فارسی
سه شنبه 18 ارديبهشت 1403 - الثلاثاء 27 شوال 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

الدعاء 20- 1

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ ‌به‌ نستعين


 الحمد الله الكبير المتعال، الهدى الى مكارم الاخلاق ‌و‌ مرضى الافعال، ‌و‌ الصلاه ‌و‌ السلام على نبيه الكريم، المخاطب ‌فى‌ الذكر الحكيم بانك على خلق عظيم، ‌و‌ على اهل بيته اولى الاخلاق الرضيه ‌و‌ الشيم المرضيه.


 ‌و‌ بعد فهذه الروضه العشرون ‌من‌ رياض السالكين، تتضمن شرح الدعاء العشرين ‌من‌ ادعيه صحيفه سيد العابدين، املاء الهبد الراجى فضل ربه السنى، على صدر الدين الحسينى الحسنى، احسن الله اخلاقه، ‌و‌ وفر ‌من‌ مرضى الافعال خلاقه.
 
اى ‌فى‌ طلبها ‌و‌ التوفيق للتخلق بها.
 ‌و‌ المكارم: جمع مكرمه بضم الراء، ‌و‌ هى اسم ‌من‌ الكرم ‌ضد‌ اللوم، فاضافتها الى الاخلاق بمعنى «من»، اى: ‌فى‌ المكارم ‌من‌ الاخلاق، ‌او‌ بفتح الراء بمعنى كريمه.
 قال ‌فى‌ القاموس: الكرم محركه: ‌ضد‌ اللوم، كرم بضم الراء كرمه ‌و‌ كرما فهو كريم ‌و‌ كريمه ‌و‌ مكرم ‌و‌ مكرمه.
 فاضافتها الى الاخلاق ‌من‌ اضافه الصفه الى الموصوف، بتاويل جعلها نوعا مضافا الى الجنس ككرام الناس.
 ‌و‌ الاخلاق: جمع خلق بضمتين، ‌و‌ قد يسكن.
 قال الراغب: ‌هو‌ ‌و‌ المفتوح ‌فى‌ الاصل بمعنى واحد، لكن خص المفتوح بالهيئات ‌و‌ الصور المدركه بالبصر، ‌و‌ المضموم بالسجايا ‌و‌ القوه المدركه بالبصيره.
 ‌و‌ عرفوه بانه ملكه للنفس يصدر عنها الفعل بسهوله ‌من‌ غير رويه ‌و‌ فكر، ‌و‌ ‌هو‌
 
قريب ‌من‌ الغريزه، ‌و‌ هى ملكه تصدر عنها صفات ذاتيه، الا ‌ان‌ للاعتياد مدخلا ‌فى‌ الخلق دون الغريزه.
 ‌و‌ الافعال: جمع فعل بالكسر، اسم ‌من‌ فعل فعلا بالفتح، ‌و‌ ‌هو‌ الاثر الصادر عن موثر عالم ‌او‌ غيره، عن قصد ‌او‌ دونه، ‌و‌ ‌هو‌ اعلم ‌من‌ العمل، ‌و‌ ‌هو‌ الاثر الصادر عن عالم قاصد له، فكل عمل فعل دون العكس. ‌و‌ قد يطلق كل منهما على الاخر توسعا كما وقع هنا، فان المراد بالافعال: الاعمال اعم ‌من‌ ‌ان‌ تكون نفسانيه كافعال القلوب، ‌او‌ جسمانيه كحركات البدن، ‌او‌ ‌ما‌ كان بمشاركه البدن ‌و‌ النفس كالصناعات.
 ‌و‌ بمرضيها: ‌ما‌ تعلق ‌به‌ المدح ‌فى‌ العاجل ‌و‌ الثواب ‌فى‌ الاجل.
 
 تنبيه
 
 اختلف ‌فى‌ الخلق، فقيل: ‌هو‌ غريزى ‌من‌ جنس الخلقه، ‌و‌ ‌لا‌ يستطاع تغييره خيرا كان ‌او‌ شرا، كما قال:
 ‌و‌ ‌ما‌ هذه الاخلاق الا غرائز
 فمنهن محمود ‌و‌ منها مذمم
 ‌و‌ لن يستطيع الدهر تغيير خلقه
 لئيم ‌و‌ ‌لا‌ يستطيعه ‌و‌ ‌هو‌ متكرم
 ‌و‌ يدل عليه قوله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ آتاه الله وجها حسنا ‌و‌ خلقا حسنا فليشكر الله.
 ‌و‌ محال ‌ان‌ يمكن المخلوق تغيير فعل الخالق، فالتكليف بتهذيب الاخلاق تكليف بما ‌لا‌ يطاق.
 ‌و‌ وقيل: بل ‌هو‌ كسبى، لقوله عليه السلام: حسنوا اخلاقكم، فلو لم يكن
 
كسبيا لما امر به، ‌و‌ لانا نرى كثيرا ‌من‌ الناس يزاولون ‌و‌ يمارسون خلقا ‌من‌ الاخلاق حتى يصير ملكه.
 ‌و‌ قال بعضهم: الحق ‌ان‌ اصله غريزى ‌و‌ تمامه مكتسب. ‌و‌ بيانه: ‌ان‌ الله تعالى خلق الاشياء على ضربين:
 احدهما: بالفعل، ‌و‌ لم يجعل للعبد فيه عملا، كالسماء ‌و‌ الارض ‌و‌ الهيئه.
 ‌و‌ الثانى: بالقوه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ خلقه خلقا ‌ما‌ ‌و‌ جعل فيه قوه، ‌و‌ رشح الانسان لاكماله ‌و‌ تغيير حاله، ‌و‌ ‌ان‌ لم يرشحه لتغيير ذاته، كالنوى الذى جعل فيه قوه النخل، ‌و‌ سهل للانسان سبيلا ‌ان‌ يجعله بعون الله نخلا ‌و‌ ‌ان‌ يفسده افسادا.
 قال: ‌و‌ الخلق ‌من‌ الانسان يجرى هذا المجرى ‌فى‌ انه ‌لا‌ سبيل للانسان الى تغيير القوه التى هى السجيه ‌و‌ الغريزه، ‌و‌ جعل له سبيلا الى اسلاسها، ‌و‌ لهذا قال تعالى: «و قد خاب ‌من‌ دساها»، ‌و‌ لو لم يكن كذلك لبطلت فائده المواعظ ‌و‌ الوصايا ‌و‌ الوعد ‌و‌ الوعيد ‌و‌ الامر ‌و‌ النهى، ‌و‌ لما جوز العقل ‌ان‌ يقال: للعبد: لم فعلت؟ ‌و‌ لم تركت؟ ‌و‌ كيف يكون هذا ‌فى‌ الانسان ممتنعا ‌و‌ قد وجدناه ‌فى‌ بعض البهائم ممكنا؟ فالوحشى قد ينقل بالعاده الى التانس ‌و‌ الجامح الى السلاسه، لكن الناس ‌فى‌ غرائزهم مختلفون، فبعضهم جبل جبله سريعه القبول، ‌و‌ بعضهم بطيئه القبول، ‌و‌ بعضهم ‌فى‌ الوسط، ‌و‌ كل ‌لا‌ ينفك ‌من‌ اثر قبول ‌و‌ ‌ان‌ قل.
 ‌و‌ ‌من‌ هنا ‌ما‌ ورد ‌فى‌ الادعيه ‌من‌ طلب التوفيق لمكارم الاخلاق ‌و‌ محاسن الاعمال ، ‌و‌ ‌فى‌ الاحاديث ‌من‌ الامر بها ‌و‌ الحث عليها.
 قال الراغب: ‌و‌ ارى ‌ان‌ ‌من‌ منع تغيير الخلق فانه اعتبر القوه نفسها، ‌و‌ هذا صحيح، فان النوى محال ‌ان‌ ينبت الانسان منه تفاحا، ‌و‌ ‌من‌ اجاز تغييره فانه اعتبر
 
اظهار ‌ما‌ ‌فى‌ القوه الى الوجود ‌و‌ امكان افساده باهماله، نحو النوى، فانه يمكن ‌ان‌ يتفقد فيجعل نخلا، ‌و‌ ‌ان‌ يترك مهملا حتى يفسد، ‌و‌ هذا صحيح ايضا، فاذن اختلافهما بحسب اختلاف نظريهما.
 قال صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه:
 بدا عليه السلام دعاءه بالصلاه على النبى ‌و‌ آله عليهم السلام، للاستعداد ‌به‌ لقبول الدعاء.
 ‌و‌ لما روى عن اميرالمومنين عليه السلام: اذا كانت لك الى الله حاجه فابدا بمساله الصلاه على النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ثم اسال حاجتك، فان الله تعالى اكرم ‌من‌ يسال حاجتين فيقضى احداهما ‌و‌ يمنع الاخرى.
 ‌و‌ بلغ المكان بلوغا- ‌من‌ باب قعد-: وصله، ‌و‌ يتعدى بالباء ‌و‌ الهمزه ‌و‌ التضعيف، فيقال: بلغ ‌به‌ ‌و‌ ابلغه ابلاغا ‌و‌ بلغه تبليغا.
 فالباء ‌من‌ قوله: «بايمانى» زائده للتاكيد، ‌و‌ هى كثيرا ‌ما‌ تزاد ‌فى‌ المفعول، نحو: «و ‌لا‌ تلقوا بايديكم الى التهلكه»، ‌و‌ «و هزى اليك بجذع النخله»، ‌و‌ قوله:
 تسقى الضجيع ببارد بسام
 
او ضمن بلغ معنى انته، اى: انته بايمانى مبلغا اياه اكمل الايمان.
 ‌و‌ الايمان: افعال ‌من‌ الامن الذى ‌هو‌ خلاف الخوف، ثم استعمل بمعنى
 
التصديق، فالهمزه فيه اما للصيروره، كان المصدق صار ذا امن ‌من‌ ‌ان‌ يكون مكذبا، ‌او‌ للتعديه، كانه جعل المصدق آمنا ‌من‌ التكذيب ‌و‌ المخالفه.
 ‌و‌ يعدى بالباء لاعتبار معنى الاقرار ‌و‌ الاعتراف، نحو: «يومنون بالغيب».
 ‌و‌ باللام لاعتبار معنى الاذعان، نحو: «و ‌ما‌ انت بمومن لنا»، هذا معناه اللغوى.
 ‌و‌ اما ‌فى‌ الشرع فقيل: ‌هو‌ المعرفه، فقوم بالله، ‌و‌ قوم ‌به‌ ‌و‌ بما جاءت ‌به‌ رسله اجمالا.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ كلمتا الشهاده.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ التصديق معهما.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ اعمال الجوارح، فقوم ‌هو‌ الطاعات باسرها فرضا ‌او‌ نفلا، ‌و‌ قوم ‌هو‌ الطاعات المفترضه دون النوافل.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ مجموع الثلاثه، فهو تصديق بالجنان ‌و‌ اقرار باللسان ‌و‌ عمل بالاركان.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ التصديق بالله ‌و‌ رسوله ‌و‌ بما جاء ‌به‌ اجمالا ‌و‌ الولايه لاهلها. ‌و‌ ‌هو‌ الحق، لدلاله الايات ‌و‌ الاخبار عليه، نحو قوله تعالى: «اولئك كتب ‌فى‌ قلوبهم الايمان»، «و لما يدخل الايمان ‌فى‌ قلوبكم»، «و قلبه مطمئن بالايمان»، دلت على انه امر قلبى.
 ‌و‌ قوله تعالى: «و ‌ان‌ طائفتان ‌من‌ المومنين اقتتلوا»، «يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص ‌فى‌ القتلى»، «الذين آمنوا ‌و‌ لم يلبسوا ايمانهم بظلم»، ‌دل‌ اقتران الايمان بالمعاصى فيها على ‌ان‌ العمل غير داخل ‌فى‌ حقيقته.
 
و قوله تعالى: «الذين آمنوا ‌و‌ عملوا الصالحات» ‌دل‌ على التغاير، ‌و‌ ‌ان‌ العمل ليس داخلا فيه، لان الشى ء ‌لا‌ يعطف على نفسه ‌و‌ ‌لا‌ الجزء على كله.
 ‌و‌ قول الرسول صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌يا‌ معشر ‌من‌ اسلم بلسانه ‌و‌ لم يخلص الايمان الى قلبه ‌لا‌ تذموا المسلمين.
 ‌و‌ قول الصادق عليه السلام: الايمان وقر ‌فى‌ القلوب، ‌و‌ الاسلام ‌ما‌ عليه المناكح.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: يبتلى المومن على قدر ايمانه ‌و‌ حسن اعماله.
 دلت على محليه القلب للايمان ‌و‌ مغايرته للعمل، على ‌ان‌ كون الايمان عباره عن التصديق المخصوص المذكور ‌لا‌ يفتقر الى نقله عن معناه اللغوى الذى ‌هو‌ التصديق مطلقا، لان التصديق المخصوص فرد منه، بخلاف ‌ما‌ اذا كان المراد غيره ‌من‌ المعانى المذكوره، فانه يستلزم النقل ‌و‌ ‌هو‌ خلاف الاصل، ‌و‌ لو كان منقولا لتبين للامه نقله بالتوقيف، كما تبين نقل الصلاه ‌و‌ الزكاه ‌و‌ نحوهما، ‌و‌ لاشتهر اشتهار نظائره، بل ‌هو‌ كان بذلك اولى.
 ‌و‌ اما ‌ما‌ ذهب اليه المحقق الطوسى ‌من‌ اصحابنا، ‌من‌ ‌ان‌ الايمان مركب ‌من‌ الاقرار ‌و‌ التصديق.
 ‌و‌ استدل على ‌ان‌ الاول وحده- ‌و‌ ‌هو‌ الاقرار باللسان- ليس بايمان، بقوله تعالى: «قالت الاعراب آمنا ‌قل‌ لم تومنوا ‌و‌ لكن قولوا اسلمنا»، فقد اثبت الاقرار اللسانى ‌و‌ نفى الايمان، فعلم ‌ان‌ الايمان ليس ‌هو‌ الاقرار باللسان.
 
و على ‌ان‌ الثانى وحده- ‌و‌ ‌هو‌ التصديق- ليس بايمان، بقوله تعالى: «و جحدوا بها ‌و‌ استيقنتها انفسهم»، اثبت للكفار الاستيقان النفسى ‌و‌ ‌هو‌ التصديق، فلو كان الايمان نفس التصديق لزم اجتماع الكفر ‌و‌ الايمان ‌فى‌ شخص واحد ‌فى‌ ‌آن‌ واحد، ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ انهما متقابلان لايمكن اجتماعهما كذلك.
 ففيه اولا: ‌ان‌ التصديق لما كان مقرونا بالانكار كان غير معتبر، لان التصريح بالنقيض ربما كان مانعا ‌من‌ القبول ‌و‌ الاعتبار، ‌و‌ لذلك اشترط فيه عدم الانكار باللسان.
 ‌و‌ ثانيا: ‌ان‌ هذه الايه انما تدل على ‌ان‌ التصديق وحده ليس بايمان، ‌و‌ ‌لا‌ تدل على ‌ان‌ الاقرار باللسان جزء ‌من‌ الايمان، لجواز ‌ان‌ يكون شرطا له، ‌و‌ المشروط ينتفى بانتفاء الشرط كما ‌ان‌ الكل ينتفى بانتفاء الجزء.
 ‌و‌ ‌من‌ ثم حمل المتكلمون، القائلون بان الايمان نفس التصديق، الاخبار، الداله على جزئيه اعمال الجوارح للايمان على انها للكمال، بمعنى ‌ان‌ العمل ليس جزء للايمان بحيث يعدم الايمان بعدم العمل، بل اضافه العمل اليه اضافه كمال، ‌و‌ كذا حملوا الاخبار الداله على جزئيه الاقرار باللسان على انه شرط ‌فى‌ الايمان ‌لا‌ جزء منه، ‌و‌ على هذا حملوا الاخبار المختلفه الدال بعضها على ‌ان‌ الايمان نفس التصديق ‌و‌ العمل، ‌و‌ بعضها على انه التصديق ‌و‌ الاقرار.
 ثم كون الاقرار باللسان شرطا ‌فى‌ كون التصديق القلبى ايمانا ‌هو‌ مذهب طائفه ‌من‌ العامه ايضا.
 قال التفتازانى ‌فى‌ شرح العقائد: فرقه تقول: الاقرار شرط لصحته.
 
و قال الدوانى ‌فى‌ شرحه للعقائد العضديه: ‌و‌ التلفظ بكلمتى الشهاده مع القدره عليه شرط، فمن اخل ‌به‌ فهو كافر مخلد بالنار، انتهى.
 ‌و‌ قال بعض اصحابنا: انما يشترط عدم الانكار باللسان، ‌و‌ اما كون الاقرار شرطا ‌فى‌ قبول الايمان القلبى فلا.
 
 تبصره
 
 اختلف ‌فى‌ الايمان، هل يقبل الزياده ‌و‌ النقصان ‌ام‌ لا؟ فذهب الى كل طائفه.
 ‌و‌ قال كثير ‌من‌ المتكلمين: ‌هو‌ بحث لفظى، لانه فرع تفسير الايمان.
 فان قلنا: ‌هو‌ التصديق فلا يقبلهما، لان الواجب ‌هو‌ اليقين، ‌و‌ انه ‌لا‌ يقبل المتفاوت ‌لا‌ بحسب ذاته ‌و‌ ‌لا‌ بحسب متعلقه.
 اما الاول، فلان التفاوت انما ‌هو‌ لاحتمال النقيض، ‌و‌ ‌هو‌ ولو بابعد وجه ينافى اليقين فلا يجامعه.
 ‌و‌ اما الثانى، فلانه جميع ‌ما‌ علم بالضروره مجى ء الرسول به، ‌و‌ الجميع ‌من‌ حيث ‌هو‌ جميع ‌لا‌ يتصور فيه تعدد، ‌و‌ الا لم يكن جميعا.
 ‌و‌ ‌ان‌ قلنا: ‌هو‌ العمل وحده ‌او‌ مع التصديق فيقبلهما، ‌و‌ ‌هو‌ ظاهر.
 ‌و‌ ‌ما‌ ورد ‌فى‌ الكتاب ‌و‌ السنه مما يدل على قبوله اياهما فباعتبار الاعمال، فيزيد بزيادتها ‌و‌ ينقص بنقصانها.
 ‌و‌ قال المحققون ‌من‌ الفريقين: الحق ‌ان‌ التصديق يقبل الزياده ‌و‌ النقصان بحسب ذاته ‌و‌ بحسب متعلقه.
 اما الاول، فلان التصديق ‌من‌ الكيفيات النفسانيه المتفاوته قوه ‌و‌ ضعفا، فيجوز
 
ان يكون التفاوت فيه بالقوه ‌و‌ الضعف بلا احتمال للنقيض، ‌و‌ للفرق الظاهر بين ايمان النبى ‌و‌ آحاد الامه.
 ‌و‌ اما الثانى، فلان التصديق التفصيلى ‌فى‌ افراد ‌ما‌ علم مجى ء الرسول جزء ‌من‌ الايمان، يثاب عليه ثوابه على تصديقه بالاجمال، فكان قابلا للزياده.
 ‌و‌ قوله تعالى: «و لكن ليطمئن قلبى» ناظر الى الاول، لان عين اليقين اقوى ‌من‌ علم اليقين، ‌و‌ لهذا قال اميرالمومنين عليه السلام: لو كشف الغطاء ‌ما‌ ازددت يقينا.
 ‌و‌ قوله تعالى: «و اذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا» ناظر الى الثانى.
 اذا عرفت ذلك فقوله عليه السلام: «بلغ بايمانى اكمل الايمان»، يحتمل ‌ان‌ يكون المراد ‌به‌ نفس التصديق ‌و‌ ‌هو‌ اصل الايمان الكامل، ‌و‌ ‌ان‌ يكون المراد ‌به‌ الايمان الكامل ‌و‌ ‌هو‌ التصديق مع العمل، فان لكل منهما درجات ‌و‌ مراتب متكثره متفاوته بعضها فوق بعض، ‌و‌ ادناها ‌فى‌ التصديق اصل المعرفه، لان زواله يوجب الكفر، ‌و‌ ‌فى‌ العمل القيام بالمفروضات ‌و‌ اجتناب المنهيات، ‌و‌ اعلاها فيهما غايه الكمال للبر، ‌و‌ هى ‌فى‌ التصديق كمرتبه عين اليقين، ‌او‌ اعلى منها ‌و‌ هى مرتبه ‌حق‌ اليقين، ‌و‌ ‌فى‌ العمل صرف جميع الجوارح ‌فى‌ جميع الاوقات ‌فى‌ جميع ‌ما‌ خلقت له، ‌و‌ قد وردت اخبار كثيره ‌فى‌ ‌ان‌ الايمان درجات.
 فعن ابى عبدالله عليه السلام: ‌ان‌ الايمان عشر درجات بمنزله السلم يصعد منه مرقاه بعد مرقاه.
 ‌و‌ عن الزبيرى عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: قلت له: ‌ان‌ للايمان درجات
 
و منازل يتفاضل المومنون فيها عند الله؟ قال: نعم.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌ان‌ الايمان حالات ‌و‌ درجات ‌و‌ طبقات ‌و‌ منازل، فمنه التام المنتهى تمامه، ‌و‌ منه الناقص البين نقصانه، ‌و‌ منه الراجح الزائد رجحانه.
 قال بعض الشارحين: التام المنتهى تمامه كايمان الانبياء ‌و‌ الاوصياء، ‌و‌ الناقص البين نقصانه ‌هو‌ ادنى المراتب الذى دونه الكفر، ‌و‌ الراجح الزائد رجحانه على مراتب غير محصوره، باعتبار التفاوت ‌فى‌ الكميه ‌و‌ الكيفيه، ‌و‌ الله اعلم.
 
 تتمه
 
 لبعض محققى المفسرين كلام نفيس ‌فى‌ الايمان، ‌لا‌ باس بايراده هنا لكمال تعلقه بالمقام.
 قال رحمه الله ‌ان‌ للايمان وجودا ‌فى‌ الاعيان ‌و‌ وجودا ‌فى‌ الاذهان ‌و‌ وجودا ‌فى‌ العباره، ‌و‌ ‌لا‌ ريب ‌ان‌ الوجود العينى لكل شى ء ‌هو‌ الاصل ‌و‌ باقى الوجودات فرع ‌و‌ تابع. فالوجود العينى للايمان ‌هو‌ النور الحاصل للقلب بسبب ارتفاع الحجاب بينه ‌و‌ بين الحق ‌جل‌ ذكره «الله ولى الذين آمنوا يخرجهم ‌من‌ الظلمات الى النور»، ‌و‌ هذا النور قابل للقوه ‌و‌ الضعف ‌و‌ الزياده ‌و‌ النقصان كسائر الانوار «و اذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا»، كلما ارتفع حجاب ازداد نور، فيقوى الايمان ‌و‌ يتكامل الى ‌ان‌ يبسط نوره، فينشرح الصدر ‌و‌ يطلع على حقائق الاشياء، ‌و‌ تتجلى له الغيوب ‌و‌ غيوب الغيوب، ‌و‌ يعرف كل شى ء ‌فى‌ موضعه، فيظهر
 
له صدق الانبياء عليهم السلام، ‌و‌ ‌لا‌ سيما محمد خاتم النبيين صلوات الله عليه ‌و‌ على آله الطاهرين، ‌فى‌ جميع ‌ما‌ اخبروا عنه اجمالا ‌او‌ تفصيلا، على حسب نوره ‌و‌ بمقدار انشراح صدره، ‌و‌ تنبعث ‌من‌ قلبه داعيه العمل بكل مامور ‌و‌ الاجتناب لكل محظور، فينضاف الى نور معرفته انوار الاخلاق الفاضله ‌و‌ الملكات الحميده «نورهم يسعى بين ايديهم ‌و‌ بايمانهم»، «نور على نور يهدى الله لنوره ‌من‌ يشاء».
 ‌و‌ اما الوجود الذهنى فملاحظه المومن لهذا النور ‌و‌ مطالعته له ‌و‌ لمواقعه.
 ‌و‌ اما الوجود اللفظى فخلاصته ‌ما‌ اصطلح عليه الشارع شهاده ‌ان‌ ‌لا‌ اله الا الله ‌و‌ ‌ان‌ محمدا رسول الله، ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ مجرد التلفظ بقولنا: ‌لا‌ اله الا الله محمد رسول الله، ‌من‌ غير النور المذكور ‌لا‌ يفيد، الا كما يفيد العطشان التلفظ بالماء الزلال، الا ‌ان‌ التعبير عما ‌فى‌ الضمير لما لم يتيسر الا بواسطه النطق المفصح عن كل خفى، ‌و‌ المعرب عن كل مشتبه، كان للتلفظ بكلمه الشهاده ‌و‌ لعدمه مدخل عظيم ‌فى‌ الحكم بايمان المرء ‌و‌ كفره، فصح جعل ذلك ‌و‌ ‌ما‌ ينخرط ‌فى‌ سلكه ‌من‌ العلامات كعدم لبس الغيار ‌و‌ ‌شد‌ الزنار دليلا عليهما، ‌و‌ تفويض امر الباطن الى عالم الخفيات المطلع على السرائر ‌و‌ النيات، انتهى.
 ‌و‌ كلامه ‌فى‌ الوجود العينى للايمان ماخوذ ‌من‌ قول اميرالمومنين عليه السلام: ‌ان‌ الايمان يبدو لمظه ‌فى‌ القلب، كلما ازداد الايمان ازدادت اللمظه.
 قال الشيخ كمال الدين رحمه الله: اراد ‌ان‌ الايمان ‌و‌ ‌هو‌ التصديق بوجود الصانع تعالى، اول ‌ما‌ يكون ‌فى‌ القلب يكون حاله، ثم لايزال يتاكد بالبراهين ‌و‌ الاعمال الصالحه الى ‌ان‌ يصير ملكه تامه، ‌و‌ لفظ اللمظه استعاره لما يبدو ‌من‌ نور الايمان ‌فى‌
 
 
القلب اول كونه ملاحظه، لشبهه باللمظه ‌من‌ البياض ‌و‌ النكته ‌من‌ نور الشمس، انتهى.
 قال ‌فى‌ القاموس: اللمظه بالضم النقطه ‌من‌ البياض.
 
 تنبيه
 
 ظاهر معظم الاخبار الوارده عن اهل البيت عليهم السلام ‌ان‌ الاسلام يصدق عليه مجرد الاقرار باللسان ‌من‌ غير تصديق، سواء كان معه الاقرار بالولايه ‌او‌ لم يكن، ‌و‌ على التصديق المجرد عن الولايه ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن معه الاقرار باللسان، ‌و‌ على كليهما مجردا عن الولايه ‌او‌ معها، ‌و‌ الايمان يصدق على التصديق بجميع ‌ما‌ جاء ‌به‌ الرسول صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم الداخل فيه الولايه، سواء كان معه عمل بما يقتضيه ذلك التصديق ‌او‌ لم يكن، ‌و‌ ‌ان‌ كان المقرون بالعمل ‌هو‌ الفرد الكامل ‌من‌ الايمان، بل ‌هو‌ الايمان المعتبر عند اصحاب العصمه عليهم السلام، كما يشعر ‌به‌ كثير ‌من‌ اخبارهم عليهم السلام، فيكون الايمان- على هذا- اخص ‌من‌ الاسلام، فهو كالنوع ‌و‌ الاسلام كالجنس، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «و اجعل يقينى افضل اليقين» اليقين: فعيل يكون اسم مصدر، ‌و‌ يكون بمعنى فاعل، ‌من‌ يقن الامر ييقن يقنا- ‌من‌ باب تعب-: ‌اى‌ ثبت فهو يقين، ‌و‌ يستعمل ايضا متعديا بنفسه ‌و‌ بالباء ‌و‌ بالهمزه ‌و‌ الباء، فيقال: يقنته، ‌و‌ يقنت به، ‌و‌ ايقنت به، ‌و‌ تيقنته، ‌و‌ استيقنته، اى: علمته علما ‌لا‌ ‌شك‌ فيه.
 فاليقين لغه: العلم الذى ‌لا‌ ‌شك‌ معه، ‌و‌ اصطلاحا قيل: ‌هو‌ العلم الحاصل ‌من‌
 
نظر ‌و‌ استدلال، ‌و‌ لهذا ‌لا‌ يسمى علم الله تعالى يقينا.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ غايه الكمال ‌فى‌ القوه النظريه التى ‌لا‌ تحتمل النقيض، سواء حصلت بالبرهان ‌او‌ بالمجاهدات ‌و‌ الرياضات النفسانيه ‌و‌ الهدايات الخاصه بالاولياء على حسب مراتبه.
 ‌و‌ قال المحقق الطوسى ‌فى‌ بعض رسائله: اليقين: اعتقاد جازم مطابق ثابت لايمكن زواله، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ الحقيقه مولف ‌من‌ علمين: العلم بالمعلوم، ‌و‌ العلم بان خلاف ذلك محال، ‌و‌ له مراتب: علم اليقين، ‌و‌ عين اليقين، ‌و‌ ‌حق‌ اليقين.
 ‌و‌ القرآن ناطق بذلك، قال تعالى: «لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين»، ‌و‌ قال: «و تصليه جحيم ‌ان‌ هذا لهو ‌حق‌ اليقين»، ‌و‌ هذه المراتب مرتبه ‌فى‌ الفضل ‌و‌ الكمال. ‌و‌ هى مثل مراتب معرفه النار.
 فالعلم بالنار مثلا بتوسط النار ‌و‌ الدخان ‌هو‌ علم اليقين، ‌و‌ ‌هو‌ العلم الحاصل لاهل النظر ‌و‌ الاستدلال بالبراهين القاطعه.
 ‌و‌ العلم بمعاينه جرم النار المفيض للنور ‌هو‌ عين اليقين، ‌و‌ ‌هو‌ العلم الحاصل بالكشف للخلص ‌من‌ المومنين الذين اطمانت قلوبهم بالله ‌و‌ تيقنوا بمعاينه القلوب ‌ان‌ الله نور السماوات ‌و‌ الارض، كما وصف ‌به‌ نفسه.
 ‌و‌ العلم بالنار بالوقوع فيها ‌و‌ الاحتراق بها ‌و‌ معرفه كيفيتها التى ‌لا‌ يفصح عنها العباره ‌هو‌ ‌حق‌ اليقين، ‌و‌ ‌هو‌ العلم الحاصل بالاتصال المعنوى لاهل الشهود ‌و‌ الفناء ‌فى‌ الله.
 
و هذا المرتبه هى الدرجه العليا ‌و‌ المنزله الفضلى التى سالها الداعى عليه السلام.
 ‌و‌ عبر بعضهم عن هذه المراتب فقال: للعلم ثلاث مراتب:
 اولاها: علم اليقين، ‌و‌ هى مرتبه البرهان.
 ‌و‌ ثانيتها: عين اليقين، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يرى المعلوم عيانا، فليس الخبر كالعيان.
 ‌و‌ ثالثتها: ‌حق‌ اليقين، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يصير العالم ‌و‌ المعلوم واحدا ‌و‌ لعله لايعرف ‌حق‌ هذا المرتبه الا ‌من‌ وصل اليها، كما ‌ان‌ طعم العسل ‌لا‌ يعرفه الا ‌من‌ ذاقه، ‌و‌ لعزه هذه المرتبه ‌و‌ قله الواصلين اليها لم يتعرض لبيانها الاكثرون.
 قال الشيخ بيان الحق ابوالقاسم محمود ‌بن‌ ابى الحسن النيسابورى ‌فى‌ كتاب خلق الانسان: قالوا: ‌ان‌ اليقين يقينان:
 احدهما: ينفى الشك، ‌و‌ هذا ‌لا‌ يغلب الشهوه، ‌و‌ ‌هو‌ يقين التوحيد.
 ‌و‌ الاخر: نور مشرق للصدر، غالب للشهوات، مبطل للاختيار، صارت لصاحبه امور الدنيا ‌و‌ الاخره ‌و‌ احوال الملكوت معاينه، ‌و‌ اصبحت لامره خاضعه طائعه، ‌و‌ على هذا جاء عن الله ‌فى‌ الزبور المنزل على داود عليه السلام: لو صدق يقينكم ثم قلتم للجبل: انتقل فقع ‌فى‌ البحر، لوقع.
 ‌و‌ ذلك ‌ان‌ القلب اذا وصل الى الله تعالى، ‌و‌ امتلا ‌من‌ عظمته، ‌و‌ اشرق بنور جلاله ‌و‌ هيبته، فبعد ذلك اينما وقع البصر دار الفكر حوالى ‌ما‌ امتلا ‌به‌ القلب، اذ وصل الى الله ‌و‌ امتلا ‌من‌ عظمته ‌من‌ العمل الصرف الصافى الخالص، غير الممزوج بالشبهات المكدر بالشائبات، بمنزله الشمس اذا ‌رد‌ قرنها ‌و‌ استوى حاجبها ‌و‌ اشرق ضياوها، فحيث ماسرت ‌من‌ بلاد الله فضووها معك يريك الاشياء بالوانها ‌و‌ هياتها
 
و مقاديرها ‌و‌ اشكالها، فكذلك شمس اليقين اذا اشرقت ‌و‌ استضاءت بنورها النفس، اراد ذلك امر الملكوت، ‌و‌ احوال الدنيا ‌و‌ الاخره، ‌و‌ بواطن الاشياء ‌و‌ الاسرار التى ‌فى‌ الغيوب، مما كشفها الله لانبيائه، ‌و‌ اطلع عليها قلوب خيرته ‌و‌ اصفيائه.
 قلت: ‌و‌ مما يويد هذا المعنى ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الصحيح باسناده عن اسحاق ‌بن‌ عمار، قال: سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول: ‌ان‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله بالناس الصبح، فنظر الى شاب ‌فى‌ المسجد ‌و‌ ‌هو‌ يخفق ‌و‌ يهوى براسه مصفرا لونه، قد نحف جسمه ‌و‌ غارت عيناه ‌فى‌ راسه، فقال له رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم كيف اصبحت ‌يا‌ فلان؟ قال: اصبحت ‌يا‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله موقنا، فعجب رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌من‌ قوله، ‌و‌ قال: ‌ان‌ لكل يقين حقيقه فما حقيقه يقينك؟ فقال: ‌ان‌ يقينى ‌يا‌ رسول الله ‌هو‌ الذى احزننى ‌و‌ اسهر ليلى ‌و‌ اظما هواجرى، فعزفت نفسى عن الدنيا ‌و‌ ‌ما‌ فيها، حتى كانى انظر الى عرش ربى ‌و‌ قد نصب للحساب ‌و‌ حشر الخلائق لذلك ‌و‌ انا فيهم، ‌و‌ كانى انظر الى اهل الجنه يتنعمون ‌فى‌ الجنه ‌و‌ يتعارفون على الارائك متكئون، ‌و‌ كانى انظر الى اهل النار ‌و‌ ‌هم‌ فيها معذبون مصطرخون، ‌و‌ كانى الان اسمع زفير النار يدور ‌فى‌ مسامعى، فقال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: هذا عبد نور الله قلبه بالايمان، ثم قال له: الزم ‌ما‌ انت عليه، فقال الشاب: ادع لى ‌يا‌ رسول الله ‌ان‌ ارزق الشهاده معك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله، فلم يلبث ‌ان‌ خرج ‌فى‌ بعض غزوات النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله، فاستشهد بعد تسعه نفر ‌و‌ كان ‌هو‌ العاشر.
 ‌و‌ هذا الشاب ‌هو‌ حارثه ‌بن‌ مالك ‌بن‌ النعمان الانصارى، كما وردت ‌به‌ روايه اخرى.
 
و مما يدل على التفاوت ‌فى‌ اليقين حتى ‌فى‌ الانبياء عليهم السلام ‌ما‌ روى ‌فى‌ مصباح الشريعه عن الصادق عليه السلام، انه قال: اليقين يوصل العبد الى كل حال سنى ‌و‌ مقام عجيب، كذلك اخبر رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله عن عظم شان اليقين- حين ذكره عنده ‌ان‌ عيسى ‌بن‌ مريم عليهماالسلام كان يمشى على الماء- فقال: لو زاد يقينه لمشى ‌فى‌ الهواء.
 فدل بهذا ‌ان‌ الانبياء عليهم السلام مع جلاله محلهم ‌من‌ الله كانت تتفاضل على حقيقه اليقين ‌لا‌ غير، ‌و‌ ‌لا‌ نهايه لزياده اليقين على الابد، ‌و‌ المومنون ايضا متفاوتون ‌فى‌ قوه اليقين ‌و‌ ضعفه، فمن قوى منهم يقينه فعلامته التبرى ‌من‌ الحول ‌و‌ القوه الا بالله، ‌و‌ الاستقامه على امر الله، ‌و‌ عبادته ظاهرا ‌و‌ باطنا قد استوت عنده حالتا العدم ‌و‌ الوجود، ‌و‌ الزياده ‌و‌ النقصان، ‌و‌ المدح ‌و‌ الذم، ‌و‌ العز ‌و‌ الذل، لانه يرى كلها ‌من‌ عين واحده، ‌و‌ ‌من‌ ضعف يقينه تعلق بالاسباب ‌و‌ رخص لنفسه بذلك، ‌و‌ اتبع العادات ‌و‌ اقاويل الناس بغير حقيقه، ‌و‌ السعى ‌فى‌ امور الدنيا ‌و‌ جمعها ‌و‌ امساكها، يقر باللسان انه ‌لا‌ مانع ‌و‌ ‌لا‌ معطى الا الله، ‌و‌ ‌ان‌ العبد ‌لا‌ يصيب الا ‌ما‌ رزق ‌و‌ قسم له، ‌و‌ الجهد ‌لا‌ يزيد ‌فى‌ الزرق، ‌و‌ ينكر ذلك بفعله ‌و‌ قلبه، قال الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «يقولون بافواهم ‌ما‌ ليس ‌فى‌ قلوبهم ‌و‌ الله اعلم بما يكتمون» انتهى.
 ‌و‌ ‌من‌ اخبار اهل اليقين ‌ما‌ حكاه ابراهيم الخواص، قال: لقيت غلاما ‌فى‌ التيه كانه سبيكه فضه، فقلت، الى اين؟ فقال: الى مكه، فقلت: بلا زاد ‌و‌ ‌لا‌ راحله؟ فقال: ‌يا‌ ضعيف اليقين الذى يحفظ السماوات ‌و‌ الارض ‌لا‌ يقدر ‌ان‌ يوصلنى الى بيته بلا علاقه؟ فلما دخلت مكه اذا ‌هو‌ ‌فى‌ الطواف يقول:
 ‌يا‌ عين سخى ابدا
 ‌يا‌ نفس موتى كمدا
 
و ‌لا‌ تخشى احدا
 الا الجليل الصمدا.
 فلما رآنى نادانى ‌يا‌ شيخ انت بعد على ذلك الضعف ‌من‌ اليقين؟ ‌ان‌ ‌من‌ وثق بالله ‌فى‌ رزقه لم يطلب الرزق قبل وقته.
 ‌و‌ عن الصادق عليه السلام: ‌ان‌ الايمان افضل ‌من‌ الاسلام، ‌و‌ ‌ان‌ اليقين افضل ‌من‌ الايمان، ‌و‌ ‌ما‌ ‌من‌ شى ء اعز ‌من‌ اليقين.
 ‌و‌ عن الرضا عليه السلام بسند صحيح قال: الايمان فوق الاسلام بدرجه، ‌و‌ التقوى فوق الايمان بدرجه، ‌و‌ اليقين فوق التقوى بدرجه، ‌و‌ لم يقسم بين العباد شى ء اقل ‌من‌ اليقين.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌ان‌ العمل الدائم القليل على اليقين افضل عندالله ‌من‌ العمل الكثير على غير يقين.
 ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى كثيره.
 قوله عليه السلام: «و انته بنيتى الى احسن النيات» الباء: للتعديه، ‌و‌ تسمى باء النقل، ‌و‌ هى المعاقبه للهمزه ‌فى‌ تصيير الفاعل مفعولا، تقول ‌فى‌ قام زيد: اقمت زيدا ‌و‌ قمت به، اى: صيرته قائما.
 فمعنى «انته بنيتى»: اجعلها منتهيه الى احسن النيات، اى: بالغه اليه.
 ‌و‌ النيه بالتشديد: اسم ‌من‌ نويت الشى ء انويه اى: قصدته، ‌و‌ التخفيف لغه فيها حكاها الازهرى.
 ‌و‌ كانه حذفت اللام ‌و‌ عوض عنها الهاء على هذه اللغه، كما قيل ‌فى‌ ثبه ‌و‌ ظبه.
 
و قيل: ماخذها ‌من‌ نويت الشى ء بمعنى: حفظته، لان النيه محلها القلب، فسميت بذلك لانها تفعل بانوى عضو ‌فى‌ الجسد اى: احفظ.
 ‌و‌ اختلفت عبارات العلماء ‌فى‌ تعريف النيه.
 فقيل: هى اراده تفعل بالقلب، فالاراده بمنزله الجنس، ‌و‌ الوصف بمنزله الفصل تخرج ‌به‌ اراده الله تعالى.
 ‌و‌ قيل: هى جمع الهم ‌فى‌ تنفيذ العمل للمعمول له، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يسنح ‌فى‌ السر ذكر غيره.
 ‌و‌ قيل: هى توجه القلب نحو الفعل ابتغاء لوجه الله تعالى.
 ‌و‌ قيل: هى الاراده الباعثه للقدره المنبعثه عن معرفه كمال الشى ء.
 ‌و‌ قال بعض فقهائنا: هى اراده ايجاد الفعل على الوجه المامور ‌به‌ شرعا. ‌و‌ اراد بالاراده: اراده الفاعل، فخرجت اراده الله تعالى لافعالنا، ‌و‌ بالفعل: ‌ما‌ يعم توطين النفس على الترك، فدخلت نيه الصوم ‌و‌ الاحرام ‌و‌ امثالها، ‌و‌ بالمامور به: ‌ما‌ ترجح فعله شرعا، فدخل المندوب ‌و‌ خرج المباح.
 ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ المراد بالنيه ‌فى‌ الدعاء: ‌هو‌ مطلق القصد الى ايقاع فعل معين لعله غائيه، ‌و‌ لما كانت النيه بهذا المعنى تنقسم باعتبار غايتها الى قبيح ‌و‌ حسن ‌و‌ احسن، سال عليه السلام ‌ان‌ يبلغ بنيته احسن النيات.
 فالقبيح: ‌ما‌ كان غايته امرا دنيويا ‌و‌ حظا عاجلا، ‌و‌ ليس له ‌فى‌ الاخره ‌من‌ نصيب، كنيه اهل الرياء ‌و‌ النفاق ‌و‌ نحوهم.
 ‌و‌ الحسن: ‌ما‌ كان غايته امرا اخرويا، ‌من‌ رغبه ‌فى‌ ثواب ‌او‌ رهبه ‌من‌ عقاب، ‌و‌ الاحسن: ‌ما‌ كان غايته وجه الله تعالى ‌لا‌ غير، ‌و‌ يعبر عنه بالنيه الصادقه.
 قال شيخنا البهائى قدس سره: المراد بالنيه الصادقه: انبعات القلب نحو
 
الطاعه، غير ملحوظ فيه شى ء سوى وجه الله سبحانه.
 قال بعضهم: افضل ‌ما‌ يتقرب ‌به‌ العبد الى الله ‌ان‌ يعلم انه ‌لا‌ يريد العبد ‌من‌ الدنيا ‌و‌ الاخره غيره، قال الله تعالى: «و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداه ‌و‌ العشى يريدون وجهه»، ‌و‌ ‌هو‌ مقام النبيين ‌و‌ الصديقين ‌و‌ الشهداء.
 
 تبصره
 
 روى ‌فى‌ مصباح الشريعه عن الصادق عليه السلام انه قال: لابد للعبد ‌من‌ خالص النيه ‌فى‌ كل حركه ‌و‌ سكون.
 لانه اذا لم يكن بهذا المعنى يكون غافلا، ‌و‌ الغافلون قد وصفهم الله تعالى فقال: «ان ‌هم‌ الا كالانعام بل ‌هم‌ اضل سبيلا»، ‌و‌ قال: «اولئك ‌هم‌ الغافلون».
 ‌و‌ شرح ذلك بعض العلماء فقال: يجب ‌ان‌ يكون للعبد ‌فى‌ كل شى ء يفعله ‌و‌ عمل يعمله نيه ‌و‌ اخلاص، حتى ‌فى‌ مطعمه ‌و‌ مشربه ‌و‌ ملبسه ‌و‌ نومه ‌و‌ نكاحه، فان ذلك كله ‌من‌ اعماله التى يسال عنها ‌و‌ يجازى عليها، فان كان لله ‌و‌ ‌فى‌ الله كانت ‌فى‌ ميزان حسناته، ‌و‌ ‌ان‌ كانت ‌فى‌ سبيل الهوى ‌و‌ لغير الله كانت ‌فى‌ ميزان سيئاته، ‌و‌ كان صاحبها ‌فى‌ الدنيا على مثال البهائم الراتعه ‌و‌ الانعام المهمله السارحه، ‌و‌ ‌لا‌ يكون على الحقيقه انسانا مكلفا موفقا، ‌و‌ كان ‌من‌ الذين ذكرهم الله بقوله: «اغفلنا قلبه عن ذكرنا» اى: وجدناه غافلا، كقولك: دخلت بلده فاعمرتها اى: وجدتها عامره، ‌او‌ اخرجتها اى: وجدتها خرابا، فهو غافل عما ياتيه ‌و‌ يذره، متبع لهواه فيما يورده
 
و يصدره، ‌و‌ كان امره فرطا بغير نيه ‌فى‌ اوله ‌و‌ ‌لا‌ صحه ‌فى‌ آخره.
 قال بعضهم: ‌و‌ ‌من‌ هنا يعلم انه يمكن ‌ان‌ يجعل العادات عبادات، كالاكل ‌و‌ الشرب اذا نوى بهما القوه على الطاعه، ‌و‌ كالتطيب ‌ان‌ قصد ‌به‌ اقامه السنه، ‌لا‌ استيفاء اللذات ‌و‌ تودد النسوان، اذ ‌هو‌ معصيه.
 ففى الخبر: ‌من‌ تطيب لله جاء يوم القيامه ‌و‌ ريحه اطيب ‌من‌ ريح المسك، ‌و‌ ‌من‌ تطيب لغير الله جاء يوم القيامه ‌و‌ ريحه انتن ‌من‌ الجيفه.
 ‌و‌ اجتهد ‌فى‌ تصيير ذلك ملكه للنفس.
 
 ارشاد
 
 قال بعض العارفين: قد يسمع الجاهل ‌ما‌ ذكره اصحاب القلوب ‌من‌ المبالغه ‌و‌ التاكيد ‌فى‌ امر النيه، ‌و‌ ‌ان‌ العمل بدونها ‌لا‌ طائل تحته، كما قال سيد البشر صلى الله عليه ‌و‌ آله: انما الاعمال بالنيات.
 فيظن ‌ان‌ قوله عند تسبيحه ‌و‌ تدريسه: اسبح قربه الى الله، ‌او‌ ادرس قربه الى الله، محضرا بمعنى هذه الالفاظ على خاطره، ‌هو‌ النيه، ‌و‌ هيهات انما ذلك تحريك لسان ‌و‌ حديث نفس ‌او‌ فكر ‌و‌ انتقال ‌من‌ خاطر الى خاطر، ‌و‌ النيه عن جميع ذلك بمعزل.
 انما النيه انبعاث النفس ‌و‌ انعطافها ‌و‌ توجهها ‌و‌ ميلها الى فعل ‌ما‌ فيه غرضها ‌او‌ بغيتها ‌او‌ عاجلا ‌و‌ اما آجلا، ‌و‌ هذا الانبعاث ‌و‌ الميل اذا لم يكن حاصلا لها، لم يمكنها اختراعه ‌و‌ اكتسابه بمجرد الاراده المتخيله ‌و‌ النطق بتلك الالفاظ، ‌و‌ ‌ما‌ ذلك الا
 
كقول الشعبان: اشتهى الطعام ‌و‌ اميل اليه قاصدا حصول الميل ‌و‌ الاشتهاء، ‌و‌ كقول الفارغ: اعشق فلانا ‌و‌ احبه ‌و‌ انقاد له ‌و‌ اطيعه، بل ‌لا‌ سبيل الى اكتساب صرف القلب الى الشى ء ‌و‌ ميله اليه ‌و‌ اقباله عليه، الا بتحصيل الاسباب الموجبه لذلك الميل ‌و‌ الانبعاث، ‌و‌ اجتناب الامور المنافيه لذلك المضاده له، فان النفس انما تنبعث الى الفعل ‌و‌ تقصده ‌و‌ تميل اليه، تحصيلا للغرض الملائم لها بحسب اعتقادها ‌و‌ ‌ما‌ يغلب عليها ‌من‌ الاحوال، فاذا غلبت شهوه النكاح ‌و‌ اشتد توقان النفس اليه، ‌لا‌ يمكن الموافقه على قصد الولد، بل ‌لا‌ يمكن الا على نيه قضاء الشهوه فحسب، ‌و‌ ‌ان‌ قال بلسانه: افعل السنه ‌و‌ اطلب الولد قربه الى الله، ‌و‌ قس على ذلك قول المصلى عند نيه الصلاه، اذا كان منهمكا ‌فى‌ امور الدنيا ‌و‌ التهالك عليها ‌و‌ الانبعاث ‌فى‌ طلبها، فانه ‌لا‌ يتيسر له توجيه قلبه بكليته الى الصلاه ‌و‌ تحصيل الميل الصادق اليها ‌و‌ الاقبال الحقيقى عليها، بل يكون دخوله فيها دخول متكلف لها متبرم بها، ‌و‌ يكون قوله: اصلى قربه الى الله كقول الشبعان، اشتهى الطعام، ‌و‌ قول الفارغ: اعشق فلانا مثلا.
 ‌و‌ الحاصل: انه ‌لا‌ تحصل النيه الكامله المعتدبها ‌فى‌ العبادات، ‌و‌ غيرها اذا اريدت بها القربه، ‌من‌ دون ذلك الميل ‌و‌ الاقبال، ‌و‌ قمع ‌ما‌ يضاده ‌من‌ الصوارف ‌و‌ الاشغال، ‌و‌ ‌هو‌ ‌لا‌ يتيسر الا بصرف القلب عن الامور الدنيويه، ‌و‌ تطهير النفس عن الصفات الذميمه الدنيه، ‌و‌ قطع النظر عن الحظوط العاجله بالكليه، ‌و‌ توجيه القلب الى المولى ‌و‌ قصده دون جميع ‌ما‌ سواه بالنيه، ‌و‌ ذلك ميل ‌لا‌ يتيسر الا لمن نور الله قلبه بالعرفان ‌و‌ اليقين، ‌و‌ هداه صراط عباده المخلصين.
 ‌و‌ لذلك قال اميرالمومنين ‌و‌ سيد الوصيين: تخليص النيه ‌من‌ الفساد اشد على
 
العاملين ‌من‌ طول الجهاد.
 ‌و‌ ‌من‌ هنا يظهر ‌سر‌ قوله صلى الله عليه ‌و‌ آله: نيه المومن خير ‌من‌ عمله، فان النيه على هذا الوجه اشق ‌من‌ العمل بكثير فتكون افضل منه، ‌و‌ يتبين لك ‌ان‌ قوله صلى الله عليه ‌و‌ آله: افضل الاعمال احمزها، غير مناف لحديث: نيه المومن خير ‌من‌ عمله، بل ‌هو‌ كالموكد ‌و‌ المقرر له، ‌و‌ الله ولى التوفيق.
 
 فائده
 
 قال بعض المحققين ‌من‌ علمائنا المتاخرين: النطق ‌لا‌ تعلق له بالنيه اصلا، فان القصد الى فعل ‌من‌ الافعال ‌لا‌ يعقل توقفه على اللفظ بوجه ‌من‌ الوجوه، ‌و‌ ‌لا‌ ريب ‌فى‌ عدم استحبابه ايضا، لان الوظائف الشرعيه موقوفه على الشرع ‌و‌ مع فقده فلا توظيف، بل كان فعله على وجه العباده ادخالا ‌فى‌ الدين ‌ما‌ ليس منه، فيكون تشريعا محرما.
 قوله عليه السلام: «و بعملى الى احسن الاعمال» العمل: كل ‌ما‌ صدر ‌من‌ الحيوان بقصده قلبيا ‌او‌ قالبيا، فهو اخص ‌من‌ الفعل، ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ قبح العمل ‌و‌ حسنه ‌و‌ احسنيته متفرع على النيه ‌فى‌ ذلك، كما قال عليه السلام: انما الاعمال بالنيات.
 
فالمراد باحسن الاعمال ‌ما‌ كان عن نيه صادقه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ تجردت فيه النيه عن ملاحظه غير وجه الله تعالى ‌و‌ رضاه.
 روى عن الصادق عليه السلام ‌فى‌ قوله تعالى: «ليبلوكم ايكم احسن عملا» قال: ليس يعنى اكثركم عملا، ‌و‌ لكن اصوبكم عملا، ‌و‌ انما الاصابه خشيه الله ‌و‌ النيه الصادقه.
 ثم قال: العمل الخالص الذى ‌لا‌ تريد ‌ان‌ يمدحك عليه احد الا الله.
 ‌و‌ هذا ‌هو‌ معنى الاخلاص، ‌و‌ للقوم ‌فى‌ تعريفه عبارات، فقيل: ‌هو‌ تصفيه العمل عن ملاحظه المخلوقين حتى عن ملاحظه النفس، فلا يشهد غير الله.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ تنزيه العمل عن ‌ان‌ يكون لغير الله فيه نصيب. ‌و‌ قيل: ‌هو‌ اخراج الخلق عن معامله الحق.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ستر العمل عن الخلائق ‌و‌ تصفيته ‌من‌ العلائق.
 ‌و‌ قيل: ‌ان‌ ‌لا‌ يريد عامله عليه عوضا ‌فى‌ الدارين، ‌و‌ هذه درجه رفيعه عزيزه المنال.
 ‌و‌ قد اشار اليها اميرالمومنين ‌و‌ سيد الموحدين صلوات الله عليه، بقوله: ‌ما‌ عبدتك خوفا ‌من‌ نارك ‌و‌ ‌لا‌ طمعا ‌فى‌ جنتك، ‌و‌ لكن وجدتك اهلا للعباده فعبدتك.
 ‌و‌ لعزه هذه المرتبه قال بعض ارباب القلوب: طوبى لمن صحت له خطوه واحده ‌لا‌ يريد بها الا الله
 
تبصره
 
 ذهب جم غفير ‌من‌ علماء الاسلام الى بطلان العباده اذا قصد بفعلها تحصيل الثواب ‌او‌ النجاه ‌من‌ العقاب، قائلين: ‌ان‌ ذلك ينافى الاخلاص الذى ‌هو‌ اراده وجه الله تعالى ‌لا‌ غير، ‌و‌ ‌ان‌ ‌من‌ قصد ذلك فانما قصد جلب نفع ‌او‌ دفع ضرر ‌لا‌ وجه الله سبحانه، كما ‌ان‌ ‌من‌ اثنى على احد طمعا ‌فى‌ نعمته ‌او‌ خوفا ‌من‌ نقمته لم يعد مخلصا ‌فى‌ ثنائه عليه، ‌و‌ ممن بالغ ‌فى‌ ذلك السيد الجليل على ‌بن‌ طاووس قدس سره.
 بل يستفاد ‌من‌ كلام الشهيد الاول ‌فى‌ قواعده انه مذهب اكثر اصحابنا رضوان الله عليهم.
 ‌و‌ نقل الفخر الرازى ‌فى‌ التفسير الكبير اتفاق المتكلمين على ‌ان‌ ‌من‌ عبدالله لاجل الخوف ‌من‌ العقاب ‌او‌ الطمع ‌فى‌ الثواب لم تصح عبادته، ‌و‌ جزم ‌فى‌ اوائل تفسير الفاتحه بانه لو قال: اصلى لثواب الله ‌او‌ الهرب ‌من‌ عقابه، فسدت صلاته.
 ‌و‌ ذهب آخرون الى ‌ان‌ القصد المذكور غير مفسد للعباده، ‌و‌ منعوا خروجها ‌به‌ عن درجه الاخلاص ‌و‌ منافاته له، قائلين: ‌ان‌ اراده ثواب الله ‌و‌ النجاه ‌من‌ عقابه ليست امرا مخالفا لاراده وجه الله سبحانه، كيف؟ ‌و‌ قد قال تعالى ‌فى‌ مقام المدح لاصفيائه: «كانوا يسارعون ‌فى‌ الخيرات ‌و‌ يدعوننا رغبا ‌و‌ رهبا»، اى: للرغبه ‌فى‌ الثواب ‌و‌ الرهبه ‌من‌ العقاب، ‌و‌ قال سبحانه: «و ادعوه خوفا ‌و‌ طمعا»،.
 
و اعترض قولهم: بان دعوى عدم المخالفه كلام ظاهرى، للفرق الظاهر بين طاعه المحبوب لمحض محبته ‌و‌ بين طاعته لغرض آخر، ‌و‌ اما الاعتضاد بالايتين ففيه: ‌ان‌ كثيرا ‌من‌ المفسرين ذكروا ‌ان‌ المعنى: راغبين ‌فى‌ الاجابه راهبين ‌من‌ الردو الخيبه.
 قال شيخنا البهائى رحمه الله: ‌و‌ الاولى ‌ان‌ يستدل على ذلك بما رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بطريق حسن، عن هارون ‌بن‌ خارجه عن الامام ابى عبدالله عليه السلام، انه قال: العباد ثلاثه، قوم عبدوا الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ خوفا فتلك عباده العبيد، ‌و‌ قوم عبدوا الله تبارك ‌و‌ تعالى طلبا للثواب فتلك عباده الاجراء، ‌و‌ قوم عبدوا الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ حبا له فتلك عباده الاحرار، ‌و‌ هى افضل العباده، فان قوله عليه السلام: ‌و‌ هى افضل العباده، يعطى ‌ان‌ العباده على الوجهين السابقين ‌لا‌ تخلو ‌من‌ فضل ايضا، فتكون صحيحه ‌و‌ ‌هو‌ المطلوب. ثم المفهوم ‌من‌ كلام القائلين ببطلان العباده بقصد تحصيل الثواب ‌او‌ دفع العقاب، الحكم بفسادها ‌و‌ ‌ان‌ انضم اليه قصد وجه الله سبحانه، اما بقيه الضمائم اللازمه للعباده، كالخلاص ‌من‌ النفقه بعتق العبد ‌فى‌ الكفاره، ‌و‌ الحميه بالصوم، ‌و‌ التبرد ‌فى‌ الوضوء، ‌و‌ اعلام الماموم الدخول ‌فى‌ الصلاه بالتكبير، ‌و‌ مماطله الغريم بالتشاغل بالصلاه ‌و‌ ملازمته بالطواف ‌و‌ السعى، ‌و‌ حفظ المتاع بالقيام لصلاه الليل ‌و‌ امثال ذلك، فالظاهر ‌ان‌ قصدها عندهم مفسد ايضا بالطريق الاولى.
 ‌و‌ اما القائلون بعدم الفساد بقصد الثواب ‌و‌ دفع العقاب، فقد اختلفوا ‌فى‌ الافساد بهذه الضمائم، فاكثرهم على عدمه، ‌و‌ ‌به‌ قطع الشيخ ‌فى‌ المبسوط، ‌و‌ المحقق ‌فى‌ المعتبر، ‌و‌ العلامه ‌فى‌ التحرير ‌و‌ المنتهى، لانها لازمه الحصول قصدت ‌او‌ لم تقصد، فلا يضر قصدها.
 
و فيه: ‌ان‌ لزوم حصولها ‌لا‌ يستلزم صحه قصد حصولها.
 ‌و‌ المتاخرون ‌من‌ اصحابنا حكموا بفساد العباده بقصدها، ‌و‌ ‌هو‌ مذهب العلامه ‌فى‌ النهايه ‌و‌ القواعد، ‌و‌ ولده فخر المحققين ‌فى‌ الشرح، ‌و‌ شيخنا الشهيد ‌فى‌ البيان، لفوات الاخلاص.
 قال شيخنا البهائى رحمه الله: ‌و‌ ‌هو‌ الاصح.
 ‌و‌ استقرب بعض علمائنا المتاخرين القول بالتفصيل، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ العباده ‌ان‌ كانت هى المقصوده بالذات ‌و‌ الضميمه مقصوده تبعا صحت، ‌و‌ ‌ان‌ انعكس الامر ‌او‌ تساويا بطلت.
 قال شيخنا البهائى رحمه الله: ‌و‌ اعلم ‌ان‌ الضميمه ‌ان‌ كانت راجحه، ‌و‌ ‌لا‌ حظ القاصد رجحانها وجوبا ‌او‌ ندبا، كالحميه ‌فى‌ الصوم لوجوب حفظ البدن، ‌و‌ الاعلام بالدخول ‌فى‌ الصلاه للتعاون على البر، فينبغى ‌ان‌ ‌لا‌ تكون مضره، اذ هى حينئذ موكده، ‌و‌ انما الكلام ‌فى‌ الضمائم الغير الملحوظه الرجحان، فصوم ‌من‌ ضم قصد الحميه مثلا صحيح، مستحبا كان الصوم ‌او‌ واجبا، معينا كان الواجب ‌او‌ غير معين ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌فى‌ النفس ‌من‌ صحه غير المعين شى ء، ‌و‌ عدمها محتمل، انتهى كلامه.
 ‌و‌ اما ضميمه الرياء فالظاهر انه ‌لا‌ خلاف ‌فى‌ بطلان العباده بها عند اصحابنا.
 قال المحقق الشيخ على: ضم الرياء الى القربه يبطل العباده قولا واحدا، الا ‌ما‌ يحكى عن المرتضى انه يسقط الطلب عن المكلف ‌و‌ ‌لا‌ يستحق بها ثوابا، ‌و‌ ليس بشى ء، انتهى.
 
وفر الشى ء يفر- ‌من‌ باب وعد- وفورا: تم ‌و‌ كمل، ‌و‌ وفرته وفرا- ‌من‌ باب وعد- ايضا اتممته ‌و‌ اكملته، يتعدى ‌و‌ ‌لا‌ يتعدى، ‌و‌ المصدر فارق، ‌و‌ يتعدى بالتثقيل ايضا مبالغه.
 قال ابوزيد: وفرت له طعامه توفيرا: اذا اتممته ‌و‌ لم تنقصه.
 ‌و‌ الروايه ‌فى‌ الدعاء بوجهين:
 احدهما: وفر بالتثقيل، فتكون الواو فاء الفعل.
 ‌و‌ الثانى: وفر بالتخفيف، ‌من‌ وفرته كوعدته، فتكون الواو عاطفه، ‌و‌ عين الفعل محذوفه، لانها تحذف حذفا مطردا ‌فى‌ الامر ‌من‌ باب وعد، حملا على المضارع ذى الياء منه.
 ‌و‌ المعنى على الوجهين: اجعل نيتى تامه كامله بكونها خالصه لوجهك الكريم، ‌من‌ غير نقص فيها بشوب غرض آخر.
 قال بعض العارفين: ‌ان‌ عون الله للعبد بقدر نيه العبد، فمن تمت نيته تم عون الله له بقدرها، ‌و‌ قد قال الله ‌عز‌ ‌من‌ قائل: «ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما»، فجعل سبب التوفيق اراده الاصلاح، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون توفير النيه بمعنى صيانتها ‌و‌ وقايتها، ‌من‌ وفرت عرضه وفرا ‌و‌ وفرته توفيرا اى: صنته ‌و‌ وقيته ‌من‌ الثلب ‌و‌ العيب.
 ‌و‌ المعنى: صن نيتى وقها ‌من‌ ‌ان‌ تثلب ‌و‌ تعاب برياء ‌و‌ نحوه.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه بعض النسخ: «وفره» بفتح الفاء ‌و‌ تشديد الراء المهمله ‌و‌ كسرها
 
و بعدها هاء ساكنه، فعل امر ‌من‌ الفراهه.
 قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: دابه فارهه اى: نشيطه جاده قويه، ‌و‌ قد فرهت فراهه ‌و‌ فراهيه، انتهى.
 ‌و‌ ‌هو‌ اما استعاره تبعيه، بان شبه احداث حاله ‌فى‌ نيته حامله لها على الخفه ‌فى‌ الانبعاث نحو الخيرات، بالمعنى المصدرى الحقيقى للتفريه الذى ‌هو‌ تنشيط الدابه للسير، بجامع عدم الكلال ‌فى‌ التوجه نحو المطلوب، فاستعار له لفظ التفريه، ثم اشتق منه الفعل، على ‌ما‌ قرروه ‌فى‌ معنى الاستعاره التبعيه ‌او‌ استعاره مكنيه تخييليه، بان اضمر ‌فى‌ نفسه تشبيه النيه بالدابه ‌فى‌ قيامها بالمنوى ‌و‌ تحملها له، كما قالوا: ‌لا‌ يعجز البدن عما قامت ‌به‌ النيه، ‌و‌ لم يصرح بغير المشبه، ‌و‌ ‌دل‌ عليه بذكر ‌ما‌ يخص المشبه ‌به‌ ‌و‌ ‌هو‌ التفريه.
 ‌و‌ ‌من‌ عجيب ‌ما‌ وقع لبعض المترجمين هنا انه ظن ‌ان‌ الهاء- ‌فى‌ هذه الروايه- ضميرا متصلا بفعل الامر ‌من‌ التوفير، فقال: مرجع الضمير النيه بتاويل المذكور، ‌و‌ نيتى بدل ‌من‌ الضمير ‌فى‌ وفره، انتهى.
 ‌و‌ ‌هو‌ خبط اوقعه فيه التصحيف المذكور.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «بلطفك» يحتمل ‌ان‌ يراد ‌به‌ المعنى العرفى المشهور للطف، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يقرب ‌به‌ العبد ‌من‌ الطاعه ‌و‌ يبعد عن المعصيه.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يراد ‌به‌ تصرفه تعالى ‌فى‌ الذوات ‌و‌ الصفات تصرفا خفيا، بفعل الاسباب المعده لها لافاضه كمالاتها.
 قوله عليه السلام: «و صحح بما عندك يقينى» اى: اجعل يقينى صحيحا ثابتا مستقرا لايعتريه شك.
 
و الظرف اما متعلق بما قبله، فيكون المعنى: صحح بما عندك ‌من‌ القدره ‌و‌ الرحمه ‌و‌ اللطف ‌و‌ العنايه يقينى، فتكون الباء للسببيه.
 ‌و‌ اما متعلق بما بعده، فيكون المعنى: صحح يقينى بما عندك ‌من‌ النفع ‌و‌ الضر، حتى ‌لا‌ ارجو ‌و‌ ‌لا‌ اخشى غيرك للدنيا ‌و‌ الاخره، فتكون الباء صله لليقين.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌من‌ صحه يقين المرء المسلم ‌ان‌ ‌لا‌ يرضى الناس بسحط الله، ‌و‌ ‌لا‌ يلومهم على ‌ما‌ لم يوته الله.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌حد‌ اليقين ‌ان‌ ‌لا‌ تخاف مع الله شيئا.
 ‌و‌ صوره صحه اليقين بما عنده سبحانه: ‌ان‌ تثبت ‌فى‌ نفسك ‌و‌ تتيقن بكشف ‌او‌ اعتقاد جازم، ‌ان‌ اسناد جميع الاسباب ‌و‌ المسببات اليه سبحانه، ‌و‌ انه الفاعل المطلق التام القدره على ‌ما‌ يريد، بحيث ‌لا‌ تكون وراء قدرته قدره، ‌و‌ ‌لا‌ يقع ‌فى‌ نفسك التفات الى غيره بوجه، حتى نفسك ‌و‌ حولك ‌و‌ قوتك، فانك تجد عن نفسك الطمانينه بتسليم امورها بالكليه اليه، ‌و‌ البراءه ‌من‌ الاعتماد على احد الا عليه، فان لم تجد ‌من‌ نفسك هذه الحال فسبب ذلك غلبه الوهم على النفس ‌فى‌ معارضته لذلك اليقين.
 قوله عليه السلام: «و استصلح بقدرتك ‌ما‌ فسد منى» الصلاح: حصول الشى ء على الحاله المستقيمه النافعه، ‌و‌ نقيضه الفساد ‌و‌ ‌هو‌ خروجه عن تلك الحاله، ‌و‌ الاستصلاح هنا ليس معناه طلب الصلاح حقيقه، كما تقتضيه صيغه الاستفعال، لان طلب الصلاح قد وقع منه تعالى عاما ‌من‌ جميع العباد، ‌و‌ ذلك بالاوامر ‌و‌ النواهى الشرعيه.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: امر الله ‌و‌ نهى لاستصلاح العباد.
 
بل ‌هو‌ ‌من‌ باب استخرجت الوتد ‌من‌ الحائط، فانه ليس فيه طلب خروجه، بل معناه: لم ازل اتلطف ‌و‌ اتحيل منه حتى خرج.
 فمعنى «استصلح ‌ما‌ فسد منى»: تلطف فيما فسد منى حتى يصلح.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون «استصلح» بمعنى اصلح، كاستجاب بمعنى اجاب.
 
الكفايه: قيام شخص مقام آخر ‌فى‌ قضاء حوائجه، يقال: كفيت زيدا الامر كفايه: قمت ‌به‌ مقامه ‌و‌ اغنيته عن معاناته.
 ‌و‌ اهتم بالامر: اعتنى به، اى: تول كفايتى ‌فى‌ كل امر يشغلنى اهتمامى ‌و‌ اعتنائى ‌به‌ عن طاعتك ‌و‌ عبادتك، حتى ‌لا‌ يكون لى توجه ‌و‌ التفات الى غير وجهك الكريم.
 ‌و‌ استعملته: جعلته عاملا.
 ‌و‌ الغد: اليوم الذى ياتى بعد يومك على اثره، ثم توسعوا فيه حتى اطلق على البعيد المترقب كما وقع هنا، فان المراد ‌به‌ يوم الحساب، ‌و‌ اصله «غدو» مثال فلس، لكن حذفت اللام ‌و‌ جعلت الدال حرف اعراب.
 ‌و‌ المراد بالمسوول عنه غدا: ‌هو‌ الاعمال التى يثاب ‌او‌ يعاقب الانسان على فعلها ‌او‌ على تركها، كما قال تعالى: «و لتسئلن عما كنتم تعملون».
 قالوا: ‌و‌ فائده السوال مع علمه تعالى بذلك اظهار المعدله ‌و‌ قطع المعذره، فتعلم الخلائق انه سبحانه ‌لا‌ يظلم احدا، ‌و‌ ليزداد سرور اهل الايمان بالثناء الجميل عليهم بما يظهر ‌من‌ افعالهم الحسنه، ‌و‌ يزداد ‌غم‌ الكفار بما يظهر ‌من‌ افعالهم القبيحه.
 ‌و‌ استفرغ ايامى: ‌اى‌ اجعل ايامى كلها مبذوله فيما خلقتنى له.
 
يقال: استفرغ مجهوده اى: استقصى طاقته، ‌و‌ فرس مستفرغ: ‌لا‌ يدخر ‌من‌ عدوه شيئا، ‌و‌ اصله ‌من‌ افراغ الاناء، ‌و‌ ‌هو‌ قلب ‌ما‌ فيه وصبه حتى ‌لا‌ يبقى فيه شى ء.
 ‌و‌ فيما خلقتنى له: ‌اى‌ ‌فى‌ عبادتك، كما قال تعالى: «و ‌ما‌ خلقت الجن ‌و‌ الانس الا ليعبدون».
 ‌و‌ فى: ظرفيه مجازيه، بتشبه ملابسه استفراغ ايامه لما خلقه له بملابسه المظروف للظرف، فتكون لفظه «فى» استعاره تبعيه.
 اغننى: ‌اى‌ اعطنى ‌ما‌ استغنى ‌به‌ عن الناس، ‌او‌ ارزقنى غنى النفس عما ‌فى‌ ايدى الخلق.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌و‌ ‌من‌ يستغن بالله ‌و‌ عطائه يغنه الله. قيل: معناه: يخلق ‌فى‌ قلبه غنى، ‌او‌ يعطيه ‌ما‌ يغنيه عن الخلق.
 ‌و‌ اوسع على ‌فى‌ رزقك: ‌اى‌ اجعل رزقك لى واسعا، وعداه ب«فى» لتضمينه معنى بارك، كما عدى اصلح بها ‌من‌ قوله: «و اصلح لى ‌فى‌ ذريتى»، اى: بارك لى فيها، ‌و‌ الا فاوسع ‌و‌ اصلح كلاهما متعديان بانفسهما.
 ‌و‌ فتنه- ‌من‌ باب ضرب: اوقعه ‌فى‌ الفتنه، ‌و‌ هى الضلال عن الحق ‌و‌ الخروج عن الطاعه، ‌و‌ انما يكون ذلك منه تعالى بسلب اللطف ‌و‌ التوفيق، فقصد بنفى اللازم نفى
 
 
الملزوم ‌من‌ باب الكنايه.
 ‌و‌ البطر بالباء الموحده ‌و‌ الطاء المهمله المفتوحه ‌و‌ الراء المهمله: الطغيان بالنعمه، ‌و‌ ‌هو‌ رذيله الافراط ‌من‌ فضيله الغنى، كما قال تعالى: «ان الانسان ليطغى ‌ان‌ رآه استغنى»، ‌و‌ قال سبحانه: «و لو بسط الله الرزق لعباده لبغوا ‌فى‌ الارض».
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: «بالنظر» بالنون ‌و‌ الظاء المعجمه مفتوحه.
 قيل: ‌هو‌ بمعنى الانتظار، اى: ‌لا‌ تفتنى بانتظار حصول الرزق، بل عجل لى بالغنى ‌و‌ السعه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ بمعنى الابصار، اى: ‌لا‌ تفتنى بالنظر ‌و‌ الالتفات الى ‌ما‌ ‌فى‌ ايدى الناس ‌من‌ متاع الدنيا، كما قال تعالى: «و ‌لا‌ تمدن عينيك الى ‌ما‌ متعنا ‌به‌ ازواجا منهم زهره الحياه الدنيا لنفتنهم فيه ‌و‌ رزق ربك خير ‌و‌ ابقى» نهى سبحانه نبيه عن النظر بطريق الرغبه ‌و‌ الميل الى ‌ما‌ متع ‌به‌ اصنافا ‌من‌ الكفره، ‌من‌ زهره الحياه الدنيا ‌و‌ زينتها ‌و‌ زخارفها، تحذيرا ‌من‌ الميل الى الزخارف الدنيويه، ‌و‌ لقد شدد العلماء المتقون ‌فى‌ وجوب غض البصر عن ابنيه الظلمه ‌و‌ ملابسهم ‌و‌ مراكبهم، لانهم اتخذوها لعيون النظاره، فالناظر اليها محصل لغرضهم، فيكون اغراء لهم على اتخاذها.
 ‌و‌ اعزه الله: جعله عزيزا اى: منيعا ‌لا‌ يغلب ‌و‌ ‌لا‌ يقهر ‌و‌ اعزه ايضا: اكرمه ‌و‌ احبه.
 ‌و‌ ابتلاء: اختبره، ‌و‌ الابتلاء يكون بالخير لامتحان الشكر، ‌و‌ يكون بالشر لامتحان الصبر، ‌و‌ يكون بمعنى الاصابه بالمكروه ايضا.
 ‌و‌ الكبر بكسر الكاف ‌و‌ سكون الباء الموحده: اسم ‌من‌ التكبر، ‌و‌ ‌هو‌ العظمه ‌و‌ التجبر، ‌و‌ ‌هو‌ رذيله الافراط ‌فى‌ العز.
 ‌و‌ قال الراغب: الكبر: ظن الانسان بنفسه انه اكبر ‌من‌ غيره، ‌و‌ التكبر: اظهاره
 
ذلك ‌من‌ نفسه، ‌و‌ ‌هو‌ نتيجه جهل الانسان بقدر نفسه ‌و‌ انزالها فوق منزلتها، كما ‌ان‌ العز نتيجه معرفه الانسان بقدر نفسه ‌و‌ اكرامها عن الضراعه للاغراض الدنيويه.
 ‌و‌ اعلم انه لما كان حقيقه العز ‌هو‌ ترفع الانسان بنفسه عما يلحقه غضاضه، ‌و‌ هى منزله شريفه متوسطه بين رذيله التفريط منها ‌و‌ ‌هو‌ الضراعه، ‌و‌ رذيله الافراط منها ‌و‌ ‌هو‌ الكبر، سال عليه السلام رفعه عن رذيله التفريط، بطلب الاعزاز وصونه عن رذيله الافراط بعدم الابتلاء بالكبر، لتحصل له الحاله المتوسطه التى هى مجتمع الفضائل، فقد تقرر ‌ان‌ لكل فضيله حدا معينا، اذا جاوزته ‌فى‌ طرف التفريط ‌او‌ ‌فى‌ طرف الافراط ينتهى الى رذيله، فالفضيله بمثابه الوسط، ‌و‌ الرذيله بمثابه الاطراف.
 ‌و‌ يروى قوله عليه السلام: «و ‌لا‌ تبتلينى بالكبر» بوجهين:
 احدهما: بالجزم يحذف حرف العله، ‌و‌ النون مخففه للوقايه.
 ‌و‌ الثانى: باثبات حرف العله مفتوحا، ‌و‌ النون مشدده ‌و‌ هى نون التاكيد الثقيله، ‌و‌ فتح حرف العله فتحه بناء على المشهور، لمباشره نون التاكيد للفعل.
 ‌و‌ لا: على الوجهين ناهيه.
 ‌و‌ الواو: عاطفه.
 ‌و‌ وقع ‌فى‌ بعض التعليقات ‌ان‌ الواو للحال، ‌و‌ «لا» نافيه.
 ‌و‌ هذا ‌لا‌ يصح على الروايتين المذكورتين، ‌و‌ كانه توجيه لروايه ثالثه ‌و‌ هى «و ‌لا‌ تبتلينى» باثبات حرف العله ساكنا، ‌و‌ تخفيف النون على انها نون الوقايه، فيتعين حينئذ ‌ان‌ تكون الواو للحال ‌و‌ «لا» نافيه، ‌و‌ ‌هو‌ على تقدير مبتدا على الاصح، اى: ‌و‌ انت ‌لا‌ تبتلينى، لان الجمله الفعليه المبدوه بمضارع منفى ب«لا» اذا وقعت حالا،
 
لزم ربطها بالضمير وحده ‌و‌ تجردها عن الواو، نحو: «و مالنا ‌لا‌ نومن بالله»، فان وردت بالواو قدر مبتدا على الاصح، كقراءه ابن ذكوان «فاستقيما ‌و‌ ‌لا‌ تتبعان» بتخفيف النون، فالتقدير: فاستقيما ‌و‌ انتما ‌لا‌ تتبعان، نص على ذلك ابن مالك ‌فى‌ التسهيل.
 ‌و‌ جعل بعضهم ترك الواو اكثريا ‌و‌ الظاهر عدم التاويل. اذا عرفت ذلك، فما وقع لبعض المترجمين ‌من‌ قوله:
 ‌و‌ ‌من‌ العجائب ‌ما‌ قيل: ‌ان‌ الواو حاليه ‌و‌ «لا» نافيه، ‌لا‌ وجه له اذا كان توجيها لهذه الروايه، كيف؟ ‌و‌ ‌هو‌ متعين، فلا محل للتعجب الا ‌من‌ تعجبه، ‌و‌ الله يقول الحق ‌و‌ ‌هو‌ يهدى السبيل.
 قوله عليه السلام: «و عبدنى لك» اى: ذللنى، ‌من‌ قولهم: بغير معبد ‌و‌ طريق معبد اى: مذلل، ‌و‌ منه: العباده، ‌و‌ هى التذلل للغير عن اختيار لغايه تعظيمه، ‌و‌ العبوديه ادنى منها.
 ‌و‌ قيل: العباده: فعل ‌ما‌ يرضى الله، ‌و‌ العبوديه: الرضا بما فعله الله تعالى.
 ‌و‌ افساد الشى ء: اخراجه عن ‌ان‌ ينتفع به.
 ‌و‌ العجب بضم العين ‌و‌ سكون الجيم الزهو، ‌و‌ رجل معجب: مزهو بما يكون منه حسنا ‌او‌ قبيحا، ‌و‌ العجب ‌فى‌ العباده: استعظام العمل الصالح ‌و‌ استكباره ‌و‌ الابتهاج له ‌و‌ الادلال به، ‌و‌ ‌ان‌ يرى نفسه خارجا عن ‌حد‌ التقصير، ‌و‌ هذا ‌هو‌ العجب المفسد للعباده، لانه حجاب للقلب عن الرب، ‌و‌ مانع له عن رويه منته ‌و‌ نعمته ‌و‌ توفيقه ‌و‌ معونته، ‌و‌ صاد له عن الوصول الى حقيقه توحيده ‌و‌ الاخلاص ‌فى‌ ربوبيته. ‌و‌ قد تقدم
 
الكلام مبسوطا على حقيقه العجب ‌و‌ انواعه ‌فى‌ الروضه الثامنه، فليرجع اليه.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن على ‌بن‌ سويد عن ابى الحسن عليه السلام، قال: سالته عن العجب الذى يفسد العمل، فقال: العجب درجات منها: ‌ان‌ يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه، ‌و‌ يحسب انه يحسن صنعا، ‌و‌ منها: ‌ان‌ يومن العبد بربه، فيمن على الله ‌عز‌ ‌و‌ جل، ‌و‌ لله عليه فيه المن.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ الداود عليه السلام: ‌يا‌ داود بشر المذنبين ‌و‌ انذر الصديقين، قال: كيف ابشر المذنبين ‌و‌ انذر الصديقين؟ قال: ‌يا‌ داود بشر المذنبين انى اقبل التوبه ‌و‌ اعفو عن الذنب، ‌و‌ انذر الصديقين ‌ان‌ ‌لا‌ يعجبوا باعمالهم، فانه ليس عبد انصبه للحساب الا هلك.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌ان‌ الرجل ليذنب الذنب فيندم عليه، ‌و‌ يعمل العمل فيسره ذلك فيتراخى عن حاله تلك، فلئن يكون على حاله تلك خير له مما دخل فيه.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: اول ‌ما‌ يفعل بالمعجب نزع ‌ما‌ اعجب به، ليعلم انه عاجز حقير، ‌و‌ يشهد على نفسه بالعجز، لتكون الحجه عليه.
 قوله عليه السلام: «و اجر للناس على يدى الخير» اى: اجعل الخير دارا متصلا.
 يقال: اهذه صدقه جاريه اى: داره متصله، كالوقوف المرصده لابواب البر، ‌و‌ منه: الارزاق جاريه اى: داره متصله.
 ‌و‌ الخير: كلى يندرج تحته جميع الاعمال الصالحه، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا: الاحسان الى الناس، ‌و‌ اعطاء فضل المال، الى غير ذلك ‌من‌ مكارم الاعمال ‌و‌ محاسن الافعال،
 
التى يتعدى نفعها الى الغير.
 ‌و‌ المراد باجرائها على يديه: جعله واسطه ‌و‌ سببا ‌فى‌ ايصال الخير الى الغير، تحريا للثواب المترتب على ذلك ‌و‌ حبا للمعروف ‌و‌ فعله.
 فعن ابى جعفر عليه السلام: ‌ان‌ ‌من‌ احب عبادالله الى الله لمن حبب اليه المعروف ‌و‌ حبب اليه فعاله.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: لو جرى المعروف على ثمانين كفا لاجروا كلهم فيه، ‌من‌ غير ‌ان‌ ينقص صاحبه ‌من‌ اجره شيئا.
 ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى اكثر ‌من‌ ‌ان‌ تحصى.
 ‌و‌ محقه محقا- باب نفع-: نقصه ‌و‌ اذهب منه البركه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ اذهاب الشى ء كله حتى ‌لا‌ يرى له اثر، ‌و‌ منه: «يمحق الله الربا».
 ‌و‌ المراد بمحقه: محق اجره ‌و‌ ابطال ثوابه.
 ‌و‌ المن: ‌ان‌ يعتد المحسن على ‌من‌ احسن اليه باحسانه، ‌و‌ يريه انه اوجب عليه بذلك حقا، ‌و‌ ‌هو‌ مذموم جدا مبطل لاجر الاحسان، قال تعالى: «يا ايها الذين آمنوا ‌لا‌ تبطلوا صدقاتكم بالمن ‌و‌ الاذى»، ‌و‌ ذلك لما فيه ‌من‌ انكسار قلب الفقير، ‌و‌ ‌من‌ تنفير ذوى الحاجه عن معروفه، ‌و‌ ‌من‌ عدم الاعتراف بان النعمه نعمه الله ‌و‌ العباد عباده، ‌و‌ اذا كان العبد ‌فى‌ هذه الدرجه كان محروما ‌من‌ مطالعه الاسباب الربانيه الحقه، فكان ‌فى‌ درجه البهائم التى ‌لا‌ يترقى ‌فى‌ نظرها ‌من‌ المحسوس الى المعقول ‌و‌ ‌من‌ الموثر الى الموثرات.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ المراد بمحق الاحسان ‌و‌ ابطاله بالمن: عدم استحقاق الثواب عليه
 
راسا، ‌لا‌ تيانه ‌به‌ على غير الوجه المامور به، ‌و‌ ‌هو‌ ايقاعه على الوجه الذى ‌لا‌ يستحق عليه الثواب، ‌لا‌ ‌ان‌ الاحسان اوجب اجرا ‌و‌ ثوابا، ثم ‌ان‌ ذلك المن ازالهما ‌و‌ ابطلهما، كما ذهبت اليه المعتزله جريا على مذهبهم ‌من‌ الاحباط.
 فان قلت: كيف اضاف افساد العباده بالعجب ‌و‌ محق الخير بالمن الى الله تعالى، ‌و‌ المفسد ‌و‌ الماحق انما ‌هو‌ المعجب ‌و‌ المان بعجبه ‌و‌ منه؟.
 قلت: هذا ‌من‌ باب الدعاء بطلب الامداد باللطف ‌و‌ التوفيق، اى: ‌لا‌ تمنعنى لطفك الذى تسلم معه عبادتى ‌من‌ الفساد ‌و‌ خيرى ‌من‌ المحق، ‌و‌ ‌هو‌ يجرى مجرى قولهم: اللهم ‌لا‌ تسلط علينا ‌من‌ لايرحمنا، اى: ‌لا‌ تخل بيينا ‌و‌ بين ‌من‌ ‌لا‌ يرحمنا فيتسلط علينا، ‌او‌ المعنى: احرسنى ‌من‌ الشيطان ‌و‌ ‌شر‌ نفسى الداعيين الى العجب ‌و‌ المن، حتى ‌لا‌ تفسد عبادتى ‌و‌ ينمحق خيرى، ‌او‌ لما كان العجب الذى ‌هو‌ سبب الافساد، ‌و‌ المن الذى ‌هو‌ سبب المحق متسببين عن امتحانه ‌و‌ خذلانه تعالى، اضاف ذلك اليه سبحانه، ‌و‌ ‌هو‌ كقوله تعالى: «ربنا ‌لا‌ تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا».
 قوله عليه السلام: «وهب لى معالى الاخلاق» اى: افض على قوه ‌و‌ استعدادا لقبول معالى الاخلاق.
 ‌و‌ المعالى: جمع معلاه، اسم ‌من‌ العلاء ‌و‌ ‌هو‌ الرفعه ‌و‌ الشرف، كالمكرمه ‌من‌ الكرم، ‌و‌ الاضافه بمعنى «من»، اى: المعالى ‌من‌ الاخلاق، ‌و‌ هى جمع خلق بالضم، ‌و‌ ‌هو‌ ملكه نفسانيه يقتدر معها على الاتيان بالفعل بسهوله.
 ‌و‌ المراد بمعالى الاخلاق: محاسنها ‌و‌ مكارمها، ‌و‌ عبر عنها بالمعالى ايذانا بعلوها ‌و‌ شرفها ‌و‌ رفعتها ‌و‌ اختلف العلماء ‌فى‌ تعريف حسن الخلق:
 فقيل: ‌هو‌ بسط الوجه، ‌و‌ ‌كف‌ الاذى، ‌و‌ بذل الندى.
 
و قيل: ‌هو‌ صدق التحمل، ‌و‌ ترك التجمل، ‌و‌ حب الاخره، ‌و‌ بغض الدنيا.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يظلم صاحبه، ‌و‌ ‌لا‌ يمنع ‌و‌ ‌لا‌ يجفو احدا، ‌و‌ ‌ان‌ ظلم غفر، ‌و‌ ‌ان‌ منع شكر، ‌و‌ ‌ان‌ ابتلى صبر.
 ‌و‌ الحق ‌ان‌ كل ذلك تعريف له بالاثار ‌و‌ الافعال التابعه له الداله عليه، ‌و‌ انه ملكه يسهل على صاحبها فعل الجميل ‌و‌ تجنب القبيح، ‌و‌ يعرف ذلك بمخالطه الناس بالمعروف، ‌و‌ الصدق، ‌و‌ الصله، ‌و‌ التودد، ‌و‌ اللطف، ‌و‌ المبره، ‌و‌ حسن الصحبه ‌و‌ العشره، ‌و‌ المراعاه، ‌و‌ المواساه، ‌و‌ الرفق، ‌و‌ الحلم، ‌و‌ الصبر، ‌و‌ الاحتمال لهم، ‌و‌ الاشفاق عليهم، ‌و‌ ‌هو‌ حسن الصوره الباطنه التى هى صوره النفس الناطقه، كما ‌ان‌ حسن الخلق بالفتح ‌هو‌ حسن الصوره الظاهره، الا ‌ان‌ حسن هذه الصوره الظاهره ليس بقدرتنا ‌و‌ اختيارنا، بخلاف حسن الصوره الباطنه فانه ‌من‌ فيض الحق، ‌و‌ قد يكون مكتسبا، ‌و‌ لهذا تكرر ‌فى‌ الدعاء سواله ‌من‌ الله تعالى، ‌و‌ تظافرت الاخبار بالحث عليه ‌و‌ بتحصيله ‌و‌ الترغيب فيه بمدحه.
 فمن ذلك ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن على ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌ما‌ يوضع ‌فى‌ ميزان امرى يوم القيامه افضل ‌من‌ حسن الخلق.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌ان‌ صاحب الخلق الحسن له مثل اجر الصائم القائم.
 ‌و‌ عن عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: اكثر ‌ما‌ تلج ‌به‌ امتى الجنه تقوى الله ‌و‌ حسن الخلق.
 
و عنه عليه السلام قال: ‌ان‌ الخلق الحسن، يميث الخطيئه كما تميث الشمس الجليد.
 ‌و‌ عن ابى جعفر عليه السلام قال: ‌ان‌ اكمل المومنين ايمانا احسنهم خلقا.
 ‌و‌ الروايات ‌فى‌ هذا المعنى كثيره جدا.
 قوله عليه السلام: «و اعصمنى ‌من‌ الفخر» عصمه الله ‌من‌ المكروه يعصمه- ‌من‌ باب ضرب-: حفظه ‌و‌ وقاه، ‌و‌ الاسم العصمه بالكسر.
 ‌و‌ الفخر: ادعاء العظمه ‌و‌ الكبر ‌و‌ الشرف.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ التطاول على الناس بتعديد المناقب، ‌و‌ لما كان الحصول على معالى الاخلاق ربما جمحت ‌به‌ النفس الاماره الى الفخر المذموم، سال عليه السلام عصمته منه، ‌و‌ قد ورد ‌فى‌ ذم الفخر اخبار عديده.
 قال اميرالمومنين عليه السلام: ‌ما‌ لابن آدم ‌و‌ الفخر، اوله نطفه، ‌و‌ آخره جيفه، ‌لا‌ يرزق نفسه، ‌و‌ ‌لا‌ يدفع حتفه.
 ‌و‌ نظم ذلك بعضهم فقال:
 ‌ما‌ بال ‌من‌ اوله نطفه
 ‌و‌ جيفه آخره يفخر
 اصبح ‌لا‌ يملك تقديم ‌ما‌
 يرجو ‌و‌ ‌لا‌ تاخير ‌ما‌ يحذر
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه اخرى عنه عليه السلام: ‌ما‌ لابن آدم ‌و‌ الفخر، ‌و‌ انما اوله نطفه مذره، ‌و‌ آخره جيفه قذره، ‌و‌ ‌هو‌ فيما بين ذلك يحمل العذره.
 ‌و‌ نظم ذلك ابومحمد الباقى فقال:
 
عجبت ‌من‌ فاخر بنخوته
 ‌و‌ كان ‌من‌ قبل نطفه مذره
 ‌و‌ ‌فى‌ غد بعد حسن صورته
 يصير ‌فى‌ القبر جيفه قذره
 ‌و‌ ‌هو‌ على عجبه ‌و‌ نخوته
 ‌ما‌ بين جنبيه يحمل العذره
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: آفه الحسب الافتخار.
 اى: ‌ان‌ الافتخار يهدم الحسب، ‌و‌ ‌هو‌ شرف الانسان ‌و‌ مكارمه كالشجاعه ‌و‌ السخاء ‌و‌ حسن الخلق.
 ‌و‌ بهذا الحديث يظهر ‌سر‌ سوال زين العابدين عليه السلام العصمه ‌من‌ الفخر بعد سواله معالى الاخلاق.
 ‌و‌ ‌من‌ الاحاديث المشهوره قوله صلى الله عليه ‌و‌ آله: انا سيد ولد آدم ‌و‌ ‌لا‌ فخر.
 اى: ‌لا‌ افتخر بذلك، لانى لم انله ‌من‌ قبل نفسى بل بفضل ربى، ‌و‌ ‌لا‌ اقوله تبجحا، ‌و‌ لكن شكرا لله ‌و‌ تحدثا بنعمه، ‌و‌ تبليغا الى الامه ‌ما‌ يجب معرفته ‌و‌ الايمان به، ‌و‌ الله اعلم.
 
فى الناس: ‌اى‌ ظاهرا فيما بينهم مميزا منهم.
 ‌و‌ الدرجه: المنزله، ‌و‌ المراد بها هنا: المزيه ‌فى‌ الفضل ‌و‌ الشرف. ‌و‌ نصبها على المصدريه، لوقوعها موقع المره ‌من‌ الرفع، اى: ‌لا‌ ترفعنى رفعه، ‌او‌ على الظرفيه، ‌او‌ على نزع الخافض، اى: الى درجه، ‌او‌ على التمييز.
 
و الاستثناء مفرغ ‌من‌ حال عامه مقدره محذوفه هى المستثنى منه، ‌و‌ المستثنى محله النصب على الحاليه، ‌و‌ التقدير: ‌لا‌ ترفعنى درجه ‌فى‌ حال ‌من‌ الاحوال الا حال حطك لى عند نفسى حطا مثل تلك الدرجه ‌فى‌ المقدار ‌من‌ الكميه المعنويه.
 اذا عرفت ذلك، فقول بعضهم: ‌ان‌ الاستثناء منقطع، ‌و‌ المستثنى ناب عنه الجمله بعده، ‌و‌ مثله مازاد الا ‌ما‌ نقص، غلط صريح، بل الاستثناء متصل، لكونه مفرغا ‌من‌ حال عامه متناوله لهذا الفرع ‌و‌ غيره، فالمستثنى بعض ‌من‌ المستثنى منه كما عرفت، فكيف يكون منقطعا؟
 ‌و‌ قوله: ‌ان‌ المستثنى ناب عنه الجمله بعده، غلط آخر، بل الجمله الحاليه نفسها هى المستثنى، ‌و‌ «الا» ملغاه عن العمل على قول، ‌او‌ عن التوصل بها الى العمل على قول آخر.
 ‌و‌ قوله: ‌و‌ مثله مازاد الا ‌ما‌ نقص، غلط ثالث، فان المستثنى ‌فى‌ عباره الدعاء مفرغ اتفاقا، ‌و‌ المثال الذى ذكره ‌لا‌ يصح فيه التفريغ قطعا، اذ ‌لا‌ يمكن اعمال ‌ما‌ قبل «الا» فيه فيما بعدها، الا ترى انه ‌لا‌ يستقيم ‌ان‌ يقال: مازاد الا النقص، بخلاف عباره الدعاء، فان العامل ‌فى‌ الجمله الحاليه الواقعه بعد «الا» ‌هو‌ الفعل قبلها، بل المستثنى ‌فى‌ المثال ‌ما‌ المصدريه، وصلتها ‌فى‌ موضع نصب على الاستثناء، ‌و‌ الاستثناء منقطع، ‌و‌ التقدير فيه: مازاد لكن نقص، ‌و‌ كذا كل استثناء منقطع يقدر ب«لكن»، لانه للاستدراك ‌و‌ دفع توهم دخوله ‌فى‌ الحكم السابق، ‌و‌ لو قدرت الاستثناء ‌فى‌ الدعاء ب«لكن» لم يصح، اذ ليس المراد: ‌لا‌ ترفعنى ‌فى‌ الناس لكن حطنى عند نفسى، بل المقصود: ‌ان‌ رفعتنى ‌فى‌ الناس فحطنى عند نفسى.
 قال الرضى: القصد بمثل هذا النفى ‌و‌ الاستثناء، لزوم تعقب مضمون ‌ما‌ بعد «الا» لمضمون ‌ما‌ قبلها، ‌و‌ ذلك معنى الشرط ‌و‌ الجزاء غالبا، فقصدوا صوغ ‌ما‌ قبل «الا» ‌و‌ ‌ما‌ بعدها صوغ الشرط ‌و‌ الجزاء، لان معنى حرف النفى مع «الا» يفيد
 
معنى الشرط ‌و‌ الجزاء، اعنى لزوم الثانى للاول، فاعتبروه معهما، انتهى بالمعنى.
 ‌و‌ حدث الشى ء حدوثا- ‌من‌ باب قعد-: تجدد وجوده بعد ‌ان‌ كان معدوما، ‌و‌ يتعدى بالالف فيقال: احدثته. اى: ‌لا‌ توجد لى عزا ظاهرا ‌فى‌ جميع الاحوال الا حال ايجادك لى ذله باطنه عند نفسى.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ بقدرها: للملابسه، اى: ملتبسه بمقدارها.
 ‌و‌ قدر الشى ء ساكن الدال ‌و‌ الفتح لغه: مقداره.
 قال الزمخشرى: اخذ بقدر حقه ‌و‌ بقدره اى: بمقداره ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يساويه، ‌و‌ قرى ء بقدر الفاتحه ‌و‌ بقدرها ‌و‌ بمقدارها.
 ‌و‌ اعاد الضمير الى العز مونثا ‌و‌ ‌هو‌ مذكر ذهابا الى المعنى، لان العز ‌فى‌ معنى الدرجه ‌و‌ المنزله، ‌و‌ ‌هو‌ باب واسع ‌فى‌ كلام العرب.
 حكى الاصمعى عن ابى عمرو ‌بن‌ العلاء قال: سمعت اعرابيا يقول: فلان لغوب، اتته كتابى فاحتقرها، فقلت له: كيف تقول: اتته كتابى؟ فقال: اليس الكتاب ‌فى‌ معنى الصحيفه؟ فقلت: ‌ما‌ اللغوب؟ فقال: الاحمق.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه قديمه: «عزه ظاهره» بهاء التانيث، فلا اشكال.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ الغرض ‌من‌ الدعاء ‌فى‌ هاتين الفقرتين امور: احدها: وقايته ‌و‌ حفظه ‌من‌ الكبر ‌و‌ العجب، اللذين كثيرا ‌ما‌ ينشان عن حصول الرفعه ‌و‌ العز الظاهرين فيما بين الناس.
 ‌و‌ لذلك ‌ما‌ روى عنه عليه السلام انه قال: كفى بالمرء فتنه ‌ان‌ يشار اليه بالاصابع ‌فى‌ دين ‌او‌ دنيا.
 
و عن اميرالمومنين عليه السلام: ‌ما‌ ارى شيئا اضر بقلوب الرجال ‌من‌ خفق النعال وراء ظهورهم.
 الثانى: تحليته بالتواضع عند حصول الرفعه ‌و‌ العز له، فان احسن التواضع ‌ما‌ كان عن رفعه، كما ‌ان‌ احسن العفو ‌ما‌ كان عن قدره، ‌و‌ لذلك قال صلى الله عليه ‌و‌ آله: طوبى لمن تواضع ‌فى‌ غير منقصه، ‌و‌ ذل ‌فى‌ نفسه عن غير مسكنه.
 ‌و‌ قال بعض الحكماء: احق ‌من‌ كان للكبر مجانبا ‌و‌ للاعجاب مباينا، ‌من‌ ‌جل‌ ‌فى‌ الدنيا قدره ‌و‌ عظم فيها خطره، لانه يستقل بعالى همته كل عجا كثير، ‌و‌ يستصغر معها كل كبير.
 قال الراغب: التواضع: اشتقاقه ‌من‌ الضعه، ‌و‌ ‌هو‌ رضا الانسان بمنزله دون ‌ما‌ يستحقه فضله ‌و‌ منزلته، ‌و‌ فضيلته ‌لا‌ تكاد تظهر ‌فى‌ افناء الناس لانحطاط درجتهم، ‌و‌ انما ذلك يبين ‌فى‌ الملوك ‌و‌ اجلاء الناس ‌و‌ علمائهم، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ باب التفضل، ‌و‌ ‌هو‌ بين الكبر ‌و‌ الضعه، فالكبر: رفع الانسان نفسه فوق قدره، ‌و‌ الضعه: وضعه نفسه مكانا يزر ‌به‌ لتضييع حقه، انتهى.
 ‌و‌ لهذا المعنى مدح الملوك ‌و‌ العظماء بالتواضع.
 قال محمد التيمى ‌فى‌ الفضل ‌بن‌ سهل:
 تواضع لما زاده الله رفعه
 ‌و‌ كل رفيع قدره متواضع
 ‌و‌ قال ابوعباره البخترى:
 دنوت تواضعا ‌و‌ علوت قدرا
 فشانك انحدار ‌و‌ ارتفاع
 
كذاك الشمس تبعد ‌ان‌ تسامى
 ‌و‌ يدنو الضوء منها ‌و‌ الشعاع
 الثالث: حفظ تلك الدرجه الرفيعه ‌و‌ العز الظاهر ‌من‌ الزوال بل زيادتهما، فان التواضع عند حصول الرفعه كالشكر عند حصول النعمه.
 قال ابوالقاسم النيسابورى ‌فى‌ كتاب خلق الانسان: واجب على كل ذى منزله رفيعه ‌ان‌ يشفق عليها حتى ‌لا‌ يسقط عنها، ‌و‌ ذلك باستعمال التواضع ‌و‌ اعتياد الرفق، ‌و‌ هذا مما اجتمع على قبوله العقل ‌و‌ الشرع، ‌و‌ اتفق عليه الاعتبار ‌و‌ الاختبار، فكم ‌من‌ اناس لهم منازل رفيعه عاليه، انحطوا عنها بعدم التواضع، ‌و‌ زالت عنهم بسبب الكبر، ‌و‌ ‌فى‌ قوله تعالى: «فاهبط منها فما يكون لك ‌ان‌ تتكبر فيها» دلاله ظاهره على ‌ان‌ الانحطاط عن رفيع الدرجات انما يكون بالتكبر، انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ حديث الصحيح عنه صلى الله عليه ‌و‌ آله. ‌من‌ تواضع لله رفعه الله، ‌و‌ ‌من‌ تكبر خفضه الله.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الصحيح عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌ان‌ ‌فى‌ السماء ملكين موكلين بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه، ‌و‌ ‌من‌ تكبر وضعاه. ‌و‌ عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌ان‌ التواضع يزيد صاحبه رفعه، فتواضعوا يرحمكم الله.
 ‌و‌ عن عمرو ‌بن‌ شيبه قال: كنت بمكه بين الصفا ‌و‌ المروه، فرايت رجلا راكبا بغله ‌و‌ بين يديه غلمان، فاذا ‌هم‌ يعنفون بالناس، ثم عدت بعد حين فدخلت بغداد فكنت على الجسر، فاذا انا برجل حاف حاسر طويل الشعر، فجعلت انظر اليه
 
و اتامله، فقال لى: مالك تنظر الى؟ فقلت: شبهتك برجل رايته بمكه، ‌و‌ وصفت له الصفه فقال: انا ذلك الرجل، فقلت: ‌ما‌ فعل الله بك؟ فقال: انى ترفعت ‌فى‌ موضع يتواضع فيه الناس، فوضعنى الله حيث يترفع الناس.
 الرابع: الهامه المعرفه بنقصان ذاته ‌و‌ ذل نفسه وفاقته ‌و‌ خضوعه ‌فى‌ رق الحاجه اليه تعالى، ليعلم ‌ان‌ تلك الفضيله ‌من‌ الرفعه ‌و‌ العز، لم تحصل له عن استحقاق وجب عله بسعيه ‌و‌ كده ‌او‌ بخته وجده، مع قطع النظر عن واهب النعم ‌و‌ مفيضها.
 ‌و‌ انما سال عليه السلام ‌ان‌ يكون حطه ‌و‌ اذلاله ‌فى‌ نفسه بمقدار تلك الرفعه ‌و‌ العز، ليكون تواضعه مساويا لدرجته ‌و‌ مرتبته، حتى ‌لا‌ يكون زائدا عليها فيحمل على التملق ‌و‌ الضعه، ‌و‌ ‌لا‌ ناقصا عنها فتشوبه شائبه تكبر ‌و‌ تجبر، ‌و‌ الله اعلم بمقاصد اوليائه.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5
اسناد الصحیفه السجادیه- 1
الدعاء 1- 3
الدعاء 3- 1
الدعاء 31- 2
الدعاء 48- 2
الدعاء 6- 2

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 45- 1

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^