فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 29

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ ‌به‌ نستعين


 الحمد لله قاسم الارزاق ‌و‌ الاجال ، الفاسح للامال افسح مجال ، والصلاه والسلام على نبيه المنزل عليه الكتاب هدى للمتقين ‌و‌ على اهل بيته الهادين السالكين الى الحق اليقين.
 ‌و‌ بعد فهذه الروضه التاسعه ‌و‌ العشرون ‌من‌ رياض السالكين، تتضمن شرح الدعاء التاسع ‌و‌ العشرين ‌من‌ صحيفه سيدالعابدين، صلى الله عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الطاهرين، املاء العبد الراجى فضل ربه السنى على صدرالدين الحسينى الحسنى ، عامله الله تعالى بلطفه الخفى ‌و‌ بره الحفى.
 
قتر عليه قترا ‌و‌ قتورا- ‌من‌ بابى ضرب ‌و‌ قعد- ‌و‌ اقتر اقتارا ‌و‌ قتر تقتيرا: ضيق عليه ‌فى‌ النفقه، ‌و‌ مثله: قدر بالدال- ‌من‌ باب ضرب-، ‌و‌ منه قوله تعالى: «الله يبسط الرزق لمن يشاء ‌من‌ عباده ‌و‌ يقدر له».
 ‌و‌ الرزق اسم لما يسوقه الله الى الحيوان فينتفع به، فيكون متناولا للحلال ‌و‌ الحرام، هذا قول الاشعرى.
 ‌و‌ قالت المعتزله: ‌هو‌ عباره عن مملوك ينتفع ‌به‌ المالك، فلا يكون الحرام رزقا. ‌و‌ قد اسلفنا الكلام على هذه المساله ‌فى‌ الروضه الاولى فليرجع اليه.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ الله سبحانه ‌و‌ تعالى يبتلى انبياءه ‌و‌ اولياءه ‌و‌ عباده الصالحين بتقتير الرزق، لوجوه ‌من‌ الحكمه ‌و‌ ضروب ‌من‌ المصلحه، اقتضتها عنايته سبحانه بهم، كما ‌دل‌ عليه صحيح الخبر ‌و‌ مستفيض الاثر.
 منها: اكرامهم ‌و‌ صيانتهم عن الاشتغال بالدنيا ‌و‌ قنياتها ‌و‌ التنعم بطيباتها، لما تقرر ‌من‌ ‌ان‌ الدنيا ‌و‌ الاخره ضرتان، بقدر ‌ما‌ يقرب ‌من‌ احداهما يبعد ‌من‌ الاخرى. ‌و‌ الانبياء عليهم السلام ‌و‌ ‌من‌ سلك سبيلهم، ‌و‌ ‌ان‌ كانوا اكمل الخلق نفوسا، ‌و‌ اقواهم استعدادا لقبول الكمالات النفسانيه، الا انهم محتاجون الى الرياضات التامه بالاعراض عن الدنيا ‌و‌ طيباتها، ‌و‌ ‌هو‌ الزهد الحقيقى، ‌و‌ الى تطويع نفوسهم الاماره لنفوسهم المطمئنه بالعباده التامه، كما ‌هو‌ المشهود ‌من‌ احوالهم
 
صلوات الله عليهم، فان رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله كان يربط على بطنه حجرا ‌من‌ الجوع، ‌و‌ كان يسميه بالمشبع. ‌و‌ الى ذلك اشار ‌من‌ قال:
 ‌و‌ ‌شد‌ ‌من‌ سغب احشاءه ‌و‌ طوى
 تحت الحجاره كشحا مترف الادم
 ‌و‌ ‌من‌ كلام اميرالمومنين عليه السلام: ‌و‌ ايم الله يمينا استثنى فيها بمشيئه الله، ‌لا‌ روضن نفسى رياضه تهش معها الى القرص اذا قدرت عليه مطعوما، ‌و‌ تقنع بالملح مادوما
 ‌و‌ ليس ذلك منهم عليهم السلام الا زهدا ‌فى‌ الدنيا، ‌و‌ اعراضا عن متاعها ‌و‌ زينتها، لما كان ذلك شرطا ‌فى‌ بلوغهم درجات النبوه ‌و‌ الرساله، ‌و‌ مراتب الوحى ‌و‌ الولايه، فلو فتحت لهم ابواب الدنيا، ‌و‌ اشتغلوا بنعيمها ‌و‌ انغمسوا ‌فى‌ لذاتها، ‌لا‌ نقطعوا عن حضره جلال الله، ‌و‌ بعدوا عن ساحه القرب منه ‌و‌ الوصول اليه.
 ‌و‌ منها: اعظام مثوباتهم على الصبر ‌و‌ القناعه، ‌و‌ ظلف انفسهم عن النزوع الى الدنيا ‌و‌ شهواتها، لانه كلما كانت المحنه اعظم كانت المثوبه عليها اجزل.
 ‌و‌ منها: ابتلاء المتكبرين ‌و‌ ارباب الدنيا بهم، اذ لو وسع الله عليهم ارزاقهم، فاتسعوا ‌فى‌ القنيات الدنيويه ‌من‌ الكنوز ‌و‌ القناطير المقنطره ‌من‌ الذهب ‌و‌ الفضه ‌و‌ الخيل المسومه ‌و‌ الانعام ‌و‌ الحرث، لكانت طاعه الناس لهم اسرع، ‌و‌ الانحياش اليهم اقرب، كما قال اميرالمومنين صلوات الله عليه ‌فى‌ خطبته القاصعه: فان الله سبحانه يختبر عباده المستكبرين ‌فى‌ انفسهم باوليائه المستضعفين ‌فى‌ اعينهم، ‌و‌ لقد دخل موسى ‌بن‌ عمران ‌و‌ معه اخوه عليهماالسلام على فرعون، ‌و‌ عليهما مدارع الصوف ‌و‌ بايديهم العصى، فشرطا له ‌ان‌ اسلم بقاء ملكه ‌و‌ دوام عزه، فقال: الا تعجبون ‌من‌ هذين؟ يشترطان لى دوام العز ‌و‌ بقاء الملك، ‌و‌ هما بما ترون ‌من‌ حال الفقر ‌و‌ الذل، فهلا القيا عليهما اساور ‌من‌ ذهب؟ اعظاما للذهب ‌و‌ جمعه، ‌و‌ احتقارا للصوف ‌و‌ لبسه،
 
و لو اراد الله سبحانه بانبيائه حيث بعثهم ‌ان‌ يفتح لهم كنوز الذهبان ‌و‌ معادن العقبان ‌و‌ مغارس الجنان، ‌و‌ ‌ان‌ يحشر معهم طير السماء ‌و‌ وحوش الارضين لفعل، ‌و‌ لو فعل لسقط البلاء ‌و‌ بطل الجزاء
 ‌و‌ منها: ابتلاوهم بالمتكبرين ‌و‌ المكذبين، لانهم لو كانوا على الحاله الموصوفه ‌من‌ الاتساع ‌فى‌ الدنيا، لسقط بلاوهم بالصبر على اذى المسكنه ‌من‌ المكذبين لهم ‌و‌ المستخفين بشانهم، كما قال اهل مدين لشعيب عليه السلام: «يا شعيب ‌ما‌ نفقه كثيرا مما تقول ‌و‌ انا لنراك فينا ضعيفا ‌و‌ لو ‌لا‌ رهطك لرجمناك ‌و‌ ‌ما‌ انت علينا بعزيز»
 ‌و‌ منها: تاسى المسلمين ‌و‌ اقتداء المومنين بهم عليهم السلام، ‌فى‌ العزوف عن الدنيا ‌و‌ الاعراض عن زخرفها ‌و‌ زبرجها، اذ كانوا ‌هم‌ القدوه للخلق ‌و‌ محل الاسوه لهم كما قال اميرالمومنين عليه السلام: ‌و‌ لقد كان ‌فى‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله كاف لك ‌فى‌ الاسوه، ‌و‌ دليل على ذم الدنيا ‌و‌ عيبها، ‌و‌ كثره مجازيها ‌و‌ مساوئها، اذ قبضت عنه اطرافها، ‌و‌ وطئت لغيره اكنافها، ‌و‌ فطم ‌من‌ رضاعها، ‌و‌ زوى عن زخارفها. ‌و‌ ‌ان‌ شئت ثنيت بموسى كليم الله عليه السلام، حيث يقول: «رب انى لما انزلت الى ‌من‌ خير فقير»، ‌و‌ الله ‌ما‌ ساله الا خبزا ياكله، لانه كان ياكل بقله الارض، ‌و‌ لقد كانت خضره البقل ترى ‌من‌ شفيف صفاق بطنه، لهزاله ‌و‌ تشذب لحمه. ‌و‌ ‌ان‌ شئت ثلثت بداود عليه السلام، صاحب المزامير ‌و‌ قارى ء اهل الجنه، ‌و‌ لقد كان يعمل سفائف الخوص، ‌و‌ يقول لجلسائه: ايكم يكفينى بيعها، ‌و‌ ياكل قرص الشعير ‌من‌ ثمنها. ‌و‌ ‌ان‌ شئت قلت ‌فى‌ عيسى ‌بن‌ مريم عليه السلام، فلقد كان يتوسد الحجر، ‌و‌ يلبس الخشن، ‌و‌ ياكل الجشب، ‌و‌ كان ادامه الجوع، ‌و‌ سراجه بالليل القمر، ‌و‌ صلاوه ‌فى‌ الشتاء مشارق الارض ‌و‌ مغاربها، ‌و‌ فاكهته ‌و‌ ريحانه ‌ما‌ تنبت الارض
 
للبهائم، ‌و‌ لم تكن له زوجه تفتنه، ‌و‌ ‌لا‌ ولد يحزنه، ‌و‌ ‌لا‌ مال يلفته، ‌و‌ ‌لا‌ طمع يذله، دابته رجلاه، ‌و‌ خادمه يداه، فتاس بنبيك الاطهر صلى الله عليه ‌و‌ آله، فان فيه اسوه حسنه لمن تاسى، عزاء لمن تعزى، ‌و‌ احب العباد الى الله المتاسى بنبيه، ‌و‌ المقتص لاثره. الى ‌ان‌ قال عليه السلام: ‌و‌ لقد كان ‌فى‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌ما‌ يدلك على مساوى الدنيا ‌و‌ عيوبها، اذ جاع فيها مع خاصته، ‌و‌ زويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته، فلينظر ناظر بعقله، اكرم الله محمدا بذلك ‌ام‌ اهانه؟ فان قال: اهانه، فقد كذب العظيم، ‌و‌ ‌ان‌ قال: اكرمه، فليعلم ‌ان‌ الله قد اهان غيره حيث بسط الدنيا له، ‌و‌ زواها عن اقرب الناس منه، فتاسى متاس بنبيه، ‌و‌ اقتص اثره ‌و‌ ولج مولجه، ‌و‌ الا فلا يامن الهلكه، فان الله جعل محمدا صلى الله عليه ‌و‌ آله علما للساعه، ‌و‌ مبشرا بالجنه، ‌و‌ نذيرا بالعقوبه، ‌و‌ خرج ‌من‌ الدنيا خميصا، ‌و‌ ورد الاخره سليما، لم يضع حجرا على حجر حتى مضى لسبيله، ‌و‌ اجاب داعى ربه، فما اعظم منه الله علينا حين انعم علينا ‌به‌ سلفا نتبعه، ‌و‌ قائدا نطا عقبه، ‌و‌ الله لقد رقعت مدرعتى هذه حتى استحييت ‌من‌ راقعها، ‌و‌ لقد قال لى قائل: الا تنبذها عنك فقلت: اعزب عنى، فعند الصباح يحمد القوم السرى.
 ‌و‌ منها: ايثاره سبحانه لهم بالحضور ‌فى‌ حضرته المقدسه، بالدعاء ‌و‌ الابتهال ‌و‌ التضرع ‌و‌ السوال، كما قال اميرالمومنين عليه السلام: ‌ان‌ الله يبتلى العبد ‌و‌ ‌هو‌ يحبه ليسمع تضرعه.
 ‌و‌ عن ذلك كان يقول بعض ارباب القلوب: الدعاء يوجب الحضور، ‌و‌ العطاء يوجب الصرف، ‌و‌ المقام على الباب اشرف ‌من‌ الانصراف بالمبار.
 ‌و‌ على هذا ‌ما‌ روى عنه صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌من‌ طريق العامه ‌و‌ الخاصه، انه
 
قال: عرض على ربى ‌ان‌ يجعل لى بطحاء مكه ذهبا، فقلت: ‌لا‌ ‌يا‌ رب، ‌و‌ لكن اشبع يوما ‌و‌ اجوع يوما، فاذا جعت تضرعت اليك ‌و‌ ذكرتك، ‌و‌ اذا شبعت شكرتك ‌و‌ حمدتك. ‌و‌ دعاء سيدالعابدين عليه السلام اذا قتر عليه الرزق داخل ‌فى‌ هذا الباب، ‌و‌ الله اعلم.
 
الابتلاء: الاختبار، ‌و‌ ابتلاء الله تعالى عباره عن معاملته لعباده معامله المبتلى المختبر، لانه سبحانه عالم الخفيات ‌و‌ السرائر ‌و‌ ‌ما‌ كان ‌و‌ ‌ما‌ يكون، فلا يتصور ‌فى‌ حقه الاختبار حقيقه، ‌و‌ قد تقدم بيان ذلك مبسوطا ‌فى‌ الروضه الاولى ‌و‌ الروضه السادسه، فليرجع اليه.
 ‌و‌ سوء الظن هنا: عباره عن عدم اليقين بان الارزاق انما تكون ‌من‌ الله سبحانه ‌و‌ تعالى، ‌و‌ انها صادره عن قسمته الربانيه، المكتوبه بقلم القضاء الالهى ‌فى‌ اللوح المحفوظ الذى ‌هو‌ خزانه كل شى ء كما قال ‌عز‌ شانه ‌فى‌ محكم كتابه: «نحن قسمنا بينهم معيشتهم ‌فى‌ الحياه الدنيا»، ‌و‌ ‌ان‌ حصولها الى المرزوقين بمقتضى قسمته تعالى، كما قال الله سبحانه ‌و‌ تعالى: «و ‌ان‌ ‌من‌ شى ء الا عندنا خزائنه ‌و‌ ‌ما‌ ننزله الا بقدر معلوم»، فلا يزيد فيه حيله محتال، ‌و‌ ‌لا‌ ينقص منه عجز عاجز، فعدم اليقين بذلك اما ‌شك‌ فيه، ‌او‌ اعتقاد راجح بان الامر على خلاف ذلك، ‌و‌ كل منهما سوءظن ناشى ء ‌من‌ ضعف القلب لاستيلاء مرض الوهم عليه، فان الوهم كثيرا ‌ما‌ يعارض اليقين، كمن تراه ‌لا‌ يبيت وحده مع ميت ‌و‌ ‌هو‌ يبيت مع جماد، مع علمه بان
 
الميت ايضا جماد، فيبعثه ذلك على عدم الثقه بالله ‌جل‌ جلاله ‌فى‌ حصول رزقه ‌من‌ غير اهتمام ‌و‌ اكتساب، ‌و‌ على الاعتماد على الكسب ‌و‌ الطلب ‌و‌ التعب ‌و‌ النصب، فيحمله ذلك على ذل السوال ‌و‌ رذيله الاكتساب، ‌و‌ قد صرح اميرالمومنين صلوات الله عليه بهذا المعنى ‌فى‌ قوله: اعلموا علما يقينا ‌ان‌ الله لم يجعل للعبد، ‌و‌ ‌ان‌ عظمت حيلته ‌و‌ اشتدت طلبته ‌و‌ قويت مكيدته، اكثر مما سمى له ‌فى‌ الذكر الحكيم، ‌و‌ لم يحل بين العبد ‌فى‌ ضعفه ‌و‌ قله حيلته، ‌و‌ بين ‌ان‌ يبلغ ‌ما‌ سمى له ‌فى‌ الذكر الحكيم، ‌و‌ العارف لهذا العامل ‌به‌ اعظم الناس راحه ‌فى‌ منفعه، ‌و‌ التارك له الشاك فيه اعظم الناس شغلا ‌فى‌ مضره. ‌و‌ ‌فى‌ هذا المعنى اخبار كثيره.
 ‌و‌ الاجال: جمع اجل بفتحتين، ‌و‌ قد علمت انه يطلق على مده العمر، ‌و‌ على الوقت الذى ينقرض فيه.
 ‌و‌ الامل: توقع حصول محبوب للنفس ‌فى‌ المستقبل، ‌و‌ المراد بطول الامل ‌فى‌ الاجال: توقع امتداد مده العمر، ‌او‌ تاخر الوقت الذى تنقرض فيه.
 ‌و‌ «حتى» هنا: حرف ابتداء، مثلها ‌فى‌ قوله تعالى ‌فى‌ الاعراف: «ثم بدلنا مكان السيئه الحسنه حتى عفوا ‌و‌ قالوا قد مس آباءنا الضراء ‌و‌ السراء».
 قال الرضى: معنى كونها حرف ابتداء: ‌ان‌ ‌ما‌ بعدها جمله استئنا فيه ‌لا‌ تتعلق ‌من‌ حيث الاعراب بما قبلها، ‌و‌ ‌لا‌ نعنى بكونها حرف ابتداء ‌ان‌ ‌ما‌ بعدها مبتدا مقدر، اى: نحن التمسنا ‌و‌ ‌هم‌ عفوا، لان ذلك ‌لا‌ يطرد ‌فى‌ نحو قوله سبحانه ‌و‌ تعالى: «و زلزلوا حتى يقول الرسول» بالرفع، فان حتى فيه ابتدائيه قطعا، انتهى.
 قال ابن الحاجب: اذا كانت «حتى» حرف ابتداء وجبت السببيه، لان الاتصال اللفظى زال بسبب الاستئناف، فشرطت السببيه التى هى موجبه
 
للاتصال المعنوى، فان السبب متصل بالمسبب معنى، جبرا لما فات ‌من‌ الاتصال اللفظى، انتهى.
 ‌و‌ السببيه هنا ظاهره، فان الالتماس مسبب عن الابتلاء، كما ‌ان‌ العفو اى: الكثره مسبب عن التبديل.
 قال ابن هشام: ‌و‌ زعم ابن مالك ‌ان‌ «حتى» هذه جاره، ‌و‌ ‌ان‌ بعدها «ان» مضمره، ‌و‌ ‌لا‌ اعرف ‌فى‌ ذلك سلفا، ‌و‌ فيه تكلف اضمار ‌من‌ غير ضروره، انتهى.
 ‌و‌ قال السيوطى: الاكثرون على خلاف ‌ما‌ ادعاه ابن مالك.
 ‌و‌ ‌من‌ العجيب ‌ما‌ وقع لبعضهم ‌ان‌ «حتى» ‌فى‌ عباره الدعاء عاطفه، ‌و‌ خفى عليهم ‌ان‌ شرط العطف بحتى كون معطوفها بعضا مما قبلها ‌او‌ كبعض منه، ‌و‌ ‌لا‌ يتاتى ذلك الا ‌فى‌ المفردات، مع ‌ان‌ العطف بحتى قليل جدا، حتى ‌ان‌ اهل الكوفه ينكرونه البته، ‌و‌ الله الهادى الى سبيل الصواب.
 ‌و‌ الالتماس: طلب الشى ء ممن يساوى الطالب رتبه على سبيل التلطف، كقولك لمن يساويك: افعل كذا ايها الاخ.
 ‌و‌ اضافه الارزاق الى ضمير المخاطب ‌و‌ ‌هو‌ الله سبحانه، باعتبار انها فعله، ‌و‌ الى ضمير المتكلم مع غيره، كما ‌فى‌ نسخه ابن ادريس، باعتبار اختصاصها بهم.
 قوله عليه السلام: «من عند المرزوقين» اى: ‌من‌ الذين رزقتهم، ‌او‌ ‌من‌ الناس الذين ‌من‌ شانهم ‌ان‌ يرزقوا.
 ‌و‌ التعرض لعنوان المرزوقيه للاشعار بان المرزوق ‌من‌ شانه ‌ان‌ يسال ‌هو‌ الرزق، ‌لا‌ ‌ان‌ يسال منه الرزق.
 ‌و‌ هذه الفقره متعلق معناها بسوء الظن ‌فى‌ الارزاق، اذ لولاه لكان العقل
 
حاكما بان طلب الرزق ‌من‌ المرزوق ‌لا‌ وجه له، مع ‌ما‌ ‌فى‌ ذلك ‌من‌ الذل ‌و‌ الخضوع للمطلوب اليه، ‌و‌ مهانه النفس، ‌و‌ اشتغالها عن التوجه الى الرازق، ‌و‌ كل ذلك مما يقتضى العقل بقبحه، ‌و‌ ‌ما‌ احسن ‌ما‌ قيل:
 ‌من‌ لم يكن الله متهما
 لم يمس محتاجا الى احد
 قوله عليه السلام: «و طمعنا بامالنا ‌فى‌ اعمار المعمرين» طمع ‌فى‌ الشى ء طمعا- ‌من‌ باب تعب-: حرص عليه ‌و‌ رجاه.
 ‌و‌ المعمرين: جمع معمر، اسم مفعول ‌من‌ عمره الله تعميرا اى: اطال عمره.
 ‌و‌ هذه الجمله متعلقه بطول الامل ‌فى‌ الاجال، اى: طمعنا بسبب آمالنا الطويله ‌فى‌ ‌ان‌ نعمر مثل اعمارهم، ‌و‌ هذا المعنى ايضا باعث على الاهتمام بتحصيل الرزق ‌و‌ طلبه، ‌و‌ الكد ‌و‌ الجهد ‌فى‌ كسبه ‌و‌ جمعه.
 
 فائده
 
 قال ابن دريد: ‌لا‌ تعد العرب معمرا الا ‌من‌ عاش مائه ‌و‌ عشرين سنه فصاعدا.
 قال الطبيعيون: العمر الطبيعى للانسان مائه ‌و‌ عشرون سنه، لان التجربه دلت على ‌ان‌ غايه سن النمو ثلاثون سنه، ‌و‌ غايه سن الوقوف عشره، فهذه اربعون، ‌و‌ يجب ‌ان‌ تكون غايه سن النقصان ضعف الاربعين المتقدمه، فيكون نهايه العمر مائه ‌و‌ عشرين سنه، قالوا: ‌و‌ انما صار زمان الفساد ضعف زمان الكون، اما ‌من‌ السبب المادى، فلان ‌فى‌ زمان نقصان البدن تغلب اليبوسه على البدن فتتمسك بالقوه، ‌و‌ اما ‌من‌ السبب الفاعلى، فلان الطبيعه تتادى الى الافضل، ‌و‌ تتحامى عن الانقص
 
و زعم بعض المنجمين: ‌ان‌ سبب كون نهايه العمر مائه ‌و‌ عشرين سنه، ‌هو‌ ‌ان‌ قوام العالم بالشمس، ‌و‌ سنوها الكبرى مائه ‌و‌ عشرون سنه.
 ‌و‌ تعقب بعضهم ذلك بانه ليس ‌فى‌ قول الطائفتين برهان قطعى يدل على ‌ان‌ نهايه عمر الانسان هذا القدر ‌او‌ قدر معين غيره، ‌و‌ قد جاءت الكتب الالهيه باثبات الاعمار الطويله للامم السالفه، قال الله تعالى ‌فى‌ ‌حق‌ نوح عليه السلام: «فلبث فيهم الف سنه الا خمسين عاما»، ‌و‌ التوراه ‌و‌ الانجيل مطابقان للقرآن العظيم ‌فى‌ اثبات الاعمار الطويله للادميين، ‌و‌ الاصرار على انكار ذلك دليل على الجهل.
 ‌و‌ قال الشيخ ابوالريحان البيرونى ‌فى‌ الكتاب المسمى بالاثار الباقيه عن القرون الخاليه: ‌و‌ قد انكر بعض اغمار الحشويه ‌و‌ الدهريه ‌ما‌ وصف ‌من‌ طول الاعمار الخاليه، ‌و‌ خاصه فيما وراء زمان ابراهيم عليه السلام، ‌و‌ ذكر شيئا ‌من‌ كلام المنجمين، ثم حكى عن ‌ما‌ شاء الله انه قال ‌فى‌ اول كتابه ‌فى‌ المواليد: يمكن ‌ان‌ يعيش اصحاب سنى القرآن الاوسط اذا اتفق الميلاد عند تحويل القران الى الحمل ‌و‌ مثلثاته، ‌و‌ كانت الدلالات على ‌ما‌ ذكرناه ‌ان‌ يبقى المولود سنى القران الاعظم ‌و‌ هى تسعمائه ‌و‌ ستون سنه بالتقريب، حتى يعود القران الى موضعه انتهى.
 ‌و‌ قال النظام النيسابورى ‌فى‌ تفسيره: قال بعض الاطباء: العمر الطبيعى للانسان مائه ‌و‌ عشرون سنه، فاعترض عليه بعمر نوح عليه السلام ‌و‌ غيره، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ المفسرين قالوا: ‌ان‌ نوحا عليه السلام عمر الفا ‌و‌ خمسين سنه، بعث على راس اربعين سنه، ‌و‌ لبث ‌فى‌ قومه تسعمائه ‌و‌ خمسين، ‌و‌ عاش بعده ستين، ‌و‌ عن وهب
 
 
انه عاش الفا ‌و‌ اربعمائه سنه.
 ‌و‌ يمكن ‌ان‌ يقال: انهم ارادوا بالطبيعى: ‌ما‌ كان اكثريا ‌فى‌ اعصارهم، ‌و‌ ‌لا‌ ينافى هذا كون بعض الاعمار زائدا على هذا القدر بطريق خرق العاده، على ‌ان‌ العاده قد تختلف باختلاف الاعصار ‌و‌ الادوار، ‌و‌ لهذا قال صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: اعمار امتى ‌ما‌ بين الستين الى السبعين، انتهى.
 ‌و‌ قال الشريف المرتضى قدس سره: ‌ان‌ قيل: ‌ان‌ كثيرا ‌من‌ الناس ينكر تطاول الاعمار ‌و‌ امتدادها، ‌و‌ يقول: انه ‌لا‌ قدره عليه ‌و‌ ‌لا‌ سبيل اليه، ‌و‌ منهم ‌من‌ ينزل ‌فى‌ انكاره درجه فيقول: انه ‌و‌ ‌ان‌ كان جائزا ‌من‌ طريق القدره ‌و‌ الامكان فانه مما يقطع على انتفائه، لكونه خارقا للعادات، ‌و‌ ‌ان‌ العادات اذا اوثق الدليل بانها ‌لا‌ تنخرق الا على سبيل الابانه ‌و‌ الدلاله على صدق نبى ‌من‌ الانبياء عليهم السلام، علم ‌ان‌ جميع ‌ما‌ روى ‌من‌ زياده الاعمار على العاده باطل مصنوع، ‌و‌ ‌لا‌ يلتفت الى مثله.
 قلنا: اما ‌من‌ ابطل تطاول الاعمار ‌من‌ حيث الاحاله ‌و‌ اخرجه ‌من‌ باب الامكان، فقوله ظاهر الفساد، لانه لو علم ‌ما‌ العمر ‌فى‌ الحقيقه، ‌و‌ ‌ما‌ المقتضى لدوامه اذا دام، ‌و‌ انقطاعه اذا انقطع، لعلم ‌من‌ جواز امتداده ‌ما‌ علمناه. ‌و‌ العمر: ‌هو‌ استمرار كون ‌من‌ يجوز ‌ان‌ يكون حيا ‌و‌ غير حى حيا، ‌و‌ شرطنا ‌ان‌ يكون ممن يجوز ‌ان‌ يكون غير حى، احترازا ‌من‌ ‌ان‌ يلزم عليه القديم تعالى، لانه تعالى ممن ‌لا‌ يوصف بالعمر ‌و‌ ‌ان‌ استمر كونه حيا، ‌و‌ قد علمنا ‌ان‌ المختص بفعل الحياه ‌هو‌ القديم تعالى، ‌و‌ فيما يحتاج اليه الحياه ‌من‌ البنيه ‌و‌ المعانى ‌ما‌ يختص ‌به‌ ‌عز‌ ‌و‌ جل، ‌و‌ ‌لا‌ يدخل الا تحت مقدوره تعالى، كالرطوبه ‌و‌ ‌ما‌ يجرى مجراها، فمتى فعل القديم تعالى الحياه ‌و‌ ‌ما‌ تحتاج اليه ‌من‌ البنيه، ‌و‌ هى مما ‌لا‌ يجوز عليه البقاء، ‌و‌ كذلك ‌ما‌ يحتاج اليه، فليست تنتفى
 
الا بضد يطرا عليها، ‌او‌ بضد ينفى ‌ما‌ يحتاج اليه، ‌و‌ الاقوى انه ‌لا‌ ‌ضد‌ لها ‌فى‌ الحقيقه، ‌و‌ انما ادعى قوم انه انتفاء ‌ما‌ يحتاج اليه.
 ‌و‌ لو كان للحياه ‌ضد‌ على الحقيقه لم يخل بما قصدناه ‌فى‌ هذا الباب، فمهما لم يفعل القديم تعالى ضدها ‌او‌ ‌ضد‌ ‌ما‌ تحتاج اليه، ‌و‌ ‌لا‌ نقض ناقض بنيه الحى، استمر كونه حيا.
 ‌و‌ لو كانت الحياه ايضا ‌لا‌ تبقى على مذهب ‌من‌ راى ذلك، لكان ‌ما‌ قصدناه صحيحا، لانه تعالى قادر على ‌ان‌ يفعلها حالا فحالا، فيوالى بين فعلها ‌و‌ فعل ‌ما‌ يحتاج اليه، فيستمر كون الحى حيا.
 فاما ‌ما‌ يعرض ‌من‌ الهرم بامتداد الزمان ‌و‌ علو السن، ‌و‌ تناقص بنيه الانسان، فليس مما لابد منه، ‌و‌ انما اجرى الله تعالى العاده بان يفعل ذلك عند تطاول الزمان، ‌و‌ ‌لا‌ ايجاب هناك، ‌و‌ ‌لا‌ تاثير للزمان على وجه ‌من‌ الوجوه، ‌و‌ ‌هو‌ تعالى قادر على ‌ان‌ ‌لا‌ يفعل ‌ما‌ اجرى العاده بفعله.
 ‌و‌ اذا ثبت هذه الجمله ثبت ‌ان‌ تطاول العمر ممكن غير مستحيل، ‌و‌ انما اتى ‌من‌ احال ذلك ‌من‌ حيث اعتقد ‌ان‌ استمرار كون الحى حيا موجب عن طبيعه ‌و‌ قوه لهما مبلغ ‌من‌ الماده، متى انتهيا اليه انقطعتا ‌او‌ استحال ‌ان‌ تدوما، ‌و‌ لو اضافوا ذلك الى فاعل مختار متصرف لخرج عندهم ‌من‌ باب الاحاله.
 فاما الكلام ‌فى‌ دخول ذلك ‌فى‌ العاده ‌و‌ خروجه عنها، فلا ‌شك‌ ‌فى‌ ‌ان‌ العاده قد جرت ‌فى‌ الاعمار باقدار متقاربه، يعد الزائد عليها خارقا للعاده، الا انه قد ثبت ‌ان‌ العاده قد تختلف ‌فى‌ الاوقات ‌و‌ ‌فى‌ الاماكن ايضا.
 ‌و‌ يجب ‌ان‌ يراعى ‌فى‌ العاده اضافتها الى ‌من‌ هى عاده له ‌فى‌ المكان ‌و‌ الوقت، ‌و‌ ليس يمتنع ‌ان‌ يقل ‌ما‌ كانت العاده جاريه ‌به‌ على تدريج حتى يصير حدوثه خارقا للعاده بغير خلاف، ‌و‌ ‌لا‌ ‌ان‌ يكثر الخارق للعاده حتى يصير حدوثه غير خارق لها على
 
خلاف فيه، ‌و‌ اذا صح ذلك لم يمتنع ‌ان‌ تكون العادات ‌فى‌ الزمان الغابر كانت جاريه بتطاول الاعمال ‌و‌ امتدادها، ثم تناقص ذلك على تدريج حتى صارت عادته الان جاريه بخلافه، ‌و‌ صار ‌ما‌ بلغ مبلغ تلك الاعمار خارقا للعاده.
 ‌و‌ هذه جمله فيما اردناه كافيه.
 ذكر جمله ‌من‌ المعمرين
 فمنهم:
 لقمان ‌بن‌ عاديا، قال الاخباريون: كان لقمان ‌بن‌ عاديا ‌بن‌ لجين ‌بن‌ عاد ‌بن‌ عوص ‌بن‌ ارم ‌بن‌ سام ‌بن‌ نوح عليه السلام، اطول الناس عمرا، عاش ثلاثه آلاف سنه ‌و‌ خمسمائه سنه، ‌و‌ يقال: انه عمر عمر سبعه انسر، ‌و‌ كان ياخذ النسر الذكر فيجعله ‌فى‌ الجبل، فيعيش النسر ‌ما‌ عاش، فاذا مات اخذ آخر فرباه، حتى كان السابع ‌و‌ كان اطولها عمرا فسماه لبد- ‌و‌ لبد بلسانهم: الدهر- فلما انقضى عمر لبد رآه لقمان واقعا، فناداه انهض لبد، فذهب لينهض فلم يستطع فسقط، ‌و‌ مات لقمان معه، فضرب ‌به‌ المثل، فقيل: طال الابد على لبد.
 ‌و‌ منهم عمرو ‌بن‌ عامر الملقب ب«مزيقياء» ملك ارض سبا، روى الاصبهانى ‌و‌ غيره انه عاش ثمان مائه سنه، اربعمائه سنه: سوقه ‌فى‌ حياه ابيه، ‌و‌ اربعمائه سنه ملكا، ‌و‌ كان ‌فى‌ سنى ملكه يلبس ‌فى‌ كل يوم حلتين، فاذا كان بالعشى مزق الحلتين لئلا يلبسها غيره، فسمى «مزيقياء».
 ‌و‌ منهم جهلمه ‌بن‌ ادد ‌بن‌ زيد ‌بن‌ يشجب ‌بن‌ غريب ‌بن‌ زيد ‌بن‌ كهلان ‌بن‌
 
يعرب، ‌و‌ يقال لجهلمه: طى، ‌و‌ اليه تنسب قبيله ‌طى‌ كلها، ‌و‌ كان له ابن اخ يقال له: يحابر ‌بن‌ ملك ‌بن‌ ادد، ‌و‌ كان قد اتى على كل واحد منهما خمسمائه سنه، وقع بينهما ملاحاه بسبب المرعى، فخاف جهلمه هلاك عشيرته، فرحل عنه ‌و‌ طوى المنازل، فسمى طيا، ‌و‌ ‌هو‌ صاحب «اجا» ‌و‌ «سلمى» ‌و‌ هما جبلان بطى ء.
 ‌و‌ منهم دويد ‌بن‌ نهد ‌بن‌ زيد ‌بن‌ سود ‌بن‌ اسلم بضم اللام ‌بن‌ الحاف ‌بن‌ قضاعه، قال ابوحاتم: عاش دويد ‌بن‌ زيد اربعمائه سنه ‌و‌ خمسين سنه
 ‌و‌ منهم: عبد المسيح ‌بن‌ بقيله الغسانى، ذكر الكلبى ‌و‌ غيره: انه عاش ثلاثمائه ‌و‌ خمسين سنه، ‌و‌ ادرك الاسلام فلم يسلم، ‌و‌ كان نصرانيا، ‌و‌ خبره مع خالد ‌بن‌ الوليد لما نزل على الحيره معروف.
 ‌و‌ منهم: الحرث ‌بن‌ مضاض الجرهمى، عاش اربعمائه سنه، ‌و‌ ‌هو‌ القائل:
 كان لم يكن بين الحجون الى الصفا
 انيس ‌و‌ لم يسمر بمكه سامر
 نعم نحن كنا اهلها فابادنا
 صروف الليالى ‌و‌ الجدود العواثر
 ‌و‌ منهم: ربيع ‌بن‌ ضبع ‌بن‌ وهب، روى انه عاش ثلاثمائه ‌و‌ اربعين سنه، فادرك النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله فلم يسلم.
 ‌و‌ روى انه عاش الى ايام عبدالملك ‌بن‌ مروان، فدخل عليه فقال له عبدالملك: فصل لى عمرك، قال: عشت مائتى سنه ‌فى‌ فتره عيسى، ‌و‌ مائه ‌و‌ عشرين سنه ‌فى‌
 
الجاهليه، ‌و‌ ستين ‌فى‌ الاسلام، فقال له: لقد طلبك جد غير عاثر.
 ‌و‌ منهم: عمرو ‌بن‌ لحى، ‌و‌ ‌هو‌ ربيعه ‌بن‌ حارث ‌بن‌ عمرو مزيقيا، ‌و‌ ‌هو‌ الذى سن السائبه ‌و‌ الوصيله ‌و‌ الحام، ‌و‌ نقل هبل ‌و‌ مناه ‌من‌ الشام الى مكه، فوضعهما للعباده، ‌و‌ قدم بالنرد، ‌و‌ ‌هو‌ اول ‌من‌ ادخلها مكه، فكانوا يلعبون بها ‌فى‌ الكعبه غدوه ‌و‌ عشيه، ‌و‌ هلك ‌و‌ ‌هو‌ ابن ثلاثمائه سنه ‌و‌ خمس ‌و‌ اربعين سنه.
 ‌و‌ منهم: المستوغر ‌بن‌ ربيعه ‌بن‌ كعب ‌بن‌ زيد مناه، عاش ثلاثمائه ‌و‌ ثلاثين سنه حتى قال:
 ‌و‌ لقد سئمت ‌من‌ الحياه ‌و‌ طولها
 ‌و‌ عمرت ‌من‌ بعد السنين سنينا
 مائه اتت ‌من‌ بعدها مائتان لى
 ‌و‌ ازددت ‌من‌ عدد الشهور مئينا
 هل ‌ما‌ بقى الا كما قد فاتنا
 يوم يكر ‌و‌ ليله تحدونا
 ‌و‌ منهم: اكثم ‌بن‌ صيفى الاسدى، عاش ثلاثمائه ‌و‌ ثلاثين سنه، ‌و‌ كان ممن ادرك زمن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ آمن به، ‌و‌ مات قبل ‌ان‌ يلقاه، ‌و‌ له اخبار ‌و‌ حكم ‌و‌ امثال، ‌و‌ كان والده صيفى ‌بن‌ رياح ‌بن‌ اكثم ايضا ‌من‌ المعمرين، عاش مائتين ‌و‌ سبعين سنه ‌لا‌ ينكر ‌من‌ عقله شى ء.
 ‌و‌ منهم: عمرو ‌بن‌ حممه الدوسى، عاش اربعمائه سنه، ‌و‌ ‌هو‌ الذى يقول:
 كبرت وطال العمر حتى كاننى
 سليم افاع ليله غير مودع
 فما الموت افنانى ‌و‌ لكن تتابعت
 على سنون ‌من‌ مصيف ‌و‌ مربع
 ثلاث مئات قد مررن كواملا
 ‌و‌ ‌ها‌ انا هذا ارتجى مر اربع
 ‌و‌ المعمرون ‌من‌ العرب دون هولاء كثيرون ‌لا‌ نطول بذكرهم.
 
و اما الفرس فانها تزعم ‌ان‌ ‌من‌ ملوكها فيما تقدم جماعه طالت اعمارهم، فيروون ‌ان‌ الضحاك صاحب الحيتين عاش الفا ‌و‌ مائتى سنه، ‌و‌ افريدون العادل عاش فوق الف سنه، ‌و‌ يقولون: ‌ان‌ الملك الذى احدث المهرجان عاش الفى سنه ‌و‌ خمسمائه سنه، استتر منها عن قومه ستمائه سنه.
 ‌و‌ روى اصحاب الاخبار: ‌ان‌ سلمان الفارسى رضى الله عنه عاش ثلاثمائه ‌و‌ خمسين سنه، ‌و‌ قال بعضهم: بل عاش اكثر ‌من‌ اربعمائه سنه، ‌و‌ قيل: انه ادرك عيسى عليه السلام، ‌و‌ توفى سنه خمس ‌و‌ ثلاثين ‌من‌ الهجره ‌و‌ الله اعلم.
 
اليقين: ‌هو‌ العلم بالشى ء ضروره ‌و‌ استدلالا بعد ‌ان‌ كان صاحبه شاكا فيه، ‌و‌ لذلك ‌لا‌ يوصف البارى تعالى بانه متيقن ‌و‌ ‌لا‌ يقال تيقنت ‌ان‌ السماء فوقى.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ العلم بالحق مع العلم بانه ‌لا‌ يكون غيره، ‌و‌ لذلك قال المحقق الطوسى: ‌و‌ ‌هو‌ مركب ‌من‌ علمين ‌و‌ قد اسلفنا الكلام عليه مبسوطا.
 ‌و‌ المراد باليقين الصادق: المستقر الراسخ ‌فى‌ القلب، اذ اطلاقه على غير الراسخ كاذب، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ قيد للاحتراز عن العلم بالباطل، فانه يقين عند الجهله غير صادق، ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ما‌ فيه.
 ‌و‌ الاغضاء ‌فى‌ الاصل: ادناء الجفون، ثم استعمل ‌فى‌ التغافل ‌و‌ الصدود.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: اغضى عنه طرفه: سده ‌او‌ صده.
 
و المعنى هنا: تصدنا ‌به‌ عن موونه الطلب.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه: «تكفينا ‌به‌ ‌من‌ موونه الطلب».
 ‌و‌ الموونه على وزن فعوله مهموزه: الثقل، ‌و‌ قد تخفف فيقال: مونه على وزن سوره.
 ‌و‌ الطلب: محاوله وجود الشى ء ‌و‌ اخذه.
 ‌و‌ الالهام: ‌ما‌ يلقى ‌فى‌ الروح بطريق الفيض.
 ‌و‌ الثقه: الائتمان، يقال: ‌و‌ ثقت ‌به‌ اثق بالكسر فيهما: اذا ائتمنته.
 ‌و‌ الخالصه: التى ‌لا‌ يشوبها ‌شك‌ ‌او‌ وهم.
 ‌و‌ الاعفاء: الاقاله، يقال: استعفيته ‌من‌ الامر فعفانى اى: طلبت الترك فاجابنى.
 ‌و‌ ‌فى‌ ديوان الادب: يقال: اعفنى ‌من‌ الخروج معك اى: دعنى منه.
 ‌و‌ النصب: كالتعب وزنا ‌و‌ معنى.
 ‌و‌ لما كان كل ‌من‌ اليقين الصادق ‌و‌ الثقه الخالصه، سببا للاقلاع ‌من‌ علقه الاسباب ‌و‌ الانقطاع عن الوسائط، ‌و‌ الراحه ‌من‌ تحمل ثقل الطلب ‌و‌ شده التعب ‌فى‌ تحصيل الرزق ‌و‌ التردد ‌فى‌ اكتسابه، استوهب عليه السلام ربه اليقين الصادق، ‌و‌ استلهمه الثقه الخالصه، الموجبين للاطمئنان ‌و‌ الاستراحه ‌من‌ الاضطراب ‌و‌ المشقه.
 ‌و‌ بيان ذلك: انه اذا حصل لاحد بالبرهان ‌او‌ الهدايه الخاصه ‌او‌ الكشف بتصفيه النفس، اليقين بالله ‌و‌ وحدانيته، ‌و‌ علمه ‌و‌ قدرته، ‌و‌ تقديره للاشياء ‌و‌ تدبيره فيهما، ‌و‌ حكمته التى ‌لا‌ يفوتها شى ء ‌من‌ المصالح، ‌و‌ رافته بالعباد ‌و‌ احسانه اليهم ظاهرا ‌و‌ باطنا ‌و‌ تقديره كمالات الاعضاء الظاهره ‌و‌ الباطنه، ‌و‌ تدبير منافعها بلا استحقاق
 
و ‌لا‌ مصلحه منهم ‌و‌ ‌من‌ غيرهم، ‌و‌ ايصال الارزاق اليهم حيث ‌لا‌ شعور لهم بطرقها، ‌و‌ ‌لا‌ قدره لهم على تحصيلها ‌و‌ اكتسابها، مع عدم وجوده بوجه ‌من‌ الوجوه، علم ‌ان‌ ‌من‌ كان كذلك كان قادرا على مستقبل اموره ‌و‌ مهماته، ‌و‌ ايصال رزقه ‌و‌ مطلوبه، فلا ينظر الى الاسباب ‌و‌ الوسائط، ‌و‌ ‌لا‌ يتعلق قلبه بها اصلا، فيستريح ‌من‌ موونه الطلب.
 ‌و‌ كذلك ‌من‌ حصلت له ثقه خالصه بالله تعالى ‌فى‌ جميع اموره اعتمد عليه، ‌و‌ وثق بكفايته، ‌و‌ تمسك بحوله ‌و‌ قوته، ‌و‌ ترقب التوفيق ‌و‌ الاعانه منه، دون الاعتماد على نفسه ‌و‌ حوله ‌و‌ قوته ‌و‌ قدرته ‌و‌ علمه ‌و‌ ‌ما‌ يظنه ‌من‌ الاسباب الضرويه ‌و‌ العاديه ‌و‌ غيرها، فلا ينصب كل النصب ‌فى‌ السعى لاكتساب الرزق، ‌و‌ هذا معنى التوكل على الله سبحانه.
 لكن ينبغى ‌ان‌ يعلم ‌ان‌ التمسك بالاسباب ‌لا‌ ينافى اليقين، ‌و‌ الثقه بالله جلت عظمته ‌و‌ التوكل عليه، اذ ليس معنى ذلك رفع اليد عن الاسباب ‌و‌ الوسائط راسا، بل معناه عدم الاعتماد عليها ‌و‌ الوثوق بها، ‌و‌ ‌من‌ ثم اشتهر ‌ان‌ التمسك بالاسباب ‌لا‌ ينافى التوكل، فلو طلب طالب للرزق مثلا رزقه ‌من‌ اسبابه المشروعه، كالتاجر ‌من‌ التجاره ‌و‌ الزارع ‌من‌ الزارعه، ‌و‌ لم يكن اعتمادهما على عملهما، بل على الله سبحانه، ‌و‌ على ‌ان‌ الرزق عليه ‌ان‌ شاء رزقهما ‌من‌ عمليهما هذين، ‌و‌ ‌ان‌ شاء رزقهما ‌من‌ غيرهما، حتى لو فسد العمل لم يحزنا، لم يكن ذلك منافيا لليقين ‌و‌ الثقه بالله ‌و‌ التوكل عليه. ‌و‌ مثل ذلك حمل الخائف ‌من‌ العدو السلاح، ‌و‌ قفل الخارج ‌من‌ البيت بابه، ‌و‌ شرب المريض الدواء، فانه اذا لم يكن اعتماده على السلاح ‌و‌ الباب ‌و‌ الدواء، اذ كثيرا ‌ما‌ يغلب العدو مع السلاح، ‌و‌ يسرق السارق بكسر القفل، ‌و‌ ‌لا‌ ينفع الدواء، بل اعتمادهم على الله ‌عز‌ ‌و‌ جل، لم يكن ذلك خارجا عن ‌حد‌ اليقين ‌و‌ الثقه بالله ‌و‌ التوكل عليه.
 
و بالجمله: قلب الموقن الواثق المتوكل متوجه الى الله ‌جل‌ جلاله، ‌و‌ توجهه الى الاسباب ‌و‌ الوسائط باعتبار ‌ان‌ العالم عالم الاسباب، ‌و‌ ‌ان‌ الله تعالى ابى ‌ان‌ يجرى الامور الا باسبابها، كما قال تعالى: «فامشوا ‌فى‌ مناكبها ‌و‌ كلوا ‌من‌ رزقه» فالظاهر منه متحرك، ‌و‌ الباطن ساكن مطمئن موقن بان الرزق بيد الله تعالى، يوصله الى عباده على حسب ‌ما‌ تقتضيه المصلحه ‌من‌ الزياده ‌و‌ النقصان، ‌لا‌ يسوقه حرص حريص، ‌و‌ ‌لا‌ يرده كره كاره، فهو ساكن مستريح ‌من‌ تعذيب القلب ‌و‌ الجسم بشده الانتظار ‌و‌ الجهد الجهيد ‌فى‌ كسبه، ثقه منه بان ‌ما‌ قسم له ‌لا‌ يجاوزه، ‌و‌ ‌ما‌ جاوزه ‌لا‌ يصيبه، فيربح بيقينه ‌و‌ ثقته راحه القلب ‌و‌ سكونه عن القلق ‌و‌ الاضطراب، ‌و‌ راحه البدن ‌و‌ فراغه عن شده النصب ‌و‌ الاتعاب، ‌و‌ ‌فى‌ الحديث عنهم عليهم السلام: ‌ان‌ الله بعد له ‌و‌ قسطه جعل الروح ‌و‌ الراحه ‌فى‌ اليقين ‌و‌ الرضا، ‌و‌ جعل الهم ‌و‌ لحزن ‌فى‌ الشك ‌و‌ السخط.
 
صرح ‌به‌ تصريحا: كشفه ‌و‌ بينه بلفظ صريح، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ انكشف المراد منه ‌فى‌ نفسه، اى: بالنظر الى كونه لفظا مستعملا سواء كان المعنى المراد فيه معنى حقيقيا ‌او‌ مجازيا، ‌و‌ قيد «فى نفسه» للاحتراز عن استتار المراد فيه بواسطه غرابه اللفظ، ‌او‌ ذهول السامع عن الوضع ‌او‌ عن القرينه ‌او‌ نحو ذلك، هذا ‌هو‌ التحقيق.
 ‌و‌ قال بعضهم: صرح ‌به‌ اى: اذهب عنه احتمالات المجاز ‌و‌ التاويل.
 ‌و‌ العده: الوعد.
 ‌و‌ من: بيانيه.
 
و الوحى: مصدر وحيت اليه الكلام: اذا القيته اليه ليعلمه، ‌و‌ ‌او‌ حيت اليه بالالف: مثله، ‌و‌ هى لغه القرآن الفاشيه، ثم غلب استعمال الوحى فيما يلقى الى الانبياء ‌من‌ عند الله، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا: الموحى، كالقول بمعنى المقول، اى: فيما اوحيته. ‌و‌ جعله بعضهم ‌من‌ اسماء القرآن، لقوله تعالى: «قل انما انذركم بالوحى».
 ‌و‌ اتبعته الشى ء: قفيته به، اى: جعلته تابعا له.
 ‌و‌ القسم بفتحتين: اسم ‌من‌ اقسم بالله: اذا حلف.
 ‌و‌ القطع: ‌فى‌ الاصل للاجسام، ‌و‌ ‌هو‌ ابانه بعضها عن بعض فصلا، ثم استعمل ‌فى‌ المعانى فقيل: قطعته عن العمل اى: منعته منه، ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا.
 ‌و‌ اهتم بالامر اهتماما: اعتنى ‌به‌ ‌و‌ احتفل.
 ‌و‌ تكفلت بالمال: التزمت به، ‌و‌ الزمته نفسى.
 ‌و‌ الحسم: القطع، ‌و‌ منه قيل للسيف: حسام، لانه قاطع لما ياتى عليه، ‌و‌ قول العلماء: حسما للباب اى: قطعا للوقوع قطعا كليا.
 ‌و‌ اسناد القطع ‌و‌ الحسم للعده ‌و‌ القسم مجاز عقلى، اى: اجعلهما سببا لهما.
 ‌و‌ الاشتغال: مصدر اشتغل بامره فهو مشتغل بالبناء للفاعل.
 ‌و‌ قال ابن فارس: ‌و‌ ‌لا‌ يكادون يقولون: اشتغل بالبناء للفاعل، ‌و‌ ‌هو‌ جائز ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك بابسط ‌من‌ هذا.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: «و حسما للاستعمال».
 ‌و‌ ضمنت المال ضمانا: التزمته.
 ‌و‌ الكفايه: مصدر كفاه الامر: اذا قام مقامه.
 
و اللام ‌فى‌ قوله: «له»: للتقويه متعلقه بالمصدر اعنى الكفايه، ‌و‌ الظرف لغو، ‌و‌ زاد اللام لتقويه العامل الذى ‌هو‌ المصدر، لانه فرع ‌فى‌ العمل كقولك: ضربى لزيد حسن.
 
الفاء: عاطفه، ‌و‌ مفادها هنا الترتيب الذكرى، ‌و‌ ‌هو‌ عطف مفصل على مجمل، ‌و‌ مثله قوله تعالى: «و نادى نوح ربه فقال رب ‌ان‌ ابنى ‌من‌ اهلى»، ‌و‌ قوله: «فقد سالوا موسى اكبر ‌من‌ ذلك فقالوا ارنا الله جهره».
 ‌و‌ جمله «و قولك الحق» معترضه بين القول ‌و‌ مقوله ‌لا‌ محل لها ‌من‌ الاعراب، ‌و‌ فائدتها تقرير مضمون الجمله. ‌و‌ اعرابها حالا كما زعم بعضهم ياباه المقام، لان الحال مقيده، فيراد بقوله الحق: هذا القول.
 ‌و‌ على تقدير الاعتراض ‌لا‌ يختص ‌به‌ بل المطلق، اى: كل قول تقوله ‌حق‌ ‌و‌ صدق ‌لا‌ يتطرق اليه الكذب. ‌و‌ ايضا يراد الدوام على تقدير الاعتراض دون الحال. ‌و‌ كذا الكلام ‌فى‌ قوله: «و قسمك الابر الاوفى».
 ‌و‌ اقسم يقسم اقساما: حلف ‌و‌ ‌بر‌ ‌فى‌ يمينه ‌و‌ قوله.
 يبر برا- على وزن علم يعلم علما-: صدق.
 ‌و‌ وفى بعهده: ‌ضد‌ غدر.
 قوله عليه السلام: «و ‌فى‌ السماء رزقكم» ‌فى‌ محل نصب على المفعوليه، لانه مقول القول، اى: اسباب رزقكم، بان يرسل سبحانه الرياح فتثير السحاب، فيبسطه ‌فى‌ السماء، ‌و‌ ينزل الغيث ‌و‌ المطر، فيخرج ‌به‌ ‌من‌ الارض انواع الاقوات
 
و الملابس ‌و‌ المنافع. ‌و‌ قيل: معناه: ‌و‌ ‌فى‌ السماء تقدير رزقكم، اى: ‌ما‌ قسمه لكم مكتوب ‌فى‌ ‌ام‌ الكتاب الذى ‌هو‌ ‌فى‌ السماء.
 ‌و‌ ‌فى‌ حديث اهل البيت عليهم السلام: ارزاق الخلائق ‌فى‌ السماء الرابعه، تنزل بقدر ‌و‌ تبسط بقدر
 ‌و‌ قيل: المراد بالسماء: السحاب، ‌و‌ بالرزق: المطر، ‌و‌ ‌هو‌ المروى عن الصادق عليه السلام قال: الرزق: المطر ينزل ‌من‌ السماء فيخرج ‌به‌ اقوات العالم.
 ‌و‌ قوله: «و ‌ما‌ توعدون» قيل: ‌هو‌ الجنه فوق السماء السابعه ‌و‌ تحت العرش، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ الثواب ‌و‌ العقاب، لان الاعمال ‌و‌ جزاءها مكتوبه مقدره ‌فى‌ السماء، ‌و‌ عن الصادق عليه السلام: ‌هو‌ اخبار القيامه ‌و‌ الرجعه، ‌و‌ الاخبار التى ‌فى‌ السماء.
 
قوله: «ثم قلت فو رب السماء ‌و‌ الارض انه لحق» هذا ‌هو‌ القسم المشار اليه سابقا، اقسم سبحانه بنفسه ‌ان‌ ‌ما‌ ذكره ‌من‌ امره الرزق الموعود ‌حق‌ ‌لا‌ ‌شك‌ فيه.
 ‌و‌ الضمير ‌فى‌ «انه»: راجع اليه على انه مستعار لاسم الاشاره.
 قوله تعالى: «مثل ‌ما‌ انكم تنطقون» قرا حمزه ‌و‌ الكسائى ‌و‌ خلف ‌و‌ عاصم سوى حفص «مثل» بالضم على انه صفه لحق، ‌و‌ الباقون بالنصب على الحاليه ‌من‌ المستكن ‌فى‌ الحق، ‌او‌ على انه وصف لمصدر محذوف، اى: انه لحق حقا مثل نطقكم.
 ‌و‌ قيل: انه مبنى على الفتح لاضافته الى غير متمكن، ‌و‌ ‌هو‌ «ما» ‌ان‌ كانت عباره عن شى ء، ‌و‌ ‌ان‌ بما ‌فى‌ حيزها ‌ان‌ جعلت «ما» زائده، ‌و‌ محله الرفع على انه صفه
 
لحق، ‌و‌ تويده القراءه بالرفع.
 ‌و‌ المعنى كما انه ‌لا‌ ‌شك‌ لكم ‌فى‌ انكم تنطقون، ينبغى ‌ان‌ ‌لا‌ تشكوا ‌فى‌ حقيقه ‌ما‌ ذكر.
 قال الزمخشرى: ‌و‌ هذا كقول الناس: ‌ان‌ هذا لحق كما انك ترى ‌و‌ تسمع ‌و‌ مثل ‌ما‌ انك هاهنا.
 ‌و‌ قال العلامه الطبرسى رضى الله عنه: شبه الله سبحانه تحقق ‌ما‌ اخبر عنه بتحقق نطق الادمى ‌و‌ وجوده، فاراد انه لحق كما ‌ان‌ الادمى ناطق، ‌و‌ المعنى: انه ‌فى‌ صدقه ‌و‌ تحقق وجوده كالذى تعرفونه ضروره.
 قيل: لما نزلت هذه الايه قالت الملائكه: هلكت بنو آدم، اغضبوا الرب حتى اقسم لهم على ارزاقهم.
 ‌و‌ نقل جار الله ‌فى‌ الكشاف عن الاصمعى، قال: اقبلت ‌من‌ جامع البصره، ‌و‌ طلع اعرابى على قعود، فقال: ‌من‌ الرجل؟ قلت: ‌من‌ بنى اصمع، قال: ‌من‌ اين اقبلت؟ قلت: ‌من‌ موضع يتلى فيه كلام الرحمن، قال: اتل على، فتلوت ‌و‌ الذاريات، فلما بلغت قوله تعالى: «و ‌فى‌ السماء رزقكم» قال: حسبك فقام الى ناقته فنحرها ‌و‌ وزعها على ‌من‌ اقبل ‌و‌ ادبر، ‌و‌ عمد الى سيفه ‌و‌ قوسه فكسر هما ‌و‌ ولى فلما حججت مع الرشيد طفقت اطوف، فاذا انا بمن يهتف ‌بى‌ بصوت دقيق، فالتفت فاذا انا بالاعرابى قد نحل ‌و‌ اصفر فسلم على، ‌و‌ استقرا السوره فلما بلغت الايه صاح ‌و‌ قال: قد وجدنا ‌ما‌ وعدنا ربنا حقا، ثم قال: ‌و‌ هل غير ذلك؟ فقرات «فو رب السماء ‌و‌ الارض انه لحق»، فصاح ‌و‌ قال: ‌يا‌ سبحان الله، ‌من‌ ذا الذى اغضب الجليل حتى
 
حلف؟ لم يصدقوه بقوله حتى الجاوه الى اليمين، قالها ثلاثا ‌و‌ خرجت معها نفسه، ‌و‌ الله اعلم.
 هذا آخر الروضه التاسعه ‌و‌ العشرين ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيدالعابدين، صلوات الله عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الطاهرين، ‌و‌ قد وفق الله سبحانه لاتمامها عصر يوم الاربعاء، سابع ذى الحجه الحرام آخر شهر سنه ثلثمائه ‌و‌ الف، بدار السرور ‌و‌ برهانبور، على يد مولفها العبد صدرالدين على ‌بن‌ احمد الحسينى تقبل الله اعماله ‌و‌ بلغه آماله.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^