فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 20- 3

قوله عليه السلام:«و ايثار التفضل» الايثار: الاختيار ‌و‌ التفضيل.


 يقال: اثرت ذلك اى: اخترته ‌و‌ فضلته.
 ‌و‌ التفضل: فعل ‌ما‌ ‌لا‌ يلزم ‌من‌ الاحسان، ‌و‌ يعبر عنه بالتطول، ‌و‌ ليس ‌هو‌ مطلق الاحسان، بل الاحسان قد يكون جزاء كقوله تعالى:«هل جزاء الاحسان الا الاحسان» ‌و‌ قد يكون تفضلا ‌و‌ ذلك اذا كان ابتداء ‌من‌ غير عله، كما قال:
 ‌و‌ ‌ما‌ ذاك الا بسطه عن تفضل
 عليهم ‌و‌ كان الافضل المتفصل
 قوله عليه السلام:«و ترك التعيير» ‌هو‌ تفعيل ‌من‌ العار، ‌و‌ ‌هو‌ كل شى ء يلزم منه عيب.
 يقال: عيرته كذا ‌و‌ عيرته به: اذا نسبته الى العار فيه، يتعدى بنفسه ‌و‌ بالباء، قال المرزوقى ‌فى‌ شرح الحماسه: ‌و‌ المختار ‌ان‌ يتعدى بنفسه.
 ‌و‌ انكر صاحب القاموس تعديته بالباء، قال: عيره الامر، ‌و‌ ‌لا‌ تقل: بالامر.
 ‌و‌ تبعه بعض اكابر الساده ‌فى‌ تعليقته على الصحيفه الشريفه، فقال: ‌و‌ العامه تقول: عيره بكذا، ‌و‌ ‌هو‌ خطا.
 ‌و‌ انكارهما ليس بشى ء، فقد ورد ‌فى‌ الحديث الصحيح تعديته بالباء.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند صحيح عن ابى عبدالله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ عير مومنا بذنب لم يمت حتى يركبه.
 ‌و‌ فيه شاهد على ذم التعيير المسوول تركه ‌فى‌ الدعاء.
 قال العلماء: ‌لا‌ ينبغى تعيير مومن بشى ء ‌و‌ لو كان معصيه سيما على رووس الخلائق، ‌و‌ ‌لا‌ ينافى وجوب الامر بالمعروف ‌و‌ النهى عن المنكر، لان المطلوب منهما ‌ان‌
 
يكونا على سبيل النصح، الا اذا علم انه ‌لا‌ ينفعه فينبغى التشديد عليه على النحو المقرر.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه:«و ترك التقتير» ‌من‌ قتر ‌فى‌ الانفاق تقتيرا، ‌و‌ اقتر اقتارا، ‌و‌ قتر قترا ‌و‌ قتورا- ‌من‌ باب ضرب ‌و‌ قعد-: اذا ضيق ‌و‌ قلل. ‌و‌ ‌هو‌ ‌ضد‌ الاسراف، قال تعالى:«و الذين اذا انفقوا لم يسرفوا ‌و‌ لم يقتروا ‌و‌ كان بين ذلك قواما»
 قوله عليه السلام:«و الافضال على غير المستحق» عطف على التعيير، ‌اى‌ ‌و‌ ترك الافضال على غير المستحق.
 يقال: افضل عليه افضالا ‌و‌ تفضل: اذا تطول ‌و‌ احسن ابتداء.
 ‌و‌ استحق فلان الامر: استوجبه فهو مستحق، ‌و‌ الامر مستحق بالفتح: اسم مفعول.
 ‌و‌ المراد بغير المستحق هنا: ‌من‌ ‌لا‌ يستوجب الافضال عليه ‌و‌ لم يكن اهلا له.
 ‌و‌ انما سال عليه السلام ترك الافضال عليه، لانه ‌من‌ الخلق المذموم، اذا كان اسرافا ‌و‌ تبذيرا ‌و‌ وضعا للمعروف ‌فى‌ غير اهله ‌و‌ محله، ‌و‌ قد تطابق على ذم ذلك العقل ‌و‌ النقل.
 اما العقل، فلانه وضع الشى ء ‌فى‌ غير موضعه ‌و‌ ‌هو‌ خروج عن العقل، ‌و‌ اما النقل، فاحسن ‌ما‌ يوثر ‌فى‌ ذلك ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى عن اميرالمومنين عليه السلام انه قال ‌من‌ جمله كلام خاطب ‌به‌ رهطا ‌من‌ الشيعه: ‌من‌ كان له مال فاياكم ‌و‌ الفساد، فان اعطاءه ‌فى‌ غير حقه تبذير ‌و‌ اسراف، ‌و‌ ‌هو‌ يرفع ذكر صاحبه ‌فى‌ الناس ‌و‌ يضعه عندالله، ‌و‌ لم يضع امرى ماله ‌فى‌ غير حقه ‌و‌ عند غير اهله، الا حرمه الله شكرهم ‌و‌ كان لغيره ودهم، فان بقى معه منهم بقيه ممن يظهر الشكر له ‌و‌ يريه
 
 
النصح فانما ذلك منه ملق ‌و‌ كذب، فان زلت بصاحبهم النعل ثم احتاج الى معونتهم ‌و‌ مكافاتهم فالام خليل ‌و‌ ‌شر‌ خدين، ‌و‌ لم يضع امرى ماله ‌فى‌ غير حقه ‌و‌ عند غير اهله، لم يكن له ‌من‌ الحظ فيما اتى الا محمده اللئام ‌و‌ ثناء الاشرار مادام عليه منعما مفضلا ‌و‌ مقاله الجاهل ‌ما‌ اجوده، ‌و‌ ‌هو‌ عندالله بخيل، فاى حظ ابور ‌و‌ اخس ‌من‌ هذا الحظ؟ ‌و‌ ‌اى‌ فائده معروف اقل ‌من‌ هذا المعروف؟ فمن كان منكم له مال فليصل ‌به‌ القرابه، ‌و‌ ليحسن ‌به‌ الضيافه، ‌و‌ ليفك ‌به‌ العانى ‌و‌ الاسير ‌و‌ ابن السبيل، فان الفوز بهذه الخصال مكارم الدنيا ‌و‌ الاخره.
 ‌و‌ ‌فى‌ الصحيح عن ابى عبدالله عليه السلام: اذا اردت ‌ان‌ تعلم اشقى الرجل ‌ام‌ سعيد، فانظر سيبه ‌و‌ معروفه الى ‌من‌ يصنعه، فان كان يصنعه الى ‌من‌ ‌هو‌ اهله فاعلم انه الى خير، ‌و‌ ‌ان‌ كان يصنعه الى غير اهله فاعلم انه ليس له عندالله خير.
 ‌و‌ ‌من‌ كلام الحكماء: آفه الجود الخطاء بالمواضع.
 ‌و‌ ‌ما‌ احسن قول القائل ‌فى‌ هذا المعنى:
 لقد ظلم المعروف مانع اصله
 ‌و‌ اظلم منه مخطى لمواضعه
 ‌و‌ ‌من‌ سفه ‌ان‌ الفتى يبذل الندى
 ‌و‌ يجهل ‌فى‌ اقوام اصل صنائعه
 ‌و‌ قال آخر:
 وسائل لى عن عثمان قلت له
 ‌هو‌ الجواد ‌و‌ لكن فاسق الجود
 غيث الزناه اذا حلوا بساحته
 ‌و‌ آفه المال بين الزق ‌و‌ العود
 قوله عليه السلام:«و القول بالحق ‌و‌ ‌ان‌ عز» القول: الكلام، ‌و‌ المراد بالحق هنا:
 
خلاف الباطل، ‌و‌ ‌هو‌ الحكم المطابق للواقع.
 ‌و‌ الباء: للملابسه، اى: ملتبسا بالحق، ‌او‌ للتعديه بتضمين القول معنى التكلم، فيجوز ‌ان‌ يراد بالحق: القول الواقع بحسب ‌ما‌ يجب ‌و‌ ‌فى‌ وقت يجب.
 ‌و‌ عز: اما ماضى يعز بفتح العين بمعنى شق ‌و‌ اشتد، يقال: ‌عز‌ على ‌ما‌ اصابك اى: شق ‌و‌ اشتد، ‌و‌ اما ماضى يعز بكسر العين بمعنى ‌قل‌ حتى ‌لا‌ يكاد يوجد.
 ‌و‌ الضمير فيه بالمعنيين اما راجع الى القول ‌او‌ الى الحق، ‌و‌ المشقه على المعنى الاول اما بالنسبه الى المقول له ‌و‌ ‌هو‌ الاظهر، ‌و‌ اما بالنسبه الى القائل باعتبار خوف نفار القلوب عنه ‌و‌ احتمال الاذيه له.
 ‌و‌ المعنى على الثانى: ‌و‌ ‌ان‌ كان الحق ‌او‌ القول ‌به‌ قليلا لكثره الباطل ‌و‌ اهله .
 ‌و‌ ‌من‌ كلام اميرالمومنين عليه السلام: ‌حق‌ ‌و‌ باطل ‌و‌ لكل اهل، فلئن امر الباطل فقديما فعل، ‌و‌ لئن ‌قل‌ الحق فربما ‌و‌ لعل، ‌و‌ لقلما ادبر شى ء فاقبل.
 يقال: امر الشى ء- ‌من‌ باب علم- امرا ‌و‌ امره بالفتح: ‌اى‌ كثر.
 ‌و‌ قوله:«فربما ‌و‌ لعل» وعد بكثره الحق مع تشكيك فيه ‌و‌ تمن له، ‌و‌ تمام الكلام استبعاد لرجوع الحق الى الكثره بعد قلته على وجه كلى.
 ‌و‌ «ان» ‌من‌ قوله:«و ‌ان‌ عز»: هى المسماه بالوصليه، ‌و‌ قد سلف الكلام عليها غير مره.
 قوله عليه السلام:«و استقلال الخير» الى آخره، استقل الشى ء: عده قليلا، ‌و‌ ‌هو‌ سئوال للتوفيق للاعتراف بالتقصير فيما اتاه ‌و‌ ياتيه ‌من‌ الخيرات قولا ‌و‌ فعلا ، ليخرج ‌من‌ العجب ‌و‌ الكسل ‌فى‌ كسب الخير، مع ‌ما‌ فيه ‌من‌ الاعتراف بالحاجه ‌و‌ الذل ‌و‌ العبوديه، لان ‌من‌ استقل خير نفسه كان ‌فى‌ مقام الذل ‌و‌ الحاجه ‌و‌ الانكسار،
 
و ‌لا‌ عبوديه اشرف منها.
 قوله عليه السلام:«و استكثار الشر» الى آخره، سئوال للوقايه ‌من‌ التهاون بما يكتسبه ‌او‌ اكتسبه ‌من‌ الشر قولا ‌و‌ فعلا. ‌و‌ الظاهر ‌من‌ الكثره ‌و‌ القله ‌فى‌ الفقرتين بحسب الكم، سواء كان الخير ‌او‌ الشر ‌فى‌ نفسه كبيرا ‌او‌ صغيرا، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يراد بهما بحسب الكيف ‌و‌ المقدار، ‌و‌ ايا ‌ما‌ كان ففى الفقرتين تنبيه على ‌ان‌ العمل الصادر ‌من‌ العبد ‌ان‌ كان خيرا ‌و‌ طاعه، فليعد نفسه مقصره ‌فى‌ الكم ‌و‌ الكيف، ‌و‌ ‌ان‌ كان كثيرا بالنسبه الى وسعه، لان ذلك ادخل ‌فى‌ تعظيم الرب، ‌و‌ ابعد ‌من‌ العجب ‌و‌ الاعتماد عليه، ‌و‌ اقرب الى البقاء عليه ‌و‌ السعى فيه، ‌و‌ مقام العبوديه المبنيه على التذلل ‌و‌ الاعتراف بالتقصير، ‌و‌ ‌ان‌ كان شرا ‌و‌ معصيه فليعده كثيرا عظيما، ‌و‌ ‌ان‌ كان قليلا حقيرا ‌فى‌ نفسه، لانه بالنظر الى مخالفه الرب العظيم عظيم كثير، ‌و‌ استقلاله موجب لعدم المبالاه ‌به‌ ‌و‌ الاعتناء بشانه، ‌و‌ سبب للولوع ‌به‌ ‌و‌ اتيانه مره بعد اخرى، حتى تجتمع عليه شرور عديده ‌و‌ ذنوب كثيره ‌و‌ تبلغ ‌حد‌ الكبيره.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث عن ابى الحسن الرضا عليه السلام: ‌لا‌ تستكثروا كثير الخير ‌و‌ ‌لا‌ تستقلوا قليل الذنوب، فان قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ الواقع ‌فى‌ اكثر النسخ ذكر القول ‌و‌ الفعل معا ‌فى‌ بيان الخير، ‌و‌ الاقتصار على الفعل ‌فى‌ بيان الشر.
 فوجهه بعضهم بما نصه: يقال: فلان قال خيرا ‌و‌ فعل خيرا، ‌و‌ هذا شائع، ‌و‌ قد يقال: قال شرا، ‌و‌ قولهم: فعل شرا قليل، فلعله عليه السلام ذكر استكثار الشر ‌من‌ الفعل لان المقام مقام استكثار القليل، ‌و‌ اذا حصل استكثار القليل ‌من‌ القليل الذى ‌هو‌ الفعل، فمما ‌هو‌ كثير بالنسبه اليه بطريق اولى.
 
و يحتمل انه عليه السلام ذكر القول ‌و‌ الفعل معا ‌فى‌ الخير، لتمام رغبته فيه ‌و‌ ارادته بجميع افراده بخلاف الشر، انتهى.
 ‌لا‌ يخفى ‌ما‌ ‌فى‌ الوجه الاول ‌من‌ الضعف.
 اما اولا: فدعواه ‌ان‌ قولهم: فعل شرا قليل ممنوع، بل قولهم: فعل خيرا ‌و‌ فعل شرا سيان ‌فى‌ الشيوع ‌و‌ كثره الاستعمال، ‌و‌ كفى شاهدا قول اميرالمومنين عليه السلام ‌فى‌ نهج البلاغه: فاعل الخير خير منه، ‌و‌ فاعل الشر ‌شر‌ منه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الخبر: ‌ان‌ لله ملكا ينادى ‌يا‌ فاعل الخير ابشر ‌و‌ ‌يا‌ فاعل الشر اقصر.
 ‌و‌ اما ثانيا: فالكثره ‌و‌ القله ‌فى‌ الدعاء بالنسبه الى الوقوع، ‌و‌ ‌ما‌ ادعاه ‌من‌ القله بالنسبه الى التلفظ، ‌و‌ اين احدهما ‌من‌ الاخر؟.
 ‌و‌ اما الوجه الثانى فقد يعارض بان الاهتمام بتوقى الشر اولى ‌من‌ الاهتمام بطلب الخير، خصوصا ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ مقام السوال لاستقلال الخير منه.
 ثم الشر ‌من‌ القول اولى بالذكر، لتوهم اكثر الناس انه ‌لا‌ يضر كما ‌فى‌ حديث معاذبن جبل حين قال له رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌كف‌ عليكم هذا- ‌و‌ اشار الى لسانه- قلت: ‌يا‌ رسول الله ‌و‌ انا لمواخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك امك ‌يا‌ معاذ، ‌و‌ هل يكب الناس على وجوههم، ‌او‌ قال: على مناخرهم الا حصائد السنتهم.
 ‌و‌ الاولى ‌ان‌ يوجه ذلك بوجهين.
 احدهما: التنبيه على انه يجب ‌ان‌ يعد القول ‌من‌ الفعل ‌و‌ يجب دخوله ‌من‌ العمل.
 
كما روى عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ لم يحسب كلامه ‌من‌ عمله كثرت خطاياه ‌و‌ حضر عذابه.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ راى موضع كلامه ‌من‌ عمله ‌قل‌ كلامه الا فيما يعنيه.
 ‌و‌ اثر التنبيه على ذلك ‌فى‌ جانب الشر لمزيد الاهتمام ببيانه فيه حثا على التوقى منه، كما وقع ‌فى‌ الحديثين المذكورين.
 الثانى: لما كان القول اعظم كيفيه ‌و‌ اكثر كميه ‌من‌ الفعل، لبلوغه ‌ما‌ ‌لا‌ يبلغ الفعل ‌و‌ لعمومه ‌من‌ كل وجه، لان آلته التى هى اللسان لها تصرف ‌فى‌ كل موجود ‌و‌ موهوم ‌و‌ معدوم، ‌و‌ له يد ‌فى‌ العقليات ‌و‌ الخياليات ‌و‌ المسموعات ‌و‌ المبصرات ‌و‌ المذوقات ‌و‌ الملموسات، بخلاف الفعل فان كل جارحه سوى اللسان تتعلق بفعل مخصوص، فهو اقل ‌من‌ القول، ذكر عليه السلام الفعل دون القول، لان ‌من‌ استكثر القليل فاستكثاره للكثير اولى.
 ‌و‌ يناسب هذا المعنى ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: يعذب الله اللسان بعذاب ‌لا‌ يعذب ‌به‌ شيئا ‌من‌ الجوارح، فيقول: ‌اى‌ رب عذبتنى بعذاب لم تعذب ‌به‌ شيئا، فيقال له: خرجت منك كلمه فبلغت مشارق الارض ‌و‌ مغاربها، فسفك بها الدم الحرام ‌و‌ انتهب بها المال الحرام ‌و‌ انتهك بها الفرج الحرام، ‌و‌ عزتى لاعذبنك بعذاب ‌لا‌ اعذب ‌به‌ شيئا ‌من‌ جوارحك.
 ‌و‌ روى ايضا بسند نقى عن صاحب الدعاء على ‌بن‌ الحسين صلوات الله عليهما
 
قال: ‌ان‌ لسان ابن آدم يشرف على جميع جوارحه كل صباح، فيقول: كيف اصبحتم؟ فيقولون: بخير ‌ان‌ تركتنا، ‌و‌ يقولون: الله الله فينا، ‌و‌ يناشدونه ‌و‌ يقولون: انما نثاب ‌و‌ نعاقب بك، ‌و‌ الله اعلم.
 ‌و‌ ‌من‌ غريب ‌ما‌ وقع لابى يوسف يعقوب المعروف بابن السكيت، ‌و‌ كان ‌من‌ اكابر علماء العربيه ‌و‌ عظماء الشيعه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ اصحاب الجواد ‌و‌ الهادى عليهماالسلام ، انه قال ‌فى‌ التحذير ‌من‌ عثرات اللسان:
 يصاب الفتى ‌من‌ عثره بلسانه
 ‌و‌ ليس يصاب المرء ‌من‌ عثره الرجل
 فعثرته ‌فى‌ القول تذهب راسه
 ‌و‌ عثرته ‌فى‌ الرجل تبرا عن مهل
 فاتفق ‌ان‌ المتوكل العباسى الزمه تاديب ولديه المعتز ‌و‌ المويد، فقال له يوما : ايما احب اليك ابناى هذان ‌ام‌ الحسن ‌و‌ الحسين؟ فقال: ‌و‌ الله ‌ان‌ قنبرا خادم على خير منك ‌و‌ ‌من‌ ابنيك، فقال المتوكل ‌لا‌ تراكه سلوا لسانه ‌من‌ قفاه ففعلوا فمات رحمه الله، ‌و‌ ذلك لخمس خلون ‌من‌ رجب سنه اربع ‌و‌ اربعين ‌و‌ مائتين
 قوله عليه السلام:«و اكمل ذلك لى بدوام الطاعه» كمل الشى ء كمولا ‌من‌ باب قعد، ‌و‌ الاسم الكمال، ‌و‌ يستعمل ‌فى‌ الذوات ‌و‌ ‌فى‌ الصفات، يقال: كمل: اذا تمت اجزاوه ‌و‌ كملت محاسنه. ‌و‌ يتعدى بالهمزه ‌و‌ بالتضعيف، فيقال: اكملته ‌و‌ كملته.
 ‌و‌ ذلك: اشاره الى ‌ما‌ تقدم ذكره ‌من‌ الاخلاق المسووله.
 ‌و‌ دام الشى ء يدوم دواما: اذا استمر ‌و‌ لم ينقطع.
 ‌و‌ الطاعه: موافقه الامر، ‌و‌ قيل: موافقه الاراده.
 
و انما جعل دوامها كمالا لما ذكر، لان خلاف الطاعه ‌و‌ ارتكاب المعصيه نقص ‌فى‌ جميع المحاسن.
 قوله عليه السلام:«و لزوم الجماعه» لزمته الزمه لزوما- ‌من‌ باب علم-: تعلقت ‌به‌ ‌و‌ لم افارقه. ‌و‌ الجماعه لغه: ‌ما‌ اجتمع ‌من‌ الناس ‌و‌ غيرهم.
 ‌و‌ المراد بها هنا: المومنون المتفقون على مذهب الحق الذى اجتمع عليه ائمه اهل البيت عليهم السلام ‌و‌ شيعتهم.
 كما رواه البرقى ‌فى‌ محاسنه بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله عن جماعه امته، فقال: جماعه امتى اهل الحق ‌و‌ ‌ان‌ قلوا.
 ‌و‌ بسنده عن يحيى ‌بن‌ عبدالله رفعه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌ما‌ جماعه امتك؟ قال: ‌من‌ كان على الحق ‌و‌ ‌ان‌ كانوا عشره.
 ‌و‌ ‌فى‌ كلام اميرالمومنين عليه السلام ‌فى‌ نهج البلاغه: ‌و‌ الزموا السواد الاعظم، فان يدالله على الجماعه، ‌و‌ اياكم ‌و‌ الفرقه، فان الشاذ ‌من‌ الناس للشيطان، كما ‌ان‌ الشاذ ‌من‌ الغنم للذئب.
 قال الشيخ كمال الدين رحمه الله: امر بلزوم طريقه السواد الاعظم اى: اكثر المسلمين المتفقين على راى واحد، ‌و‌ رغب ‌فى‌ لزوم طريقتهم بان يدالله على الجماعه، فتجوز بلفظ اليد ‌فى‌ قدره الله ‌و‌ حراسته للجماعه، اذ كانوا امنع ‌و‌ ابعد ‌من‌ الانفعال للعدو، ‌و‌ آمن ‌من‌ الغلط لكثره آرائهم ‌و‌ اتفاقها، فلا تكاد تتفق على امر ‌لا‌ مصلحه فيه مع كثرتها ‌و‌ اختلافها، ‌و‌ حذر ‌من‌ الفرقه ‌و‌ الشذوذ عن الجماعه بان الشاذ ‌من‌ الناس
 
اى: المنفرد المستبد برايه للشيطان، اى: محل تطرق الشيطان لانفراده، ‌و‌ شبه ذلك بالشاذ ‌من‌ الغنم، ‌و‌ وجه الشبه كون انفراده محلا لتطرق الهلاك اليه باستغواء الشيطان له، كما ‌ان‌ الشاه المنفرده ‌فى‌ مظنه الهلاك لانفرادها ‌و‌ وحدتها للذئب، انتهى.
 ‌و‌ روى البرقى باسناده عن ابى عبدالله عن آبائه عليهم السلام، قال: قال اميرالمومنين عليه السلام: ثلاث موبقات: نكث الصفقه ‌و‌ ترك السنه ‌و‌ فراق الجماعه.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: ‌من‌ فارق جماعه المسلمين قد شبر فقد خلع ربقه الاسلام ‌من‌ عنقه.
 قال بعض الشارحين: المراد بهم الائمه عليهم السلام، ‌او‌ الاعم منهم بشرط ‌ان‌ لايكونوا ‌من‌ اهل البدعه، ‌و‌ بالمفارقه على وجه الاستنكاف ‌و‌ الاستكبار ‌و‌ الشنان، ‌او‌ المراد بها ترك السنه ‌و‌ اتباع البدعه، انتهى.
 ‌و‌ روى ‌فى‌ الكافى ايضا بسنده عن الحكم ‌بن‌ مسكين عن رجل ‌من‌ قريش ‌من‌ اهل مكه، قال: قال سفيان الثورى: اذهب بنا الى جعفر ‌بن‌ محمد، قال: فذهبت معه اليه فوجدناه قد ركب دابته، فقال له سفيان ‌يا‌ اباعبدالله حدثنا بحديث خطبه رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌فى‌ مسجد الخيف، قال: دعنى حتى اذهب ‌فى‌ حاجتى فانى قد ركبت فاذا جئت حدثتك، فقال: اسالك بقرابتك ‌من‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله لما حدثتنى، قال: فنزل، فقال له سفيان: مر لى بدواه ‌و‌ قرطاس حتى اثبته فدعا به، ثم قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم خطبه رسول الله
 
صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌فى‌ مسجد الخيف: نضر الله عبدا سمع مقالتى فوعاها ‌و‌ بلغها ‌من‌ لم تبلغه، ‌يا‌ ايها الناس ليبلغ الشاهد الغائب، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ‌و‌ رب حامل فقه الى ‌من‌ ‌هو‌ افقه منه، ثلاث ‌لا‌ يغل عليهن قلب امرى مسلم: اخلاص العمل لله، ‌و‌ النصحيه لائمه المسلمين، ‌و‌ اللزوم لجماعتهم، فان دعوتهم محيطه ‌من‌ ورائهم، المومنون اخوه تتكافا دماوهم، ‌و‌ ‌هم‌ يد على ‌من‌ سواهم يسعى بذمتهم ادناهم، فكتبه سفيان ثم عرضه عليه ‌و‌ ركب ابوعبدالله، ‌و‌ جئت انا ‌و‌ سفيان فلما كنا ‌فى‌ بعض الطريق، قال لى: كما انت حتى انظر ‌فى‌ هذا الحديث، فقلت له: قدو الله الزم ابوعبدالله رقبتك شيئا ‌لا‌ يذهب ‌من‌ رقبتك ابدا، فقال: ‌و‌ ‌اى‌ شى ء ذلك؟ فقلت له: ثلاث ‌لا‌ يغل عليهن قلب امرى مسلم: اخلاص العمل لله قد عرفناه، ‌و‌ النصحيه لائمه المسلمين، ‌من‌ هولاء الائمه الذين تجب علينا نصيحتهم؟ معاويه ‌بن‌ ابى سفيان، ‌و‌ يزيد ‌بن‌ معاويه، ‌و‌ مروان ‌بن‌ الحكم، ‌و‌ كل ‌من‌ ‌لا‌ تجوز شهادته عندنا، ‌و‌ ‌لا‌ تجوز الصلاه خلفهم؟ ‌و‌ قوله: اللزوم لجماعتهم، فاى الجماعه؟ مرجى يقول ‌من‌ لم يصل ‌و‌ لم يصم ‌و‌ لم يغتسل ‌من‌ جنابه ‌و‌ هدم الكعبه ‌و‌ نكح امه فهو على دين جبرئيل ‌و‌ ميكائيل، ‌او‌ قدرى يقول: ‌لا‌ يكون ‌ما‌ شاء الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌و‌ يكون ‌ما‌ شاء ابليس، ‌او‌ حرورى يبرا ‌من‌ ‌بن‌ ابى طالب ‌و‌ شهد عليه بالكفر، ‌او‌ جهمى يقول انما هى معرفه الله وحده ليس الايمان شيئا غيرها؟ قال: ويحك ‌و‌ ‌اى‌ شى ء يقولون؟ فقلت: يقولون: ‌ان‌ على ‌بن‌ ابى طالب ‌و‌ الله الامام الذى تجب علينا نصيحته، ‌و‌ لزوم جماعته اهل بيته، قال: فاخذ الكتاب فخرقه، ثم قال: ‌لا‌ تخبر بها احدا
 قوله عليه السلام:«و رفض اهل البدع» رفضت الشى ء رفضا- ‌من‌ باب ضرب ‌و‌ ‌فى‌ لغه ‌من‌ باب قتل-: تركته.
 
و البدع: جمع بدعه بالكسر كسدره ‌و‌ سدر، ‌و‌ هى اسم ‌من‌ الابتداع بمعنى الاحداث ‌و‌ الاختراع، كالرفعه ‌من‌ الارتفاع، ثم غلب استعمالها ‌فى‌ محدثات الامور المخالفه للشريعه بعد عهد النبى، ‌و‌ قد تقدم الكلام عليها مستوفى ‌فى‌ الروضه السادسه، فليرجع اليه.
 قوله عليه السلام:«و مستعمل الراى المخترع» اتفقت النسخ المعتمده على كون «مستعمل» مفردا، ‌و‌ ‌ما‌ يوجد ‌فى‌ بعض التراجم ‌من‌ روايته مجموعا بالياء ‌و‌ حذف النون لاضافه، لم يثبت روايه ‌و‌ ‌ان‌ صح درايه، ‌و‌ وقع ‌فى‌ نسخه قديمه «و استعمال الراى المخترع»، ‌و‌ على كل حال فهو عطف على اهل البدع المضاف اليه الرفض.
 ‌و‌ استعمل رايه ‌و‌ اعمله: عمل به.
 ‌و‌ الراى: لغه: العقل ‌و‌ التدبير ‌و‌ الاعتقاد، ‌و‌ عرفا: تطلق تاره على القياس ‌و‌ ‌هو‌ مساواه فرع الاصل ‌فى‌ عله حكمه.
 قال صاحب القاموس: ‌و‌ اصحاب الراى: اصحاب القياس، لانهم يقولون برايهم فيما لم يجدوا فيه حديثا ‌او‌ اثرا.
 ‌و‌ تاره على استحسان العقل ‌و‌ ‌ان‌ عارض النص ‌و‌ خالفه، كما قال ‌به‌ ابوحنيفه، ‌و‌ فسر بانه دليل ينقدح ‌فى‌ نفس المجتهد ‌و‌ ربما قصرت عنه عبارته.
 حكى الزمخشرى ‌فى‌ ربيع الابرار قال: قال يوسف ‌بن‌ اسباط: ‌رد‌ ابوحنيفه على النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله اربعمائه حديث ‌او‌ اكثر، قيل: ‌و‌ مثل ماذا؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: للفرس سهمان، ‌و‌ قال ابوحنيفه ‌لا‌ اجعل سهم بهيمه اكثر ‌من‌ سهم المومن. ‌و‌ اشعر رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ اصحابه البدن، ‌و‌ قال ابوحنيفه: الاشعار مثله. ‌و‌ قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: البيعان بالخيار
 
ما لم يتفرقا، ‌و‌ قال ابوحنيفه: اذا وجب البيع فلاخيار.
 ‌و‌ كان صلى الله عليه ‌و‌ آله يقرع بين نسائه اذا اراد سفرا، ‌و‌ قال ابوحنيفه: القرعه قمار، انتهى.
 ‌و‌ المخترع: اسم مفعول ‌من‌ اخترع الدليل ‌او‌ الحكم ‌و‌ ‌ما‌ اشبهه، اى: ارتجله ‌و‌ ابتكره ‌و‌ لم يسبق اليه، ‌و‌ هذا القول مخترع اى: مفتعل ‌لا‌ اصل له. ‌و‌ ‌هو‌ هنا نعت جى ء ‌به‌ لافاده الذم كالشيطان الرجيم، لاقصد التوضيح، اذ الراى ‌فى‌ الاحكام الشرعيه ‌لا‌ يكون الا مخترعا مفتعلا ‌لا‌ اصل له ‌فى‌ كتاب ‌و‌ ‌لا‌ سنه.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: ‌ان‌ اصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس فلم تزدهم المقاييس ‌من‌ الحق الا بعدا، ‌و‌ ‌ان‌ دين الله لايصاب بالمقاييس.
 ‌و‌ عن ابى جعفر عليه السلام: ‌من‌ افتى الناس برايه فقد دان الله بما ‌لا‌ يعلم، ‌و‌ ‌من‌ دان الله بما ‌لا‌ يعلم فقد ضاد الله حيث احل ‌و‌ حرم فيما ‌لا‌ يعلم.
 ‌و‌ عن على عليه السلام: ‌من‌ نصب نفسه للقياس لم يزل دهره ‌فى‌ التباس، ‌و‌ ‌من‌ دان الله بالراى لم يزل دهره ‌فى‌ ارتماس.
 ‌و‌ عن ابى بصير قال: قلت لابى عبدالله عليه السلام: ترد علينا اشياء ليس نعرفها ‌فى‌ كتاب الله ‌و‌ ‌لا‌ سنه فننظر فيها؟ فقال: لا، اما انك ‌ان‌ اصبت لم توجر، ‌و‌ ‌ان‌ اخطات كذبت على الله ‌عز‌ ‌و‌ جل.
 ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى كثيره جدا، ‌و‌ بطلان القياس ‌و‌ الراى ‌من‌ ضروريات مذهب اهل البيت عليهم السلام.
 
الجعل: بمعنى التصيير المتعدى الى مفعولين، ‌و‌ هماهنا المنصوبان بعده، اولهما: اوسع، ‌و‌ الثانى: الظرف اعنى «على»، ‌و‌ ‌هو‌ متعلق بمحذوف اى: كائنا على، لان مفعولى التصيير ‌فى‌ الاصل مبتدا ‌و‌ خبر، ‌و‌ الظرف اذا وقع خبرا ‌لا‌ يكون الا مستقرا.
 ‌و‌ اذا: ظرف للفعل مضمن معنى الشرط، ‌و‌ ‌ما‌ قبلها ‌هو‌ الجواب ‌فى‌ المعنى، كما ‌فى‌ قولك: اكرمنى اذا جئتك.
 ‌و‌ قول بعض القاصرين:«اذا» نصبت ظرفيه مجرده عن معنى الشرط ثانى مفعولى اجعل بمعنى صير، الناصب لاوسع على انه الاول، خبط صريح، ‌و‌ كيف تقع اذا المنصوبه على الظرفيه ثانى مفعولى اجعل؟ ‌و‌ وقوعها مفعولا عند ‌من‌ زعمه يستلزم خروجها عن الظرفيه!.
 ‌و‌ اما قوله بعد ذلك: ‌او‌ مجرده عن الظرفيه ايضا على تقدير مضاف لاوسع لئلا يلزم الاخبار باسم الزمان عن اسم العين، فالتقدير: اجعل وقت اوسع رزقك وقت كبرى، فهو تعسف شديد ‌و‌ تكلف ‌ما‌ عليه مزيد، ‌و‌ ‌لا‌ داعى اليه اصلا.
 اما اولا: فالقول بخروج «اذا» عن الظرفيه خلاف قول الجمهور.
 قال ابن هشام: ‌و‌ الجمهور على ‌ان‌ «اذا» لاتخرج عن الظرفيه.
 ‌و‌ قال الرضى: اخراج «اذا» عن الظرفيه قليل.
 ‌و‌ التخريج على الامور البعيده ‌و‌ الاوجه الضعيفه ‌و‌ ترك الوجه القريب ‌و‌ القوى، ‌من‌ الجهات التى يجب على المعرب احترازها.
 
و اما ثانيا: فالقائلون بخروجها عن الظرفيه انما قالوا ‌به‌ ‌فى‌ مواضع لم يظهر لهم كونها فيها ظرفا، فاحتاجوا الى القول بذلك، كوقوعها موقع المبتدا ‌و‌ الخبر ‌او‌ المفعول ‌به‌ ‌او‌ ‌فى‌ موضع جر، ‌و‌ لم يذهبوا الى خروجها عن الظرفيه ‌فى‌ كل موضع البته، حتى يحتاج الى التخريج عليه ‌فى‌ مثل هذه العباره المتعين فيها ظرفيها، فاى داع الى القول به؟ نسال الله الهدايه.
 ‌و‌ القوه: هى تمكن الحيوان ‌من‌ الافعال الشاقه، ‌و‌ اضافتها اليه تعالى باعتبار خلقه سبحانه لها.
 ‌و‌ نصب نصبا- ‌من‌ باب تعب تعبا-: اعيا.
 ‌و‌ انما سال عليه السلام جعل اوسع الرزق عليه وقت الكبر، ليستغنى عن تكلف تحصيله ‌و‌ مشقه تدبيره ‌فى‌ الوقت المقتضى لضعف البنيه عن كثير الحركه، ‌و‌ سال جعل اقوى القوه فيه وقت الاعياء، ليقاوم ‌ما‌ يوجبه الاعياء ‌من‌ الضعف ‌و‌ انحلال القوى، ‌و‌ ‌هو‌ ظاهر.
 ‌و‌ قوله:«لا تبتلينى» يروى بالجزم ‌و‌ بالنون الموكده ‌و‌ هى الاشهر.
 ‌و‌ الكسل بالتحريك: وقوف الاعضاء ‌و‌ فتورها عن اعمالها، بسبب تحلل الروح ‌و‌ ضعفه ‌و‌ رجوعه الى الاستراحه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الكسل: التثاقل عن الشى ء ‌و‌ الفتور فيه، كسل كسلا- ‌من‌ باب تعب - فهو كسل ‌و‌ كسلان.
 قال بعض العارفين: الكسل عن العباده ‌من‌ صفات الجاهل المحبوس ‌فى‌ سجن الطبيعه البشريه، ‌و‌ المغلول باغلال لواحق القوه الشهويه، ‌و‌ المصفود بصفاد عوارض القوى البدنيه، فهو ثقيل ‌لا‌ تحركه ريح النشاط الى الدرجه العليا، ‌و‌ ‌لا‌ تعرج ‌به‌
 
اريحيه العباده عن المرتبه الدنيا.
 ‌و‌ المراد بالعمى هنا: الضلال ‌و‌ الغوايه، مستعار ‌من‌ عمى البصر بجامع عدم الاهتداء الى المطلوب.
 سبيله تعالى: ‌هو‌ الطريق المستقيم الموصل الى معالم الحق ‌و‌ الهدى الناجى سالكه ‌من‌ التردى ‌فى‌ مهاوى الردى.
 ‌و‌ تعرض للشى ء ‌و‌ تعرضه، يتعدى بالحرف ‌و‌ بنفسه، اى: تصدى له ‌و‌ طلبه، ذكره الازهرى ‌و‌ غيره.
 ‌و‌ الخلاف: المخالفه، يقال: خالفه خلافا ‌و‌ مخالفه: اذا ذهب الى غيرها ذهب اليه.
 ‌و‌ المراد بمحبته تعالى هنا: رضاه، ‌و‌ ‌هو‌ افاضه ثوابه ‌و‌ رحمته.
 ‌و‌ المجامعه: مصدر جامعه على الامر اى: اجتمع معه ‌و‌ ساعده ‌و‌ شايعه عليه.
 ‌و‌ تفرق الناس عن فلان: اعرضوا عنه ‌و‌ تركوه، ‌و‌ ‌لا‌ يقال ذلك الا فيمن كان رئيسا ‌فى‌ دين ‌او‌ دنيا، لان التفرق عنه ‌لا‌ يكون الا بعد الاجتماع عليه.
 ‌و‌ المراد بالمتفرقين عنه تعالى: المتفرقون عن امره ‌و‌ طاعته. كما ‌ان‌ المراد بالمجتمعين اليه: المجتمعون الى دينه ‌و‌ طاعته.
 ‌و‌ عدى الاجتماع ب«الى» لتضمينه معنى الركون، ‌و‌ ‌هو‌ السكون الى الشى ء ‌و‌ الميل اليه، ‌و‌ الله اعلم.
 
صال عليه يصول صولا: حمل وسطا.
 قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه ‌فى‌ حديث الدعاء: ‌و‌ بك اصول اى: اسطو ‌و‌ اقهر
 
و الصوله: الحمله ‌و‌ الوثبه.
 ‌و‌ الضروره اسم ‌من‌ الاضطرار، ‌و‌ ‌هو‌ الاحتياج ‌و‌ الافتقار الى الشى ء، فالباء للاستعانه.
 ‌و‌ سالت الله العافيه: طلبتها، ‌و‌ لم يذكر المفعول الثانى لان المراد ايقاع سئواله تعالى مطلقا.
 ‌و‌ الحاجه: اسم ‌من‌ الاحتياج.
 ‌و‌ تضرع الى الله: خضع ‌و‌ تذلل، ‌او‌ تعرض لطلب الحاجه.
 ‌و‌ المسكنه: الذل ‌و‌ الخضوع ‌و‌ القهر، ‌و‌ منه:«ضربت عليهم الذله ‌و‌ المسكنه»، ‌و‌ هى بهذا المعنى تجامع الغنى ‌و‌ الثروه، ‌و‌ تطلق على الفقر ‌و‌ قله المال ‌و‌ سوء الحال.
 ‌و‌ اشتقاقها على المعنيين ‌من‌ السكون، لسكون صاحبها الى الناس. فان حملتها ‌فى‌ الدعاء على المعنى الاول كان المراد بالتضرع التذلل ‌و‌ الخضوع.
 ‌و‌ ‌ان‌ حملتها على المعنى الثانى كان المراد ‌به‌ التعرض لطلب الحاجه.
 ‌و‌ فتنه فتونا- ‌من‌ باب ضرب-: امتحنه.
 ‌و‌ قال بعضهم: الفتنه: هى الضلال عن الحق بمحبه امر ‌ما‌ ‌من‌ الامور الباطله، ‌و‌ الاشتغال ‌به‌ عما ‌هو‌ الواجب ‌من‌ سلوك سبيل الله.
 ‌و‌ على هذا فمعنى «لا تفتنى» ‌لا‌ تضلنى، كما قالوا: ربنا ‌لا‌ تضلنا. ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ ‌ان‌ الاستعانه بغير الله سبحانه حال الاضطرار، ‌و‌ الخضوع لسئوال غيره عند الافتقار، ‌و‌ التضرع الى ‌من‌ ‌هو‌ دونه وقت الرهبه، ‌من‌ الضلال عن سبيل الحق، اذ كان ذلك
 
التجاء ‌فى‌ جلب النفع ‌و‌ دفع الضرر الى ‌من‌ ‌لا‌ يملك لنفسه نفعا ‌و‌ ‌لا‌ ضرا ‌و‌ عدولا عمن بيده ازمه الامور القادر على كل مقدور، ‌و‌ لذلك حكم عليه السلام باستحقاق الخذلان ‌و‌ المنع ‌و‌ الاعراض منه تعالى، ‌من‌ حيث عدم استعداده لنفحات الله سبحانه بالتوجه اليه ‌و‌ الاعتماد عليه، بالتوجه الى غيره ‌و‌ اشتغال قلبه بسواه، ‌و‌ قد تقدم الكلام على هذا المعنى مبسوطا ‌فى‌ الروضه الثالثه عشره. ‌و‌ قوله:«الى ‌من‌ دونك» اى: ‌من‌ سواك، فدون بمعنى «سوى» الظرفيه التى هى بمعنى مكان الذى يدخله معنى العوض ‌و‌ البدل، ‌او‌ بمعنى «غير» فهو خبرك «هو» محذوفا، ‌او‌ حال ل«ثبت» مضمرا، ‌و‌ التقدير: الى الذى ثبت حاله كونه دونك، ‌او‌ بمعنى «تحت».
 قال الجوهرى: دون نقيض فوق، ‌و‌ ‌هو‌ تقصير عن الغايه.
 ‌او‌ بمعنى «قدام» كانه قدامه تعالى ‌فى‌ المكان، ‌و‌ ‌هو‌ سبحانه وراءه، تعالى الله عن ذلك.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: فاستحق الفاء: للسببيه، ‌و‌ الفعل منصوب بعدها ب«ان» مضمره لوقوعه بعد النهى الصريح نحو:«و ‌لا‌ تطغوا فيه فيحل عليكم غضبى».
 ‌و‌ الخذلان بالكسر: اسم ‌من‌ خذله- ‌من‌ باب قتل- اذا اهمله ‌و‌ ترك اعانته.
 ‌و‌ منعه معروفه ‌و‌ منعه منعا: حرمه اياه.
 ‌و‌ اعرض عنه اعراضا: صد، ‌و‌ ‌هو‌ هنا مجاز عن الاستهانه ‌به‌ ‌و‌ السخط عليه، كقوله تعالى:«و ‌لا‌ ينظر اليهم»، ‌و‌ قد تقدم الكلام عليه، ‌و‌ الله اعلم.
 
اجعل: ‌من‌ الجعل بمعنى التصيير، ‌و‌ ‌هو‌ نقل الشى ء ‌من‌ حاله الى اخرى. قال صاحب المحكم: جعل الطين خزفا ‌و‌ القبيح حسنا: صيره اياه.
 ‌و‌ القى الشى ء يلقيه القاء: طرحه ‌و‌ وضعه. ‌و‌ اصله ‌ان‌ يستعمل ‌فى‌ الاعيان كقوله تعالى:«و القى الالواح»، «فالقوا حبالهم»، ثم استعمل ‌فى‌ المعانى اتساعا، ‌و‌ منه قوله تعالى:«و القيت عليك محبه منى»، «سنلقى ‌فى‌ قلوب الذين كفروا الرعب»، ‌و‌ ‌هو‌ هنا كذلك.
 ‌و‌ الروع بالضم: القلب، ‌و‌ قيل: سواده، ‌و‌ يطلق على الذهن ‌و‌ العقل.
 ‌و‌ التمنى: تشهى حصول الامر المرغوب فيه، ‌و‌ حديث النفس بما يكون ‌و‌ بما ‌لا‌ يكون، ‌و‌ التكذب، ‌من‌ منى يمنى اذا قدر، لان الكاذب يقدر الحديث ‌فى‌ نفسه ثم يقوله، ‌و‌ منه: اهذا شى ء رويته ‌او‌ شى ء تمنيته؟ اى: اختلقته، ‌و‌ كل ‌من‌ هذه المعانى يحتمل ارادته هنا.
 ‌و‌ التظنى: اعمال الظن، ‌و‌ اصله التظنن ابدل ‌من‌ احدى النونات ياء، ‌و‌ منه قولهم: ليس الامر بالتظنى ‌و‌ ‌لا‌ بالتمنى.
 ‌و‌ الحسد: تمنى زوال نعمه المحسود الى الحاسد.
 
و الذكر: حضور المعنى ‌فى‌ النفس، ثم يكون تاره بالقلب ‌و‌ تاره باللسان، ‌و‌ ليس شرطه ‌ان‌ يكون بعد نسيان، ‌و‌ قد تقدم الكلام على بيان مراتبه ‌فى‌ الروضه الحاديه عشر.
 ‌و‌ عظمته تعالى: عباره عن تجاوز قدره حدود العقول، حتى ‌لا‌ يتصور الاحاطه بكنهه ‌و‌ حقيقته.
 ‌و‌ قال بعض العارفين: اعلم ‌ان‌ عظمه الحق تعالى صفه اضافيه ثابته، له تعالى بالقياس الى اعتقاد العبد ‌و‌ تصوره ‌و‌ اثباته لغيره ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ وجودا، ‌و‌ الا فليس لما سواه ‌فى‌ جنب وجوده تعالى وجود حتى يتصف بالعظمه بالقياس اليه، لكن الانسان يتصور لنفسه بقوته الوهميه وجودا مستقلا، ‌و‌ بواسطه وجوده الموهوم يثبت للعالم ‌و‌ افراده وجودا مستقلا، يقيس اليها وجود الحق فيصفه بالعظمه، ثم بقدر ‌ما‌ يظهر قصور وجوده ‌و‌ ضعفه ‌و‌ قصور الموجودات الامكانيه ‌و‌ ضعفها يزيد ‌فى‌ نظره عظمه الحق.
 ‌و‌ لهذا قيل: ‌ان‌ ظهور الانسان سبب خفاء الحق ‌فى‌ هذا العالم، فبقدر انكساره ‌و‌ افتقاره يظهر وجود الحق ‌و‌ عظمته ‌و‌ كبريائه.
 ‌و‌ التفكر لغه: اعمال النظر ‌فى‌ الشى ء، ‌و‌ اختلفت عباره العلماء ‌فى‌ تفسيره، ‌و‌ المرجع واحد.
 قال الغزالى: حقيقه التفكر طلب علم غير بديهى عن مقدمات موصله اليه، كما اذا تفكر ‌ان‌ الاخره باقيه ‌و‌ الدنيا فانيه، فانه يحصل له العلم بان الاخره خير ‌من‌ الدنيا، ‌و‌ ‌هو‌ يبعثه على العمل للاخره، فالتفكر سبب لهذا العلم، ‌و‌ هذا العلم، يقتضى حاله نفسانيه هى التوجه الى الاخره، ‌و‌ هذه الحاله تقتضى العمل لها،
 
و قس على هذا، فالتفكر موجب لتنور القلب ‌و‌ خروجه عن الغفله، ‌و‌ اصل الجميع الخيرات.
 ‌و‌ قال المحقق الطوسى قدس سره: التفكر سير الباطن ‌من‌ المبادى الى المقاصد، ‌و‌ ‌هو‌ قريب ‌من‌ النظر، ‌و‌ ‌لا‌ يرتقى احد ‌من‌ النقص الى الكمال الا بهذا السير، ‌و‌ مبادوه الافاق ‌و‌ الانفس، بان يتفكر ‌فى‌ اجزاء العالم ‌و‌ ذراته، ‌و‌ ‌فى‌ الاجرام العلويه ‌من‌ الافلاك ‌و‌ الكواكب ‌و‌ حركاتها ‌و‌ اوضاعها ‌و‌ مقاديرها ‌و‌ اختلافاتها ‌و‌ مقارناتها ‌و‌ تاثيراتها ‌و‌ تغييراتها، ‌و‌ ‌فى‌ الاجرام السفليه ‌و‌ ترتيبها ‌و‌ تفاعلها ‌و‌ كيفياتها ‌و‌ مركباتها ‌و‌ معدنياتها ‌و‌ حيواناتها، ‌و‌ ‌فى‌ اجزاء الانسان ‌و‌ اعضائه ‌من‌ العظام ‌و‌ الاعصاب ‌و‌ العضلات ‌و‌ العروق ‌و‌ غيرها مما ‌لا‌ يحصى كثره، ‌و‌ يستدل بها ‌و‌ بما فيها ‌من‌ المصالح ‌و‌ المنافع ‌و‌ الحكم على كمال الصانع ‌و‌ حكمته ‌و‌ علمه ‌و‌ قدرته ‌و‌ عدم ثبوت ‌ما‌ سواه، ‌و‌ بالجمله: التفكر فيما ذكر ‌و‌ نحوه ‌من‌ حيث الخلق ‌و‌ الحكمه ‌و‌ المصالح اثره العلم بوجود الصانع ‌و‌ قدرته، ‌و‌ ‌من‌ حيث تغيره ‌و‌ انقلابه ‌و‌ فنائه بعد وجود اثره الانقطاع عنه ‌و‌ التوجه بالكليه الى الخالق الحق، انتهى.
 ‌و‌ ‌هو‌ اعظم العبادات قدرا ‌و‌ اشرفها اثرا ‌و‌ افخمها رتبه ‌و‌ ارفعها درجه، ‌و‌ لذلك وقع الامر ‌به‌ ‌فى‌ مواضع كثيره ‌من‌ القرآن المجيد، ‌و‌ وردت ‌به‌ اخبار عديده عن سيدالمرسلين ‌و‌ اهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين.
 كقوله عليه السلام: تفكر ساعه خير ‌من‌ عباده سبعين سنه.
 ‌و‌ قول اميرالمومنين عليه السلام: التفكر يدعو الى البر ‌و‌ العمل به.
 
و قول الصادق عليه السلام: افضل العباده ادمان التفكر ‌فى‌ الله ‌و‌ ‌فى‌ قدرته.
 ‌و‌ قول الرضا عليه السلام: ليس العباده كثره الصلاه ‌و‌ الصوم، انما العباده التفكر ‌فى‌ امر الله ‌عز‌ ‌و‌ جل، الى غير ذلك.
 ‌و‌ اعلم انه ليس المراد التفكر ‌فى‌ حقيقه ذاته ‌و‌ حقيقه قدرته ‌و‌ سرائر صفاته تعالى، فان معرفتها خارجه عن طوق البشر ‌لا‌ يصل اليها عقل ‌و‌ ‌لا‌ فكر، ‌و‌ التفكر فيها مود الى الضلال المبين ‌و‌ الالحاد ‌فى‌ الدين، بل المراد التفكر ‌فى‌ صنع الله ‌و‌ آثار قدرته، فان التفكر فيها ‌و‌ ‌فى‌ عظمتها يدل على عظمه الصانع الحق ‌و‌ كمال قدرته.
 ‌و‌ مما يدل على ذلك.
 ‌ما‌ روى عنه صلى الله عليه ‌و‌ آله. تفكروا ‌فى‌ الخلق ‌و‌ ‌لا‌ تتفكروا ‌فى‌ الخالق.
 ‌و‌ ‌ما‌ روى عن ابى جعفر عليه السلام: اياكم ‌و‌ التفكر ‌فى‌ الله، ‌و‌ لكن اذا اردتم ‌ان‌ تنظروا الى عظمته فانظروا الى عظيم خلقه.
 فقوله عليه السلام:«و تفكرا ‌فى‌ قدرتك» اى: ‌فى‌ آثار قدرتك ‌و‌ آياتها.
 حكى الزمخشرى ‌فى‌ ربيع الابرار قال: قرب الى على ‌بن‌ الحسين عليه السلام طهوره ‌فى‌ وقت ورده، فوضع يده ‌فى‌ الاناء ليتوضا، ثم رفع راسه فنظر الى السماء ‌و‌ القمر ‌و‌ الكواكب، فجعل يفكر ‌فى‌ خلقها حتى اصبح ‌و‌ اذن الموذن ‌و‌ يده ‌فى‌ الاناء.
 ‌و‌ حكى ذو النون المصرى قال: سمعت شخصا قائما وسط البحر ‌و‌ ‌هو‌ يقول: سيدى سيدى انا خلف البحور ‌و‌ الجزائر، ‌و‌ انت الملك الفرد بلا حاجب ‌و‌ ‌لا‌ زائر، ‌من‌ الذى انس بك فاستوحش، ‌ام‌ ‌من‌ ذا الذى نظر الى آيات قدرتك فلم يدهش، اما
 
 
فى نصبك السماء ذات الطرائق، ‌و‌ بضمك الفلك فوق رووس الخلائق، ‌و‌ اجرائك الماء بلا سائق، ‌و‌ ارسالك الريح بلا عائق، ‌ما‌ يدل على فردانيتك، اما السماوات فتدل على منعتك، ‌و‌ اما الفلك فيدل على حسن صنعتك، ‌و‌ اما الرياح فنشر ‌من‌ نسيم بركاتك، ‌و‌ اما الرعود فتصوت بعظيم آياتك، ‌و‌ اما الارض فتدل على عظيم حكمتك، ‌و‌ اما الانهار فتنفجر بعذوبه كلمتك، ‌و‌ اما الاشجار فتخبر بجميل صنائعك، ‌و‌ اما الشمس فتدل على تمام بدائعك.
 قوله عليه السلام:«و تدبيرا على عدوك» دبرت الامر تدبيرا: نظرت الى ‌ما‌ توول عاقبته، ماخوذ ‌من‌ الدبر ‌و‌ ‌هو‌ الاخر ‌من‌ كل شى ء، لانه نظر ‌فى‌ دبر الامر. ‌و‌ ‌هو‌ قريب ‌من‌ التفكر، لان التفكر تصرف القلب بالنظر ‌فى‌ الدليل، ‌و‌ التدبر تصرفه بالنظر ‌فى‌ العواقب.
 ‌و‌ عداه ب«على» ايذانا بان التدبير مستعل عليه لازم له لزوم الراكب لمركوبه، كقولهم: هذا لك ‌و‌ هذا عليك.
 ‌و‌ المراد بعدوه تعالى: المرض عن عبادته ‌و‌ المبغض لها ‌و‌ لمن تلبس بها ‌من‌ عباده، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ باب اطلاق الشى ء على ‌ما‌ ‌هو‌ ‌من‌ لوازمه مجازا.
 قوله عليه السلام:«و ‌ما‌ اجرى على لسانى ‌من‌ لفظه فحش» الى آخره، اسناد الاجراء الى الشيطان مجاز عقلى، ‌من‌ حيث انه سبب امر، كقولهم: بنى الامير المدينه.
 ‌و‌ الفحش بالضم: السى ء ‌و‌ الردى، ‌من‌ القول.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ القاموس: الفحش عدوان الجواب، ‌و‌ منه: ‌لا‌ تكونى فاحشه لعائشه، انتهى.
 
و قال ‌فى‌ النهايه: قال صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم لعائشه: ‌لا‌ تقولى ذلك فان الله ‌لا‌ يحب الفحش، اراد بالفحش التعدى ‌فى‌ القول ‌و‌ الجواب، ‌لا‌ الفحش الذى ‌هو‌ ‌من‌ قذع الكلام ورديه.
 ‌و‌ قيل: الفحش ‌و‌ الفحشاء: ‌ما‌ ينفر عنه الطبع السليم ‌و‌ يستنقصه العقل المستقيم، قولا كان ‌او‌ فعلا.
 ‌و‌ الهجر: يروى بالضم، ‌و‌ الفتح، ‌و‌ ‌هو‌ بالضم: الخنا، ‌و‌ القبيح ‌و‌ الفحش، ‌من‌ القول، ‌و‌ الاكثار ‌من‌ الكلام فيما ‌لا‌ ينبغى، اسم ‌من‌ اهجر ‌فى‌ منطقه يهجر اهجارا: اذا افحش، ‌و‌ كذلك اذا اكثر الكلام فيما ‌لا‌ ينبغى، ‌و‌ بالفتح: الهذيان.
 يقال: هجر يهجر- ‌من‌ باب قتل- هجرا بالفتح: اذا خلط ‌فى‌ كلامه ‌و‌ هذى.
 ‌و‌ شتمه شتما- ‌من‌ باب ضرب ‌و‌ قتل-: سبه.
 ‌و‌ قيل الشتم: وصف الرجل بما فيه ازراء ‌و‌ نقص سيما فيما يتعلق بالنسب.
 ‌و‌ عرض الرجل بالكسر: حسبه.
 ‌و‌ قيل: خليقته المحموده.
 ‌و‌ قيل: ‌ما‌ يمدح ‌به‌ ‌و‌ يذم.
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: العرض: موضع المدح ‌و‌ الذم ‌من‌ الانسان، سواء كان ‌فى‌ نفسه ‌او‌ ‌فى‌ سلفه ‌او‌ ‌من‌ يلزمه امره.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ جانبه الذى يصونه ‌من‌ نفسه ‌و‌ حسبه ‌و‌ يحامى عنه ‌ان‌ ينتقص ‌و‌ يثلب.
 ‌و‌ قال ابن قتيبه: عرض الرجل: نفسه ‌و‌ بدنه ‌لا‌ غير.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌ما‌ يفتخر ‌به‌ ‌من‌ حسب ‌او‌ شرف، ‌و‌ قد يراد ‌به‌ الاباء ‌و‌ الاجداد.
 
و الشهاده: الاخبار بما قد شوهد اى: عن عيان، ‌و‌ هى اسم ‌من‌ المشاهده ‌و‌ هى الاطلاع على الشى ء عيانا.
 ‌و‌ الباطل ‌ما‌ ‌لا‌ يكون صحيحا باصله، ‌و‌ اضافه الشهاده الى الباطل اما بمعنى لام الاختصاص، ‌او‌ على حذف الجار ‌و‌ الايصال، كان الاصل شهاده على الباطل.
 ‌و‌ اغتاب فلان فلانا: اذا ذكره بما يسووه ‌و‌ يكرهه ‌من‌ العيوب ‌و‌ كان فيه، فان لم يكن فيه فهو بهت ‌و‌ تهمه.
 ‌و‌ ‌فى‌ العرف: ذكر الانسان المعين ‌او‌ بحكمه ‌فى‌ غيبته بما يكره نسبته اليه مما ‌هو‌ حاصل فيه، ‌و‌ يعد نقصا ‌فى‌ العرف بقصد الانتقاص ‌و‌ الذم، قولا ‌او‌ اشاره ‌او‌ كنايه تعريضا ‌او‌ تصريحا، فلا غيبه ‌فى‌ غير معين كواحد مبهم ‌من‌ غير محصور كاحد اهل البلد، بخلاف مبهم ‌من‌ محصور كواحد ‌من‌ المعينين كاحد قاضى البلد فاسق مثلا، فانه ‌فى‌ حكم المعين كما صرح ‌به‌ شيخنا البهائى قدس سره ‌فى‌ شرح الاربعين، ‌و‌ ‌لا‌ بذكر عيبه ‌فى‌ حضوره ‌و‌ ‌ان‌ كان آثما لايدائه ‌لا‌ بقصد الوعظ ‌و‌ النصيحه، ‌و‌ ‌لا‌ بذكر ‌ما‌ ليس فيه فانه بهتان ‌و‌ تهمه، ‌و‌ ‌لا‌ بذكر ‌ما‌ يكره ‌و‌ ‌لا‌ يعد نقصا، ‌و‌ ‌لا‌ بذكر عيبه ‌لا‌ لقصد الانتقاص، كذكره للطبيب لقصد العلاج ‌و‌ للسلطان لقصد الترحم.
 فان قلت: ‌ما‌ فائده وصف المومن بالغائب؟ فان الاغتياب ‌هو‌ ذكر الرجل بما يسووه ‌فى‌ غيبته، فلا يكون الا لغائب.
 قلت: ‌هو‌ ‌من‌ باب التصريح بما علم ضمنا، ‌و‌ فائدته التنصيص على متعلق الاغتياب.
 
تنبيهات
 
 الاول: الغيبه حرام للايات ‌و‌ الروايات ‌و‌ اجماع الامه، ‌و‌ قد عدت ‌من‌ الكبائر، ‌و‌ لو لم يرد فيها الا قوله تعالى:«و ‌لا‌ يغتب بعضكم بعضا ايحب احدكم ‌ان‌ ياكل لحم اخيه ميتا»، فانه مثل الاغتياب باكل الانسان لحم انسان آخر مثله، ثم لم يقتصر على ذلك حتى جعله لحم الاخ، ثم لم يقتصر حتى جعله ميتا، ثم جعل ‌ما‌ ‌هو‌ ‌فى‌ غايه الكراهه موصولا بالمحبه.
 ‌و‌ قول نبيه صلى الله عليه ‌و‌ آله: اياكم ‌و‌ الغيبه، فان الغيبه اشد ‌من‌ الزنا، الرجل يزنى فيتوب الله عليه ‌و‌ ‌ان‌ صاحب الغيبه ‌لا‌ يغفر له حتى يغفر صاحبه.
 قال بعض علمائنا: ‌ان‌ المغتاب لما لم يكن معصوما ينبغى ‌ان‌ يكون له ‌فى‌ عيبه لنفسه شغل عن عيب الناس، ‌و‌ لو فرض انه خال عن العيوب كلها، فلينزه نفسه عن الغيبه التى هى ‌من‌ اقبح العيوب ‌و‌ ‌من‌ اعظم الكبائر.
 قال شيخنا الشهيد الثانى قدس سره: ‌و‌ العجب ‌من‌ علماء الزمان ‌ان‌ كثيرا منهم يجتنب كثيرا ‌من‌ المعاصى الظاهره ‌من‌ شرب الخمر ‌و‌ الزنا ‌و‌ غصب اموال الناس ‌و‌ نحوها، وهم مع ذلك يتعاطون الغيبه، ‌و‌ السبب فيه اما الغفله عن تحريمها ‌و‌ ماورد ‌من‌ الوعيد عليها، ‌و‌ اما لان مثل ذلك ‌من‌ المعاصى ‌لا‌ يخل عرفا بمراتبهم ‌و‌ منازلهم ‌من‌ الرئاسات، لخفاء هذا النوع ‌من‌ المنكر على ‌من‌ يرومون المنزله عنده ‌من‌ اهل الجهالات، ‌و‌ لو رغبوهم ‌فى‌ الشراب ‌او‌ الزنا ‌او‌ غصب مال الغير ‌ما‌ اطاعوه، لظهور فحشه عند العامه ‌و‌ سقوط منزلتهم، ‌و‌ لو استبصروا علموا ‌ان‌ ‌لا‌ فرق بين المعصيتين، بل لانسبه بين المعصيه المستلزمه للاخلال بحقه تعالى ‌و‌ بين ‌ما‌ يتعلق مع ذلك بحق
 
العبد، خصوصا باعراضهم التى هى اجل ‌و‌ اشرف ‌من‌ اموالهم.
 الثانى: كفاره الغيبه ‌ان‌ يندم المغتاب ‌و‌ يتوب ‌و‌ يتاسف على فعله ليخرج ‌من‌ ‌حق‌ الله اولا، ثم يستحل ‌من‌ اغتابه ليحله فيخرج عن مظلمته، ‌و‌ ذلك اذا امكنه الوصول اليه، ‌و‌ ينبغى ‌ان‌ يستحله ‌و‌ ‌هو‌ حزين متاسف نادم على فعله مستح مما ارتكبه، فان المرائى قد يستحل ليظهر ‌من‌ نفسه الورع، ‌و‌ ‌فى‌ الباطل ‌لا‌ يكون تائبا، فيكون قد قارف معصيه اخرى.
 يدل على ذلك ‌ما‌ روى عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ كانت لاخيه قبله مظلمه ‌فى‌ عرض ‌او‌ مال فليستحللها منه، ‌من‌ قبل ‌ان‌ ياتى يوم ليس هناك دينار ‌و‌ ‌لا‌ درهم، يوخذ ‌من‌ حسناته فتزاد ‌فى‌ حسنات صاحبه، فان لم تكن له حسنات اخذ ‌من‌ سيئات صاحبه فتزاد على سيئاته.
 ‌و‌ ‌ان‌ لم يمكنه الوصول اما لموت ‌او‌ لغيبه فليستغفر له. يدل على ذلك ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: سئل النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌ما‌ كفاره الاغتياب؟ قال: تستغفر الله لمن اغتبته كلما ذكرته.
 ‌و‌ يستحب للمعتذر اليه قبول العذر، فان لم يقبل كان اعتذاره ‌و‌ تودده حسنه محسوبه له، ‌و‌ قد تقابل سيئه الغيبه ‌فى‌ القيامه.
 ‌و‌ ‌لا‌ فرق بين اغتياب الصغير ‌و‌ الكبير ‌و‌ الحى ‌و‌ الميت ‌و‌ الذكر ‌و‌ الانثى.
 ‌و‌ ليكن الاستغفار ‌و‌ الدعاء له بحسب ‌ما‌ يليق بحاله، فيدعو للصغير بالهدايه، ‌و‌ للميت بالرحمه ‌و‌ المغفره ‌و‌ نحو ذلك.
 
و ‌لا‌ يسقط الحق باباحه الانسان عرضه، لانه عفو عما لم يجب، كما ‌ان‌ لو اباح قذف نفسه لم يسقط حقه ‌من‌ الحد. ‌و‌ الظاهر انه تجب ‌فى‌ هذه الكفاره النيه كما ‌فى‌ سائر الكفارات.
 الثالث: جوز العلماء الغيبه ‌فى‌ عشره مواضع: الشهاده، ‌و‌ النهى عن المنكر، ‌و‌ شكايه المتظلم، ‌و‌ نصح المستشير، ‌و‌ جرح الشاهد ‌و‌ الراوى، ‌و‌ تفضيل بعض العلماء ‌و‌ الصناع على بعض، ‌و‌ غيبه المتظاهر بالفسق الغير المستنكف على قول، ‌و‌ قيل: مطلقا، ‌و‌ قيل بالمنع مطلقا، ‌و‌ ذكر المشتهر بوصف مميز له كالاعور ‌و‌ الاعرج مع عدم قصد الاحتقار ‌و‌ الذم، ‌و‌ ذكره عند ‌من‌ يعرفه بذلك بشرط عدم سماع غيره على قول، ‌و‌ التنبيه على الخطا ‌فى‌ المسائل العلميه ‌و‌ نحوها بقصد ‌ان‌ ‌لا‌ يتبعه احد فيها.
 ثم هذه الامور ‌ان‌ اغنى التعريض فيها فلا يبغد القول بتحريم التصريح، لانها انما شرعت للضروره، ‌و‌ الضروره تقدر بقدر الحاجه، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام:«او سب حاضر» السب: الشتم، سبه سبا ‌من‌ باب قتل.
 قيل: اصله ‌من‌ السب بمعنى القطع، لان الساب يقطع المسبوب.
 ‌و‌ قيل: ‌من‌ السبه بالضم ‌و‌ هى حلقه الدبر، كان الساب كشف بشتمه عوره المسبوب، ‌و‌ منه قيل للاصبع التى تلى الابهام: سبابه، لانها يشاربها عند السب.
 قال بعضهم: ‌و‌ سب الحاضر ‌ان‌ يقول له مثلا: ‌يا‌ شارب الخمر، ‌او‌ ‌يا‌ آكل الربا، ‌او‌ ‌يا‌ ملعون، ‌او‌ ‌يا‌ خائن، ‌او‌ ‌يا‌ حمار، ‌او‌ ‌يا‌ كلب، ‌او‌ ‌يا‌ خنزير، ‌او‌ ‌يا‌ فاسق، ‌او‌ ‌يا‌ فاجر، ‌و‌ امثال ذلك.
 ‌و‌ سب الكندى رجلا فقال له: انت ‌و‌ الله ثقيل الظل مظلم الهواء جامد النسيم.
 ‌و‌ تساب بدويان فقال احدهما لصاحبه: اراك ‌و‌ الله تعطس عن انف طالما
 
جدع على الهوان، فقال له صاحبه ‌و‌ الله لئن تكف عنى شره لسانك ‌و‌ لم تستر عنى عوره كلمتك، لاصدعن صفاتك بمعول لاينبو عن مضربه، ‌و‌ لاحصدن راسك بمنجل ‌لا‌ ينشى ء عن ماخذه فقال له الاول. ‌لا‌ تسعر نارنا ‌و‌ ‌لا‌ تطلب عوارنا، فان سفه الجاهل بلسانه ‌و‌ سفه اللبيب بيده، ‌و‌ كانى بك ‌و‌ قد وعيت منى كلاما يمنعك الشراب البارد، ‌و‌ يشمت بك الصادر ‌و‌ الوارد، ‌و‌ ‌قل‌ ‌من‌ تمرد على العافيه الا تمرد عليه البلاء، فانقلب عنه صاحبه مغيظا يهمهم.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى عن ابى جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: سباب المومن فسوق، ‌و‌ قتاله كفر، ‌و‌ اكل لحمه معصيه، ‌و‌ حرمه ماله كحرمه دمه.
 ‌و‌ عن ابى الحسن موسى عليه السلام ‌فى‌ رجلين يتسابان، قال: البادى منهما اظلم، ‌و‌ وزره ‌و‌ وزر صاحبه عليه ‌ما‌ لم يعتذر الى المظلوم.
 قوله عليه السلام:«و ‌ما‌ اشبه ذلك» اشاره الى المذكور مما اجرى الشيطان على لسانه، يعنى ‌ما‌ ماثله ‌فى‌ الهجنه ‌و‌ الاثم، كالبهت ‌و‌ النميمه ‌و‌ السعايه ‌و‌ الاستهزاء ‌و‌ التهمه ‌و‌ الروايه على المومن ‌و‌ الكذب الى غير ذلك، فان كل ذلك مباين لمكارم الاخلاق ‌و‌ حسن الشيم، مناف لمقتضى الايمان ‌و‌ التقوى ‌و‌ الورع.
 قوله عليه السلام:«نطقا بالحمد لك» النطق بالضم: اسم ‌من‌ نطق ينطق نطقا- ‌من‌ باب ضرب- اذا تكلم بصوت ‌و‌ حروف تعرف بها المعانى.
 ‌و‌ المراد بالحمد هنا: الحمد اللغوى بدلاله النطق، ‌و‌ ‌هو‌ الوصف بالجميل على جهه التعظيم باللسان، ‌و‌ قد براد ‌به‌ القول الاصطلاحى، ‌و‌ ‌هو‌ حمد اللسان ‌و‌ ثناوه على الحق تعالى بما اثنى ‌به‌ على نفسه على لسان انبيائه، فتكون اللام فيه للعهد.
 
و اغرق ‌فى‌ الشى ء اغراقا: بالغ فيه ‌و‌ اطنب، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ اغرق الرامى ‌فى‌ القوس: اذا استوفى مدها.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: اغرق الرامى النزع، ‌و‌ منه الاغراق ‌فى‌ القول ‌و‌ غيره، ‌و‌ ‌هو‌ المبالغه ‌و‌ الاطناب.
 ‌و‌ الثناء بالمد قيل: ‌هو‌ وصف الشى ء بمدح ‌او‌ ذم.
 ‌و‌ قيل: خاص بالمدح.
 ‌و‌ قيل: استعماله ‌فى‌ المدح اكثر ‌من‌ الذم.
 ‌و‌ الحق انه عند الاطلاق ‌لا‌ ينصرف الا الى المدح، لقوله:
 اذا اثنى عليك المرء يوما
 كفاه ‌من‌ تعرضه الثناء
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌لا‌ احصى ثناء عليك، انت كما اثنيت على نفسك.
 ‌و‌ ذهب يذهب ذهابا بالفتح ‌و‌ ذهوبا: سار ‌و‌ مضى، ثم استعير للاستغراق ‌فى‌ الشى ء ‌و‌ التوغل ‌و‌ الامعان، كانه سار فيه ‌و‌ مضى ‌و‌ لم يقف.
 ‌و‌ مجده تمجيدا: اعظمه ‌و‌ اثنى عليه بالشرف ‌و‌ الكرم.
 ‌و‌ الشكر: عباره عن المعروف المقابل ‌به‌ النعمه، سواء كان باللسان ‌او‌ باليد ‌او‌ بالقلب.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ الثناء على المحسن بذكر احسانه.
 ‌و‌ اعترف بالشى ء اعترافا: اقربه على نفسه.
 ‌و‌ الاحسان: فعل ‌ما‌ ينبغى ‌من‌ الخير.
 ‌و‌ احصى الشى ء احصاء: عده ‌و‌ حفظه.
 ‌و‌ المنه: النعمه، ‌و‌ المراد باحصائها: حفظها عن الكفر بها، ‌او‌ الاعتداد بها صونا
 
لها عن اهمال شكرها ‌و‌ عدم الالتفات اليها، ‌و‌ الا فنعمه الله تعالى ‌لا‌ تحصى، كما قال سبحانه:«و ‌ان‌ تعدوا نعمه الله ‌لا‌ تحصوها» ‌و‌ الله اعلم.
 
 تنبيه
 
 الجعل المطلوب اعنى نقل السيئات المذكوره التى القاها الشيطان ‌فى‌ روعه ‌و‌ اجراها على لسانه الى الحسنات المطلوبه، اما بمحوها بالتوبه ‌و‌ اثبات الحسنات مكانها، ‌او‌ بتبديل ملكاتها ‌و‌ دواعيها ‌فى‌ النفس بملكات الحسنات المذكوره بان يزيل الاولى ‌و‌ ياتى بالثانيه، ‌او‌ بان يثبت له بدل عقاب كل منها ثواب الحسنه المقابله لها، ‌و‌ بكل فسر قوله تعالى:«فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات»، ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك ‌فى‌ آخر الروضه الثانيه.
 
لا: طلبيه للدعاء.
 ‌و‌ اظلم: مبنى للمفعول مجزوم بها موكد بالنون الثقيله مسند الى ضمير المتكلم، وقس على ذلك البواقى، الا ‌ان‌ الفعل فيها مبنى للفاعل.
 ‌و‌ الجزم ب«لا» الطلبيه لفعل المتكلم ثابت ‌فى‌ الفصيح، ‌و‌ ‌ان‌ صرح النحويون بقلته ‌و‌ ندوره، ‌و‌ ‌من‌ شواهده قوله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌لا‌ الفين احدكم متكئا على اريكته ياتيه الامر مما امرت ‌به‌ الحديث رواه الاكثرون.
 
و قول العرب: ‌لا‌ ارينك هاهنا.
 ‌و‌ قول الشاعر:
 ‌لا‌ اعرفن ربربا حورا مدامعها
 مردفات على اعقاب اكوار
 ‌و‌ قول الاخر.
 اذا ‌ما‌ خرجنا ‌من‌ دمشق فلا نعد
 لها ابدا مادام فيها الجراضم
 ‌و‌ الاكثرون على انه ‌لا‌ فرق ‌فى‌ ندور الجزم بها لفعل المتكلم بين المبنى للفاعل ‌و‌ المبنى للمفعول.
 ‌و‌ فصل بعضهم بينهما، فحكم بالندور ‌و‌ القله فيما كان مبنيا للفاعل، ‌و‌ بالكثره فيما كان مبنيا للمفعول، كقوله عليه السلام ‌و‌ ‌لا‌ اظلمن ‌و‌ انت مطيق للدفع عنى، لان المطلوب منه غير المتكلم ‌و‌ ‌هو‌ الفاعل المحذوف النائب عنه ضمير المتكلم ‌و‌ الاصل ‌لا‌ يظلمنى احد فحذف الفاعل ‌و‌ انيب عنه ضمير المتكلم، ‌و‌ عدل ‌من‌ الفعل المبدوء بياء الغيبه الى المبدوء بالهمزه ‌و‌ النون، ليتمكن ‌من‌ الاسناد الى ضمير المتكلم على ‌حد‌ الالتفات ‌من‌ الغيبه الى التكلم، بخلاف ‌ما‌ اذا كان مبنيا للفاعل، فان المطلوب منه ‌هو‌ المتكلم ‌و‌ ‌هو‌ نادر، لان المتكلم ‌لا‌ يطلب ‌من‌ نفسه الا على المجاز تنزيلا لها منزله الاجنبى.
 قالوا: ‌و‌ هذا النوع مما اقيم فيه السبب مقام المسبب، فالاصل ‌فى‌ «لا ارينك هاهنا» ‌لا‌ تكن هاهنا فاراك، وقس على ذلك.
 ‌و‌ الجمل بعد الافعال المجزومه كلها احوال، ‌و‌ ‌من‌ زعم ‌ان‌ «لا» ‌فى‌ جميع هذه الفقرات نافيه، ‌و‌ الغرض الاخبار تحدثا بالنعمه، فقد ابعد.
 ‌و‌ اطاق الشى ء اطاقه: قدر عليه فهو مطيق، ‌و‌ الاسم الطاقه.
 ‌و‌ دفعت عنه الاذى: نحيته عنه.
 ‌و‌ قبضت زيدا عن الامر: كفيته منه ‌و‌ منعته ‌من‌ فعله.
 
و قوله:«منى»: ظرف مستقر متعلق بمحذوف حال ‌من‌ القبض، اى: كائنا منى. ‌و‌ امكنه الامر امكانا: سهل ‌و‌ تيسر.
 ‌و‌ افتقر: مطاوع افقره، يقال: فقر يفقر- ‌من‌ باب تعب-: اذا ‌قل‌ ماله، ‌و‌ افقره فافتقر.
 ‌و‌ الوسع بالضم: الجده ‌و‌ الغنى.
 وطغا طغوا ‌من‌ باب قال، طغى يطغى ‌من‌ باب تعب، ‌و‌ ‌من‌ باب نفع لغه ايضا فيقال: طغيت، ‌و‌ الاسم الطغيان، ‌و‌ ‌هو‌ مجاوزه الحد ‌و‌ الاسراف ‌فى‌ المعاصى ‌و‌ التكبر، قال تعالى:«ان الانسان ليطغى ‌ان‌ راه استغنى».
 ‌و‌ الوجد بالضم ‌و‌ يفتح ‌و‌ يكسر: الجده، ‌و‌ هى الثروه ‌و‌ الاستغناء اى: ‌لا‌ تبتلنى بالطغيان بالاستغناء فاطغى، ‌و‌ الحال ‌ان‌ استغنائى ‌من‌ عندك، فان الطغيان بالمال انما يكون بسبب نسيان العبد فضل ربه ‌و‌ عنايته به، فينسب ذلك الى كفايه نفسه ‌لا‌ الى عنايه الله تعالى، اما اذا اعلم ‌ان‌ غناه وجدته ‌من‌ فضله سبحانه، فانه ‌لا‌ يزيد الا تواضعا ‌و‌ عبوديه. بل اذا تامل وجد نفسه ‌فى‌ حال الغنى اشد افتقارا الى الله، لان الفقير ‌لا‌ يتمنى الا سلامه نفسه، ‌و‌ الغنى يتمنى سلامه نفسه ‌و‌ ماله ‌و‌ اهله ‌و‌ جاهه، ‌و‌ الله اعلم.
 
تقديم الظرف ‌فى‌ الفقرات الاربع للتخصيص، ‌و‌ معناه: الى مغفرتك وفدت ‌لا‌ الى غيرها، وقس على ذلك.
 ‌و‌ وفد اليه ‌و‌ عليه يفد وفدا- ‌من‌ باب وعد- ‌و‌ وفودا ‌و‌ وفاده: قدم ‌و‌ ورد، ‌و‌ غلب
 
استعمال الوفود ‌فى‌ قصد الملوك ‌و‌ الامراء ‌و‌ نحوهم للزياده ‌و‌ الاسترفاد ‌و‌ الانتجاع.
 ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا: توجه نفسه الى طلب مغفرته تعالى، فهو استعاره، فان قصد فيه الى تشبيه نفسه بالشخص الوافد على عظيم ‌فى‌ توقع حصول النفع منه ‌و‌ نيل الاحسان لديه، ‌و‌ جعل اثبات الوفود لها تنبيها على ذلك، كان ‌من‌ قبيل الاستعاره بالكنايه.
 ‌و‌ ‌ان‌ حمل على ‌ان‌ المشبه ‌به‌ فيه ‌هو‌ المعنى المصدرى الحقيقى للوفود، ‌و‌ المشبه توجه نفسه، كان طرفا التشبيه حينئذ مفردين ‌و‌ الاستعاره تبعيه.
 ‌و‌ ‌ان‌ جعل المشبه ‌به‌ فيه صوره منتزعه ‌من‌ نفسه ‌و‌ توجهها الى المغفره ‌و‌ طلبها لها ‌و‌ ترجى شمولها له، بصوره منتزعه ‌من‌ الوافد الى ملك ‌او‌ نحوه ‌و‌ قصده له ‌و‌ انتجاعه ‌و‌ استرفاده اياه ‌و‌ تاميل نيل احسانه، كان طرفا التشبيه حينئذ مركبين منتزعين ‌من‌ عده امور، ‌و‌ الاستعاره تمثيليه ‌و‌ المستعار مجموع الالفاظ الداله على الصوره المشبه بها، الا انه اقتصر منها على لفظ الوفود الدال على ‌ما‌ ‌هو‌ العمده ‌فى‌ هذه الصوره، فيدل بمعونه قرائن الاحوال على ‌ان‌ سائر الالفاظ الداله على سائر اجزاء هذه الصوره منويه ‌فى‌ الاراده فتكون ‌فى‌ حكم الملفوظ، ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ هذا الوجه انسب بالمقام ‌و‌ ادخل ‌فى‌ تحصيل المرام، ‌و‌ اخذ على ذلك ‌ما‌ اشبهه ‌من‌ الالفاظ المستعاره، ‌و‌ اختر ‌من‌ الوجوه المذكوره ‌ما‌ ‌هو‌ اليق بمدلول العباره.
 ‌و‌ قصدت الشى ء ‌و‌ له ‌و‌ اليه قصدا- ‌من‌ باب ضرب-: طلبته بعينه.
 ‌و‌ تجاوزت عن الذنب تجاوزا: عفوت عنه ‌و‌ صفحت، ‌و‌ قد تقدم بيانه.
 ‌و‌ الشوق: نزاع النفس الى الشى ء.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ اهتياج النفس الى لقاء المحبوب، يقال: اشتاقه ‌و‌ اشتقاق اليه بمعنى
 
و الفضل: ابتداء الاحسان بلا عله.
 ‌و‌ وثق ‌به‌ يثق بكسر هما ثقه ‌و‌ وثوقا: اعتمد عليه.
 قوله عليه السلام:«و ليس عندى ‌ما‌ يوجب لى» يحتمل ‌ان‌ يكون الواو للاستئناف، فالجمله ‌لا‌ محل لها ‌من‌ الاعراب، ‌و‌ ‌ان‌ تكون للحال، فالجمله ‌فى‌ محل نصب، اى: ‌و‌ الحال انه ليس عندى ‌ما‌ يوجب مغفرتك.
 ‌و‌ وجب الحق يجب وجوبا: لزم ‌و‌ ثبت، ‌و‌ اوجبه: الزمه ‌و‌ اثبته.
 ‌و‌ المغفره: هى ‌ان‌ يستر القادر القبيح ممن ‌هو‌ تحت قدرته، حتى ‌ان‌ العبد اذا ستر عيب سيده مخافه عقابه ‌لا‌ يقال: غفر له. ‌و‌ استحق الشى ء استوجبه.
 قوله عليه السلام:«بعد ‌ان‌ حكمت على نفسى» ان: مصدريه، اى: بعد حكمى، يقال: حكم عليه حكما ‌و‌ حكومه اى: قضى.
 ‌و‌ لم يذكر المحكوم ‌به‌ لدلاله الكلام السابق عليه فحذفه اختصارا، اذ المعنى: بعد ‌ان‌ حكمت على نفسى بعدم ‌ما‌ يوجب لى مغفرتك ‌و‌ ‌ما‌ استحق ‌به‌ عفوك.
 ‌و‌ الاستثناء مفرغ، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ الحقيقه ‌من‌ عام محذوف، ‌و‌ ‌ما‌ بعد الا بدل ‌من‌ ذلك المحذوف، ‌و‌ التقدير: ‌و‌ مالى شى ء الا فضلك.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله:«فصل» فصيحه، اى: اذا لم يكن لى الا فضلك فصل على محمد ‌و‌ آله.
 ‌و‌ تفضل على: ‌اى‌ احسن الى بلا عله ‌و‌ سبب يوجبان الاحسان، ‌و‌ الله اعلم.
 
الهدى هنا: بمعنى البيان ‌و‌ الحجه بقرينه الانطاق.
 
و المراد بالبيان: اظهار المقصود بابلغ لفظ، ‌و‌ بالحجه: الكلام المستقيم. ‌و‌ قيل: البيان: اخراج الشى ء عن حيز الاشكال الى حيز التجلى، ‌و‌ الحجه: البرهان.
 قال الفيومى ‌فى‌ المصباح: الهدى: البيان.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق ‌و‌ ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: ‌فى‌ حديث محمد ‌بن‌ كعب: بلغنى ‌ان‌ عبدالله ‌بن‌ ابى سليط قال لعبد الرحمن ‌بن‌ زيد ‌بن‌ حارثه- ‌و‌ قد اخر صلاه الظهر-: اكانوا يصلون هذه الصلاه الساعه؟ قال: ‌لا‌ ‌و‌ الله، فما هدى مما رجع، اى: فما بين ‌و‌ ‌ما‌ جاء بحجه مما اجاب، انما قال: ‌لا‌ ‌و‌ الله، ‌و‌ سكت، ‌و‌ المرجوع: الجواب، فلم يجى بجواب فيه بيان ‌و‌ حجه لما فعل ‌من‌ تاخير الصلاه، ‌و‌ هدى بمعنى بين ‌فى‌ لغه اهل الغور، يقولون: هديت لك بمعنى بينت لك، ‌و‌ يقال: بلغتهم نزلت «او لم يهدلهم» انتهى.
 ‌و‌ يصح حمله على الهدى بمعنى الدلاله على ‌ما‌ يوصل الى المطلوب، ‌او‌ سلوك طريق يوصل الى المطلوب، ‌و‌ الاول اظهر.
 ‌و‌ الالهام: ‌ان‌ يلقى الله ‌فى‌ نفس العبد امرا يبعثه على الفعل ‌او‌ الترك بطريق الفيض، ‌و‌ ‌هو‌ نوع ‌من‌ الوحى يخص الله ‌به‌ ‌من‌ يشاء ‌من‌ عباده.
 ‌و‌ التقوى ‌فى‌ اللغه: الاتقاء، ‌و‌ ‌هو‌ اتخاذ الوقايه، ‌و‌ ‌فى‌ العرف: هى الاحتراز بطاعه الله عن عقوبته.
 ‌و‌ قال بعض العلماء هى بحسب العرف الشرعى تعود الى خشيه الحق سبحانه، المستلزمه للاعراض عن كل ‌ما‌ يوجب الالتفات عنه ‌من‌ متاع الدنيا ‌و‌ زينتها، ‌و‌ تنحيه ‌ما‌ دون وجهه القصد.
 
قال بعض العارفين: ‌ان‌ خيرات الدنيا ‌و‌ الاخره جمعت تحت لفظه واحده ‌و‌ هى التقوى، انظر الى ‌ما‌ ‌فى‌ القرآن الكريم ‌من‌ ذكرها، فكم علق عليها ‌من‌ خير، ‌و‌ وعدلها ‌من‌ ثواب، ‌و‌ اضاف اليها ‌من‌ سعاده دنيويه ‌و‌ كرامه اخرويه. ‌و‌ لنذكر ‌من‌ خصالها ‌و‌ آثارها الوارده فيه اثنتى عشره خصله:
 الاولى: المدحه ‌و‌ الثناء، قال الله تعالى:«و ‌ان‌ تصبروا ‌و‌ تتقوا فان ذلك ‌من‌ عزم الامور».
 الثانيه: الحفظ ‌و‌ الحراسه، قال تعالى:«و ‌ان‌ تصبروا ‌و‌ تتقوا ‌لا‌ يضركم كيدهم شيئا».
 الثالثه: التاييد ‌و‌ النصر، قال تعالى:«ان الله مع الذين اتقوا».
 الرابعه: النجاه ‌من‌ الشدائد ‌و‌ الرزق الحلال، قال تعالى:«و ‌من‌ يتق الله يجعل له مخرجا ‌و‌ يرزقه ‌من‌ حيث ‌لا‌ يحتسب».
 الخامسه: صلاح العمل، قال تعالى:«يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله ‌و‌ قولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم».
 السادسه: غفران الذنوب، قال تعالى:«و يغفر لكم ذنوبكم».
 السابعه: محبه الله تعالى: قال تعالى:«ان الله يحب المتقين».
 الثامنه: قبول الاعمال، قال الله تعالى:«انما يتقبل الله ‌من‌ المتقين».
 التاسعه: الاكرام ‌و‌ الاعزاز، قال تعالى:«ان اكرمكم عند الله اتقاكم».
 العاشره: البشاره عند الموت، قال تعالى:«الذين آمنوا ‌و‌ كانوا يتقون لهم
 
البشرى ‌فى‌ الحياه الدنيا ‌و‌ ‌فى‌ الاخره».
 الحاديه: عشره: النجاه ‌من‌ النار، قال تعالى:«ثم ننجى الذين اتقوا».
 الثانيه عشره: الخلود ‌فى‌ الجنه، قال تعالى «اعدت للمتقين».
 فقد ظهر لك ‌ان‌ سعاده الدارين منطويه فيها ‌و‌ مندرجه تحتها، ‌و‌ هى كنز عظيم ‌و‌ غنم جسيم، ‌و‌ خير كثير ‌و‌ فوز كبير، انتهى.
 قوله عليه السلام:«و وفقنى للتى هى ازكى» اى: للحاله ‌او‌ الخصله ‌او‌ السيره التى هى ازكى الحالات ‌او‌ الخصال، ‌او‌ السير، اى: انماها ‌و‌ اكثرها ثوابا ‌او‌ اطهرها ‌او‌ اصلحها، ‌من‌ زكى المال يزكو زكاء اى: نمى ‌و‌ زاد، ‌و‌ منه الزكاه الشرعيه، لانها سبب يرجى ‌به‌ الزياده ‌و‌ البركه. ‌او‌ ‌من‌ زكى الرجل يزكو: اذا طهر، ‌و‌ منه:«نفسا زكيه». ‌او‌ ‌من‌ زكى اى: صلح، ‌و‌ منه:«خيرا منه زكاه» اى: صلاحا.
 انما لم يذكر الموصوف لما ‌فى‌ ابهامه بحذفه ‌من‌ الفخامه التى ‌لا‌ توجد مع ايضاحه، فانك ايما قدرت ‌من‌ الحاله ‌او‌ الخصله ‌او‌ السيره، لم تجد مع الاثبات ذوق البلاغه التى تجده مع الحذف، لما فيه ‌من‌ عموم الاعتبار ‌و‌ ذهاب الوهم كل مذهب.
 قوله عليه السلام:«و استعملنى بما ‌هو‌ ارضى» اى: للعمل الذى ‌هو‌ اشد ارضاء لك، ‌او‌ اعظم الاعمال المرضيه عندك.
 فان قلت: استعمال «ارضى» ‌فى‌ كل ‌من‌ هذين المعنيين غير قياسى.
 اما الاول فلانه بناء ل«افعل» التفضيل ‌من‌ ذى الزياده، ‌و‌ قياسه انما يكون ‌من‌ الثلاثى.
 
و اما الثانى، فلانه بمعنى المفعول، ‌و‌ قياسه للفاعل.
 قلت: اما الاول فقد ذهب سيبويه امام الصناعه الى قياسه ‌من‌ باب افعل مع كونه ذا زياده.
 قال نجم الائمه: ‌و‌ يويده كثره السماع، كقولهم: ‌هو‌ اعطاهم للدينار ‌و‌ اولاهم للمعروف، ‌و‌ انت اكرم لى ‌من‌ فلان، ‌و‌ ‌هو‌ كثير.
 قال: ‌و‌ مجوزه قله التغيير، لانك تحذف منه الهمزه ‌و‌ ترده الى الثلاثى ثم تبنى منه افعل التفضيل، فتخلف همزه التفضيل همزه الافعال.
 ‌و‌ اما الثانى فوقوعه ‌فى‌ كلامه عليه السلام يكفى ‌فى‌ تجويز هذا الاحتمال، ‌و‌ ‌لا‌ يحتاج فيه الى السماع ‌من‌ غيره قطعا، فانه عليه السلام افصح العرب ‌فى‌ زمانه.
 
قوله عليه السلام:«و اسلك ‌بى‌ الطريقه المثلى» اى:الفضلى، تانيث الامثل بمعنى الافضل.
 يقال: مثل مثاله فهو مثيل ككرم كرامه فهو كريم، اى: فضل ‌من‌ باب قتل: فضلا فهو فاضل.
 ‌و‌ فسر قوله تعالى:«و يذهبا بطريقتكم المثلى» اى: بمذهبكم الذى ‌هو‌ افضل المذاهب. ‌و‌ منه: اشد الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل اى: الاشرف فالاشرف ‌و‌ الاعلى فالاعلى ‌فى‌ الرتبه ‌و‌ المنزله.
 ‌و‌ المراد بالطريقه المثلى: سبيل الحق الموصله اليه تعالى، التى تطابقت على الهدايه اليها السنه الرسل ‌و‌ الاولياء.
 ‌و‌ قيل: هى السيره المختصه بالسالكين الى الله تعالى مع قطع المنازل ‌و‌ الترقى ‌فى‌ المقامات.
 
و روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى عن ابى جعفر عليه السلام ‌فى‌ قول الله تعالى: «و ‌ان‌ لو استقاموا على الطريقه لاسقيناهم ماء غدقا» يقول: لاشربنا قلوبهم الايمان، ‌و‌ الطريقه هى ولايه على ‌بن‌ ابى طالب ‌و‌ الاوصياء عليهم السلام.
 قوله عليه السلام:«و اجعلنى على ملتك اموت ‌و‌ احيا».
 المله: الدين، ‌و‌ قيل: هى معظم الدين ‌و‌ جمله ‌ما‌ جاء ‌به‌ الرسل.
 ‌و‌ قيل: هى ‌ما‌ شرع الله لعباده على السنه الانبياء عليهم السلام، ‌و‌ تستعمل ‌فى‌ جمله الشرائع ‌لا‌ ‌فى‌ آحادها، ثم اتسعت فاستعملت ‌فى‌ المله الباطله ايضا، فقيل: مله الكفر.
 ‌و‌ حرف الاستعلاء موذن بالثبات اى: ثابتا على ملتك، ‌و‌ ‌هو‌ متعلق باموت ‌و‌ احيا على طريق التنازع. ‌و‌ تقديمه للتخصيص، اى: على ملتك ‌لا‌ على غيرها، مع ‌ما‌ فيه ‌من‌ الاهتمام ‌و‌ رعايه السجع. ‌و‌ قدم الموت للاهتمام به، لان اقوى الناس داعيا الى العمل ‌من‌ نصب موته بين عينيه، مع رعايه السجع.
 ‌و‌ المراد بالحياه ‌ما‌ قبل الموت ‌و‌ ‌ما‌ بعده، ‌و‌ الله اعلم.
 
الاقتصاد: افتعال ‌من‌ القصد بمعنى العدل، ‌و‌ ‌هو‌ التوسط ‌فى‌ الامور بين الافراط ‌و‌ التفريط.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: قصد ‌فى‌ معيشته ‌و‌ اقتصد ‌و‌ قصد ‌فى‌ الامر: اذا لم يجاوز فيه الحد ‌و‌ رضى بالتوسط، لانه ‌فى‌ ذلك يقصد الاسد. ‌و‌ ‌هو‌ على القصد ‌و‌ على قصد السبيل: اذا كان راشدا. ‌و‌ له طريق قصد ‌و‌ قاصده، خلاف قولهم: طريق جور
 
و جائره انتهى.
 ‌و‌ قد علمت فيما سبق ‌ان‌ الوسط الحق، الذى ‌لا‌ ميل له الى احد الجانبين ‌من‌ الافراط ‌و‌ التفريط، ‌هو‌ الصراط المستقيم ‌و‌ الطريق القصد التى اخذ الله على العباد سلوكها، فالمراد بالاقتصاد: سلوك الطريق القصد ‌فى‌ العقائد ‌و‌ الاقوال ‌و‌ الافعال كما تقدم بيانه.
 ‌و‌ كثيرا ‌ما‌ يستعمل الاقتصاد خاصا ‌فى‌ التوسط ‌فى‌ الانفاق بين الاسراف ‌و‌ التقتير، ‌و‌ منه: ‌ما‌ عال ‌من‌ اقتصد.
 ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الامور التى نص الله سبحانه عليها بقوله: «و الذين اذا انفقوا لم يسرفوا ‌و‌ لم يقتروا ‌و‌ كان بين ذلك قواما»، ‌و‌ لو حمل على هذا المعنى هنا لم يكن بعيدا، الا ‌ان‌ الاعم ‌هو‌ الاتم.
 ‌و‌ السداد بالفتح: الصواب ‌من‌ القول ‌و‌ الفعل، ‌و‌ اسد الرجل بالالف: جاء بالسداد، ‌و‌ ‌سد‌ يسد- ‌من‌ باب ضرب- سدودا: اصاب ‌فى‌ قوله ‌و‌ فعله فهو سديد.
 ‌و‌ الادله: جمع دليل، ‌و‌ ‌هو‌ فعيل ‌من‌ دله على الطريق: اذا هداه اليه ‌و‌ ارشده له.
 ‌و‌ الرشاد ‌و‌ الرشد بالضم ‌و‌ الرشد بالتحريك: الهدى، ‌و‌ الاستقامه، ‌و‌ الصواب.
 ‌و‌ لما كانت الامور المعقوله ‌لا‌ يهتدى لطريق الحق منها الا باستاذ مرشد يهدى المسترشد اليها ‌و‌ يعرفه رشادها، ‌و‌ كان العارفون بالله ‌هم‌ ادله هذه الطريق ‌و‌ المرشدين اليها، سال عليه السلام ‌ان‌ يجعله منهم.
 ‌و‌ الصالحون ‌من‌ العباد: ‌هم‌ المتصفون بالصلاح، ‌و‌ ‌هو‌ الخير ‌و‌ الصواب.
 ‌و‌ قال الزجاج: الصالح: ‌هو‌ الذى يودى الى الله ‌ما‌ افترض عليه ‌و‌ يودى الى الناس
 
 
حقوقهم.
 ‌و‌ الفوز: النجاه، ‌و‌ الظفر بالبغيه.
 ‌و‌ المعاد: الاخره لعود الخلق اليها، ‌و‌ المرجع ‌و‌ المصير، فهو بالمعنى الاول ظرف، ‌و‌ بالمعنى الثانى مصدر ميمى، ‌و‌ كلا المعنين محتمل هنا.
 ‌و‌ المرصاد- كالمنهاج- المكان الذى يرصد فيه ‌من‌ الطريق.
 يقال: رصدته رصدا- ‌من‌ باب قتل-: اذا قعدت له على الطريق تترقبه، ‌و‌ منه: ارصدت له العقوبه: اذا اعددتها له، ‌و‌ حقيقته جعلتها على طريقه كالمترقبه له. ‌و‌ المراد بالمرصاد هنا: اما جهنم اعاذنا الله تعالى منها، كما قال تعالى «ان جهنم كانت مرصادا للطاغين مابا»، سميت بذلك لان خزنتها يرصدون الكفار فيها للعذاب، ‌و‌ هى مابهم، ‌او‌ لان خزنه الجنه يرصدون المومنين ‌و‌ يستقبلونهم عندها، لان جوازهم عليها، لقوله تعالى:«و ‌ان‌ منكم الا واردها»، ‌و‌ هى ماب الطاغين، ‌و‌ لهذا قال الحسن ‌و‌ قتاده: طريقا ‌و‌ ممرا الى الجنه.
 ‌و‌ اما المشار اليه بقوله تعالى:«و ‌ان‌ ربك لبالمرصاد».
 قيل: ‌هو‌ تمثيل لعدم الاعمال ‌و‌ انه ‌لا‌ يفوته تعالى شى ء ‌من‌ اعمال العباد، لانه يسمع ‌و‌ يرى جميع اقوالهم ‌و‌ افعالهم، كما ‌لا‌ يفوت ‌من‌ ‌هو‌ بالمرصاد.
 قيل لاعرابى: اين ربك؟ قال: بالمرصاد، ‌و‌ ليس يريد ‌به‌ المكان.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز: انا لك بالمرصد ‌و‌ بالمرصاد اى: ‌لا‌ تفوتنى، ‌و‌ منه:«ان ربك لبالمرصاد».
 
و ‌فى‌ نهج البلاغه ‌من‌ كلام اميرالمومنين عليه السلام: ‌و‌ لئن امهل الله الظالم فلن يفوت اخذه، ‌و‌ ‌هو‌ له بالمرصاد على مجاز طريقه، ‌و‌ بموضع الشجار ‌من‌ مساغ ريقه.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام ‌فى‌ قوله تعالى: «ان ربك لبالمرصاد» قال: قنطره على الصراط ‌لا‌ يجوزها عبد بمظلمه عبد.
 ‌و‌ عن ابى جعفر عليه السلام: يوضع على جهنم صراط ادق ‌من‌ الشعر ‌و‌ اقطع ‌من‌ السيف، عليه ثلاث قناطر: الاولى عليها الامانه ‌و‌ الرحم، ‌و‌ الثانيه عليها الصلاه، ‌و‌ الثالثه عليها رب العالمين ‌لا‌ اله غيره، «و ‌فى‌ روايه: عدل رب العالمين»، فيكلفون الممر عليها فتحبسهم الامانه ‌و‌ الرحم، فان نجوا منها حبستهم الصلاه، فان نجوا منها كان المنتهى الى رب العالمين ‌جل‌ ذكره، ‌و‌ ‌هو‌ قوله تبارك ‌و‌ تعالى: «ان ربك لبالمرصاد». ‌و‌ الحديث طويل اخذنا منه موضع الحاجه.
 
قيل: يمكن ‌ان‌ يكون المعنى اجعل حصه ‌من‌ نفسى متعلقه بجنابك المقدس، ليكون ذلك سببا لخلاص نفسى، ‌و‌ ايق منها ‌ما‌ يكون فيه صلاحها، فان الخلاص قد يكون مع عدم الصلاح، انتهى.
 ‌و‌ قيل: المعنى اصطف ‌من‌ اعمال نفسى ‌ما‌ يخلصها ‌من‌ سخطك، ‌و‌ ابق لها ‌من‌ مساعيها ‌ما‌ يكون ‌به‌ صلاحها.
 ‌و‌ قيل: معناه افعل ‌بى‌ ‌ما‌ يوجب نجاه نفسى ‌و‌ خلاصها، ‌من‌ نفع ‌او‌ ضرر ‌او‌ فقر ‌او‌ غنى ‌او‌ موت ‌او‌ حياه، ‌و‌ ‌ان‌ كرهت بعض ذلك، ‌و‌ ابق لى ‌من‌ الاعمال الصالحه ‌ما‌ يوجب صلاح نفسى ‌و‌ وفقنى له.
 
و قيل يحتمل ‌ان‌ يكون المراد بقوله عليه السلام: «خذ لنفسك ‌من‌ نفسى ‌ما‌ يخلصها» ففى الاعمال السيئه ‌و‌ الاخلاق الذميمه التى يكون نفيها سببا لخلوص النفس ‌من‌ الشوائب ‌او‌ خلاصها ‌من‌ العذاب، فيكون قوله: «لنفسك» اى: لاجل القرب منك. ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد ‌به‌ اصطفاء الاعمال الصالحه ‌و‌ الاخلاق الكريمه، التى تكون سببا لخلوص نفسى ‌او‌ خلاصها، فيكون قوله: «لنفسك» اى: لاجل رضاك. ‌و‌ ‌لا‌ يخفى بعد الاحتمال الاول.
 هذا ‌ما‌ انتهى الينا ‌من‌ اقوال الاصحاب ‌فى‌ ‌حل‌ هذه العباره ‌من‌ الدعاء.
 ‌و‌ الذى يخطر بالبال على وجه الاحتمال، انه لما كانت النفس مكلفه بالقيام بامرين:
 احدهما: لله تعالى، ‌و‌ ‌هو‌ ‌و‌ سبب نجاتها ‌و‌ خلاصها ‌من‌ سخطه ‌و‌ عذابه تعالى.
 ‌و‌ الثانى: للنفس، ‌و‌ ‌هو‌ مالا بدلها منه ‌من‌ امر معاشها.
 سال عليه السلام ‌ان‌ يجعل نفسه قائمه بما ‌هو‌ لله تعالى ‌و‌ ‌هو‌ سبب خلاصها، ‌و‌ لما كان هذا المعنى يوجب استغراق النفس فيه، بحيث ‌لا‌ يمكنها الاشتغال معه بغيره ‌و‌ ‌لا‌ التوجه ‌و‌ الالتفات الى امر آخر، سال ثانيا ‌ان‌ يبقى لنفسه ‌من‌ نفسه مما لابد لها منه مقدار ‌ما‌ يكون فيه صلاحها، ‌كى‌ ‌لا‌ تكل ‌و‌ تحسر عن القيام بما ‌هو‌ لله، ‌و‌ ‌لا‌ تاشر ‌و‌ تبطر فتشتغل بغير ‌ما‌ ‌هو‌ لله، فيكون اشتغالها ‌به‌ ‌فى‌ الحقيقه عائدا الى الامر الاول ‌و‌ ‌فى‌ ذلك صلاحها، ‌و‌ الله اعلم بمقاصد اوليائه.
 ‌و‌ يويد هذا المعنى الاخير ‌ما‌ ‌فى‌ نسخه اخرى: «و ابق لنفسك ‌من‌ نفسى»، اذ كان ‌ما‌ يصلح النفس على هذا الوجه عائدا اليه سبحانه.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله: «فان نفسى»: للسببيه، بمعنى اللام.
 
و هالكه: ‌اى‌ غير ناجيه.
 قيل: الهلاك ‌فى‌ الاصل: انتهاء الشى ء الى الفساد.
 ‌و‌ قال امين الاسلام ابوعلى الطبرسى: اصل الهلاك: الضياع، ‌و‌ ‌هو‌ مصير الشى ء بحيث ‌لا‌ يدرى اين هو، ‌و‌ لهذا يقال للكافر: هالك ‌و‌ للميت هالك ‌و‌ للمعذب هالك.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الهالكه: النفس الشرهه، اى: الشديده الحرص.
 ‌و‌ اراده هذا المعنى هنا صحيح.
 ‌و‌ او: بمعنى الا الاستثنائيه، ‌و‌ «ان» مضمره بعدها، ‌و‌ هى الناصبه للفعل.
 ‌و‌ المعنى: الا ‌ان‌ تعصمها، اى: تقيها ‌و‌ تحفظها فلا تكون هالكه.
 ‌و‌ ‌ان‌ ‌و‌ الفعل موول بمصدر معطوف على مصدر متصيد ‌من‌ اسم الفاعل المتقدم، اى: ليكونن هلاك لنفسى ‌او‌ عصمه منك لها، ‌و‌ الله اعلم.
 
العده بالضم: ‌ما‌ اعددته ‌و‌ هياته لحوادث الدهر ‌من‌ المال ‌و‌ السلاح.
 ‌و‌ حزن حزنا ‌من‌ باب تعب، ‌و‌ الاسم الحزن بالضم فهو حزين. ‌و‌ يتعدى ‌فى‌ لغه قريش بالحركه، يقال: حزننى الامر يحزننى- ‌من‌ باب قتل- ‌و‌ ‌فى‌ لغه تميم بالالف، فيقال: احزننى الامر.
 ‌و‌ منع ابوزيد استعمال الماضى ‌من‌ الثلاثى متعديا، فقال: ‌لا‌ يقال: حزنه، ‌و‌ انما
 
يستعمل المضارع ‌من‌ الثلاثى، فيقال: يحزنه.
 ‌و‌ الحزن: كيفيه نفسانيه تحصل لوقوع مكروه ‌او‌ فوات محبوب ‌فى‌ الماضى.
 ‌و‌ ان: حرف شرط استغنى عن جوابه بحذفه، لدلاله ‌ما‌ تقدم ‌من‌ الكلام عليه، ‌و‌ التقدير: ‌ان‌ حزنت فانت عدتى، فحذف الجواب وجوبا لما ذكر.
 ‌و‌ المنتجع بفتح الجيم: اسم مفعول ‌من‌ انتجعت فلانا: اذا طلبت معروفه، ‌و‌ اصل الانتجاع: طلب الكلاء ‌فى‌ موضعه.
 ‌و‌ حرمت زيدا المعروف- ‌من‌ باب ضرب- يتعدى الى مفعولين حرمانا بالكسر فهو محروم اى: منعته اياه.
 ‌و‌ استغاث به: طلب ‌ان‌ يغيثه اى: يعينه ‌و‌ ينصره، فهو مغيث له.
 ‌و‌ كرثه الغم بالثاء المثلثه- ‌من‌ باب قتل-: اشتد عليه ‌و‌ اقلقه ‌و‌ بلغ منه المشقه، ‌و‌ يعدى بالهمزه ايضا فيقال: اكرثه.
 ‌و‌ تقديم الظرف للتخصيص، اى: بك استغاثتى ‌لا‌ بغيرك، ‌و‌ قس عليه ‌ما‌ بعده.
 ‌و‌ فات الامر يفوت: ذهب.
 ‌و‌ الخلف بفتحتين: اسم ‌من‌ اخلف الله عليه بالالف، اى: ‌رد‌ عليه ‌ما‌ ذهب، فهو بمعنى العوض.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: اخلف الله عليك: عوضك مما ذهب منك خلفا، انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: اللهم اعط كل منفق خلفا.
 قال الكرمانى: ‌هو‌ بفتح اللام اى: عوضا عاجلا مالا ‌او‌ دفع سوء، ‌او‌ آجلا ثوابا فكم ‌من‌ منفق قلما يقع له الخلف المالى، انتهى.

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^