فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 20- 2

متعه بالشى ء تمتيعا: نفعه ‌به‌ فتمتع.


 ‌و‌ قال ‌فى‌ المحكم: متعه الله ‌و‌ امتعه: ابقاه ليستمتع به.
 ‌و‌ الهدى بضم الهاء مقصورا كما اتفقت عليه النسخ: مصدر ‌من‌ هدى كالسرى ‌و‌ البكى، ‌و‌ ‌هو‌ يطلق على معنيين:
 احدهما: ‌ان‌ يكون بمعنى الهدايه، ‌و‌ هى الدلاله بلطف على ‌ما‌ يوصل الى المطلوب، ‌و‌ يوصف بالمتعدى، ‌و‌ ‌هو‌ مضاف الى الله تعالى.
 ‌و‌ الثانى: ‌ان‌ يكون بمعنى التوجه الى ‌ما‌ يوصل الى المطلوب، ‌و‌ يوصف باللازم، ‌و‌ ‌هو‌ مضاف الى العبد.
 
و كل ‌من‌ المعنيين محتمل هنا، الا ‌ان‌ الثانى انسب بالاستبدال كما ‌لا‌ يخفى.
 ‌و‌ الصالح: المستقيم المنتفع به، ‌و‌ كان المراد ‌به‌ الموصل الى المطلوب، اذ الوصول غير معتبر ‌فى‌ مطلق الهدى بالمعنيين على الصحيح. ‌و‌ استبدل بالشى ء: اتخذ ‌و‌ اختار منه بدلا.
 ‌و‌ الباء: للمقابله، ‌و‌ الظرف لغو.
 ‌و‌ رايت ‌فى‌ بعض النسخ كان قد ضبط «هدى» بفتح الهاء ‌و‌ سكون الدال ‌و‌ بعدها ياء مثناه على وزن فلس، ثم اصلح الى ‌ما‌ اتفقت عليه النسخ ‌من‌ ضبطه بالضم مقصورا، ‌و‌ لو ثبتت هذه الروايه لكانت اشد ارتباطا بالفقره التاليه، لان الهدى على وزن فلس بمعنى السيره ‌و‌ هى الطريقه ‌و‌ الهيئه، ‌و‌ وصفه بالصلاح بهذا المعنى اعرف ‌من‌ وصف الهدى مقصورا به، ‌و‌ منه الحديث: الهدى الصالح ‌و‌ السمت الصالح جزء ‌من‌ خمسه ‌و‌ عشرين جزء ‌من‌ النبوه.
 ‌و‌ ‌هو‌ بفتح الهاء ‌و‌ سكون الدال اتفاقا، ثم رايته كذلك ‌فى‌ نسخه قديمه، فثبتت الروايه ‌به‌ ‌و‌ لله الحمد.
 ‌و‌ الطريقه: المذهب ‌و‌ الحاله.
 قال الجوهرى: طريقه الرجل: مذهبه، يقال: مازال فلان على طريقه واحده، ‌اى‌ حاله واحده، انتهى.
 ‌و‌ الحق لغه: نقيض الباطل، ‌و‌ اصطلاحا: الحكم المطابق للواقع، ‌و‌ يقابله الباطل، ‌و‌ الاضافه لاميه، ‌و‌ قد يراد بالحق: الاقبال على الله تعالى بلزوم الاعمال الصالحه المطابقه للعقائد المطابق للواقع، ‌و‌ بالباطل: الالتفات عنه الى غير ذلك مما
 
لا يجدى نفعا ‌فى‌ الاخره، ‌و‌ ‌به‌ فسر قول اميرالمومنين عليه السلام: ‌من‌ لم ينفعه الحق يضره الباطل.
 ‌و‌ الزيغ: الميل، يقال: زاغ عن الطريق يزيغ زيغا.
 ‌و‌ النيه: عزم القلب على امر ‌من‌ الامور، ‌و‌ تطلق على الوجه الذى ينويه الانسان، ‌و‌ ‌لا‌ يبعد اراده هذا المعنى هنا.
 ‌و‌ الرشد: الصواب.
 ‌و‌ قال الهروى: ‌هو‌ الهدى ‌و‌ الاستقامه.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ القاموس: ‌هو‌ الاستقامه على طريق الحق مع تصلب فيه.
 ‌و‌ الشك لغه: خلاف اليقين، ‌و‌ ‌هو‌ التردد بين شيئين سواء استوى طرفاه ‌او‌ رجح احدهما على الاخر.
 ‌و‌ اصطلاحا: ‌هو‌ التردد بين شيئين على ‌حد‌ سواء، ‌و‌ ‌ان‌ رجح احدهما فالراجح ظن ‌و‌ المرجوح وهم.
 يقال: الشك اضطراب القلب ‌و‌ النفس، ‌و‌ هذا المعنى ‌هو‌ المراد هنا، اذ المراد بنيه الرشد التى ‌لا‌ ‌شك‌ فيها: النيه الصائبه الصحيحه المستقيمه التى ‌لا‌ اضطراب للقلب ‌و‌ النفس فيها، ‌لا‌ كنيه ‌من‌ يعبد الله على حرف، فان اصابه خير اطمان به، ‌و‌ ‌ان‌ اصابته فتنه انقلب على وجهه، خسر الدنيا ‌و‌ الاخره ذلك ‌هو‌ الخسران المبين.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ مدار هذه الفقرات الثلاث ‌من‌ الدعاء على طلب الاستقامه ‌فى‌ الاعتقادات ‌و‌ الاخلاق ‌و‌ الاعمال، ‌و‌ ذلك منتظم لجميع محاسن الاحكام الاصليه ‌و‌ الفرعيه ‌و‌ الكمالات النظريه ‌و‌ العمليه، ‌و‌ الخروج عن عهدته ‌فى‌ غايه ‌ما‌ يكون ‌من‌ الصعوبه.
 
و لذلك قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: شيبتنى سوره هود يعنى قوله تعالى فيها: «فاستقم كما امرت»، ‌و‌ هى جامعه لجميع انواع التكاليف.
 قال بعض العلماء: ‌ان‌ الطاعه ‌لا‌ تعد طاعه ‌و‌ فضيله ‌ما‌ لم تستجمع معانى اربعه: ‌ان‌ يكون صاحبها عالما بشرائطها، ‌و‌ فاعلا لها على سبيل الطوع ‌و‌ الاختيار، ‌و‌ ‌لا‌ يختارها الا لاعتقاد حسنها ‌فى‌ نفسها اعتقادا راسخا، ‌و‌ ‌ان‌ يدوم اختياره لذلك فلا يزول، فلن تخلص الطاعه ‌و‌ لن يستقيم السعى الا بمجموع هذه الخصال الشاقه.
 حتى قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: استقيموا ‌و‌ لن تحصوا.
 ‌و‌ حتى اخبر عن نفسه فقال: شيبتنى سوره هود.
 ‌و‌ حتى قيل: الاستقامه ‌لا‌ يطيقها الا الانبياء ‌و‌ اكابر الاولياء، لانها الخروج عن المعهودات، ‌و‌ مفارقه الرسوم ‌و‌ العادات، ‌و‌ القيام بين يدى الله على حقيقه الصدق، بحيث ‌لا‌ يشوب معاملته مع الله فتره، ‌و‌ ‌لا‌ تصحب مسيره اليه وقفه، يعتبر بما يرى ‌فى‌ الدنيا ‌من‌ غير شهوه، ‌و‌ يتفكر ‌فى‌ المعاد ‌من‌ غير غفله، يستقل الكثير ‌من‌ طاعته ازراء على نفسه، ‌و‌ يستعظم اليسير ‌من‌ احسان ربه اجلالا لوجهه، ‌و‌ ينصف ‌من‌ نفسه ‌و‌ ‌لا‌ ينتصف لها، ‌و‌ يعمل بجوارحه ‌و‌ ‌لا‌ يعمل بهواها، فاذا وجدت فيه هذه الامارات صار صاحب الاستقامه ‌و‌ اهل الكرامه.
 ‌و‌ ‌فى‌ نهج البلاغه ‌من‌ خطبه له عليه السلام: ‌و‌ انى متكلم بعده الله ‌و‌ حجته، قال الله ‌جل‌ ذكره: «ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكه الا تخافوا ‌و‌ ‌لا‌ تحزنوا ‌و‌ ابشروا بالجنه التى كنتم توعدون»، ‌و‌ قد قلتم: ربنا الله، فاستقيموا على كتابه، ‌و‌ على منهاج امره، ‌و‌ على الطريقه الصالحه ‌من‌ عبادته، ثم
 
لا تمرقوا منها، ‌و‌ ‌لا‌ تبتدعوا فيها، ‌و‌ ‌لا‌ تخالفوا عنها، فان اهل المروق منقطع بهم عندالله يوم القيامه.
 عمره الله يعمره- ‌من‌ باب قتل- ‌و‌ عمره تعميرا: ابقاه، ‌و‌ العمر بالضم ‌و‌ بضمتين ‌و‌ بالفتح: الحياه.
 ‌و‌ ما: مصدريه زمانيه، اى: نائبه عن الزمان المفهوم ‌من‌ المقام ‌لا‌ داله عليه بذاتها، ‌و‌ الا لكانت اسما ‌و‌ لم تكن مصدريه.
 ‌و‌ الاصل عمرنى مده كون عمرى بذله، فحذف الظرف ‌و‌ خلفته «ما» وصلتها، كما جاء ‌فى‌ المصدر الصريح نحو: جئتك صلاه العصر، ‌و‌ آتيك قدوم الحاج.
 ‌و‌ البذله بالكسر على وزن سدره: ‌ما‌ يمتهن ‌و‌ ‌لا‌ يصان ‌من‌ الثياب ‌فى‌ الخدمه، ‌و‌ الفتح فيها لغه.
 قيل: ‌و‌ هى هنا استعاره للعمر، شبه الحياه المصروفه ‌فى‌ طاعه الله بالثوب المستعمل ‌فى‌ الخدمه، بجامع الامتهان ‌و‌ الابتذال، فاستعار لها لفظ البذله، ‌و‌ هى استعاره مطلقه لكنها ‌فى‌ غايه الحسن، لغرابه التشبيه فيها.
 ‌و‌ الفاء: عاطفه بمعنى ثم.
 ‌و‌ اذا: ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط، خافض لشرطه اعنى الجمله الفعليه بعده، منصوب بجوابه عند الجمهور.
 ‌و‌ رتعت الماشيه ترتع رتعا- ‌من‌ باب نفع- ‌و‌ رتوعا: رعت كيف شاءت، ‌و‌ جاءت ‌و‌ ذهبت ‌فى‌ المرعى، ‌و‌ المرتع بالفتح: موضع الرتوع. ‌و‌ ‌هو‌ مستعار للعمر
 
المصروف ‌فى‌ طاعه الشيطان، باعتبار كونه مباحا مطلقا له، يضله ‌و‌ يغويه فيه كيف شاء، كالمرتع المباح للماشيه الذى ترعى فيه كيف شاءت، ‌و‌ هى استعاره تبعيه.
 قال بعضهم: ‌و‌ هذه الاستعاره مثل سابقتها ‌فى‌ الحسن ‌و‌ اللطافه، بل هى احسن ‌و‌ الطف، انتهى.
 قلت: ‌و‌ الذى عليه المحققون ‌ان‌ ليس شى ء ‌من‌ البذله ‌و‌ المرتع ‌فى‌ مثل هذا المقام استعاره، بل ‌هو‌ تشبيه بليغ حذفت اداته لقصد المبالغه.
 قال الشيخ ‌فى‌ اسرار البلاغه ‌ما‌ ملخصه: اذا كان اسم المشبه ‌به‌ خبرا عن اسم المشبه، ‌او‌ ‌فى‌ حكم الخبر كخبر باب كان ‌و‌ ان، فالاصح انه يسمى تشبيها ‌لا‌ استعاره، لان اسم المشبه ‌به‌ اذا وقع هذه المواقع، كان الكلام موضوعا لاثبات معناه لما اجرى عليه ‌او‌ نفيه عنه، فاذا قلت: زيد اسد، ‌و‌ كان زيد اسدا، فصوغ الكلام ‌فى‌ الظاهر لاثبات معنى الاسد لزيد، ‌و‌ ‌هو‌ ممتنع على الحقيقه، فيحمل على انه لاثبات شبه ‌من‌ اسد له، فيكون الاتيان بالاسد لاثبات التشبيه، فيكون خليقا بان يسمى تشبيها، لان المشبه ‌به‌ انما جى ء ‌به‌ لافاده التشبيه، بخلاف نحو: لقيت زيدا اسدا، فان الاتيان بالمشبه ‌به‌ ليس لاثبات معناه لشى ء، بل صوغ الكلام لاثبات الفعل واقعا على الاسد، فلا يكون لاثبات التشبيه، فيكون قصد التشبيه مكنونا ‌فى‌ الضمير، ‌لا‌ يعرف الا بعد نظر ‌و‌ تامل، ‌و‌ اذا افترقت الصورتان هذا الافتراق ناسب ‌ان‌ يفرق بينهما ‌فى‌ الاصطلاح ‌و‌ العباره، بان تسمى احداهما تشبيها ‌و‌ الاخرى استعاره، انتهى كلامه.
 قال السعد التفتازانى: ‌و‌ عليه جميع المحققين.
 
 
اذا عرفت ذلك، فما نحن فيه ‌لا‌ يسمى عند ارباب التحقيق استعاره، لان اسم المشبه ‌به‌ ‌من‌ البذله ‌و‌ المرتع واقع ‌فى‌ حكم الخبر، لكونه خبرا لكان، فهو تشبيه قطعا، فما وقع ‌فى‌ كثير ‌من‌ التعاليق: ‌ان‌ كلا منهما استعاره جار على غير نهج التحقيق.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله: «فاذا»: رابطه ‌فى‌ للجواب.
 ‌و‌ قبضه الله- ‌من‌ باب ضرب-: اماته، ‌و‌ عداه ب«الى» لتضمينه معنى الرجع، اى: اقبضنى راجعا اياى اليك.
 ‌و‌ مقته مقتا- ‌من‌ باب قتل-: ابغضه اشد البغض عن امر قبيح.
 ‌و‌ احكمت الشى ء احكاما: اتقنته، فاستحكم هو: صار كذلك. ‌و‌ المراد باستحكام الغضب: تحققه ‌و‌ ثبوته.
 ‌و‌ ‌فى‌ المغرب: احكم الشى ء فاستحكم فهو مستحكم بالكسر ‌لا‌ غير.
 ‌و‌ ايراد «او» للدلاله على ‌ان‌ الامرين متساويان ‌فى‌ طلب الاماته قبل وقوعهما، ‌او‌ لاراده ‌ان‌ كل واحد منهما كاف ‌فى‌ ذلك.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ قوله: «فاذا كان عمرى مرتعا للشيطان» ‌من‌ باب التعبير بالفعل عن مشارفته، ‌و‌ التقدير: فاذا شارف عمرى ‌ان‌ يكون مرتعا للشيطان فاقبضنى، ليصح وقوع القبض قبل سبق المقت ‌و‌ استحكام الغضب جزاء، لانتفاء القبض قبلهما بعد كون العمر مرتعا للشيطان. قال بعضهم: ‌و‌ ‌فى‌ هذا الفصل ‌من‌ الدعاء دلاله على ‌ان‌ العمر قد ينقص ‌و‌ يزيد بالدعاء ‌و‌ غيره، ‌من‌ صله الرحم ‌و‌ قطيعتها ‌و‌ الصدقه ‌و‌ نحو ذلك.
 ‌و‌ ‌فى‌ امالى الشيخ رحمه الله عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ‌ان‌ الله تعالى لم يجعل للمومنين اجلا ‌فى‌ الموت، يبقيه ‌ما‌ احب البقاء، فاذا علم منه انه سياتى بما فيه
 
بوار دينه قبضه اليه مكرما.
 ‌و‌ علمه تعالى بما تضمنه هذا الحديث ‌و‌ بما يزيد العمر ‌و‌ ينقصه، يمكن معه اعتبار الاجل واحدا، لكن يحصل الفرق بملاحظه ثبوت اختيار العبد ‌و‌ عدم كون العلم عله، ‌و‌ الله اعلم.
 
ودعته ادعه ودعا: تركته، ‌و‌ اصل المضارع الكسر، ‌و‌ ‌من‌ ثم حذفت الواو لمكان حرف الحلق.
 قال بعض المتقدمين: ‌و‌ زعمت النحاه ‌ان‌ العرب اماتت ماضى يدع ‌و‌ مصدره ‌و‌ اسم الفاعل منه، ‌و‌ قد قرا مجاهد ‌و‌ عروه ‌و‌ مقاتل ‌و‌ ابن ابى عبله ‌و‌ يزيد النحوى: «ما ودعك ربك» بالتخفيف.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: لينتهين قوم عن ودعهم الجمعات، اى: عن تركهم.
 فقد رويت هذه الكلمه عن افصح العرب ‌و‌ نقلت عن طريق القراء، فكيف يكون اماته ؟ ‌و‌ قد جاء الماضى ‌و‌ اسم الفاعل ‌فى‌ بعض اشعار العرب، ‌و‌ ‌ما‌ هذه سبيله فيجوز القول بقله الاستعمال فيه، ‌و‌ ‌لا‌ يجوز القول بالاماته.
 ‌و‌ الخصله: الخله ‌و‌ الحاله، ‌و‌ جمله «تعاب»: ‌فى‌ محل نصب صفه لخصله.
 ‌و‌ من: لابتداء الغايه، ‌او‌ للتبيين اى: ‌من‌ خصالى، متعلقه بتعاب، ‌او‌ بمحذوف وقع صفه ثانيه لخصله اى: كائنه منى، ‌او‌ حال منها، لان النكره الموصوفه كالمعرفه، ‌و‌ جعلها متعلقه بتدع خلاف الظاهر.
 
و اغرب ‌من‌ قال: ضمن تعاب معنى الصدور، اى: تعاب صدورها منى، لان عاب متعد بنفسه، انتهى. ‌و‌ ‌هو‌ خبط واضح ‌و‌ جهل فاضح.
 ‌و‌ العايبه بالياء على القياس، ‌و‌ ‌هو‌ الواقع ‌فى‌ النسخ المعتبره، ‌و‌ ‌لا‌ عبره بما وقع ‌فى‌ بعض النسخ ‌من‌ الهمز، ‌و‌ هى كل خصله ذات عيب، ‌من‌ عاب الشى ء لازما: اذا صار ذا عيب.
 يقال: عاب المتاع عيبا- ‌من‌ باب صار- فهو عائب، وعابه صاحبه فهو معيب، يتعدى ‌و‌ ‌لا‌ يتعدى.
 ‌و‌ انبه تانيبا: عنفه ‌و‌ لامه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ المبالغه ‌فى‌ التعنيف ‌و‌ التوبيخ.
 ‌و‌ اونب بها بالبناء للمجهول اى: اعنف والام عليها. ‌و‌ القياس تحقيق الهمزه الثانيه لانها فاء الفعل، الا ‌ان‌ المروى ابدالها واوا، لاستثقال اجتماع الهمزتين.
 فان قلت: ‌ما‌ فائده تخصيص العايبه بالوصف المذكور؟ ‌و‌ هلا اطلق لتعم ‌ما‌ خفى ‌من‌ الخصال التى ‌لا‌ يطلع عليها ‌من‌ يونبه!.
 قلت: فائده ذلك تخصيص العايبه بنفسه، فكانه قال: ‌و‌ ‌لا‌ عايبه انا اونب بها، كما خصص الخصله بنفسه بقوله: «تعاب منى «و ‌لا‌ اكرومه» ‌فى‌ الفقره التاليه بقوله: «فى»، ‌و‌ لو اطلق لعمت كل عايبه فيه ‌و‌ ‌فى‌ غيره، ‌و‌ مع ذلك فلا يخرج بالوصف المذكور ‌ما‌ خفى ‌من‌ الخصال التى ‌لا‌ يطلع عليها ‌من‌ يونبه بها،چ لان المراد العايبه التى ‌من‌ شانها ‌ان‌ يونب بها سواء ظهرت ‌او‌ خفيت.
 ‌و‌ الاكرومه بضم الهمزه: اسم ‌من‌ الكرم، كالاعجوبه اسم ‌من‌ العجب.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: هى فعل الكرم.
 
و فى: ظرفيه مجازيه، دخلت على ياء المتكلم ‌و‌ ادغمت الياء ‌فى‌ الياء، ‌و‌ هى متعلقه بمحذوف وقع صفه لاكرومه، ‌اى‌ اكرومه كائنه.
 ‌و‌ ناقصه بالنصب: صفه اخرى لها.
 ‌و‌ وقع ‌فى‌ تعليقه بعض اكابر الساده على الصحيفه الشريفه: ‌ان‌ الصواب روايه ‌و‌ درايه كون «فى» بسكون الياء، ‌و‌ ‌هو‌ حرف جر، ‌و‌ ناقصه بالخفض مجرور به، ‌و‌ هى صفه لموصوف محذوف، اى: ‌فى‌ مرتبه ناقصه غير تامه، ‌او‌ ‌فى‌ ملابسه رذيله ناقصه للاكرومه، اى: مخرجه لها عن تمام درجتها ‌و‌ كمال مرتبتها، على انها فاعله ‌من‌ نقص المتعدى، فتكون الاكرومه منقوصه بها.
 قال: هذا اذا حملنا ناقصه على اسم الفاعل، ‌و‌ اما اذا حملناها على المصدر كالفاتحه ‌و‌ العافيه ‌و‌ الكاذبه، فالمعنى: ‌و‌ ‌لا‌ اكرومه ‌فى‌ نقصان الا ازحت نقصانها ‌و‌ اتممت كمالها.
 ثم شنع على ‌من‌ ضبط «فى» بتشديد الياء ‌و‌ نصب ناقصه، فقال: ‌و‌ ‌من‌ القاصرين ‌فى‌ عصرنا ‌من‌ لم يكن يستطيع الى ادراك الغامضات ‌و‌ التفصيه عن مضائق المعضلات سبيلا، فحرفها الى «فى ناقصه» باضافه «فى» الى ياء المتكلم ‌و‌ التشديد للادغام، ‌و‌ نصب ناقصه على انها صفه اكرومه المنصوبه على المفعوليه، فنشا ذلك التحريف ‌فى‌ النسخ الحديثه المستنسخه، ‌و‌ لم يفطن لما فيه ‌من‌ الفساد ‌من‌ وجهين:
 الاول: ‌ان‌ قضيه العطف على خصله ‌فى‌ الجمله الاولى، مقتضاها ‌ان‌ تقدير الكلام: ‌و‌ ‌لا‌ تدع منى اكرومه ‌فى‌ ناقصه، فيجتمع منى وفى، فيرجع الى هجنه وخيمه.
 الثانى: ‌ان‌ الفصل بين الموصوف ‌و‌ الصفه بالجاره ‌و‌ مجرورها مما يعد هجينا، فلا تكن ‌من‌ القاصرين، انتهى بنصه.
 
قلت: ‌و‌ هى قعاقع ليس لها طائل.
 اما كون الصواب روايه ‌ما‌ ذكره فغير مسلم، اذ قد ثبت ‌فى‌ عده نسخ ‌ما‌ زعم انه تحريف، ‌و‌ منها ‌ما‌ نسخ قبل عصره بنحو اربعمائه عام، كما ‌فى‌ النسخه التى هى بخط الياقوت المستعصمى، ‌و‌ نسخه اخرى قديمه تاريخ نسخها سنه اثنين ‌و‌ سبع مائه، فكيف يدعى ‌ان‌ ذلك تحريف وقع ‌من‌ بعض القاصرين ‌فى‌ عصره؟.
 ‌و‌ اما كونه درايه فغير صحيح، ‌و‌ ‌ما‌ ذكره ‌من‌ الوجهين باطلان. اما الاول ‌و‌ ‌هو‌ اجتماع منى وفى، فمدفوع اولا: بان العطف هنا ‌من‌ باب عطف الجمل ‌لا‌ المفردات، ‌و‌ ذلك بتقدير عامل مدلول عليه بما قبله، ‌و‌ التقدير: ‌و‌ ‌لا‌ تدع اكرومه ‌فى‌ ناقصه، فلا يلزم اجتماع الظرفين.
 ‌و‌ ثانيا: على تسليم كونه ‌من‌ عطف المفردات، بانه انما يلزم ذلك اذا جعل الظرف- اعنى منى- متعلقا ب«لا تدع»، ضروره اقتضاء العطف اشتراك المتعاطفين ‌فى‌ النسبه المفيده، ‌و‌ نحن نمنع تعلقه بذلك، بل ‌هو‌ متعلق ب«تعاب»، فهو ‌من‌ تمام الجمله الواقعه صفه لخصله، ‌او‌ بمحذوف واقع صفه لها ‌او‌ حالا منها، ‌و‌ العطف ‌لا‌ يقتضى اثبات ‌ما‌ للمعطوف ‌من‌ صفه ‌و‌ نحوها للمعطوف عليه، كقولك: ‌لا‌ تضرب زيدا الفاضل ‌و‌ ‌لا‌ عمرا، فان اقتضاه ‌فى‌ بعض الصور فبالقرينه ‌لا‌ بالوضع، فيقدر لدلاله المقام عليه، كقولك: ‌لا‌ تنفق درهما زائفا ‌و‌ ‌لا‌ دينارا اى: زائفا فان وقع ‌فى‌ صريح الكلام، يغنى عن تقديره لم يقدر، كقولك: ‌لا‌ تنفق درهما زائفا ‌و‌ ‌لا‌ دينارا رديا، فلا يحتاج الى تقدير زائف هنا، حتى يلزم منه اجتماع زائف ‌و‌ ردى ‌و‌ هما بمعنى، ‌و‌ ‌ما‌ نحن فيه ‌من‌ هذا القبيل، فان «فى» الواقعه صفه لاكرومه اغنت عن تقدير منى، فلا يلزم اجتماعهما.
 
و اما الوجه الثانى، ‌و‌ ‌هو‌ الفصل بين الموصوف ‌و‌ الصفه بالجاره ‌و‌ مجرورها، فمردود بانه ‌لا‌ فصل هنا اصلا، بل الجار ‌و‌ المجرور صفه لاكرومه، ‌و‌ ناقصه صفه اخرى لها كما تقدم، فهو ممن باب تعدد الصفات، فهو كقوله تعالى: «و ‌فى‌ ذلكم بلاء ‌من‌ ربكم عظيم».
 اذا عرفت ذلك، ظهر لك بطلان قول ‌من‌ قال ايضا: ‌ان‌ شددت الياء كما ‌فى‌ اكثر النسخ، فناقصه صفه لاكرومه، ‌و‌ ‌لا‌ باس بالفصل بالظرف لشيوعه، ‌و‌ لكن الاولى ‌ان‌ يجعل «منى» على هذا التقدير متعلقا ب«تعاب»، لانك لو جعلته متعلقا ب«خصله» ‌او‌ «لاتدع» لاجتمع هنا منى وفى، فلا يكون مستحسنا، انتهى.
 فقد علمت انتفاء دعوى الفصل راسا.
 ‌و‌ اما قوله: لو جعلته متعلقا بخصله لاجتمع هنا منى وفى، ففيه: انه ‌ان‌ اراد بتعلقه بخصله التعلق الاصطلاحى فهو غلط، لان الظرف بعد النكره اما صفه لها ‌ان‌ لم تكن موصوفه، ‌او‌ محتمل لها ‌و‌ للحال ‌ان‌ كانت موصوفه كما نحن فيه، ‌و‌ على التقديرين فهو مما يجب تعلقه بمحذوف اجماعا، فكيف يصح جعله متعلقا بخصله؟.
 ‌و‌ ‌ان‌ اراد التعلق المعنوى، اعنى كونه صفه ‌او‌ حالا لها، فقد عرفت انه لايلزم منه الاجتماع المذكور.
 ‌و‌ الاستثناء ‌فى‌ الجمل الثلاث متصل مفرغ ‌من‌ اعم الاحوال، محله النصب على انه حال ‌من‌ ضمير ‌لا‌ تدع، ‌و‌ العامل فيها فعل النهى، اى: ‌لا‌ تدع خصله تعاب منى ‌فى‌ حال ‌من‌ الاحوال الا حال اصلاحكها، ‌و‌ ‌لا‌ عائبه اونب بها ‌فى‌ حال ‌من‌ الاحوال
 
الا حال تحسينك اياها، ‌و‌ ‌لا‌ اكرومه ‌فى‌ ناقصه ‌فى‌ حال ‌من‌ الاحوال الا حال اتمامك لها.
 ‌و‌ المقصود لزوم تعقب مضمون ‌ما‌ بعد الا لما قبلها، فهما كالشرط ‌و‌ الجزاء، ‌و‌ لذلك وقعت الحال بعد «الا» ماضيا مجردا عن قد ‌و‌ الواو.
 ‌و‌ حاصل الكلام: كلما كانت ‌فى‌ ‌من‌ خصله تعاب فاصلحها، ‌و‌ ‌من‌ عائبه اونب بها فحسنها، ‌و‌ ‌من‌ اكرومه ناقصه فاتممها.
 ‌و‌ اما قول بعض القاصرين: استثناء الجمل هنا بتاويلها بالمشتق ‌و‌ المستثنى منه الخصله، ‌و‌ لو ‌لا‌ تخصيصها بالنعت لكان متصلا، فهو الذى اوجب الانقطاع، فذكره لزياده المبالغه، فقد سال اصلاح الخصله المعيبه التى يطلع الناس عليها ‌و‌ تعيبه بها، ‌و‌ الخفيه التى لم يطلع احد عليها، ‌و‌ هذا على تقدير تدع بمعنى تترك، ‌و‌ لو كان بمعنى تصير، لكان الاستثناء مفرغا ‌من‌ مفعوله الثانى المقدر، ‌و‌ مثله ‌ما‌ بعده، انتهى.
 فهو هذيان محموم ‌او‌ هذر ملموم، فاياك ‌و‌ الالتفات اليه، ‌و‌ الله يقول الحق ‌و‌ ‌هو‌ يهدى السبيل.
 
ابدلت كذا ‌من‌ كذا ابدالا: اذهبت الاول ‌و‌ جعلت الثانى مكانه.
 ‌و‌ ‌من‌ بدليه، اجعل المحبه بدلا ‌من‌ بغضه اهل الشنان، ‌او‌ ابتدائيه على القول
 
بانكار مجى «من» للبدل، لان ابتداء الابدال حصل ‌من‌ البغضه. ‌و‌ اغرب ‌من‌ قال: انها لبيان الجنس، فان البغضه ‌ضد‌ المحبه ‌لا‌ جنس لها، ‌و‌ هل يخفى ذلك على ‌من‌ له ادنى تمييز؟ فسبحان واهب العقول.
 ‌و‌ البغضه بالكسر: شده البغض.
 ‌و‌ الشنان بالتحريك ‌و‌ التسكين: البغض، ‌و‌ قرى بهما قوله تعالى: «شنان قوم».
 قال الجوهرى: ‌و‌ هما شاذان، فالتحريك شاذ ‌فى‌ المعنى، لان فعلان انما ‌هو‌ ‌من‌ بناء ‌ما‌ كان معناه الحركه الاضطراب كالضربان ‌و‌ الخفقان، ‌و‌ التسكين شاذ ‌فى‌ اللفظ، لانه لم يجى ء شى ء ‌من‌ المصادر عليه.
 قال ابوعبيده: ‌و‌ الشنان بغير همز مثل الشنان، ‌و‌ انشد الاحوص:
 ‌و‌ ‌ما‌ العيش الا ‌ما‌ تلذ ‌و‌ تشتهى
 ‌و‌ ‌ان‌ لام فيه ذو الشنان ‌و‌ فندا
 ‌و‌ البغى: الظلم ‌و‌ التعدى ‌و‌ الاستطاله ‌و‌ السعى ‌فى‌ الفساد ‌و‌ طلب الشر، يقال: بغى احدهما على صاحبه بغيا- ‌من‌ باب رمى- اى: طلب له شرا. ‌و‌ لما كان الحاسدون ظالمين طالبين للمحسود شرا بتمنى زوال نعمته، جعلهم عليه السلام اهل البغى.
 ‌و‌ الظنه بالكسر: التهمه، ‌و‌ هى اسم ‌من‌ ظننته- ‌من‌ باب قتل- اذا اتهمته.
 ‌و‌ الثقه: الائتمان.
 يقال: وثق ‌به‌ يثق بكسرهما ثقه ‌و‌ وثوقا اى: ائتمنه.
 فان قلت: كيف نسب الظنه الى اهل الصلاح، ‌و‌ سوء الظن بالمسلمين ‌و‌ اتهامهم محظور؟ فعن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌ان‌ الله حرم ‌من‌ المسلم دمه
 
و عرضه ‌و‌ ‌ان‌ يظن ‌به‌ ظن السوء.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: اذا اتهم المومن اخاه انماث الايمان ‌من‌ قلبه كما ينماث الملح ‌فى‌ الماء.
 بل مقتضى الصلاح حسن الظن بالمومن ‌و‌ عدم اتهامه.
 كما روى عن اميرالمومنين عليه السلام: ضع امر اخيك على احسنه حتى ياتيك ‌ما‌ يقلبك عنه، ‌و‌ ‌لا‌ تظنن بكلمه خرجت ‌من‌ اخيك سوء ‌و‌ انت تجدلها ‌فى‌ الخير محملا.
 ‌و‌ لذلك قال العلماء: افعال المومنين محموله على الصحه.
 قلت: ليس المراد بالظنه هنا الا عدم الثقه ‌و‌ الطمانينه بكل احد، ‌و‌ ليس المراد بها الاتهام بما ينافى العداله، فان ‌من‌ شان اهل الراى ‌و‌ الصلاح ‌ان‌ لايثقوا بكل احد ‌و‌ ‌لا‌ يركنوا الى كل شخص، تفاديا عن الغرر ‌و‌ اخذا بفضيله الحزم.
 ‌و‌ لذلك قال اميرالمومنين عليه السلام: الطمانينه الى كل احد قبل الاختبار عجز.
 ‌و‌ ‌فى‌ كلامهم: اذا كان الغدر طبعا فالثقه بكل احد عجز. ‌و‌ على هذا المعنى حمل الخبر المشهور: الحزم سوء الظن بالناس.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه: احترزوا ‌من‌ الناس بسوء الظن.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى عن ابى عبدالله عليه السلام: الحزم مساءه الظن.
 
قال بعض الشارحين: يعنى ‌ان‌ جوده الراى ‌و‌ احكام الامر ‌و‌ الاخذ بالثقه يقتضى سوء الظن بالناس، يعنى تجويز السوء منهم ‌و‌ التثبت فيما ياتون به، حتى يتبين الحق ‌من‌ الباطل ‌و‌ الصدق ‌من‌ الكذب ‌و‌ العلم ‌من‌ الشبهه، ‌و‌ لو وجب القبول منهم ‌و‌ الثقه بهم ‌من‌ غير حزم ‌و‌ لم يجز نسبه السوء اليهم لوقع الهرج ‌و‌ المرج ‌و‌ بطل الدين ‌و‌ رجع كما كان قبل البعثه.
 ‌و‌ بالجمله: فالحزم يوجب ‌ان‌ يبنى الحال على تجويز السوء منهم، حتى يتبين الحق ‌و‌ يحصل الاذعان به.
 ‌و‌ فيه تنبيه على انه ‌لا‌ ينبغى متابعه الغير ‌فى‌ امر ‌من‌ الامور مع تجويز كون ذلك الامر خطا، بل لابد ‌من‌ كمال الاحتياط فيه. ‌و‌ انما قلنا: على جواز السوء منهم لانه الذى يقتضيه الحزم ‌و‌ الاحتياط، فلا ينافى ماورد ‌من‌ النهى عن مساءه الظن بالخلق، لان ‌ما‌ ذكرناه ‌من‌ باب التجويز العقلى الذى ‌هو‌ قضيه الحزم ‌و‌ ‌ما‌ ورد النهى عنه ‌من‌ باب الاعتقاد الفاسد، ‌او‌ القول بالشى ء رجما بالغيب، انتهى.
 ‌و‌ الادنين: الاقارب، جمع ادنى ‌من‌ الدناوه بمعنى القرابه، يقال: بينهما دناوه اى: قرابه، ‌و‌ اغرب ‌من‌ جعله ‌من‌ الدنى بمعنى الساقط الضعيف. ‌و‌ قد تقدم بيان اعلال هذا الجمع ‌فى‌ الروضه الثانيه، فليرجع اليه.
 ‌و‌ الولايه: ‌ضد‌ العداوه.
 ‌و‌ العقوق: قطيعه الرحم، ‌من‌ العق بمعنى القطع.
 قال الازهرى: ‌و‌ اصل العق: الشق ‌و‌ القطع.
 
و قال صاحب المحكم: عق والده يعقه عقا: شق عصا طاعته، ‌و‌ قد يعم بلفظ العقوق جميع الرحم، فالفعل كالفعل ‌و‌ المصدر كالمصدر.
 ‌و‌ الارحام: جمع رحم، ‌و‌ هى ‌فى‌ الاصل منبت الولد ‌و‌ وعاوه ‌فى‌ البطن، ثم سميت القرابه ‌من‌ جهه الولاده رحما، ‌و‌ منها ذو الرحم خلاف الاجنبى، ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك.
 ‌و‌ المبره: البر، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ضد‌ العقوق فيكون بمعنى الصله.
 قال بعض العلماء: قطيعه الرحم ‌و‌ عقوقها ‌هو‌ ترك الاحسان الى الاقربين ‌و‌ التعطف عليهم ‌و‌ الرفق بهم ‌و‌ الرعايه لاحوالهم.
 ‌و‌ برها وصلتها لها درجات متفاوتات بعضها فوق بعض، ‌و‌ ادناها الكلام ‌و‌ ترك المهاجره، ‌و‌ يختلف ذلك ايضا باختلاف القدره عليها ‌و‌ الحاجه اليها، فمن الصله ‌ما‌ يجب ‌و‌ منها ‌ما‌ يستحب. ‌و‌ ‌من‌ وصل بعض الصله ‌و‌ لم يبلغ اقصاها ‌و‌ ‌من‌ قصر عما ينبغى ‌او‌ قصر عما يقدر عليه، هل ‌هو‌ واصل ‌او‌ قاطع؟ فيه تامل ‌و‌ الاقرب عدم القطع، لصدق الصله ‌فى‌ الجمله.
 ‌و‌ الخذلان بالكسر: اسم ‌من‌ خذله- ‌من‌ باب قتل-: اذا ترك نصره ‌و‌ اعانته ‌و‌ تاخر عنه.
 ‌و‌ انما خص عليه السلام الاقربين هنا بالذكر، لان قربهم منه باعث لدواعى النصره له، فنصرتهم اياه اعظم ‌فى‌ ‌عز‌ جانبه ‌و‌ حفظه ‌و‌ حمايته ‌من‌ غيرهم، ‌و‌ خذلانهم له اشد ‌فى‌ تهضم جانبه.
 ‌و‌ لذلك قال اميرالمومنين عليه السلام: لن يرغب المرء عن عشيرته- ‌و‌ ‌ان‌ كان
 
ذا مال ‌و‌ ولد- ‌و‌ عن مودتهم ‌و‌ كرامتهم ‌و‌ دفاعهم بايديهم ‌و‌ السنتهم، ‌هم‌ اشد الناس حيطه ‌من‌ ورائه ‌و‌ اعطفهم عليه ‌و‌ المهم لشعثه، ‌ان‌ اصابته مصيبه ‌او‌ نزل ‌به‌ بعض مكاره الامور، ‌و‌ ‌من‌ يقبض يده عن عشيرته فانما يقبض عنهم يدا واحده ‌و‌ تقبض عنه منهم ايدى كثيره.
 ‌و‌ المدارين: جمع مدار، اسم فاعل ‌من‌ داراه يداريه مداراه، اى: لاطفه ‌و‌ لاينه ‌و‌ احتمل منه ‌كى‌ ‌لا‌ ينفر عنه.
 ‌و‌ قال الجوهرى: مداراه الناس تهمز ‌و‌ ‌لا‌ تهمز، يقال: داراته ‌و‌ داريته، ‌و‌ هى المداجاه ‌و‌ الملاينه.
 ‌و‌ قيل: المداراه: مجامله المعاشرين ‌و‌ المعاندين ‌و‌ المتشبهين بالاخوان، طمعا ‌فى‌ مودتهم ‌و‌ اتقاء ‌من‌ شرورهم.
 ‌و‌ بالجمله: فهى ‌لا‌ تكون الا مع عدم الصفاء ‌و‌ سقم الموده، ‌و‌ لذلك سال عليه السلام ابدال حب المتصفين بها بتصحيح المقه ‌و‌ هى المحبه، ‌و‌ الهاء فيها عوض ‌من‌ الواو، يقال: ومقه يمقه بالكسر فيهما ومقا ومقه: ‌اى‌ احبه فهو وامق.
 ‌و‌ على ذلك ‌ما‌ حكى عن ابى الطيب المتنبى انه سمع عند انصرافه ‌من‌ صلاه الجمعه اعمى خارجا ‌من‌ باب الجامع يقول: ‌و‌ اضيعه الادب، المتنبى يقول:
 ‌و‌ ‌من‌ نكد الدنيا على المرء ‌ان‌ يرى
 عدوا له ‌ما‌ ‌من‌ صداقته ‌بد‌
 فقال المتنبى لبعض اصحابه: سله عن ذلك، ‌و‌ ‌قل‌ له: كيف كان ينبغى ‌ان‌ يقول، فساله، فقال: كان ينبغى ‌ان‌ يقول: ‌ما‌ ‌من‌ مداراته ‌او‌ ‌من‌ مداجاته، لان الصداقه ‌لا‌ تكون الا مع الصفاء، ‌و‌ المداراه ‌و‌ المداجاه ‌لا‌ تكون الا مع العداوه.
 
قوله عليه السلام «و ‌من‌ ‌رد‌ الملابسين كرم العشره» الرد يكون اهانه ‌و‌ يكون اكراما، فان عدى بنفسه ‌او‌ ب«على» كان اهانه.
 يقال: ‌رد‌ الشى ء: اذا لم يقبله، ورد عليه: اذا خطاه.
 ‌و‌ ‌ان‌ عدى ب«الى» كان اكراما، ‌و‌ منه: «فرددناه الى امه»، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا: المعنى الاول.
 ‌و‌ الملابسين: جمع ملابس، ‌من‌ لابست فلانا اى: خالطته ‌و‌ عرفت باطنه.
 ‌و‌ العشره بالكسر: هى اسم ‌من‌ المعاشره ‌و‌ التعاشر، ‌و‌ هى المخالطه.
 ‌و‌ كرم العشره عباره عن حسنها ‌و‌ لطفها، فان العرب تستعمل الكرم ‌فى‌ كل شى ء حسن ممدوح.
 ‌و‌ المعنى: ابدلنى ‌من‌ عدم قبول المخالطين لى ‌او‌ ‌من‌ تخطئتهم لى حسن معاشرتهم، ‌او‌ ‌من‌ ردى لهم حسن معاشرتى اياهم.
 قوله عليه السلام: «و ‌من‌ مراره خوف الظالمين حلاوه الامنه» فيه استعاره مكنيه تخييليه، اضمر تشبيه الخوف بالشى ء المر بجامع الكراهه، ‌و‌ اثبت له المراره التى هى ‌من‌ لوازم المستعار منه تخييلا، ‌و‌ كذلك اضمر تشبيه الامنه بالشى ء الحلو بجامع اللذه، ‌و‌ اثبت له الحلاوه تخييلا.
 ‌و‌ الامنه بالتحريك: الامن، ‌و‌ ‌فى‌ روايه بالتسكين، ‌و‌ الاولى هى المشهوره ‌و‌ هى الموافقه للتنزيل، قال تعالى: «اذ يغشيكم النعاس امنه منه»، ‌و‌ قال تعالى: «امنه نعاسا».
 
تنبيهات
 
 الاول: اضافه مدخول «من» ‌فى‌ هذه الفقرات ماعدا الاخيره، تحتمل ‌ان‌ تكون ‌من‌ باب الاضافه الى الفاعل، ‌و‌ ‌ان‌ تكون ‌من‌ باب الاضافه الى المفعول. ‌و‌ قد يرجح الثانى بمناسبته لعنوان الدعاء ‌من‌ كونه لطلب مكارم الاخلاق، ليكون الغرض ‌من‌ الدعاء ابدال ماساء ‌من‌ اخلاقه بالحسن، على ‌ان‌ جعله ‌من‌ الاول ‌لا‌ ينافى عنوان الدعاء، اذا حمل الابدال على معنى طلب الاستعداد للتخلق بما يقتضى ابدال اهل الشنان ببغضهم له محبتهم اياه مثلا، وقس على ذلك سائر الفقرات، ‌او‌ حمل المبدل على كونه حاصلا منه لامنهم، فيكون ‌من‌ باب مقابله الاساءه بالاحسان ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ معالى الاخلاق.
 الثانى: كل ‌من‌ هذه الفقرات يحتمل اربعه معان، باعتبار احتمال كون مدخول «من» ‌فى‌ كل منها مضافا الى الفاعل ‌و‌ الى المفعول، ‌و‌ كون المبدل حاصلا اما منه ‌او‌ منهم. ‌و‌ تختص الفقره الاولى بزياده احتمال اربعه معان اخرى، لاحتمال كون المحبه ‌من‌ الله له ‌و‌ كونها منه لله تعالى، فتكون معانيها المحتمله ثمانيه حاصله ‌من‌ ضرب اثنين ‌فى‌ اربعه.
 الثالث: مدار هذا الفصل ‌من‌ الدعاء على طلب الالفه بينه ‌و‌ بين الناس ‌من‌ الاجانب ‌و‌ الاقارب، ‌و‌ هى ‌من‌ اعز المطالب شرعا ‌و‌ عرفا، لاقتضائها صلاح حال الدنيا ‌و‌ الاخره، لان الانسان مدنى بالطبع، فلا غناء له ‌فى‌ تعيشه ‌من‌ التمدن، ‌و‌ ‌هو‌ اجتماعه مع بنى نوعه، لافتقاره ‌فى‌ تحصيل ماربه الى معاونتهم ‌و‌ مشاركتهم، اذ ‌لا‌ يمكن الانسان الواحد القيام بجميع ‌ما‌ يحتاج اليه ‌من‌ الضروريات التى لابقاء له بدونها، ‌و‌ تلك المعاونه ‌و‌ المشاركه ‌لا‌ تتم الا بائتلاف ‌و‌ اجتماع ‌و‌ معاشره، ‌و‌ ‌لا‌ يستقيم ذلك الا بتحقق الروابط بينهم، ‌و‌ هى ‌لا‌ تتم الا بنفى الضغائن ‌و‌ الاحقاد ‌و‌ الحسد
 
و نحو ذلك، ‌و‌ ذلك مستلزم لتعاون الهمم ‌و‌ تصافى البواطن ‌و‌ الاجتماع على الالفه ‌و‌ المحبه ‌و‌ انس بعضهم، فتستقيم امورهم بتعاونهم ‌و‌ تتراح مضارهم بتناصرهم، فمن منح الالفه ‌من‌ الناس تم له نفعهم اياه، ‌و‌ عدم مضرتهم له، ‌و‌ ميل قلوبهم اليه، ‌و‌ انسهم به، ‌و‌ مدافعتهم عنه، ‌و‌ ‌فى‌ ذلك صلاح دنياه ‌و‌ آخرته، ‌و‌ لذلك حث الشارع على الالفه ‌و‌ الاتحاد.
 حتى قال العلماء: ‌ان‌ سلوك سبيل الله بسائر وجوه الاوامر ‌و‌ النواهى لايتم الا بها، ‌و‌ لذلك عظم الله تعالى المنه بايقاع الالفه بين اهل المله، فقال: «لو انفقت ‌ما‌ ‌فى‌ الارض جميعا ‌ما‌ الفت بين قلوبهم ‌و‌ لكن الله الف بينهم»، ‌و‌ ذلك انهم بالالفه يكونون بمنزله عبد واحد ‌فى‌ طاعه مولاه، ‌و‌ لاجلها شرع الله تعالى اجتماع الخلق على الصلاه ‌فى‌ المساجد ‌فى‌ كل يوم خمس مرات ‌و‌ ‌فى‌ كل اسبوع مره ‌فى‌ المسجد الاعظم، ‌و‌ ‌فى‌ كل سنه مرتين ‌فى‌ الاعياد، ‌و‌ ‌فى‌ العمر مره بمكه لاجتماع اهل البلدان النائيه، كل ذلك ليتاكد باجتماعهم الالفه ‌و‌ الاتحاد، ‌و‌ تقع بسببه المحبه ‌و‌ الوداد، ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى كثيره جدا.
 فمن ذلك ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند صحيح عن ابى عبدالله عليه السلام انه كان يقول لاصحابه: اتقوا الله ‌و‌ كونوا اخوه برره متحابين ‌فى‌ الله متواصلين متراحمين، تزاوروا ‌و‌ تلاقوا ‌و‌ تذاكروا امرنا ‌و‌ احيوه.
 ‌و‌ بسند صحيح عنه عليه السلام انه قال: يحق على المسلمين الاجتهاد ‌فى‌ التواصل ‌و‌ التعاون على التعاطف ‌و‌ المواساه لاهل الحاجه ‌و‌ تعاطف بعضهم على بعض، حتى تكونوا كما امركم الله ‌عز‌ ‌و‌ جل، «رحماء بينهم» متراحمين، مغتمين لما غاب عنكم ‌من‌ امرهم على ‌ما‌ مضى عليه معشر الانصار على عهد رسول الله
 
صلى الله عليه ‌و‌ آله.
 
اليد: منع الظلم، ‌و‌ القوه ‌و‌ القدره، ‌و‌ السلطان، ‌و‌ الغلبه. قيل: ‌و‌ منه قوله تعالى: «حتى يعطوا الجزيه عن يد» اى: عن قدره عليهم ‌و‌ غلبه.
 ‌و‌ اللسان هنا مجاز عن الحجه.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: فلان ينطق بلسان الله اى: بحجته ‌و‌ كلامه.
 ‌و‌ ظفر بعدوه ‌و‌ عليه ‌من‌ باب تعب-: غلبه.
 ‌و‌ عاند فلان عنادا: اذا ركب الخلاف ‌و‌ العصيان.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: رجل عنيد ‌و‌ معاند: يعرف الحق فياباه ‌و‌ يكون منه ‌فى‌ شق، ‌من‌ العند ‌و‌ ‌هو‌ الجانب.
 ‌و‌ المكر: الخديعه، مكر مكرا- ‌من‌ باب قتل- فهو ماكر، ‌و‌ مكر الله: جازى على المكر، ‌و‌ سمى الجزاء مكرا كما سمى جزاء السيئه سيئه على سبيل مقابله اللفظ باللفظ، ‌و‌ يسمى مشاكله، ‌و‌ على هذا المعنى يحمل المكر المطلوب هنا.
 ‌و‌ قال الراغب: المكر ‌و‌ الخديعه متقاربان، ‌و‌ هما اسمان لكل فعل يقصد فاعله ‌فى‌ باطنه خلاف ‌ما‌ يقتضيه ظاهره. ‌و‌ ذلك ضربان:
 احدهما: مذموم ‌و‌ ‌هو‌ الاشهر عند الناس، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ يقصد فاعله انزال مكروه
 
بالمخدوع. ‌و‌ اياه قصد النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله بقوله: المكر ‌و‌ الخديعه ‌فى‌ النار، ‌و‌ المعنى: يوديان بقاصدهما الى النار.
 ‌و‌ الثانى: عكس ذلك، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يقصد فاعلهما الى استجرار المخدوع ‌و‌ الممكور ‌به‌ الى مصلحه لهما، كما يفعل بالصبى اذا امتنع ‌من‌ فعل خير.
 قال بعض الحكماء: المكر ‌و‌ الخديعه محتاج اليهما ‌فى‌ هذا العالم، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ السفيه يميل الى الباطل، ‌و‌ ‌لا‌ يقبل الحق ‌و‌ ‌لا‌ يميل اليه لمنافاته لطبعه، فيحتاج ‌ان‌ يخدع عن باطله بزخارف مموهه خدعه الصبى عن الثدى عند الانفطام، ‌و‌ لهذا قيل: سفسط فان الدنيا سوفسطائيه، ‌و‌ ليس هذا حثا على الخبث بل ‌هو‌ حث على جذب الناس الى الخير بالاحتيال، ‌و‌ لكون المكر ضربين سيئا ‌و‌ حسنا قال الله تعالى: «و ‌لا‌ يحيق المكر السى ء الا باهله»، ‌و‌ قال: «افا ‌من‌ الذين مكروا السيئات»، فخص السى ء ‌من‌ المكر تنبيها على جواز المكر الحسن، ‌و‌ وصف نفسه بالمكر الحسن فقال: «و مكروا ‌و‌ مكر الله ‌و‌ الله خير الماكرين»، انتهى.
 ‌و‌ على هذا، فالمكر المطلوب ‌هو‌ المكر الحسن.
 ‌و‌ الكيد ‌و‌ المكر ‌فى‌ اللغه بمعنى واحد، يقال: كاده ‌و‌ كايده: اذا مكر ‌به‌ ‌و‌ خدعه.
 ‌و‌ قال الراغب: الكيد: اراده متضمنه لاستتار ‌ما‌ يراد عمن يراد به، لكن اكثر ‌ما‌ يستعمل ذلك ‌فى‌ الشر ‌و‌ متى قصد ‌به‌ ‌شر‌ فمذموم، ‌و‌ متى قصد ‌به‌ خير فممدوح، ‌و‌ على الوجه المحمود قال تعالى: «كذلك كدنا ليوسف»، انتهى.
 ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا الاول:
 
و الاضطهاد: افتعال ‌من‌ الضهد، ‌و‌ الطاء مبدله ‌من‌ التاء.
 يقال: ضهده ‌و‌ اضطهده: اذا قهره فهو مضهود ‌و‌ مضطهد.
 ‌و‌ قصبه قصبا- ‌من‌ باب قتل-: عابه ‌و‌ شتمه، ‌و‌ اصله ‌من‌ القصب بمعنى القطع.
 قال ‌فى‌ الاساس: قصبه عابه، ‌و‌ معناه قطعه باللوم.
 ‌و‌ توعده: تهدده، ‌و‌ الاسم منه الوعيد.
 فان قلت: ‌فى‌ هذا الفصل ‌من‌ الدعاء ‌ما‌ ينافى مكارم الاخلاق، فانه عليه السلام سال الاستعداد للقوه على الانتقام ممن اساء اليه، ‌و‌ حسن الخلق ‌و‌ كرمه يقتضى العفو ‌و‌ الاعراض بل مقابله الاساءه بالاحسان.
 كما روى ‌من‌ الخبر المشهور بين الخاص ‌و‌ العام: ‌ان‌ جبرئيل عليه السلام جاء الى النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله فقال: اتيتك ‌يا‌ محمد بمكارم الاخلاق اجمعها،چ قال: ‌و‌ ‌ما‌ تلك؟ قال: خذ العفو ‌و‌ امر بالعرف ‌و‌ اعرض عن الجاهلين، ‌يا‌ محمد هى ‌ان‌ تصل ‌من‌ قطعك، ‌و‌ تعطى ‌من‌ حرمك ‌و‌ تعفو عمن ظلمك. فاحسن صلى الله عليه ‌و‌ آله تقبله ‌و‌ تلقيه حتى نزل قوله تعالى ثناء عليه: «و انك لعلى خلق عظيم».
 ‌و‌ الاخبار ‌و‌ الاثار ‌فى‌ هذا المعنى اكثر ‌من‌ ‌ان‌ تحصر ‌و‌ اشهر ‌من‌ ‌ان‌ تذكر.
 قلت: ليس ‌فى‌ الدعاء ‌ما‌ ينافى الخبر، ‌و‌ بيان ذلك: ‌ان‌ ‌من‌ الظلم ‌و‌ الاساءه ‌ما‌ يحسن العفو عنه، ‌و‌ منه ‌ما‌ ‌لا‌ يحسن الا دفاعه.
 فالاول: ‌ما‌ ليس على الانسان ‌فى‌ تحمله ‌و‌ التغاضى عنه ذله ‌و‌ غضاضه ‌و‌ ‌لا‌ عاز ‌و‌ دناءه، فهذا مما يحسن العفو عنه ‌و‌ الحلم عليه، ‌و‌ ‌هو‌ الذى يقتضيه حسن الخلق ‌و‌ كرمه.
 ‌و‌ الثانى: ‌ما‌ ادى الى دنيه ‌و‌ عار، فهذا مما ‌لا‌ يحسن الا دفاعه ‌و‌ الكف عنه،چ ‌و‌ ‌هو‌
 
المسمى باباء الضيم، ‌و‌ انفه العار، ‌و‌ حمايه الحريم، ‌و‌ الاخذ بالثار، ‌و‌ عن هذا قال اميرالمومنين عليه السلام: ‌لا‌ خير فيمن ‌لا‌ يغضب اذا اغضب.
 ‌و‌ قال تعالى حاكيا عن نبيه لوط عليه السلام ‌فى‌ التاسف على عجزه عن دفاعه: «لو ‌ان‌ لى بكم قوه ‌او‌ آوى الى ركن شديد».
 ‌و‌ قالت الحكماء: ‌ان‌ القوه الغضبيه اذا تركبت مع العقل استقام امر الحمايه ‌و‌ الدفاع ‌و‌ الاخذ بالثار، ‌و‌ كان صاحبه عدلا ‌فى‌ اقتداره محمودا ‌فى‌ انتصاره. ‌و‌ الى هذا المعنى اشار الجعدى بقوله:
 ‌و‌ ‌لا‌ خير ‌فى‌ حلم اذا لم تكن له
 بوادر تحمى صفوه ‌ان‌ يكدرا
 ‌و‌ ‌لا‌ خير ‌فى‌ جهل اذ لم يكن له
 حليم اذا ‌ما‌ اورد الامر اصدرا
 ‌و‌ قال ابوالطيب:
 اذا قيل حلما قال للحلم موضع
 ‌و‌ حلم الفتى ‌فى‌ غير موضعه جهل
 ‌و‌ ‌من‌ هنا قالت العلماء: يجب التدبر ‌فى‌ امر الاساءه ‌و‌ الظلم، فان كان مما يسعه العفو ‌و‌ التجاوز كفى فيه العتاب، ‌و‌ العدل ‌و‌ العفو احسن ‌و‌ اولى ‌و‌ ‌هو‌ اقرب للتقوى، ‌و‌ ‌ان‌ لم تسمح السياسه بالتجافى ‌و‌ الصفح عنه وجبت العقوبه بقدر الذنب ‌لا‌ بقدر التشفى.
 اذا عرفت ذلك، فما ساله عليه السلام ‌من‌ اليد ‌و‌ اللسان ‌و‌ الظفر ‌و‌ الاقتدار، انما اراد ‌به‌ ‌ما‌ يقتضيه اباء الضيم ‌و‌ انفه العار، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ اعلى معالى الاخلاق ‌لا‌ مناف لها، ‌و‌ الله اعلم.
 
قوله عليه السلام: «و وفقنى لطاعه ‌من‌ سددنى ‌و‌ متابعه ‌من‌ ارشدنى» سدده تسديدا: قومه، ‌و‌ اراه للسداد، ‌و‌ ‌هو‌ الصواب ‌من‌ القول ‌و‌ العمل.
 ‌و‌ ارشده ارشادا: هداه الى ‌ما‌ فيه صلاحه عاجلا ‌و‌ آجلا.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذه الفقره تنبيه على وجوب انقياد المعلم للمعلم ‌و‌ ائتمار المستفيد للمفيد، فقد قيل: ‌من‌ ‌حق‌ المتعلم اذا وجد معلما ناصحا ‌ان‌ ياتمر له ‌و‌ ‌لا‌ يتامر عليه ‌و‌ يتابعه ‌و‌ ‌لا‌ يراجعه. ‌و‌ كفى تنبيها على ذلك ‌ما‌ حكى الله عن العبد الصالح انه قال لموسى عليه السلام حيث قال: «هل اتبعك على ‌ان‌ تعلمن مما علمت رشدا» فقال له: «لا تسئلنى عن شى ء حتى احدث لك منه ذكرا»، فنهاه عن مراجعته ‌فى‌ متابعته.
 فيجب على المتعلم تلقى ‌ما‌ يلقيه معلمه بالقبول، ‌و‌ يطيعه ‌و‌ يتبعه ‌فى‌ جميع ‌ما‌ يقول، كما ‌ان‌ ‌من‌ ‌حق‌ المريض ‌ان‌ يكل امره الى الطبيب الناصح الذى وقف على دائه، ‌و‌ يسمع له ‌و‌ يطيع فيما يامره ‌من‌ دوائه ‌و‌ غذائه، فان العلماء اساه الامراض الروحانيه، كما ‌ان‌ الاطباء اساه الامراض الجسمانيه.
 
قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: اللهم سددنى اى: وفقنى.
 ‌و‌ عارض الشى ء بالشى ء معارضه: قابله به.
 ‌و‌ غشه غشا- ‌من‌ باب قتل-: لم ينصحه ‌و‌ زين له غير المصلحه، ‌و‌ الاسم الغش بالكسر.
 
 
و نصحت لزيد انصح- ‌من‌ باب منع- نصحا بالضم، هذه اللغه الفصحى ‌و‌ عليها التنزيل، ‌و‌ ‌فى‌ لغه يعدى بنفسه، ‌و‌ الاسم النصيحه. ‌و‌ هى كلمه جامعه معناها اراده الخير للمنصوح له قولا ‌او‌ فعلا، ‌من‌ نصحت العسل: اذا صفيته ‌من‌ الشمع، شبهوا تخليص القول ‌او‌ الفعل ‌من‌ الغش بتخليص العسل ‌من‌ الشمع.
 ‌و‌ جزيته بفعله ‌و‌ على فعله: اذا فعلت معه ‌ما‌ يقابل فعله.
 ‌و‌ هجرته هجرا- ‌من‌ باب قتل-: تركته ‌و‌ رفضته فهو مهجور، ‌و‌ هجرت الانسان: قطعته، ‌و‌ هما يتهاجران ‌و‌ يهتجران: يتقاطعان. ‌و‌ البر بالكسر: الصله، ‌و‌ الخير، ‌و‌ الفضل، ‌و‌ ‌ضد‌ القطيعه ‌و‌ العقوق.
 ‌و‌ اثابه يثيبه: جازاه على صنيعه، ‌و‌ الاسم الثواب، ‌و‌ يكون ‌فى‌ الخير ‌و‌ الشر، ‌و‌ الاول اكثر.
 ‌و‌ حرمه معروفه- ‌من‌ باب ضرب- يتعدى الى مفعولين حرما ‌و‌ حرمانا بكسر هما: منعه اياه، ‌و‌ لم يذكر المفعول الثانى، لان القصد الاعلام بمجرد ايقاع الفعل، فالمعنى: ‌من‌ حصل منه الحرمان لى، فالمفعول غير منوى.
 ‌و‌ بذل بذلا- ‌من‌ باب قتل-: سمح ‌و‌ اعطى عن طيب نفس.
 ‌و‌ كافيته على صنيعه: جازيته: يهمز ‌و‌ ‌لا‌ يهمز.
 ‌و‌ القطع ‌و‌ القطيعه: ‌ضد‌ الوصل، ‌و‌ تقاطع القوم: تصارموا، ‌و‌ قطع رحمه: اذا ترك برها ‌و‌ لم يصلها.
 ‌و‌ وصل رحمه وصلا وصله: برها ‌و‌ تعطف عليها ‌و‌ احسن اليها، فكانه بالاحسان وصل ‌ما‌ بينه ‌و‌ بينهم ‌من‌ القرابه، ‌و‌ الهاء ‌من‌ الصله عوض عن الواو.
 ‌و‌ خالفت زيدا الى كذا: اذا قصدته ‌و‌ ‌هو‌ مول عنه، ‌و‌ خالفته عن كذا: اذا كان الامر على العكس.
 فمعنى «اخالف ‌من‌ اغتابنى الى حسن الذكر»: اقصد حسن الذكر بعد ‌ما‌ ولى
 
عنه ‌و‌ استبد ‌به‌ دونه، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و ‌ما‌ اريد ‌ان‌ اخالفكم الى ‌ما‌ انهاكم عنه».
 ‌و‌ اغتابه اغتيابا: اذا ذكره بما يكره ‌من‌ العيوب ‌و‌ ‌هو‌ حق، ‌و‌ الاسم الغيبه بالكسر، فان كان باطلا فهو البهت ‌و‌ البهتان، ‌و‌ سياتى الكلام عليها مستوفى عن قريب ‌فى‌ هذه الروضه ‌ان‌ شاء الله تعالى. ‌و‌ ذكر الشى ء بالكسر: اجراوه على اللسان.
 ‌و‌ قال الواحدى: معنى الذكر حضور المعنى ‌فى‌ النفس، ثم يكون تاره بالقلب ‌و‌ تاره بالقول، ‌و‌ ليس شرطه ‌ان‌ يكون بعد نسيان.
 ‌و‌ المراد بحسن الذكر: الثناء على الانسان ‌فى‌ غيبته، ‌و‌ وصفه بما يسره ‌من‌ تعديد محاسنه.
 ‌و‌ الحسنه: ‌من‌ الصفات الجاريه مجرى الاسماء، ‌و‌ هى كل ‌ما‌ يتعلق ‌به‌ المدح ‌فى‌ العاجل ‌و‌ الثواب ‌فى‌ الاجل، ‌و‌ ضدها السيئه.
 ‌و‌ اغضى الرجل عينه اغضاء: قارب بين جفنيها، ثم استعمل ‌فى‌ الحلم، فقيل: اغضى عن الذنب: اذا امسك عفوا عنه.
 ‌و‌ مدار هذا الفصل على طلب الاستعداد لمقابله الاساءه بالاحسان ‌و‌ ابدال الانتقام بالانعام ‌و‌ ‌هو‌ اشرف مكارم الاخلاق على الاطلاق.
 كما رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الصحيح عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌فى‌ خطبه: الا اخبركم بخير خلائق الدنيا ‌و‌ الاخره: العفو عمن ظلمك، ‌و‌ تصل ‌من‌ قطعك، ‌و‌ الاحسان الى ‌من‌ اساء اليك، ‌و‌ اعطاء ‌من‌ حرمك.
 
و روى ثقه الاسلام ايضا بسند صحيح عن ابى حمزه الثمالى عن على ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام قال: سمعته يقول: اذا كان يوم القيامه جمع الله تبارك ‌و‌ تعالى الاولين ‌و‌ الاخرين ‌فى‌ صعيد واحد، ثم ينادى مناد اين اهل الفضل؟ قال: فيقوم عنق ‌من‌ الناس، فتلقاهم الملائكه فيقولون: ‌و‌ ‌ما‌ كان فضلكم؟ فيقولون: كنا نصل ‌من‌ قطعنا ‌و‌ نعطى ‌من‌ حرمنا ‌و‌ نعفو عمن ظلمنا، فيقال لهم: صدقتم ادخلوا الجنه.
 ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى كثيره جدا.
 قال بعض العارفين: ‌و‌ قد نبه الله تعالى على التنفير ‌من‌ مقابله السيئه بمثلها بلطيف ‌من‌ المقال، فقال: «و جزاء سيئه سيئه مثلها»، فسمى مجازا المسى على اساءته، ‌و‌ قال: «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ‌ما‌ اعتدى عليكم»، فسمى المجازى على الاعتداء معتديا، تنبيها على انه قد كاد يكون اياه.
 
حليت المراه تحليه: البستها الحلى، ‌و‌ السيف: جعلت له حليه، ‌و‌ تعديته بالباء
 
لتضمينه معنى التزيين، ‌و‌ الحلى كظبى.
 ‌و‌ الحليه بالكسر: ‌ما‌ يزين ‌به‌ ‌من‌ مصوغ المعدنيات ‌او‌ الحجاره، ‌و‌ الحليه بالكسر: السيما ‌و‌ الصفه ايضا، تقول: عرفته بحليته اى: بسيماه ‌و‌ صفته.
 فان حملت الحليه على معنى الحلى فهى استعاره تصريحيه ‌و‌ التحليه ترشيح.
 ‌و‌ ‌ان‌ جعلت بمعنى السيما ‌و‌ الصفه فهى استعاره مكنيه، اضمر تشبيه صفات الصالحين ‌و‌ سيماهم ‌و‌ اخلاقهم الفاضله بالحلى الذى يتزين ‌به‌ بجامع الحسن ‌و‌ البهاء، فاثبت لها التحليه المختصه بالمشبه ‌به‌ تخييلا.
 ‌و‌ اما قوله عليه السلام:«و البسنى زينه المتقين» فهى استعاره تصريحيه مرشحه ‌لا‌ غير.
 ‌و‌ الصالحون: ‌هم‌ القائمون بما يلزمهم ‌من‌ حقوق الله تعالى ‌و‌ حقوق الناس.
 ‌و‌ المتقون: جمع متقى، اسم فاعل ‌من‌ باب الافتعال، ‌من‌ الوقايه ‌و‌ هى فرط الصيانه.
 ‌و‌ التقوى ‌فى‌ عرف الشرع: عباره عن كمال التوقى عما يضر ‌فى‌ الاخره.
 ‌و‌ قيل: هى اجتناب ‌ما‌ حرم الله ‌و‌ اداء ‌ما‌ فرض الله.
 ‌و‌ قيل: المتقى ‌من‌ يترك ‌ما‌ ‌لا‌ باس ‌به‌ حذرا ‌من‌ الوقوع فيما فيه باس، ‌و‌ قد تقدم الكلام على مراتب التقوى ‌فى‌ الروضه الرابعه، فليرجع اليه.
 ‌و‌ فى: للمصاحبه، اى: مع بسط العدل، نحو «ادخلوا ‌فى‌ امم» اى: معهم.
 ‌و‌ المعنى: حلنى بحليتهم ‌و‌ البسنى زينتهم مع توفيقى لبسط العدل.
 ‌و‌ بسط الثوب بسطا- ‌من‌ باب قتل-: نشره، ثم استعير للشمول بالعدل ‌و‌ بثه ‌فى‌ الخلق.
 
و لما كان العدل اصل كل خير، ‌و‌ عليه مدار كل امر، ‌و‌ ‌به‌ قامت السماوات ‌و‌ الارض، ‌و‌ ‌هو‌ ميزان الله القسط ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، قدمه ‌فى‌ الطلب على سائر المكارم المطلوبه، اهتماما بشانه ‌و‌ تنبيها على علو مكانه.
 ‌و‌ ‌هو‌ اما بالقوه فهيئه نفسانيه يطلب بها التوسط بين الافراط ‌و‌ التفريط.
 ‌و‌ اما بالفعل فالامر المتوسط بين طرفى الافراط ‌و‌ التفريط.
 فباعتبار الاول قيل: ‌هو‌ اصل الفضائل كلها، ‌من‌ حيث ‌ان‌ صاحبه يكتسب ‌به‌ جميع الفضائل.
 ‌و‌ باعتبار الثانى قيل: ‌هو‌ الفضائل كلها، ‌من‌ حيث انه ‌لا‌ يخرج شى ء ‌من‌ الفضائل عنه.
 ‌و‌ بيانه: ‌ان‌ الفضائل كلها ملكات متوسطه بين طرفى افراط ‌و‌ تفريط، فالمتوسط منها ‌هو‌ العدل، كالحكمه النظريه المتوسطه بين الجربزه ‌و‌ الغباوه، ‌و‌ العفه المتوسطه بين خمود الشهوه ‌و‌ الفجور، ‌و‌ الشجاعه المتوسط بين الجبن ‌و‌ التهور، ‌و‌ السخاء بين التبذير ‌و‌ البخل، ‌و‌ الحلم بين المهانه ‌و‌ البطش، ‌و‌ المتواضع بين الكبر ‌و‌ الذل، ‌و‌ الاقتصاد بين الاسراف ‌و‌ التقتير، ‌و‌ الانصاف بين الظلم ‌و‌ الانظلام، ‌و‌ قس على ذلك سائر الاخلاق الفاضله، فالاوساط بين هذه الاطراف المتضاده هى الفضائل، ‌و‌ لكل منها طرفا تفريط ‌و‌ افراط ‌و‌ هما مذمومان، ‌و‌ الخروج الى احدهما ‌هو‌ الجور الذى ‌هو‌ ‌ضد‌ العدل، ‌و‌ الاطراف المتضاده هى الرذائل، ‌و‌ ‌من‌ هنا قيل: خير الامور اوسطها.
 ثم هذا الحكم ‌فى‌ العدل جار ‌فى‌ باب العقائد ايضا، كالتوحيد المتوسط بين التعليل ‌و‌ الشرك، ‌و‌ التعويل على الامر بين الجبر ‌و‌ التفويض، ‌و‌ ‌فى‌ باب الاعمال، كاداء الواجبات ‌و‌ السنن المتوسط بين البطاله ‌و‌ الترهب.
 
و ‌فى‌ باب الاقوال، كالبلاغه المتوسطه بين العى ‌و‌ الهذر.
 فتبين انه لايخرج شى ء ‌من‌ الفضائل عنه قولا ‌و‌ عملا ‌و‌ اعتقادا.
 ‌و‌ لذلك قالوا: ‌هو‌ ميزان الله المتبرى ‌من‌ كل ذله، ‌و‌ صراطه المستقيم المودى بسالكه اليه، ‌و‌ ‌به‌ يستتب امر العالم، قال الله تعالى: «الذى انزل الكتاب بالحق ‌و‌ الميزان» ‌و‌ قال تعالى «و السماء رفعها ‌و‌ وضع الميزان»، عبر بالميزان عن العدل، لانه ‌من‌ اثره ‌و‌ ‌من‌ اظهر افعاله للحاسه، اذا كان العدل مراعاه الاستقامه على حاق الوسط ‌فى‌ طرفى الافراط ‌و‌ التفريط، اللذين هما ككفتى الميزان مهما رجحت احداهما فالنقصان لازم ‌و‌ الخسران قائم.
 ‌و‌ قال عليه السلام: بالعدل قامت السماوات ‌و‌ الارض، اذ لو كان شى ء ‌من‌ موجودات العالم ‌و‌ اصولها زائدا على الاخر افراطا، ‌او‌ ناقصا عنه تفريطا، لم يكن منتظما هذا النظام.
 ‌و‌ بيان ذلك: ‌ان‌ مقادير العناصر لو لم تكن متكافئه متعادله بحسب الكميه ‌و‌ الكيفيه، لاستولى الغالب على المغلوب، ‌و‌ انتقلت الطبائع كلها الى طبيعه الجرم الغالب، ‌و‌ لو كان بعد الشمس ‌من‌ الارض اقل مما ‌هو‌ الان لاحترق كل ‌ما‌ ‌فى‌ هذا العالم، ‌و‌ لو كان اكثر لاستولى البرد ‌و‌ الجمود، ‌و‌ كذا القول ‌فى‌ مقادير حركات الكواكب ‌و‌ مراتب سرعتها ‌و‌ بطئها، فان كلا منهما مقدر على ‌ما‌ يليق بنظام العالم ‌و‌ قوامه ‌و‌ قيامه، ‌و‌ لهذا المعنى وصف الله سبحانه بالعدل، اذ كان معنى عدله وضعه لكل موجود ‌فى‌ مرتبته، وهبته له ‌ما‌ يستحقه ‌من‌ غير زياده ‌و‌ نقصان مضبوطا بنظام الحكمه.
 
ثم الصراط المستقيم المودى بسالكه الى الله تعالى اما علم ‌او‌ عمل، فالعلم طريق القوه النظريه، ‌و‌ العمل طريق القوه العمليه، ‌و‌ كل منهما متوسط بين رذيلتين هما طرفا الافراط ‌و‌ التفريط، ‌و‌ الوسط منهما ‌هو‌ العدل، فهو الصراط المستقيم الذى ‌لا‌ ميل له الى احد الجانبين.
 ‌و‌ لذلك قال العسكرى عليه السلام: الصراط المستقيم ‌فى‌ الدنيا ‌هو‌ ‌ما‌ قصر عن الغلو ‌و‌ ارتفع عن التقصير فلم يعدل الى شى ء ‌من‌ الباطل، ‌و‌ ‌فى‌ الاخره ‌هو‌ طريق المومنين الى الجنه.
 فمن استقام على هذا الصراط مر على صراط الاخره مستويا ‌و‌ دخل الجنه آمنا.
 قالوا: ‌و‌ ‌من‌ فضيله العدل ‌ان‌ الجور الذى ‌هو‌ ضده ‌لا‌ يستتب الا به، فلو ‌ان‌ لصوصا تشارطوا فيما بينهم شرطا فلم يراعوا العداله لم ينتظم امرهم، ‌و‌ ‌من‌ فضله ‌ان‌ كل نفس تتلذذ بسماعه ‌و‌ تتالم ‌من‌ ضده، ‌و‌ لذلك يستحسن الجائر عدل غيره اذا رآه ‌او‌ سمع به، ‌و‌ لحسنه تتالم النفوس ‌من‌ كل ‌ما‌ كان مركبا ‌فى‌ العالم ليس له نظام مستقيم، ‌و‌ لذلك يكره العرج ‌و‌ العود ‌و‌ يتشام به.
 ‌و‌ الذين يجب على الانسان استعمال العدل معهم خمسه:
 الاول: رب العزه تعالى ‌و‌ تقدس، ‌و‌ ذلك بمعرفه توحيده ‌و‌ احكامه ‌و‌ القيام بها.
 الثانى: قوى النفس، ‌و‌ ذلك بان يجعل هواه مستسلما لعقله، فقد قيل: اعدل الناس ‌من‌ انصف عقله ‌من‌ هواه.
 الثالث: اسلافه الماضون ‌فى‌ انفاذ وصاياهم ‌و‌ الدعاء لهم.
 الرابع: معاملوه ‌و‌ احباوه ‌فى‌ اداء الحقوق، ‌و‌ الانصاف ‌فى‌ المعاملات ‌من‌ المبايعات ‌و‌ المقارضات ‌و‌ الكرامات.
 
الخامس: عامه الناس على سبيل الحكم، ‌و‌ ذلك اذا تولى الحكم بينهم، اما اذا كان الحكم بينه ‌و‌ بين غيره ‌و‌ كان الحق له فالفضل اشرف ‌من‌ العدل، ‌و‌ قد نص الله سبحانه على الامرين، فقال ‌فى‌ الحكم بين الناس:«ان الله يامركم ‌ان‌ تودوا الامانات الى اهلها ‌و‌ اذا حكمتم بين الناس ‌ان‌ تحكموا بالعدل»، ‌و‌ قال فيمن له الحق:«و ‌ان‌ تعفوا اقرب للتقوى ‌و‌ ‌لا‌ تنسوا الفضل بينكم».
 قوله عليه السلام:«و كظم الغيظ» كظم غيظه كظما- ‌من‌ باب ضرب-: اذا امسك على ‌ما‌ ‌فى‌ نفسه منه ‌و‌ لم يظهره ‌لا‌ بقول ‌و‌ ‌لا‌ بفعل، ‌و‌ اصله ‌من‌ كظم القربه: اذا ملاها ‌و‌ ‌شد‌ فاها، كانه كتم غيظه على امتلائه ورده ‌فى‌ جوفه ‌و‌ كفه عن الامضاء.
 ‌و‌ الفرق بين الغيظ ‌و‌ الغضب: ‌ان‌ الغضب ‌ضد‌ الرضا، ‌و‌ ‌هو‌ اراده العقاب المستحق لمقت الله بالمعاصى، ‌و‌ ليس كذلك الغيظ، لانه هيجان الطبع بتكره ‌ما‌ يكون ‌من‌ المكروه، ‌و‌ لذلك يقال: غضب الله على الكفار ‌و‌ ‌لا‌ يقال: اغتاظ منهم.
 ‌و‌ قيل: الغيظ: اشد الحنق، ‌و‌ ‌لا‌ يكون الا بوصول مكروه الى المغتاظ، ‌و‌ لذلك رسم كظم الغيظ بانه الامساك عن المبادره الى قضاء وطر الغضب فيمن يجنى عليه جنايه يصل مكروهها اليه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ معالى الاخلاق ‌و‌ مكارم الخصال، ‌و‌ لو لم يرد ‌فى‌ فضله الا نص قوله تعالى:«و الكاظمين الغيظ ‌و‌ العافين عن الناس ‌و‌ الله يحب المحسنين» لكفى، ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ الحث عليه ‌و‌ الارشاد اليه اكثر ‌من‌ ‌ان‌ تحصى.
 فمن ذلك ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام بسنده الى على ‌بن‌ الحسين- صاحب الدعاء- عليهماالسلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ احب السبيل الى الله
 
تعالى جرعتان، جرعه غيظ تردها بحلم، ‌و‌ جرعه مصيبه تردها بصبر.
 ‌و‌ عنه عليه السلام بسند صحيح انه قال: ‌ما‌ احب ‌ان‌ لى بذل نفسى حمر النعم، ‌و‌ ‌ما‌ تجرعت ‌من‌ جرعه احب الى ‌من‌ جرعه غيظ ‌لا‌ اكافى بها صاحبها.
 ‌و‌ عن ابى جعفر عليه السلام قال: ‌من‌ كظم غيظا ‌و‌ ‌هو‌ يقدر على امضائه حشا الله قلبه امنا ‌و‌ ايمانا يوم القيامه.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌من‌ كظم غيظا ‌و‌ لو شاء ‌ان‌ يمضيه امضاه، ملا الله قلبه يوم القيامه رضاه.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌ما‌ ‌من‌ جرعه يتجرعها العبد احب الى الله ‌من‌ جرعه غيظ يتجرعها عند ترددها ‌فى‌ قلبه، اما بصبر ‌او‌ بحلم.
 ‌و‌ اعجب قصه تذكر ‌فى‌ كظم الغيظ ‌و‌ اطفاء نائره الغضب قصه ذى الكفل، فان اليسع عليه السلام قال ذات يوم لقومه: انه قد وهن العظم ‌و‌ ضعف الجسم ‌و‌ تخاذلت القوى ‌و‌ تقاصرت الخطى ‌و‌ ارتفع السن ‌و‌ تقعقع الشن، وها انا واقف على ثنيه الوداع ‌من‌ الدنيا ‌و‌ متوجه عنها الى الدار الاخرى فلو استخلفت عليكم ‌من‌ ارتضى عمله، فحمدوا رايه ‌و‌ رضوا قوله، فجمع اصحابه ‌و‌ قال: ‌من‌ يكفل لى بان يظل نهاره صائما، ‌و‌ يبيت ليله قائما، ‌و‌ ‌لا‌ يغضب على الناس اذا الحوا عليه مخاصمين، ‌و‌ يكظم غيظه اذا اضجروه محاكمين، حتى اوليه عليهم؟ فقال اليه رجل ينبو عنه البصر ‌و‌ يغمض عن النظر، فقال: انا ذلك، ثم اعاد القول ثانيا ‌و‌ ثالثا فقام القائم اولا، فقال له: اتكفل لى بذلك؟ فكفل له، فكان يداب النهار ‌فى‌ الصيام
 
و الليل ‌فى‌ القيام، ‌و‌ يقضى بين الناس ‌من‌ مطلع الفلق الى مغرب الشفق، سوى ساعه يقيلها عند قائمه الهواجر ‌و‌ التهاب ‌و‌ قده الظهائر، فجاءه الشيطان ‌فى‌ صوره شيخ ضعيف ‌فى‌ وقت قائلته، ‌و‌ فاوضه ‌فى‌ ذكر ظلامته ‌و‌ اطال حتى فاتته القائله، فقام ذوالكفل ‌و‌ قال: انى متوضى لصلاتى ‌و‌ عائد الى مجلسى فاحضر خصمك لاعديك عليه ‌و‌ آخذ بحقك منه، فلم يره يومه فبات ‌و‌ اجما له ليله، ‌و‌ اصبح ‌من‌ غده قاضيا بين الناس حتى انتصف النهار ‌و‌ بلغت الشمس كبد السماء، فعاد الى منزله ليجم باستراحه اعيائه ‌و‌ يريح بغفوه اعضائه، اذ دق عليه الشيطان الباب ‌فى‌ يومه ‌و‌ ايقظه ‌من‌ غرار نومه، فقال: اين كنت بالامس ‌و‌ ‌ما‌ اخرك عن محضر الناس؟ فقال: ‌ان‌ قومى اخبث قوم، قالوا: نعطيك حقك اليوم ثم اعتلوا على ‌و‌ مطلونى ولووا دينى ‌و‌ جحدونى فطول القول حتى فاتته القائله، فقام ‌و‌ تطهر ‌و‌ جلس للناس ينتظر الشيخ فلم يحضر، ‌و‌ انصرف ‌من‌ غده الى منزله ليقيل عل رسمه، ‌و‌ قال لبوابه: لم تلتق اجفانى منذ ثلاثه ايام ‌و‌ لابد للتعب المكدود ‌من‌ جمام، فلا تاذن لاحد على ‌و‌ ‌لا‌ تدعه يدخل الى، ريثما اقيل ساعه ‌و‌ اجد مما عرانى استراحه، فجاء الشيطان فحجبه البواب فلم يمتنع، ‌و‌ دخل الدار فايقظه، فحين ‌هم‌ ‌ان‌ يستخفه الغيظ ثبته الله ‌و‌ عصمه فصبر عليه كاظما، ‌و‌ نكص الشيطان على عقبيه رغما، فذلك قوله ‌عز‌ ‌و‌ جل:«و اذكر اسماعيل ‌و‌ اليسع ‌و‌ ذا الكفل ‌و‌ كل ‌من‌ الاخيار»، ‌و‌ قوله تعالى:«و اسماعيل ‌و‌ ادريس ‌و‌ ذا الكفل كل ‌من‌ الصابرين».
 قوله عليه السلام:«و اطفاء النائره» طفئت النار تطفا بالهمز- ‌من‌ باب تعب- طفوا على وزن فعول: خمدت، ‌و‌ اطفاتها اطفاء، ‌و‌ منه: اطفات الفتنه: اذا سكنتها
 
على الاستعاره، ‌و‌ نارت الفتنه تنور: اذا وقعت ‌و‌ انتشرت فهى نائره، وسعيت ‌فى‌ اطفاء النائره اى: ‌فى‌ تسكين الفتنه.
 ‌و‌ النائره ايضا: العداوه ‌و‌ الشحناء، ‌و‌ هى مشتقه ‌من‌ النار.
 يقال: بينهم نائره اى: عداوه ‌و‌ بغضاء.
 قوله عليه السلام:«و ضم اهل الفرقه» ضممته ضما فانضم: جمعته جمعا فانجمع.
 ‌و‌ الفرقه بالضم: اسم ‌من‌ افترق القوم اذا انفصل بعضهم عن بعض بالابدان، ‌و‌ قد تستعمل ‌فى‌ تفرق القلوب ‌و‌ انحراف بعضها عن بعض مجازا، ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا.
 فضم اهل الفرقه عباره عن التاليف بين ارباب القلوب المتنافره، ‌و‌ ايقاع المحبه بين الانفس المتباغضه، لينعقد حبل الفتهم التى هى ‌من‌ اعظم الاسباب ‌فى‌ استعدادهم لسعادتى الدنيا ‌و‌ الاخره، ‌و‌ لذلك عظم الله تعالى المنه بايقاع التاليف بين اهل المله، فقال:«لو انفقت ‌ما‌ ‌فى‌ الارض جميعا ‌ما‌ الفت بين قلوبهم ‌و‌ لكن الله الف بينهم».
 قوله عليه السلام:«و اصلاح ذات البين» قال الفيومى ‌فى‌ المصباح: البين بالفتح ‌من‌ الاضداد، يطلق على الوصل ‌و‌ على الفرقه، ‌و‌ منه: ذات البين للعداوه ‌و‌ البغضاء، ‌و‌ قولهم: لاصلاح ذات المبين اى: لاصلاح الفساد بين القوم، ‌و‌ المراد: اسكان النائره، انتهى.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ قوله تعالى:«و اصلحوا ذات بينكم» اى: احوال بينكم، يعنى ‌ما‌ بينكم ‌من‌ الاحوال، حتى تكون احوال الفه ‌و‌ محبه ‌و‌ اتفاق، كقوله تعالى: «بذات الصدور» ‌و‌ هى مضمراتها، لما كانت الاحوال ملابسه للبين قيل لها:
 
ذات البين، كقولهم: اسقنى ذا انائك، يريدون ‌ما‌ ‌فى‌ الاناء ‌من‌ الشراب، انتهى.
 ‌و‌ قال الزجاج: البين هنا بمعنى الوصل، اى: اصلحوا حقيقه وصلكم، كقوله تعالى:«لقد تقطع بينكم» ‌فى‌ قراءه الرفع، اى: وصلكم، ‌و‌ المراد: كونوا مجتمعين على ‌ما‌ امرالله ‌و‌ رسوله، ‌و‌ كذلك معنى اللهم اصلح ذات البين، اى: اصلح الحال التى يجتمع بها المسلمون، انتهى.
 ف«ذات» على التفسير الاول بمعنى صاحبه، ‌و‌ على هذا التفسير بمعنى حقيقه الشى ء ‌و‌ نفسه.
 ‌و‌ البين بالمعنى الاول ظرف، ‌و‌ بهذا المعنى اسم مرادف للوصل.
 ‌و‌ قول صاحب القاموس: ذات بينكم اى: حقيقه وصلكم، ‌او‌ ذات البين: الحال التى يجتمع بها المسلمون، ‌لا‌ وجه فيه للترديد المشعر بالمغايره، لان المعنى الثانى تفسير للاول، اذ الحال التى يجتمع بها المسلمون هى حقيقه الوصل، كما ‌هو‌ صريح تفسير الزجاج القائل بان معنى ذات البين حقيقه الوصل، فتامل.
 ‌و‌ ظهر ‌من‌ نقل هذه الاقوال ‌ان‌ قوله عليه السلام:«و اصلاح ذات البين» يحتمل ثلاثه معان:
 احدها: اصلاح الفرقه، على ‌ان‌ البين بمعنى الفرقه، ‌و‌ المراد بالفرقه: الخصومه ‌و‌ المنازعه ‌و‌ العداوه ‌و‌ البغضاء.
 ‌و‌ ذات: اما بمعنى صاحبه، اى: الحاله المقتضيه لبينهم، ‌او‌ بمعنى الحقيقه
 
و النفس، اى: الحاله التى تقع بها الفرقه.
 الثانى: اصلاح ‌ما‌ بين الناس ‌من‌ الاحوال حتى تكون احوال الفه ‌و‌ محبه، على ‌ان‌ البين ظرف، كما ذكره صاحب الكشاف.
 الثالث: اصلاح الوصل كما قاله الزجاج، فكيون الاصلاح بمعنى السعى ‌فى‌ كونهم على ‌ما‌ ‌هم‌ عليه ‌من‌ الالفه.
 ‌و‌ خير هذه الاحتمالات اوسطها، ‌و‌ ‌هو‌ الذى عليه جمهور المفسرين ‌فى‌ معنى الايه. ‌و‌ اصلاح ذات البين ‌من‌ اشرف معالى الاخلاق، ‌و‌ قد نص الله تعالى عليه بقوله تعالى:«فاتقوا الله ‌و‌ اصلحوا ذات بينكم ‌و‌ اطيعوا الله ‌و‌ رسوله ‌ان‌ كنتم مومنين».
 قال بعض المفسرين: توسيط الامر باصلاح ذات البين بين الامر بالتقوى ‌و‌ الامر بالطاعه، لاظهار كمال العنايه بالاصلاح.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث عنه صلى الله عليه ‌و‌ آله انه قال: اصلاح ذات البين افضل ‌من‌ عامه الصلاه ‌و‌ الصيام.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: صدقه يحبها الله اصلاح بين الناس اذا تفاسدوا، ‌و‌ تقارب بينهم اذا تباعدوا.
 ‌و‌ عنه عليه السلام ‌فى‌ قوله تعالى:«و ‌لا‌ تجعلوا الله عرضه لايمانكم ‌ان‌ تبروا ‌و‌ تتقوا ‌و‌ تصلحوا بين الناس» قال: اذا دعيت لصلح بين اثنين فلا تقل على يمين الا افعل.
 
قوله عليه السلام:«و افشاء العارفه ‌و‌ ستر العائبه» فشا الامر فشو ‌و‌ فشوا: ظهر ‌و‌ انتشر، ‌و‌ افشيته افشاء: اظهرته ‌و‌ نشرته.
 ‌و‌ العارفه: المعروف، ‌و‌ ‌هو‌ الخير ‌و‌ الاحسان ‌و‌ الجميل ‌و‌ كل ‌ما‌ يحسن ‌فى‌ العقل ‌و‌ الشرع.
 ‌و‌ العائبه: فاعله ‌من‌ عاب الشى ء- لازما- اى: صار ذاعيب، اى: الخصله ذات العيب.
 ‌و‌ المراد: نشر محاسن المومنين ‌و‌ ستر معايبهم.
 ‌و‌ قد يقال: ستر العائبه انما يحسن اذا وقعت ‌من‌ ذوى الهيئات الحسنه ‌و‌ ممن لم يعرف باذى ‌و‌ لافساد ‌فى‌ الارض، ‌و‌ اما المولعون بذلك الذين ستروا غير مره فلم يكفوا، فلا يبعد القول بكشف عيبهم، لان الستر عليهم ‌من‌ المعاونه على المعاصى.
 ‌و‌ ستر عيب ‌من‌ يندب الى ستره انما ‌هو‌ ‌فى‌ معصيه مضت، ‌و‌ اما معصيه ‌هو‌ متلبس بها، فلا يبعد القول بوجوب المبادره الى انكارها ‌و‌ المنع منها لمن قدر عليه، فان لم يقدر رفع الى اولى الامر ‌ما‌ لم يود الى مفسده اشد.
 ‌و‌ اما جرح الشاهد ‌و‌ الرواه ‌و‌ الامناء على الاوقاف ‌و‌ الصدقات ‌و‌ اموال الايتام فيجب الجرح عند الحاجه اليه، لانه يترتب عليه احكام شرعيه. ‌و‌ لو رفع الى الامام ‌ما‌ يندب السر فيه لم ياثم، اذا كانت نيته رفع معصيه الله تعالى ‌لا‌ كشف ستره، ‌و‌ جرح الشاهد انما ‌هو‌ عند طلب ذلك منه، ‌او‌ يرى حاكما يحكم بشهادته ‌و‌ قد علم منه ‌ما‌ يبطلها، فلا يبعد القول برفعه، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام:«و لين العريكه ‌و‌ خفض الجناح» العريكه: الطبيعه، يقال: فلان لين العريكه: اذا كان سلسا مطاوعا منقادا قليل الخلاف ‌و‌ النفور، ‌و‌ ‌فى‌ صفته
 
صلى الله عليه ‌و‌ آله: اصدق الناس لهجه ‌و‌ الينهم عريكه.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس فلان لين العريكه: اذا كان سلسا، ‌و‌ اصله ‌فى‌ البعير، ‌و‌ العريكه: السنام، انتهى.
 ‌و‌ على هذا فهو استعاره، كخفض الجناح المستعار للتواضع، ‌و‌ الاظهر ‌و‌ الابلغ انهما استعارتان تمثيليتان على تشبيه الحاله بالحاله، ‌من‌ غير اعتبار استعاره ‌فى‌ المفردات، فيكون لين العريكه تمثيلا لسلاسه الطبيعه ‌و‌ انقيادها بلين سنام البعير، ‌و‌ خفض الجناح تمثيلا للتواضع ‌و‌ الانه الجانب بخفض جناح الطائر، فالعريكه ‌و‌ الجناح مستعملان ‌فى‌ معناهما، ‌و‌ المشبه احدى الحالين بالاخرى.
 ‌و‌ يجوز ‌ان‌ تكون لين العريكه للطبيعه، ‌و‌ اللين استعاره لسلاستها ‌و‌ انقيادها، ‌او‌ ترشيحا لاستعاره العريكه، ‌و‌ كذلك الجناح استعاره للجانب، ‌و‌ الخفض استعاره لالانته ‌و‌ اذلاله، ‌او‌ ترشيحا لاستعاره الجناح بما يناسبه، فتكون الاستعاره ‌فى‌ المفردات.
 ‌و‌ الاول ‌هو‌ مختار صابح الكشاف حيث قال: الطائر اذا اراد ‌ان‌ ينحط للوقوع كسر جناحه ‌و‌ خفضه، ‌و‌ اذا اراد ‌ان‌ ينهض للطيران رفع جناحه، فجعل خفض جناحه مثلا ‌فى‌ التواضع ‌و‌ لين الجانب، انتهى.
 ‌و‌ ذكر القفال ‌فى‌ معنى خفض الجناح وجهين: احدهما: ‌ما‌ ذكره صاحب الكشاف ‌و‌ ‌هو‌ المشهور.
 ‌و‌ الثانى: ‌ان‌ الطائر اذا اراد ضم فرخه اليه للتربيه خفض له جناحيه، فلهذا صار خفض الجناح كنايه عن حسن التدبير، انتهى.
 
قوله عليه السلام:«و حسن السيره ‌و‌ سكون الريح ‌و‌ طيب المخالفه» السيره بالكسر: الطريقه، ‌و‌ هى ‌من‌ سار يسير.
 يقال: سار الوالى ‌فى‌ الرعيه سيره حسنه ‌او‌ قبيحه.
 ‌و‌ سكون الريح: كنايه عن الوقار.
 قال الزمشخرى ‌فى‌ الاساس: رجل ساكن الريح اى: وقور، انتهى.
 لما كانت الريح معروفه بسرعه الحركه ‌و‌ الخفه، كان سكونها كنايه عن الوقار الذى ‌هو‌ الرزانه، فاستعير لفظ الريح للطيش ‌و‌ العجله بجامع سرعه الحركه. ‌و‌ الابلغ ‌ان‌ يكون ذلك تمثيلا كما تقدم ‌فى‌ لين العريكه ‌و‌ خفض الجناح.
 ‌و‌ كثيرا ‌ما‌ يستعمل سكون الريح ‌فى‌ الذم، مرادا بالريح الدوله ‌و‌ الغلبه ‌و‌ النصره، ‌و‌ منه قوله تعالى:«و تذهب ريحكم» اى: دولتكم ‌و‌ صولتكم، استعيرت الريح للدوله ‌من‌ حيث انها ‌فى‌ تمشى امرها ‌و‌ نفاذه مشبهه لها ‌فى‌ هبوبها ‌و‌ جريانها، تقول العرب: هبت ريح فلان: اذا دالت له الدوله ‌و‌ نفذ امره، ‌و‌ سكنت ريحه: اذا ادبر امره، ‌و‌ عليه قول الشاعر:
 اذ اهبت رياحك فاغتنمها
 فعقبى كل خافقه سكون
 ‌و‌ ‌لا‌ تبخل اذا ايسرت يوما
 فما تدرى السكون متى يكون
 ‌و‌ المخالقه: مفاعله ‌من‌ الخلق بالضم.
 يقال: خالقهم اى: عاشرهم بخلق حسن، ‌و‌ منه: خالص المومن ‌و‌ خالق الفاجر، ‌و‌ خالق الناس ‌و‌ ‌لا‌ تخالفهم، ‌و‌ ‌فى‌ المثل: خالق الفاجر ‌و‌ رافقه ‌فى‌ السفر.
 قوله عليه السلام:«و السبق الى الفضيله» سبق سبقا- ‌من‌ باب ضرب-: تقدم ‌و‌ خلف غيره.
 
قال الفيومى: ‌و‌ قد يكون للسابق لاحق كالسابق ‌من‌ الخيل، ‌و‌ قد ‌لا‌ يكون كمن احرز قصبه السبق فهو سابق اليها ‌و‌ منفرد بها ‌و‌ ‌لا‌ يكون له ‌لا‌ حق، انتهى.
 ‌و‌ الفضيله ‌و‌ الفضل: الخير، ‌و‌ هما خلاف النقيصه ‌و‌ النقص.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ القاموس: الفضيله: الدرجه الرفيعه ‌فى‌ الفضل.
 انما سال عليه السلام السبق الى الفضيله لفضيله السبق، قال تعالى: «و السابقون السابقون اولئك المقربون» اى: السابقون ‌هم‌ الذين اشتهرت احوالهم ‌و‌ عرفت محاسنهم كقول ابى النجم:
 انا ابوالنجم ‌و‌ شعرى شعرى
 كانه قال: ‌و‌ شعرى ‌ما‌ انتهى اليك ‌و‌ سمعت بفصاحته، ‌و‌ فيه ‌من‌ تفخيم شانهم ‌و‌ الايذان بشيوع فضلهم ‌و‌ استغنائهم عن الوصف بالجميل ‌ما‌ ‌لا‌ يخفى ‌و‌ ‌من‌ هنا يظهر ‌ان‌ جعل السابقين تاكيدا ‌و‌ اولئك المقربون خيرا، ليس بذلك.
 ‌و‌ السابقون قيل: ‌هم‌ الذين سبقوا الى الايمان ‌و‌ الطاعه عند ظهور الحق ‌من‌ غير تلعثم ‌و‌ توان.
 ‌و‌ قيل: ‌هم‌ الذين سبقوا ‌فى‌ حيازه الفضائل ‌و‌ الكمالات. ‌و‌ قيل: المسارعون ‌فى‌ الخيرات. ‌و‌ ايا ‌ما‌ كان فهو مندرج تحت السبق الى الفضيله اذا كانت الالف ‌و‌ اللام فيها لاستغراق افراد الجنس، اى: كل فضيله. ‌و‌ انما كان السابق الى الخير افضل، لانه يقتدى ‌به‌ ‌فى‌ الخير كمن سن سنه حسنه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌من‌ سن سنه حسنه فله اجرها ‌و‌ اجر ‌من‌ عمل بها الى يوم القيامه
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^