فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 22

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ ‌به‌ نستعين


 الحمدلله الكافى كل بلاء ‌و‌ محذور، المدعو عند الشده ‌و‌ الجهد ‌و‌ تعسر الامور، ‌و‌ الصلاه ‌و‌ السلام على نبيه المبعوث بالكتاب المسطور، ‌و‌ على اهل بيته اهل البيت المعمور.
 ‌و‌ بعد فهذه الروضه الثانيه ‌و‌ العشرون ‌من‌ رياض السالكين، تتضمن شرح الدعاء الثانى ‌و‌ العشرين ‌من‌ صحيفه سيد العابدين صلوات الله عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الطاهرين، املاء راجى فضل ربه السنى على صدرالدين الحسينى الحسنى، افاض الله عليه سجال الالاء ‌و‌ كفاه كل جهد ‌و‌ بلاء.
 
اعلم ‌ان‌ الله ‌جل‌ شانه امتحن عباده ‌فى‌ هذه الدار بالخير ‌و‌ الشر، ‌و‌ النفع ‌و‌ الضرر، ‌و‌ الغنى ‌و‌ الفقر، ‌و‌ القوه ‌و‌ العجز، ‌و‌ السراء ‌و‌ الضراء، ‌و‌ الشده ‌و‌ الرخاء، ليعلم العبد علما يقينا انه عبد مدبر ناقص ضعيف، فيتبرا ‌من‌ حول نفسه ‌و‌ قوتها، ‌و‌ يعتصم بحول مولاه ‌و‌ قوته، فاذا حصل له الخير حمده ‌و‌ شكره ‌و‌ اعترف باحسانه ‌و‌ ذكره، ‌و‌ اذا الم ‌به‌ ‌شر‌ ‌و‌ اصابه دعاه باضطراره فاجابه، ليعلم انه العبد الذى دعا مولاه فلباه ‌و‌ ساله فاعطاه، ‌و‌ يصير ذلك ذريعه الى توجه نفسه بكليتها اليه، ‌و‌ الاعتماد ‌فى‌ كل احواله عليه، ‌و‌ لذلك كان الدعاء اوثق ‌ما‌ يستعصم ‌به‌ ‌من‌ الافات، ‌و‌ امتن ‌ما‌ يومن ‌به‌ ‌من‌ النكبات، ‌و‌ اعظم ‌ما‌ يتوسل ‌به‌ اولوا الالباب الى رب الارباب.
 ‌و‌ ‌فى‌ كلام بعضهم: الدعاء مفتاح الحاجات، ‌و‌ مستروح اصحاب الفائقات ‌و‌ ملجا المضطرين، ‌و‌ متنفس المكروبين، ‌و‌ كان ‌من‌ سنن الانبياء ‌و‌ المرسلين ‌و‌ عباد الله الصالحين، اذا نزل باحدهم كرب ‌و‌ بلاء، فزع الى الدعاء، ‌و‌ هذا معنى
 
قول اميرالمومنين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه: اذا اشتد الفزع فالى الله المفزع. ‌و‌ لاجل هذا كان سيدالعابدين ‌و‌ اشرف الموحدين سلام الله عليه، يدعو بهذا الدعاء عند الجهد ‌و‌ البلاء، فيقول:
 
كلفته الامر تكليفا: حملته اياه على مشقه، ‌من‌ الكلفه بالضم ‌و‌ هى المشقه، ‌و‌ سمى امر الله تعالى ‌و‌ نهيه تكليفا، لما فيه ‌من‌ قهر الوهم ‌و‌ القوى البدنيه عن مقتضيات طباعها، ‌و‌ ‌فى‌ ذلك كلفه على النفس المتعلقه بالبدن.
 ‌و‌ «من» ‌فى‌ قوله: «من نفسى»: مبينه ل«ما» ‌من‌ قوله: «ما انت املك ‌به‌ منى: ‌و‌ التقدير: كلفتنى ‌ما‌ انت املك ‌به‌ منى ‌من‌ صلاح نفسى.
 قال الرضى: انما جاز تقديم «من» المبينه على المبهم ‌فى‌ نحو «عندى ‌من‌ المال ‌ما‌ يكفى»، لان المبهم الذى فسر ب«من» التبينيه مقدم تقديرا، كانك قلت: عندى شى ء ‌من‌ المال ‌ما‌ يكفى.
 ‌و‌ لما كان التكليف انما يتعلق بالافعال دون الذوات، كان قوله: «من نفسى» على تقدير مضاف، اى: ‌من‌ صلاح نفسى كما ذكرنا.
 ‌و‌ ملكت الشى ء- ‌من‌ باب ضرب-: احتويته قادرا على الاستبداد به، فمعنى «املك ‌به‌ منى» اقدر على الاستبداد ‌به‌ منى، ‌و‌ عداه بالباء لتضمينه معنى اولى، ‌و‌ ‌فى‌ نسخه «له» ‌و‌ ‌هو‌ الاصل. ‌و‌ لما كان العبد مكلفا بصلاح نفسه ‌و‌ تطهيرها ‌من‌
 
دنس المعاصى، بسلوك سبيل الطاعه، ‌و‌ تحرى رضوانه، ‌و‌ تجنب سخطه، ‌و‌ وقايته لها ‌من‌ الهلاك السرمدى ‌و‌ العذاب الابدى، بالقيام بالطاعات ‌و‌ اجتناب الشهوات، ‌و‌ كانت قدرته على ذلك مستنده الى قدرته تعالى، اذ هى مستنده جميع الموجودات، ‌و‌ كل قدره تنتهى الى قدرته التى ‌لا‌ قدره فوقها، كان سبحانه اقدر على صلاح نفس عبده منه، ‌و‌ قدرته تعالى على العبد ‌و‌ على ‌ما‌ كلفه ‌به‌ اغلب ‌من‌ قدره العبد، كيف؟ ‌و‌ ‌هو‌ ‌لا‌ يملك لنفسه نفعا ‌و‌ ‌لا‌ ضرا الا به، ‌و‌ كل موجود فهو ‌فى‌ تصريف ملكه ‌و‌ قدرته.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله «فاعطنى»: فصيحه، اى: اذا كان الامر كذلك فاعطنى ‌من‌ نفسى ‌ما‌ يرضيك عنى، اى: افض على نفسى قوه استعد بها ‌ما‌ يرضيك عنى.
 ‌و‌ خذ لنفسك رضاها ‌من‌ نفسى اى: اقهر لها بصرفها عن التفاتها الى غيرك حتى ترضى. ‌و‌ لما كان هذا المعنى ربما وصل الى ‌حد‌ تشتغل فيه النفس المدبره للبدن عن النظر ‌فى‌ صلاح البدن ‌و‌ تدبيره، فيودى الى انحلال القوى البدنيه ‌و‌ اختلال حركاتها ‌و‌ عدم ضبطها، فيفسد البدن ‌او‌ يختل الذهن، كما وقع لكثير ‌من‌ المحبين ‌و‌ العارفين.
 سال عليه السلام ‌ان‌ يكون ذلك ‌فى‌ عافيه، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون الغرض ‌من‌ هذا القيد، انه عليه السلام لما سال اخذه تعالى لنفسه رضاها ‌من‌ نفسه، ‌و‌ كان ذلك عاما لكونه ‌فى‌ عافيه ‌او‌ بلاء، ‌و‌ خشى ‌ان‌ يكون ذلك اظهارا للتجلد، ‌و‌ ايذانا بطاقه تحمله لجميع ‌ما‌ يكون فيه رضاه سبحانه ‌من‌ عافيه ‌و‌ بلاء، فاحترز عن البلاء بقوله: «فى عافيه».
 كما يحكى ‌ان‌ ابن الفارض لما انشد قوله:
 ‌و‌ بما شئت ‌فى‌ هواك اختبرنى
 فاختيارى ‌ما‌ كان فيه رضاكا
 ابتلى بحصر البول، فامر ‌ان‌ يحمل ‌و‌ يطاف ‌به‌ على مكاتب الاطفال، ‌و‌ جعل
 
يقول: ادعوا لعمكم الكذاب.
 ‌و‌ قريب ‌من‌ هذا المعنى ‌ما‌ روى عن الصادق عليه السلام، انه قال لاسحاق ‌بن‌ عمار حين امره باستخاره: لتكن استخارتك ‌فى‌ عافيه، فانه ربما خير للرجل ‌فى‌ قطع يده ‌و‌ موت ولده ‌و‌ ذهاب عقله.
 ‌و‌ قال بعضهم: التقييد بقوله «فى عافيه» لدفع ‌ان‌ يكون رضاه سبحانه بغير العافيه مع الاستحقاق، ‌و‌ الله اعلم انتهى. ‌و‌ شرط الاستحقاق ‌لا‌ حاجه اليه.
 ‌و‌ قال شيخنا البهائى قدس سره ‌فى‌ المفتاح ‌فى‌ معنى ‌ما‌ ورد ‌فى‌ الدعاء «و خذ لنفسك رضاها ‌من‌ نفسى»: ‌اى‌ اجعل نفسى راضيه بكل ‌ما‌ يرد عليها منك.
 
الطاقه: اسم ‌من‌ اطقت الشى ء اطاقه اى: قدرت عليه فانا مطيق، مثل الطاعه اسم ‌من‌ اطاع. ‌و‌ عينها واو، لانها ‌من‌ الطوق ‌و‌ ‌هو‌ القدره ‌و‌ خبرك «الى» ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون بالجهد فيتعلق بمحذوف.
 ولى: تبيين، ‌او‌ صفه لطاقه.
 ‌و‌ الباء: للاستعلاء بمعنى على، اى: على الجهد، نحو: ‌من‌ ‌ان‌ تامنه بقنطار، اى: عليه.
 ‌و‌ الجهد بالفتح: المشقه، ‌و‌ جهد الرجل فهو مجهود، ‌و‌ يقال: اصابهم قحوط ‌من‌ المطر فجهدوا جهدا شديدا، ‌و‌ جهد عيشهم بالكسر- ‌من‌ باب ضرب-: ‌اى‌ نكد ‌و‌ اشتد، ‌و‌ الجهد بالضم ‌فى‌ لغه الحجاز ‌و‌ بالفتح ‌فى‌ غيرها: الوسع ‌و‌ الطاقه ‌و‌ قيل:
 
المضموم ‌هو‌ الطاقه، ‌و‌ المفتوح ‌هو‌ المشقه ‌و‌ الجهد بالفتح ايضا: المبالغه ‌و‌ الغايه، ‌و‌ ‌هو‌ مصدر ‌من‌ جهد ‌فى‌ الامر جهدا- ‌من‌ باب نفع-: اذا طلب ‌و‌ استقصى حتى بلغ غايته ‌فى‌ الطلب، ‌و‌ اراده هذا المعنى محتمله هنا.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه «بالجهد» مضموما، قال بعض المترجمين: ‌و‌ معناه غير واضح.
 قلت: هى لغه ‌فى‌ الجهد بالفتح بمعنى المشقه، حكاها النووى ‌فى‌ شرح مسلم، قال: ‌و‌ فيه فاصابهم قحط ‌و‌ جهد، بفتح الجيم، اى: مشقه شديده ‌و‌ حكى ضمها انتهى.
 ‌و‌ البلاء هنا: اسم ‌من‌ ابتلاه الله بكذا اى: اصابه بما يكرهه ‌و‌ يشق عليه.
 ‌و‌ الفقر: فقدان الكفاف.
 ‌و‌ حظره حظرا- ‌من‌ باب قتل-: منعه، ‌و‌ المراد ‌به‌ المبالغه ‌فى‌ التضييق ‌و‌ التقليل.
 ‌و‌ وكلت فلانا الى فلان- ‌من‌ باب وعد- الجاته اليه ‌و‌ فوضت امره اليه فجعلته متوكلا ‌و‌ معتمدا عليه، ‌و‌ منه: ‌لا‌ تكلنى الى نفسى طرفه عين ابدا.
 قال بعض العلماء: ‌من‌ اعتقد جزما ‌او‌ ظنا بان نفسه ‌او‌ احدا غير الله تعالى ممن ينسب اليه التاثير ‌و‌ القدره، ‌هو‌ المتمكن ‌من‌ الفعل ‌و‌ انه تام القدره على تحصيل مراده، فان ذلك ‌من‌ اقوى الاسباب المعده لان يفيض الله تعالى على قلبه صوره الاعتماد على المعتمد فيه ‌و‌ المتوكل عليه، ‌و‌ هذا معنى وكله الله الى نفسه ‌او‌ الى خلقه انتهى.
 ‌و‌ تفرد بالامر: انفرد ‌به‌ ‌و‌ لم يشاركه فيه غيره، ‌و‌ معنى تفرده تعالى بحاجته ‌ان‌ ‌لا‌ يجعل بينه واسطه ‌فى‌ قضائها، بل يقضيها له ابتداء ‌من‌ غير امداد ‌و‌ اعانه ‌من‌ الخلق.
 
تولى امره: قام ‌به‌ دون غيره، ‌و‌ كفاه مونته كفايه: قام مقامه فيها ‌و‌ اغناه عن تجشم القيام بها.
 
و نظر الله تعالى الى عبده مجاز عن رحمته له ‌و‌ احسانه اليه، ‌و‌ قد مر بيانه، ‌و‌ نظر له: رحمه ورئى له ‌و‌ اعانه، ‌و‌ نظر ‌فى‌ الامر، تفكر ‌و‌ تدبر فيه.
 قال بعض ائمه اللغه: النظر اذا استعمل ب«الى» يكون بمعنى الرويه، ‌و‌ باللام بمعنى الرحمه، ‌و‌ ب«فى» بمعنى الفكر، ‌و‌ ب«بين» بمعنى الحكم، كقولك: نظرت بين القوم اى: حكمت بينهم انتهى.
 فان جعلت النظر ‌من‌ قوله عليه السلام: «و انظر الى ‌فى‌ جميع امورى» بمعنى الرحمه ‌و‌ الاعانه، كان المعنى ‌و‌ ارحمنى ‌و‌ اعنى ‌فى‌ جميع امورى، ‌و‌ ‌ان‌ جعلته بمعنى الفكر ‌و‌ التدبر فالمراد ‌به‌ هنا لازمه ‌و‌ ‌هو‌ الاعتناء ‌و‌ الاهتمام، فان الفكر ‌و‌ التدبير ‌فى‌ الامر انما يكون عن اعتناء ‌و‌ اهتمام به، فالمعنى ‌و‌ انظر لاجلى ‌فى‌ جميع امورى، ‌و‌ كلا الجارين متعلق بانظر.
 الفاء: للتعليل.
 ‌و‌ عجزت عنها: ‌اى‌ عن القيام بشانها.
 ‌و‌ اقام الامر: اداه كاملا، ‌و‌ منه اقامه الحدود.
 ‌و‌ المصلحه: واحده المصالح، يقال: ‌فى‌ هذا الامر مصلحه اى: خير.
 ‌و‌ تجهمه وجهمه كمنعه: استقبله بوجه كريه، ‌من‌ قولهم: رجل جهم الوجه.
 
قال ‌فى‌ القاموس: الجهم الوجه ككتف: الوجه الغليظ المجتمع المسج.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: وجه جهم: غليظ كثير اللحم ضيق الخلقه ‌و‌ ‌هو‌ الباسر الكريه، ‌و‌ تجهمت الرجل وجهمته: اذا استقبله بوجه مكفهر.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌ان‌ تغلظ له ‌فى‌ القول، يقول: تجهمنى بما اكره وجهمنى ‌به‌ انتهى.
 ‌و‌ الجاته الى كذا الجاء. اضطررته اليه.
 ‌و‌ حرمنى معروفه- ‌من‌ باب ضرب- حرما ‌و‌ حرمانا بكسر هما: منعنى، ‌و‌ فلان محروم غير مرزوق.
 ‌و‌ قليلا: صفه لموصوف محذوف، ‌و‌ ‌هو‌ اما مفعول ‌به‌ ‌او‌ مصدر، اى: شيئا قليلا، ‌او‌ عطاء قليلا.
 ‌و‌ النكد ككتف ‌و‌ النكد بفتحتين مثل بطل: العسر الذى ‌لا‌ خير فيه، ‌و‌ بالوجهين وردت الروايه ‌فى‌ الدعاء ‌و‌ بهما قرى قوله تعالى: «و الذى خبث ‌لا‌ يخرج الا نكدا»، يقال: نكد عيشهم- ‌من‌ باب تعب- اذا اشتد ‌و‌ لم يهنا.
 ‌و‌ عطاء منكود ايضا: قليل غير مهنا.
 ‌و‌ طويلا يحتمل ‌ان‌ يكون مفعولا مطلقا ‌و‌ ‌ان‌ يكون ظرفا، اى: منا طويلا، ‌او‌ زمنا طويلا، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون حالا ‌من‌ المن اى: منوا على المن حال كونه طويلا.
 ‌و‌ كثيرا: اما مفعول مطلق اى: ذما كثيرا، ‌او‌ حال اى: حال كون الذم كثيرا.
 ‌و‌ مدار هذا الفصل ‌من‌ الدعاء على بيان ‌ان‌ الله سبحانه اذا لم يتول امر عبده ‌و‌ كفايته بنفسه، لم يقم بامره احد سواه ‌و‌ لم يكفه موونته غيره، فهو ‌ان‌ وكله الى نفسه ‌و‌ فوض امره اليها، كان عاجزا ضعيفا عن القيام بشوونها ‌و‌ ‌ما‌ يصلحها.
 
 
روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده الى ابن ابى يعفور، قال: سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول ‌و‌ ‌هو‌ رافع يده الى السماء: رب ‌لا‌ تكلنى الى نفسى طرفه عين ابدا ‌لا‌ اقل ‌من‌ ذلك ‌و‌ ‌لا‌ اكثر، قال: فما كان باسرع ‌من‌ ‌ان‌ تحدر الدموع ‌من‌ جوانب لحيته، ثم اقبل على فقال: ‌يا‌ ابن ابى يعفور ‌ان‌ يونس ‌بن‌ متى وكله الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ الى نفسه اقل ‌من‌ طرفه عين فاحدث ذلك الذنب، فقلت: فبلغ ‌به‌ كفرا اصلحك الله؟
 قال: لا، ‌و‌ لكن الموت على تلك الحال هلاك انتهى.
 ‌و‌ ‌ان‌ وكله الى غير نفسه ‌من‌ اجنبى استثقله ‌و‌ عبس ‌فى‌ وجهه، ‌او‌ قريب فاما ‌ان‌ يمنعه معروفه كالاجنبى، ‌او‌ تعطفه عليه للقرابه فيمنحه قليلا حقيرا، ‌او‌ يمن عليه طويلا ‌و‌ يذمه كثيرا، ‌و‌ ذلك لما جبلت عليه الانفس ‌من‌ الشح ‌و‌ البخل، لان الشح غريزه ‌فى‌ النفس مقتضيه للحرص على المنع ‌و‌ حب المال ‌و‌ بغض الانفاق، ‌و‌ لذلك قال تعالى: «و ‌من‌ يوق شح نفسه فاولئك ‌هم‌ المفلحون».
 
الفاء: فصيحه، اى: اذا كان الامر كذلك فبفضلك اى: باحسانك ‌لا‌ بغيره فاغننى.
 ‌و‌ الباء: متعلقه باغننى، ‌و‌ اصل الكلام اغننى بفضلك، ثم قدم الجار ‌و‌ المجرور على الفعل لافاده القصر، ثم ادخل عليه الفاء لافاده، معنى السببيه فصار بفضلك فاغننى، ‌و‌ المعنى: ‌ان‌ اغنائى ينبغى ‌ان‌ يكون مسببا عن فضلك ‌و‌ لازما له، وقس عليه ‌ما‌ بعده، ‌و‌ انما جاز عمل ‌ما‌ بعد الفاء فيما قبلها هنا مع انها للسببيه، ‌و‌ ‌هو‌ ممتنع ‌فى‌ غير هذا الموضع، لوقوعها ‌فى‌ غير موقعها فهى كالزائده.
 ‌و‌ قول بعضهم ‌ان‌ «بفضلك» متعلق بمحذوف، اى: عاملنى بفضلك فاغننى،
 
و كذا يقدر للباقى بعظمتك، ‌و‌ بسعتك، ‌و‌ بما عندك، متعلقات، لكون الافعال بعدها مسببه عنها، ليس بشى ء، فان هذا التقدير الذى ذكره يفوت معه معنى القصر، المقصود ‌من‌ تقديم الظرف على متعلقه.
 ‌و‌ نعشه الله نعشا- ‌من‌ باب منع-: رفعه ‌و‌ نعشه ايضا: تداركه ‌من‌ مهلكه، ‌و‌ نعشه الله ‌و‌ انعشه: ‌سد‌ فقره، ‌و‌ نعش الربيع الناس: اغاثهم.
 ‌و‌ عظمته تعالى عباره عن بلوغ قوه الوهيته، التى هى شده وجوده، الى اللا تناهى بل وراء اللاتناهى.
 ‌و‌ سعته تعالى عباره عن كثره مقدوراته التى ‌لا‌ نهايه لها.
 ‌و‌ بسط اليد هنا كنايه عن التوسعه ‌فى‌ الخير ‌و‌ الجده.
 ‌و‌ ‌ما‌ عنده تعالى عباره عن خيرات الدنيا ‌و‌ الاخره.
 ‌و‌ الكفايه هنا: بمعنى الغنى، اى: بما عندك فاغننى، ‌و‌ منه: «و كفى الله المومنين القتال» اى: اغناهم عنه.
 
خلص الشى ء ‌من‌ التلف خلوصا- ‌من‌ باب قعد- ‌و‌ خلاصا ‌و‌ مخلصا: سلم ‌و‌ نجى، ‌و‌ يعدى بالتضعيف فيقال: خلصه تخليصا اى: سلمه ‌و‌ نجاه.
 ‌و‌ الحسد: تمنى زوال نعمه المحسود الى الحاسد.
 ‌و‌ حصره حصرا- ‌من‌ باب قتل-: منعه ‌و‌ حبسه، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا حسم اسباب الذنوب بعدم الاعداد لها.
 
و الورع بالتحريك: الكف عن محارم، يقال: ورع يرع بكسرتين ورعا بفتحتين ورعه مثل عده فهو ورع، ‌و‌ ورعته عن الامر توريعا: كففته فتورع هو.
 ‌و‌ المحارم: جمع محرم كجعفر، ‌او‌ محرمه بفتح الراء ‌و‌ ضمها بمعنى الحرمه ‌لا‌ يحل انتهاكها.
 ‌و‌ جرا على الشى ء جراه مثل ضخم ضخامه ‌و‌ اجترا عليه: اسرع بالهجوم عليه ‌من‌ غير توقف، ‌و‌ الاسم الجراه على وزن غرفه، ‌و‌ جراته عليه بالتشديد فتجرا هو، اى: ‌لا‌ تجعلنى مرتكبا للمعاصى ‌من‌ غير مبالاه، ‌و‌ الغرض طلب التوفيق لتركها ‌و‌ الاحتراز منها.
 ‌و‌ الهوى مقصورا: اراده النفس، يكون ‌فى‌ الخير ‌و‌ الشر.
 ‌و‌ الرضا: سرور القلب.
 ‌و‌ قوله: «فيما يرد على منك» اى: يتصل ‌بى‌ ‌من‌ حكمك ‌و‌ يجرى على ‌من‌ قضائك.
 قال اهل العرفان: بدايه الرضا ‌من‌ جمله المقامات يكتسبها العبد اكتسابا، ‌و‌ نهايته ‌من‌ جمله المقامات يكتسبها العبد اكتسابا، ‌و‌ نهايته ‌من‌ جمله الاحوال يوجبها الله تعالى ايجابا، ‌و‌ ‌من‌ حلى بالرضا فقد لقى بالترحيب الاوفى ‌و‌ اكرم بالتقريب الاعلى، ‌و‌ ‌لا‌ يكاد العبد يرضى عن الله حتى يرضى الله عنه، كما قال الله تعالى: «رضى الله عنهم ‌و‌ رضوا عنه»، فاذا كان العبد راضيا عن الله علم ‌به‌ ‌ان‌ الله راض عنه.
 قال موسى عليه السلام: الهى دلنى على عمل اذا عملته رضيت، قال: انك ‌لا‌ تطيق ذلك ‌يا‌ موسى، فخر موسى ساجدا متضرعا مخبتا، فاوحى الله اليه ‌يا‌ ابن
 
عمران ‌ان‌ رضاى ‌فى‌ رضاك بقضائى.
 قال بعضهم: الرضا: استقبال الاحكام بالفرح.
 ‌و‌ قال آخر: الرضا: باب الله الاعظم ‌و‌ جنه الدنيا ‌و‌ مسرح العارفين.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند صحيح عن على ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام، قال: الصبر ‌و‌ الرضا عن الله راس طاعه الله، ‌و‌ ‌من‌ صبر ‌و‌ رضى عن الله فيما قضى عليه فيما احب ‌او‌ كره، لم يقض الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ له فيما احب ‌او‌ كره الا ‌ما‌ ‌هو‌ خير له، ‌و‌ قد سبق مزيد كلام على الرضا ‌فى‌ الرياض السابقه.
 ‌و‌ البركه: النماء ‌و‌ الزياده، ‌و‌ بارك الله فيه: زاد فيه ‌و‌ انماه فهو مبارك، ‌و‌ الاصل مبارك فيه.
 ‌و‌ خوله الله مالا بالتضعيف: اعطاه.
 ‌و‌ قال الجوهرى: خوله الله الشى ء: ‌اى‌ ملكه اياه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: خوله الله المال: اعطاه اياه مفصلا.
 ‌و‌ كانه لاحظ فيه اشتقاقه ‌من‌ الخول بفتحتين، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ اعطاك الله ‌من‌ النعم ‌و‌ العبيد ‌و‌ الاماء ‌و‌ غيرهم ‌من‌ الحاشيه.
 ‌و‌ انعم الله عليه: افاض عليه نعمته، يقال: انعمها الله عليه ‌و‌ انعم بها عليه، ‌و‌ عرفت النعمه بانها المنفعه المفعوله على جهه الاحسان الى الغير.
 حفظه حفظا- ‌من‌ باب علم-: منعه ‌من‌ الضياع ‌و‌ التلف، ‌و‌ صانه عن الابتذال.
 ‌و‌ كلاه الله يكلاه مهموزا بفتحتين كلاء بالمد ‌و‌ الكسر: حرسه ‌و‌ رعاه، ‌و‌ المراد
 
حفظه ‌و‌ حراسته ‌من‌ اسباب الهلاك ‌و‌ النقصان ‌فى‌ الدين ‌و‌ البدن، بما يخلقه ‌و‌ يفيض عليه ‌من‌ الاسباب المعده للحفظ ‌و‌ الحراسه.
 ‌و‌ سترت الشى ء سترا- ‌من‌ باب قتل-: اخفيته، ‌و‌ ستر الله عليه: اخفى مساويه عن الخلق فلم يطلع عليها غيره.
 ‌و‌ منع فلان جاره: حماه ‌من‌ ‌ان‌ يضام، ‌و‌ قد منع فلان: صار ممنوعا محميا.
 ‌و‌ عاذ بالله يعوذ عوذا: اعتصم ‌و‌ استجار، ‌و‌ اعاذه الله: عصمه، ‌و‌ اجاره يجيره اجاره: آمنه مما يخاف ‌و‌ حماه منه.
 
قضيت الحج ‌و‌ الدين: اديته، قال تعالى: «فاذا قضيتم مناسككم» اى: اديتموها، فالقضاء هنا بمعنى اداء، كما ‌فى‌ قوله تعالى «فاذا قضيتم الصلاه» اى: اديتموها، ‌و‌ استعمل الفقهاء القضاء ‌فى‌ العباده التى تفعل خارج وقتها المحدود شرعا، ‌و‌ الاداء اذا فعلت ‌فى‌ وقتها المحدود، ‌و‌ ‌هو‌ مخالف للوضع اللغوى، لكنه اصطلاحى للتمييز بين الوقتين، ‌و‌ القضاء مصدر ‌فى‌ الكل، ‌و‌ المراد ‌به‌ ‌فى‌ الدعاء معناه اللغوى ‌و‌ ‌هو‌ الاداء، اى: وفقنى لاداء كل ‌ما‌ الزمتنيه.
 
و فرضته على: يقال: الزمته العمل اى: اوجبته عليه فالتزمه هو، ‌و‌ فرض الله الاحكام- ‌من‌ باب ضرب-: اوجبها، قيل: ‌هو‌ عطف تفسيرى لالزمتنيه.
 ‌و‌ «لك»: ظرف لغو متعلق بفرضته، ‌او‌ مستقر حال ‌من‌ مفعول فرضت، اى: كائنا لك ‌او‌ لخلق ‌من‌ خلقك.
 ‌و‌ الوجه ‌و‌ الجهه بمعنى، ‌و‌ الهاء عوض ‌من‌ الواو، اى: ‌فى‌ جهه ‌من‌ جهات طاعتك ‌و‌ الظرف مستقر حال ‌من‌ الظرف.
 ‌و‌ الضعف بالضم ‌و‌ الفتح: خلاف القوه ‌و‌ الصحه، ضعف ضعفا مثل قرب قربا، ‌و‌ ضعف ضعفا- ‌من‌ باب قتل- مثله، ‌و‌ منهم ‌من‌ يجعل المفتوح ‌فى‌ الراى: ‌و‌ المضموم ‌فى‌ البدن.
 ‌و‌ ذلك: اشاره الى كل ‌ما‌ الزمه ‌و‌ فرضه عليه اى: عن ادائه.
 ‌و‌ هن يهن- ‌من‌ باب وعد-: ضعف، فهو واهن ‌فى‌ الامر ‌و‌ العمل ‌و‌ البدن، ‌و‌ وهنته: اضعفته، يتعدى ‌و‌ ‌لا‌ يتعدى، فهو موهون البدن ‌و‌ العظم.
 ‌و‌ الاجود ‌ان‌ يتعدى بالهمزه فيقال: اوهنته، ‌و‌ الوهن بفتحتين: لغه ‌فى‌ المصدر، ‌و‌ هن يهن بكسرتين لغه.
 قال ابوزيد: سمعت ‌من‌ الاعراب ‌من‌ يقرا «فما وهنوا» بالكسر.
 ‌و‌ نلت الشى ء اناله نيلا: بلغته.
 ‌و‌ المقدره مثلثه الدال: القدره ‌و‌ الغنى ‌و‌ اليسار ‌و‌ ذات اليد، عباره عما يملك ‌من‌ مال ‌و‌ اثاث.
 ‌و‌ قوله: «ذكرته ‌او‌ نسيته» جملتان حاليتان، اى: ذاكرا كنت له ‌او‌ ناسيا. ‌و‌ الكلام ‌فى‌ قوه الشرط، اى: ‌ان‌ ذكرته ‌او‌ نسيته، ‌و‌ لذلك وجب ترك الواو ‌و‌ تجرد
 
الماضى عن «قد» ظاهره ‌و‌ مقدره. ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك مستوفى ‌فى‌ الروضه التى قبل هذه، فليرجع اليه.
 ‌و‌ قول بعضهم: جمله «ذكرته» بيان ل«ما» ‌فى‌ «كل ‌ما‌ الزمتنيه»، ‌او‌ خبر مبتدا محذوف، ‌و‌ تقديره: سواء ذكرته ‌او‌ نسيته، خبط صريح.
 
و الضمير ‌من‌ «هو» عائد الى المفروض الذى ‌هو‌ بصدد سوال تاديته عنه، المقيد بضعف بدنه، ‌و‌ وهن قوته عنه، ‌و‌ عدم نيل قدرته عنه، وسعه ماله ‌و‌ ذات يده له ذاكرا له كان ‌او‌ ناسيا، ‌و‌ ‌هو‌ مبتدا خبره الظرف المستقر ‌من‌ قوله: «مما قد احصيته»، اى: ‌هو‌ كائن مما قد احصيته، ‌و‌ الجمله مستقله ‌لا‌ محل لها ‌من‌ الاعراب، مقرره لمضمون ‌ما‌ قبلها ‌من‌ عدم الاداء. ‌و‌ ‌ما‌ قيل: ‌من‌ انها حاليه، يدفعه ‌ان‌ المبتدا اذا كان ضمير صاحب الحال وجب كون الجمله بالواو، نحو: جاءنى زيد ‌و‌ ‌هو‌ راكب، ‌و‌ ‌لا‌ يجوز ‌هو‌ راكب، كما نقله الرضى عن الاندلسى ‌و‌ لم يحك فيه خلافا، قال: ‌و‌ لعل ذلك لكون هذه الجمله ‌فى‌ معنى المفرد سواء، اذ المعنى جاءنى زيد راكبا، فصدرت بالواو ايذانا ‌من‌ اول الامر بكون الحال جمله ‌و‌ ‌ان‌ اردت معنى المفرد انتهى.
 ‌و‌ الجمله ‌فى‌ الدعاء لم تصدر بالواو باتفاق النسخ.
 ‌و‌ احصيت الشى ء: حفظته ‌و‌ علمته، اى: احطت ‌به‌ كما ‌و‌ كيفا ‌و‌ زمانا ‌و‌ مكانا ‌و‌ عداه ب«على» لتضمينه معنى اثبت، اى: احصيته مثبتا له على.
 ‌و‌ اغفلت الشى ء اغفالا: تركته اهمالا ‌من‌ غير نسيان.
 ‌و‌ قوله: «من نفسى» متعلق باغفلته، اى: تركته اهمالا ‌من‌ قبل التفريط الناشى ‌من‌ نفسى، ‌لا‌ موجب له غير ذلك يعنى ‌به‌ اغفاله اياه قبل ‌ان‌ يضعف عنه بدنه ‌و‌ تهن عنه قوته، الى غير ذلك ‌من‌ الاسباب التى ‌لا‌ يقدر معها الان على ادائه.
 
و قول بعضهم: الفعلان تنازعا ‌فى‌ قوله: «من نفسى»، خبط، ‌و‌ جمله «و اغفلته» حال ‌من‌ مفعول احصيت باضمار «قد» ‌او‌ بدونه على الخلاف المشهور، كقوله تعالى: «احصاه الله ‌و‌ نسوه»، فقوله: «و نسوه» حال ‌من‌ مفعول احصى كما صرح ‌به‌ المعربون.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «فاده عنى» جواب الشرط، ‌و‌ الفاء رابطه للجواب، ‌و‌ ‌ما‌ قيل: ‌من‌ انها للسببيه، جهل صريح.
 ‌و‌ اداه تاديه: اوصله ‌و‌ قضاه.
 ‌و‌ جزل الحطب جزاله مثل ضخم ضخامه لفظا ‌و‌ معنى، فهو جزل مثل ضخم، ثم استعير ‌فى‌ العطاء فقيل: اجزل له ‌فى‌ العطاء اذا اوسعه.
 ‌و‌ عطاء جزيل: ‌اى‌ واسع، ‌و‌ الظرف لغو متعلق باده، ‌او‌ مستقر حال ‌من‌ مفعول اده، ‌اى‌ كائنا ‌من‌ جزيل عطيتك ‌و‌ كثير ‌ما‌ عندك ‌من‌ الفضل ‌و‌ الاحسان.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله: «فانك»: للتعليل.
 ‌و‌ الواسع: الذى وسع غناه كل فقير ‌و‌ رحمته كل شى ء.
 ‌و‌ الكريم: ذو الجود، ‌و‌ قيل: المقتدر على الجود، ‌و‌ قيل: العلى الرتبه، ‌و‌ منه كرائم المواشى، ‌و‌ قيل: الغافر للذنوب.
 ‌و‌ حتى: بمعنى ‌كى‌ التعليليه متعلقه باده، اى: فاده ‌كى‌ ‌لا‌ يبقى.
 ‌و‌ قاصصته مقاصه- ‌من‌ باب قاتل-: اذا كان عليه دين مثل ماله عليك فجعلت الدين ‌فى‌ مقابله الدين، ‌و‌ الاسم القصاص ماخوذ ‌من‌ اقتصاص الاثر، ‌و‌ يجب ادغام الفعل ‌و‌ المصدر ‌و‌ اسم الفاعل، يقال: قاصه مقاصه كما يقال: ساره مساره ‌و‌ نحو ذلك.
 
و تضاعف: ‌اى‌ تزيد، ‌من‌ ضاعفت الشى ء ‌و‌ ضعفته ‌و‌ اضعفته اذا زدت عليه مثله الى ‌ما‌ زاد، لان الضعف زياده غير محصوره.
 ‌و‌ يوم لقائه تعالى عباره عن يوم الجزاء.
 قال التتفتازانى ‌فى‌ شرح الكشاف: ‌لا‌ نزاع ‌فى‌ امتناع ملاقات الله على الحقيقه، لكن القائلين بجواز الرويه يجعلونها مجازا عنها بحيث ‌لا‌ مانع، كما ‌فى‌ ‌حق‌ الكفار ‌و‌ المنافقين، ‌و‌ اما ‌من‌ ‌لا‌ يجوز الرويه فيفسرها بما يناسب المقام، كلقاء الثواب خاصه، ‌و‌ الجزاء مطلقا ‌و‌ العلم المحقق المشبه بالمشاهده ‌و‌ المعاينه.
 
رزق الرغبه ‌فى‌ العمل له تعالى عباره عن جذب القلب بالهدايه الى ارادته ‌و‌ محبته ‌و‌ المواظبه عليه.
 ‌و‌ اللامان ‌من‌ قوله: «لك ‌و‌ لاخرتى»: متعلقان بالعمل، ‌و‌ ‌لا‌ يلزم منه تعلق حرفى جر بمعنى واحد بمتعلق واحد ‌من‌ غير ابدال ‌و‌ ‌هو‌ غير جائز، لان اللام الاولى متعلقه بالعمل المطلق، ‌و‌ الثانيه متعلقه بالعمل المقيد ب«لك»، فلا اتحاد ‌فى‌ المتعلق. ‌او‌ اللام الاولى للبيان كما ‌فى‌ سقيا لك، ‌و‌ الثانيه للتعليل فلا اتحاد ‌فى‌ معنى الحرفين.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون قوله: «لاخرتى» متعلقا ب«ارزقنى»، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون حالا ‌من‌ العمل ‌اى‌ حال كونه لاخرتى، ‌و‌ ايا ‌ما‌ كان فالمقصود ‌به‌ الاحتراز عن كون العمل لله لاجل الدنيا، كما نشاهده ‌من‌ اتخاذ كثير ‌من‌ الناس شعار الصالحين ‌و‌ اعمالهم ذريعه الى اقبال الدنيا عليهم، ‌و‌ نيل مطالبهم منها، ‌و‌ نجاح مساعيهم فيها،
 
و اليه الاشاره بقوله تعالى: «من كان يريد حرث الاخره نزد له ‌فى‌ حرثه ‌و‌ ‌من‌ كان يريد حرث الدنيا نوته منها ‌و‌ ماله ‌فى‌ الاخره ‌من‌ نصيب»، ‌و‌ مثله قوله تعالى: «من كان يريد العاجله عجلنا له فيها ‌ما‌ نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلها مذموما مدحورا. ‌و‌ ‌من‌ اراد الاخره ‌و‌ سعى لها سعيها ‌و‌ ‌هو‌ مومن فاولئك كان سعيهم مشكورا».
 روى عن ابن عباس: ‌ان‌ النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله قال: معنى قوله تعالى: «من كان يريد العاجله» الايه، ‌من‌ كان يريد ثواب الدنيا بعمله الذى افترضه الله عليه، ‌لا‌ يريد ‌به‌ وجه الله ‌و‌ الدار الاخره، عجل له ‌ما‌ يشاء الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌من‌ عرض الدنيا ‌و‌ ليس له ثواب ‌فى‌ الاخره، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ الله سبحانه يوتيه ذلك ليستعين ‌به‌ على الطاعه، فيستعمله ‌فى‌ معصيه الله فيعاقبه عليه.
 قال امين الاسلام الطبرسى ‌فى‌ مجمع البيان: فان قيل: هل يجوز ‌ان‌ يريد المكلف بعمل العاجل ‌و‌ الاجل معا؟ فالجواب: نعم، اذا جعل العاجل تبعا للاجل، كالمجاهد ‌فى‌ سبيل الله يقاتل لاعزاز الدين ‌و‌ يجعل الغنيمه تبعا.
 ‌و‌ قال النظام النيسابورى ‌فى‌ تفسيره: ذكر الله سبحانه صنفين ‌من‌ الناس قاصد خيرات الدنيا ‌و‌ قاصد خيرات الاخره، ‌و‌ هاهنا ثلاثه اقسام اخر:
 الاول: ‌ان‌ يكون طلب الاخره راجحا، فقيل: انه غير مقبول ايضا، لما روى ‌ان‌ النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله قال حكايه عن رب العزه: انا اغنى الاغنياء عن الشرك، ‌من‌ عمل عملا اشرك فيه غيرى تركته ‌و‌ شريكه. ‌و‌ قيل: يعارض المثل بالمثل ‌و‌ يبقى القدر الزائد داعيه خالصه لطلب الاخره، فيقع ‌فى‌ حيز القبول.
 الثانى: ‌ان‌ يكون طلب الدنيا ‌و‌ طلب الاخره متعادلين.
 
الثالث: ‌ان‌ يكون طلب الدنيا راجحا، ‌و‌ اتفقوا على ‌ان‌ هذين القسمين ايضا ‌لا‌ يقبلان، الا انهما على كل حال خير ‌من‌ الرياء المحض انتهى.
 ‌و‌ حتى: بمعنى ‌كى‌ التعليليه اى: ‌كى‌ اعرف صدق ذلك ‌من‌ قلبى، ‌و‌ «ذلك» اشاره الى ‌ما‌ ذكر ‌من‌ الرغبه ‌فى‌ العمل لله لاجل الاخره، ‌و‌ ‌ما‌ فيه ‌من‌ البعد ايذان ببعد منزلته ‌و‌ علو طبقته.
 ‌و‌ ‌من‌ قلبى: متعلق باعرف، ‌او‌ بمحذوف حال ‌من‌ ذلك اى: كائنا ‌من‌ قلبى ‌و‌ الغرض ‌ان‌ يجد ‌من‌ نفسه صدق الرغبه ‌فى‌ العمل لله لطلب الاخره، ‌و‌ صدق الرعبه ‌فى‌ العمل انما يتحقق بصدق الرغبه ‌فى‌ المعمول له، فكانه عليه السلام سال حصول الاعتقاد الجازم ‌و‌ اليقين القاطع بالامور الاخرويه، لتصدق رغبته ‌فى‌ العمل لها، فان الامور الموعوده ‌من‌ متاع الاخره، ‌و‌ ‌ما‌ اعده الله تعالى لعباده العالمين له، الراغبين فيما عنده ‌من‌ الخيرات الباقيه، امور خفيت حقايقها على اكثر البصائر البشريه، فترى كثيرا منهم ‌لا‌ يخطر ‌فى‌ باله ‌ان‌ يكون ‌فى‌ الاخره امر زائد على هذه اللذات البدنيه الحاضره، فهو يرغب ‌فى‌ العمل لها ‌و‌ يجتهد ‌فى‌ تحصيلها، اذ ‌لا‌ يتصور وراءها اكثر منها، ثم ‌ان‌ صدق بها على سبيل الجمله تصديقا لوعد الكريم، فانه ‌لا‌ يتصور كثير تفاوت بين الموعود ‌به‌ ‌و‌ الحاضر، بحيث يرجح ذلك التفاوت عند ترك الحاضر لما وعد به، بل يكون ميل طبعه الى الحاضر، ‌و‌ توهم كونه انفع ‌و‌ اولى ‌به‌ اغلب عليه، فيكون صدق رغبته فيه اتم، ‌و‌ ‌ان‌ تيقن بعقله ‌ان‌ الاولى ‌به‌ والانفع له ‌و‌ الابقى ‌هو‌ متاع الاخره، فتاره يطرا على ذلك اليقين غفله عنه ‌و‌ نسيان له، بسبب الاشتغال باللذات الحاضره ‌و‌ الانهماك فيها، ‌و‌ تاره ‌لا‌ تحصل الغفله الكليه، بل يكون الوهم المذكور قويا فيعارض ذلك اليقين، بحيث يوجب ‌فى‌ مقابلته شبهه ‌و‌ شكا، فلا تصدق معه الرغبه
 
فى العمل للاخره ‌و‌ السعى لها، فسال عليه السلام ‌ان‌ يجذب قلبه بالهدايه الى الرغبه ‌فى‌ العمل الموجب للفوز الاخروى، بحيث لايعتريه ‌فى‌ صدق الرغبه فيه جهل ‌و‌ ‌لا‌ وهم ‌و‌ ‌لا‌ غفله ‌و‌ ‌لا‌ شبهه.
 ‌و‌ الغلبه: القهر ‌و‌ الاستيلاء، يقال: غلبه- ‌من‌ باب ضرب- غلبا ‌و‌ غلبا بالتسكين ‌و‌ التحريك فهو غالب له، ‌و‌ انما عداه ب«على» لتضمينه معنى الاستيلاء، اى: حتى يكون المستولى على الزهد ‌فى‌ الدنيا، فان ‌من‌ صدقت رغبته ‌فى‌ الاخره ‌و‌ العمل لها غلب عليه الزهد ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ متاعها، ‌و‌ لذلك قال اميرالمومنين عليه السلام، ‌ان‌ الدنيا ‌و‌ الاخره عدوان متفاوتان ‌و‌ سبيلان مختلفان، فمن احب الدنيا ‌و‌ تولاها ابغض الاخره ‌و‌ عاداها، ‌و‌ هما بمنزله المشرق ‌و‌ المغرب ‌و‌ ماش بينهما، كلما قرب ‌من‌ واحد بعد عن الاخر، ‌و‌ هما بعد ضرتان ‌ان‌ ارضيت احداهما سخطت الاخرى.
 ‌و‌ بيان ذلك: ‌ان‌ الطالب لاحداهما بقدر توجهه ‌فى‌ طلبها ‌و‌ امعانه ‌فى‌ تحصيلها تكون غفلته عن الاخرى ‌و‌ بعده ‌و‌ انقطاعه عنها.
 ‌و‌ الزهد: فضيله تحت العفه، ‌و‌ ‌هو‌ لغه: ترك الميل الى الشى ء، ‌و‌ اصطلاحا: اعراض النفس عن الدنيا ‌و‌ طيباتها، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ترك راحه الدنيا طلبا لراحه الاخره ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌ان‌ يخلو قلبك مما خلت منه يدك.
 ‌و‌ الحسنات: ‌ما‌ ندب اليه الشارع.
 ‌و‌ السيئات: ‌ما‌ نهى عنه.
 ‌و‌ قوله: «شوقا ‌و‌ فرقا ‌و‌ خوفا» يحتمل المصدريه ‌و‌ الحاليه ‌و‌ المفعول لاجله، اى: فاشتاق شوقا ‌و‌ افرق فرقا ‌و‌ اخاف خوفا، ‌او‌ مشوقا ‌و‌ فرقا ‌و‌ خائفا، ‌او‌ لاجل الشوق
 
و لاجل الفرق ‌و‌ الخوف.
 ‌و‌ الفرق بالتحريك: الخوف، يقال: فرق فرقا- ‌من‌ باب تعب- فهو فرق ككتف، ‌و‌ عطف الخوف عليه ‌من‌ باب عطف الشى ء على مرادفه للتاكيد، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ عطف تفسيرى.
 ‌و‌ المراد بالشوق: الشوق الى ثواب الله تعالى ‌و‌ بالخوف: الخوف ‌من‌ عقابه.
 قال بعض العلماء: ‌ان‌ الشوق ‌و‌ الخوف اذا بلغا الى ‌حد‌ الملكه، فانهما يستلزمان دوام الجد ‌فى‌ العمل ‌و‌ الاعراض عن الدنيا، ‌و‌ مبدوهما تصور عظمه الخالق، ‌و‌ بقدر ذلك يكون تصور عظمه وعده ‌و‌ وعيده، ‌و‌ بحسب قوه ذلك التصور يكون قوه الشوق ‌و‌ الخوف، ‌و‌ هما بابان عظيمان لجنه النعيم، ‌و‌ نهجان واضحان للوصول الى رضى الرب الكريم.
 فان قلت: ‌ما‌ معنى الامن ‌من‌ السيئات لاجل الخوف؟
 قلت: معناه عدم ارتكاب السيئات، فان ‌من‌ ‌لا‌ يرتكب السيئات خوفا ‌من‌ العقاب عليها فانه آمن ‌من‌ عقابها، فهو ‌من‌ باب اطلاق اللازم على الملزوم.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس رحمه الله: «و افر ‌من‌ السيئات» بدلا ‌من‌ آمن، ‌و‌ ‌هو‌ اظهر.
 فيه تلميح الى قوله تعالى ‌فى‌ سوره الانعام: «او ‌من‌ كان ميتا فاحييناه ‌و‌ جعلنا له نورا يمشى ‌به‌ ‌فى‌ الناس كمن مثله ‌فى‌ الظلمات ليس بخارج منها».
 قيل: المراد بالنور الايمان، ‌و‌ قيل: العلم، ‌و‌ قيل: الحجج البينه ‌و‌ الايات، ‌و‌ قيل: نور القرآن، ‌و‌ الاقوال متقاربه.
 
و عن ابى جعفر عليه السلام: «نورا يمشى ‌به‌ ‌فى‌ الناس» اماما يوتم به، «كمن مثله ‌فى‌ الظلمات ليس بخارج منها» قال: الذى ‌لا‌ يعرف الامام انتهى ‌و‌ سمى الايمان ‌و‌ العلم ‌و‌ الحجه ‌و‌ القرآن ‌و‌ الامام نورا، لان الناس يهتدون بذلك ‌و‌ يبصرون ‌به‌ ‌من‌ ظلمات الكفر ‌و‌ الجهل ‌و‌ حيره الضلاله، كما يهتدى بسائر الانوار المحسوسه ‌فى‌ الظلمات المحسوسه.
 ‌و‌ المراد بالناس ‌فى‌ قوله تعالى: «يمشى ‌به‌ ‌فى‌ الناس»، ‌و‌ كذلك ‌فى‌ الدعاء، عامه الناس، اى: يمشى مستضيئا ‌به‌ فيهم فيميز بعضهم ‌من‌ بعض، اى: يميز بين المحق ‌و‌ المبطل ‌و‌ المهتدى ‌و‌ الضال منهم.
 ‌و‌ قيل: المراد بهم الكمل ‌من‌ الناس، ‌و‌ ‌هم‌ اولوا العلم ‌و‌ الاخلاق الفاضله ‌و‌ الاعتقادات الصائبه، فيمشى مستضيئا بذلك النور فيهم آمنا ‌من‌ جهتهم ‌و‌ ‌لا‌ يمكنهم ‌ان‌ يعترضوا عليه.
 ‌و‌ قيل: يمشى ‌به‌ دليلا ‌و‌ هاديا لهم الى سبيل الحق، حتى يصلوا ‌فى‌ سيرهم الى الله تعالى منتهى منازلهم ‌و‌ مستقر اقامتهم ‌و‌ دار مقامتهم.
 ‌و‌ جمله «يمشى» ‌فى‌ الايه ‌و‌ «امشى» ‌فى‌ الدعاء، اما مستانفه ‌لا‌ محل لها ‌من‌ الاعراب، ‌و‌ الاستئناف مبنى على سوال نشا ‌من‌ الكلام، كانه قيل: فماذا يصنع ‌او‌ تصنع بذلك النور؟ فقال: يمشى ‌او‌ امشى ‌به‌ ‌فى‌ الناس، ‌و‌ اما صفه لقوله نورا، فهى ‌فى‌ محل نصب على الوصفيه.
 ‌و‌ المراد بالظلمات الاعتقادات الزائفه ‌او‌ الجهالات ‌او‌ محدثات البدع، سميت ظلمات لان صاحبها ‌لا‌ يهتدى لطريق الحق فهو كمن يمشى ‌فى‌ الظلم المحسوسه فلا يهتدى للطريق ‌و‌ ‌لا‌ يامن ‌من‌ ‌ان‌ ينال مكروها، ‌و‌ انما وحد النور ‌و‌ جمع الظلمات
 
لان الحق واحد ‌و‌ الباطل اكثر ‌من‌ ‌ان‌ يحصى.
 الشك: الارتياب ‌و‌ ‌هو‌ خلاف اليقين، ‌و‌ اصله اضطراب القلب ‌و‌ النفس.
 ‌و‌ الشبهات: جمع شبهه، ‌و‌ هى ‌ما‌ يتوهم كونه حقا ‌من‌ الامور الباطله، لتصوير الوهم لها ‌فى‌ صوره الحق، فتشبه الحق توهما ‌و‌ ليست به، ‌و‌ لذلك سميت شبهه، ‌و‌ قيل: هى عباره عما يشبه الحق مما يحتج به، ‌و‌ لهذا يسمى المتكلمون ‌ما‌ يحتج ‌به‌ اهل الحق دليلا، ‌و‌ ‌ما‌ يحتج ‌به‌ اهل الباطل شبهه.
 ‌و‌ ‌فى‌ كلام اميرالمومنين عليه السلام: ‌و‌ انما سميت الشبهه شبهه لانها تشبه الحق، فاما اولياء الله فضياوهم فيها اليقين ‌و‌ دليلهم سمت الهدى، ‌و‌ اما اعداء الله فدعاوهم الضلال ‌و‌ دليلهم فيها العمى.
 ‌و‌ «من» ‌فى‌ قوله: «من الشك ‌و‌ الشبهات»: اما بمعنى فى، اى: ‌فى‌ الشك ‌و‌ الشبهات نحو «اذا نودى للصلاه ‌من‌ يوم الجمعه»، ‌او‌ للبدل اى: استضى ‌به‌ بدل الشك ‌و‌ الشبهات، ‌او‌ ابتدائيه بتضمين استضى معنى امتنع ‌او‌ اتخلص، اى: استضى ‌به‌ ممتنعا ‌او‌ متخلصا ‌من‌ الشك ‌و‌ الشبهات، ‌و‌ الله اعلم.
 
الغم ‌فى‌ الاصل: التغطيه ‌و‌ الستر، ‌و‌ منه الغمام، سمى ‌به‌ الكرب ‌و‌ الحزن، لانه يستر وجه اللذه ‌و‌ يغطى على السرور، ‌و‌ قيل: لانه يخفى الروح، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ الغم اذا وقع لزمه تكاثف الروح القلبى، للبرد الحادث عند انطفاء الحراره الغريزيه، لشده انقباض الروح ‌و‌ اختفائه، فيحس ‌فى‌ القلب بانفعال شبيه بالعصر ‌و‌ المرس، ‌و‌ لذلك فسر بعضهم الغم بانه ‌ما‌ يلحق الانسان بحيث يغم قلبه، كانه
 
يضيق عليه ‌و‌ يقرب ‌ان‌ يغمى عليه. ‌و‌ فرق بينه ‌و‌ بين الهم بان الهم ‌ما‌ يقدر الانسان على ازالته كالافلاس مثلا، ‌و‌ الغم ‌ما‌ لايقدر على ازالته كفوت المحبوب، ‌و‌ قيل: الغم شامل الجميع انواع لمكروهات، ‌و‌ الهم بحسب ‌ما‌ يقصده.
 ‌و‌ الوعيد: يطلق على التخويف ‌و‌ التهديد، فقيل: ‌هو‌ مصدر وعده بالشر.
 قال الفيومى ‌فى‌ المصباح: قالوا ‌فى‌ الخير: وعده وعدا، ‌و‌ ‌فى‌ الشر: وعده وعيدا، فالمصدر فارق.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ اسم ‌من‌ الايعاد.
 قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: الوعيد اسم ‌من‌ اوعده يوعده اذا خوفه ‌و‌ تهدده.
 ‌و‌ يطلق تاره على العذاب الموعود، ‌و‌ منه قوله تعالى: «كل كذب الرسل فحق وعيد».
 قال المفسرون: اى: فوجب وحل عليهم عقابى ‌و‌ عذابى الموعود به، مثل قوله: «فحق عقاب».
 ‌و‌ كل ‌من‌ المعنيين محتمل هنا، ‌و‌ الموعود: يحتمل ‌ان‌ يكون اسم مفعول صفه لمحذوف، اى: ثواب الخير الموعود، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون مصدرا بمعنى الوعد.
 قال صاحب المحكم: ‌هو‌ ‌من‌ المصادر التى جاءت على مفعول كالمخلوق ‌و‌ المرجوع.
 فان حملت الوعيد على معنى التهديد فالانسب حمل الموعود على انه مصدر، ‌و‌ ‌ان‌
 
حملته على معنى العذاب ‌و‌ العقاب فالانسب حمله على انه اسم مفعول.
 ‌و‌ حتى: تعليليه.
 ‌و‌ اجد: ‌من‌ الوجدان، ‌و‌ ‌هو‌ ادراك الشى ء بالقوى الباطنه، ‌و‌ تسمى مدركاتها وجدانيات.
 ‌و‌ اللذه ادراك ‌و‌ نيل لما ‌هو‌ عند المدرك كمال ‌و‌ خير ‌من‌ حيث ‌هو‌ كذلك، ‌و‌ هى حسيه ‌و‌ عقليه، فالحسيه ‌ما‌ استند الى احدى الحواس الظاهره ‌او‌ الباطنه، كطعم الحلاوه عند حاسه الذوق، ‌و‌ النور عند البصر، ‌و‌ حضور المرجو عند الوهميه، ‌و‌ الامور الماضيه عند القوه الحافظه تلتذ بتذكرها، ‌و‌ العقليه ‌ما‌ استند الى القوه العاقله، اذ لاشك ‌ان‌ للقوه العاقله كمالا ‌و‌ ‌هو‌ ادراكها المجردات اليقينيه، ‌و‌ انها تدرك هذا الكمال ‌و‌ تلتذ ‌به‌ ‌و‌ ‌هو‌ اللذه العقليه. اذا عرفت ذلك، فلا ‌شك‌ ‌ان‌ ‌من‌ جمله ‌ما‌ يدعو له عليه السلام ‌ما‌ تتعلق ‌به‌ اللذه العقليه، بل ‌هو‌ اعظم ‌و‌ اهم مما تتعلق ‌به‌ اللذه الحسيه عند مثله عليه السلام، سواء كان ‌فى‌ هذه النشاه ‌او‌ ‌فى‌ النشاه الاخرويه، ‌و‌ على هذا فينبغى تعميم الوجدان بادراك ‌ما‌ عدا الحواس الخمس الظاهره، سواء كان بالحواس الباطنه ‌او‌ بالقوه العاقله، ليشمل الوجدان اللذه العقليه التى هى اعظم اللذات.
 فقد صرح ارباب العرفان بان الذ ثمار الجنه هى المعارف الالهيه، ‌و‌ النظر الى وجه الله ذى الجلال ‌و‌ الاكرام، ‌و‌ ذلك ‌من‌ العقليات الصرفه.
 ‌و‌ الكابه: تغير النفس ‌و‌ انكسارها ‌من‌ شده الهم ‌و‌ الحزن، كاب كابه- ‌من‌ باب علم- ‌و‌ اكتاب اكتئابا فهو كئيب ‌و‌ مكتئب.
 ‌و‌ استجار به: طلب ‌ان‌ يحفظه فاجاره، ‌و‌ هذه الحاله التى سالها عليه السلام هى
 
التى اشار اليها اميرالمومنين صلوات الله عليه ‌فى‌ خطبته التى وصف فيها المتقين بقوله: فهم ‌و‌ الجنه كمن قد رآها فهم فيها منعمون، ‌و‌ ‌هم‌ ‌و‌ النار كمن قد رآها فهم فيها يعذبون.
 قال بعض العلماء: ‌و‌ ‌هو‌ اشاره الى ‌ان‌ العارف الموقن ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌فى‌ الدنيا بجسده، فهو ‌فى‌ مشاهدته بعين بصيرته لاحوال الجنه ‌و‌ سعاداتها ‌و‌ احوال النار ‌و‌ شقاوتها، كالذين شاهدوا الجنه بعين حسهم ‌و‌ تنعموا فيها، ‌و‌ كالذين شاهدوا النار ‌و‌ عذبوا فيها، ‌و‌ هى مرتبه عين اليقين ‌او‌ ‌حق‌ اليقين ‌او‌ مرتبه علم اليقين على احتمال بعيد، ‌و‌ الله اعلم.
 
كلمه «قد» لتاكيد العلم بما ذكر المفيد لتاكيد الاستجابه، كما ‌فى‌ قوله تعالى: «قد يعلم ‌ما‌ انتم عليه».
 قال الزمخشرى: دخلت «قد» لتاكيد العلم ‌و‌ يرجع ذلك الى تاكيد الوعيد، ‌و‌ قيل: هى ‌فى‌ ذلك للتقليل، اى: تقليل متعلق الفعل، اى: ‌ان‌ ‌ما‌ ‌هم‌ عليه ‌هو‌ اقل معلوماته سبحانه، ‌و‌ على هذا فمعناها ‌فى‌ الدعاء: ‌ان‌ ‌ما‌ يصلحنى اقل معلوماتك، ‌و‌ الغرض انه عندك حقير ‌و‌ عليك يسير.
 ‌و‌ الدنيا: اسم لهذه الحياه لدنوها ‌و‌ بعد الاخره عنها.
 ‌و‌ روى الصدوق ‌فى‌ كتاب العلل عن اميرالمومنين عليه السلام: سميت الدنيا دنيا لانها ادنى ‌من‌ كل شى ء ‌و‌ سميت الاخره آخره لتاخرها، انتهى.
 
قال بعض اكابر الساده ‌فى‌ تعليقته: ‌و‌ دنيا ‌لا‌ تنون لانها ‌لا‌ تنصرف.
 قال ابن الجوزى ‌فى‌ تقويمه: ‌و‌ العامه تقول دنيا منونه، ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الدنيا نقيض الاخره، ‌و‌ قد تنون، ‌و‌ الجمع دنى.
 ‌و‌ لعله عنى بذلك استعمال العامه لها بالتنوين انتهى.
 قلت: لم يعن صاحب القاموس بذلك استعمال العامه ‌و‌ لو عناه لنبه على انه عامى، ‌و‌ انما عنى ‌ما‌ حكاه ابن الاعرابى ‌من‌ تنوينها على وجه الشذوذ، ‌و‌ اشار الى الشذوذ ب«قد» التقليليه، ‌و‌ قد تقدم ‌فى‌ الروضه التاسعه ‌ان‌ الدمامينى قال ‌فى‌ شرح التسهيل: حكى ابن الاعرابى صرف الدنيا على وجه الشذوذ، ‌و‌ ‌لا‌ يمكن ‌ان‌ تكون الالف للتانيث مع الصرف، فتجعل اذا ذاك للالحاق.
 ‌و‌ قال السيوطى ‌فى‌ مزهر اللغه: روى ابن الاعرابى دنيا منونا شبهوه بفعلل، انتهى.
 ‌و‌ حفى به- ‌من‌ باب علم- حفاوه: اعتنى ‌به‌ ‌و‌ بالغ ‌فى‌ بره ‌و‌ اكرامه فهو حفى به، ‌و‌ منه قوله تعالى: «قال سلام عليك ساستغفر لك ربى انه كان ‌بى‌ حفيا» اى: معتنيا بارا مبالغا ‌فى‌ الشفقه على ‌و‌ الاكرام لى، ‌و‌ مبنى التركيب على المبالغه ‌و‌ الاستقصاء، ‌و‌ منه احفاء الشارب اى: استيصاله، ‌و‌ الاحفاء ‌فى‌ المساله اى: الالحاح فيها.
 
الحق ‌فى‌ اللغه: ‌هو‌ الثابت الذى ‌لا‌ يسوغ انكاره، ‌و‌ يجى ء ‌فى‌ الاصطلاح لمعان: لموجد الشى ء على الحكمه، ‌و‌ لما يوجد عليها، ‌و‌ اعتقاد الشى ء على ‌ما‌ ‌هو‌ عليه، ‌و‌ للفعل ‌او‌
 
القول الواقع بحسب ‌ما‌ يجب ‌و‌ ‌فى‌ وقت يجب، ‌و‌ كل ‌ما‌ يجب لله ‌او‌ لخلقه، كما يقال: الله حق، ‌و‌ الايمان ‌به‌ ‌حق‌ ‌و‌ فعله حق، ‌و‌ قوله حق، ‌و‌ هذا ‌حق‌ الله، ‌او‌ ‌حق‌ زيد، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا ‌ما‌ يجب لله عليه ‌من‌ التسليم لامره ‌و‌ الاذعان لحكمه سبحانه.
 ‌و‌ قصر ‌فى‌ الامر تقصيرا: توانى فيه، اى: لم يبادر الى القيام ‌به‌ ‌و‌ لم يهتم بشانه، ‌و‌ الظرف ‌من‌ قوله: «عند تقصيرى» اما لغو متعلق بارزقنى، ‌او‌ مستقر حال ‌من‌ الحق، اى: كائنا عند تقصيرى.
 ‌و‌ الباء: للسببيه، اى: بسبب ‌ما‌ انعمت.
 ‌و‌ على وفى: كلاهما متعلق بانعمت.
 ‌و‌ عطف العسر على اليسر ‌و‌ السقم على الصحه للتعميم، باعتبار كل صادر عنه تعالى ‌من‌ رخاء ‌و‌ شده، اذ الشدائد اللاحقه ‌من‌ نعمه ايضا، فانها متى قوبلت بجميل الصبر اوجبت جزيل الاجر، كما قال سبحانه: «و بشر الصابرين»، ‌و‌ ظاهر ‌ان‌ اسباب النعم نعم. ‌و‌ المعنى: الهمنى الاعتراف بالحق ‌من‌ التسليم لامرك ‌و‌ الاذعان لحكمك الجارى على وفق الحكمه، حال عدم قيامى بما يجب لك ‌من‌ الشكر على نعمك على ‌فى‌ حالتى اليسر ‌و‌ العسر ‌و‌ الصحه ‌و‌ السقم.
 ‌و‌ تعرفت ‌ما‌ عنده: تطلبت حتى عرفت.
 ‌و‌ الروح بالفتح: الراحه.
 ‌و‌ الرضا: سرور القلب بمر القضاء، اى: جريانه.
 ‌و‌ الطمانينه: فعليله بضم الفاء ‌و‌ تشديد اللام الاولى، كما نص عليه بحرق ‌فى‌
 
 
شرحه الصغير للاميه ابن مالك، قيل: هى مصدر، ‌و‌ قيل: اسم.
 قال الجوهرى: اطمان الرجل اطمئنانا ‌و‌ طمانينه اى: سكن.
 ‌و‌ قال الفيومى ‌فى‌ المصباح: اطمان القلب: سكن ‌و‌ لم يقلق، ‌و‌ الاسم الطمانينه.
 ‌و‌ قال ابوحيان ‌فى‌ الارتشاف: ‌و‌ شذ ‌فى‌ اطمان ‌و‌ اقشعر ‌و‌ اشراب طمانينه ‌و‌ قشعريره ‌و‌ شرابيبه، ‌و‌ قيل: هى اسماء وضعت موضع المصدر، انتهى.
 قال بعضهم: ‌و‌ الاصل ‌فى‌ اطمان الالف مثل احمار ‌و‌ اسواد، لكنهم همزوا فرارا ‌من‌ الساكنين على غير قياس، ‌و‌ قيل بدليل قولهم: طامن الرجل ظهره بالهمز على فاعل، ‌و‌ يجوز تسهيل الهمزه فيقال: طامن، ‌و‌ معناه: حناه ‌و‌ خفضه.
 ‌و‌ «من» ‌و‌ «الباء» ‌من‌ قوله: «منى بما يجب لك»: متعلقان بالرضا ‌و‌ الطمانينه على سبيل التنازع، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون قوله: «منى» بيانا للنفس.
 ‌و‌ فى: ظرفيه مجازيه، ‌او‌ للسببيه متعلقه بيجب.
 ‌و‌ حدث الشى ء حدوثا- ‌من‌ باب قعد-: تجدد وجوده فهو حادث ‌و‌ حديث، ‌و‌ منه يقال: حدث ‌به‌ عيب اذا تجدد ‌و‌ كان معدوما. ‌و‌ المعنى: ‌كى‌ اعرف ‌من‌ نفسى راحه الرضا ‌و‌ اطمئنان نفسى بالذى يجب لك، ‌من‌ التسليم لامرك ‌و‌ الاذعان لحسن قضائك ‌فى‌ جميع ‌ما‌ يتجدد ‌من‌ الشوون ‌فى‌ حال الشده ‌و‌ الرخاء.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ مدار هذا الفصل ‌من‌ الدعاء على طلب مقام الرضا ‌و‌ التسليم ‌فى‌ جميع الاحوال عند التقصير ‌فى‌ الشكر على جميع الاحوال، فان الشكر على البلاء كالشكر على النعمه حال فوق الرضا، ‌و‌ ‌هو‌ ‌حق‌ ‌لا‌ ريب فيه، اذا كان الشكر يستلزم الرضا
 
دون العكس، فسال عليه السلام الاعتراف بالحق ‌من‌ التسليم لحسن تدبير الله تعالى له ‌فى‌ جميع احواله، ‌و‌ الاذعان لحكمه احكامه الجاريه عليه، اذا حصل منه تقصير ‌فى‌ الشكر على ذلك، حتى تكون نفسه راضيه مطمئنه بذلك ‌لا‌ ساخطه قلقه.
 ‌و‌ ‌ما‌ قيل: ‌من‌ ‌ان‌ المراد بالحق الشكر، ‌و‌ المعنى: ارزقنى الشكر عند تقصيرى ‌فى‌ الشكر، فظاهر العباره ياباه، ‌و‌ الله اعلم بمقاصد اوليائه.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يراد بالحق عند التقصير ‌فى‌ الشكر معرفه ‌ان‌ ‌ما‌ يجب الشكر عليه صادر عنه سبحانه، لتكون قائمه مقام الشكر، كما روى ‌ان‌ موسى عليه الصلاه ‌و‌ السلام قال: ‌يا‌ رب كيف اشكرك ‌و‌ شكرى لك نعمه اخرى توجب على الشكر لك، فاوحى الله تعالى اليه: اذا عرفت ‌ان‌ النعم منى رضيت منك بذلك شكرا.
 فيكون عليه السلام اراد بالحق هذه المعرفه القائمه مقام الشكر. ‌و‌ هذا المعنى قريب ‌من‌ المعنى الاول الذى ذكرناه ‌و‌ مستلزم له، ‌و‌ ‌ان‌ كان ذلك اوفق بالفاظ الدعاء ‌و‌ اشد التياما بمدلول تمام الفصل.
 
سلم سلامه: خلص ‌من‌ الافات.
 ‌و‌ المراد بالصدر: القلب، ‌من‌ اطلاق المحل على الحال، لان القلب محله الصدر
 
و ‌هو‌ مجاز مشهور، ‌و‌ منه «و ليبتلى الله ‌ما‌ ‌فى‌ صدوركم»، «و ‌ما‌ تخفى صدورهم اكبر»، «و الله عليم بذات الصدور»، اى: اجعل قلبى خالصا ‌من‌ آفه الحسد، ‌كى‌ ‌لا‌ احسد احدا كائنا ‌من‌ كان.
 ‌و‌ همزه احد قيل: اصليه، فهو اسم موضوع لمن يصلح ‌ان‌ يخاطب، يستوى فيه المفرد ‌و‌ المثنى ‌و‌ المجموع ‌و‌ المذكر ‌و‌ المونث. ‌و‌ قيل: مبدله ‌من‌ الواو فهو بمعنى واحد، ‌و‌ عمومه لوقوعه ‌فى‌ حيز النفى.
 ‌و‌ ‌من‌ خلقك: متعلق بمحذوف صفه لاحد، اى: كائنا ‌من‌ خلقك.
 ‌و‌ من: لبيان الجنس، وفائدته تاكيد العموم، لدلالته على التعميم بالقياس الى الجنس دون طائفه مخصوصه.
 ‌و‌ قوله: «الا رجوت» استثناء مفرغ ‌من‌ اعم الاحوال ‌او‌ اعم الاوقات، محله النصب على الحاليه ‌من‌ فاعل ارى، باضمار قد ‌او‌ بدونها على الخلاف المشهور، اى: ‌لا‌ ارى نعمه ‌فى‌ حال ‌من‌ الاحوال ‌او‌ وقت ‌من‌ الاوقات الا حال كونى راجيا لنفسى افضل ‌من‌ ذلك.
 قول بعضهم: الاستثناء ‌فى‌ «الا رجوت» منقطع، لانه اخراج لما دخل ‌فى‌ حكم دلاله المفهوم، اذ التقدير: ‌لا‌ يعرض لى عارض ‌فى‌ وقت رويه النعمه الا رجاء افضل ذلك، خبط واضح ‌و‌ غلط فاضح، ‌و‌ جهل بمعرفه النحو ‌و‌ الاعراب، ‌و‌ الله الهادى الى سبيل الصواب.
 
 تنبيه
 
 ‌دل‌ قوله عليه السلام: «و حتى ‌لا‌ ارى نعمه» الى آخره ‌ان‌ ترجى ‌و‌ تمنى الانسان مثل نعمه غيره ‌او‌ افضل منها ليس ‌من‌ الحسد المذموم، بل يستحب ذلك
 
و قد صرح العلماء بهذا المعنى.
 قال بعضهم: اعلم انه اذا انعم الله على اخيك بنعمه، فان اردت زوالها فهذا ‌هو‌ الحسد المحرم الذى ذمه الله ‌فى‌ غير موضع ‌من‌ كتابه المجيد، فقال: «ام يحسدون الناس على ‌ما‌ آتيهم الله ‌من‌ فضله». ‌و‌ قال: «ود كثير ‌من‌ اهل الكتاب لو يرونكم ‌من‌ بعد ايمانكم كفارا حسدا ‌من‌ عند انفسهم»، الى غير ذلك ‌من‌ الايات، ‌و‌ ‌ان‌ اشتهيت لنفسك مثلها فهذا ‌هو‌ الغبطه ‌و‌ المنافسه المشتقه ‌من‌ النفاسه، ‌و‌ ليست بحرام لقوله تعالى: «و ‌فى‌ ذلك فليتنافس المتنافسون»، ‌و‌ قد تكون واجبه اذا كانت النعمه دينيه واجبه كالايمان ‌و‌ الصلاه ‌و‌ الزكاه، ‌و‌ قد تكون مندوبه ‌فى‌ نحو الانفاق ‌فى‌ سبيل الله ‌و‌ تشهى العلم ‌و‌ التعليم.
 ‌و‌ قال الراغب ‌فى‌ الذريعه: الذى ينال الانسان بسبب خير يصل الى غيره على سبيل التمنى ‌ان‌ يكون له مثله فهو غبطه، ‌و‌ اذا كان مع ذلك سعى منه ‌فى‌ ‌ان‌ يبلغ ‌هو‌ مثل ذلك ‌من‌ الخير ‌او‌ ‌ما‌ ‌هو‌ فوقه فمنافسه، ‌و‌ كلاهما محمودان، ‌و‌ ‌ان‌ كان مع ذلك سعى ‌فى‌ ازالتها فحسد، قال عليه الصلاه ‌و‌ السلام: المومن يغبط ‌و‌ المنافق يحسد، فحمد الغبطه، ‌و‌ قال تعالى: «و ‌فى‌ ذلك فليتنافس المتنافسون»، فحثنا على التنافس اذ ‌هو‌ الباعث لنا على طلب المحاسن، ‌و‌ ذلك كقوله تعالى: «سارعوا الى مغفره ‌من‌ ربكم»، انتهى كلام الراغب.
 ‌و‌ قال النظام النيسابورى ‌فى‌ غرائب القرآن ‌و‌ رغائب الفرقان: قد يطلق الحسد على المنافسه، ‌و‌ منه قوله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌لا‌ حسد الا ‌فى‌ اثنين، رجل آتاه الله
 
مالا فهو ينفقه ‌فى‌ سبيل الله، ‌و‌ رجل آتاه الله علما فهو يعمل ‌به‌ ‌و‌ يعلم الناس. ‌و‌ على هذا يكون الحسد مراتب اربع:
 الاولى: ‌ان‌ يحب زوال النعمه ‌من‌ المحسود ‌و‌ ‌ان‌ لم تحصل له، ‌و‌ هذه اخبث المراتب.
 الثانيه: ‌ان‌ يحب زوالها عنه ‌و‌ اليه كرغبته ‌فى‌ داره الحسنه ‌او‌ امراته ‌او‌ ولايته، فالمطلوب بالذات حصولها، فاما زوالها فمطلوب بالعرض.
 الثالثه: ‌ان‌ ‌لا‌ يشتهى زوالها بل يشتهى لنفسه مثلها، فان عجز عن مثلها احب زوالها كلى ‌لا‌ يظهر التفاوت بينهما.
 الرابعه: ‌ان‌ يشتهى لنفسه مثلها، فان لم يحصل فلا يحب زوالها عنه، ‌و‌ هذا الاخير ‌هو‌ المعفو عنه ‌ان‌ كان ‌فى‌ الدنيا، ‌و‌ المندوب اليه ‌ان‌ كان ‌فى‌ الدين.
 ‌و‌ الثالثه منها مذموم ‌و‌ غير مذموم، ‌و‌ الثانيه اخف، ‌و‌ الاولى اخبث، قال الله تعالى: «و ‌لا‌ تتمنوا ‌ما‌ فضل الله ‌به‌ بعضكم على بعض»، تمنيه لمثل ذلك غير مذموم، ‌و‌ تمنيه لعين ذلك مذموم، انتهى.
 بك ‌و‌ منك: الباء للاستعانه ‌او‌ السببيه، ‌و‌ من: ابتدائيه، ‌و‌ كلاهما متعلق برجوت، ‌او‌ بمحذوف منصوب على الحال ‌من‌ ذلك، اى: كائنا بك ‌و‌ منك.
 ‌و‌ وحدك: اى: منفردا غير مشفوع بك غيرك، ‌و‌ اختلف فيه على مذاهب، فقال سيبويه، ‌هو‌ معرفه موضوع موضع النكره.
 ‌و‌ قال ابوعلى الفارسى: ‌هو‌ مصدر منصوب على انه مفعول مطلق للحال المقدره، ‌و‌ التقدير: منفردا وحدك اى: انفرادك، فهو ‌و‌ ‌ان‌ قام مقام الحال منتصب على
 
المصدريه، كما ينتصب على الظرفيه ‌ما‌ قام مقام خبر المبتدا ‌من‌ الظروف، نحو: زيد قدامك، ‌و‌ ‌لا‌ يعرب اعراب ‌ما‌ قام مقامه.
 ‌و‌ قال يونس ‌و‌ هشام: انه منصوب انتصاب الظرف فيجرى مجرى عنده، ‌و‌ الاصل ‌فى‌ جاء زيد وحده على وحده، حذف الجار ‌و‌ نصب على الظرف.
 ‌و‌ بنوتميم يعربونه باعراب الاسم الاول.
 ‌و‌ قوله: «لا شريك لك» جمله حاليه موكده لما قبلها، ‌و‌ الله اعلم.
 
التحفظ: الاحتراز ‌و‌ التوقى.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: عليك بالتحفظ ‌من‌ الناس ‌و‌ ‌هو‌ التوقى.
 ‌و‌ الاحتراس مثله.
 ‌و‌ الزلل: اصله ‌فى‌ القدم، يقال: زل يزل- ‌من‌ باب ضرب- زللا اذا زلقت قدمه ‌و‌ لم يثبت، ثم استعمل ‌فى‌ القول ‌و‌ الراى.
 قال ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز: زل ‌فى‌ قوله ‌و‌ رايه زله ‌و‌ زللا، ‌و‌ ازله الشيطان عن الحق ‌و‌ استزله، انتهى.
 
و قوله: «فى الدنيا ‌و‌ الاخره» اى: ‌فى‌ امور الدنيا ‌و‌ الاخره، كقوله تعالى: «لعلكم تتفكرون ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره» اى: ‌فى‌ الامور المتعلقه بهما.
 ‌و‌ قوله: «فى حال الرضا ‌و‌ الغضب» ظرف مستقر حال ‌من‌ مفعول ارزقنى، ‌اى‌ حال كونى ‌فى‌ حال الرضا ‌و‌ حال كونى ‌فى‌ حال الغضب، ‌او‌ لغو متعلق بالاحتراس ‌و‌ التحفظ على سبيل التنازع.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بما يرد على»: للملابسه، ‌و‌ الظرف مستقر حال ‌من‌ الضمير ‌فى‌ اكون، اى: حال كونى ملبسا بما يرد على منهما، اى: ‌من‌ الرضا ‌و‌ الغضب، قيل: ‌او‌ ‌من‌ امور الدنيا ‌و‌ امور الاخره، ‌و‌ ليس بشى ء.
 ‌و‌ قول بعضهم: «بما يرد» متعلق باكون، خبط.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بمنزله»: للظرفيه متعلق بمحذوف ‌و‌ ‌هو‌ خبر اكون، اى: كائنا ‌فى‌ منزله سواء، اى: مستويه.
 ‌و‌ سواء: اسم بمعنى الاستواء نعت ‌به‌ كما ينعت بالمصادر مبالغه، ‌و‌ لذلك يستوى فيه المذكر ‌و‌ المونث ‌و‌ المفرد ‌و‌ المثنى ‌و‌ الجمع.
 قال تعالى: «تعالوا الى كلمه سواء بيننا ‌و‌ بينكم»، «فى اربعه ايام سواء للسائلين». ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ قولهم: استوى القوم ‌فى‌ المال اذا لم يفضل احد منهم على الاخر فيه، ‌و‌ الغرض الاتصاف بالعدل ‌و‌ سلامه النفس ‌من‌ الافات، المقتضيين لمراعاه الحق ‌و‌ اتباعه ‌فى‌ حال الرضا ‌و‌ الغضب ‌و‌ عدم التجاوز عنه الى الباطل، كما ‌هو‌ مقتضى الحميه الجاهليه.
 ‌و‌ قوله: «عاملا بطاعتك» خبرثان لاكون.
 
و موثرا: خبر ثالث له، ‌و‌ ‌هو‌ اسم فاعل ‌من‌ آثره بالمد، اى: فضله ‌و‌ اختاره ‌و‌ قدمه.
 قال بعضهم يحتمل ‌ان‌ يكون المعنى موثرا لرضاك كائنا ‌او‌ الكائن على ‌ما‌ سوى رضاى ‌و‌ غضبى، ‌و‌ يحتمل تضمين موثرا معنى مرجحا فيفيد معناها، انتهى.
 قلت: ‌لا‌ داعى الى هذا التقدير ‌و‌ التضمين، فان الايثار يتعدى ب«على»، لانه بمعنى التفضيل ‌و‌ التقديم.
 قال تعالى: «تالله لقد آثرك الله علينا»، «و يوثرون على انفسهم». ثم تقديره «الكائن» ليس بصحيح، فان الجار ‌و‌ المجرور اذا لم يكن لغوا فهو بعد المعرفه المحضه حال ‌و‌ بعد النكره المحضه صفه، فلا يجوز ‌ان‌ يقدر ‌فى‌ نحو «جاءنى صاحبك على الفرس» الكائن على الفرس، بل كائنا على الفرس.
 ‌و‌ قوله: «على ‌ما‌ سوى رضاى ‌و‌ غضبى» ليس بشى ء بل الضمير ‌من‌ سواهما عائد الى الرضا ‌و‌ الطاعه، اى: موثرا لرضاك ‌و‌ طاعتك على ‌ما‌ سواهما، فهو ‌من‌ باب حذف المعطوف مع العاطف لدليل، ‌و‌ دليل التقدير هنا ضمير المثنى ‌و‌ دليل المقدر قوله: «عاملا بطاعتك»، ‌و‌ حذف المعطوف مع الاعاطف ليس بعزيز، فقد وقع كثيرا ‌فى‌ فصيح الكلام، ‌و‌ منه قوله تعالى: «لا يستوى منكم ‌من‌ انفق ‌من‌ قبل الفتح ‌و‌ قاتل»، اى: ‌و‌ ‌من‌ انفق ‌من‌ بعده، دليل التقدير ‌ان‌ الاستواء انما يكون بين شيئين، ‌و‌ دليل المقدر «اولئك اعظم درجه ‌من‌ الذين انفقوا ‌من‌ بعد ‌و‌ قاتلوا».
 ‌و‌ قوله تعالى: «لا نفرق بين احد ‌من‌ رسله» اى: بين احد ‌و‌ احد، ‌او‌ بين احد
 
من رسله ‌و‌ بين الله، بدليل «و يريدون ‌ان‌ يفرقوا بين الله ‌و‌ رسله»، ‌و‌ منه قوله تعالى ايضا: «لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت ‌من‌ قبل ‌او‌ كسبت ‌فى‌ ايمانها خيرا»، اى: ‌لا‌ ينفع نفسا ايمانها ‌و‌ كسبها، ‌و‌ هى ‌من‌ قبيل اللف التقديرى. ‌و‌ بهذا التقدير تندفع شبهه المعتزله، ‌من‌ تمسكهم بالايه على ‌ان‌ مجرد الايمان بدون ‌ان‌ يكون فيه كسب خير ليس بنافع.
 ‌و‌ حمل على هذا الباب آيات آخرى، قال الشريف المرتضى: ‌من‌ عادتهم ‌ان‌ يحذفوا ‌ما‌ تكون قوه الدلاله عليه ‌و‌ سوقها اليه مغنيين عن النطق، ‌و‌ ‌فى‌ القرآن، ‌و‌ فصيح كلام العرب ‌و‌ اشعارها امثله كثيره لذلك ‌لا‌ تحصى، فمنه قوله تعالى: «و اذ آتينا موسى الكتاب ‌و‌ الفرقان»، ‌و‌ قد ذكر ‌فى‌ الايه وجوه اوضحها انه تعالى اراد: آتينا موسى الكتاب ‌و‌ محمد الفرقان، لانه لما عطف الفرقان على الكتاب الذى اوتيه موسى عليه السلام، ‌و‌ علمنا انه ‌لا‌ يليق به، لان الفرقان ليس مما اوتيه موسى عليه السلام، وجب ‌ان‌ يقدر ‌ما‌ يطابق ذلك، انتهى.
 قوله عليه السلام: «فى الاولياء ‌و‌ الاعداء» متعلق ب«موثرا»، اى: مقدما لرضاك ‌و‌ طاعتك على ‌ما‌ سواهما ‌فى‌ معامله الاولياء ‌و‌ الاعداء، اى: ‌لا‌ اعامل احدا منهم الا بما فيه طاعتك ‌و‌ رضاك، فلا اميل لولى ‌و‌ ‌لا‌ احيف على عدو تبعا لهوى نفسى.
 ‌و‌ ‌من‌ قال: ‌ان‌ قوله: «فى الاولياء» خبر رابع لاكون بعد قوله بمنزله سواء ‌و‌ عاملا ‌و‌ موثرا، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون ‌فى‌ الاولياء محله محل على ‌ما‌ سواهما، فقد خبط خبط عشواء، ‌و‌ الله المستعان.
 
قوله عليه السلام: «حتى يامن عدوى ‌من‌ ظلمى ‌و‌ جورى الى آخره، تعليل لطلب كونه موثرا لرضاه تعالى ‌و‌ طاعته ‌فى‌ الاولياء ‌و‌ الاعداء، اى: ‌كى‌ يامن عدوى مما يخافه ‌من‌ ظلمى له ‌و‌ جورى عليه بسبب العداوه، ‌و‌ يايس وليى مما يطمع فيه ‌من‌ ميلى معه ‌و‌ انحطاط هواى اليه بسبب الولايه.
 روى يايس ‌من‌ ايس ‌من‌ باب تعب بتقديم الهمزه، ‌و‌ يياس ‌من‌ باب تعب ايضا بتقديم الياء، ‌و‌ هما لغتان، ‌و‌ بعضهم يقول: الاولى مقلوبه ‌من‌ الثانيه، ‌و‌ قد تقدم.
 ‌و‌ انحطاط الهوى عباره عن سرعه ميله ‌و‌ انحداره نحو ‌من‌ يهواه، ‌من‌ قولهم: حطت الناقه ‌فى‌ سيرها ‌و‌ انحطت اذا اسرعت.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: ناقه حطوط: سريعه السير، ‌و‌ حطت ‌فى‌ سيرها ‌و‌ انحطت، ‌و‌ حط ‌فى‌ هواه ‌و‌ انحط، ‌و‌ يقال: اكل ‌من‌ حلوائهم فانحط ‌فى‌ اهوائهم.
 ‌و‌ قال الكميت:
 حطوطا ‌فى‌ مسرته ‌و‌ مولى
 الى مرضاه خالقه سريعا
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه ‌فى‌ حديث سبيعه الاسلمى: فحطت الى الشاب اى: مالت اليه ‌و‌ نزلت بقلبها نحوه، انتهى.
 ‌و‌ خفى هذا المعنى على بعضهم، فحمل الانحطاط على معنى القله ‌و‌ النقص، ‌من‌ انحط السعر اذا نقص، ‌و‌ زعم ‌ان‌ المعنى حتى يايس وليى ‌من‌ قله هواى ‌و‌ نقصانه ‌فى‌ الحق.
 ‌و‌ قال آخر: ‌هو‌ ‌من‌ حططت الشى ء اذا انزلته فانحط، ‌و‌ المعنى حتى يايس وليى
 
من نزول هواى ‌فى‌ الامر الباطل الذى يوافقه. ‌و‌ كل ذلك ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌فى‌ نفسه معنى صحيحا، لكنه غير مقصود بهذا اللفظ عند العرب، ‌و‌ ‌لا‌ يريدون ‌به‌ الا المعنى الذى ذكرناه اولا، ‌و‌ حمله على غير ذلك جهل بمصطلحاتهم ‌و‌ مواقع الفاظهم، ‌و‌ الله اعلم.
 
هذا سئوال للتوفيق للدعاء ‌فى‌ جميع الاوقات، لانه- مع كونه عباده- ينفع صاحبه اذا دعا عند نزول البلاء ‌و‌ حال الاضطرار، ‌و‌ يوجب كشفه سريعا، كما وردت بذلك اخبار كثيره، ‌و‌ يسمى التقدم ‌فى‌ الدعاء. ‌و‌ قد عقد له ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بابا، ‌و‌ روى فيه بسند صحيح عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: ‌من‌ تقدم ‌فى‌ الدعاء استجيب له اذ نزل ‌به‌ البلاء، ‌و‌ قيل: صوت معروف، ‌و‌ لم يحجب عن السماء، ‌و‌ ‌من‌ لم يتقدم ‌فى‌ الدعاء يستجب له اذا نزل ‌به‌ البلاء، ‌و‌ قالت الملائكه: ‌ان‌ هذا الصوت ‌لا‌ نعرفه.
 ‌و‌ بسند حسن ‌او‌ صحيح عنه ايضا عليه السلام، قال: ‌من‌ تخوف بلاء يصيبه فتقدم فيه ‌فى‌ الدعاء لم يره الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ذلك البلاء ابدا.
 ‌و‌ عنه ايضا عليه السلام قال: ‌ان‌ الدعاء ‌فى‌ الرخاء يستخرج الحوائج ‌فى‌ البلاء.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌من‌ سره ‌ان‌ يستجاب له ‌فى‌ الشده فليكثر الدعاء ‌فى‌ الرخاء.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: كان جدى يقول: تقدموا ‌فى‌ الدعاء، فان العبد اذا كان دعاء فنزل ‌به‌ البلاء قيل: صوت معروف، ‌و‌ اذا لم يكن دعاء فنزل ‌به‌
 
البلاء فدعا، قيل: اين كنت قبل اليوم.
 ‌و‌ عن ابى الحسن الاول قال: كان على ‌بن‌ الحسين عليه السلام يقول: الدعاء بعد ‌ما‌ ينزل البلاء ‌لا‌ ينتفع به.
 قوله عليه السلام: «انك حميد مجيد» تعليل لدعائه تعالى ‌و‌ سواله، ‌او‌ لاستدعاء توفيقه لدعائه ‌فى‌ كل حال.
 ‌و‌ الحميد: قيل: فاعل ‌ما‌ يستوجب الحمد، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ المحمود المثنى عليه، ‌و‌ الله تعالى ‌هو‌ الحميد بحمده لنفسه ازلا، ‌و‌ بحمد عباده له ابدا.
 ‌و‌ يرجع هذا الى صفات الجلال.
 ‌و‌ العلو ‌و‌ الكمال منسوبا الى ذكر الذاكرين له، فان الحمد ‌هو‌ ذكر اوصاف الكمال ‌من‌ حيث ‌هو‌ كمال.
 ‌و‌ المجيد: قيل: الجميل افعاله، ‌و‌ قيل: الكثير افضاله، ‌و‌ قيل: الذى ‌لا‌ يشارك فيه ‌من‌ اوصاف المدح.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ المقصد الاسنى: ‌هو‌ الشريف ذاته، الجميل افعاله، الجزيل عطاوه ‌و‌ نواله، فكان شرف الذات اذا قارنه حسن الفعال سمى مجدا، ‌و‌ ‌هو‌ الماجد ايضا، ‌و‌ لكن المجيد ادل على المبالغه، فكانه يجمع معنى اسم الجليل ‌و‌ الوهاب ‌و‌ الكريم، ‌و‌ الله اعلم.
 هذا آخر الروضه الثانيه ‌و‌ العشرين ‌من‌ رياض السالكين، ‌و‌ قد وفق الله تعالى للفراغ ‌من‌ تسويدها ضحى يوم الخميس سلخ شهر ربيع الثانى ‌من‌ سنه احدى ‌و‌ مائه ‌و‌ الف، ‌و‌ لله الحمد.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^