فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 27- 1

بسم الله الرحمن الرحيم


 الحمد لله الذى حصن ثغورالدين ‌و‌ حمى حوزه الاسلام بمحمد اشرف المرسلين ‌و‌ اهل بيته الاوصيا الاعلام، والصلاه والسلام على ‌من‌ الف ‌به‌ جمع المسلمين ‌و‌ فرق شمل المشركين ‌و‌ على آله الذين عضدهم بالنصر على المعتدين ‌و‌ ايدبهم عباده المهتدين.
 ‌و‌ بعد فهذه الروضه السابعه ‌و‌ العشرون ‌من‌ رياض السالكين، تتضمن شرح الدعاء السابع ‌و‌ العشرين ‌من‌ صحيفه سيدالعابدين، صلى الله عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الطاهرين، املاء راجى فضل ربه السنى على صدرالدين الحسينى الحسنى، كتب الله اسمه ‌فى‌ العابدين ‌و‌ اوجب له ثواب المجاهدين.
 
الثغور: جمع ثغر بفتح الثاء المثلثه ‌و‌ اسكان الغين المعجمه، ‌و‌ ‌هو‌ الطرف الملاصق ‌من‌ بلد المسلمين بلاد الكفار.
 ‌و‌ ‌فى‌ النهايه: ‌هو‌ موضع يكون حدا فاصلا بين بلاد المسلمين ‌و‌ الكفار، ‌و‌ ‌هو‌ موضع المخافه ‌من‌ اطراف البلاد.
 ‌و‌ قال الشهاب الفيومى ‌فى‌ المصباح: الثغر ‌من‌ البلاد: الموضع الذى يخاف منه هجوم العدو، فهو كالثلمه ‌فى‌ الحائط يخاف هجوم السارق منها.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الثغر: ‌ما‌ يلى دار الحرب ‌و‌ موضع المخافه ‌من‌ فروج البلدان.
 ‌و‌ المراد باهل الثغور. المسلمون المرابطون بها، الملازمون لها لحفظها، ‌و‌ يدخل فيهم ‌من‌ كان الثغر بلده ‌و‌ كان ساكنا فيه، اذا وطن نفسه على المحافظه.
 قال الشهيد الثانى ‌فى‌ شرح اللمعه: ‌و‌ لو وطن ساكن الثغر نفسه على المحافظه، ‌و‌ الاعلام باحوال المشركين على تقدير هجومهم فهو مرابط، انتهى.
 ‌و‌ تسمى الاقامه بالثغر رباطا ‌و‌ مرابطه كما سياتى.
 قال ‌فى‌ اللمعه ‌و‌ شرحها: ‌و‌ الرباط مستحب استحبابا موكدا دائما، مع حضور الامام ‌و‌ غيبته، ‌و‌ اقله ثلاثه ايام، فلا يستحق ثوابه ‌و‌ ‌لا‌ يدخل ‌فى‌ النذر ‌و‌ الوقف
 
و الوصيه للمرابطين باقامه دون ثلاثه، ‌و‌ لو نذره ‌و‌ اطلق وجب ثلاثه بليلتين بينهما كالاعتكاف، ‌و‌ اكثره اربعون يوما، فان زاد الحق بالجهاد ‌فى‌ الثواب، ‌لا‌ انه يخرج عن وصف الرباط، ‌و‌ لو اعان بفرسه ‌او‌ غلامه لينتفع بهما ‌من‌ يرابط اثيب لاعانته على البر، ‌و‌ لو نذر المرابطه ‌او‌ نذر صرف مال الى اهلها وجب الوفاء بالنذر ‌و‌ ‌ان‌ كان الامام غائبا، لانها ‌لا‌ تتضمن جهادا فلا يشترط حضوره، ‌و‌ قيل: يجوز صرف المنذور للمرابطين ‌فى‌ البر حال الغيبه ‌ان‌ لم يخف الشنعه بتركه لعلم المخالف بالنذر، ‌و‌ ‌هو‌ ضعيف، انتهى.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند قوى مقبول عن يونس عن ابى الحسن الرضا عليه السلام، قال: قلت له: جعلت فداك ‌ان‌ رجلا ‌من‌ مواليك بلغه ‌ان‌ رجلا يعطى السيف ‌و‌ الفرس ‌فى‌ سبيل الله، فاتاه فاخذهما منه ‌و‌ ‌هو‌ جاهل بوجه السبيل، ثم لقيه اصحابه فاخبروه ‌ان‌ السبيل مع هولاء ‌لا‌ يجوز ‌و‌ امروه بردهما، فقال: فليفعل، قال: قد طلب الرجل فلم يجده ‌و‌ قيل له: قد شخص الرجل، قال: فليرابط ‌و‌ ‌لا‌ يقاتل، قال: ففى مثل قزوين ‌و‌ الديلم ‌و‌ عسقلان ‌و‌ ‌ما‌ اشبه هذه الثغور؟ فقال: نعم، فقال له: يجاهد؟، قال: لا، الا ‌ان‌ يخاف على ذرارى المسلمين، ارايتك لو ‌ان‌ الروم دخلوا على المسلمين الم ينبغ لهم ‌ان‌ يمنعوهم؟ قال: يرابط ‌و‌ ‌لا‌ يقاتل، ‌و‌ ‌ان‌ خاف على بيضه الاسلام ‌و‌ المسلمين قاتل، فيكون قتاله لنفسه ليس للسلطان، قال: قلت: ‌و‌ ‌ان‌ جاء العدو الى الموضع الذى ‌هو‌ فيه مرابط كيف يصنع؟ قال: يقاتل عن بيضه الاسلام، لان ‌فى‌ دروس الاسلام دروس دين محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله.
 
حصن المكان بالضم حصانه بالفتح فهو حصين: ‌اى‌ منيع، ‌و‌ يتعدى بالهمزه
 
و التضعيف فيقال: احصنته ‌و‌ حصنته، ‌و‌ منه الحصن للمكان الذى ‌لا‌ يقدر عليه لارتفاعه ‌و‌ امتناعه.
 ‌و‌ العزه: الامتناع ‌و‌ الشده ‌و‌ الغلبه، ‌و‌ رجل عزيز: منيع ‌لا‌ يغلب ‌و‌ ‌لا‌ يقهر، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و عزنى ‌فى‌ الخطاب» اى: غلبنى ‌و‌ قهرنى.
 ‌و‌ ‌فى‌ المثل: ‌من‌ ‌عز‌ بز، اى: ‌من‌ غلب سلب.
 ‌و‌ عازنى فعززته: اى: غالبنى فغلبته.
 ‌و‌ ايده الله تاييدا: قواه، ‌من‌ آديئيد ايدا اى: قوى ‌و‌ اشتد، فهو ايد مثل سيد.
 ‌و‌ حماه جمع حامى، ‌من‌ حميت المكان ‌من‌ الناس حميا- ‌من‌ باب رمى ‌و‌ حميه بالكسر اى: منعته عنهم، ‌و‌ الاسم الحمايه. ‌و‌ وزن حماه: فعله بضم اوله ‌و‌ فتح ثانيه، ‌و‌ هذا الجمع مطرد ‌فى‌ وصف لعاقل مذكر على زنه فاعل معتل اللام بالياء ‌و‌ الواو، كرام ‌و‌ رماه ‌و‌ غاز ‌و‌ غزاه، ‌و‌ الاصل فيهن حميه ‌و‌ رميه ‌و‌ غزوه، قلبت الياء ‌و‌ الواو الفين لتحركهما ‌و‌ انفتاح ‌ما‌ قبلهما. ‌و‌ قيل: انه فعله بفتح الفاء، ‌و‌ ‌ان‌ الفتحه حولت ضمه للفرق بين معتل اللام ‌و‌ صحيحها.
 ‌و‌ القوه: تطلق على كمال القدره، ‌و‌ على شده الممانعه ‌و‌ الدفع، ‌و‌ يقابلها الضعف.
 ‌و‌ اسبغ الله النعمه: افاضها ‌و‌ اتمها، ‌و‌ اصله ‌من‌ سبغ الثوب سبوغا- ‌من‌ باب قعد-: تم ‌و‌ كمل، ‌و‌ منه الحديث: اسبغوا لليتيم ‌فى‌ النفقه اى: انفقوا عليه تمام ‌ما‌ يحتاج اليه ‌و‌ وسعوا عليه فيها.
 ‌و‌ العطايا: جمع عطيه، ‌و‌ هى اسم لما تعطيه.
 ‌و‌ الجده: الثروه ‌و‌ الغنى.
 
قال ‌فى‌ النهايه: وجد يجد جده اى: استغنى غنى ‌لا‌ فقر بعده، انتهى.
 ‌و‌ هى ‌من‌ باب ‌ما‌ سقطت الواو ‌من‌ اوله ‌و‌ عوض منهاهاء ‌فى‌ آخره، كعده وصله وصفه.
 
العده بالكسر: اسم كالعدد، ‌و‌ ‌هو‌ مقدار ‌ما‌ يعد، ‌و‌ قد تجعل مصدرا كالعد، ‌و‌ تطلق على الجماعه قلت ‌او‌ كثرت، ‌و‌ منه قولك: انفذت عده كتب اى: جماعه كتب، ‌و‌ هذا المعنى محتمل هنا، اى: كثر عددهم ‌او‌ جماعتهم.
 ‌و‌ شحذ السكين شحذا- ‌من‌ باب منع-: احدها.
 ‌و‌ الاسلحه: جمع سلاح بالكسر، ‌و‌ هى ‌ما‌ يقاتل ‌به‌ ‌فى‌ الحرب ‌و‌ يدافع، كالسيوف ‌و‌ الرماح ‌و‌ السهام ‌و‌ القسى ‌و‌ الدروع ‌و‌ المغافر ‌و‌ المجان ‌و‌ كان المراد بها هنا ‌ما‌ كان قابلا للشحذ منها، ‌من‌ باب اطلاق العام على الخاص، ‌او‌ السيوف خاصه.
 قال ‌فى‌ النهايه: ‌و‌ السيف وحده يسمى سلاحا
 فيكون تخصيصه بالذكر دون سائر آلات الحرب لشرفه عليها، ‌و‌ الاستغناء ‌به‌ عنها دون العكس.
 كما قال ابوالطيب:
 ‌و‌ ‌من‌ طلب الفتح المبين فانما
 مفاتحه البيض الرقاق الصوارم.
 ‌و‌ لعل هذا ‌هو‌ السر ‌فى‌ تسميه السيف وحده سلاحا، لان كل الصيد ‌فى‌ جوف الفرا، ثم المراد بشحذه تعالى اسلحتهم: اما جعلها قاطعه ماضيه بقدرته سبحانه، ‌او‌ ‌هو‌ كنايه عن تقويتهم على النكايه ‌فى‌ اعدائهم ‌و‌ النيل منهم ضربا ‌و‌ طعنا.
 ‌و‌ الحوزه: الجانب ‌و‌ الناحيه، قال ابن الاثير: ‌و‌ منه الحديث: فحمى حوزه
 
الاسلام، اى: حدوده ‌و‌ نواحيه ‌و‌ حومه القتال: معظمه.
 قال ‌فى‌ القاموس: حومه البحر ‌و‌ الرمل ‌و‌ القتال ‌و‌ غيره: معظمه ‌او‌ اشد موضع فيه، انتهى.
 ‌و‌ منه: خاض حومه القتال، ‌و‌ لم يزل خواضا حومات الحروب.
 ‌و‌ التاليف: ايقاع الالفه، ‌و‌ الجمع: الجماعه.
 ‌و‌ تدبير الامر: فعله عن فكر ‌و‌ رويه، ماخوذ ‌من‌ لفظ الدبر، لانه نظر ‌فى‌ عواقب الامور ‌و‌ ادبارها، ‌و‌ اذا اسند الى الله تعالى فالمراد ‌به‌ اجراء الامر على الوجه الذى يليق به، ‌و‌ منه قوله تعالى: «يدبر الامر»، قال المفسرون: اى: يقتضى ‌و‌ يقدر حسبما تقتضيه الحكمه ‌و‌ المصلحه.
 ‌و‌ المواتره: المتابعه، يقال: تواترت الخيل: اذا جاء يتبع بعضها بعضا.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: واتر بين اخباره مواتره ‌و‌ وتارا: تابع.
 قال الجوهرى: ‌و‌ ‌لا‌ تكون المواتره بين الاشياء الا اذا وقعت بينها فتره، ‌و‌ الا فهى مداركه ‌و‌ مواصله، ‌و‌ مواتره الصوم: ‌ان‌ يصوم يوما ‌و‌ يفطر يوما ‌او‌ يومين ‌و‌ ياتى ‌به‌ وترا، ‌و‌ ‌لا‌ يراد ‌به‌ المواصله، لان اصله ‌من‌ الوتر، ‌و‌ كذلك واترت الكتب فتواترت اى: جاءت بعضها ‌فى‌ اثر بعض وترا وترا ‌من‌ غير ‌ان‌ تنقطع، انتهى.
 ‌و‌ كذلك قال الفارسى: المواتره: ‌ان‌ يتبع الخبر الخبر، ‌و‌ الكتاب الكتاب، ‌و‌ ‌لا‌ يكون بينهما فصل كثير.
 
و قال الاصمعى: ‌و‌ اترت الخبر: اتبعت بعضه بعضا ‌و‌ بين الخبرين هنيئه.
 ‌و‌ قال بعضهم: المواتره: المتابعه الغير المنصرمه، يقال: تواترت الخيل اى: جاء بعضها ‌فى‌ اثر بعضها وترا وترا ‌من‌ غير ‌ان‌ تنقطع، ‌و‌ اغرب ‌من‌ نسب هذه العباره الى الجوهرى ‌فى‌ صحاحه.
 ‌و‌ المير: جمع ميره بالكسر، قال الجوهرى: الميره: الطعام يمتاره الانسان، ‌و‌ قد مار اهله يميرهم ميرا.
 ‌و‌ ‌فى‌ المصباح: مارهم ميرا- ‌من‌ باب باع-: اتاهم بالميره، ‌و‌ هى الطعام.
 ‌و‌ قال الطبرسى: الميره: الطعام الذى يحمل ‌من‌ بلد الى بلد،.
 ‌و‌ كذا قال بعض المفسرين: مار اهله: اذا اتاهم بالطعام ‌من‌ بلد آخر.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الميره بالكسر: جلب الطعام.
 ‌و‌ قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: الميره: الاسم ‌من‌ مارهم يميرهم ‌و‌ على هذا فتكون اسما للطعام الممتار ‌و‌ اسم مصدر ايضا.
 ‌و‌ التوحد: الانفراد، يقال: توحده الله بعصمته اى: عصمه ‌و‌ لم يكله الى غيره.
 ‌و‌ كفاه الامر كفايه: قام ‌به‌ مقامه.
 ‌و‌ المون: جمع مونه بالضم ‌و‌ سكون الهمزه، كغرف ‌و‌ غرفه، ‌و‌ هى لغه ‌فى‌ الموونه على وزن فعوله، ‌و‌ جمعها موونات على لفظها، ‌و‌ معناها الثقل. ‌و‌ قد تقدم الكلام على الاختلاف ‌فى‌ اشتقاقها، ‌و‌ هل هى ‌من‌ المون ‌او‌ الاون ‌او‌ الاين.
 
و عضدت الرجل عضدا- ‌من‌ باب قتل-: اعنته فصرت له عضدا اى: معينا ‌و‌ ناصرا، ‌و‌ تعاضد القوم: تعاونوا، ‌و‌ منه: المومن معصود بتوفيق الله.
 ‌و‌ نصره الله نصرا: اظهره على عدوه.
 ‌و‌ الصبر ضربان: جسمى ‌و‌ نفسى، فالجسمى: ‌هو‌ تحمل المشاق بقدر القوه البدنيه، ‌و‌ ذلك ‌فى‌ الفعل كالمشى ‌و‌ حمل الثقيل، ‌و‌ ‌فى‌ الانفعال كاحتمال الضرب ‌و‌ القطع. ‌و‌ النفسى: ‌هو‌ حبس النفس عن الجزع عند ورود المكروه، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا الصبر بنوعيه، ‌و‌ ‌ان‌ كان النوع الثانى ‌هو‌ الذى تتعلق ‌به‌ الفضيله، الا ‌ان‌ للنوع الاول مدخلا تاما ‌فى‌ هذا المقام كما ‌لا‌ يخفى.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «و الطف لهم ‌فى‌ المكر» اى: اوقع اللطف لهم ‌فى‌ مكرهم بعدوهم، حتى ‌لا‌ يفطن عدوهم لمكرهم لدقته ‌و‌ لطفه عن العقل ‌و‌ الفهم، فيكون المراد باللطف: تدقيق النظر وجوده الاختيال، بان يلهمهم سبحانه ذلك. ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المعنى: ‌و‌ اوقع اللطف لهم ‌فى‌ مكر عدوهم بهم حتى ‌لا‌ يضرهم مكره، فيكون المراد باللطف لهم: سلامتهم ‌من‌ المكر برفق.
 ‌و‌ المكر: ايصال المكروه الى الانسان ‌من‌ حيث ‌لا‌ يشعر، ‌و‌ قد تقدم الكلام عليه مشبعا غير مره.
 
عرفه الامر: اعلمه اياه، قيل: المعرفه: ادراك متعلق بالمفرد، ‌و‌ العلم: ادراك متعلق بالنسبه التامه الخبريه.
 ‌و‌ قيل: المعرفه قد يقال فيما يدرك آثاره ‌و‌ ‌ان‌ لم تدرك ذاته، ‌و‌ العلم ‌لا‌ يكاد يقال الا ‌فى‌ ‌ما‌ ادرك ذاته، ‌و‌ لهذا يقال: فلان يعرف الله ‌و‌ ‌لا‌ يقال: يعلم الله، لما كانت معرفته تعالى ليست الا بمعرفه آثاره دون معرفه ذاته.
 ‌و‌ ايضا فالمعرفه تقال فيما ‌لا‌ يعرف الا كونه موجودا فقط، ‌و‌ العلم اصله ‌ان‌ يقال فيما
 
يعرف وجوده ‌و‌ جنسه ‌و‌ علته ‌و‌ كيفيته، ‌و‌ لهذا يقال: الله عالم بكذا ‌و‌ ‌لا‌ يقال: عارف، لما كان العرفان يستعمل ‌فى‌ العلم القاصر.
 ‌و‌ ايضا فالمعرفه تقال فيما يتوصل اليه بتفكر ‌و‌ تدبر، ‌و‌ العلم قد يقال ‌فى‌ ذلك ‌و‌ ‌فى‌ غيره. ‌و‌ فرق بينهما بفروق اخرى تقدم بعضها، ‌و‌ اهل اللغه ‌و‌ بعض اهل الاصول ‌و‌ الميزان على انهما مترادفان.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «ما يجهلون» اى: ‌ما‌ يجهلونه فحذف العائد، ‌و‌ المراد ‌به‌ ‌ما‌ كان الجهل ‌به‌ بسيطا، ‌و‌ ‌هو‌ عدم العلم عما ‌من‌ شانه ‌ان‌ يكون معلوما، ‌او‌ مركبا ‌و‌ ‌هو‌ الاعتقاد الجازم غير المطابق للواقع.
 ‌و‌ بصره الشى ء تبصيرا: عرفه ‌و‌ علمه اياه، ‌و‌ جعله ذا بصيره ‌به‌ اى: ذا علم ‌و‌ خبره به.
 ‌و‌ قوله: «ما ‌لا‌ يبصرون» ‌من‌ بصر القلب ايضا اى: ‌ما‌ ‌لا‌ يعلمون، خلافا لمن خص الابصار برويه العين، فقال: ابصرته: برويه العين. ‌و‌ بصرت ‌به‌ بالضم بصرا بفتحتين: برويه القلب، فقد فسر الزمخشرى ‌و‌ غيره قوله تعالى: «اتاتون الفاحشه ‌و‌ انتم تبصرون» ببصر القلب، فقال: اى: تعلمون انها فاحشه لم تسبقوا اليها.
 هذا ‌و‌ لما كان للمرابط ‌و‌ المجاهد مزيد افتقار الى المعرفه بانواع القتال، ‌و‌ ‌ان‌ يحيط علمه خبرا بالمكان الذى يرابط فيه، ‌و‌ يعرف المدارج المخوفه التى يرتادها المغتالون، ‌و‌ ‌ما‌ يحيط بالثغر ‌من‌ سهل ‌و‌ جبل، ‌و‌ ‌ان‌ يكون ذا بصيره بمكائد العدو ‌و‌ مكامنه ليحذر ‌من‌ بغتته، الحف عليه السلام ‌فى‌ السوال لهم بتعريفهم ‌ما‌ يجهلون ‌و‌ تعليمهم ‌ما‌ ‌لا‌ يعلمون ‌و‌ تبصيرهم ‌ما‌ ‌لا‌ يبصرون ‌و‌ الله اعلم.
 
انسهم: ‌اى‌ اغفل قلوبهم عن ذكر دنياهم، حتى ينمحى تصورها عن اذهانهم، فلا يرغبوا عن صدق الجهاد عند لقاء العدو، ميلا الى زخارف الدنيا المحبوبه للنفوس الاماره.
 ‌و‌ خدعه خدعا: اراد ‌به‌ المكروه ‌من‌ حيث ‌لا‌ يعلم، ‌و‌ كل فعل يقصد ‌به‌ فاعله ‌فى‌ باطنه خلاف ‌ما‌ يقتضيه ظاهره فهو خديعه. ‌و‌ غره غرورا: اطمعه بالباطل.
 ‌و‌ وصف الدنيا بالخداعه لانها تخدع الناس ببهجه منظرها ‌و‌ رونق سرابها، الى ‌ان‌ يستانس بها ‌من‌ كان بعقله نافرا عنها، ‌و‌ يطمئن اليها ‌من‌ كان بمقتضى فكرته منكرا لها، حتى اذا ‌ما‌ انهمك ‌فى‌ لذاتها ‌و‌ انغمس ‌فى‌ شهواتها، فعلت ‌به‌ فعل العدو الخدوع، ‌و‌ كذلك وصفها بالغرور لانها تغر الخلق بزخارفها الباطله، فيتوهمون بقاءها، ثم تنتقل عنهم ‌و‌ تتحول. ‌و‌ صدق عليها هذان الوصفان لكونها سببا لغفله الخلق عما خلقوا لاجله، بالاشتغال بها ‌و‌ الانهماك ‌فى‌ مشتهياتها ‌و‌ لذاتها الفانيه، ‌و‌ ذلك جاذب للانسان عن قصد الحق، ‌و‌ صاد له عن سلوك سبيله ‌و‌ عن الترقى ‌فى‌ الملكوت الاعلى، الى حضيض الدرك الاسفل، ‌و‌ بذلك يكون الهلاك الابدى ‌و‌ الشقاء السرمدى.
 ‌و‌ محى الشى ء يمحوه محوا- ‌من‌ باب قتل- ‌و‌ محاه يمحاه محيا بالياء- ‌من‌ باب نفع- لغه: ازاله، ‌و‌ انمحى الشى ء: ذهب اثره.
 
و خطرات المال: ‌ما‌ يخطر اى: يمر ‌فى‌ القلب ‌من‌ تحصيله ‌او‌ تدبيره.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: له خطرات ‌و‌ خواطر، ‌و‌ هى ‌ما‌ يتحرك ‌فى‌ القلب ‌من‌ راى ‌او‌ معنى.
 ‌و‌ قال الازهرى: الخاطر: ‌ما‌ يخطر ‌فى‌ القلب ‌من‌ تدبير ‌او‌ امر.
 ‌و‌ المال: ‌ما‌ يملك ‌من‌ كل شى ء ‌و‌ قيل: اصله ‌ما‌ يملك ‌من‌ الذهب ‌و‌ الفضه، ثم اطلق على كل ‌ما‌ يقتنى ‌و‌ يملك ‌من‌ الاعيان.
 ‌و‌ عن تغلب: انه ‌ما‌ لم يبلغ ‌حد‌ النصاب ‌لا‌ يسمى مالا.
 ‌و‌ الفتون: الكثير الفتنه، لان فعولا ‌من‌ صيغ المبالغه، يقال: فتن المال الناس- ‌من‌ باب ضرب- فتونا اى: استمالهم ‌و‌ اضلهم ‌و‌ لما كانت الفتنه بمعنى الضلال عن الحق بمحبه امر ‌ما‌ ‌من‌ الامور الباطله، ‌و‌ الاشتغال ‌به‌ عما ‌هو‌ الواجب ‌من‌ سلوك سبيل الله، ‌و‌ كان المال ‌من‌ اعظم الاسباب لضلال الخلق عن الحق بمحبته، صدق عليه وصفه بالفتون.
 قوله عليه السلام: «و اجعل الجنه نصب اعينهم» اى: منصوبه حذاء اعينهم ليشاهدوها عيانا، ‌و‌ المروى ‌فى‌ الدعاء بفتح النون ‌من‌ النصب، ‌و‌ فيه شاهد على ‌ان‌ الفتح لغه صحيحه فصيحه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: هذا نصب عينى بالضم ‌و‌ الفتح، ‌و‌ الفتح لحن، انتهى.
 ‌و‌ لاح الشى ء يلوح: بدا ‌و‌ ظهر، ‌و‌ لوحه تلويحا: ابداه ‌و‌ اظهره.
 ‌و‌ اعددت الشى ء اعدادا: هياته، اى: ابد ‌و‌ اظهر لابصارهم ‌من‌ الجنه ‌ما‌ هياته فيها.
 
و المساكن: جمع مسكن بفتح الكاف ‌و‌ كسرها، ‌و‌ ‌هو‌ البيت.
 ‌و‌ الخلد بالضم ‌و‌ الخلود: البقاء ‌و‌ الدوام ‌من‌ وقت مبتدا، ‌و‌ لذلك ‌لا‌ يقال الله تعالى: خالد، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌فى‌ الاصل: الثبات دام ‌او‌ لم يدم، ‌و‌ لو كان وضعه للدوام لما قيد ‌فى‌ التابيد ‌فى‌ قوله ‌عز‌ قائلا: «خالدين فيها ابدا»، ‌و‌ لما استعمل حيث ‌لا‌ دوام فيه فقالوا: حبسه حبسا مخلدا.
 ‌و‌ قال النظام النيسابورى: الخلد عند المعتزله: الثبات الدائم ‌و‌ البقاء اللازم الذى ‌لا‌ ينقطع، بدليل قوله تعالى: «و ‌ما‌ جعلنا لبشر ‌من‌ قبلك الخلد»، نفى الخلد عن البشر مع تعمير بعضهم «و منكم ‌من‌ يرد الى ارذل العمر»، ‌و‌ عند الاشاعره الخلد: ‌هو‌ الثبات الطويل دام ‌او‌ لم يدم، ‌و‌ لو كان التابيد داخلا ‌فى‌ مفهومه كان قوله تعالى: «خالدين فيها ابدا» تكرارا، انتهى.
 ‌و‌ يتفرع على هذا الخلاف دوام ‌و‌ عيد المرتكب الكبيره اذا مات بلا توبه، حيث وقع مقيدا بالخلود، كما ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌من‌ يقتل مومنا متعمدا فجزاوه جهنم خالدا فيها».
 ‌و‌ على كل تقدير فالمراد بالخلد هنا: الدوام قطعا، لما يشهد له ‌من‌ الايات ‌و‌ السنن، اى: مساكن البقاء ‌و‌ الدوام التى ‌لا‌ يعتريها ‌و‌ ‌لا‌ يعترى سكانها فناء ‌و‌ ‌لا‌ تغير، فاضافه المساكن الى الخلد للمدح ‌لا‌ للتوضيح، اذ ‌من‌ المعلوم ‌ان‌ مساكن الجنه ‌لا‌ فناء فيها.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ معظم اللذات الحسيه لما كان مقصورا على المساكن ‌و‌ المطاعم ‌و‌ المناكح حسبما يقضى ‌به‌ الاستقراء، ‌و‌ كان ملاك جميع ذلك الدوام ‌و‌ الثبات، اذ
 
كل نعمه ‌و‌ ‌ان‌ جلت اذا قارنها خوف الزوال كانت منغصه غير صافيه ‌من‌ شوائب الالم، بشر سبحانه عباده المومنين بها، ‌و‌ ازال عنهم خوف الفوات بوعد الخلود، ليدل على كمالهم ‌فى‌ التنعم ‌و‌ السرور.
 ‌و‌ منازل الكرامه اى: منازل العز ‌و‌ الشرف، ‌و‌ قال بعض العلماء: الكرامه تعود الى الكمالات النفسانيه الباقيه ‌و‌ الالتذاذ بها.
 ‌و‌ الحور: جمع حوراء ‌و‌ هى المراه البيضاء، ‌من‌ الحور بالتحريك: ‌و‌ ‌هو‌ شده البياض.
 ‌و‌ قال ابوعبيده: الحوراء: الشديده بياض العين، الشديده سوادها.
 ‌من‌ حورت العين حورا- ‌من‌ باب تعب-: اذا اشتد بياض بياضها ‌و‌ سواد سوادها.
 ‌و‌ ‌فى‌ مختصر العين: ‌و‌ ‌لا‌ يقال للمراه: حوراء الا البيضاء مع حورها.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: الحور: ‌هو‌ ‌ان‌ يصفو بياض العين ‌و‌ يشتد خلوصه فيصفو سوادها.
 ‌و‌ ‌فى‌ الدعاء دليل على ‌ان‌ الحور غير نساء الدنيا، خلافا لما روى عن الحسن ‌فى‌ قوله تعالى: «و زوجناهم بحور عين»: هن عجائزكم ينشئهن الله خلقا آخر.
 ‌و‌ الحسان: جمع حسنه اى: جميله الصوره بهيه المنظر.
 ‌و‌ الانهار: جمع نهر بالتحريك مثل سبب ‌و‌ اسباب، فاذا سكن جمع على نهر بضمتين ‌و‌ انهر.
 ‌و‌ النهر: الماء الجارى المتسع، ‌و‌ اطردت الانهار: جرت، ‌و‌ منه: اطراد الامر اى:
 
تبع بعضه بعضا فجرى مجرى واحد كجرى الانهار. ‌و‌ ‌ما‌ وقع لبعض المترجمين ‌ان‌ قوله: «المطرده» ‌من‌ اطرد الماء اى: جرى، ‌لا‌ ‌من‌ اطرد الامر اى: تبع بعضه بعضا، اذ ‌لا‌ شى ء ‌من‌ الانهار يتبع نهرا آخر، جهل صريح.
 ‌و‌ انواع الاشربه اى: اصنافها، ‌و‌ ‌فى‌ ذلك اشاره الى قوله تعالى: «مثل الجنه التى وعد المتقون فيها انهار ‌من‌ ماء غير آسن ‌و‌ انهار ‌من‌ لبن لم يتغير طعمه ‌و‌ انهار ‌من‌ خمر لذه للشاربين ‌و‌ انهار ‌من‌ عسل مصفى».
 ‌و‌ الاشجار المتدليه اى: المسترسله اغصانها بصنوف الثمر.
 ‌و‌ التدلى: الاسترسال مع تعلق، ‌و‌ قال العلامه الطبرسى: التدلى: الامتداد الى جهه السفل.
 ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ وصف الاشجار بالتدلى انما ‌هو‌ باعتبار اغصانها ‌و‌ فروعها التى هى مناط الثمر، ‌و‌ فيه اشعار بكثره الثمر، لان فروع الشجر ‌لا‌ تتدلى ‌و‌ ‌لا‌ تسترسل الا اذا كثر ثمرها.
 ‌و‌ قول بعض المترجمين: ‌ان‌ المتدليه وصف للاشجار بحال متعلقها ‌و‌ ‌هو‌ الثمر، ‌و‌ المعنى: الاشجار المتدليه اى: المتعلقه بها صنوف الثمر، ‌و‌ ‌هم‌ اوقعه فيه ‌ما‌ رآه ‌فى‌ كتب اللغه ‌من‌ قولهم: تدلت الثمره ‌من‌ الشجر، فتوهم ‌ان‌ التدلى ‌لا‌ يكون وصفا الا للثمر دون الشجر، ‌و‌ لم يفطن لكون عباره الدعاء ليست ‌من‌ باب الوصف بحال المتعلق، بل ‌من‌ باب الوصف بحال الموصوف.
 نعم لو قال: الاشجار المتدليه صنوف ثمرها، كان ‌من‌ باب الوصف بحال متعلقه.
 فان قلت: جعلك المتدليه وصفا للاشجار باعتبار الاغصان ‌و‌ الفروع، وصف
 
بحال المتعلق ايضا، لان التدلى حينئذ حال قائمه بالاغصان التى هى متعلق الاشجار ‌لا‌ بالاشجار، فلا يكون وصفا بحال الموصوف.
 قلت: المراد بحال الموصوف ‌و‌ حال المتعلق ‌ما‌ جعل حالا للموصوف ‌و‌ لو تجوزا ‌فى‌ الاول، ‌و‌ ‌ما‌ جعل حالا لغير الموصوف بحسب دلاله التركيب ‌و‌ ‌ان‌ كان قائما ‌به‌ ‌فى‌ الثانى، فنحو: مررت بزيد الحسن، ‌و‌ الاشجار المتدليه بصنوف الثمر، ‌من‌ قبيل الوصف بحال الموصوف، ‌و‌ ‌ان‌ كان ليس المراد بالحسن الا وجه زيد، ‌و‌ بالمتدليه الا اغصان الاشجار ‌و‌ فروعها، ‌و‌ نحو: رايت زيدا الحسن نفسه ‌او‌ ذاته، ‌من‌ قبيل الوصف بحال المتعلق، ‌و‌ ‌ان‌ كان الحسن قائما بزيد، فاعلم ذلك فقد نبهنا عليه ‌فى‌ شرح الصمديه ايضا.
 ‌و‌ ‌فى‌ قوله عليه السلام: «بصنوف الثمر» اشاره الى قوله تعالى: «و لهم فيها ‌من‌ كل الثمرات».
 قال المفسرون: اى: لهم فيها صنف ‌من‌ كل الثمرات.
 ‌و‌ حتى: بمعنى ‌كى‌ التعليليه، اى: كيلايهم احد منهم بالادبار، يقال: ‌هم‌ بالشى ء هما- ‌من‌ باب قتل- اذا اراده ‌و‌ لم يفعله.
 ‌و‌ ادبر ادبارا: ولى.
 ‌و‌ حديث النفس: ‌ما‌ يخطر بالبال، ‌و‌ حدث نفسه بكذا:
 اخطره بباله، ‌و‌ قد يقال: حدثته نفسه بكذا اى: وسوست اليه به، اى: ‌و‌ ‌لا‌ يخطر بباله فرارا عن قرنه.
 ‌و‌ القرن بالكسر: نظير الانسان ‌فى‌ الشجاعه.
 
قال الفارابى: يقال: فلان قرن فلان: اذا كان مثله ‌فى‌ الشجاعه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: القرن بالفتح: مثلك ‌فى‌ السن، ‌و‌ بالكسر: مثلك ‌فى‌ الشجاعه.
 ‌و‌ قال الفيومى ‌فى‌ المصباح: القرن: ‌من‌ يقاومك ‌فى‌ علم ‌او‌ قتال ‌او‌ مال ‌او‌ غير ذلك، ‌و‌ الجمع اقران مثل حمل ‌و‌ احمال. فجعله مطلقا ‌و‌ لم يخصه بالشجاعه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: القرن بالكسر: كفوك ‌فى‌ الشجاعه ‌او‌ عام.
 وفر ‌من‌ عدوه يفر ‌من‌ باب ضرب- فرارا بالكسر: هرب.
 
 تنبيه
 
 المتبادر تعلق قوله عليه السلام: «عن قرنه» بقوله: «بفرار»، ‌و‌ ياباه اطلاق منعهم ‌من‌ تقدم معمول المصدر عليه، قالوا: لانه مع معموله كموصول مع صلته، ‌و‌ الصله ‌لا‌ تتقدم على الموصول، ‌و‌ لذلك قال الزمخشرى ‌فى‌ قوله تعالى: «فلما بلغ مع السعى»: ‌لا‌ يتعلق «مع» ببلغ، لاقتضائه انهما بلغا معا، ‌و‌ ‌لا‌ بالسعى، لان صله المصدر ‌لا‌ تتقدم عليه، ‌و‌ انما هى متعلقه بمحذوف على ‌ان‌ يكون بيانا، كانه قيل: فلما بلغ الحد الذى يقدر فيه على السعى، فقيل: مع من؟ فقيل: مع اعطف الناس عليه ‌و‌ ‌هو‌ ابوه، اى: انه لم تستحكم قوته بحيث يسعى مع غير مشفق، انتهى.
 ‌و‌ على هذا، فقوله: «عن قرنه» متعلق بمحذوف ايضا، يكون بيانا على قياس ‌ما‌ ذكره الزمخشرى ‌فى‌ الايه.
 لكن قال الرضى: ‌و‌ انا ‌لا‌ ارى منعا ‌من‌ تقدم معمول المصدر عليه اذا كان
 
 
ظرفا ‌او‌ شبهه، نحو قولك: اللهم ارزقنى ‌من‌ عدوك البراءه ‌و‌ اليك الفرار، قال تعالى: «و ‌لا‌ تاخذكم بهما رافه»، ‌و‌ قال: «بلغ معه السعى»، ‌و‌ ‌فى‌ نهج البلاغه: قلت عنكم نبوته، ‌و‌ مثله ‌فى‌ كلامهم كثير، ‌و‌ تقدير الفعل ‌فى‌ مثله تكلف.
 ‌و‌ سبقه الى ذلك السهيلى، قال ابن هشام: اجاز السهيلى تقديم الجار ‌و‌ المجرور، ‌و‌ استدل بقوله تعالى: «لا يبغون عنها حولا»، ‌و‌ قولهم: اللهم اجعل لنا فرجا ‌و‌ مخرجا، انتهى.
 ‌و‌ على هذا، فقوله: «عن قرنه» متعلق بفرار، ‌و‌ ‌هو‌ الظاهر، ‌و‌ الله اعلم.
 
فللت الجيش فلا- ‌من‌ باب قتل- فانفل: كسرته فانكسر. ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: فل القوم: هزمهم.
 ‌و‌ المراد بالعدو هنا الجمع: اى: اعداءهم، لاعاده ضمير الجمع اليه، قال ‌فى‌ مختصر العين: يقع العدو بلفظ واحد على الواحد المذكر ‌و‌ المونث ‌و‌ المجموع.
 ‌و‌ قلمت الظفر قلما- ‌من‌ باب ضرب-: قطعت ‌ما‌ طال منه، ‌و‌ قلمت بالتشديد: مبالغه، ‌و‌ قلم الاظفار هنا: كنايه عن اضعافهم.
 
قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز: فلان مقلوم الظفر: ضعيف، قال النابغه:
 ‌و‌ بنو قعين ‌لا‌ محاله انهم
 آتوك غير مقلمى الاظفار
 اى: غير ضعفاء ‌و‌ ‌لا‌ عزل.
 ‌و‌ ‌فى‌ الصحاح: يقال للضعيف: مقلوم الظفر، ‌و‌ كليل الظفر
 ‌و‌ الوجه ‌فى‌ ذلك ‌ان‌ الظفر اذا لم يقلم كان قوى العمل ‌فى‌ الخدش ‌و‌ الحك ‌و‌ اللقط ‌و‌ نحوه، فاذا قلم ضعف عمله.
 ‌و‌ فرق بينهم ‌و‌ بين اسلحتهم اى: اغفلهم عن استصحابها حتى ‌لا‌ يتمكنوا ‌من‌ القتال، ‌و‌ يتمكن المسلمون ‌من‌ قتلهم، ‌او‌ الهمهم بان يلقوها ‌و‌ يضعوها، لينال المسلمون منهم غره ‌و‌ ينتهزوا فرصه فيوقعوا بهم.
 ‌و‌ الخلع: النزع، خلعه يخلعه ‌من‌ باب نفع.
 ‌و‌ الوثائق: جمع وثيقه بمعنى الثقه، ‌من‌ وثق ‌به‌ ثقه اى: اعتمد عليه.
 قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: الوثيقه واحده الوثائق، يقال: اخذ ‌فى‌ امره بالوثيقه.
 ‌و‌ قال الجوهرى: اخذ بالوثيقه ‌فى‌ امره اى: بالثقه.
 ‌و‌ المعنى: انزع ‌ما‌ وثقت ‌به‌ افئدتهم ‌و‌ اعتمدت عليه، ‌من‌ الباس ‌و‌ النجده ‌و‌ الشجاعه التى يرونها ‌فى‌ انفسهم.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون ‌من‌ وثق الشى ء بالضم ‌و‌ ثاقه اى: قوى ‌و‌ ثبت، فهو وثيق اى: ثابت محكم فيكون المعنى: انزع قوه قلوبهم ‌و‌ ثباتها.
 
او تكون الوثائق جمع وثاق بالفتح ‌و‌ الكسر: ‌و‌ ‌ما‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يشد ‌به‌ ‌من‌ حبل ‌و‌ نحوه، فقد جاء جمع فعال بالفتح ‌و‌ الكسر على فعائل، كشمال بالفتح بمعنى: الخلق، ‌و‌ شمال بالكسر بمعنى: ‌ضد‌ اليمين، فان كلا منهما جمع على شمائل، فيكون المراد بالوثائق العروق المتصله بالافئده التى نيطت بها الى الوتين، ‌و‌ يسمى واحدها نياطا كما يقال: قطع الله نياط قلبه.
 قال ارباب التشريح: على القلب غشاء غليظ يحتوى عليه، ‌و‌ ‌هو‌ مربوط برباطات وثيقه.
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: فراى رجلال موثقا، اى: ماسورا مشدودا ‌فى‌ الوثاق، ‌و‌ منه حديث الدعاء: ‌و‌ اخلع وثائق افئدتهم، جمع وثاق ‌او‌ وثيقه، انتهى.
 فيكون الغرض اضعاف قلوبهم ‌و‌ ازعاجها ‌من‌ شده الخوف ‌و‌ الجبن، كما ورد ‌فى‌ الحديث: ‌من‌ ‌شر‌ ‌ما‌ اعطى الرجل شح هالع، ‌و‌ جبن خالع.
 قال ابن الاثير: اى: شديد كانه يخلع فواده ‌من‌ شده خوفه، ‌و‌ ‌هو‌ مجاز ‌فى‌ الخلع، ‌و‌ المراد ‌به‌ ‌ما‌ يعرض ‌من‌ نوازع الافكار ‌و‌ ضعف القلب عند الخوف، انتهى.
 ‌و‌ الافئده: جمع فواد بالضم مهموز العين، ‌و‌ ‌هو‌ القلب.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الفواد: للقلب مذكرا، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يتعلق بالمرء ‌من‌ كبد ورئه ‌و‌ قلب.
 ‌و‌ باعد بين الشيئين: جعل كل منهما بعيدا عن الاخر.
 ‌و‌ الازوده: جمع زاد على غير القياس، ‌و‌ ‌هو‌ طعام المسافر الذى يتخذ لسفره،
 
و قياس جمعه ازواد.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: امعكم ‌من‌ ازودتكم شى ء؟ فقالوا: نعم، اى: اجعل بينهم ‌و‌ بين ازودتهم حائلا ‌و‌ امدا ‌و‌ مسافه بعيده، حتى ‌لا‌ يتصلوا بها، ‌و‌ ‌لا‌ يتمكنوا ‌من‌ تناولها عند الحاجه اليها فيضعفوا عن القتال.
 ‌و‌ حار ‌فى‌ امره يحار حيرا- ‌من‌ باب تعب ‌و‌ حيره: لم يدر وجه الصواب فيه، فهو حيران ‌و‌ هى حيرى، ‌و‌ الجمع حيارى، ‌و‌ حيرته بالتضعيف فتحير.
 قال الازهرى: ‌و‌ اصله ‌ان‌ ينظر الانسان الى شى ء يغشاء ضوء فيصرف بصره عنه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: حار يحار حيره ‌و‌ حيرا: نظر الى الشى ء فغشى، ‌و‌ لم يهتد لسبيله.
 ‌و‌ السبل بالضم ‌و‌ بضمتين: جمع سبيل، ‌و‌ ‌هو‌ الطريق. اى: اجعلهم ‌لا‌ يهتدون الى وجه الصواب ‌فى‌ طرقهم التى يقصدون بسلوكها الوصول الى المسلمين ‌و‌ بلادهم ‌او‌ مطلقا.
 ‌و‌ ضل الرجل الطريق ‌و‌ ضل عنه يضل- ‌من‌ باب ضرب- ضلالا ‌و‌ ضلاله: زل عنه فلم يهتد اليه ‌و‌ ذهب ‌فى‌ غيره فهو ضال، ‌و‌ اضله غيره اضلالا ‌و‌ ضلله تضليلا: للمبالغه، ‌و‌ منه: رجل مضلل: ضال جدا.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: ضلله تضليلا ‌و‌ تضلالا: صيره الى الضلال.
 ‌و‌ الوجه: كل مكان استقبلته، ‌و‌ تحذف الواو فيقال: جهه مثل عده، ‌و‌ منه: «فثم وجه الله» اى: جهته التى امركم بالتوجه اليها، ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌ان‌ اصيبت ‌فى‌ وجهه، اى: الجهه التى يريد ‌ان‌ يتوجه اليها، ‌و‌ المعنى: اجعلهم ضالين عن
 
الجهه التى يريدون ‌ان‌ يتوجهوا اليها لقصد المسلمين ‌او‌ مطلقا.
 ‌و‌ اقطع عنهم المدد اى: احبسه عنهم، ‌من‌ قطعت الماء عن الحوض: اذا حبسته عنه فلم يصل اليه، ‌او‌ امنعه عنهم، ‌من‌ قطعته عن حقه اى: منعته.
 ‌و‌ مدد الشى ء: ‌ما‌ يمد ‌به‌ اى: يكثر ‌و‌ يزاد، ‌و‌ خص بالجماعه الذين يعان ‌و‌ يقوى بهم الجيش ‌فى‌ القتال، يقال: امدهم بمدد: اذا اعانهم بجماعه يقاتلون معهم، ‌و‌ منه قوله تعالى: «يمددكم ربكم بخمسه آلاف ‌من‌ الملائكه».
 ‌و‌ نقصت الشى ء نقصا: اذهبت منه شيئا فنقص هو، كلاهما ‌من‌ باب قتل متعديا ‌و‌ لازما.
 ‌و‌ العدد: مقدار ‌ما‌ يعد، اى: انقص كميتهم حتى يقلوا ‌و‌ يعجزوا عن القتال ‌و‌ مقاومه المسلمين.
 ‌و‌ ملا الاناء ملا: ‌من‌ باب نفع.
 ‌و‌ الرعب بالضم ‌و‌ تضم العين للاتباع: الخوف ‌و‌ الفزع، ‌و‌ منه: «سنلقى ‌فى‌ قلوب الذين كفروا الرعب».
 ‌و‌ اقبض ايديهم عن البسط اى: كفها ‌و‌ امنعها ‌ان‌ تمد الى المسلمين.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ قوله تعالى: «اذكروا نعمه الله عليكم اذهم قوم ‌ان‌ يبسطوا اليكم ايديهم فكف ايديهم عنكم»: يقال: بسط اليه لسانه: اذا شتمه، ‌و‌ بسط اليه يده: اذا بطش «و يبسطوا اليكم ايديهم ‌و‌ السنتهم بالسوء»، ‌و‌ معنى بسط اليد اليه: مدها الى المبطوش به، الا ترى الى قولهم: فلان بسيط الباع، ‌و‌ مديد الباع، بمعنى ‌و‌ قوله: «فكف ايديهم عنكم» اى: فمنعها ‌ان‌ تمد اليكم، انتهى.
 
و يحتمل ‌ان‌ يكون قبض ايديهم عن البسط مجازا عن سلب القدره عنهم على التصرف مطلقا، ‌من‌ قولهم: فلان مبسوط اليد اى: قادر على التصرف كيفما يشاء، ‌او‌ دعاء عليهم بالبخل المذموم، ‌من‌ بسط اليد الذى ‌هو‌ مجاز عن محض الجود ‌من‌ غير نظر.
 ‌و‌ قصد ‌فى‌ هذين الاحتمالين الى اثبات يد ‌و‌ بسط، ‌و‌ منه قوله تعالى: «بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء»، ‌و‌ يكون المراد ‌به‌ الدعاء عليهم بما ‌هو‌ مسبب عن البخل، ‌من‌ لصوق العاربهم، ‌و‌ سوء الاحدوثه التى تخزيهم ‌و‌ تمزق اعراضهم، ‌و‌ نفره القلوب عن اعانتهم ‌و‌ مظاهرتهم.
 ‌و‌ اخزم السنتهم عن النطق اى: اشددها ‌و‌ اوثقها، ‌من‌ خزمت الشراك خزما- ‌من‌ باب ضرب-: اذا ثقبته ‌و‌ شددته.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: خزمت شراك نعلى: ثقبته ‌و‌ شددته.
 ‌و‌ قول بعض المترجمين: اخزم بمعنى: اقطع، لم يذكره اهل اللغه.
 ‌و‌ الغرض منع السنتهم عن النطق بما يسوء المسلمين، ‌و‌ بما يدبرون ‌به‌ امرهم، ‌و‌ يتشاورون ‌به‌ فيما بينهم ‌من‌ الكلام لقصد المسلمين.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «و شرد بهم ‌من‌ خلفهم» اقتباس ‌من‌ قوله تعالى ‌فى‌ سوره الانفال: «فاما تثقفنهم ‌فى‌ الحرب فشردبهم ‌من‌ خلفهم لعلهم يذكرون».
 التشريد: الطرد ‌و‌ التفريق.
 قال الزجاج: معناه: افعل بهم فعلا ‌من‌ القتل تفرق ‌به‌ ‌من‌ خلفهم.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: اى: فرق بقتلهم ‌شر‌ قتله ‌و‌ النكايه فيهم، ‌من‌ وراءهم ‌من‌
 
الكفره، حتى ‌لا‌ يجسر عليل بعدهم احد، اعتبارا بهم ‌و‌ اتعاظا بحالهم.
 ‌و‌ قال عطاء: معناه: اكثر فيهم القتل، حتى يخافك غيرهم.
 ‌و‌ قال العلامه الطبرسى: ‌و‌ قيل: ‌ان‌ معنى «شردبهم»: سمع بهم بلغه قريش، قال الشاعر:
 اطوف ‌فى‌ البواطح كل يوم
 مخافه ‌ان‌ يشرد ‌بى‌ حكيم انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: شرد به: سمع الناس بعيوبه.
 ‌و‌ المعنى على هذا: افعل بهم ‌من‌ النكايه ‌و‌ التعذيب فعلا يسمع ‌به‌ ‌من‌ خلفهم ‌من‌ الاعداء، فلا يقدم احد منهم على القتال.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «و نكل بهم ‌من‌ وراءهم» كالتفسير لما قبله، يقال: نكل عن الحرب نكولا- ‌من‌ باب قعد-: ‌اى‌ جبن ‌و‌ تاخر ‌و‌ امتنع، ‌و‌ نكل ‌به‌ تنكيلا: فعل ‌به‌ ‌ما‌ ينكل غيره عن مثل فعله.
 قال ‌فى‌ الاساس: نكلت به: جعلت غيره ينكل ‌ان‌ يفعل مثل فعله ‌و‌ ‌هو‌ النكال انتهى.
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: نكل ‌به‌ تنكيلا: اذا جعله عبره لغيره، ‌و‌ النكال: العقوبه التى ينكل الناس عن فعل ‌و‌ اجعلت له جزاء، انتهى.
 ‌و‌ المعنى: افعل بهم ‌من‌ القتل ‌و‌ النكايه ‌و‌ التعذيب ‌ما‌ يوجب نكول ‌من‌ وراء ظهورهم ‌من‌ الكفار، ‌و‌ يكون عبره لهم، بان ينظروا فيهم فيعتبروا بهم، فلا يقدموا على مثل فعلهم ‌من‌ قصد المسلمين.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «و اقطع بخزيهم اطماع ‌من‌ بعدهم» الخزى بالكسر: الذل
 
و الهوان المقارن للفضيحه ‌و‌ الندامه.
 خزى خزيا- ‌من‌ باب علم-: ذل ‌و‌ هان مع فضيحه ‌و‌ ندم، ‌و‌ اخزاه الله: اذله ‌و‌ اهانه ‌و‌ فضحه.
 ‌و‌ الاطماع: جمع طمع، كامل ‌و‌ آمال لفظا ‌و‌ معنى. اى: افعل بهم ‌من‌ الخزى ‌ما‌ ‌لا‌ يبقى معه لمن بعدهم ‌من‌ الكفره طمع ‌فى‌ قصد المسلمين، مخافه ‌ان‌ يقع بهم ‌من‌ الخزى ‌ما‌ وقع بهولاء، ‌و‌ الله اعلم.
 
عقمت الرحم عقما- ‌من‌ باب تعب-: اذا لم تقبل الولد، ‌و‌ يتعدى بالحركه ‌و‌ الهمزه، فيقال: عقمها الله عقما- ‌من‌ باب ضرب- ‌و‌ اعقمها اعقاما، ‌و‌ عقمها تعقيما بالتضعيف: للمبالغه، ‌و‌ الاسم: العقم بالضم مثل قفل.
 ‌و‌ قال الجوهرى: اعقم الله رحمها فعقمت- على ‌ما‌ لم يسم فاعله-: اذا لم تقبل الولد.
 ‌و‌ قال الكسائى: رحم معقومه اى: مشدوده ‌لا‌ تلد.
 ‌و‌ مصدره العقم ‌و‌ العقم بالفتح ‌و‌ الضم.
 ‌و‌ الارحام: جمع رحم على وزن كتف، موضع تكوين الولد، ‌و‌ تخفف بسكون الحاء مع فتح الراء ‌و‌ مع كسرها ايضا ‌فى‌ لغه بنى كلاب، ‌و‌ ‌فى‌ لغه لهم بكسر الحاء اتباعا لكسره الراء.
 قال ارباب التشريح: ‌هو‌ عضو مولف ‌من‌ ليفات عصبيه على طبقتين، ‌و‌ ‌هو‌ كالقضيب المقلوب، ‌و‌ محله ‌من‌ جوف المراه وراء المثانه ‌و‌ قدام المعاء المستقيم، تتصل فوهات العروق لدفع فضله الطمث ‌و‌ تغذيه الجنين، ‌و‌ على فمه غشاء رقيق ينهتك عند
 
فض البكاره، ‌و‌ له مجرى محاذ لفم الفرج يخرج منه ‌دم‌ الطمث ‌و‌ الجنين، ‌و‌ يصل منه منى الرجل الى قرار الرحم فيستقر فيه ‌و‌ يتولد الجنين.
 ‌و‌ النساء: اسم لجماعه الاناث الاناسى، ‌لا‌ واحد له ‌من‌ لفظه، ‌و‌ انما الواحد امراه ‌من‌ غير لفظ الجمع.
 ‌و‌ يبس الشى ء ييبس- ‌من‌ باب تعب-: اذا جف فهو يابس، ‌و‌ يتعدى بالهمزه ‌و‌ التضعيف، فيقال: ايبسه ‌و‌ يبسه تيبيسا.
 ‌و‌ الاصلاب: جمع صلب بالضم، ‌و‌ تضم اللام للاتباع، ‌و‌ ‌هو‌ سلسله فقرات الظهر، ‌و‌ المراد بتيبيس اصلابهم: بتخفيف منيهم لينقطع نسلهم مجازا للمجاوره، كما يقال: جف النهر اى: جف ماوه.
 ‌و‌ قد اشتهر كون المنى ‌من‌ الصلب ‌و‌ الظهر، ‌و‌ لذلك ينسب الولد الى صلب ابيه ‌و‌ ظهره، ‌و‌ نطق بذلك القرآن المجيد، قال تعالى: «و حلائل ابناءكم الذين ‌من‌ اصلابكم»، ‌و‌ قال تعالى: «و اذ اخذ ربك ‌من‌ بنى آدم ‌من‌ ظهورهم ذريتهم»، ‌و‌ الوجه ‌فى‌ ذلك على ‌ما‌ ذهب اليه جم غفير: ‌ان‌ مبدا ماء الرجل ‌من‌ الصلب، لان مادته ‌من‌ النخاع الاتى ‌من‌ الدماغ، ‌و‌ ينحدر ‌فى‌ فقرات الظهر الى التعصعص، ‌و‌ لذلك قال سبحانه: «فلينظر الانسان مم خلق خلق ‌من‌ ماء دافق يخرج ‌من‌ بين الصلب ‌و‌ الترائب» اى: صلب الرجل ‌و‌ ترائب المراه، ‌و‌ هى عظام الصدر حيث يكون موضع القلاده، لان ماء المراه يخرج ‌من‌ ترائبها.
 ‌و‌ طعنت الملحده خذلهم الله تعالى ‌فى‌ ذلك، بان المنى، انما يتولد ‌من‌ فضله الهضم الرابع، ‌و‌ ينفصل ‌من‌ جميع اجزاء البدن، فياخذ ‌من‌ كل عضو طبيعته
 
و خاصيته مستعدا لان يتولد منه مثل تلك الاعضاء، فتخصيص الصلب ‌و‌ الترائب ‌لا‌ وجه له، فان كان المراد ‌ان‌ معظم اجزاء المنى يتولد هناك فهو ضعيف، لان معظمه يتولد ‌من‌ الدماغ، ‌و‌ لذلك يشبه ‌و‌ يسرع الافراط ‌فى‌ الجماع بالضعف فيه.
 ‌و‌ اجيب: بانه كلام مبنى على محض الوهم ‌و‌ الظن ‌و‌ الضعيف، ‌و‌ الخالق اعلم بما خلق. على انه لوصح فوجه تخصيص الصلب ‌و‌ الترائب بالذكر، كون الدماغ اعظم الاعضاء معونه ‌فى‌ توليد المنى، ‌و‌ منه النخاع ‌فى‌ الصلب ‌و‌ شعب كثيره نازله الى الترائب، ‌و‌ هما اقرب الى اوعيه المنى: فلذلك خصا بالذكر. ‌و‌ على هذا، فلا تختص الترائب بالمراه.
 ‌و‌ النسل: الولد.
 ‌و‌ الدواب: جمع دابه، ‌و‌ هى ‌فى‌ الاصل مادب اى: سار ‌من‌ الحيوان، ‌و‌ غلب على ‌ما‌ يركب، ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا، ‌و‌ تطلق على الذكر ‌و‌ الانثى.
 ‌و‌ الانعام: جمع نعم بالتحريك، ‌و‌ قد يسكن.
 ‌و‌ قال النووى ‌فى‌ تحريره: النعم: الابل ‌و‌ البقر ‌و‌ الغنم، ‌و‌ ‌هو‌ اسم جنس، ‌و‌ جمعه انعام.
 ‌و‌ نقل الواحدى اجماع اهل اللغه على هذا كله.
 ‌و‌ قد بسطنا الكلام عليه ‌فى‌ الروضه الاولى.
 ‌و‌ اذنت له ‌فى‌ الشى ء- ‌من‌ باب علم-: اطلقت له فعله، ‌و‌ اذنه تعالى قيل: عباره عن امره، ‌و‌ قيل: عن ارادته، ‌و‌ قيل: عن ايجابه ‌و‌ ايجاده لشى ء بتوسط فاعله المباشر له، كما ‌فى‌ قوله تعالى لعيسى عليه السلام: «و تبرى الاكمه ‌و‌ الابرص باذنى، ‌و‌ اذ تخرج
 
الموتى باذنى». ‌و‌ كل ‌من‌ هذه المعانى صحيح هنا، اى: ‌لا‌ تامر سماءهم بقطر ‌و‌ ‌لا‌ ارضهم بنبات، ‌او‌ ‌لا‌ ترد قطر سمائهم ‌و‌ ‌لا‌ نبات ارضهم ‌او‌ ‌لا‌ توجد لهم قطرا بتوسط سمائهم، ‌و‌ ‌لا‌ نباتا بتوسط ارضهم.
 ‌و‌ قال بعضهم: المراد باذنه تعالى ‌فى‌ افعاله: امره لها بالوجود بقوله: كن، ‌و‌ ‌فى‌ افعال خلقه: عدم احداث المانع لهم عما اقدروا عليه ‌و‌ اعدوا له ‌من‌ الفعل، كسلب الاعداد ‌و‌ القدره ‌و‌ ابطال الاله ‌و‌ ايجاد الضد، ‌و‌ اعدام الفاعل ‌و‌ نحو ذلك.
 ‌و‌ على هذا، فيكون المعنى: احدث لسمائهم مانعا عن القطر، ‌و‌ لارضهم مانعا عن النبات.
 ‌و‌ المراد بسمائهم: الجهه المحاذيه لهم ‌من‌ السماء، بناء على ‌ان‌ المطر يبتدى منها الى السحاب ‌و‌ منه الى الارض، على ‌ما‌ دلت عليه روايات كثيره، ‌او‌ السحاب المتكون ‌فى‌ جو بلادهم، فان كل عال مظل سحاب.
 ‌و‌ القطر: المطر، الواحده: قطره، مثل تمر ‌و‌ تمره.
 ‌و‌ النبات: كل ‌ما‌ نبت ‌من‌ الارض ‌من‌ نجم ‌او‌ شجر.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون القطر ‌و‌ النبات مصدرين، اى: ‌لا‌ تاذن لسمائهم بان تقطر، ‌و‌ ‌لا‌ لارضهم بان تنبت.
 يقال: نبتت الارض ‌و‌ انبتت بمعنى، نص عليه ‌فى‌ القاموس.
 فان قلت: كيف فصل جمله قوله: «لا تاذن» عما قبلها ‌من‌ الجمل المتعاطفه، مع وجود الجامع بين الكل ‌من‌ معنى الدعاء عليهم، ‌و‌ تناسبها ‌فى‌ الانشاء لفظا ‌و‌ معنى؟
 قلت: تعين الفصل لكمال الاتصال، لعدم المغايره المفتقره الى الربط
 
بالعاطف، اذ كانت هذه الجمله توكيدا ‌و‌ تقريرا لما قبلها، ‌من‌ الدعاء عليهم بالاستئصال بقطع نسلهم ‌و‌ نسل دوابهم ‌و‌ مواشيهم، ‌او‌ بدلا منه، لانها ‌او‌ ‌فى‌ بتاديه المراد، اذ كان ‌فى‌ منع القطر ‌و‌ النبات عنهم هلاكهم ‌و‌ هلاك ذريتهم، ‌و‌ انقطاع نسلهم ‌و‌ نسل دوابهم ‌و‌ انعامهم ‌و‌ هلاكها، فهى ‌او‌ ‌فى‌ بتمام المراد ‌فى‌ عدم البقيا عليهم ‌و‌ قطع دابرهم، ‌و‌ الله اعلم.
 
توسيط النداء بين المتعاطفين لمزيد الضراعه، ‌و‌ الاشاره بذلك الى ‌ما‌ ذكر ‌من‌ قطع حرثهم ‌و‌ نسلهم ‌و‌ ماده حياتهم.
 ‌و‌ المحال على وزن كتاب: الكيد، ‌و‌ التدبير، ‌و‌ المكر، ‌و‌ طلب الامر بالحيله، ‌و‌ القدره، ‌و‌ القوه، ‌و‌ الشده، ‌و‌ الجدال، ‌و‌ المعاداه، ‌و‌ الاخذ بالعقاب، ‌و‌ النقمه، ‌و‌ العذاب، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و ‌هو‌ شديد المحال».
 ‌و‌ اختلفت عبارات المفسرين ‌فى‌ تفسيره.
 فقال على عليه السلام: شديد الاخذ، ‌و‌ قتاده ‌و‌ مجاهد: شديد القوه، ‌و‌ الحسن: شديد النقمه، ‌و‌ الزجاج: شديد القدره ‌و‌ العذاب، ‌و‌ الجبائى: شديد الكيد للكفار ‌و‌ الزمخشرى: شديد الكيد ‌و‌ المكر لاعدائه، ياتيهم بالهلكه ‌من‌ حيث ‌لا‌ يحتسبون ‌و‌ كل هذه المعانى يصح حمل لفظ الدعاء عليه كما ‌لا‌ يخفى.
 ‌و‌ تكون المحال جمع محاله ايضا ‌و‌ هى الفقره، ‌من‌ فقر ظهر البعير.
 قال ‌فى‌ الكشاف: ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون المعنى: شديد الفقار، ‌و‌ يكون مثلا ‌فى‌ القوه
 
و القدره، كما جاء: فساعد الله اسد ‌و‌ موساه احد، لان الحيون اذا اشتد محاله كان منعوتا بشده القوه ‌و‌ الاضطلاع بما يعجز عنه غيره، الا ترى الى قولهم: فقرته الفواقر؟، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ الفقار عمود الظهر، انتهى.
 ‌و‌ جواز اراده هذا المعنى ظاهره ‌فى‌ عباره الدعاء ايضا.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس: «وقو بذلك محال اهل الاسلام» بفتح الميم ‌و‌ تشديد اللام على انه جمع محله، ‌و‌ هى المكان ينزله ‌و‌ يحله القوم، ‌من‌ ‌حل‌ البلد ‌و‌ ‌به‌ حلولا- ‌من‌ باب قعد-: اذا نزل به.
 ‌و‌ حصنه: جعله حصينا اى: منيعا.
 ‌و‌ الديار: جمع دار، ‌و‌ هى الموضع يجمع البناء، ‌و‌ تطلق على البلد ايضا.
 ‌و‌ ثمر الله ‌ما‌ له تثميرا: انماه ‌و‌ كثره.
 ‌و‌ فرغهم عن محاربتهم لعبادتك اى: خلصهم عن الشغل بمحاربتهم للتجرد لعبادتك، التى ‌لا‌ يشغل اسرارهم ‌و‌ قلوبهم عن مراقبتك ‌و‌ التوجه اليك بالكليه فيها شاغل.
 ‌و‌ الجهاد ‌و‌ ‌ان‌ كان عباده الا انه ليس كالصلاه التى هى ‌ام‌ العبادات، ‌و‌ عمود الدين، ‌و‌ معراج المومن، ‌و‌ مناجاه رب العالمين مثلا، فانها فضلت على سائر العبادات بما نيطت ‌به‌ ‌من‌ ذكر المعبود، ‌و‌ شغل القلب ‌و‌ اللسان بذكره تعالى، ‌و‌ حركات سائر الجوارح فيها جعلت داله على ‌ما‌ ‌فى‌ القلب ‌و‌ اللسان، فهى ذاكره له ايضا، ‌و‌ ليس كذلك الجهاد، فانه انما جعل ذريعه لاقامه الشريعه ‌و‌ غيره ‌من‌ عبادات الله تعالى، كما قال ‌عز‌ قائلا: «و قاتلوهم حتى ‌لا‌ تكون فتنه ‌و‌ يكون الدين كله لله».
 
و المنابذه: المخالفه ‌و‌ المكاشفه بالحرب.
 قال الشهاب الفيومى: نابذتهم: كاشفتهم، ‌و‌ نابذتهم الحرب: كاشفتهم اياها ‌و‌ جاهرتهم بها.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: نبذ الى العدو: رمى اليه العهد ‌و‌ نقضه، ‌و‌ نابذه منابذه ‌و‌ تنابذوا.
 ‌و‌ خلا ‌به‌ يخلو خلوه: تفرد به.
 قال ارباب القلوب: الخلوه بالله: محادثه السر مع الحق حيث ‌لا‌ احد ‌و‌ ‌لا‌ ملك.
 ‌و‌ قال بعض المحققين: الخلوه: عباره عن تفرد العبد ‌فى‌ موضع يخلو فيه عن جميع الشواغل بما سوى الله ‌من‌ المحسوسات الظاهره ‌و‌ الباطنه، ‌و‌ يصرف فيه همته ‌و‌ نيته الى الاقبال على الله ‌و‌ التبتل اليه بكليته، فيحصل له الانس ‌به‌ ‌و‌ الوحشه ‌من‌ غيره.
 قيل لبعضهم: الى ‌اى‌ شى ء افضى بكم الزهد ‌و‌ الخلوه؟ فقال: الى الانس بالله.
 ‌و‌ قال بعضهم: ‌لا‌ ‌بد‌ لمن آثر الله على ‌من‌ سواه ‌من‌ العزله ‌فى‌ ابتدائه توحشا ‌من‌ غير الله، ‌و‌ ‌من‌ الخلوه ‌فى‌ انتهائه انسا بالله.
 ‌و‌ كان الفضيل يقول: اذا رايت الليل مقبلا فرحت ‌به‌ ‌و‌ قلت: اخلو بربى، ‌و‌ اذا رايت الصبح ادركنى استرجعت كراهيه لقاء ‌من‌ يشغلنى عن ربى.
 ‌و‌ قيل لبعضهم: اما تستوحش ‌فى‌ هذه الدار وحيدا؟ فقال: ‌ما‌ كنت اظن احدا
 
يستوحش مع الله.
 ‌و‌ قيل لبعض العباد: ‌ما‌ اصبرك على الوحده، فقال: ‌ما‌ انا وحدى، انا جليس الله ‌عز‌ ‌و‌ جل، اذا شئت ‌ان‌ يناجينى قرات كتابه، ‌و‌ اذا شئت ‌ان‌ اناجيه صليت.
 ‌و‌ قال ذوالنون: لم ار شيئا ابعث لطلب الخلاص ‌من‌ الخلوه، لانه اذا خلا لم ير غير الله، فاذا لم ير غيره لم يحركه الا حكمه، ‌و‌ ‌من‌ احب الخلوه فقد تعلق بعمود الاخلاص، ‌و‌ استمسك بركن شديد ‌من‌ اركان النجاه.
 قوله عليه السلام: «حتى ‌لا‌ يعبد ‌فى‌ بقاع الارض غيرك» اى: كيلا يعبد.
 ‌و‌ البقاع: جمع بقعه بالضم ‌و‌ الفتح، ‌و‌ هى القطعه ‌من‌ الارض.
 ‌و‌ قال صاحب المحكم: البقعه بالفتح ‌و‌ البقعه بالضم: اعلى قطعه ‌من‌ الارض على غير هيئه التى الى جنبها، ‌و‌ الجمع بقع ‌و‌ بقاع، فبقع جمع بقعه كظلمه ‌و‌ ظلم، ‌و‌ بقاع جمع بقعه كقصعه ‌و‌ قصاع، ‌و‌ قد يكون بقاع جمع بقعه بالضم كجفره ‌و‌ جفار، انتهى.
 ‌و‌ لما كان فعل العباده ‌لا‌ يجوز شرعا ‌و‌ عقلا الا لله تعالى، لان العباده اعلى مراتب الخضوع ‌و‌ التذلل، ‌و‌ ‌لا‌ يستحق ذلك الا ‌من‌ كان موليا لاعلى النعم ‌و‌ اعظمها ‌من‌ الوجود ‌و‌ الحياه ‌و‌ توابعهما، ‌و‌ ‌هو‌ الله سبحانه ‌لا‌ غير، جعل عليه السلام غايه دعائه باضعاف اهل الشرك ‌و‌ تقويه اهل الاسلام، تخصيصه تعالى بالعباده التى ‌لا‌ يستحقها غيره.
 ‌و‌ عفره عفرا- ‌من‌ باب ضرب- ‌و‌ عفره تعفيرا للمبالغه: الزقه بالعفر محركا ‌و‌ قد يسكن، ‌و‌ ‌هو‌ وجه الارض.
 ‌و‌ قال صاحب المحكم: العفر ‌و‌ العفر: ظاهر التراب، ‌و‌ الجمع اعفار، ‌و‌ عفره ‌فى‌
 
التراب يعفره عفرا ‌و‌ عفره فانعفز ‌و‌ تعفر: مرغه فيه ‌او‌ دسه، انتهى.
 ‌و‌ الجبهه ‌من‌ الانسان قال الخليل: هى مستوى فيما بين الحاجبين، ‌و‌ قال الاصمعى: هى موضع السجود.
 ‌و‌ المراد بتعفير الجبهه: السجود على التراب، اى: ‌و‌ حتى ‌لا‌ يسجد لاحد منهم دونك، اذ كان السجود يحرم لغير الله، لان وضع اشرف الاعضاء على اهون الاشياء- ‌و‌ ‌هو‌ التراب- غايه الخضوع، ‌و‌ قد علمت ‌ان‌ غايه الخضوع ‌و‌ اعلى مراتبه ‌لا‌ يجوز الا لله ‌عز‌ ‌و‌ جل.
 ‌و‌ الضمير ‌فى‌ «منهم»: عائد على المعبودين، دون الله سبحانه المدلول عليه بقوله: «حتى ‌لا‌ يعبد ‌فى‌ بقاع الارض غيرك».
 ‌و‌ دونك: ‌اى‌ سواك ‌او‌ متجاوزا اياك، ‌و‌ قد مر تحقيق ذلك.
 
غزا العدو غزوا: سار الى قتالهم ‌و‌ انتهابهم.
 قال الفيومى: ‌و‌ انما يكون غزو العدو ‌فى‌ بلادهم.
 ‌و‌ غزا يتعدى بنفسه، ‌و‌ انما عداه هنا بعلى لتضمينه معنى الاغاره، ‌و‌ هى مباغته العدو للنهب ‌او‌ القتل ‌و‌ الاسر، اى: اغز، بكل ناحيه ‌من‌ المسلمين مغيرا على ‌من‌ بازائهم ‌من‌ المشركين ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله «بكل ناحيه»: للتعديه، ‌و‌ هى المعاقبه للهمزه ‌فى‌ تعديه الفعل القاصر، كما تقول ‌فى‌ ذهب زيد، ‌و‌ ذهبت بزيد،
 
و اذهبته، اى: اغز كل ناحيه اى: ابعثها للغزو، يقال: اغزى الامير الجيش: اذا بعثه للغزو.
 ‌و‌ ‌فى‌ ايثاره تعديه غزا بالباء دون الهمزه نكته لطيفه، ‌و‌ هى ملاحظه ‌ما‌ ‌فى‌ الباء ‌من‌ معنى المصاحبه، المقصود بها هنا كمال الحفظ ‌و‌ التوفيق ‌و‌ الامداد ‌و‌ النصره، كما كان المقصود بالمعيه ذلك ‌فى‌ قوله تعالى: «اذ يوحى ربك الى الملائكه انى معكم فثبتوا الذين آمنوا»، ‌و‌ قوله تعالى لموسى ‌و‌ هارون عليهما السلام: «لا تخافا اننى معكما اسمع ‌و‌ ارى»، ‌و‌ ‌من‌ ثم ذهب المبرد ‌و‌ السهيلى ‌و‌ الزمخشرى الى ‌ان‌ بين اذهبه ‌و‌ ذهب ‌به‌ فرقا، فمعنى اذهبه: ازاله ‌و‌ جعله ذاهبا، ‌و‌ معنى ذهب به: استصحبه ‌و‌ مضى به.
 ‌و‌ قال صاحب المثل السائر: كل ‌من‌ ذهب بشى ء فقد اذهبه، ‌و‌ ليس كل ‌من‌ اذهب شيئا فقد ذهب به، اذ يفهم منه انه استصحبه ‌و‌ امسكه عن الرجوع الى الحاله الاولى، ‌و‌ ‌لا‌ كذلك اذهبه فهما، ‌و‌ ‌ان‌ اشتركا ‌فى‌ معنى التعديه، فلا يبعد ‌ان‌ ينظر صاحب المعانى الى معنيى الهمزه ‌و‌ الباء الاصليين، اعنى الازاله ‌و‌ المصاحبه ‌و‌ الالصاق، انتهى.
 ‌هو‌ صريح فيما ذكرناه.
 ‌و‌ الناحيه: الجانب، فاعله بمعنى مفعوله، لانها تنحى اى: تقصد، ‌من‌ النحو بمعنى: القصد.
 ‌و‌ المعنى على تقدير مضاف محذوف، اى: اغز باهل كل ناحيه، فهو ‌من‌ مجاز الحذف.
 
و ‌فى‌ شرح جامع الاصول لمولفه: ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: فخيف على ناحيتها، هى المكان المنفرد، ‌و‌ ناحيه الانسان: مكانه، ‌و‌ قد يعبر بها عن ذاته، خفت على ناحيته اى: عليه، انتهى.
 ‌و‌ على هذا، فهى مجاز مرسل ‌من‌ باب تسميه الشى ء باسم محله، نحو: «فليدع ناديه» اى: مجلسه، اراد ‌به‌ اهله مجازا، لحصولهم فيه. ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس: «اعز» بقطع الهمزه ‌و‌ كسر العين المهمله ‌و‌ تشديد الزاى ‌من‌ الاعزاز، ‌و‌ ‌لا‌ يظهر له معنى الا على دعوى زياده الباء ‌فى‌ المفعول، نحو: «و هزى اليك بجذع النخله»، ‌و‌ زيادتها فيه كثيره، لكنها مع ذلك غير مقيسه، كما نص عليه المرادى ‌فى‌ الجنى الدانى.
 ‌و‌ يمكن ‌ان‌ يخرج على ‌ما‌ خرج عليه الزمخشرى الايه المذكوره، حيث قال: الباء ‌فى‌ «بجذع النخله»: صله للتاكيد، كقوله: «و ‌لا‌ تلقوا بايديكم»، ‌او‌ على معنى افعلى الهزبه، كقوله: يجرح ‌فى‌ عراقيبها نصلى، انتهى.
 يعنى بالوجه الثانى انه نزل «هزى» مع كونها متعديا منزله اللازم للمبالغه ، نحو: فلان يعطى ‌و‌ يمنع، ثم عدى كما يعدى اللازم، كقوله: يجرح ‌فى‌ عراقيبها، اى: يفعل الجرح ‌فى‌ عراقيبها.
 ‌و‌ كذا القول ‌فى‌ اعز بكل ناحيه، اى: افعل العز بهم، ‌و‌ تعديته بعلى الى المفعول الثانى لما فيه ‌من‌ معنى الرفعه ‌و‌ الشرف.
 ‌و‌ الازاء بالكسر ‌و‌ المد: الحذاء، يقال: جلس ازائه ‌و‌ بازائه اى: بحذائه.
 ‌و‌ ‌فى‌ النهايه: الازاء: المحاذاه ‌و‌ المقابله.
 
و ‌فى‌ المصباح: ‌هو‌ بازائه: ‌اى‌ محاذيه.
 ‌و‌ المعنى: على ‌من‌ يحاذيهم ‌و‌ يقابلهم ‌من‌ المشركين.
 ‌و‌ امددت الجيش بالف رجل: اعنته ‌و‌ قويته بهم. ‌و‌ الاصل ‌فى‌ الامداد: اعطاء الشى ء حالا بعد حال.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الامداد: ‌ان‌ تنصر الاجناد بجماعه غيرك ‌و‌ الاعطاء ‌و‌ الاغاثه.
 ‌و‌ قال المفضل: ‌ما‌ كان منه بطريق التقويه ‌و‌ الاعانه يقال فيه: امده يمده امدادا، ‌و‌ ‌ما‌ كان بطريق الزياده يقال فيه: مده يمده مدا. ‌و‌ منه: «و البحر يمده ‌من‌ بعده سبعه ابحر».
 ‌و‌ قيل: المد ‌فى‌ الشر، كما ‌فى‌ قوله تعالى: «و يمدهم ‌فى‌ طغيانهم يعمهون»، ‌و‌ قوله تعالى: «و نمد له ‌من‌ العذاب مدا»، ‌و‌ الامداد ‌فى‌ الخير، كما ‌فى‌ قوله تعالى: «و امددناكم باموال ‌و‌ بنين».
 ‌و‌ قيل: المد: اعانه الرجل القوم بنفسه، ‌و‌ الامداد: اعانته اياهم بغيره، يقال: مد زيد القوم مدا اى: صار لهم مددا، ‌و‌ امدهم: اعانهم بمدد، ‌و‌ الى هذا القول جنح صاحب القاموس، كما يظهر ‌من‌ تضاعيف كلامه.
 ‌و‌ «من» ‌فى‌ قوله: «من عندك»: لابتداء الغايه مجازا، متعلقه بامدد فيكون الظرف لغوا، ‌او‌ بمحذوف ‌هو‌ صفه لملائكه فيكون مستقرا. ‌و‌ ايا ‌ما‌ كان، فالتقييد ‌به‌ لتشريف الملائكه ‌و‌ الدلاله على فضلهم.
 
و مردفين بكسر الدال: ‌اى‌ جاعلين غيرهم ‌من‌ الملائكه رديفا لانفسهم، فيكون المراد بهم روساءهم المستتبعين لغيرهم، ‌او‌ جاعلين انفسهم رديفا للمسلمين ‌او‌ لملائكه آخرين، ‌او‌ جاعلين بعضهم رديفا لبعض المسلمين ‌او‌ بعضهم لبعض.
 كل ذلك ‌من‌ اردفته اياه اردافا اى: اتبعته اياه ‌و‌ جعلته له رديفا، فردفه هو.
 ‌او‌ معناه تابعين ملائكه آخرين، ‌او‌ تابعين المسلمين، ‌او‌ تابعا بعضهم بعضا، ‌من‌ اردفته بمعنى: ردفته بالكسر اى: تبعته ‌و‌ جئت بعده.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: «مردفين» بفتح الدال، فان حمل على الارداف بالمعنى الاول، فمعناه: مجعولين اردافا للمسلمين ‌و‌ تابعين لهم، فيكونون على ساقه المسلمين ليكونوا على اعينهم ‌و‌ حفظهم.
 ‌و‌ ‌ان‌ حمل على الارداف بالمعنى الثانى، فمعناه، مردوفين اى: متبوعين للمسلمين، فيكونون على مقدمه الجيش فيتبعهم المسلمون.
 ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون على الاول بمعنى مردفين ملائكه آخرين، ‌و‌ على الثانى بمعنى متبوعين لملائكه آخرين، ‌و‌ فيه تلميح الى قوله تعالى: «اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم انى ممدكم بالف ‌من‌ الملائكه مردفين».
 قرا ابوجعفر ‌و‌ نافع ‌و‌ سهل ‌و‌ يعقوب ‌و‌ ابن مجاهد ‌و‌ ابوعون عن قنبل بفتح الدال ‌من‌ مردفين، ‌و‌ الباقون بكسرها.
 قال الزجاج: معناه: ياتون فرقه بعد فرقه.
 ‌و‌ عن ابن عباس ‌و‌ قتاده ‌و‌ السدى: معناه: مترادفين، ‌و‌ كانوا الفا بعضهم ‌فى‌ اثر بعض ‌و‌ عن الجبائى: معناه: متبعين الفا آخر ‌من‌ الملائكه، لان مع كل واحد منهم
 
 
ردفا له، ‌و‌ عن ابى حاتم: معناه بالف ‌من‌ الملائكه جاووا على آثار المسلمين.
 ‌و‌ كشفت القوم كشفا- ‌من‌ باب ضرب- هزمتهم فانكشفوا، ‌و‌ منه حديث: فلما كان يوم احد انكشف المسلمون.
 قال الكرمانى ‌فى‌ شرح البخارى: اى: انهزمو، ‌و‌ منه: فلما حملنا عليهم انكشفوا، اى: انهزموا، ‌و‌ اصله ‌من‌ الكشف بمعنى: رفع شى ء عما يواريه ‌و‌ يغطيه، يقال: كشف الغطاء: اذا رفعه عما تحته، ‌و‌ لما كان هزم القوم يستلزم رفعهم ‌و‌ ازالتهم عن مواقفهم التى واروها ‌و‌ غطوها بحصولهم ‌و‌ وقوفهم فيها سمى الهزم كشفا، ‌و‌ ‌هو‌ اما استعاره بالكنايه ‌او‌ تبعيه ‌او‌ تمثيليه، ‌و‌ قد تقدم بيان ذلك ‌فى‌ نظيره.
 ‌و‌ قول بعض المترجمين: يكشفوهم اى: يفضحوهم، جهل بمواقع الفاظ العرب.
 ‌و‌ الظرف ‌من‌ قوله: «الى منقطع التراب»: متعلق بمحذوف وقع حالا ‌من‌ فاعل يكشفوهم، ‌و‌ ‌هو‌ الضمير العائد فيه الى المسلمين، اى: حتى يكشفوهم مبلغين ‌و‌ موصلين لهم الى منقطع التراب، ‌او‌ بيكشفوهم مضمنا معنى الايصال ‌او‌ الانهاء.
 ‌و‌ منقطع الشى ء بصيغه البناء للمفعول: حيث ينتهى اليه طرفه، نحو: منقطع الوادى ‌و‌ الرمل ‌و‌ الطريق.
 ‌و‌ التراب: معروف، قال الفراء ‌و‌ جماعه: ‌هو‌ جنس ‌لا‌ يثنى ‌و‌ ‌لا‌ يجمع.
 ‌و‌ نقل ابوعمرو الزاهد ‌فى‌ شرح الفصيح عن المبرد انه قال: ‌هو‌ جمع واحدته ترابه
 
و قال الجوهرى: جمع التراب اتربه ‌و‌ تربان.
 ‌و‌ المراد بمنقطع التراب: منتهى العماره ‌من‌ الارض شرقا ‌و‌ غربا ‌و‌ جنوبا ‌و‌ شمالا، حيث ‌لا‌ تقع العين بعده على تراب.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «قتلا ‌فى‌ ارضك ‌و‌ اسرا» اى: حال كونهم يقتلونهم ‌فى‌ ارضك قتلا ‌و‌ ياسرونهم اسرا، فيكون نصبهما على المصدريه، اى: قاتلين لهم ‌و‌ آسرين، فيكون على الحاليه ‌و‌ ‌هو‌ مذهب الجمهور، ‌و‌ ذهب بعضهم الى ‌ان‌ نحو ذلك على حذف مضاف، ‌و‌ التقدير: يكشفونهم كشف قتل ‌و‌ اسر، فحذف المضاف ‌و‌ اقيم المضاف اليه مقامه. قال ابن هشام: ‌و‌ هذا تقدير حسن سهل.
 ‌و‌ الظرف ‌من‌ قوله: «فى ارضك»: متعلق بمحذوف وقع وصفا للقتل ‌ان‌ جعل مصدرا، ‌و‌ بالقتل نفسه ‌ان‌ جعل حالا، فهو على الاول مستقر ‌و‌ على الثانى لغو، ‌و‌ فائدته التعميم، اى: قتلا عاما ‌فى‌ كل قطر ‌من‌ اقطار ارضك، ‌و‌ ‌فى‌ كل مكان منها يكونون فيه، ‌من‌ حيث ‌ان‌ هذا القيد نسبته الى القتل ‌فى‌ كل موضع ‌من‌ الارض على السواء، فتامله فانه نفيس.
 ‌و‌ اضافه الارض اليه تعالى لبيان استحقاقهم للقتل ‌و‌ الاسر، لان المشرك بالله حقه ‌ان‌ ‌لا‌ يترك ‌و‌ يخلى ‌فى‌ ارض الله، بل يستحق القتل ‌و‌ الاسر فيها.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «او يقروا» عطف على قوله: «يكشفوهم». ‌و‌ اقر بالشى ء اقرارا: اعترف به.
 ‌و‌ انت: ضمير موضوع للمخاطب، ‌و‌ مذهب البصريين ‌ان‌ الضمير: ان، ‌و‌ التاء حرفيه مبنيه للمخاطب، ‌و‌ مذهب الفراء: ‌ان‌ «انت» بكماله الضمير، ‌و‌ التاء ‌من‌ نفس الكلمه، ‌و‌ قيل: الضمير ‌هو‌ التاء ادغمت بان لتستقل لفظا.
 
و ‌هو‌ هنا ضمير فصل فائدته التوكيد ‌و‌ الاختصاص، ‌و‌ ‌لا‌ محل له ‌من‌ الاعراب، قيل: لانه حرف، ‌و‌ قيل: لشده شبهه بالحرف ‌فى‌ انه لم يوت ‌به‌ الا لمعنى ‌فى‌ غيره. ‌و‌ قيل: بل له محل، فقال الفراء: محله مشارك لما قبله، ‌و‌ قال الكسائى: مشارك لما بعده، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ تاكيد للكاف كما ‌فى‌ قولك: مررت بك انت، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ مبتدا خبره ‌ما‌ بعده ‌و‌ الجمله خبر ان.
 ‌و‌ قوله: «لا اله» مبنى مع «لا» ‌فى‌ موضع رفع بالابتداء، ‌و‌ الخبر محذوف اى: لهم، ‌او‌ ‌فى‌ الوجود، ‌او‌ مستحق للعباده، ‌او‌ ممكن، ‌و‌ الضمير بعد «الا» ‌فى‌ محل رفع على البدل ‌من‌ محل ‌لا‌ اله، ‌و‌ ‌لا‌ يجوز ‌ان‌ يكون ‌فى‌ محل نصب على الاستثناء، لانه لو كان كذلك لكان: الا اياه.
 ‌و‌ جمله «لا اله الا انت» ‌فى‌ محل رفع على انها خبرثان لاسم «ان»، ‌او‌ صفه للخبر ‌و‌ ‌هو‌ اسم الجلاله.
 ‌و‌ وحدك: عند البصريين منصوب على المصدريه ‌او‌ الحال، ‌و‌ عند الكوفيين على الظرف، ‌و‌ قد استوفينا الكلام عليه فيما سبق.
 ‌و‌ قوله: «لا شريك لك» خبر ثالث لاسم «ان»، ‌او‌ صفه اخرى للخبر.
 ‌و‌ كل هذه الجمل الثلاث مقرره للوحدانيه، ‌و‌ موكده لما قبلها ‌من‌ حيث المعنى، ‌و‌ يمكن تخصيص كل منها بمعنى، فتكون الاولى لنفى الشريك ‌فى‌ الالوهيه، ‌و‌ مزيحه لما عسى ‌ان‌ يتوهم ‌ان‌ ‌فى‌ الوجود الها لكن ‌لا‌ يستحق العباده، ‌و‌ الثانيه للاشاره الى انه واحد ‌فى‌ ذاته ‌لا‌ تركيب فيه، ‌و‌ الثالثه للاشاره الى انه ‌لا‌ شريك له ‌فى‌ صفات الالوهيه ‌و‌ صفات الكمال، ‌و‌ الله اعلم.
 
عم الشى ء عموما- ‌من‌ باب قعد-: شمل الجميع، يقال: عمهم بالاحسان اى: احسن الى جميعهم.
 ‌و‌ الاشاره بذلك الى ‌ما‌ تقدم ‌من‌ الدعاء على المشركين.
 ‌و‌ المراد باعدائه تعالى: الخارجون عن طاعته عنادا، ‌و‌ المخالفون لامره مكابره، لان العدو ‌لا‌ يكاد ينقاد لامر عدوه ‌و‌ ‌لا‌ يوافقه.
 ‌و‌ المراد بهم: اعداء اوليائه ‌و‌ خواصه ‌و‌ مقربيه، اضافهم اليه تعالى تفخيما لشانهم، ‌و‌ ايذانا بان عداوتهم عداوته، اذ العداوه على الحقيقه ‌لا‌ تصح الا ‌فى‌ البشر، لان العدو الذى يريد انزال المضار بمن عاداه، ‌و‌ هذا يستحيل ‌فى‌ حقه تعالى.
 ‌و‌ الاقطار: جمع قطر بالضم مثل قفل ‌و‌ اقفال، ‌و‌ ‌هو‌ الجانب ‌و‌ الناحيه.
 ‌و‌ البلاد: جمع بلده مثل قلعه قلاع، ‌و‌ هى بمعنى البلد ‌و‌ ‌هو‌ المصر الجامع.
 قال العلامه الطبرسى: البلد ‌و‌ المصر ‌و‌ المدينه نظائر.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: البلد ‌و‌ البلده: كل قطعه ‌من‌ الارض مستحيزه عامره ‌او‌ غامره.
 ‌و‌ قال الشهاب الفيومى: ‌و‌ يطلق البلد ‌و‌ البلده على كل موضع عامرا كان ‌او‌ خلاء.
 ‌و‌ من: بيانيه.
 
و الهند: جيل ‌و‌ امه ‌من‌ الناس معروفه، اكثر الناس اختلافا ‌فى‌ الاراء ‌و‌ العقائد، منهم ‌من‌ يقول بالخالق دون النبى ‌و‌ ‌هم‌ البراهمه، ‌و‌ منهم ‌من‌ يعبد الشمس، ‌و‌ منهم ‌من‌ يعبد القمر، ‌و‌ منهم ‌من‌ يعبد الانهار الكبار، ‌و‌ منهم ‌من‌ يعبد الاشجار العظام، الى غير ذلك. ‌و‌ يطلق لفظ الهند على بلادهم ايضا، ‌و‌ هى ‌من‌ الاقليم الاول، احد حديها الصين ‌و‌ الاخر السند، اكثر ارض الله جبالا ‌و‌ انهارا، خصت بكريم النبات ‌و‌ عجيب الحيوان.
 قال بعضهم: الهند بحرها در، ‌و‌ جبلها ياقوت، ‌و‌ شجرها عود، ‌و‌ ورقها عطر، ‌و‌ حشيشها دواء، ‌و‌ شتاوها صيف، ‌و‌ صيفها ربيع.
 ‌و‌ وصفها ابن القريه فقال: هى ارض شاسعه نائيه، ‌و‌ بلاد كفره طاغيه.
 ‌و‌ الروم: قال الواحدى: جيل ‌من‌ ولد آدم ‌بن‌ عيص ‌بن‌ اسحاق، غلب اسم ابيهم عليهم فصار كالاسم للقبيله.
 ‌و‌ قال النووى ‌فى‌ التهذيب: ‌و‌ الروم: ‌هم‌ الذين تسميهم اهل هذه البلاد الافرنج، انتهى.
 ‌و‌ اكثرهم نصارى، ‌و‌ بلادهم بالاقليم السادس، ‌و‌ هى بلاد واسعه، انزه النواحى ‌و‌ اخصبها، ‌و‌ اكثرها خيرا، ‌و‌ اعذبها ماء، ‌و‌ اصحها هواء، ‌و‌ اطيبها تربه، ‌و‌ هى ‌فى‌ غايه البروده، ‌و‌ لذلك يرى الغالب على الوانهم البياض ‌و‌ على شعورهم الشقره، ‌و‌ الابل ‌لا‌ تتولد بها، ‌و‌ مدينه رئاستهم تسمى روميه، قيل: دور سورها اربعه ‌و‌ عشرون ميلا.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: روميه: بلد بالروم، سوق الدجاج ‌به‌ فرسخ، ‌و‌ سوق البر ثلاثه فراسخ، ‌و‌ تقف المراكب فيه على دكاكين التجار ‌فى‌ خليج معمول ‌من‌ النحاس،
 
ارتفاع سوره ثمانون ذراعا عرض عشرين، فيما ذكر ابن خرداد به، فان ‌يك‌ كاذبا فعليه كذبه، انتهى.
 ‌و‌ الترك: جيل ‌من‌ اولاد يافث ‌بن‌ نوح عليه السلام، يمتازون عن جميع الامم بكثره العدد ‌و‌ وفور الشجاعه، عراض الوجوه، فطس الانوف، عبل السواعد، ضيق الاخلاق ‌و‌ الاعين، يغلب عليهم الغضب ‌و‌ الظلم ‌و‌ القهر، اقسى خلق الله قلوبا، ‌و‌ اشدهم بطشا، ‌و‌ اقلهم رافه، ‌و‌ اصبرهم على تحمل المشاق ‌و‌ المحن، ‌و‌ بلادهم بالاقليم الثالث، اولها ‌من‌ وراء نهر جيحون، ‌و‌ ‌هو‌ نهر كبير يفصل بين بلاد الترك ‌و‌ بين خراسان، ‌و‌ يسمى نهر خوارزم ‌و‌ نهر بلخ، لان كلا منهما ‌فى‌ طرف منه، ‌و‌ تمتد بلادهم الى اقاصى المشرق ‌من‌ حدود الصين.
 ‌و‌ ‌فى‌ ربيع الابرار عن ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ليله اسرى ‌بى‌ الى السماء رايت ‌فى‌ السماء الرابعه قصرا مز خرفا حواليه قناديل ‌من‌ نور، فقلت: ‌يا‌ جبرئيل ‌ما‌ هذا القصر؟ قال: ‌يا‌ محمد هذا رباط ستفتحه امتك بارض خراسان حول جيحون، قلت: ‌و‌ ‌ما‌ جيحون؟ قال: نهر يكون بارض خراسان، ‌من‌ مات حول ذلك النهر على فراشه قام يوم القيامه شهيدا ‌من‌ قبره قلت: ‌يا‌ جبرئيل ‌و‌ لم ذاك؟ قال: يكون عدو لهم يقال لهم: الترك، شديد كلبهم، قليل سلبهم، ‌من‌ وقع ‌فى‌ قلبه فزعه منهم قام يوم القيامه شهيدا ‌من‌ قبره مع الشهداء، انتهى.
 ‌و‌ الخزر بفتحتين: قال ‌فى‌ القاموس: اسم جيل خزر العيون.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: رجل اخزر: ينظر بموخر عينه ‌و‌ قيل: ‌هو‌ الذى ضاقت عينه ‌و‌ صغرت، ‌و‌ امراه خزراء، ‌و‌ قوم خزر، ‌و‌ بعينه خزر، ‌و‌ ‌به‌ سمى الخزر جيل ‌من‌ الترك، انتهى.
 
و قال بعضهم: بلاد الخزر حوالى بحر جيلان، ‌و‌ يقال لبحر جيلان: بحر الخزر.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس: «الخزر» بالضم ‌و‌ السكون، ‌و‌ ‌هو‌ لغه ‌فى‌ الخزر محركه.
 قال ‌فى‌ زبده شرح الشفاء لعياض عند قوله: «و قتال الروم ‌و‌ الخزر» ‌و‌ ‌هو‌ بضم المعجمه ‌و‌ سكون الزاى ‌و‌ فتحهما فراء: جنس ‌من‌ الامم.
 ‌و‌ الحبش بفتحتين: جنس ‌من‌ السودان جلهم نصارى، ‌و‌ يقال لبلادهم: الحبشه، ‌و‌ هى ارض واسعه تمتد ‌من‌ طرف بحر اليمن الى الخليج البربرى.
 ‌و‌ النوبه بالضم: جنس ‌من‌ السودان ايضا، ‌و‌ ملتهم النصرانيه، ‌و‌ ارضهم واسعه، ‌و‌ هى شرقى النيل.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: النوبه بالضم: بلاد واسعه للسودان بجنوب الصعيد، منها بلال الحبشى.
 ‌و‌ قال صاحب عجائب البلدان: بلاد النوبه ‌فى‌ جنوبى مصر ‌و‌ شرقى النيل ‌و‌ غربيه، ‌و‌ هى بلاد واسعه، ‌و‌ اهلها امه عظيمه، ‌و‌ ‌هم‌ على دين النصرانيه.
 قال صلى الله عليه ‌و‌ آله: خير سبيكم النوبه.
 ‌و‌ الزنج بالفتح ‌و‌ الكسر: صنف منهم ايضا، ‌و‌ ارضهم مسيره شهرين، شمالها اليمن، ‌و‌ جنوبها الفيافى، ‌و‌ شرقها النوبه، ‌و‌ غربها الحبشه.
 قال القزوينى: ‌و‌ جميع السودان ‌من‌ ولد كوش ‌بن‌ كنعان ‌بن‌ حام.
 ‌و‌ بلاد الزنج شديد الحر جدا، ‌و‌ سبب سوادهم احتراقهم بالشمس، ‌و‌ قيل: ‌ان‌ نوحا عليه السلام دعا على ابنه حام فاسود لونه. ‌و‌ بلادهم قليل المياه ‌و‌ الاشجار، سقوف بيوتهم ‌من‌ عظام الحوت، زعم الحكماء انهم شرار الناس، ‌و‌ لهذا يقال لهم:
 
سباع الانس.
 قال جالينوس: الزنج خصصوا بامور عشره: سواد اللون، ‌و‌ فلفله الشعر، ‌و‌ فطس الانف، ‌و‌ غلظ الشفه، ‌و‌ تشقق اليد ‌و‌ العقب، ‌و‌ نتن الرائحه، ‌و‌ كثره الطرب، ‌و‌ قله العقل، ‌و‌ اكل بعضهم بعضا، فانهم ‌فى‌ حروبهم ياكلون لحم العدو، ‌و‌ ‌من‌ ظفر بعدو له اكله، ‌و‌ اكثرهم عراه ‌لا‌ لباس لهم، ‌و‌ ‌لا‌ يرى زنجى مغموما، بل الطرب يشملهم كلهم.
 قال بعض الحكماء: سبب ذلك اعتدال ‌دم‌ القلب منهم.
 ‌و‌ قال آخرون: بل سببه طلوع كوكب سهيل عليهم كل ليله، فانه يوجب الفرح.
 ‌و‌ السقالبه ‌و‌ تبدل السين صادا فيقال: صقالبه، ‌و‌ ‌هو‌ المذكور ‌فى‌ القاموس.
 قال الخليل رحمه الله: كل سين ‌و‌ صاد تجى ء قبل القاف فللعرب فيه لغتان، فمنهم ‌من‌ يجعلها سينا، ‌و‌ منهم ‌من‌ يجعلها صادا، ‌لا‌ يبالون امتصله كانت بالقاف ‌او‌ منفصله بعد ‌ان‌ يكونا ‌فى‌ كلمه واحده، انتهى.
 قال ‌فى‌ القاموس: الصقالبه: جيل تتاخم بلادهم بلاد الخزر بين بلغر ‌و‌ قسطنطينيه.
 ‌و‌ قال ابن الكلبى: روم ‌و‌ صقلب ‌و‌ ارمن ‌و‌ فرنج كانوا اخوه، ‌و‌ ‌هم‌ بنو النبطى ‌بن‌ كسلو اجيم ‌بن‌ يونان ‌بن‌ يافث ‌بن‌ نوح عليه السلام، سكن كل واحد منهم بقعه ‌من‌
 
الارض فسميت باسمه.
 ‌و‌ الصقالبه: قوم كثيرون، صهب الثغور، حمر الالوان، ‌او‌ لوصوله شديده.
 قال المسعودى: الصقالبه اقوام مختلفه، بينهم حروب، لو ‌لا‌ اختلاف كلمتهم، ‌ما‌ قاومتهم امه ‌فى‌ الشده ‌و‌ الجراه، ‌و‌ لكل فرقه منهم ملك ‌لا‌ ينقاد لغيره، فمنهم على دين النصرانيه اليعقوبيه، ‌و‌ منهم على دين النسطوريه، ‌و‌ منهم ‌من‌ ‌لا‌ دين له ‌و‌ يكون معطلا، ‌و‌ منهم عبده النيران.
 ‌و‌ الديالمه: جيل ‌من‌ الناس مشهورون بالظلم ‌و‌ الجور، حتى قيل: ‌هم‌ اجور ‌من‌ الترك ‌و‌ الديلم.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز: فلان ‌من‌ الديلم.
 ‌و‌ ‌هو‌ ديلمى ‌من‌ الديالمه ‌اى‌ عدو ‌من‌ الاعداء، لشهره هذا الجيل بالشراره ‌و‌ العداوه.
 ‌و‌ بلادهم ارض الجبال بقرب قزوين، ‌و‌ هى ثغر ارض الديلم.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ الصقالبه ‌و‌ الديالمه جمعان لسقلبى ‌و‌ ديلمى، ‌و‌ التاء فيهما للدلاله على ‌ان‌ واحدهما منسوب.
 قال الرضى: تدخل التاء على الجمع الاقصى دلاله على ‌ان‌ واحدها منسوب، كالاشاعثه ‌و‌ المشاهده ‌فى‌ جمع اشعثى ‌و‌ مشهدى، ‌و‌ ذلك لما ارادوا ‌ان‌ يجمعوا المنسوب جمع تكسير وجب حذف ياء النسب، لان ياء النسب ‌و‌ الجمع ‌لا‌ يجتمعان، فلا يقال ‌فى‌ النسبه الى رجال: رجالى بل رجلى، فحذفت ياء النسبه، ثم جمع بالتاء، لتكون التاء كالعوض ‌من‌ الياء، كما عوضت ‌من‌ الياء ‌فى‌ نحو
 
جحاجحه جمع جحجاح، لان اصل جمعه جحاجيح، فحذفت الياء ‌و‌ عوضت عنها التاء، ‌و‌ لذلك ‌لا‌ يثبتان معا ‌و‌ ‌لا‌ يسقطان معا.
 قوله عليه السلام: «و سائر امم الشرك» الى آخره، اى: باقيهم، ‌و‌ الامم: جمع امه، ‌و‌ المراد بها هنا: الصنف ‌من‌ الناس، اى: سائر اصناف الخلق المشركين.
 ‌و‌ الشرك بالكسر: ‌من‌ اشرك بالله اى: كفر، ‌و‌ ‌هو‌ مطلق الكفر المنتظم لكفر اليهود ‌و‌ النصارى، فان الشرع قد نص على شرك اهل الكتاب قاطبه.
 ‌و‌ المراد باسمائهم: ‌ما‌ ‌دل‌ على ذواتهم، ‌و‌ بصفاتهم: ‌ما‌ ‌دل‌ على شى ء ‌من‌ احوالهم.
 ‌و‌ الواو ‌من‌ قوله: «و قد احصيتهم»: للحال، اى: ‌و‌ الحال انك قد احصيتهم اى: علمتهم.
 قال الفيومى: احصيت الشى ء بالالف: علمته.
 ‌و‌ ‌فى‌ النهايه: ‌فى‌ اسمائه تعالى المحصى: ‌هو‌ الذى احصى كل شى ء بعلمه ‌و‌ احاط به، فلا يفوته دقيق منه ‌و‌ ‌لا‌ جليل، ‌و‌ الاحصاء: العد ‌و‌ الحفظ، انتهى.
 ‌و‌ المراد بمعرفته تعالى: علمه، ‌و‌ ‌هو‌ يويد قول اهل اللغه ‌و‌ بعض ارباب الاصول ‌و‌ الميزان ‌من‌ انهما مترادفان.
 ‌و‌ اشرف على الشى ء اشرافا: اطلع عليه، ‌و‌ ‌هو‌ على التمثيل، لان اصله النظر ‌من‌ شرف، ‌و‌ ‌هو‌ المكان العالى، اذ النظر منه الى الشى ء ابلغ ‌فى‌ الاحاطه به، ‌و‌ الله اعلم.
 
شغله شغلا ‌من‌ باب نفع، ‌و‌ الاسم: الشغل بالضم، ‌و‌ تضم الغين ‌و‌ تسكن للتخفيف، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ضد‌ الفراغ.
 
و اختلف هل يتناول لفظ المشركين الكفار ‌من‌ اهل الكتاب ‌ام‌ لا؟ قال الاكثرون: نعم، لقوله تعالى: «و قالت اليهود عزير ابن الله ‌و‌ قالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بافواههم يضاهئون قول الذين كفروا ‌من‌ قبل قاتلهم الله انى يوفكون اتخذوا احبارهم ‌و‌ رهبانهم اربابا ‌من‌ دون الله ‌و‌ المسيح ابن مريم ‌و‌ ‌ما‌ امروا الا ليعبدوا الها ‌و‌ احدا ‌لا‌ اله الا ‌هو‌ سبحانه عما يشركون»، ‌و‌ لقوله تعالى: «ان الله ‌لا‌ يغفر ‌ان‌ يشرك ‌به‌ ‌و‌ يغفر ‌ما‌ دون ذلك»، فلو كان كفر اليهود ‌و‌ النصارى غير الشرك لاحتمل ‌ان‌ يغفر الله لهم، ‌و‌ ذلك باطل بالاتفاق، ‌و‌ ايضا النصارى قائلون بالتثليث، ‌و‌ ‌هو‌ شرك محض.
 ‌و‌ قال الاصم: كل ‌من‌ جحد رساله محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله فهو مشرك: ‌من‌ حيث ‌ان‌ تلك المعجزات التى ظهرت على يديه كانت خارجه عن قدره غير الله تعالى، ‌و‌ ‌هم‌ انكروها ‌و‌ اضافوها الى الجن ‌و‌ الشياطين، فقد اثبتوا شريكا لله سبحانه ‌فى‌ خلق هذه الاشياء الخارجه عن قدره البشر.
 ‌و‌ اعترض عليه: بان اليهودى مثلا حيث ‌لا‌ يسلم ‌ان‌ ‌ما‌ ظهر على يد محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌هو‌ ‌من‌ جنس ‌ما‌ ‌لا‌ يقدر العباد عليه، لم يلزم ‌ان‌ يكون مشركا بسبب اضافه ذلك الى غير الله تعالى.
 ‌و‌ اجيب: بانه ‌لا‌ اعتبار باقراره، ‌و‌ انما الاعتبار بالدليل، فاذا ثبت بالدليل ‌ان‌ ذلك المعجز خارج عن قدره العباد، فمن اضاف ذلك الى غير الله كان مشركا، كما لو اسند خلق الحيوان ‌و‌ النبات الى الافلاك ‌و‌ الكواكب.
 احتج المخالفون: بانه تعالى فصل بين المشركين ‌و‌ اهل الكتاب ‌فى‌ الذكر، حيث قال: «ما يود الذين كفروا ‌من‌ اهل الكتاب ‌و‌ ‌لا‌ المشركين»، «لم يكن الذين
 
كفروا ‌من‌ اهل الكتاب ‌و‌ المشركين»، ‌و‌ العطف يقتضى المغايره.
 ‌و‌ اجيب: بان كفر الوثنى اغلظ، ‌و‌ هذا القدر يكفى ‌فى‌ العطف، ‌او‌ لعله خص اولا ثم عمم، ‌و‌ قد تواتر النقل عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌ان‌ كل ‌من‌ كان كافرا يسمى مشركا، فظهر ‌ان‌ وقوع اسم المشرك عليهم ‌ان‌ لم يكن بحسب اللغه كان بحسب الشرع، ‌و‌ اذا كان كذلك فلا يبعد بل يجب اندراج كل كافر تحت هذا الاسم.
 ‌و‌ المراد بشغله تعالى المشركين بالمشركين: ‌ان‌ يخطر ببال كل امه منهم ‌ما‌ يوجب الوحشه ‌و‌ النفره عن الاخرى، اما بسبب اهوائهم المختلفه ‌فى‌ الدين، ‌او‌ بسبب تنازع ‌فى‌ امور الدنيا، فتهيج العداوه ‌و‌ القتال بينهم، فيشتغل بعضهم ببعض عن تناول اطراف المسلمين.
 ‌و‌ التناول ‌فى‌ الاصل: ‌ان‌ يمد الانسان يده الى شى ء فياخذه، يقال: ناولته الشى ء فتناوله، ثم استعمل ‌فى‌ مطلق الاخذ ‌و‌ الاقدار على الشى ء ‌و‌ ‌فى‌ الاستيلاء عليه ‌و‌ ‌فى‌ الوصول اليه، اذ كان كل ذلك ‌من‌ لوازم معناه الاصلى.
 ‌و‌ الاطراف: جمع طرف بفتحتين، ‌و‌ ‌هو‌ يكون بمعنى الجانب ‌و‌ الناحيه، ‌و‌ منه: «او لم يروا انا ناتى الارض ننقصها ‌من‌ اطرافها».
 ‌اى‌ نواحيها ‌و‌ جوانبها، بان نفتحها على المسلمين شيئا فشيئا ‌و‌ نلحقها بدار الاسلام، ‌و‌ نذهب منها اهلها بالقتل ‌و‌ الاسر ‌و‌ الاجلاء.
 ‌و‌ يكون بمعنى الطائفه ‌من‌ الشى ء ‌و‌ منه: «ليقطع طرفا ‌من‌ الذين كفروا» اى: طائفه منهم بقتل ‌و‌ اسر. ‌و‌ كل ‌من‌ المعنيين محتمل ‌فى‌ عباره الدعاء.
 فان حمل على المعنى الاول فهو على حذف مضاف، اى: اطراف ارض
 
المسلمين، ‌و‌ يكون المراد بتناولها الاستيلاء عليها ‌او‌ بلوغها ‌و‌ الوصول اليها، يقال: تناولت بنا الركاب مكان كذا اى: بلغت ‌و‌ وصلت بنا اليه، قال ذوالرمه:
 اذا لم نزرها ‌من‌ قريب تناولت
 بنا دار صيداء القلاص الطلائح
 ‌و‌ قال:
 تصابيت ‌و‌ استعبرت حتى تناولت
 لحى القوم اطراف الدموع الذوارف
 اى: بلغت اطراف الدموع لحى القوم لانهما لها ‌و‌ انصبابها.
 ‌و‌ ‌ان‌ حمل على المعنى الثانى فالمراد بتناولها اخذها ‌و‌ اصابتها بقتل ‌و‌ اسر.
 ‌و‌ انما خص الاطراف بالذكر، لانه ‌لا‌ يوصل الى الوسط الا بتناول الطرف، ‌و‌ لان الطرف اقرب اليهم ‌من‌ غيرهم، كما قال تعالى: «قاتلوا الذين يلونكم ‌من‌ الكفار».
 قوله عليه السلام: «و خذهم بالنقص عن تنقصهم» اخذه الله: اهلكه، ‌و‌ اخذه بذنبه: عاقبه عليه، ‌و‌ تعديه خذ بعن لتضمينه معنى الكف ‌و‌ المنع، اى: خذبهم ‌و‌ اصبهم بالنقص مانعا لهم عن تنقصهم المسلمين.
 ‌و‌ النقص: اخذ شى ء ‌من‌ الجمله، يقال: نقصته فنقص، يتعدى ‌و‌ ‌لا‌ يتعدى، اى: اذهبت منه شيئا فذهب منه شى ء.
 ‌و‌ المراد باخذهم بالنقص: اهلاكهم بنقصهم شيئا فشيئا حتى ياتى على جميعهم، ‌و‌ هذا ‌هو‌ معنى التنقص ايضا.
 قال العلامه الطبرسى: التنقص: ‌هو‌ ‌ان‌ يوخذ الاول فالاول حتى ‌لا‌ يبقى احد. ‌و‌ حمل بعضهم التنقص على معنى الثلب ‌و‌ الوقيعه، بمعزل عن المقام.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «و ثبطهم بالفرقه ‌من‌ الاحتشاد عليهم» ثبطه عن الامر
 
تثبيطا: شغله ‌و‌ قعد ‌به‌ عنه.
 ‌و‌ الفرقه بالضم: اسم ‌من‌ افترق القوم افتراقا: خلاف اجتمعوا. ‌و‌ الاحتشاد: الاجتماع، ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: حشد القوم: خفوا ‌فى‌ التعاون، ‌او‌ دعوا فاجابوا مسرعين، ‌او‌ اجتمعوا لامر واحد، كاحشدوا ‌و‌ احتشدوا ‌و‌ تحاشدوا، انتهى.
 ‌و‌ كل ‌من‌ هذه المعانى صحيح هنا.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^