاعه ‌و‌ يلقيه ‌فى‌ المعصيه ‌و‌ تسويف التوبه.
 ‌و‌ المواعيد: جمع ميعاد مصدر بمعنى الوعد، نص عليه الزمخشرى ‌فى‌ الاساس، قال: قد اخلف وعده وعدته ‌و‌ موعده ‌و‌ موعوده ‌و‌ ميعاده، ‌و‌ هذا الوقت ‌و‌ المكان ميعادهم انتهى.
 فيكون الميعاد مصدرا، ‌و‌ اسم زمان، ‌و‌ اسم مكان، ‌او‌ مصدر بمعنى المواعده.
 
نص عليه الجوهرى ‌فى‌ الصحاح، قال: الميعاد: المواعده ‌و‌ الوقت ‌و‌ الموضع.
 ‌لا‌ يقال: المواعده انما تكون ‌من‌ الطرفين، ‌و‌ المستعاذ منه انما ‌هو‌ وعد الشيطان.
 لانا نقول: الطاعه ‌فى‌ القبول ‌من‌ الموعود بمنزله المواعده، فكانه استعاذ ‌من‌ وعد الشيطان ‌و‌ الطاعه له ‌فى‌ قبول وعده، فهو كقوله تعالى: «و واعدنا موسى».
 قال ابواسحاق: لما كانت الطاعه ‌فى‌ القبول بمنزله المواعده فهو ‌من‌ الله وعد، ‌و‌ ‌من‌ موسى قبول ‌و‌ اتباع يجرى مجرى المواعده.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المواعيد جمع موعود ‌او‌ موعوده مصدرين بمعنى الوعد.
 قال ابن سيده ‌فى‌ المحكم: ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ المصادر التى جاءت على مفعول ‌و‌ مفعوله.
 قال ابن جنى: ‌و‌ مما جاء ‌من‌ المصادر مجموعا معمولا قوله: مواعيد عرقوب اخاه بيثرب.
 ‌و‌ الوعد ‌من‌ الشيطان اما بالقاء الخواطر الفاسده، ‌او‌ بالسنه اوليائه ‌من‌ شياطين الجن ‌و‌ الانس. فمن مواعيده الباطله ‌ان‌ يعد الغفران مع ارتكاب الكبائر، كما قال تعالى: «ياخذون عرض هذا الادنى ‌و‌ يقولون سيغفرلنا»، ‌و‌ ربما وعد ‌من‌ ‌لا‌ يقين له بانه ‌لا‌ قيامه ‌و‌ ‌لا‌ حساب ‌و‌ ‌لا‌ جزاء ‌و‌ ‌لا‌ عقاب، فاجتهدوا ‌فى‌ استيفاء اللذات العاجله ‌و‌ اغتنموا فرصه الحياه الزائله. ‌و‌ لقد سمعت بعض ‌من‌ كان على ظاهر الاسلام يقول: انه لم ياتنا ممن مات خبر نتحقق معه امر الحساب ‌و‌ العقاب، ‌و‌ انما ‌هو‌ شى ء يقال، فلا ينبغى للعاقل ‌ان‌ يترك لذاته الدنيويه خوفا ‌من‌ امر غير متحقق، فربما اذا مات لم يجد مما خافه شيئا، اليس يكون قد فاته ‌من‌ لذات الدنيا ‌ما‌ ‌لا‌ يمكنه تلافيه؟ فنهيته عن مثل هذا الكلام فاعرض عنى. ‌و‌ ‌من‌ مواعيد الشيطان الكاذبه
 
ما اخبرنا ‌به‌ الله سبحانه ‌فى‌ قوله: «الشيطان يعدكم الفقر»، فان وعده بالفقر ‌من‌ خفى حيله.
 ‌و‌ بيانه: انه لما كان البخل صفه مذمومه عند كل احد، لم يمكنه ‌ان‌ يجره ابتداء اليها، الا بتقديم مقدمه هى الوعد بالفقر، ليمسك عن انفاق الجيد ‌من‌ ماله، فاذا اطاعه زاد، فيمنعه ‌من‌ الانفاق بالكليه، ‌و‌ ربما تدرج الى ‌ان‌ يمنع الحقوق الواجبه، فلا يودى الزكاه ‌و‌ ‌لا‌ يصل الرحم ‌و‌ ‌لا‌ يرد الوديعه، فاذا صار هكذا ذهب وقع الذنوب ‌من‌ قلبه، ‌و‌ يتسع الخرق فيقدم على المعاصى كلها.
 ‌و‌ الغرور ايهام النفع فيما فيه ضرر.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ استغفال النفس ‌و‌ امالتها الى ‌ما‌ يوافق الهوى ‌و‌ يميل اليه الطبع عن شبهه ‌و‌ خدعه، ‌و‌ غرور الشيطان يعود الى ايهام النفع فيما يخالف امر الله تعالى بالوسوسه، كما فعل بآدم عليه السلام حسبما حكاه الله سبحانه بقوله: «فوسوس اليه الشيطان قال ‌يا‌ آدم هل ادلك على شجره الخلد ‌و‌ ملك ‌لا‌ يبلى».
 ‌و‌ المصايد: جمع مصيده بكسر الميم ‌و‌ سكون الصاد، ‌و‌ هى آله الصيد.
 ‌و‌ المراد بها هنا الشهوات ‌و‌ اللذات الدنيويه، استعار لها لفظ المصايد، لمشابهتها اياها ‌فى‌ استلزام الحصول فيها للبعد عن السلامه ‌و‌ الحصول ‌فى‌ العذاب. ‌و‌ قد وقع ‌فى‌ اكثر النسخ همز المكائد ‌و‌ المصائد، ‌و‌ قد علمت فيما سبق ‌ان‌ حرف العله الواقعه بعد الالف ‌فى‌ مثل هذا الجمع اذا كانت اصليه لم تقلب همزه، ‌و‌ ‌ما‌ سمع ‌من‌ ذلك مهموزا فيضعيف كهمز معائش، ‌و‌ الصواب ‌ما‌ وقع ‌فى‌ نسخه ابن ادريس رحمه الله ‌من‌ ضبطهما بالياء ‌من‌ غير همز.
 
اطمع نفسه ‌فى‌ الشى ء: قدر ‌فى‌ نفسه حصوله. ‌و‌ الغرض سئوال اخلاصه سبحانه
 
له بطاعته ‌و‌ تخليصه ‌من‌ ربق الاهواء، ليكون ‌من‌ عباده المخلصين، الذين علم ابليس ‌ان‌ كيده ‌لا‌ يوثر فيهم، فلم يحدث نفسه باضلالهم، فاستثناهم ‌من‌ جمله بنى آدم، حيث قال: «فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين».
 ‌و‌ الامتهان: افتعال ‌من‌ المهن، مهن مهنا- ‌من‌ بابى قتل ‌و‌ نفع- قدم غيره، ‌و‌ امتهنه: استخدمه.
 ‌و‌ حسن الشى ء عنده يحسن بالضم فيهما: لاءم طبعه، ‌و‌ حسنه له تحسينا: زينه حتى مال اليه طبعه.
 ‌و‌ الثقل: ‌فى‌ الاصل للحمل، يقال: ثقل عليه الحمل بالضم يثقل ثقلا كعنب ‌و‌ يسكن، ثم توسع فيه ‌و‌ استعمل ‌فى‌ كل مالا يلائم الطبع.
 ‌و‌ كره اليه الشى ء: قبحه له. ‌و‌ ‌فى‌ ذلك اشاره الى ‌ما‌ يدعو اليه الشيطان ‌من‌ وجوه الشر، فانه يحسن للانسان معاصى الله تعالى، ‌و‌ يكره اليه طاعاته، فيخيل اليه حصر اللذات ‌فى‌ الشهوات ‌و‌ الجاه، حتى ينفق ماله ‌فى‌ المحرمات، ‌و‌ يخوفه بالفقر حتى يمنع الزكاه، ‌و‌ يسهل عليه تحمل المشاق ‌فى‌ طلب الدنيا، ‌و‌ يثقل عليه القيام الى الصلاه، ‌و‌ يحسن اليه امضاء الغضب، ‌و‌ يريه ‌ان‌ كظم الغيظ عجز ‌و‌ ذله، ‌و‌ له ابواب يطول شرحها.
 
خسا الكلب- ‌من‌ باب نفع- خسا ‌و‌ خسوء طرده.
 ‌و‌ كبت الله العدو- ‌من‌ باب ضرب-: رده بغيظه ‌و‌ اهانه، ‌و‌ كبته ايضا: صرعه ‌و‌ اخزاه ‌و‌ صرفه ‌و‌ كسره ‌و‌ اهلكه.
 
و داب الرجل ‌فى‌ العمل- ‌من‌ باب نفع- دوبا: اجتهد فيه.
 ‌و‌ هتك الستر- ‌من‌ باب ضرب- هتكا: ‌هو‌ ‌ان‌ يجذبه حتى ينزعه ‌من‌ مكانه، ‌او‌ يشقه حتى يظهر ‌ما‌ وراءه.
 ‌و‌ الردم: الحاجز الحصين.
 ‌و‌ قال ابن عباس: الردم اشد الحجاب.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ السد المتراكم بعضه فوق بعض يقال: ثوب مردم ‌اى‌ فيه رقاع فوق رقاع.
 ‌و‌ شى ء مصمت: ‌لا‌ جوف له، ‌و‌ باب مصمت: مغلق.
 ‌و‌ فتقت الثوب فتقا- ‌من‌ باب قتل-: نقضت خياطته حتى فصلت بعضه ‌من‌ بعض.
 ‌و‌ اعلم انه لما كان العبد ‌لا‌ يستقل بمقاومه الشيطان، لمعارضه الوهم ‌و‌ الخيال ‌و‌ العقل، ‌و‌ جذب سائر القوى الى عالم السفل، لم يكن له ‌بد‌ ‌من‌ ‌ان‌ يفزع الى ‌من‌ سلطه عليه ابتلاء، ليعيده منه ‌و‌ ‌من‌ دواعيه، ‌و‌ ‌ان‌ يطرده عنه ‌و‌ يرده ‌و‌ يحول بينه ‌و‌ بينه، ثم لما كان خسا الشيطان ‌و‌ طرده ‌لا‌ يمكن الا بقهر الوهم ‌و‌ سائر القوى البدنيه عن مقتضيات طباعها، ‌و‌ كانت عبادته تعالى اعظم ‌ما‌ قهر ‌به‌ ذلك، لما اشتملت عليه ‌من‌ الاوامر ‌و‌ النواهى الالهيه الموجبه لانقهار النفس ‌و‌ انقياد هاز توسل اليه سبحانه ‌فى‌ ‌ان‌ يخسا الشيطان بالتوفيق لعبادته، ‌و‌ لما كانت محبه الشى ء موجبه لعدم التفات المحب الى غيره كائنا ‌من‌ كان، فضلا ‌من‌ عدوه الذى يروم صرفه عنه، ‌و‌ مستلزمه لعداوه عدو المحبوب، ‌و‌ كان ذلك موجبا لكبت العدو، ساله سبحانه ‌ان‌ يكبته بالتوفيق للاجتهاد ‌فى‌ محبته.
 
روى ‌فى‌ خبر: ‌ان‌ الشيطان قال: ‌يا‌ رب ‌ان‌ عبادك يحبونك ‌و‌ يعصونك، ‌و‌ يبغضونى ‌و‌ يطيعونى، فاجيب بانى قد عفوت عنهم ‌ما‌ اطاعوك بما ابغضوك، ‌و‌ قبلت منهم ايمانهم ‌و‌ ‌ان‌ لم يطيعونى بما احبونى.
 ‌و‌ المراد بالستر ‌و‌ الردم المسوولين، اما تقوى الله تعالى ‌و‌ الاخلاص ‌فى‌ طاعته، فان دواعى الشيطان تضمحل عندهما، فلا ينفذ فيهما كيده ‌و‌ ‌لا‌ يطيق نقضهما ايده، ‌و‌ اما ستر ‌و‌ ردم ملكوتيان يحولان بينه ‌و‌ بين الشيطان، فلا يخطر للشيطان معهما اغواء ‌و‌ اضلال، كما جعل بين رسوله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ بين اعدائه حجابا مستورا عند قراءه القرآن، حيث قال سبحانه: «و اذا قرات القران جعلنا بينك ‌و‌ بين الذين ‌لا‌ يومنون بالاخره حجابا مستورا».
 
شغلت زيدا بكذا- ‌من‌ باب نفع-: جعلته له شغلا، ‌و‌ شغلنى الامر: صار لى شغلا. ‌و‌ لما كان الشغل ‌لا‌ يتعلق بالذوات تحتم هنا تقدير مضاف، اى: اشغله عنا بملازمه بعض اعدائك. ‌و‌ ‌فى‌ هذه الفقره ‌من‌ البديع الادماج ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يضمن المتكلم كلاما ساقه لمعنى معنى آخر، بشرط ‌ان‌ لايشعر ‌فى‌ كلامه بانه مسوق لاجله، كقوله تعالى «و له الحمد ‌فى‌ الاولى ‌و‌ الاخره»، فانه مسوق لتفرده تعالى بوصف الحمد، ‌و‌ ادمج فيه الاشاره الى البعث ‌و‌ الجزاء ‌و‌ هكذا عباره الدعاء، فانها سيقت لسئوال شغل الشيطان عنه حتى ‌لا‌ يشتغل به، ‌و‌ ادمج فيها الدعاء على اعداء الله سبحانه.
 
و عصمه الله ‌من‌ المكروه- ‌من‌ باب ضرب- حفظه ‌و‌ وقاه ‌و‌ منعه.
 ‌و‌ الرعايه بالكسر: اسم ‌من‌ يرعاه بمعنى حفظه.
 ‌و‌ كفاه الله السوء يكفيه: دفعه عنه.
 ‌و‌ الختر: الخديعه، ‌و‌ اقبح العذر.
 ‌و‌ التوليه: جعل الشى ء يلى غيره، يقال: ولاه ظهره اذا جعله يليه، ‌و‌ ‌هو‌ كنايه عن الانهزام، لان المنهزم يجعل ظهره مما يلى المنهزم عنه، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و ‌ان‌ يقاتلوكم يولوكم الادبار ثم ‌لا‌ ينصرون»، فقوله عليه السلام: «و ولنا ظهره» اى: اهزمه عنا.
 ‌و‌ الاثر بالتحريك ‌و‌ بالكسر ساكنا: ‌و‌ سم رجل الماشى ‌فى‌ الارض، ‌و‌ ‌هو‌ كنايه عن سئواله منعه ‌من‌ وصوله اليه، لانه اذا لم يصل اليه انقطع مشيه اليه فانقطع اثره.
 
امتعه الله بكذا ‌و‌ متعه بالتثقيل: اطال له الانتفاع به، ‌و‌ وجه المثليه الثبوت ‌و‌ الدوام ‌و‌ الكثره، اى: امتعنا ‌من‌ الهدى بهدى ثابت دائم كثير، مثل ثبوت ضلالته ‌و‌ دوامها ‌و‌ كثرتها.
 ‌و‌ الزاد: طعام المسافر المتخذ لسفره، ‌و‌ زودته: اعطيته زادا.
 ‌و‌ لما كان التقوى مما تتقوى ‌به‌ النفس على الوصول الى جناب القدس ‌فى‌ السفر الاخروى، كما تتقوى الطبيعه بالزاد على الحركه الحسيه ‌فى‌ السفر الدنيويه، استعار لها لفظ الزاد.
 ‌و‌ الضد بالكسر: المثل، ‌و‌ المخالف ضد.
 
قال ابوعمرو: الضد مثل الشى ء، ‌و‌ الضد خلافه.
 ‌و‌ ‌هو‌ هنا محتمل للمعنيين، فان جعلته بمعنى المثل كان وجه الشبه ‌ما‌ ذكرناه ‌فى‌ الفقره الاولى، ‌و‌ ‌ان‌ جعلته بمعنى الخلاف كان المعنى ‌و‌ زودنا ‌من‌ التقوى تقوى مخالفه لغوايته ‌فى‌ جميع الاحوال، فاذا اوجبت غوايته الهلاك اوجبت تقوانا النجاه، ‌و‌ اذا اثمرت غوايته الضلال ‌و‌ الاضلال اثمرت تقوانا الهدى ‌و‌ الارشاد.
 ‌و‌ الغوايه بالفتح: اسم ‌من‌ غوى- ‌من‌ باب ضرب- انهمك ‌فى‌ الجهل ‌و‌ ‌هو‌ خلاف الرشد، ‌و‌ غوى ايضا: ضل ‌و‌ خاب.
 ‌و‌ سلكت الطريق سلوكا- ‌من‌ باب قعد-: ذهبت فيه، يتعدى بنفسه ‌و‌ بالباء ايضا، فيقال: سلكت زيدا الطريق ‌و‌ سلكت ‌به‌ الطريق.
 ‌و‌ التقى: مصدر وقاه كهداه بمعنى اتقاه، ‌و‌ الاسم التقوى، ‌و‌ التاء فيهما مبدله ‌من‌ واو، ‌و‌ الاصل وقى ‌و‌ وقوى ابدلت الواو فيهما تاء ‌و‌ لزمت ‌فى‌ تصاريف الكلمه، ‌و‌ التقى ‌و‌ التقوى ‌فى‌ اللغه بمعنى اتخاذ الوقايه، ‌و‌ يستعملان بحسب العرف الشرعى بمعنى خشيه الله تعالى، ‌و‌ منه قوله تعالى: «يا ايها الناس اتقوا ربكم».
 قال بعض المحققين: ‌و‌ حقيقتهما عرفا شرعيا يعود الى خشيه الحق سبحانه المستلزم للاعراض عن كل ‌ما‌ يوجب الالتفات عنه ‌من‌ متاع الدنيا ‌و‌ زينتها، ‌و‌ تنحيه ‌ما‌ دون وجهه القصد اليه.
 ‌و‌ قد تقدم الكلام على مراتب التقوى ‌فى‌ الروضه الرابعه فليرجع اليه.
 ‌و‌ السبيل: الطريق.
 ‌و‌ الردى: الهلاك، ‌و‌ المراد ‌به‌ الهلاك الاخروى، ‌و‌ ‌هو‌ استيجاب النار نعوذ بالله منها.
 
و «من» ‌فى‌ قوله: «من الردى»: بيانيه، ‌و‌ جعل سبيله الردى لتاديتها اليه، ‌من‌ اطلاق المسبب على السبب، فان المراد بسبيله ‌ما‌ يجر اليه ‌من‌ مناهى الله سبحانه الموديه الى الهلاك.
 
المدخل بفتح الميم: اما مصدر ميمى بمعنى الدخول، ‌او‌ اسم لموضع الدخول.
 يقال: هذا مدخل البيت اى: موضع الدخول اليه.
 ‌و‌ التوطين: التمهيد، ‌و‌ منه وطن نفسه على الامر اذا مهدها لفعله ‌و‌ ذللها ‌و‌ «ما» ‌فى‌ قوله «فيما لدينا»: اما موصوله، ‌او‌ نكره موصوفه، اى: ‌فى‌ الذى لدينا، ‌او‌ ‌فى‌ شى ء لدينا.
 ‌و‌ المنزل: موضع النزول.
 يروى ‌ان‌ عيسى عليه السلام دعا ربه ‌ان‌ يريه موضع الشيطان ‌من‌ بنى آدم، فاراه ذلك، فاذا راسه مثل راسه الحيه واضع راسه على قلبه، فاذا ذكر الله خنس، ‌و‌ اذا لم يذكره وضع راسه على حبه قلبه.
 ‌و‌ قال صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: لولا ‌ان‌ الشياطين يحومون على قلوب بنى آدم لنظروا الى ملكوت السماوات.
 
التسويل: تحسين الشى ء ‌و‌ تزيينه ‌و‌ تحبيبه الى الانسان ليفعله ‌او‌ يقوله.
 ‌و‌ الباطل: ‌ما‌ خالف الحق ‌من‌ عقيده ‌او‌ قول ‌او‌ عمل.
 ‌و‌ عرفته الامر تعريفا: اعلمته اياه.
 ‌و‌ وقاه الله السوء: حفظه وصانه عنه.
 
 
و بصرته كذا ‌و‌ بصرته بكذا تبصيرا: اعلمته اياه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ بصرت بالشى ء بالضم ‌و‌ الكسر لغه بصرا بفتحتين: علمته فانا بصير به، يتعدى بالباء ‌فى‌ اللغه الفصحى، ‌و‌ قد يتعدى بنفسه، فيقال: بصرت الشى ء كما يقال: بصرت به، ‌و‌ ‌هو‌ ذو بصر ‌و‌ بصيره اى: علم ‌و‌ خبره.
 ‌و‌ كايده: خادعه ‌و‌ ‌ما‌ كره، ‌و‌ يكون بمعنى كاده ايضا.
 قال ‌فى‌ الاساس: له كيد ‌و‌ مكيده ‌و‌ مكائده ‌و‌ كاده ‌و‌ كايده.
 ‌و‌ الهمه الله الخير: القاه ‌فى‌ روعه بطريق الفيض.
 ‌و‌ اعد الشى ء اعدادا: هياه ‌و‌ اهبه.
 وصى بعض الصالحين فقال: ‌كن‌ ‌من‌ الشيطان كالغريب يقصده كلب الراعى فيفزع الى الراعى، فان الشيطان يدفع لك تسعه ‌و‌ تسعين بابا ‌من‌ الخير حتى يصطادك عند تمام الماه فقابله بالاضداد، فان دعاك الى الدنيا فقل: هى فانيه، ‌و‌ ‌ان‌ دعاك الى الشهوات فقل: هى ندامه، ‌و‌ ‌ان‌ دعاك الى الكبر فقابله، بمعرفه اصلك ‌و‌ فرعك تراب صلصال ‌و‌ حما مسنون ‌و‌ ماء مهين، ‌و‌ ‌ان‌ دعاك الى العجب فقل: كيف اعجب بما ليس منى؟ انما ‌هو‌ توفيق ‌و‌ عصمه.
 ‌و‌ العجب ممن يعجب بعلمه ‌و‌ ‌لا‌ يدرى بما يختم له، هكذا يبصر الله اولياءه ‌ما‌ يكايدون ‌به‌ الشيطان، ‌و‌ يلهمهم ‌ما‌ يعدونه له ‌من‌ العلم ‌و‌ العرفان.
 ‌و‌ السنه: ‌ما‌ يتقدم النوم ‌من‌ الفتور.
 ‌و‌ الغفله: غيبه الشى ء عن البال، شبههما بالنوم، ‌و‌ اثبت لها السنه ‌و‌ الايقاظ تخيلا.
 ‌و‌ ركن الى زيد ركونا- ‌من‌ باب تعب- ‌فى‌ اللغه الفصحى: ملت ‌و‌ سكنت اليه
 
و اعتمدت عليه.
 ‌و‌ الباء للسببيه، متعلقه بالغفله اى: الغفله بسبب الركون اليه.
 ‌و‌ التوفيق: جعل الله فعل العبد موافقا لما يحبه ‌و‌ يرضاه.
 ‌و‌ العون: الظهير على الامر، ‌و‌ منه الصوم عون على العفه، ‌و‌ اسم ‌من‌ الاعانه.
 قال ابن سيده ‌فى‌ مجمل اللغه: الاسم العون ‌و‌ المعانه ‌و‌ المعونه، اى: احسن معونتنا عليه.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ الشيطان لعنه الله كثيرا ‌ما‌ يزين الباطل فيريه ‌فى‌ صوره الحق، حتى انه ليدعو الى خير لتفويت خير اعظم منه اوجر ‌شر‌ ‌لا‌ يفى ‌به‌ ‌و‌ عقل العبد عاجز عن ادراك ذلك ‌من‌ دون اعانه الله تعالى، فوجب الرجوع ‌فى‌ جلب كل خير، ‌و‌ دفع كل شر، ‌و‌ تمييز كل باطل ‌من‌ حق، الى القادر المطلق الذى ‌لا‌ يعجزه شى ء، اذ لاخلاص للعقل ‌من‌ ظلمات الشبهات، ‌و‌ ‌لا‌ نجاه لسفينه الفكر ‌من‌ امواج الضلالات، الا باعانه رب الارض ‌و‌ السماوات.
 قال بعض العلماء: ربما تشبه الهواء بالعقل فيتعلق بشبهه مزخرفه ‌و‌ معذره مموهه، كالعاشق اذا سئل عن عشقه، ‌و‌ المتناول لطعام ردى اذا سئل عن فعله.
 ثم اذا مال العقل نحو مولم جميل، ‌و‌ الهوى نحو ملذ قبيح، فتنازعا بحسب غرضيهما ‌و‌ تحاكما الى القوه المدبره، بادر نور الله الى نصره العقل، ‌و‌ وساوس الشيطان الى نصره الهوى، كما قال الله تعالى: «الله ولى الذين آمنوا يخرجهم ‌من‌ الظلمات الى النور ‌و‌ الذين كفروا اولياوهم الطاغوت يخرجونهم ‌من‌ النور الى الظلمات»، فمتى كانت القوه المدبره ‌من‌ اولياء الشيطان لم ‌تر‌ نور الحق فعميت عن نفع الاجل
 
و اغترت بلذه العاجل، فجنحت الى الهوى، كما قال تعالى: «افرايت ‌من‌ اتخذ الهه هواه ‌و‌ اضله الله على علم ‌و‌ ختم على سمعه» ‌و‌ متى كانت ‌من‌ حزب الله ‌و‌ اوليائه اهتدت بنوره، فاستهانت بلذه العاجل ‌و‌ طلبت سعاده الاجل، كما قال تعالى: «و اما ينزغنك ‌من‌ الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم ‌ان‌ الذين اتقوا ذا مسهم طائف ‌من‌ الشيطان تذكروا فاذا ‌هم‌ مبصرون».
 
اشرب قلبه حب الشى ء: خالطه ‌و‌ داخله فقلبه ‌و‌ سكن اليه، كما يداخل الصبغ الثوب، ‌و‌ الشراب اعماق البدن.
 يقال: اشرب الثوب الصبغ اذا اشبعه منه، ‌و‌ اشرب زيد اذا اسقاه.
 ‌و‌ انكرت عليه عمله: عتبته ‌و‌ قبحته.
 ‌و‌ لطف الله له: اوصل اليه مراده بلطف، ‌اى‌ رفق.
 ‌و‌ الحيل: كعنب جمع حيله ‌و‌ هى اسم ‌من‌ الاحتيال ‌و‌ اصلهما الواو.
 قال ‌فى‌ القاموس: ‌هو‌ الحذق وجوده النظر ‌و‌ القدره على التصرف.
 ‌و‌ المراد بنقض حيله ابطالها حتى ‌لا‌ توثر فيه.
 يقال: نقضت ‌ما‌ ابرمه اذا ابطلته، ‌و‌ اصله ‌من‌ نقضت الحبل نقضا اى: حللت برمه.
 
حولته تحويلا: نقلته ‌من‌ موضع الى موضع.
 ‌و‌ سلطانه: ‌اى‌ تسلطه ‌و‌ تصرفه بالاغواء المستتبع للاستجابه، ‌و‌ الا فلا سلطان له
 
على احد بالقسر ‌و‌ الالجاء، كما قال: «و ‌ما‌ كان لى عليكم ‌من‌ سلطان الا ‌ان‌ دعوتكم فاستجبتم لى».
 ‌و‌ اقطع رجاءه: ‌اى‌ آيسه منا حتى لايطمع على حال ‌فى‌ اغوائنا.
 ‌و‌ درات الشى ء درءا- ‌من‌ باب نفع-: دفعته.
 ‌و‌ ولع بالشى ء يولع كوجل يوجل- ‌من‌ باب علم يعلم- ولعا محركه ‌و‌ ولوعا بفتح الواو: علق به، ‌و‌ اولع ‌به‌ بالبناء للمفعول: اغرى ‌به‌ فهو مولع ‌به‌ بفتح اللام اى: مغرى.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ المنصوص عليه ‌فى‌ كتب اللغه ‌ان‌ الولوع سواء كان مصدرا ‌او‌ اسما بفتح الواو.
 قال الجوهرى: ولعت ‌به‌ اولع ولعا ولوعا، المصدر ‌و‌ الاسم جميعا بالفتح.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ القاموس: ولع كوجل ولعا محركه ‌و‌ ولوعا بالفتح.
 ‌و‌ قال الفيومى: اولع ‌به‌ ولوعا بفتح الواو.
 ‌و‌ اتفقت نسخ الصحيفه الشريفه على ضبط الولوع بضم الواو، فليحرر.
 
الاباء: جمع اب محذوف اللام، ‌و‌ هى واو، لانه يثنى على ابوين. ‌و‌ الامهات: جمع ام، ‌و‌ هى الوالده.
 
قيل: اصلها امهه، ‌و‌ لهذا تجمع على امهات، ‌و‌ اجيب بزياده الهاء ‌و‌ ‌ان‌ الاصل امات.
 قال ابن جنى: دعوى الزياده اسهل ‌من‌ دعوى الحذف، ‌و‌ كثر ‌فى‌ الناس امهات ‌و‌ ‌فى‌ غير الناس امات للفرق بينهما.
 قال الفيومى: ‌و‌ الوجه ‌ما‌ اورده ‌فى‌ البارع ‌ان‌ ‌فى‌ الام اربع لغات ‌ام‌ بضم الهمزه ‌و‌ كسرها ‌و‌ امه ‌و‌ امهه، فالامهات ‌و‌ الامات لغتان ليست احداهما اصلا للاخرى، ‌و‌ ‌لا‌ حاجه الى دعوى حذف ‌و‌ ‌لا‌ زياده.
 ‌و‌ الاولاد: جمع ولد بفتحتين، فعل بمعنى مفعول، يطلق على الذكر ‌و‌ الانثى المثنى ‌و‌ المجموع، ‌و‌ الولد على وزن فعل لغه فيه ‌و‌ قيس تجعل المضموم جمع المفتوح مثل اسد جمع اسد. ‌و‌ الاهالى: جمع اهل.
 قال الجوهرى: زادوا فيه الياء على غير قياس، كما جمعوا ليلا على ليالى.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: ‌هو‌ اسم جمع لاهل، كالليالى ‌فى‌ جمع ليله ‌و‌ الاراضى ‌فى‌ جمع ارض
 ‌و‌ الاصل ‌فى‌ الاهل: القرابه، ‌و‌ قد اطلق على الاتباع.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ القاموس: اهل الرجل عشيرته ‌و‌ ذو ‌و‌ قرباه.
 ‌و‌ ذوى: جمع ذو بمعنى صاحب.
 ‌و‌ الارحام: جمع رحم بمعنى القرابه، منقول ‌من‌ الرحم الذى ‌هو‌ موضع تكوين الولد.
 قال شيخنا البهائى قدس الله سره: قصر بعض العلماء الرحم على ‌من‌ يحرم
 
نكاحه، ‌و‌ الظاهر انه كل ‌من‌ عرف بنسبه ‌و‌ ‌ان‌ بعد. ‌و‌ يويده ‌ما‌ رواه على ‌بن‌ ابراهيم ‌فى‌ تفسير قوله تعالى: «فهل عسيتم ‌ان‌ توليتم ‌ان‌ تفسدوا ‌فى‌ الارض ‌و‌ تقطعوا ارحامكم»: انها نزلت ‌فى‌ بنى اميه، ‌و‌ ‌ما‌ صدر منهم بالنسبه الى ائمه اهل البيت عليهم السلام انتهى.
 ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا ‌فى‌ الروضه الثانيه.
 قوله: «و قراباتنا» يحتمل ‌ان‌ يكون معطوفا على الارحام فيكون مجرورا، اى: ‌و‌ ذوى قراباتنا، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون معطوفا على ذوى فيكون منصوبا ‌و‌ الكسره فيه نائبه عن الفتحه، ‌و‌ عطفه على ‌ما‌ قبله اما ‌من‌ عطف العام على الخاص ‌ان‌ قصر الرحم على ‌من‌ يحرم نكاحه، ‌او‌ على ‌ما‌ ‌هو‌ اخص ‌من‌ مطلق القرابه، ‌و‌ الا فهو ‌من‌ عطف الشى ء على مرادفه تاكيدا.
 ‌و‌ الجيران: جمع جار، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ اللغه المجاور ‌فى‌ المسكن اى: الملاصق فيه.
 حكى ثعلب عن ابن الاعرابى: ‌ان‌ الجار الذى يجاورك بيت بيت.
 ‌و‌ شرعا قيل: مرجعه الى العرف.
 ‌و‌ قيل: الى اربعين دارا ‌من‌ كل جانب، ‌و‌ ‌هو‌ المروى ‌فى‌ احاديث ‌من‌ طرق العامه ‌و‌ الخاصه.
 روت عائشه عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله انه قال: الجار الى اربعين دارا.
 روى ‌فى‌ الكافى بسند حسن ‌او‌ صحيح عن ابى جعفر عليه السلام، قال: ‌حد‌ الجوار اربعون دارا ‌من‌ كل جانب، ‌من‌ بين يديه ‌و‌ ‌من‌ خلفه ‌و‌ عن يمينه ‌و‌ عن شماله.
 
و مثله عن ابى عبدالله عليه السلام.
 «و من» ‌فى‌ قوله «من المومنين»: لبيان لجنس، اى: الذين ‌هم‌ المومنون.
 ‌و‌ الحرز بالكسر ‌و‌ السكون: المكان الحصين الذى يحفظ فيه.
 قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: ‌و‌ منه حديث الدعاء اللهم اجعلنا ‌فى‌ حرز حارز اى: كهف منيع، ‌و‌ هذا كما يقال: شعر شاعر، فاجرى اسم الفاعل صفه للشعر ‌و‌ ‌هو‌ لقائله، ‌و‌ القياس ‌ان‌ يكون حرز محرز ‌او‌ حرز حريز، لان الفعل منه احرز، ‌و‌ لكن كذا روى، ‌و‌ لعله لغه انتهى.
 قلت: قال صاحب القاموس: حرزه حفظه، ‌او‌ ‌هو‌ ابدال ‌و‌ الاصل حرسه انتهى.
 ‌و‌ عباره الدعاء تدل على انه ليس بابدال، فثبت كون حارز قياسا ‌من‌ حرزه بمعنى حفظه.
 ‌و‌ الحصن: المكان الذى لايقدر عليه لارتفاعه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: ‌هو‌ كل مكان حصين ‌لا‌ يوصل الى جوفه. ‌و‌ الكهف: الغار الواسع ‌فى‌ الجبل كانه بيت منقور.
 قال ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز: فلان كهف قومه: ملجوهم ‌و‌ الجنن: جمع جنه بالضم.
 قال الجوهرى: الجنه بالضم ‌ما‌ استترت ‌به‌ ‌من‌ سلاح، ‌و‌ الجنه: الستره، ‌و‌ الجمع الجنن يقال: استجن بجنه اى: استتر بستره انتهى.
 ‌و‌ الاسلحه: جمع سلاح، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يقاتل ‌به‌ ‌فى‌ الحرب ‌و‌ يدافع ‌و‌ التذكير فيه اغلب
 
من التانيث، فيجمع على التذكير اسلحه كحمار ‌و‌ احمره، ‌و‌ على التانيث سلاحات.
 ‌و‌ ماضيه: ‌اى‌ قاطعه ‌من‌ مضى السيف ‌فى‌ الضريبه مضاء اى: قطع.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ المراد بجعلهم ‌فى‌ حرز حارز ‌و‌ حصن حافظ ‌و‌ كهف مانع، ‌ان‌ يوفقهم لطاعته ‌و‌ عبادته ‌و‌ تقواه، التى لايستطيع الشيطان الوصول اليهم معها، فاستعار هذه الالفاظ للطاعه ‌و‌ العباده ‌و‌ التقوى، باعتبار كونها ملجا ‌من‌ كيد الشيطان ‌و‌ وساوسه، كما ‌ان‌ المجعول ‌فى‌ حرز حارز ‌و‌ حصن ‌و‌ كهف محفوظ فيها ‌من‌ غوائل العدو.
 ‌و‌ كذا قوله عليه السلام: «و البسهم منه جننا واقيه» فانه استعار الجنن لعناياته سبحانه بهم، يحفظهم ‌من‌ مكائد الشيطان ‌و‌ اضلاله ‌و‌ اغوائه، ‌و‌ اثبات الالباس ‌و‌ الوقايه ترشيح.
 ‌و‌ المراد بالاسلحه: الاذكار ‌و‌ الاعمال الصالحه التى يدفع بها وساوس الشيطان ‌و‌ تسويلاته، ‌و‌ هى استعاره مرشحه ايضا، ‌و‌ وضعها بالماضيه ‌هو‌ الترشيح، ‌و‌ فيه تشبيه للشيطان ضمنا بالمحارب المبارز، ‌و‌ الله اعلم.
 
عمهم عموما- ‌من‌ باب قعد- شملهم ‌و‌ استوعبهم. ‌و‌ عرفوا العموم بانه عباره عن الاحاطه بالافراد دفعه، ‌و‌ الاشاره بذلك الى ‌ما‌ تقدم ‌من‌ الدعاء.
 ‌و‌ من: يستوى- فيها المفرد ‌و‌ المثنى ‌و‌ المجموع ‌و‌ المذكر ‌و‌ المونث ‌و‌ منع الحنفيه ‌من‌ تناولها للانثى.
 لنا قوله تعالى: «و ‌من‌ يعمل ‌من‌ الصالحات ‌من‌ ذكر ‌او‌ انثى»، فالتفسير بها
 
دل على تناول «من» لهما.
 ‌و‌ شهد لك بالربوبيه: اقر لك بانك رب كل شى ء ‌و‌ مالكه.
 ‌و‌ اخلص لك بالوحدانيه: ‌اى‌ لم يعتبر معك غيرك مطلقا، ‌و‌ ‌هو‌ التوحيد المطلق الكامل الذى اشار اليه اميرالمومنين عليه السلام بقوله: ‌و‌ كمال توحيده الاخلاص له. فان الاخلاص ‌هو‌ الذى يتم ‌به‌ التوحيد المطلق، اذ كان عباده عن تنحيه كل ‌ما‌ سوى الحق الاول عن مستن الايثار. ‌و‌ بيان ذلك: انه ثبت ‌فى‌ علم السلوك ‌ان‌ العارف مادام ملتفتا، مع ملاحظه جلال الله ‌و‌ عظمته، الى شى ء سواه، فهو بعد واقف دون مقام الوصول جاعل مع الله غيرا، حتى ‌ان‌ اهل الاخلاص ليعدون ذلك شركا خفيا.
 كما قال بعضهم:
 ‌من‌ كان ‌فى‌ قلبه مثقال خردله
 سوى جلالك فاعلم انه قرض
 ‌و‌ انهم ليعتبرون ‌فى‌ تحقق الاخلاص ‌ان‌ يغيب العارف عن نفسه حال ملاحظته لجلال الله تعالى، ‌و‌ ‌ان‌ لحظها فمن حيث هى لاحظه، ‌لا‌ ‌من‌ حيث هى متزينه بزينه الحق، فكان اخلاص الوحدانيه ‌ان‌ ‌لا‌ يعتبر معه غيره مطلقا. ‌و‌ قد تقدم الكلام منا مبسوطا ‌فى‌ الاخلاص ‌و‌ التوحيد ‌و‌ مراتبه ‌فى‌ الروضه الاولى، فاغنى عن الاعاده هنا.
 ‌و‌ الضمير ‌فى‌ «عاداه» راجع الى الشيطان، ‌و‌ المعاداه: تحرى كل ‌من‌ الشخصين اغتيال الاخر ‌و‌ مضادته فيما يودى الى مصالحه.
 فالمراد بمعاداه الشيطان مضادته ‌و‌ مخالفته ‌فى‌ جميع ‌ما‌ يزينه ‌و‌ يوسوس به، ‌و‌ الكون منه على حذر ‌فى‌ جميع الاحوال ‌و‌ قد امرنا الله سبحانه بمعاداته، فقال: «ان الشيطان
 
لكم عدو فاتخذوه عدوا» ‌و‌ اللام ‌فى‌ «لك»: للتعليل اى: لاجلك.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بحقيقه العبوديه»: للاستعانه، ‌او‌ للمصاحبه.
 ‌و‌ الحقيقه: فعيله ‌من‌ ‌حق‌ الشى ء اذا ثبت بمعنى فاعله اى: حقيق. ‌و‌ التاء فيها للنقل ‌من‌ الوصفيه الى الاسميه كما ‌فى‌ علامه، ‌لا‌ للتانيث، ‌و‌ حقيقه الشى ء: مابه الشى ء ‌هو‌ هو باعتبار تحققه.
 ‌و‌ المراد بحقيقه العبوديه هنا خالصها ‌و‌ محضها، ‌و‌ ‌هو‌ عباره عن صيروره العبد عبدا خالصا محضا، لم يبق له جهه انانيه، ‌او‌ نظر ‌و‌ التفات الى ‌ما‌ سوى المعبود الحق الاول ‌و‌ لما كان منشا عدواه ابليس لادم ‌و‌ ذريته انانيته ‌و‌ كبره، كما قال: «انا خير منه خلقتنى ‌من‌ نار ‌و‌ خلقته ‌من‌ طين»، ‌و‌ كانت حقيقه العبوديه مضاده للانانيه ‌و‌ الكبر، لزم ‌ان‌ يكون المتلبس بها مضادا ‌و‌ مباينا لكل متلبس ‌و‌ متصف بضدها، فكيف بمن ‌هو‌ امام المتكبرين، ‌و‌ سلف المتجبرين، الذى وضع اساس الانانيه، ‌و‌ نازع الله رداء الجبريه، ‌و‌ ادرع لباس التكبر، ‌و‌ خلع قناع التذلل؟ فان المضاده المباينه تقتضى المنافره ‌و‌ المعانده، ‌و‌ لذلك خصه عليه السلام بالذكر، فان الشيطان اشد عداوه له ‌من‌ غيره، كما انه اشد ‌من‌ غيره عداوه للشيطان.
 ‌و‌ استظهرت به: استعنت.
 ‌و‌ فى: للظرفيه المجازيه، لكون المعرفه شاغله للمستظهر مشتمله عليه اشتمال الظرف على المظروف، ‌او‌ للتعليل اى: لاجل معرفه العلوم الربانيه المنسوبه الى الرب بزياده الالف ‌و‌ النون، اى: المتعلقه بمعرفته تعالى.
 ‌و‌ لما كان مقصود الشيطان اولا اضلال العبد ‌فى‌ الاعتقاد، ‌و‌ اغوائه عن معرفه ربه ‌و‌ صفاته على ‌ما‌ يجب اعتقاده، خص عليه السلام بالذكر الطالب لمعرفه العلوم
 
الربانيه المستظهر ‌به‌ تعالى على الشيطان ‌فى‌ تحصيلها ‌و‌ تحقيقها، حتى لايصده عنها ‌او‌ يلحد فيها.
 
حل العقده حلا- ‌من‌ باب قتل-: نقضها، ‌و‌ عقد الحبل عقدا- ‌من‌ باب ضرب-: شده.
 ‌و‌ فتقه فتقا- ‌من‌ باب قتل-: شقه ‌و‌ رتقه رتقا- ‌من‌ باب قتل-: ضمه ‌و‌ لامه ‌و‌ الحمه، اى: ابطل ‌ما‌ احكمه ‌من‌ المكايد، ‌و‌ ارفع ‌ما‌ قرره ‌من‌ المفاسد. ‌و‌ استعمال الافعال المذكوره ‌فى‌ هذه المعانى استعاره تبعيه.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز: فلان حلال العقد كاف للمهمات.
 ‌و‌ فسخ الراى- ‌من‌ باب نفع- نقضه، ‌و‌ فسخ تدبيره: افسده، ‌و‌ اصل الفسخ ازاله الشى ء عن موضعه. ‌و‌ ‌من‌ غريب ‌ما‌ وقع لبعض المترجمين.
 هنا انه قال: اتفقت النسخ على فتح السين ‌من‌ قوله «و افسخ مادبره» ‌و‌ ضابطه القاموس تقتضى الضم انتهى.
 يشير الى ‌ما‌ ذكره صاحب القاموس ‌فى‌ اول الكتاب، حيث قال: ‌و‌ اذا ذكرت المصدر مطلقا، ‌او‌ الماضى بدون الاتى ‌و‌ ‌لا‌ مانع، فالفعل على مثال كتب انتهى.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ ماده (ف س خ) الفسخ: الضعف، ‌و‌ الجهل، ‌و‌ الطرح، ‌و‌ افساد الراى، ‌و‌ النقض. فذكر المصدر مطلقا، ‌و‌ ‌هو‌ يقتضى ‌ان‌ يكون الفعل منه على مثال كتب. هذا معنى قول المترجم: «و ضابطه القاموس تقتضى الضم». ‌و‌ ‌هو‌
 
غلط منه، اوقعه فيه غفلته عن قول صاحب القاموس: «و ‌لا‌ مانع»، فان المانع ‌من‌ كون الفعل هنا على مثال كتب متحقق، ‌و‌ ‌هو‌ كون لام الفعل حرف حلق ‌و‌ ‌هو‌ الخاء، فان كون الفعل حلقى عين ‌او‌ لام مانع ‌من‌ كونه على مثال كتب، الا ماورد ‌به‌ السماع كدخل يدخل، ‌و‌ انما نبهنا على ذلك لئلا يقع الواقف على كلامه ‌فى‌ مثل ‌ما‌ وقع فيه، ‌و‌ الله الملهم للصواب.
 ‌و‌ دبر الامر تدبيرا: قرره عن فكر ‌و‌ رويه، كانه نظر ‌فى‌ دبره ‌و‌ ‌هو‌ عاقبته ‌و‌ آخرته.
 ‌و‌ ثبطه عن الامر تثبيطا: عوقه ‌و‌ اقعده عنه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ضد‌ التحريض.
 ‌و‌ عزم على الشى ء عزما ‌من‌ باب ضرب، ‌و‌ قد يتعدى بنفسه فيقال. عزم الشى ء اذا عقد ضميره على فعله، ‌و‌ عزم عزيمه ‌و‌ عزامه: اجتهد وجد ‌فى‌ امره.
 ‌و‌ قيل: العزم ‌و‌ العزيمه: الاراده الموكده.
 ‌و‌ نقض الحبل نقضا- ‌من‌ باب قتل-: ‌حل‌ برمه، ‌و‌ منه: انقضت ‌ما‌ ابرمه اذا ابطلته، ‌و‌ اصل الابرام قتل الحبل ‌من‌ طاقين حتى يصيرا واحدا، ثم استعمل ‌فى‌ احكام الشى ء ‌و‌ تدبيره استعاره.
 
هزمت الجيش هزما- ‌من‌ باب ضرب-: كسرته فانهزم، ‌و‌ الاسم الهزيمه.
 ‌و‌ الجند بالضم: الانصار ‌و‌ الاعوان.
 ‌و‌ المراد بجنده شياطين الانس ‌و‌ الجن، ‌من‌ كل ‌من‌ خالف الحق ‌و‌ نابذه ‌و‌ اتبع الشيطان ‌و‌ تلقف عنه، فصار ‌فى‌ قوته ‌ان‌ يلبس الحق صوره الباطل.
 ‌و‌ ابطل الشى ء افسده ‌و‌ اسقط حكمه. ‌و‌ الكيد: المكر ‌و‌ الخديعه.
 ‌و‌ هدمت البناء هدما- ‌من‌ باب ضرب-: اسقطته فانهدم. ‌و‌ الكهف: الملجا.
 ‌و‌ رغم انفه رغما ‌من‌ باب قتل، ‌و‌ ‌فى‌ لغه ‌من‌ باب تعب ‌و‌ ‌هو‌ كنايه عن الذل ‌و‌ الهوان، كانه لصق بالرغام بالفتح ‌و‌ ‌هو‌ التراب، ‌و‌ يتعدى بالهمزه فيقال: ارغم الله انفه، ‌و‌ فعلته على رغم انفه بالفتح ‌و‌ الضم، اى: على كره منه، ‌و‌ هذا ‌من‌ الامثال
 
التى جرت ‌فى‌ كلامهم باسماء الاعضاء ‌و‌ ‌لا‌ يريدون اعيانها، بل وضعوها لمعان غير معانى الاسماء الظاهره، ‌و‌ ‌لا‌ حظ لظاهر الاسماء ‌من‌ طريق الحقيقه، ‌و‌ منه قولهم: كلامه تحت قدمى، ‌و‌ حاجته خلف ظهرى، يريدون الاهمال ‌و‌ عدم الاحتفال.
 
النظم: الجماعه، يقال: جاءنا نظم ‌من‌ جراد، ‌اى‌ ‌صف‌ منه، ‌و‌ اصله ‌من‌ نظم اللولو نظما- ‌من‌ باب ضرب-: جعله ‌فى‌ سلك، اى: اجعلنا ‌فى‌ ‌صف‌ اعدائه ‌و‌ جماعتهم الذين كانهم نظموا ‌فى‌ سلك واحد، ‌و‌ ‌من‌ فسر النظم بالسلك فقد اخطا، فان السلك ‌لا‌ يقال له: نظم، بل نظام.
 ‌و‌ عزلت الشى ء ‌من‌ غيره عزلا: نحيته عنه.
 ‌و‌ فلان ‌فى‌ عداد الصالحين اى: يعد منهم، اى: نحنا ‌و‌ جنبنا ‌من‌ ‌ان‌ نعد ‌فى‌ اوليائه.
 ‌و‌ تعديه نطيع باللام، مع انه متعد بنفسه، لتضمينه معنى ننقاد، اى: لاننقاد له مطيعين، فهو كقولهم: سمع الله لمن حمده، ‌و‌ انما اصل سمع ‌ان‌ يتعدى بنفسه، لكنهم عدوه باللام لتضمينه معنى استجاب.
 ‌و‌ استهواه الشيطان استماله ‌و‌ زين له هواه، ‌او‌ ذهب بهواه ‌و‌ عقله. ‌و‌ استجاب له: اذا دعاه الى شى ء فاطاعه.
 ‌و‌ دعانا: ‌اى‌ نادانا ‌و‌ طلب اقبالنا اليه.
 ‌و‌ مناواته: ‌اى‌ معاداته، ‌و‌ اصله الهمز، كما ‌هو‌ ‌فى‌ نسخه اخرى.
 قال الجوهرى: ناوات الرجل مناواه ‌و‌ نواء: عاديته، يقال: اذا ناوات الرجال
 
فاصبر. ‌و‌ ربما لم يهمز، ‌و‌ اصله الهمز، لانه ‌من‌ ناء اليك ‌و‌ ناوت اليه، اى: نهض اليك ‌و‌ نهضت اليه.
 ‌و‌ الوعظ: النصح، ‌و‌ عداه ب«عن» لتضمينه معنى الزجر.
 قال بعضهم: الوعظ تذكير مشتمل على زجر ‌و‌ تخويف، ‌و‌ حمل على طاعه الله بلفظ يرق له القلب، ‌و‌ الاسم الموعظه.
 ‌و‌ تابعه على كذا متابعه: وافقه عليه، ‌و‌ اتبع زجرنا: ‌اى‌ قبله ‌و‌ عمل به، ‌و‌ منه حديث: فاتبعوا القرآن، اى: ائتموا ‌به‌ ‌و‌ اعملوا بما فيه.
 ‌و‌ زجرته زجرا: منعته ‌و‌ نهيته.
 ‌و‌ الجملتان ‌من‌ قوله: «لا نطيع له، ‌و‌ نامر بمناواته» يجوز ‌ان‌ تكونا حالين ‌من‌ الضمير المنصوب، اى: اجعلنا ‌فى‌ نظم اعدائه حال كوننا غير مطيعين له آمرين بمناواته، فتكونا ‌من‌ باب تعدد الاحوال.
 ‌و‌ يجوز ‌ان‌ تكون جمله «نامر بمناواته» حالا ‌من‌ الضمير المرفوع ‌فى‌ «لانطيع»، فتكون حالا متداخله.
 ‌و‌ يجوز كونهما مستانفتين، كانه سئل كيف تكونون اذا جعلكم ‌فى‌ نظم اعدائه ‌و‌ عزلكم عن عداد اوليائه؟ فقال: ‌لا‌ نطيع له الى آخره، ثم استانف الجمله الاخرى، فكانه سئل ثم ‌ما‌ يكون منكم ‌فى‌ امره بعد عدم اطاعته ‌و‌ استجابته؟ فقال: نامر بمناواته الى آخره. ‌و‌ على هذا فلا محل لهما ‌من‌ الاعراب، ‌و‌ المعطوف عليهما ‌فى‌ حكمهما اعرابا ‌و‌ عدمه.
 
خاتم القوم بالفتح ‌و‌ الكسر: ‌اى‌ آخرهم الذى ختموا به، ‌و‌ خاتم النبيين: ‌من‌
 
اغلق ‌به‌ باب النبوه، ‌و‌ ‌لا‌ يقدح فيه نزول عيسى بعده عليه السلام، لان معنى كونه خاتم النبيين انه ‌لا‌ ينبى احد بعده، ‌و‌ عيسى ممن نبى قبله، ‌و‌ حين ينزل انما ينزل على شريعه محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم، مصليا الى قبلته، كانه بعض امته.
 ‌و‌ ساد فلان قومه يسودهم سوودا بالضم ‌و‌ سياده: اذا صار رئيسهم.
 ‌و‌ قال الزجاج: السيد: الذى يفوق ‌فى‌ الخير قومه.
 ‌و‌ قال بعض اهل اللغه: السيد: المالك، ‌او‌ ‌من‌ ‌فى‌ حكمه الذى تجب طاعته، ‌و‌ لهذا يقال: سيد الغلام، ‌و‌ ‌لا‌ يقال: سيد الثوب، ‌و‌ قد اسلفنا الكلام على الفرق بين النبى ‌و‌ الرسول ‌فى‌ الروضه الاولى.
 ‌و‌ اهل بيته عليهم السلام: ‌هم‌ اهل العباء المنزل ‌فى‌ شانهم «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ‌و‌ يطهركم تطهيرا».
 قال ابوسعيد الخدرى، ‌و‌ انس ‌بن‌ مالك، ‌و‌ واثله ‌بن‌ الاسفع، ‌و‌ عائشه، ‌و‌ ‌ام‌ سلمه: ‌ان‌ الايه مختصه برسول الله ‌و‌ على ‌و‌ فاطمه ‌و‌ الحسن ‌و‌ الحسين عليهم السلام.
 ‌و‌ قد تواترت الاخبار ‌من‌ طرق الخاصه ‌و‌ العامه: ‌ان‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله جعل على على ‌و‌ فاطمه ‌و‌ الحسنين كساء، وقرا الايه ‌و‌ قال: اللهم هولاء اهل بيتى، اذهب عنهم الرجس ‌و‌ طهرهم تطهيرا.
 
و ‌فى‌ روايه: اللهم ‌ان‌ هولاء ‌آل‌ محمد، فاجعل صلواتك ‌و‌ بركاتك على ‌آل‌ محمد انك حميد مجيد.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه: اللهم هولاء اهلى، اذهب عنهم الرجس ‌و‌ طهرهم تطهيرا، ثلاثا.
 ‌و‌ يدخل ‌فى‌ اهل البيت باقى الائمه المعصومين صلوات الله عليهم اجماعا ‌من‌ الاماميه، لما صح ‌من‌ حديث: ‌ان‌ مثل اهل بيتى مثل سفينه نوح ‌من‌ ركبها نجاو ‌من‌ تخلف عنها هلك.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام ‌فى‌ قوله تعالى : «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ‌و‌ يطهركم تطهيرا»: يعنى الائمه، ‌و‌ ولايتهم ‌من‌ دخل فيها دخل ‌فى‌ بيت النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله.
 ‌و‌ الطيب: ‌ما‌ تستلذه الحواس ‌و‌ النفس، ‌و‌ ‌من‌ طاب الشى ء يطيب طيبا: اذا كان لذيذا ‌او‌ حلالا فهو طيب، فاذا اطلق على الله تعالى كما ‌فى‌ حديث: ‌ان‌ الله تعالى طيب ‌لا‌ يقبل الا طيبا، فالمراد ‌به‌ المنزه عن النقايص، المقدس عن الافات ‌و‌ العيوب، المتصف بجميع صفات الكمال، ‌و‌ اذا اطلق على الانسان فالمراد ‌به‌ ‌من‌ تزكى عن نجاسه المولد ‌و‌ الجهل ‌و‌ الفسق، ‌و‌ تحلى بالعلم ‌و‌ محاسن الاخلاق ‌و‌ الافعال.
 ‌و‌ الطاهر: النقى ‌من‌ دنس الميلاد ‌و‌ الذنوب ‌و‌ الاقذار ‌و‌ الانجاس.
 ‌و‌ اهالينا: عطف على الضمير المنصوب ‌فى‌ اعذنا، ‌و‌ الروايه المشهوره فيه فتح
 
الياء على القياس.
 ‌و‌ روى ‌فى‌ نسخه بسكون الياء على لغه ‌من‌ يسكنها ‌فى‌ الحالات الثلاثه كالالف.
 قال الزمخشرى: ‌فى‌ تفسير قوله تعالى: «من اوسط ‌ما‌ تطعمون اهليكم»: قرا جعفر ‌بن‌ محمد عليهماالسلام: اهاليكم بسكون الياء للتخفيف، كما قالوا: رايت معدى كرب تشبيها للياء بالالف.
 ‌و‌ ‌من‌ قوله: «من خوفه»: اما بيانيه، ‌و‌ هى ‌و‌ مخفوضها ‌فى‌ موضع نصب على الحال، ‌و‌ ذو الحال «ما» المجروره ب«من»، ‌و‌ اما تعليليه اى: لاجل خوفه، ‌و‌ الضمير يحتمل عوده على المستعاذ ‌و‌ المستجار منه، ‌و‌ يحتمل عوده الى الشيطان.
 قال بعض العارفين: ‌ان‌ الشيطان قاسم اباك ‌و‌ امك انه لهما لمن الناصحين، ‌و‌ قد رايت ‌ما‌ فعل بهما، ‌و‌ اما انت فقد اقسم على غوايتك، كما قال الله تعالى حاكيا عنه «فبعزتك لاغوينهم اجمعين» فماذا ترى يصنع بك؟ فشمر عن ساق الخوف ‌و‌ الحذر منه ‌و‌ ‌من‌ كيده ‌و‌ مكره ‌و‌ خديعته.
 
اسمع لنا: ‌اى‌ استجب لنا، ‌و‌ منه قول المصلى: سمع الله، لمن حمده، اى: اجاب دعاء ‌من‌ حمده.
 ‌و‌ دعونابه: ‌اى‌ سالناه، يقال: دعا الله بالعافيه ‌و‌ المغفره، اى: سالهما.
 
و ‌فى‌ نسخه «اسمع» بقطع الهمزه ‌من‌ الاسماع.
 قيل: معناه اجعل لنا ‌ما‌ دعونا ‌به‌ مسموعا مستحقا للاجابه.
 ‌و‌ اغفلناه: ‌اى‌ غفلنا عنه.
 قال ‌فى‌ القاموس: غفل عنه غفولا: تركه وسها عنه كاغفله.
 ‌و‌ قال الجوهرى: اغفلت الشى ء: اذا تركته على ذكر منك، اى: اعطناما اغفلنا سواله.
 ‌و‌ الحفظ: ‌ضد‌ السهو ‌و‌ النسيان، ‌و‌ يعبر عنه بضبط الشى ء ‌فى‌ النفس ‌و‌ مرجعه العلم، فحفظه تعالى يعود الى علمه بالاشياء، اى: افعل بنا ‌من‌ الخير ‌ما‌ لم يعزب عن علمك، مما نسينا ‌ان‌ ندعوك ‌به‌ ‌و‌ نرغب اليك ‌فى‌ فعله بنا.
 ‌و‌ صيرنا: ‌اى‌ اجعلنا، ‌من‌ صار زيد صالحا صيروره: اذا انتقل الى حاله الصلاح بعد ‌ان‌ لم يكن عليها.
 ‌و‌ الدرجات: جمع درجه محركه ‌و‌ هى المرقاه، ‌و‌ استعيرت للمنزله الرفيعه المعنويه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الدرجات محركه: الطبقات ‌من‌ المراتب.
 ‌و‌ الصالحون: القائمون بحقوق الله ‌و‌ حقوق العباد، ‌و‌ الصلاح: ‌هو‌ الحصول على الحاله المستقيمه النافعه، ‌و‌ يقابله الفساد ‌اى‌ خروج الشى ء عن ‌ان‌ يكون منتفعا به.
 ‌و‌ المراتب: المنازل الرفيعه.
 قال ‌فى‌ الاساس: ‌من‌ المجاز: لفلان مرتبه عند السلطان ‌و‌ منزله، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ اهل المراتب.
 
و آمين: بالمد ‌و‌ الفتح بناء، اى: اللهم استجب، ‌و‌ قد تقدم الكلام عليها مبسوطا ‌فى‌ آخر الروضه الثانيه عشره، فليرجع اليه.
 ‌و‌ اختلفوا ‌فى‌ انها هل هى دعاء ‌ام‌ لا؟ فقيل بالثانى، لانها اسم للدعاء، ‌و‌ ‌هو‌ اللهم استجب، ‌و‌ الاسم مغاير لمسماه.
 ‌و‌ قيل بالاول، ‌و‌ ‌هو‌ الحق، لانها اسم فعل، ‌و‌ اسماء الافعال اسماء لمعانى الافعال ‌لا‌ لالفاظها، كما حققه الرضى، ‌و‌ ‌من‌ ادلته ‌ان‌ العربى يقول: صه مثلا ‌و‌ يريد معنى اسكت، ‌و‌ ‌لا‌ يخطر بباله لفظه اسكت، بل قد ‌لا‌ تكون مسموعه له اصلا.
 ‌و‌ قد ورد الختم على قول آمين بعد الدعاء ‌من‌ طرق الخاصه ‌و‌ العامه.
 روى عن ابى زهير النميرى ‌و‌ كان ‌من‌ الصحابه: فاذا دعا احدنا قال: اختمه بامين، فان آمين مثل الطابع على الصحيفه.
 قال ابوزهير: الا اخبركم عن ذلك، خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ذات مره، فاذا رجل قد الح ‌فى‌ المساله، فقال النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: قد اوجب ‌ان‌ ختمه، فقال رجل ‌من‌ القوم: باى شى ء يختمه؟ فقال: بامين، فانه ‌ان‌ ختم بامين قد اوجب اى: اوجب اجابه الدعاء.
 ‌و‌ ‌فى‌ النهايه لابن الاثير: فيه آمين خاتم رب العالمين، اى: انه طابع الله على عباده، لان الافات ‌و‌ البلايا تدفع به، فكان كخاتم الكتاب الذى يصونه ‌و‌ يمنع ‌من‌ فساده ‌و‌ اظهار ‌ما‌ فيه انتهى.
 ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ معنى الحديث غير ‌ما‌ ذكره، بل المراد بكون آمين خاتم رب العالمين
 
ان ختم الدعاء ‌به‌ يوجب اجابته، كما مر ‌فى‌ الحديث السابق، كما ‌ان‌ خاتم الملك على منشوره يوجب امضاءه ‌و‌ انفاذه، ‌و‌ الله اعلم.
 هذا آخر الروضه السابعه عشره ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيدالعابدين، ‌و‌ قد وفق الله لانهائها آخر يوم الاثنين لثلاث بقين ‌من‌ ذى القعده الحرام عام مائه ‌و‌ الف، ولله الحمد.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^