فارسی
چهارشنبه 19 ارديبهشت 1403 - الاربعاء 28 شوال 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

الدعاء 31- 2

تنبيهان
 
 الاول: اشترط المعتزله ‌فى‌ صحه التوبه ترك المعاوده لذلك الذنب الذى تاب منه ‌اى‌ ذنب كان، ‌و‌ منعه الاشاعره، لان الشخص قد يندم على الامر زمانا ثم يبدو له ‌و‌ الله مقلب القلوب.
 قال الامدى: التوبه مامور بها فتكون عباده، ‌و‌ ليس ‌من‌ شرط صحه العباده الماتى بها ‌فى‌ وقت عدم المعصيه ‌فى‌ وقت آخر، بل غايته اذا ارتكب ذلك الذنب مره ثانيه وجب عليه توبه اخرى.
 الثانى: ‌لا‌ يخفى انه ‌لا‌ يليق بغير المعصوم قراءه هذه الفقرات ‌من‌ الدعاء على اطلاقها، لان مضمونها ‌لا‌ يفى ‌به‌ الا ‌من‌ عصمه الله ‌من‌ جميع المعاصى صغيرها ‌و‌ كبيرها، ‌و‌ اما غيره فما اقل وفاءه بهذا الشرط ‌و‌ الضمان ‌و‌ العهد، كيف؟ ‌و‌ ‌هو‌ عاجز عن مخالفه هواه، غير قادر على مقاتله دواعيه ‌و‌ قواه، ‌لا‌ يصبر عن اتباع الشهوات، ‌و‌ ‌لا‌ يستخدم قواه ‌فى‌ ميثاق الطاعات، ‌و‌ بذلك فسر قوله تعالى: «خلق الانسان ضعيفا»، فمن اخلف الله تعالى شرطه ‌و‌ وعده ‌و‌ نقض ضمانه ‌و‌ عهده، فقد عرض نفسه لما استوجبه الذين وصفهم الله سبحانه بقوله: «و منهم ‌من‌ عاهد الله لئن آتانا ‌من‌ فضله لنصدقن ‌و‌ لنكونن ‌من‌ الصالحين فلما آتاهم ‌من‌ فضله بخلوا ‌به‌ ‌و‌ تولوا ‌و‌ ‌هم‌ معرضون فاعقبهم نقاقا ‌فى‌ قلوبهم الى يوم يلقونه بما اخلفوا الله ‌ما‌ وعدوه ‌و‌ بما كانوا يكذبون».
 فينبغى لمن يقرا هذا الدعاء ‌ان‌ يشترط عند قراءه هذه الفقرات التوفيق
 
و العصمه منه ‌عز‌ ‌و‌ جل، تحرجا ‌من‌ ‌ان‌ يعطى الله سبحانه ‌من‌ نفسه ‌ما‌ ‌لا‌ يقدر عليه.
 كان يحيى ‌بن‌ معاذ يقول: الهى ‌لا‌ اقول ‌لا‌ اعود لما اعرف ‌من‌ خلقى، ‌و‌ ‌لا‌ اضمن ترك الذنوب لما اعلم ‌من‌ ضعفى.
 ثم تفكر ‌و‌ علم انه ‌لا‌ يجوز ‌فى‌ طريق العلم ‌ان‌ ‌لا‌ يقول العبد: ‌لا‌ اعود، لانه شبيه بالجراه على الله تعالى، فعاد الى مناجاته ‌و‌ قال: الهى بل اقول ‌لا‌ اعود لعلى ‌ان‌ اموت قبل ‌ان‌ اعود.
 ‌و‌ قال رجل لمالك: ‌يا‌ اباعبدالله انى تعلقت باستار الكعبه فتبت ‌من‌ كل ذنب، ‌و‌ حلفت ‌ان‌ ‌لا‌ اعصى الله تعالى طرفه عين فيما استقبل، فقال له: ‌و‌ يحك ‌و‌ ‌من‌ اعظم منك معصيه، تتالى على الله ‌ان‌ ‌لا‌ ينفذ حكمه فيك.
 ‌و‌ مع هذا فلا ‌بد‌ ‌فى‌ صدق الانابه ‌و‌ نصح التوبه ‌من‌ المجاهده ‌فى‌ الوفاء ‌و‌ الثبات ‌فى‌ العزيمه ‌و‌ النفاذ ‌فى‌ الامر، فانه اذا عزم المرء على رفض الشهوات ‌و‌ اخلاص التوبه عن السيئات، فربما تتواتر عليه اسباب الشهوات ‌و‌ تتوفر لديه جهات الملذات، على ‌ما‌ عليه سنه الله تعالى ‌فى‌ نقض العزائم ‌و‌ فسخ الهمم، فان كانت النفس عزوفا ابيه ‌و‌ العزيمه صارمه قويه ‌و‌ التوبه نصوحا رضيه، لم يسف بما عزم عليه ‌من‌ الصبر ‌و‌ الكف تهيو تلك الاسباب، ‌و‌ لم يستهوه الشيطان ‌من‌ تلك الشعاب، ‌و‌ ‌ان‌ القت النفس بيديها اليها ‌و‌ لم يكن حبل العزيمه مغارا ‌و‌ ‌لا‌ عود الانابه نضارا، فهناك كل يوم توبه منقوضه ‌و‌ انابه مرفوضه، ‌و‌ الله المستعان.
 
هذا سوال منه عليه السلام لمغفره ‌ما‌ الله اعلم ‌به‌ منه، مما ‌هو‌ عندالله سيئه ‌و‌ معصيه ‌فى‌ حقه ‌و‌ ‌هو‌ ‌لا‌ يعلمها فعملها. ‌و‌ نظير ذلك قول جده سيد الاوصياء صلوات الله
 
عليه ‌فى‌ دعائه: اللهم اغفرلى ‌ما‌ انت اعلم ‌به‌ منى.
 قال العلامه الشيخ كمال الدين ‌فى‌ شرح نهج البلاغه: ‌و‌ مغفره الله للعبد تعود الى ستره عليه ‌ان‌ يقع ‌فى‌ مهاوى الهلكه ‌فى‌ الاخره، ‌او‌ يكشف مقابحه لاهل الدنيا فيها، ‌و‌ كل ذلك يعود الى توفيقه لاسباب السعاده، ‌و‌ جذبه بها عن متابعه الشيطان ‌فى‌ المعاصى قبل صدورها منه، ‌او‌ قبل صيرورتها ملكات ‌فى‌ جوهر نفسه، انتهى.
 ‌و‌ صرفته عن الشى ء ‌و‌ اليه صرفا- ‌من‌ باب ضرب-: رددته.
 ‌و‌ لما سال عليه السلام مغفره ‌ما‌ الله اعلم ‌به‌ منه ‌من‌ السيئات، اتبع ذلك بسوال صرفه ورده عنها الى محبوبها تعالى ‌من‌ الحسنات لمحو تلك السيئات، كما قال تعالى: «ان الحسنات يذهبن السيئات».
 ‌و‌ روى عبدالله ‌بن‌ عباس، عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله انه قال: لم ار شيئا احسن طلبا ‌و‌ ‌لا‌ اسرع ادراكا ‌من‌ حسنه حديثه لذنب قديم، ‌ان‌ الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين.
 
على: للاستعلاء، ‌و‌ ‌هو‌ اما حقيقه نحو: زيد على السطح، ‌و‌ اما مجاز نحو: عليه دين، ‌و‌ مثله: «و على تبعات»، ‌و‌ هى الظلامات التى يطلبها المظلوم عند الظالم، سميت بذلك لاتباع صاحبها بها.
 ‌و‌ حفظته حفظا- ‌من‌ باب علم-: احصيته، ‌و‌ منه: الحفظه للملائكه الذين
 
يحصون اعمال العباد. ‌و‌ الجمله ‌فى‌ محل رفع صفه لتبعات، ‌و‌ مثله قد نسيتهن.
 ‌و‌ كلهن: ‌اى‌ كل فرد ‌من‌ النوعين، لان كلا كما تفيد استغراق افراد المنكر نحو: «كل نفس ذائقه الموت»، تفيد استغراق افراد المعرف المجموع نحو: «و كلهم آتيه يوم القيامه فردا».
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بعينك»: للملابسه، اى: متلبسه بعينك.
 ‌و‌ العين: حقيقه ‌فى‌ الجارحه، ‌و‌ هى هنا جاريه مجرى التمثيل، ‌و‌ الكلام استعاره تمثيليه، كما صرح ‌به‌ الزمخشرى ‌فى‌ آخر سوره الطور ‌فى‌ قوله تعالى: «و اصبر لحكم ربك فانك باعيننا»، قال: ‌و‌ ‌هو‌ مثل، اى: بحيث نراك ‌و‌ نكلوك، انتهى.
 ‌و‌ بيانه: انه مثل احاطته تعالى بجميع تبعاته بحيث ‌لا‌ يشذ ‌و‌ ‌لا‌ يغيب عنه شى منها، باحاطه الناظر بعينه الى الشى ء به، بحيث ‌لا‌ يعزب ‌و‌ ‌لا‌ يغيب عنه شى ء منه.
 ‌و‌ وصف العين بعدم النوم لبيان استمرار الاحاطه، اذ لو اتصفت ‌به‌ احتمل شذوذ شى ء ‌من‌ مدركاتها عنها ‌فى‌ حاله النوم.
 ‌و‌ قوله: «لا ينسى» اى: ‌لا‌ يذهب عنه شى ء ‌و‌ ‌لا‌ يخفى عليه امر. ‌و‌ ‌فى‌ اسناد النسيان الى العلم اشاره الى ‌ان‌ علمه تعالى عين ذاته، ‌و‌ ليس علمه صفه زائده على ذاته ليتعلق النسيان بما تعلق ‌به‌ العلم.
 ‌و‌ الفقره الاولى اشاره الى كونه تعالى عالما بالكل محيطا ‌به‌ مطلعا على كلياته ‌و‌ جزئياته، ‌و‌ الثانيه اشاره الى ثبات ذلك العلم ‌و‌ رسوخه، اى: ‌ما‌ علمت منها ‌لا‌ تنساه.
 ‌و‌ عوضته ‌من‌ الشى ء تعويضا: اعطيته عوضا ‌و‌ ‌هو‌ البدل.
 فان قلت: لم اعاد الضمير اولا بصيغه الجمع فقال: حفظتهن ‌و‌ نسيتهن ‌و‌ كلهن،
 
ثم اعاده بصيغه الافراد فقال: منها ‌و‌ اهلها ‌و‌ وزرها ‌و‌ ثقلها ‌و‌ مثلها؟
 قلت: قد نص علماء العربيه على ‌ان‌ الاحسن ‌و‌ الغالب ‌فى‌ جمع المونث غير العاقل ‌ان‌ كان للقله ‌ان‌ يعاد الضمير اليه بصيغه الجمع، ‌و‌ ‌ان‌ كان للكثره ‌ان‌ يعاد بصيغه الافراد، كما قال تعالى: «ان عده الشهور عند الله اثنا عشر شهرا» الى ‌ان‌ قال: «منها اربعه حرم»، فاعاد «منها» بصيغه الافراد على الشهور ‌و‌ هى للكثره، ثم قال: «فلا تظلموا فيهن انفسكم»، فاعاده جمعا على اربعه حرم ‌و‌ هى للقله.
 ‌و‌ ذكر الفراء لهذه القاعده سرا لطيفا، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ المميز مع جمع الكثره- ‌و‌ ‌هو‌ مازاد على العشره- لما كان واحدا ‌و‌ ‌حد‌ الضمير، ‌و‌ مع جمع القله لما كان جمعا جمع الضمير.
 اذا عرفت ذلك فاعادته عليه السلام الضمير اولا بصيغه الجمع نظرا الى هذه القاعده، اذ كان جمع السلامه مذكرا كان ‌او‌ مونثا موضوعا للقله كما نص عليه النحويون، ‌و‌ اعادته ثانيا بصيغه الافراد نظرا الى قوله: «كلهن» لدلالته على الكثره، ‌و‌ الله اعلم.
 
 تنبيهان:
 
 الاول: ذهب المعتزله الى ‌ان‌ ‌رد‌ المظالم شرط ‌فى‌ صحه التوبه، فقالوا: ‌لا‌ تصح التوبه عن مظلمه دون الخروج عن تلك المظلمه، كرد المال ‌او‌ الاستبراء منه، ‌او‌ الاعتذار الى المغتاب ‌و‌ استرضائه ‌ان‌ بلغه الغيبه ‌و‌ نحو ذلك.
 ‌و‌ ذهب اصحابنا الاماميه ‌و‌ وافقهم الاشعريه الى ‌ان‌ ذلك واجب براسه
 
لا مدخل له ‌فى‌ الندم على ذنب آخر.
 قال الامدى: اذا اتى بالمظلمه كالقتل ‌و‌ الضرب مثلا وجب عليه امران: التوبه ‌و‌ الخروج عن المظلمه، ‌و‌ ‌هو‌ تسليم نفسه مع الامكان ليقتص منه، ‌و‌ ‌من‌ اتى
 بالتوبه فقد اتى باحد الواجبين، ‌و‌ ‌من‌ اتى باحد الواجبين فلا تكون صحه ‌ما‌ اتى ‌به‌ متوقفه على الاتيان بالواجب الاخر، كما لو وجب عليه صلاتان فاتى باحداهما دون الاخرى.
 قال شيخنا البهائى قدس سره: ‌و‌ اعلم ‌ان‌ الاتيان بما تستتبعه الذنوب، ‌من‌ قضاء الفوائت ‌و‌ اداء الحقوق ‌و‌ التمكين ‌من‌ القصاص ‌و‌ الحد ‌و‌ نحو ذلك، ليس شرطا ‌فى‌ صحه التوبه بل هذه واجبات براسها، ‌و‌ التوبه صحيحه بدونها، ‌و‌ بها تصير اكمل ‌و‌ اتم انتهى.
 الثانى: ذهب اصحابنا رضوان الله عليهم ‌ان‌ الذنب اذا لم يكن مستتبعا لامر آخر يلزم الاتيان ‌به‌ شرعا، كلبس الحرير ‌و‌ شرب الخمر ‌و‌ سماع الغناء، كفى الندم عليه ‌و‌ العزم على عدم العود اليه، ‌و‌ ‌لا‌ يجب سوى ذلك، ‌و‌ ‌ان‌ كان مستتبعا لامر آخر ‌من‌ حقوق الله ‌او‌ ‌من‌ حقوق الناس ماليا ‌او‌ غير مالى وجب مع التوبه الاتيان به، ‌و‌ ربما كان المكلف مخيرا بين الاتيان بذلك الامر ‌و‌ بين الاكتفاء بالتوبه ‌من‌ الذنب المستتبع له.
 فحقوق الله الماليه كالعتق ‌فى‌ الكفاره مثلا يجب الاتيان بها مع القدره، ‌و‌ غير الماليه ‌ان‌ كان غير ‌حد‌ كقضاء الفوائت ‌و‌ صوم الكفاره فكذلك، ‌و‌ ‌ان‌ كان حدا فالمكلف مخير ‌ان‌ شاء اقر بالذنب عند الحاكم ليقام عليه، ‌و‌ ‌ان‌ شاء ستره ‌و‌ اكتفى
 
بالتوبه، فلا ‌حد‌ عليه حينئذ ‌ان‌ تاب قبل قيام البينه ‌به‌ عند الحاكم.
 ‌و‌ اما حقوق الناس الماليه فيجب تبرئه الذمه منها بقدر الامكان، فان مات صاحب الحق فورثته ‌فى‌ كل طبقه قائمون مقامه، فمتى رده اليهم ‌هو‌ ‌او‌ ورثته ‌او‌ اجنبى متبرع برئت ذمته، ‌و‌ ‌ان‌ بقى الى يوم القيامه فلفقهائنا رضوان الله عليهم ‌فى‌ مستحقه اقوال:
 الاول: انه لصاحب الاول.
 الثانى: انه لاخر وارث ‌و‌ لو بالعموم كالامام.
 الثالث: انه ينتقل الى الله سبحانه.
 ‌و‌ الاول ‌هو‌ الاصح كما دلت عليه الرويه الصحيحه عن الصادق عليه السلام.
 ‌و‌ اما حقوقهم غير الماليه فان كان اضلالا وجب الارشاد، ‌و‌ ‌ان‌ كان قصاصا وجب اعلام المستحق له ‌و‌ تمكينه ‌من‌ استيفائه، فيقول له: انا الذى قتلت اباك مثلا فان شئت القصاص فاقتص منى ‌و‌ ‌ان‌ احببت العفو فاعف عنى، ‌و‌ ‌ان‌ كان حدا كما ‌فى‌ القذف فان بلغ المقذوف مثلا وجب التمكين، ‌و‌ ‌ان‌ لم يبلغه فهل يجب اعلامه ‌به‌ ‌ام‌ لا؟ وجهان ‌من‌ كونه ‌حق‌ آدمى فلا يسقط الا باسقاطه، ‌و‌ ‌من‌ كون الاعلام تجديدا للاذى ‌و‌ تنبيها على ‌ما‌ يوجب البغضاء، ‌و‌ مثل هذا يجرى ‌فى‌ الغيبه ايضا.
 ‌و‌ كلام المحقق الطوسى ‌و‌ تلميذه العلامه طاب ثراهما يعطى عدم وجوب الاعلام.
 
 
اذا عرفت ذلك فسواله عليه السلام ربه ‌ان‌ يعوض ‌من‌ التبعات التى عليها اهلها ‌و‌ يحط عنه وزرها، انما ‌هو‌ للتبعات التى ‌لا‌ يتمكن ‌من‌ الخروج عنها الى اصحابها، اما لعجزه عن ذلك ‌او‌ لنسيانه لها كما صرح به، ‌و‌ كذلك ورد ‌فى‌ الحديث: ‌ان‌ ‌من‌ كانت عليه مظلمه ‌و‌ لم يمكنه ردها على صاحبها ‌و‌ التحلل منه ‌و‌ سال الله تعالى ‌ان‌ يقضيها عنه قضاها الله تعالى عنه ‌و‌ ارضى صاحبها عنه.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام باسناده عن معتب قال: دخل محمد ‌بن‌ بشر الوشاء على ابى عبدالله عليه السلام يساله ‌ان‌ يكلم شهابا ‌ان‌ يخفف عنه حتى ينقضى الموسم، ‌و‌ كانت له عليه الف دينار، فارسل اليه فاتاه فقال له: قد عرفت حال محمد ‌و‌ انقطاعه الينا، ‌و‌ قد ذكر ‌ان‌ لك عليه الف دينار ‌و‌ لم تذهب ‌فى‌ بطن ‌و‌ ‌لا‌ فرج، ‌و‌ انما ذهبت دينا على الرجال ‌و‌ وضائع وضعها ‌و‌ انا احب ‌ان‌ تجعله ‌فى‌ حل، ‌و‌ قال: لعلك ممن يزعم انه يقتص ‌من‌ حسناته فتعطاها، فقال: كذلك ‌فى‌ ايدينا، فقال: ابوعبدالله عليه السلام: الله اكرم ‌و‌ اعدل ‌من‌ ‌ان‌ يتقرب اليه عبده فيقوم ‌فى‌ الليله القره ‌او‌ يصوم ‌فى‌ اليوم الحار ‌او‌ يطوف بهذا البيت، ثم يسلبه ذلك فتعطاه، ‌و‌ لكن لله فضل كثير يكافى ء المومن، قال: فهو ‌فى‌ حل.
 ‌و‌ ‌فى‌ هذا الحديث دلاله ظاهره على ‌ان‌ المكافاه ‌و‌ التعويض منه تعالى يكون ‌من‌ غير اقتصاص ‌من‌ حسنات العبد اذا عجز عن ‌رد‌ التبعات، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «و احطط عنى وزرها» الحط: ‌فى‌ الاصل للاجسام ‌و‌ ‌هو‌ انزالها عن علو الى سفل، يقال: حطوا الاحمال عن ظهور الدواب، ثم استعمل ‌فى‌ المعانى.
 
قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز: حط الله اوزارهم ‌و‌ حط الله وزرك.
 ‌و‌ الوزر: الثقل، ‌و‌ قيل: الحمل، ‌و‌ عن ابن الاعرابى: حملته الوزر، ‌و‌ ‌هو‌ الحمل الثقيل.
 ‌و‌ المراد بحطه عنه: مغفرته له آثام تلك التبعات بقضائها عنه. ‌و‌ ‌هو‌ استعاره تمثيليه، كما قاله الزمخشرى ‌فى‌ قوله تعالى: «و وضعنا عنك وزرك» ‌و‌ الحط هاهنا ‌من‌ ترشيح الاستعاره التمثيليه. ‌و‌ مثله قوله عليه السلام: «و خفف عنى ثقلها». ‌و‌ معنى تخفيف ثقلها: ‌ان‌ ‌لا‌ يكون عليه ثقل.
 قال بعضهم: ‌و‌ انما سميت الذنوب ‌او‌ زارا ‌و‌ اثقالا، لما يستحق عليها ‌من‌ العقاب العظيم.
 فان قلت: ‌ما‌ مفاد الفقره الثانيه، هل ‌هو‌ تاكيد ‌او‌ تاسيس؟ قلت: بل ‌هو‌ تاسيس، لان المراد بالوزر ‌فى‌ الفقره الاولى: ‌ما‌ يترتب على تلك التبعات ‌من‌ الاثم ‌و‌ القصاص، ‌و‌ بالثقل ‌فى‌ الفقره الثانيه: ‌ما‌ غمه ‌و‌ همه ‌من‌ امرها، ‌و‌ العرب تجعل الهم ثقيلا، ‌و‌ ‌هو‌ احد الوجوه التى فسر بها قوله تعالى: «و وضعنا عنك وزرك».
 قوله عليه السلام: «و اعصمنى ‌من‌ ‌ان‌ اقارف مثلها» عصمه الله ‌من‌ المكروه يعصمه- ‌من‌ باب ضرب-: حفظه ‌و‌ وقاه. ‌و‌ قارف الذنب: قاربه ‌و‌ خالطه.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: قارف الذنب ‌و‌ اقترفه: اذا التبس به، ‌و‌ يقال لقشر
 
كل شى ء: قرفه، لانه ملتبس به.
 ‌و‌ المراد يعصمته منها: حسم اسبابها ‌و‌ عدم الاعداد لها، ‌و‌ الله اعلم.
 
الضمير ‌فى‌ «انه»: للشان ‌و‌ مدار وضعه موضعه مع عدم سبق ذكره الايذان بانه ‌من‌ الشهره ‌و‌ النباهه بحيث يستحضره كل احد فهى مغنيه عن ذكره. ‌و‌ السر ‌فى‌ تصدير الجمله ‌به‌ التنبيه ‌من‌ اول الامر على فخامه مضمونها مع ‌ما‌ فيه ‌من‌ زياده التحقيق ‌و‌ التقرير، لان الضمير ‌لا‌ يفهم منه ‌من‌ اول الامر الا شان مبهم له خطر، فيبقى الذهن مترقبا لما يعقبه مما يفسره ‌و‌ يزيل ابهامه، فيتمكن عند وروده عليه فضل تمكن، كانه قيل: ‌ان‌ الشان الخطير هذا، اى: ‌لا‌ وفاء لى بالتوبه الا بعصمتك الى آخره.
 يقال: وفيت بالعهد ‌و‌ الوعد افى ‌به‌ وفاء.
 ‌و‌ العصمه لغه: اسم ‌من‌ عصمه الله: اذا حفظه ‌و‌ وقاه، ‌و‌ عرفا: فيض الهى يقوى ‌به‌ العبد على تحرى الخير ‌و‌ تجنب الشر. ‌و‌ استمسك عن الامر: ‌كف‌ عنه.
 ‌و‌ القوه: تطلق على كمال القدره ‌و‌ شده الممانعه ‌و‌ الدفع، ‌و‌ يقابلها الضعف.
 ‌و‌ ‌من‌ العجيب ‌ما‌ وقع لبعض المعاصرين ممن اعتنى باعراب الصحيفه الشريفه، حيث قال: «لا» ‌من‌ قوله: «لا وفاء لى بالتوبه»: نافيه للجنس ‌و‌ وفاء اسمها، تركب معها فبنى على الفتح، ‌و‌ الظرفان ‌من‌ قوله: «لى» ‌و‌ «بالتوبه» متعلقان به، ‌و‌ قوله: «الا بعصمتك» الخبر ‌و‌ مثله ‌ما‌ بعده، انتهى.
 ‌و‌ هذا يدل على قصور بين منه ‌فى‌ علم النحو، فانه اخطا بهذا الاعراب ‌فى‌ ثلاثه مسائل:
 
احداها: قوله: الظرفان ‌من‌ قوله «لى» ‌و‌ «بالتوبه» متعلقان باسم «لا» مع تصريحه ببنائه على الفتح لتركبه معها، ‌و‌ ‌هو‌ خلاف قول سيبويه ‌و‌ جمهور النحويين ‌من‌ ‌ان‌ اسم «لا» اذا كان عاملا فيما بعده لزم تنوينه ‌و‌ اعرابه.
 قال الرضى: الظرف بعد المنفى ‌فى‌ نحو: «لا تثريب عليكم اليوم» عند سيبويه ‌و‌ جمهور النحويين ‌لا‌ يتعلق بالمنفى ‌و‌ الا كان مضارعا للمضاف فانتصب كما ‌فى‌ ‌لا‌ خيرا ‌من‌ زيد، بل الظرف متعلق بمحذوف ‌و‌ ‌هو‌ خبر المبتدا، كما ‌فى‌ قولك: عليك تثريب، ‌و‌ اليوم معمول لعليكم، ‌و‌ يجوز العكس، ‌و‌ كذا قوله تعالى: «لا عاصم اليوم ‌من‌ امر الله الا ‌من‌ رحم» اليوم خبر المبتدا ‌و‌ ‌ان‌ كان جثه، اذا المعنى: ‌لا‌ وجود عاصم على حذف المضاف، ‌و‌ قوله: «من امر الله» متعلق بما ‌دل‌ عليه «لا عاصم» اى: ‌لا‌ يعصم ‌من‌ امر الله، فلا تظنن ‌ان‌ مثل هذا الجار ‌و‌ المجرور متعلق بالمنفى ‌و‌ ‌ان‌ اوهم ذلك ‌فى‌ الظاهر، بل مثله متعلق بمحذوف، انتهى.
 الثانيه: جعله «لى» لغوا متعلقا باسم «لا»، ‌و‌ جهله انه ‌هو‌ خبر الاسم مع تعينه لذلك.
 الثالثه: جعله «الا بعصمتك» الخبر، مع ظهور انه ليس محط الفائده ‌و‌ تمام الكلام بدونه، ‌و‌ ‌من‌ كان هذا مبلغه ‌من‌ العربيه كيف يتجرا على شرح كلام المعصوم نسال الله الهدايه.
 فان قلت: فما الصواب ‌فى‌ اعراب الفقرتين المذكورتين؟.
 قلت: الصواب ‌ان‌ قوله: «لى» ‌و‌ «بى» متعلق كل منهما بمحذوف ‌هو‌ الخبر، اى: ‌لا‌ وفاء كائن لى ‌و‌ ‌لا‌ استمساك ملتبس بى، ‌و‌ قوله: «بالتوبه» ‌و‌ «عن الخطايا» كل ‌من‌ الظرفين متعلق بمحذوف ايضا، ‌دل‌ عليه قوله: «لا وفاء لى» ‌و‌ «لا
 
استمساك بى» اى: ‌لا‌ افى بالتوبه ‌و‌ ‌لا‌ استمسك عن الخطايا، كما مر ‌من‌ قول الرضى ‌فى‌ «لا عاصم اليوم ‌من‌ امر الله».
 ‌و‌ الاستثناء ‌فى‌ الفقرتين مفرغ ‌من‌ حال عامه، ‌و‌ التقدير: ‌لا‌ وفاء لى بالتوبه ‌فى‌ حال ‌من‌ الاحوال الا ‌فى‌ حال تلبسه بعصمتك، ‌و‌ ‌لا‌ استمساك ‌بى‌ عن الخطايا ‌فى‌ حال ‌من‌ الاحوال الا حال ‌فى‌ حال صدوره عن قوتك.
 قال بعضهم: لعل المراد بالوفاء: الوفاء الذى ‌لا‌ يتغير الا بميل صاحبه الى التغير كما ‌هو‌ شان العصمه فلا ينافى الاستطاعه، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «فقونى بقوه كافيه» الفاء: للسببيه. ‌و‌ تقويته تعالى له عليه السلام عباره عن افاضه قوه على استعداده يقوى بها عقله على قهر النفس الاماره.
 ‌و‌ قوله: «كافيه» اى: مغنيه، ‌من‌ قولهم كفى الشى ء يكفى كفايه فهو كاف: اذا حصل ‌به‌ الاستغناء عن غيره، اى: ‌لا‌ احتاج معها الى سوال قوه مره اخرى، ‌او‌ واقيه دافعه، ‌من‌ كفاه الله الشر اى: وقاه منه ‌و‌ دفعه عنه.
 ‌و‌ تولاه بكذا: قام عليه به، يقال: تولاك الله بحفظه اى: كان الله لك وليا بحفظه.
 ‌و‌ توليته تعالى بالعصمه عباره عن عدم اعداده للمعاصى ‌و‌ حسم اسبابها عنه.
 ‌و‌ مدار هذا الفصل ‌من‌ الدعاء على الاعتراف بالعجز عن مقاومه النفس ‌و‌ هواها ‌و‌ مقاتله دواعيها ‌و‌ قواها، ‌و‌ دفع وساوسها ‌و‌ اذاها، تنبيها للغافلين ‌و‌ تحريضا للمذنبين على التوسل باذيال الالطاف الالهيه ‌و‌ التوفيقات الربانيه، فان ذلك جذب للهدايات الخاصه الوافيه ‌و‌ العنايات، التامه الشافيه للامراض الظاهره ‌و‌ الخافيه، ‌و‌ ليس لمريض الدين انفع ‌من‌ هذا الدواء بيقين.
 
و يقرب ‌من‌ ذلك ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى جعفر عليه السلام، قال: ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ اوحى الى داود عليه السلام ‌ان‌ ائت عبدى دانيال، فقل له: انك عصيتنى فغفرت لك ‌و‌ عصيتنى فغفرت لك ‌و‌ عصيتنى فغفرت لك، فان انت عصيتنى الرابعه لم اغفر لك، فاتاه داود عليه السلام فقال: ‌يا‌ دانيال انى رسول الله اليك، ‌و‌ ‌هو‌ يقول لك: انك عصيتنى فغفرت لك ‌و‌ عصيتنى فغفرت لك ‌و‌ عصيتنى فغفرت لك، فان انت عصيتنى الرابعه لم اغفرلك، فقال له دانيال: قد ابلغت ‌يا‌ نبى الله، فلما كان ‌فى‌ السحر قام دانيال فناجى، فقال: ‌يا‌ رب ‌ان‌ داود نبيك اخبرنى عنك اننى قد عصيتك فغفرت لى ‌و‌ عصيتك فغفرت لى ‌و‌ عصيتك فغفرت لى، ‌و‌ اخبرنى عنك انى ‌ان‌ عصيتك الرابعه لم تغفرلى فوعزتك لئن لم تعصمنى ‌لا‌ عصينك ثم ‌لا‌ عصينك ثم ‌لا‌ عصينك.
 ‌و‌ على ذلك ‌ما‌ حكى ‌ان‌ بعض المحبين جنى جنايه فوبخه الله بها، ثم عاد اليها ‌فى‌ وقت آخر، فاوحى الله الى نبى ذلك الزمان ‌ان‌ ‌قل‌ له: ‌ان‌ رجعت الى تلك الجنايه اغضب عليك ‌و‌ تعذب عليها، فعاد اليها بعد حين ‌و‌ مات فيها، فغسلوه ‌و‌ كفنوه ‌و‌ وضعوه على الجنازه، ‌و‌ خافوا ‌ان‌ يصلوا عليه لما توهموا انه مقطوع عن الرب، ‌و‌ كانت له ندامه بعد ارتكاب كل جنايه ‌و‌ كانت تلك الحاله مستوره، فلما رفعوا الجنازه جاءت ريح ‌و‌ كشفت عن بعض اكفانه، فوجدوا عليه رقعه مكتوب عليها: هذا عتاب الاحباء ‌لا‌ عتاب الاعداء فصلوا عليه ‌و‌ الله اعلم.
 
اى: اسم شرط مبتدا، ‌و‌ «ما» بعدها مزيده لتاكيد ابهام «اى» ‌و‌ شياعها، ‌و‌ «عبد» مجرور باضافه «اى» اليه، ‌و‌ جمله «تاب اليك» الخبر كما ‌هو‌ مختار الاندلسى.
 
قال ابن هشام: ‌و‌ ‌هو‌ الصحيح، لان اسم الشرط تام ‌و‌ جمله الشرط مشتمله على ضميره، ‌و‌ انما توقفت الفائده على الجواب ‌من‌ حيث التعليق فقط ‌لا‌ ‌من‌ حيث الخبريه.
 ‌و‌ قيل: الخبر ‌هو‌ جمله الجزاء، ‌و‌ ‌هو‌ المشهور، لان الفائده بها تمت، ‌و‌ ‌لا‌ لتزامهم عود ضمير منها على الاصح.
 ‌و‌ قيل: الشرط مع جزائه ‌هو‌ الخبر، لصيرورتهما بسبب كلمه الشرط كالجمله الواحده.
 ‌و‌ الواو ‌من‌ قوله: «و ‌هو‌ ‌فى‌ علم الغيب»: حاليه، ‌و‌ الجمله ‌فى‌ محل نصب على الحال.
 ‌و‌ «فى علم الغيب»: متعلق بفاسخ، ‌و‌ عندك بدل منه، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون حالا ‌من‌ العلم، ‌و‌ ‌لا‌ مانع ‌من‌ جعل كل ‌من‌ الظرفين صفه لفاسخ صارت حالا بتقدمها.
 ‌و‌ الغيب: اما مصدر وصف ‌به‌ الغائب مبالغه، كالشهاده ‌فى‌ قوله تعالى: «عالم الغيب ‌و‌ الشهاده»، ‌او‌ فيعل خفف كميت ‌و‌ ميت ‌و‌ هين ‌و‌ هين.
 قيل: ‌و‌ لم يستعمل فيه الاصل كما استعمل ‌فى‌ نظائره.
 ‌و‌ ايا ‌ما‌ كان فهو ‌ما‌ غاب عن الحس ‌و‌ العقل غيبه كامله، بحيث ‌لا‌ يدرك بواحد منهما ابتداء بطريق البداهه. ‌و‌ ‌هو‌ قسمان:
 قسم نصب عليه دليل كالصانع ‌و‌ صفاته ‌و‌ النبوات ‌و‌ متعلقاتها ‌و‌ اليوم الاخر ‌و‌ احواله.
 
و قسم ‌لا‌ دليل عليه، ‌و‌ ‌هو‌ الذى اريد بقوله سبحانه: «و عنده مفاتح الغيب ‌لا‌ يعلمها الا هو»، ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا، ‌و‌ لذلك قيده بقوله: عندك.
 ‌و‌ فسخ البيع ‌و‌ العهد فسخا- ‌من‌ باب نفع-: نقضه.
 ‌و‌ اللام ‌من‌ قوله: «لتوبته»: للتقويه، فلك ‌ان‌ تقول: تتعلق ‌و‌ لك ‌ان‌ تقول: ‌لا‌ تتعلق.
 ‌و‌ عدى عائد ب«فى» ‌و‌ حقه ‌ان‌ يعدى ب«الى» لتضمينه معنى الدخول، كما ‌فى‌ قوله تعالى: «او لتعودن ‌فى‌ ملتنا».
 ‌و‌ عطف الخطيئه على الذنب ‌من‌ باب عطف الشى ء على مرادفه، نحو: «انما اشكوبثى ‌و‌ حزنى الى الله» ‌و‌ «اولئك عليهم صلوات ‌من‌ ربهم ‌و‌ رحمه».
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله: «فانى»: رابطه لجواب الشرط لكونه جمله اسميه.
 ‌و‌ ان: مصدريه، ‌و‌ هى مع مسبوكها ‌فى‌ محل جر ب«من» محذوفه، ‌و‌ التقدير: اعوذ بك ‌من‌ ‌ان‌ اكون، ‌و‌ حذف الجار مطرد مع ‌ان‌ ‌و‌ ‌ان‌ ‌و‌ بعضهم يقول: ‌ان‌ نحو ذلك منصوب بنزع الخافض، ‌و‌ رجحه الرضى بضعف حرف الجر ‌من‌ ‌ان‌ يعمل مضمرا، ‌و‌ الاول ‌هو‌ راى سيبويه.
 ‌و‌ كذلك: اشاره الى العبد المتصف بالصفات المذكوره. ‌و‌ ‌هو‌ نائب عن الضمير الرابط لجواب اسم الشرط المرفوع بالابتداء، ‌و‌ الاصل ‌ان‌ اكون مثله. ‌و‌ ايثار الاشاره باعتبار اتصافه بما ذكر ‌من‌ الصفات الشنيعه المميزه له عما عداه اكمل تمييز، بحيث صار كانه حاضر مشاهد على ‌ما‌ ‌هو‌ عليه. ‌و‌ ‌ما‌ فيها ‌من‌ معنى البعد للايذان ببعد منزلته ‌فى‌ الخذلان ‌و‌ سوء الحال.
 
و الفاء ‌من‌ قوله: «فاجعل»: سببيه.
 ‌و‌ جعل: بمعنى صير، ‌و‌ المنصوبان بعده مفعولان.
 ‌و‌ جمله «لا احتاج»: ‌فى‌ محل نصب صفه لتوبه، ‌و‌ هى ثانى مفعولى اجعل.
 ‌و‌ توبه الثانيه بدل ‌من‌ الاولى بدل كل، ‌او‌ عطف بيان عند ‌من‌ يرى انه يكون بلفظ الاول ‌و‌ ‌هم‌ الجمهور، خلافا لابن الطراوه ‌و‌ ابن مالك.
 ‌و‌ موجبه: ‌من‌ اوجبت الشى ء ايجابا: اذا جعلته واجبا اى: لازما، ‌و‌ منه: «موجبات رحمتك».
 ‌و‌ محو ‌ما‌ سلف: ‌اى‌ مضى ‌من‌ الذنوب، ‌و‌ المراد بمحوه: اما العفو ‌و‌ التجاوز عنه، ‌او‌ محوه ‌و‌ ازالته ‌من‌ ديوان الحفظه الذين كتبوه عند صدوره منه.
 ‌و‌ السلامه: الخلوص ‌من‌ الافات، ‌و‌ المراد: السلامه ‌من‌ الذنوب فيما بقى ‌من‌ العمر.
 ‌و‌ مدار هذا الفصل ‌من‌ الدعاء على سواله عليه السلام الثبات على توبته، ‌و‌ حسم اسباب نقضها، ‌و‌ جعل توبته مانعه ‌من‌ العود الى ذنب بعدها، كافيه ‌فى‌ العفو عما سلف منه، واقيه باجتناب ‌ما‌ يجب الاجتناب عنه، ‌و‌ ‌لا‌ ريب ‌فى‌ ‌ان‌ التوبه اذا كانت بهذه المثابه كانت انجح ‌و‌ انصح، كما يدل عليه ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: ‌ان‌ الله يحب العبد المفتن التواب ‌و‌ ‌من‌ ‌لا‌ يكون ذلك منه كان افضل.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: المفتن: الممتحن الذى فتن كثيرا.
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: ‌و‌ منه الحديث: المومن خلق مفتتنا توابا، اى: ممتحنا
 
يمتحنه الله بالذنب ثم يتوب ثم يعود ثم يتوب.
 
 تنبيه:
 
 قد يستفاد ‌من‌ قوله عليه السلام: «فاجعل توبتى هذه توبه ‌لا‌ احتاج بعدها الى توبه» عدم وجوب تجديد التوبه عند تذكر الذنب، خلافا لمن ذهب الى ‌ان‌ المتذكر للذنب كالمقارف له فيجب عليه تجديد التوبه.
 قال الامدى: يدل على بطلان ذلك انا نعلم بالضروره ‌ان‌ الصحابه ‌و‌ ‌من‌ اسلم بعد كفره كانوا يتذكرون ‌ما‌ كانوا عليه ‌فى‌ الجاهليه ‌من‌ الكفر، ‌و‌ لم يجب عليهم تجديد الاسلام ‌و‌ ‌لا‌ امروا بذلك، ‌و‌ كذلك ‌فى‌ كل ذنب وقعت التوبه عنه، ‌و‌ الله اعلم.
 
اعتذر ‌من‌ ذنبه: تنصل، ‌و‌ اعتذر اليه: طلب معذرته اى: رفع اللوم عنه، ‌و‌ قيل: الاعتذار: محو اثر الذنب.
 ‌و‌ قال الراغب: المعتذر: ‌هو‌ المظهر لما يمحو ‌به‌ الذنب، ‌و‌ جميع المعاذير ‌لا‌ تنفك ‌من‌ ثلاثه اوجه. اما ‌ان‌ يقول: لم افعل، ‌او‌ يقول: فعلت لاجل كذا فيبين ‌ما‌ يخرجه عن كونه ذنبا، ‌او‌ يقول: فعلت ‌و‌ ‌لا‌ اعود، فمن انكر ‌و‌ بين كذب ‌ما‌ نسب اليه فقد برئت ساحته، ‌و‌ ‌ان‌ فعل ‌و‌ جحد فقد يعد التغابى عنه كرما، ‌و‌ اياه قصد الشاعر بقوله:
 تغابى ‌و‌ ‌ما‌ بك ‌من‌ غفله
 لفرط الحياء ‌و‌ فرط الكرم
 ‌و‌ ‌من‌ اقر فقد استوجب العفو لحسن ظنه بك، ‌و‌ ‌ان‌ قال: فعلت ‌و‌ ‌لا‌ اعود فهذا ‌هو‌
 
التوبه، انتهى.
 اذا عرفت ذلك فقوله عليه السلام: «اعتذر اليك» معناه: اما طلب العذر اى: رفع اللوم، ‌من‌ قولهم: عذرته فيما صنع عذرا- ‌من‌ باب ضرب-: رفعت عنه اللوم فهو معذور اى: غير ملوم، ‌و‌ الاسم العذر بالضم ‌و‌ المعذره، ‌او‌ طلب عفو الذنب باظهار ‌ما‌ يوجبه ‌من‌ الاقرار، ‌او‌ التوبه على ‌ما‌ بينه الراغب.
 ‌و‌ المراد بالجهل هنا: ‌ما‌ يدعو الى ارتكاب الذنب ‌و‌ ‌هو‌ عدم التفكر ‌فى‌ العاقبه، ‌و‌ سمى جهلا ‌من‌ حيث عدم استعمال صاحبه ‌ما‌ معه ‌من‌ العلم بالعقاب ‌و‌ الثواب، فكانه الجهل الذى ‌هو‌ عدم العلم، ‌و‌ بذلك فسر قوله تعالى: «انما التوبه على الله للذين يعملون السوء بجهاله».
 قال اكثر المفسرين: كل ‌من‌ عصى الله فهو جاهل ‌و‌ فعله جهاله.
 ‌و‌ قال قتاده: اجتمع اصحاب رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله فراوا ‌ان‌ كل ذنب اصابه العبد فهو بجهاله عمدا كان ‌او‌ خطا.
 ‌و‌ قال امين الاسلام الطبرسى: ‌و‌ هذا المعنى ‌هو‌ المروى عن ابى عبدالله عليه السلام، فانه قال: كل ذنب عمله عبد ‌و‌ ‌ان‌ كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه ‌فى‌ معصيه ربه، فقد حكى الله سبحانه قول يوسف ‌فى‌ اخوته: «هل علمتم ‌ما‌ فعلتم بيوسف ‌و‌ اخيه اذ انتم جاهلون»، فنسبهم الى الجهل لمخاطرتهم بانفسهم ‌فى‌ معصيه الله، انتهى.
 ‌و‌ قد تقدم الكلام على هذه المساله فيما سبق ‌فى‌ الروضه السادسه عشر مستوفى، فليرجع اليه.
 
و استوهبته الشى ء: سالته هبته اى: اعطاء بلاعوض.
 ‌و‌ السوء بالضم: اسم ‌من‌ ساء الشى ء يسوء: اذا قبح، ‌او‌ ‌من‌ ساءه سوءه: اذا فعل ‌به‌ ‌ما‌ يكرهه. ‌و‌ الغرض سوال عفوه تعالى عن قبيح الفعل ‌او‌ مكروهه ‌من‌ غير استحقاق كما يدل عليه لفظ الاستيهاب. ‌و‌ ضممت الشى ء الى الشى ء: قبضته اليه ‌و‌ جمعته به، يقال: ضممته الى صدرى اذا الصقته به.
 ‌و‌ الكنف بفتحتين: الجانب ‌و‌ الناحيه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: انت ‌فى‌ كنف الله تعالى محركه: ‌فى‌ حرزه ‌و‌ ستره، ‌و‌ ‌هو‌ الجانب ‌و‌ الظل ‌و‌ الناحيه.
 ‌و‌ ‌فى‌ شرح جامع الاصول: كنف الانسان: ظله ‌و‌ حماه الذى ياوى اليه الخائف.
 ‌و‌ الكلام استعاره تمثيليه ‌او‌ تصريحيه. ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون الكنف ‌فى‌ عباره الدعاء بمعنى الجناح، فان جناح الطائر يسمى كنفا، ‌و‌ يويد هذا الاحتمال قوله: «فاضممنى»، كما قال تعالى: «و اضمم يدك الى جناحك»، اى: ادخلها تحت عضدك، فيكون المعنى: ادخلنى تحت جناح رحمتك، ‌و‌ ‌هو‌ ايضا تمثيل ‌او‌ استعاره تصريحيه. ‌و‌ تطولا: ‌اى‌ امتنانا ‌او‌ تفضلا.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: ‌هو‌ ذو طول على: ذو منه، ‌و‌ قد تطول على بذلك.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: تطول عليهم: امتن.
 ‌و‌ قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: تطول عليه بكذا اى: تفضل ‌و‌ ستره تعالى:
 
عباره عن عدم كشف مقابح العبد ‌و‌ سوء آثاره ‌من‌ الذنوب ‌و‌ المعاصى ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الصحيح عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: اذا تاب العبد توبه نصوحا احبه الله فستر عليه ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، فقلت: ‌و‌ كيف يستر عليه؟ قال: ينسى ملكيه ‌ما‌ كتبا عليه ‌من‌ الذنوب، ‌و‌ يوحى الى جوارحه اكتمى ذنوبه، ‌و‌ يوحى الى بقاع الارض اكتمى ‌ما‌ كان يعمل عليه ‌من‌ الذنوب، فيلقى الله حين يلقاه ‌و‌ ليس شى ء يشهد عليه بشى ء ‌من‌ الذنوب.
 قال بعض اصحابنا: المراد بكتمان الجوارح ‌و‌ بقاع الارض ذنوبه: اما نسيانهما كما ‌فى‌ الملكين، ‌او‌ عدم الشهاده بها، ‌و‌ الاول اظهر ‌و‌ يويده ‌ما‌ روى ‌من‌ طريق العامه: انه تعالى ينسى ايضا جوارحه ‌و‌ بقاع الارض ذنوبه.
 ‌و‌ المراد بعافيته سبحانه: دفعه عن جميع المكروهات ‌فى‌ الظاهر ‌و‌ الباطن ‌و‌ الدين ‌و‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، ‌و‌ هى مصدر جاءت على فاعله، ‌من‌ عافاه الله: اذا دفع عنه ‌ما‌ يكرهه، ‌و‌ مثلها الخاتمه بمعنى الختم، ‌و‌ الكاذبه بمعنى الكذب، ‌و‌ الكاشفه بمعنى الكشف.
 ‌و‌ تفضلا: اى: ‌من‌ غير استحقاق حقيقه التفضل اعطاء الفضل ‌و‌ ‌هو‌ الزياده، ثم استعمل ‌فى‌ الاحسان ‌من‌ غير جزاء، ‌و‌ قد بسطنا الكلام عليه فيما سبق.
 ‌و‌ نصب تطولا ‌و‌ تفضلا يحتمل المصدريه ‌و‌ الحاليه ‌و‌ المفعول لاجله، ‌و‌ قد مر نظير ذلك مرارا، ‌و‌ الله اعلم.
 
خالفته مخالفه ‌و‌ خلافا ‌و‌ تخالف القوم ‌و‌ اختلفوا: اذا ذهب كل واحد الى خلاف ‌ما‌ ذهب اليه الاخر، ‌و‌ الاسم الخلف بالضم ‌و‌ المراد بارادته تعالى هنا: رضاه.
 
و ازلت الشى ء عن موضعه ازاله: نحيته عنه.
 ‌و‌ محبته تعالى للعبد: ارادته لثوابه ‌و‌ تكميله ‌و‌ الاحسان اليه، ‌و‌ لعمله: ارادته لوقوعه منه على نهج الصواب.
 ‌و‌ «او»: لاحد الامرين، ‌و‌ العموم انما جاء ‌من‌ النفى الذى تضمنه معنى اتوب، كانه قيل: ‌لا‌ افعل كل واحد منهما، كما قيل ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌لا‌ تطع منهم آثما ‌او‌ كفورا» اى: ‌لا‌ تطع واحدا منهما.
 ‌و‌ ذكر الزمخشرى ل«او» ‌فى‌ هذا المقام وجهين آخرين يمكن توجيه عباره الدعاء بهما: احدهما: ‌ان‌ «او» ‌فى‌ اصلها لتساوى شيئين فصاعدا ‌فى‌ الشك، ثم اتسع فيها فاستعيرت للتساوى ‌فى‌ غير الشك، ‌و‌ ذلك كقولك: جالس الحسن ‌او‌ ابن سيرين، تريد انهما سيان ‌فى‌ استصواب ‌ان‌ يجالسا، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و ‌لا‌ تطع منهم آثما ‌او‌ كفورا» اى: الاثم ‌و‌ الكفور متساويان ‌فى‌ وجوب عصيانهما، انتهى.
 فكذلك قوله عليه السلام: «او ازال عن محبتك» معناه: اتوب ‌من‌ كل ‌ما‌ خالف ‌او‌ ازال، فهما متساويان ‌فى‌ وجوب التوبه منهما، فعن ايهما تبت فواجب، ‌و‌ ‌ان‌ تبت عنهما جميعا فكذلك.
 الثانى: ‌ان‌ «او» باقيه على حقيقتها، ‌و‌ المعيه انما جاءت ‌من‌ دلاله النص، ‌و‌ هى المسماه بمفهوم الموافقه، فان الناهى ‌فى‌ نحو: «و ‌لا‌ تطع منهم آثما ‌او‌ كفورا» عن طاعه احدهما، يكون عن طاعتهما جميعا انهى، كما اذا نهى ‌ان‌ يقول لابويه: اف،
 
علم انه منهى عن ضربهما على طريق الاولى، انتهى.
 ‌و‌ كذلك هنا، فان التائب عن احد الامرين المذكورين يكون عنهما جميعا اولى بالتوبه، فاحفظ ذلك فان نظير هذه العباره ‌فى‌ الصحيفه الشريفه كثير، ‌و‌ هذه الوجوه جاريه فيها، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «من خطرات قلبى» «من» بيانيه.
 ‌و‌ الخطرات: جمع خطره، ‌و‌ هى ‌ما‌ يخطر ‌و‌ يرد على القلب مما ليس للعبد فيه تعمل ‌و‌ يسمى الخاطر. قال بعض العلماء: ‌و‌ ‌هو‌ على اربعه اقسام:
 ربانى، ‌و‌ ‌هو‌ اول الخواطر، ‌و‌ ‌هو‌ ‌لا‌ يخطى ء ابدا، ‌و‌ قد يعرف بالقوه ‌و‌ التسلط ‌و‌ عدم الاندفاع بالدفع.
 ‌و‌ ملكى، ‌و‌ ‌هو‌ الباعث على مندوب ‌او‌ مفروض، ‌و‌ بالجمله: كل ‌ما‌ فيه صلاح، ‌و‌ يسمى الهاما.
 ‌و‌ نفسانى، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ فيه حظ للنفس، ‌و‌ يسمى هاجسا.
 ‌و‌ شيطانى، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يدعو الى مخالفه الحق، قال الله تعالى: «الشيطان يعدكم الفقر ‌و‌ يامركم بالفحشاء».
 ‌و‌ قال النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: لمه الشيطان تكذيب بالحق ‌و‌ ايعاد بالشر، ‌و‌ يسمى وسواسا.
 ‌و‌ يعبر بميزان الشرع فما فيه قربه فهو ‌من‌ الاولين، ‌و‌ ‌ما‌ فيه كراهه ‌او‌ مخالفه شرعا فهو ‌من‌ الاخرين، ‌و‌ يشتبه ‌فى‌ المباحات، فما ‌هو‌ اقرب الى مخالفه النفس فهو ‌من‌
 
الاولين، ‌و‌ ‌ما‌ ‌هو‌ اقرب الى الهوى ‌و‌ موافقه النفس فهو ‌من‌ الاخرين، ‌و‌ الصادق الصافى القلب الحاضر مع الحق سهل عليه الفرق بينهما بتيسير الله ‌و‌ توفيقه.
 قال بعض المحققين: خطرات القلب التى ‌لا‌ يشعر بتفصيلها اذا خالفت اوامر الله تعالى، قد تستتبع حركه بعض الجوارح الى فعل خارج عن حدود الله ايضا، ‌و‌ ذلك ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌لا‌ يوجب اثرا ‌فى‌ النفس ‌و‌ ‌لا‌ يواخذ به، الا انه ربما يقوى بقوه اسبابه ‌و‌ كثرتها، فيقطع العبد عن سلوك سبيل الله، كما ‌فى‌ ‌حق‌ المنهمكين ‌فى‌ لذات الدنيا المتجردين لها، فان احدهم ربما رام التشبه بمن يصلى الفرض فيصلى الصلاه الواحده مرتين ‌او‌ مرارا ‌و‌ ‌لا‌ يستثبت عدد ركعاتها ‌و‌ سجداتها، ‌و‌ التوبه ‌و‌ الاستغفار عن مثل ذلك يجذب العبد عن الاسباب الموجبه له.
 ‌و‌ لحظات العين: جمع لحظه ‌و‌ هى المره، ‌من‌ لحظه ‌و‌ لحظ اليه لحظا- ‌من‌ باب نفع- اى: رآه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ النظر بموخر العينين عن يمين ‌و‌ يسار.
 ‌و‌ المراد بها: ‌ما‌ كان خارجا عن حدود الشريعه كالنظر الى غير محرم، ‌و‌ كالاشاره باللحظ الى شخص ليعاب ‌او‌ ليضحك منه ‌او‌ ليظلم، ‌و‌ كل تلك عن خواطر شيطانيه مخالفه لرضا الله تعالى ‌و‌ محبته.
 ‌و‌ حكايات اللسان: جمع حكايه، ‌من‌ حكى عنه الحديث حكايه: ‌اى‌ نقله. ‌و‌ المراد بها: ‌ما‌ تجاوز ‌من‌ القول حدود الله، ‌و‌ خرج ‌به‌ الانسان عن مستقيم صراطه، فانه مما يخالف رضاه تعالى ‌و‌ يزيل عن محبته، فينبغى الاقلاع ‌و‌ التوبه عن مثل ذلك كله قبل تمكنه ‌من‌ النفس ‌و‌ تدنس جوهرها به.
 ‌و‌ توبه: مفعول مطلق مبين لنوع عامله.
 ‌و‌ تسلم: ‌اى‌ تخلص ‌من‌ الافاق.
 ‌و‌ الجارحه: واحده الجوارح، ‌و‌ هى الاعضاء التى يعمل بها.
 
و على حيالها بالكسر: ‌اى‌ بانفرادها.
 قال الفيومى ‌فى‌ المصباح: فعلت كل شى ء على حياله اى: بانفراده.
 ‌و‌ ‌من‌ تبعاتك: ظرف لغو متعلق ب«تسلم». ‌و‌ تبعاته تعالى: عباره عن الاعمال السيئه التى تكسب الاثام ‌و‌ توجب معاقبته تعالى عليها.
 قال ابن سيده ‌فى‌ محكم اللغه: التبعه ‌و‌ التباعه: ‌ما‌ فيه اثم يتبع به.
 ‌و‌ الامن: عدم توقع مكروه ‌فى‌ الزمان الاتى.
 ‌و‌ ‌فى‌ المصباح: امن زيد الاسد امنا ‌و‌ امن منه: مثل سلم وزنا ‌و‌ معنى، ‌و‌ الاصل ‌ان‌ يستعمل ‌فى‌ سكون القلب.
 ‌و‌ المعتدون: المتجاوزون لحدود الله سبحانه.
 ‌و‌ اليم سطواتك: ‌اى‌ مولمها.
 ‌و‌ قيل: ‌ان‌ فعيلا بمعنى مفعل غير ثابت، ‌و‌ لذلك قال الزمخشرى: يقال: الم فهو اليم كوجع فهو وجيع، ‌و‌ وصف العذاب ‌به‌ نحو قوله:
 تحيه بينهم ضرب وجيع
 ‌و‌ على طريقه جد جده، ‌و‌ الالم ‌فى‌ الحقيقه للمولم ‌و‌ الجد للجاد، انتهى.
 ‌و‌ السطوات: جمع سطوه، ‌من‌ سطا عليه وسطا ‌به‌ يسطو سطوا ‌و‌ سطوه: ‌اى‌ صال عليه ‌و‌ قهره ‌و‌ اذله، ‌و‌ ‌هو‌ البطش ‌و‌ الاخذ بعنف ‌و‌ شده، ‌و‌ الله اعلم.
 
الفاء: للترتيب ‌فى‌ الذكر.
 ‌و‌ وحدتى: ‌اى‌ انفرادى، يقال: وحد بالضم ‌و‌ حاده ‌و‌ وحده اى: انفرد بنفسه فهو وحيد.
 
و بين يديك: ‌اى‌ تجاهك، ‌و‌ الكلام تمثيل كما مر مرارا.
 ‌و‌ وجب القلب وجبا ‌و‌ وجيبا: رجف ‌و‌ خفق.
 ‌و‌ الاضطراب: التحرك، ‌و‌ اصله اضطراب الا ‌ان‌ تاء الافتعال اذا تلت الضاد قلبت طاء.
 قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: ‌و‌ ذلك ‌ان‌ التاء لان مخرجها، فلم توافق الضاد لشده مخرجها، فابدلت طاء لان الطاء شديده المخرج فاتفقتا، ‌و‌ كان ذلك اعذب ‌فى‌ اللفظ ‌و‌ اخف على اللسان، ‌و‌ العرب تميل عن الذى يلزم كلامها الجفاء الى ‌ما‌ يلين حواشيه ‌و‌ يرقها ‌و‌ قد نزه الله لسانها عما يحفيه انتهى.
 ‌و‌ الاركان: جمع ركن، ‌و‌ ‌هو‌ الجانب القوى ‌من‌ كل شى ء، ‌و‌ المراد بها هنا: الاعضاء القويه لاستناد البدن اليها.
 قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: ‌فى‌ حديث الحساب: ‌و‌ يقال لاركانه انطقى، اى: جوارحه، ‌و‌ اركان كل شى ء جوانبه التى يستند اليها ‌و‌ يقوم بها.
 ‌و‌ الخشيه ‌و‌ الهيبه ‌فى‌ اللغه: بمعنى الخوف. ‌و‌ فرق بعض العلماء بينهما فقال: الخوف: توقع مكروه عن اماره، ‌و‌ الخشيه: خوف يشو ‌به‌ تعظيم المخشى مع المعرفه به، ‌و‌ لذلك قال تعالى: «من خشى الرحمن بالغيب»، ‌و‌ قال: «انما يخشى الله ‌من‌ عباده العلماء»، ‌و‌ الهيبه: خوف داع للخضوع مع استشعار تعظيم، ‌و‌ لذلك يستعمل ‌فى‌ كل محتشم.
 
قال الشاعر:
 اهابك اجلالا ‌و‌ ‌ما‌ بك قدره
 على ‌و‌ لكن مل ء عين حبيبها
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله: «فقد»: للسببيه، بمعنى ‌ان‌ ‌ما‌ بعدها سبب لما قبلها، كقوله تعالى: «فاخرج منها فانك رجيم».
 ‌و‌ المعنى: ارحم وحدتى الى آخره بسبب اقامه الذنوب لى مقام الخزى بفنائك.
 ‌و‌ الخزى: الذل ‌و‌ الهوان المقارن للندامه ‌و‌ الفضيحه، يقال: خزى خزيا- ‌من‌ باب علم-: ذل ‌و‌ هان، ‌و‌ اخزاه الله: اذله ‌و‌ اهانه.
 ‌و‌ الفناء بالكسر ‌و‌ المد: ‌ما‌ اتسع امام البيت، ‌و‌ قيل: ‌ما‌ امتد ‌من‌ جوانبه.
 ‌و‌ الكلام استعاره تمثيليه، مثل حاله ‌و‌ قد استشعر ذنوبه حال مراقبه الله تعالى، بحال مذنب اقيم مهينا بفناء ملك جبار يخشى نقمته ‌و‌ يخاف سطوته.
 ‌و‌ قد ارشد عليه السلام بهذه الفقرات الى ‌ان‌ ‌من‌ الواجب على المذنب دوام الانكسار ‌و‌ ملازمه التضرع ‌و‌ الاستغفار، ‌و‌ استشعار الوجل الى الاجل. ‌و‌ بحق ‌ما‌ قيل: ‌ان‌ التوبه ذوبان الحشاء لما كان عن الفحشاء.
 ‌و‌ قال بعضهم: التوبه ‌ان‌ تكون لله وجها بلاقفاء حتى تفنى، كالشمع الذى يضى ء ‌من‌ جميع جهاته ‌و‌ يحترق عن آخره.
 ‌و‌ قال آخر: المذنب التائب محتشم مستحى قد غلب الخوف على قلبه، فياتى باب مولاه خزيان منكسرا.
 ‌و‌ سكت سكوتا- ‌من‌ باب قعد-: صمت.
 ‌و‌ شفعت ‌فى‌ الامر شفعا ‌و‌ شفاعه- ‌من‌ باب منع-: طالبت بوسيله ‌او‌ ذمام، قاله الشهاب الفيومى ‌فى‌ المصباح المنير.
 
و خفى على بعضهم هذا المعنى، فقال: كون الانسان شفيع نفسه ‌من‌ باب التجريد، نحو: رايت منه اسدا، ‌او‌ يكون شفعت بمعنى طلبت شفيعا ‌لا‌ صرت شفيعا ليكون معنى فلست باهل الشفاعه: لست اهلا ‌ان‌ يشفع ‌فى‌ احد، ‌لا‌ لست اهلا لان تقبل شفاعتى، انتهى.
 ‌و‌ ‌هو‌ ضيق عطن، ‌و‌ الله المستعان.
 
شفعت اليه ‌فى‌ فلان فشفعنى فيه تشفيعا: ‌اى‌ مضى شفاعتى فيه ‌و‌ قبلها. ‌و‌ لفظ «شفع» ‌فى‌ الدعاء استعاره تبعيه، قدر تشبيه اقتضاء كرمه تعالى للتجاوز عن الخطايا بشفاعه الشافع ‌فى‌ استدعاء التجاوز ‌و‌ العفو، ثم ادخل اقتضاء الكرم لذلك ‌فى‌ جنس الشفاعه بالتاويل المذكور، فاستعار له لفظ الشفاعه، ثم اشتق منه الفعل، فتكون الاستعاره ‌فى‌ المصدر اصليه ‌و‌ ‌فى‌ الفعل تبعيه.
 ‌و‌ مثل هذه الاستعاره قوله البحترى:
 اعز لنا ‌من‌ جوده ‌و‌ سماحه
 ظهير علينا ‌لا‌ يخيب ‌و‌ شافع
 ‌و‌ عاد علينا فلان بمعروفه يعود عودا- ‌من‌ باب قال-: تفضل ‌و‌ تعطف، ‌و‌ الاسم العائده، تقول: ‌ما‌ اكثر عائده فلان على قومه، ‌و‌ انه لكثير العوائد عليهم، اى: كثير الافضال ‌و‌ التعطف.
 ‌و‌ الجزاء: المكافاه على الشى ء جزاه ‌به‌ ‌و‌ عليه جزاء. ‌و‌ ‌هو‌ يستعمل ‌فى‌ الخير ‌و‌ الشر، يقال: جزاه الله خيرا ‌و‌ جزاه شرا، ‌و‌ لذلك بينه عليه السلام بقوله: ‌من‌
 
عقوبتك». ساله عليه السلام اولا معاملته تعالى له بالكرم ‌و‌ الفضل، ثم سال عدم معاملته بالعدل، ‌و‌ لذلك قال بعضهم: ‌من‌ شهد ‌من‌ نفسه زله واحده فلا يعتمدن على شى ء ‌من‌ حسناته ‌و‌ ‌ان‌ كثرت وصفت، لان الزله مستلزمه للعقوبه بغير شرط، ‌و‌ العفو مقرون بشرط التوبه، ‌و‌ التوبه مقرونه بالقبول، ‌و‌ القبول الى غيره ‌ان‌ شاء قبل ‌و‌ ‌ان‌ شاء رد، فله الفضل اذا قبل مع عظيم معصيته ‌و‌ كفران ‌حق‌ نعمته، ‌و‌ له العدل ‌ان‌ عاقب بعد الاستحقاق ‌و‌ تقدمه الاعذار ‌و‌ الانذار.
 ‌و‌ بسط الله الرزق بسطا- ‌من‌ باب قتل- وسعه ‌و‌ كثره. ‌و‌ الطول بالفتح: الفضل ‌و‌ الغنى ‌و‌ السعه.
 ‌و‌ حللت الشى ء: اذا غطيته. ‌و‌ الستر بالكسر: ‌ما‌ يستتر به. ‌و‌ ‌هو‌ تمثيل لاخفائه تعالى مساوى ء عباده. ‌و‌ ‌فى‌ بعض الاخبار: اذا اعطى العبد صحيفه اعماله يوم القيامه يجد تحت كل سيئه مكتوبه: تاب باهرا بنوره ظلمه السيئه، فربما اتى العبد على عظيمه كان اقترفها يشق عليه النظر اليها، فتدركه رحمه ربه فتستر عليه تلك العظيمه، ‌و‌ يقال له: جاوزها، لانه كان قد دعاه ايام الحياه ‌فى‌ الدنيا: ‌يا‌ عظيم العفو ‌يا‌ حسن التجاوز، فاذا انتهى الى آخرها غفر له ‌ما‌ فيها ‌و‌ ستر عليه، فيصير جميع ‌ما‌ فيها بياضا ‌و‌ نورا، لان حسنه التوبه قد علته ‌و‌ اذهبته، فينظر الخلق الى صحيفه حسناته، فيقولون: طوبى لهذا العبد لم يذنب قط ذنبا، فعند ذلك يقول: «هاوم اقرء ‌و‌ اكتابيه انى ظننت انى ملاق حسابيه فهو ‌فى‌ عيشه راضيه ‌فى‌ جنه عاليه».
 قوله عليه السلام: «و افعل ‌بى‌ فعل عزيز» الى آخره اصله افعل ‌بى‌ فعلا مثل فعل عزيز، فحذف الموصوف، ثم حذف المضاف ‌من‌ الصفه، ‌و‌ اناب المضاف اليه مناب الموصوف، على ‌حد‌ قولهم ‌فى‌ ضربته ضرب الامير.
 
و العزيز فعيل ‌من‌ العزه، ‌و‌ هى الرفعه ‌و‌ الامتناع ‌و‌ الشده ‌و‌ القوه ‌و‌ الغلبه.
 ‌و‌ قال الراغب: العزيز: الذى يابى تحمل المذله.
 ‌و‌ اشتقاقه ‌من‌ العزاز ‌و‌ ‌هو‌ الارض الصلبه الشديده، كانه حصل ‌فى‌ عزاز ‌لا‌ يلحقه فيه ذل ‌و‌ ‌لا‌ غضاضه.
 ‌و‌ قيل: العزيز: الكريم، يقال: عززت عليه اى: كرمت. ‌و‌ فرق بعضهم بين العزيز ‌و‌ الكريم، فقال: العزيز يابى ‌ان‌ يقضى عليه، ‌و‌ الكريم يابى ‌ان‌ يقضى له. ‌و‌ تضرع له: ذل ‌و‌ خضع، ‌و‌ عداه ب«الى» لتضمينه معنى الالتجاء. ‌و‌ الغنى: ذوالغنا، ‌و‌ ‌هو‌ عدم الحاجه.
 ‌و‌ تعرض له: تصدى، ‌و‌ منه: تعرضوا لنفحات الله.
 ‌و‌ ‌فى‌ تعرض ‌و‌ تضرع جناس التصريف، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ كان احد ركنيه مخالفا لترتيب الاخر ببعض حروفه.
 ‌و‌ نعشه نعشا- ‌من‌ باب منع- جبره بعد فقر.
 ‌و‌ ‌فى‌ المحكم: نعشه الله ‌و‌ انعشه: ‌سد‌ فقره.
 ‌و‌ «او» ‌من‌ قوله: «اوغنى»: مستعاره للتساوى ‌فى‌ غير الشك، كانه قال: افعل ‌بى‌ فعل هذا ‌او‌ فعل ذاك فهما متساويان ‌فى‌ الحسن.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ العزيز ‌و‌ الغنى ‌من‌ قوله عليه السلام: «فعل عزيز» «او غنى» كنايه عن الله سبحانه، لاختصاص العزه ‌و‌ الغنى على الاطلاق ‌به‌ تعالى، كانه قال: افعل ‌بى‌ فعلك اذا تضرع اليك عبد ذليل فرحمته، ‌او‌ فعلك اذا تعرض لك عبد فقير فنعشته، فحذف الضمير ‌و‌ وضع الظاهر موضعه ليجرى عليه الصفتين المذكورتين،
 
 
و يتمكن ‌من‌ المقابله بين العزيز ‌و‌ الذليل ‌و‌ الغنى ‌و‌ الفقير، فان شئت جعلت ذلك ‌من‌ باب الكنايه المطلقه، فيكون مثل قولك: جاء المضياف ‌و‌ انت تريد زيدا لشهرته بذلك، ‌و‌ لكونه كاللازم له تركت ذكر زيد ‌و‌ ذكرت لازمه لينتقل الذهن منه اليه، كما ‌هو‌ شان الكنايه، ‌و‌ ‌ان‌ شئت جعلته ‌من‌ باب التجريد على سبيل الكنايه اما بتقدير ‌من‌ التجريديه ‌و‌ التقدير: افعل ‌بى‌ فعل عزيز منك ‌او‌ غنى منك، ‌او‌ ‌من‌ قسم ‌ما‌ ‌دل‌ عليه السياق كقوله.
 فلئن بقيت لارحلن بغزوه
 تحوى الغنائم ‌او‌ يموت كريم
 فان السياق ‌دل‌ على ‌ان‌ المراد بالكريم نفسه، ‌و‌ لو قدرت «من» هنا صح ‌و‌ نظير ذلك ‌من‌ التنزيل قوله تعالى: «و ‌لا‌ ينبئك مثل خبير»، ‌و‌ قوله تعالى: «فاسال ‌به‌ خبيرا»، فان المراد بالخبير فيهما: ‌هو‌ الله سبحانه، ‌و‌ مثله قوله تعالى: «فاخذناهم اخذ عزيز مقتدر»، اذ ‌لا‌ عزيز مقتدر سواه ‌جل‌ شانه.
 ‌و‌ ‌من‌ توهم ‌ان‌ المراد بالعزيز ‌و‌ الغنى ‌فى‌ عباره الدعاء غيره تعالى، ‌و‌ انه سال عليه السلام ‌ان‌ يكون فعله ‌به‌ مثل فعلهما، فقد اخطا ‌من‌ كل وجه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
 
خفرت الرجل اخفره خفرا- ‌من‌ باب ضرب- ‌و‌ ‌فى‌ لغه ‌من‌ باب قتل: حميته ‌و‌ اجرته ‌من‌ طالب فانا خفير، ‌و‌ الاسم الخفاره بضم الخاء ‌و‌ كسرها.
 ‌و‌ الظرف ‌من‌ قوله: «لى» مستقره، ‌و‌ ‌هو‌ خبر اسم «لا». ‌و‌ منهم ‌من‌ يقول: عامله المحذوف ‌هو‌ الخبر، ‌و‌ التقدير: ‌لا‌ خفير كائن ‌او‌ حاصل لى. لكن قال التفتازانى ‌فى‌ شرح الكشاف: الظرف اذا كان عامله معنى الحصول ‌و‌ الاستقرار- ‌و‌ يسمى
 
المستقر- كان خبرا ‌و‌ ‌لا‌ يقال: ‌ان‌ الخبر محذوف ‌و‌ ‌لا‌ يحتاج الى قرينه
 ‌و‌ قوله: «منك»: متعلق بمحذوف، ‌و‌ التقدير: ‌و‌ ‌لا‌ خفير لى خفير منك، فحذف عامله لذكر مثله، ‌و‌ حسنه رفع التكرار ‌و‌ ‌لا‌ تتوهم انه متعلق بخفير المذكور، لانه لو كان متعلقا ‌به‌ وجب تنوينه، ‌و‌ الروايات انما جاءت بغير تنوين.
 ‌و‌ اما قول بعض الطلبه: «خفير» اسم «لا» بنى معها على الفتح، ‌و‌ «لى» ‌و‌ «منك» متعلقان به، فهو جهل صريح.
 ‌و‌ اللام ‌من‌ قوله: «فليخفرنى»: طلبيه عامله للجزم، ‌و‌ اسكانها بعد الواو ‌و‌ الفاء اكثر ‌من‌ تحريكها، نحو: «و ليومنوا بى»، «فليستجيبوا لى»، ‌و‌ كذلك وردت الروايه ‌فى‌ الدعاء.
 ‌و‌ عزه تعالى: عباره عن غلبته ‌و‌ قهره، فيقال: عزه يعزه عزا: اذا غلبه ‌و‌ قهره، ‌و‌ منه: «و عزنى ‌فى‌ الخطاب» اى: غلبنى، ‌و‌ ‌فى‌ المثل: ‌من‌ عزبز، اى: ‌من‌ غلب سلب.
 ‌و‌ لما كانت الخفاره ‌لا‌ يقوم بها الا الغالب القاهر سال عليه السلام ‌ان‌ يخفره عزه تعالى.
 ‌و‌ الشفيع: الشافع، ‌و‌ شفعت الى فلان لفلان: سالته ‌ان‌ يتجاوز عن ذنبه.
 ‌و‌ الفضل: الاحسان.
 ‌و‌ وجل ‌و‌ جلا:- ‌من‌ باب تعب- خاف، ‌و‌ يتعدى بالهمزه فيقال: اوجله.
 ‌و‌ آمنه: اذهب خوفه.
 ‌و‌ عفى الله عنه عفوا: محاذنوبه.
 
و مدار هذا الفصل ‌من‌ الدعاء على الفرار ‌من‌ الله الى الله ‌و‌ الاقبال عليه، ‌و‌ توجيه وجه النفس الى كعبه وجوب وجوده تعالى، ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا.
 
الفاء: فصيحه، اى: اذا كان حالى على ‌ما‌ وصفت ‌من‌ فقدان الخفير ‌و‌ الشفيع ‌و‌ ايجال الخطايا، فما كل ‌ما‌ نطقت ‌به‌ عن جهل منى الى آخره. ‌و‌ ذلك ‌ان‌ العبد المراقب لربه الخائف ‌من‌ ذنبه اذا علم اطلاع الله تعالى عليه، ‌و‌ تحقق ‌ان‌ ‌لا‌ منجى منه الا اليه، امتلا قلبه هيبه، ‌و‌ انقبضت نفسه حياء، ‌و‌ ارتعدت فرائصه رهبه، فاقتضى ذلك ‌ان‌ ‌لا‌ يطاوعه لسانه بلفظ ‌و‌ ‌لا‌ جنانه بمعنى ‌و‌ ‌لا‌ جوارحه بحركه، فان فعل شيئا ‌من‌ ذلك فعله تكلفا ‌و‌ تعاطاه تعسفا، ‌و‌ لذلك قال بعضهم: ينبغى لمن ذكر ذنبا ‌ان‌ ييبس لسانه على حنكه ‌من‌ خشيه الله تعالى.
 ‌و‌ ‌فى‌ دعائهم عليهم السلام: اللهم ‌ان‌ كثره الذنوب تكف ايدينا عن انبساطها اليك بالسوال، ‌و‌ المداومه على المعاصى تمنعنا ‌من‌ التضرع ‌و‌ الابتهال.
 فكانه عليه السلام خشى ‌ان‌ ينكر عليه اتساعه ‌فى‌ الكلام بالتوبه، ‌و‌ استرساله ‌فى‌ النطق بطلب المغفره، فاخذ ‌فى‌ الاعتذار عن ذلك ‌و‌ بيان الباعث له عليه.
 ‌و‌ اما ‌ما‌ قيل ‌من‌ ‌ان‌ المعنى: ‌ان‌ نطقى بما نطقت ‌به‌ لم يكن عن جهل بقبح عملى،
 
فذكرته معتقدا حسنه لفرط جهلى، ‌و‌ ‌لا‌ عن نسيان لما سبق ‌من‌ ذميم فعلى، فذكرت ‌ما‌ ذكرت لاعتقادى انه حسن، فهو بمعزل عن المقام، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «فما كل ‌ما‌ نطقت به» اى: كل شى ء نطقت ‌به‌ ‌من‌ اظهار الندم ‌و‌ التوبه ‌و‌ الانابه الى غير ذلك مما تقدم كل ذلك بقرينه السياق، فتكون «ما » نكره موصوفه بالجمله بعدها، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون موصوله، لان المراد بها الكلام ‌و‌ ‌هو‌ كالنكره ‌فى‌ المعنى، فتفيد عموم الجزئيات ‌لا‌ الاجزاء.
 فان قلت: قد نص البيانيون على ‌ان‌ «كلا» حيث وقعت ‌فى‌ حيز النفى، كان النفى موجها الى الشمول خاصه، ‌و‌ افاد بمفهومه الثبوت لبعض الافراد، كقوله:
 ‌ما‌ كل ‌ما‌ يتمنى المرء يدركه.
 ‌و‌ على هذا فتشكل عباره الدعاء، لاقتضائه ‌ان‌ بعض ‌ما‌ نطق ‌به‌ صادر عن جهل ‌و‌ نسيان، حاشاه ‌من‌ ذلك.
 قلت: قد صرح بعض المحققين ‌ان‌ هذا الحكم اكثرى لاكلى فلا اشكال، ‌و‌ عليه قوله تعالى: «ان الله ‌لا‌ يحب كل مختال فخور».
 ‌و‌ نطق نطقا- ‌من‌ باب ضرب-: تكلم بصوت ‌و‌ حروف تعرف بها المعانى، ‌و‌ الاسم النطق بالضم.
 ‌و‌ الظرف ‌من‌ قوله: «عن جهل» مستقر، ‌و‌ ‌هو‌ خبر كل، اى: صادر عن جهل كائن منى ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بسوء اثرى» زائده قياسا على الفعل.
 قال الرضى تزاد الباء قياسا ‌فى‌ مفعول علمت ‌و‌ عرفت ‌و‌ جهلت ‌و‌ سمعت ‌و‌ تيقنت، انتهى.
 
و على هذا فلا متعلق لها، لان الحرف الزائد ‌لا‌ يتعلق بشى ء. ‌و‌ قول بعضهم: انها متعلقه ب«جهل» جهل.
 ‌و‌ سوء اثرى: ‌اى‌ قبحه ورداءته.
 ‌و‌ الاثر: العمل، لانه يوثر عن صاحبه اى: ينقل ‌و‌ يروى، ‌او‌ لان صاحبه يتسم به، اخذا ‌من‌ الاثر بمعنى العلامه ‌و‌ السمه، ‌او‌ لان اثره يبقى ‌فى‌ صحائف الاعمال حسنا كان ‌او‌ قبيحا، ‌و‌ الاثر بقيه الشى ء.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ العمل الذى يبقى سنه بعد عامله خيرا كان ‌او‌ شرا. ‌و‌ قد تقدم بيان ذلك ‌فى‌ الروضه السادسه عشره عند قوله عليه السلام: «بل انا ‌يا‌ الهى اكثر ذنوبا ‌و‌ اقبح آثارا».
 ‌و‌ النسيان: الغفله عن معلوم ‌فى‌ حال اليقظه.
 ‌و‌ الذميم: فعيل بمعنى مفعول، ‌من‌ ذممته اذمه ذما: خلاف مدحته فهو ذميم، ‌و‌ مذوم: ‌اى‌ غير محمود.
 ‌و‌ لكن: حرف ابتداء لمجرد افاده الاستدراك.
 ‌و‌ اسناد السمع الى السماء ‌و‌ الارض، ‌و‌ عطف ‌من‌ فيها ‌و‌ ‌من‌ عليها عليهما، مما يدل على ‌ان‌ السمع متصور منهما حقيقه، اذ لو حمل اسناده اليهما على المجاز، ‌و‌ الى المعطوف على كل منهما على الحقيقه، لزم استعمال اللفظ ‌فى‌ المعنى المجازى ‌و‌ الحقيقى معا، ‌و‌ ‌هو‌ مما ‌لا‌ مساغ له عند المحققين. ‌و‌ قد ذهب كثير ‌من‌ ارباب العقل ‌و‌ الكشف ‌ان‌ لكل موجود حياه ‌و‌ ادراكا يليق به، ‌و‌ اجمع الطبيعيون على ‌ان‌ الاجرام العلويه ذوات نفوس مجرده ناطقه عاقله بذواتها، ذوات ادراكات كليه ‌و‌ جزئيه مطيعه لمبدعها ‌و‌ خالقها، ‌و‌ اكثرهم على ‌ان‌ الغايه ‌من‌ حركاتها ‌هو‌ حصول التشبيه بما فوقها الى ‌ان‌ ينتهى التشبيه
 
الى الله ‌جل‌ شانه.
 قالوا: ‌و‌ القوى الارضيه كلها كالنفوس الفلكيه ‌فى‌ ‌ان‌ الغايه ‌فى‌ افاعليها ‌هو‌ التشبيه بما فوقها الى ‌ان‌ تنتهى سلسله التشبهات الى الغايه القصوى «و ‌ان‌ الى ربك المنتهى». ‌و‌ ‌من‌ هنا قال بعض ارباب القلوب: لقد اتصل بالسماء ‌و‌ الارض ‌من‌ لذيذ الخطاب ‌فى‌ قوله ‌عز‌ شانه: «ائتيا طوعا ‌او‌ كرها» ‌من‌ مشاهده جمال القهر ‌ما‌ طربت له السماء طربا رقصها، فهى بعد ذلك ‌فى‌ ذلك الرقص ‌و‌ النشاط، ‌و‌ غشى ‌به‌ على الارض لقوه الوارد، فهى ملقاه مطروحه على البساط، فسريان لذه القهر ‌هو‌ الذى عبدهما، ‌و‌ مشاهده لطف الجلال هى التى سلبت افئدتهما، حتى قالا قول الوامق ذى الحنين: «اتينا طائعين».
 على انه قد ذهب جمع ‌من‌ المفسرين ‌فى‌ هذه الايه، ‌و‌ هى قوله تعالى: «ثم استوى الى السماء ‌و‌ هى دخان فقال لها ‌و‌ للارض ائتيا طوعا ‌او‌ كرها قالتا اتينا طائعين» الى اجراء الكلام على ظاهره، فانه ليس بمستبعد ‌من‌ الله ابداع الحياه ‌و‌ الفهم ‌فى‌ ‌اى‌ جسم فرض، ‌و‌ لهذا قال: «طائعين» على لفظ جمع المذكر السالم المختص بالعقلاء ‌و‌ لم يقل: «طائعات»، لان جمع المونث السالم ‌لا‌ يختص بالعقلاء، ‌و‌ وجه الجمع ‌ان‌ اقل الجمع اثنان، ‌او‌ لان كل واحد منهما سبع، ‌و‌ ‌فى‌ ظاهر كثير ‌من‌ الايات ‌و‌ الروايات ‌ما‌ يشعر بهذا المعنى.
 قال شيخنا البهائى قدس سره: ‌و‌ ‌لا‌ استبعاد ‌فى‌ ذلك نظرا الى قدره الله تعالى، الا انه لم يثبت بدليل عقلى قاطع يشفى العليل، ‌او‌ نقلى ساطع ‌لا‌ يقبل التاويل انتهى.
 
و انما قال عليه السلام: «و ارضك ‌و‌ ‌من‌ عليها» ‌و‌ لم يقل: ‌و‌ ‌من‌ فيها، ليخرج ‌من‌ ‌لا‌ يتصور منه السماع ‌و‌ ‌هم‌ الاموات، فانهم ‌فى‌ الارض ‌و‌ ليسوا عليها، قال تعالى: «و ‌ما‌ انت بمسمع ‌من‌ ‌فى‌ القبور». ‌و‌ المراد بسماعهم لذلك: سماعهم له حال اتصاله بهم، فلا يشكل باستحالته حال الدعا.
 ‌و‌ «ما» ‌من‌ قوله: «ما اظهرت لك ‌من‌ الندم»: موصوله، ‌و‌ هى ‌فى‌ محل نصب مفعولا ‌به‌ لتسمع، ‌و‌ من: بيانيه.
 ‌و‌ لجا اليه لجاء ولجا مهموزين- ‌من‌ باب نفع ‌و‌ تعب-: لاذبه ‌و‌ اعتصم، اى: ‌و‌ ‌ما‌ لجات اليك فيه اى: بسببه، كقوله عليه السلام: ‌ان‌ امراه دخلت النار ‌فى‌ هره حبستها، اى: بسببها.
 ‌و‌ ‌من‌ التوبه بيان لها، ‌و‌ قول بعضهم: «من» فيه سببيه ‌و‌ المعنى: ‌ما‌ لجات اليك فيه ‌من‌ الذنب بسبب التوبه، تعسف ظاهر.
 
و الفاء ‌من‌ قوله: «فلعل»: سببيه.
 ‌و‌ لعل: للترجى ‌و‌ تختص بالممكن.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «برحمتك»: «للملابسه متعلقه بمحذوف حالا ‌من‌ بعضهم، ‌و‌ العامل ‌فى‌ الحال حرف الترجى لتضمنه معنى الفعل، ‌و‌ التقدير: لعل بعضهم حال كونه ملتبسا برحمتك يرحمنى. ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون للسببيه متعلقه ب«يرحمنى» اى: يرحمنى بسبب رحمتك لاجل سوء موقفى، اذ كان ‌هو‌ الراحم الحقيقى سبحانه ‌و‌ ‌من‌ عداه كالواسطه.
 ‌و‌ ادركه ادراكا: لحقه.
 ‌و‌ الرقه: مصدر رق له قلبى اى: حن عليه ‌و‌ اشفق، ‌و‌ هى عباره عن تاثر القلب
 
و انفعاله عن حال الغير ‌او‌ كيفيه تتبع التاثر.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الرقه الرحمه.
 ‌و‌ ‌فى‌ ناظر عين الغريبين: الرحمه ‌فى‌ الانسان: رقه القلب ثم عطفه، ‌و‌ رحمه الله: عطفه ‌و‌ احسانه، انتهى.
 ‌و‌ اراد بالعطف البر ‌و‌ الصله، ‌و‌ على هذا فالرحمه ‌فى‌ الانسان اخص ‌من‌ الرقه.
 ‌و‌ قال بعض المترجمين: ينبغى ‌ان‌ يراد بالرحمه ‌فى‌ الفقره الاولى: الانعام، لمشاكله رحمه الله تعالى المراد بها الانعام، ‌و‌ ‌ان‌ كانت هى ‌فى‌ الانسان بمعنى الرقه، ليكون قوله: «او تدركه الرقه» تاسيسا ‌لا‌ تاكيدا، انتهى بالمعنى.
 ‌و‌ فيه: ‌ان‌ الرحمه انما اريد بها الانعام ‌فى‌ حقه تعالى لاستحاله معناها الحقيقى عليه، لكونه ‌من‌ الكيفيات المزاجيه التابعه للتاثر ‌و‌ الانفعال، فاريد ‌به‌ غايته التى ‌لا‌ تستحيل عليه سبحانه ‌و‌ هى الاحسان ‌و‌ الانعام، ‌و‌ هذا معنى قولهم: ‌ان‌ اسماءه تعالى- اى: الالفاظ الداله على صفات ‌لا‌ يمكن اتصافه تعالى بها- انما توخذ باعتبار الغايات دون المبادى، فاطلاق الرحمه مرادا بها الاحسان ‌فى‌ صفته ‌جل‌ شانه اما على طريقه المجاز المرسل بذكر لفظ السبب ‌و‌ اراده المسبب، ‌و‌ اما على طريقه التمثيل بان شبه حاله تعالى بالقياس الى المرحومين ‌فى‌ ايصال الخير اليهم، بحال الملك اذا عطف على رعيته ورق لهم فاصابهم بمعروفه ‌و‌ انعامه، فاستعير الكلام الموضوع للهيئه الثانيه للاولى. ‌و‌ كلا الطريقتين غير متصورتين ‌فى‌ اطلاق الرحمه مرادا بها الانعام ‌فى‌ الانسان، الا اذا قامت قرينه قاطعه بان المراد بها ذلك، ‌و‌ ‌لا‌ قرينه هنا اصلا.
 فان قلت: قد اشار الى القرينه بقوله: لمشاكله رحمه الله تعالى.
 قلت: المشاكله ‌فى‌ عرفهم هى ‌ان‌ يذكر الشى ء بلفظ غيره لوقوعه ‌فى‌ صحبه
 
مرادا ‌به‌ معناه الاصلى، كالجزاء المذكور بلفظ السيئه لوقوعه ‌فى‌ صحبته ‌من‌ قوله تعالى: «و جزاء سيئه سيئه مثلها»، فالمراد بالسيئه الثانيه: الجزاء ‌لا‌ السيئه حقيقه، لكونه حقا فلا يكون سيئه، لكن لوقوعه ‌فى‌ صحبه الاولى عبر عنه بالسيئه، ‌و‌ ‌لا‌ مشاكله بهذا المعنى ‌فى‌ عباره الدعاء. ‌و‌ كانه فهم ‌ان‌ معنى المشاكله التعبير عن الشى ء بلفظ غيره مرادا ‌به‌ معنى ذلك الغير لوقوعه ‌فى‌ صحبته، ‌و‌ هذا شى ء لم يقل ‌به‌ احد قطعا، ‌و‌ الله الملهم للصواب.
 فان قلت: فهل يكون قوله عليه السلام: «او تدركه الرقه على» تاكيدا لما قبله ‌او‌ تاسيسا؟
 قلت: بل ‌هو‌ تاسيس كما تدل عليه «او» التى لاحد الامرين، ‌و‌ الرحمه ‌و‌ الرقه ‌و‌ ‌ان‌ كانا مترادفين على ‌ما‌ ‌فى‌ القاموس، الا ‌ان‌ تعليل كل منهما بعله اوجب تغايرهما باعتبار باعثهما، فانه عليه السلام علل الرحمه بقوله: «لسوء موقفى »، ‌و‌ ادراك الرقه بقوله:
 «لسوء حالى»، فكانت احداهما غير الاخرى، لان سوء الموقف عباره عن وقوفه موقف الخوف ‌و‌ الوجل ‌من‌ الانتقام، ‌و‌ سوء الحال عباره عن اجتراحه الماثم التى اوجبت له سوء الموقف، ‌و‌ الله اعلم بمقاصد اوليائه.
 قوله عليه السلام: «فينالنى منه بدعوه هى اسمع لديك ‌من‌ دعائى» الفاء: سببيه، ‌و‌ اتفقت نسخ الصحيفه الشريفه على نصب الفعل بعدها، ‌و‌ نظيره قوله تعالى ‌فى‌ قراءه حفص: «لعلى ابلغ الاسباب اسباب السموات فاطلع» بالنصب.
 ‌و‌ اختلف النحويون ‌فى‌ وجهه، فقال الكوفيون: ‌هو‌ ب«ان» مضمره بعد الفاء وجوبا جوابا للترجى.
 
و منع ذلك البصريون قاطبه، ‌و‌ قالوا: الترجى ‌فى‌ حكم الواجب فلا ينصب الفعل بعد الفاء جوابا له، ‌و‌ تاولوا القراءه المذكوره بان النصب بعدها ‌من‌ العطف على التوهم، لان خبر «لعل» كثر ‌فى‌ لسان العرب دخول «ان» عليه.
 ‌و‌ اعترض ابن هشام على الزمخشرى ‌فى‌ تخريجه قوله تعالى: «فلا تجعلوا لله اندادا»، انه يجوز «تجعلوا» منصوبا ‌فى‌ جواب الترجى اعنى «لعلكم تتقون»، على ‌حد‌ النصب ‌فى‌ قراءه حفص «فاطلع».
 قال: ‌و‌ هذا ‌لا‌ يجيزه بصرى، ثم ‌ان‌ ثبت قول الكوفيين: ‌ان‌ جواب الترجى منصوب كجواب النهى فهو قليل، فكيف تخرج عليه القراءه المجمع عليها؟ انتهى.
 ‌و‌ هذا الاعتراض بعينه وارد على ‌من‌ خرج عباره الدعاء هنا على قول الكوفيين، لان الروايه بالنصب مجمع عليها فيه.
 ‌و‌ نلته بخير اناله- باب تعب- نيلا: اصبته.
 ‌و‌ الدعوه: المره ‌من‌ الدعاء.
 ‌و‌ اسمع: افعل تفضيل يجوز ‌ان‌ يكون للفاعل، ‌و‌ بناوه ‌من‌ ذى الزياده قياس عند سيبويه كما تقدم، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون للمفعول كاشهر ‌و‌ اشغل، اى: اشد مسموعيه لديك. ‌و‌ مجيئه للمفعول مقصور على السماع، فيكون ‌من‌ جمله الالفاظ المسموعه فيه، لانه عليه السلام افصح العرب ‌فى‌ زمانه، ‌و‌ يكون ‌من‌ الشاذ الفصيح.
 ‌و‌ الجمله ‌من‌ قوله: «هى اسمع» ‌فى‌ محل جر صفه لدعوه.
 ‌و‌ او: لاحد الامرين.
 
و لديك: ‌اى‌ عندك، ‌و‌ هى هنا للقرب المعنوى.
 ‌و‌ اوكد: ‌اى‌ اقوى ‌و‌ اثبت، ‌من‌ وكد الامر يكد وكودا اى: قوى ‌و‌ ثبت. ‌و‌ ضمه ‌فى‌ الروايه المشهوره على انه خبر مبتدا محذوف ‌دل‌ عليه ‌ما‌ قبله، اى: هى اوكد. ‌و‌ اما فتحه كما وجد بخط الشهيد فهو على ‌ان‌ الفتحه فيه نائبه عن الكسره، لامتناعه ‌من‌ الصرف بالوصفيه ‌و‌ وزن الفعل، اذ ‌هو‌ نعت لشفاعه المجروره بالعطف على قوله: «بدعوه».
 ‌و‌ مما ‌لا‌ يكاد يقضى العجب منه قول بعضهم: نصبه على انه خبر يكون محذوفه يدل عليها يكون بعدها، ‌و‌ الجمله ‌فى‌ محل خفض نعت لشفاعه، لينال الله الهدايه الى سلوك جاده الصواب.
 ‌و‌ الجمله ‌من‌ قوله عليه السلام: «تكون بها نجاتى ‌من‌ غضبك» اما استئنافيه ‌لا‌ محل لها ‌من‌ الاعراب، كانه سئل ‌ما‌ يكون بتلك الدعوه ‌او‌ الشفاعه اذا انلت بها ؟ فقال: تكون بها نجاتى.
 ‌و‌ وحد الضمير ‌فى‌ «بها» ‌و‌ لم يقل: بهما، لان «او» لاحد الشيئين، كانه قيل: تكون باحداهما نجاتى، كقوله تعالى: «و ‌من‌ يكسب خطيئه ‌او‌ اثما ثم يرم ‌به‌ بريئا»، ‌و‌ قوله تعالى: «و ‌ما‌ انفقتم ‌من‌ نفقه ‌او‌ نذرتم ‌من‌ نذر فان الله يعلمه». «و اذا راوا تجاره ‌او‌ لهوا انفضوا اليها»، فوحد الضمير ‌لا‌ تحاد المرجع بناء على كون العطف ب«او»، لكنه راعى ‌فى‌ الايتين الاوليين القرب فاعاد الضمير مذكرا، ‌و‌ ‌فى‌ الايه الاخيره الاوليه فاعاده مونثا.
 ‌و‌ اما قوله تعالى: «ان يكن غنيا ‌او‌ فقيرا فالله اولى بهما».
 
فقال الزمخشرى ‌فى‌ الكشاف: فان قلت: لم ثنى الضمير ‌فى‌ «اولى بهما» ‌و‌ كان حقه ‌ان‌ يوحد، لان قوله «ان يكن غنيا ‌او‌ فقيرا» ‌فى‌ معنى ‌ان‌ يكن احد هذين؟.
 قلت: قد رجع الضمير الى ‌ما‌ ‌دل‌ عليه قوله: «ان يكن غنيا ‌او‌ فقيرا» ‌لا‌ الى المذكور، فلذلك ثنى ‌و‌ لم يفرد، ‌هو‌ جنس الغنى ‌و‌ جنس الفقير، كانه قال: فالله اولى بجنسى الغنى ‌و‌ الفقير ‌اى‌ بالاغنياء ‌و‌ الفقراء، انتهى.
 لكن قال صاحب التقريب: فيه نظر، لان سوال التثنيه باق، اذ التقدير حينئذ ‌ان‌ يكن احد هذين الجنسين.
 ‌و‌ اجاب صاحب الكشف ‌ان‌ «او» غير داخله على الجنسين حتى يبقى السوال.
 ‌و‌ اما نعتيه، فتكون ‌فى‌ محل جر نعتا لدعوه ‌او‌ شفاعه اى: لاحداهما، لمكان العطف ب«او»، كانه قيل: فينالنى بواحده منهما تكون نجاتى بها، ‌و‌ يحتمل احتمالا مرجوحا ‌ان‌ يكون نعتا لشفاعه فقط. ‌و‌ النجاه: الخلاص ‌من‌ الهلاك.
 يقال: نجا منه ينجو نجاه اى: خلص، ‌و‌ الاسم النجاء بالفتح ‌و‌ المد ‌و‌ قد يقصر.
 ‌و‌ الفوزه: المره ‌من‌ الفوز، ‌و‌ ‌هو‌ الظفر، يقال: فاز بما امل يفوز فوزا اى: ظفر به.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس رحمه الله: «و فوزى برضاك» ‌من‌ دون تاء، ‌و‌ الله اعلم.
 
ندم ندما ‌و‌ ندامه- ‌من‌ باب تعب-: اذا فعل شيئا ثم كرهه.
 ‌و‌ قيل: الندم: تمنى الانسان ‌ان‌ ‌ما‌ وقع منه لم يقع. ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: الندم توبه.
 ‌و‌ اناب الى الله انابه: رجع اليه بالتوبه عن المعاصى.
 
و الحطه بالكسر: فعله ‌من‌ الحط بمعنى الوضع، كالجلسه ‌من‌ الجلوس ‌و‌ الركبه ‌من‌ الركوب.
 ‌و‌ ‌فى‌ مجمع البيان: حطه: مصدر مثل رده وحده ‌من‌ رددت وحددت.
 قال الخليل: الحطه: وضع الاحمال عن الدواب.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز: حط الله اوزارهم، ‌و‌ حط الله وزرك، ‌و‌ قولوا حطه، استحطوا اوزاكم.
 ‌و‌ ‌فى‌ النهايه: ‌فى‌ قوله عليه السلام: ‌من‌ ابتلاه الله ‌فى‌ جسده فهو له حطه، اى: تحط عنه خطاياه ‌و‌ ذنوبه، ‌و‌ هى فعله ‌من‌ حط الشى ء يحطه: اذا انزله ‌و‌ القاه.
 فان قلت: «ان» الشرطيه تختص بالمستقبل المشكوك وقوعه، نحو: ‌ان‌ تكرمنى اكرمك، ‌و‌ كون الندم توبه ‌و‌ الترك للمعصيه انابه ‌و‌ الاستغفار حطه امر مجزوم مقطوع به، فما وجه هذا الشرط؟
 قلت: قد نص ارباب البيان ‌ان‌ الاصل ‌فى‌ «ان» الشرطيه ‌ان‌ ‌لا‌ يجزم بشى ء ‌من‌ طرفى الشرط، لكنها قد تستعمل ‌فى‌ مقام الجزم لنكته.
 قال الطيبى ‌فى‌ التبيان: قد تستعمل «ان» ‌فى‌ الجزم، اما للاحتياط كما اذا سئل العبد عن سيده هل ‌هو‌ ‌فى‌ الدار؟- ‌و‌ ‌هو‌ يعلم انه فيها- فيقول: ‌ان‌ كان فيها اخبرك، فيحتاط بالتجاهل خوفا ‌من‌ السيد، ‌و‌ اما لتقرير وقوع الجزاء ‌و‌ تحققه، نحو قول السلطان لمن ‌هو‌ تحت قهره: ‌ان‌ كنت سلطانا انتقمت منك، انتهى ملخصا بالمعنى.
 
و عباره الدعاء ‌من‌ هذا الباب، ‌و‌ النكته فيها اما الاحتياط ‌و‌ ‌هو‌ ظاهر، ‌و‌ اما تقرير وقوع الجزاء ‌و‌ تحققه، حيث علق ندمه ‌و‌ انابته ‌و‌ استغفاره بكينونه الندم توبه ‌و‌ ترك المعصيه انابه ‌و‌ الاستغفار حطه، ‌و‌ ذلك امر محقق ثابت بالنص ‌و‌ الاجماع، فكان المعلق بها محققا ثابتا مثلها.
 ‌و‌ الحاصل: انها قضيه شرطيه متصله، حكم فيها باتصال تحقق التالى بتحقق المقدم ‌فى‌ نفس الامر اتصالا على سبيل اللزوم، حتى اذا تحقق هذا فيه تحقق ذاك قطعا، لكن المقدم متحقق فالتالى مثله.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «فانا اول المنيبين» عباره عن مسارعته الى الاتصاف بالانابه ‌من‌ غير توقف ‌و‌ ‌لا‌ ابطاء، ‌و‌ الله اعلم.
 
الفاء: لترتيب مضمون الكلام على ‌ما‌ ينبى ء عنه السياق، ‌من‌ تحقق توبته ‌و‌ انابته ‌و‌ استغفاره.
 ‌و‌ الكاف: اما للتعليل عند ‌من‌ اثبتها له، ‌و‌ ما: مصدريه كقوله تعالى: «و اذكروه كما هداكم»، ‌و‌ التقديم للقصر، اى: لاجل امرك بالتوبه ‌و‌ ضمانك القبول ‌لا‌ لغيره.
 قال ابن هشام: ‌و‌ زعم الزمخشرى ‌و‌ ابن عطيه ‌و‌ غيرهما ‌ان‌ «ما» ‌فى‌ الايه كافه، ‌و‌ فيه اخراج الكاف عما ثبت لها ‌من‌ عمل الجر لغير مقتض، انتهى.
 ‌و‌ اما للتشبيه بجعله ‌من‌ وضع الخاص موضع العام، كما تقدم بيانه غير مره،
 
و التقديم للاهتمام كقوله تعالى:«كما بداكم تعودون»، ‌و‌ هى ‌فى‌ محل نصب على النعت لمصدر محذوف، اى: اقبل توبتى قبولا مماثلا لامرك بالتوبه ‌فى‌ كونه احسانا ‌و‌ تفضلا.
 ‌و‌ «ال» ‌فى‌ القبول ‌و‌ الاجابه: اما نائبه عن الضمير المضاف اليه، اى: ‌و‌ ضمنت قبولها ‌و‌ وعدت اجابته، ‌و‌ ذلك عند ‌من‌ يرى نيابه «ال» عن الضمير المضاف اليه، ‌و‌ ‌هم‌ الكوفيون ‌و‌ بعض البصريين ‌و‌ كثير ‌من‌ المتاخرين، ‌و‌ خرجوا عليه «فان الجنه هى الماوى» اى: ماواه، ‌و‌ نسبه بعضهم لسيبويه، فانه نص على ‌ان‌ بدل البعض ‌من‌ الكل ‌لا‌ ‌بد‌ فيه ‌من‌ ضمير، ثم فسر قول العرب: ضرب زيد الظهر ‌و‌ البطن بقوله: ظهره ‌و‌ بطنه.
 ‌و‌ اما للتعريف فقط عند ‌من‌ ‌لا‌ يرى ذلك، فيقدر «لها» ‌فى‌ الاول، ‌و‌ «له» ‌فى‌ الثانى، اى: ‌و‌ ضمنت القبول لها ‌و‌ وعدت الاجابه له، ‌و‌ كذلك قدره المانعون ‌فى‌ الايه، ‌و‌ قدروا «منه» ‌فى‌ المثال.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله: «فصل» فيها ‌و‌ جهان:
 احدهما: كونها زائده عند ‌من‌ اثبت ‌ان‌ تكون الفاء زائده دخولها ‌فى‌ الكلام كخروجها، يعنى باعتبار اصل المعنى، ‌و‌ الا فكل زائد يفيد دخوله التاكيد ‌و‌ خروجه يخل بهذه الفائده، فليس دخوله كخروجه بهذا الاعتبار.
 ‌و‌ لهذا اجاب بعض العلماء ‌و‌ قد سئل عن معنى التوكيد الذى يفيد الحرف الزائد ‌و‌ ‌لا‌ يوجد مع حذفه، مع ‌ان‌ حذفه ‌لا‌ يخل بمعنى الكلام، فقال: هذا شى ء يعرفه اهل الطباع، فيقولون: نجد انفسنا مع وجود الحرف الزائد على خلاف ‌ما‌ نجدها بحذفه، ‌و‌ قال: مثال ذلك مثل العالم بوزن الشعر طبعا، فاذا انكسر البيت قال: اجد نفسى
 
على خلاف ‌ما‌ اجدها مع تمامه، ‌لا‌ يقدر ‌ان‌ يعبر عما يجده باكثره ‌من‌ هذا، فكذلك الحروف المعبر عنها بالزوائد تتغير نفس ذى الطبع السليم عند نقصانها، ‌و‌ يجد نفسه بزيادتها على معنى خلاف ‌ما‌ يجدها عند نقصانها، ‌و‌ ‌من‌ ثم اجمعوا على انه ليس ‌فى‌ القرآن حرف الا ‌و‌ له معنى، ‌و‌ لذلك سمى بعضهم الحرف الزائد صله، تفاديا ‌من‌ اطلاق الزائد على شى ء ‌من‌ حروف القرآن، ‌و‌ على هذا فالكاف على القول بانها تعليليه متعلقه ب«صل»، لان الفاء زائده ‌لا‌ يمتنع عمل ‌ما‌ بعدها فيما قبلها.
 الثانى: كونها عاطفه على محذوف عند ‌من‌ ‌لا‌ يثبت زيادتها، ‌و‌ التقدير: لاجل امرك بالتوبه ‌و‌ ضمانك القبول وحثك على الدعاء ‌و‌ وعدك الاجابه تفضل فصل على محمد ‌و‌ آله ‌و‌ اقبل توبتى. ‌و‌ عليه فحرف التعليل متعلق بالمحذوف ‌لا‌ بما بعد الفاء، لئلا يلزم عمل ‌ما‌ بعدها فيما قبلها، فقد اجمعوا على ‌ان‌ ‌ما‌ بعد واو العطف وفائه ‌و‌ غيرهما ‌من‌ حروف العطف ‌لا‌ يعمل فيما قبلها، لانها دلائل على ‌ان‌ ‌ما‌ بعدها ‌من‌ ذيول ‌ما‌ قبلها، فكره وقوع ‌ما‌ بعدها قبلها.
 ‌و‌ على هذا الوجه خرج البدر الدمامينى ‌ما‌ حكاه سيبويه ‌من‌ قولهم: كما انه ‌لا‌ يعلم فتجاوز الله عنه، فقال: يحتمل ‌ان‌ يقال فيه: ليست «ما» كافه ‌و‌ انما هى مصدريه، ‌و‌ انه ‌لا‌ يعلم فاعل ثبت مقدرا، ‌و‌ الفاء عاطفه على محذوف، اى: لاجل ثبوت عدم علمه سامحه الله فتجاوز عنه، ‌و‌ حرف التعليل متعلق بالمحذوف ‌لا‌ بما بعد الفاء، لئلا يلزم تقدم ‌ما‌ بعدها عليها.
 قال: ‌و‌ انما فعلنا ذلك محافظه على عدم زياده الفاء، لان سيبويه ‌لا‌ يرى زيادتها، انتهى بنصه.
 ‌و‌ ‌من‌ الفواقر ‌ما‌ وقع لبعضهم هنا ‌من‌ ‌ان‌ الفاء ‌فى‌ «فصل» رابطه لشبه الجواب
 
بشبه الشرط، كما ‌فى‌ الذى ياتينى فله درهم، فسبحان واهب العقول، ‌و‌ ‌ان‌ ‌من‌ كان ذلك مبلغه ‌من‌ علم النحو لجدير ‌ان‌ يقعد مع صغار المتادبين، ‌لا‌ ‌ان‌ يتصدى لشرح كلام المعصومين.
 قوله عليه السلام: «و ‌لا‌ ترجعنى مرجع الخيبه» يقال: رجع يرجع رجوعا- ‌من‌ باب ضرب-: ‌اى‌ انصرف، ‌و‌ يتعدى بنفسه ‌فى‌ اللغه الفصحى، فيقال: رجعته عن الشى ء رجعا ‌و‌ مرجعا كمعقد ‌و‌ منزل اى: صرفته ‌و‌ ورددته، ‌و‌ بها جاء التنزيل قال تعالى: «فان رجعك الله» ‌و‌ هذيل تعديه بالالف فتقول: ارجعته.
 ‌و‌ خاب يخيب خيبه: لم يظفر بما طلب، ‌و‌ ‌فى‌ المثل: الهيبه خيبه. ‌و‌ مرجع الخيبه مفعول مطلق مبين لنوع عامله.
 ‌و‌ ‌من‌ رحمتك: متعلق ‌به‌ ‌او‌ بتر جعنى ‌او‌ بالخيبه.
 ‌و‌ التواب- ‌من‌ اسمائه تعالى-: ‌هو‌ الرجاع على عباده بالمغفره ‌و‌ الذى يكثر اعانتهم على التوبه.
 ‌و‌ قال الغزالى ‌فى‌ المقصد الاسنى: التواب: ‌هو‌ الذى يرجع الى تيسير اسباب التوبه لعباده مره بعد اخرى، بما يظهر لهم ‌من‌ آياته، ‌و‌ يسوق اليهم ‌من‌ تنبيهاته، ‌و‌ يطلعهم عليه ‌من‌ تخويفاته ‌و‌ تحذيراته، حتى اذا اطلعوا بتعريفه على غوائل الذنوب استشعروا الخوف بتخويفه فرجعوا الى التوبه، فرجع فضل الله اليهم بالقبول
 ‌و‌ الرحيم: صفه مشبهه مبنيه ‌من‌ رحم بعد جعله لازما بمنزله الغرائز بنقله الى رحم بالضم كما ‌هو‌ المشهور.
 ‌و‌ قيل: ليس بصفه مشبهه بل صيغه مبالغه، نص عليه سيبويه ‌فى‌ قولهم: ‌هو‌ رحيم فلانا، ‌و‌ قد سبق الكلام على الرحمه ‌فى‌ الروضه الاولى فاغنى عن الاعاده.
 
و تاكيد الجمله لغرض كمال قوه يقينه عليه السلام بمضمونها، ‌و‌ الجمله تعليل للدعاء ‌و‌ مزيد استدعاء للاجابه.
 
 تنبيه:
 
 المراد بقبول التوبه: اسقاط العقاب المترتب على الذنب الذى تاب منه، ‌و‌ سقوط العقاب بالتوبه مما اجمع عليه اهل الاسلام، ‌و‌ انما الخلاف ‌فى‌ انه هل يجب على الله تعالى حتى لو عاقب بعد التوبه كان ظلما، ‌او‌ ‌هو‌ تفضل يفعله سبحانه كرما منه ‌و‌ رحمه بعباده؟
 المعتزله على الاول، ‌و‌ الاشاعره على الثانى، ‌و‌ اليه ذهب الشيخ ابوجعفر الطوسى قدس الله روحه ‌فى‌ كتاب الاقتصاد، ‌و‌ العلامه جمال المله ‌و‌ الدين ‌فى‌ بعض كتبه الكلاميه، ‌و‌ توقف المحقق الطوسى طاب ثراه ‌فى‌ التجريد.
 ‌و‌ مختار الشيخين ‌هو‌ الظاهر، ‌و‌ دليل الوجوب مدخول، قاله العلامه البهائى ‌فى‌ شرح الاربعين.
 
 تتمه
 
 قال بعض ارباب القلوب: التائبون المنيبون على انواع: تائب يتوب ‌من‌ الذنوب ‌و‌ السيئات، ‌و‌ تائب يتوب ‌من‌ الزلل ‌و‌ الغفلات، ‌و‌ تائب يتوب ‌من‌ رويه الحسنات ‌و‌ مشاهده الطاعات، ‌و‌ على هذا سئل بعضهم ‌اى‌ الاعمال ارفع ثوابا؟ فانشد:
 اذا محاسنى اللاتى ادل بها
 كانت ذنوبى فقل لى كيف اعتذر
 
كانه يشير الى الحديث المشهور: حسنات الابرار سيئات المقربين، ‌و‌ الله سبحانه اعلم.
 
الصلاه ‌من‌ الله تعالى: الرحمه.
 ‌و‌ الكاف: تعليليه ‌او‌ تشبيهيه كما مر.
 ‌و‌ المراد بالهدايه: الدعوه الى الحق ‌و‌ تعريف طريق الصواب.
 ‌و‌ انقذه ‌و‌ استنقذه ‌من‌ الشر: خلصه عنه، ‌و‌ فيه تلميح الى قوله تعالى: «و كنتم على شفا حفره ‌من‌ النار فانقذكم منها»، اى: بان ارسل اليكم رسولا هداكم للايمان ‌و‌ دعاكم اليه فنجوتم باجابته ‌من‌ النار.
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ كتاب الروضه بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: كان ابوعبدالله عليه السلام: اذا ذكر رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله قال: بابى ‌و‌ امى ‌و‌ قومى ‌و‌ عشيرتى عجبا للعرب كيف ‌لا‌ تحملنا على رووسها ‌و‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ يقول ‌فى‌ كتابه: «و كنتم على شفا حفره ‌من‌ النار فانقذكم منها»، فبرسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله انقذوا.
 ‌و‌ اسناد الشفاعه الى الصلاه مجاز عقلى لملابسه السببيه. ‌و‌ الفاقه: الحاجه، اى: وقت الحاجه، ‌و‌ العرب قد تطلق اليوم ‌و‌ تريد الوقت ‌و‌ الحين نهارا كان ‌او‌ ليلا، فتقول: ذخرتك لهذا اليوم، اى: لهذا الوقت الذى افتقرت اليك فيه.
 
و الجمله ‌من‌ قوله عليه السلام: «انك على كل شى ء قدير» مستانفه لتعليل الدعاء، فان كمال قدرته تعالى على جميع الاشياء موجب لقدرته ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ على اجابه دعائه ‌و‌ انجاح ماموله ‌و‌ رجائه.
 ‌و‌ قوله: «و ‌هو‌ عليك يسير» جمله تذييليه لمزيد استدعاء الاجابه، اى: ‌و‌ ‌ما‌ سالتك عليك سهل يسير لتحقق القدره التامه ‌و‌ قبول الماده ‌او‌ كل شى ء عليك يسير هين ‌لا‌ يصعب عليك لكمال قدرتك، ‌و‌ الله اعلم.
 هذا آخر الروضه الحاديه ‌و‌ الثلاثين ‌من‌ رياض السالكين، ‌و‌ قد وفق الله جلت قدرته لاتمامها ‌و‌ اقتطاف ازهارها ‌من‌ اكمامها، قبيل العصر ‌من‌ يوم الاربعاء لاحدى عشره خلت ‌من‌ صفر، ثانى شهور السنه الرابعه بعد المائه ‌و‌ الالف ‌من‌ الهجره النبويه، على صاحبها ‌و‌ آله افضل السلام ‌و‌ التحيه، ‌و‌ قد وقع الفراغ ‌من‌ نسخها ‌فى‌ اليوم الرابع عشر.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5
اسناد الصحیفه السجادیه- 1
الدعاء 1- 3
الدعاء 3- 1
الدعاء 31- 2
الدعاء 48- 2
الدعاء 6- 2

بیشترین بازدید این مجموعه


 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^