فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 32- 2

استحوذ عليه الشيطان: غلبه، ‌و‌ استماله الى ‌ما‌ يريد منه.
 قال الجوهرى: ‌و‌ هذا جاء بالواو على اصله، كما جاء استروح، ‌و‌ استصوب. ‌و‌ قال ابوزيد: هذا الباب كله يجوز ‌ان‌ يتكلم ‌به‌ على الاصل. تقول العرب: استصاب ‌و‌ استصوب، ‌و‌ استجاب ‌و‌ استجوب، ‌و‌ ‌هو‌ قياس مطرد عندهم. ‌و‌ قوله تعالى: «الم نستحوذ عليكم»، اى: الم نغلب على اموركم، ‌و‌ نستولى على مودتكم.  انتهى.


 ‌و‌ ‌فى‌ اطراد ذلك خلاف. ‌و‌ الصحيح الذى عليه الجمهور المنع ‌من‌ القياس مطلقا. ‌و‌ فصل ابن مالك، فقال ‌فى‌ التسهيل: ‌و‌ ربما صحح الافعال ‌و‌ الاستفعال ‌و‌ فروعهما، ‌و‌ ‌لا‌ يقاس على ذلك مطلقا خلافا لابى زيد، بل اذا اهمل الثلاثى كاستنوق. انتهى. ‌و‌ ‌هو‌ قول ثالث ‌فى‌ المساله.
 ‌و‌ نص سيبويه: على ‌ان‌ استحوذ ‌من‌ الشواذ التى لم يسمع اعلالها.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ شرح التسهيل: انه ‌من‌ المصحح فقط.
 ‌و‌ العدو: ‌ضد‌ الولى. قال تعالى: «يا ايها الذين آمنوا ‌لا‌ تتخذوا عدوى ‌و‌ عدوكم اولياء».
 ‌و‌ المراد بعداوته تعالى: مخالفه امره عنادا، ‌و‌ الخروج عن طاعته مكابره، ‌او‌ عداوه خواصه ‌و‌ مقربيه.
 ‌و‌ ‌فى‌ اضافته الى ضمير المخاطب هنا تحريض على قمعه ‌و‌ اذلاله، ‌و‌ تنبيه على السبب، كما تقول: عدوك بالباب، ‌و‌ عدوك يمكر بك. ‌و‌ منه: «اهل الاسلام ‌فى‌ الجنه، ‌و‌ اهل الكفر ‌فى‌ النار».
 ‌و‌ قوله: «الذى استنظرك» الى آخره وصف للتوضيح، اعنى دفع الاحتمال.
 ‌و‌ استنظرته: طلبت انظاره، اى: تاخيره ‌و‌ امهاله.
 فانظرنى: ‌اى‌ امهلنى، ‌و‌ الاسم منه النظره على وزن كلمه، ‌و‌ منه «فنظره الى ميسره»، ‌اى‌ فتاخير ‌و‌ امهال.
 ‌و‌ الغوايه- بالفتح-: اسم ‌من‌ غوى- ‌من‌ باب ضرب- ‌اى‌ ضل ‌و‌ انهمك ‌فى‌ الجهل.
 
و ‌فى‌ الصحاح: غوى- بالفتح- يغوى غيا ‌و‌ غوايه، فهى على هذا مصدر.
 ‌و‌ جعل صاحب القاموس: الغى مصدر غوى- ‌من‌ باب ضرب-، ‌و‌ الغوايه مصدر غوى ‌من‌ باب علم، ‌و‌ عبارته: غوى يغوى غيا، ‌و‌ غوى غوايه، ‌و‌ ‌لا‌ يكسر. انتهى.
 ‌و‌ على كل تقدير فالغوايه- بالفتح- بمعنى الضلال ‌لا‌ الاضلال، فالمعنى: استنظرك ليكون داعيا لضلالى.
 ‌و‌ استمهلته: طلبت امهاله، فامهلنى.
 ‌و‌ «اليوم» ‌فى‌ العرف: عباره عما بين طلوع الشمس ‌و‌ غروبها ‌من‌ الزمان، ‌و‌ ‌فى‌ الشرع: عما بين طلوع الفجر الثانى ‌و‌ غروب الشمس.
 ‌و‌ المراد هاهنا مطلق الوقت.
 ‌و‌ الدين: الجزاء، خيرا كان ‌او‌ شرا. ‌و‌ اضافه اليوم اليه لادنى ملابسه كاضافه سائر الظروف الزمانيه الى ‌ما‌ وقع فيها ‌من‌ الحوادث، كيوم الاحزاب، ‌و‌ ليله القدر، ‌و‌ عام الفتح. ‌و‌ تخصيصه هنا ‌من‌ بين سائر ‌ما‌ يقع فيه كالقيامه ‌و‌ الجمع ‌و‌ الحساب لكونه ادخل ‌فى‌ الدلاله على انه ‌ان‌ امهله فلن يهمله. ‌و‌ ‌ما‌ ذكر ‌من‌ القيامه ‌و‌ غيرها ‌من‌ مبادى الجزاء ‌و‌ مقدماته.
 ‌و‌ الفقره الثانيه تاكيد للاولى، ‌و‌ مضمونها تلميح الى قوله تعالى ‌فى‌ سوره الاعراف حكايه عن ابليس: «قال انظرنى الى يوم يبعثون قال انك ‌من‌ المنظرين قال: فبما اغويتنى لاقعدن لهم صراطك المستقيم». ‌و‌ ‌فى‌ سوره الحجر قال: رب فانظرنى الى يوم يبعثون قال: فانك ‌من‌ المنظرين الى يوم الوقت المعلوم قال: رب بما اغويتنى لازينن لهم ‌فى‌ الارض، ‌و‌ لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين»، ‌و‌ ‌فى‌ سوره ص «قال: رب فانظرنى الى يوم يبعثون قال: فانك
 
من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم قال: فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين».
 ‌و‌ انما اورد سبحانه هذه الحكايه على اساليب متعدده مع ‌ان‌ استنظار اللعين انما صدر عنه مره واحده ‌لا‌ غير، ‌و‌ كذا جوابه لم يقع الا دفعه، قصدا للتفنن الذى ‌هو‌ ‌من‌ مقتضيات البلاغه، على ‌ان‌ كل اسلوب ‌من‌ اساليب النظم الكريم لابد ‌ان‌ يكون له مقام يقتضيه مغاير لمقام غيره.
 
 تنبيهات
 
 الاول: صريح عباره الدعاء ‌ان‌ انظار اللعين ‌و‌ امهاله كان اجابه لدعائه، ‌و‌ ‌هو‌ الذى دلت عليه الاثار، ‌و‌ عليه اكثر المفسرين:
 قال العلامه الطبرسى: ‌و‌ اما الوجه ‌فى‌ مساله ابليس الانظار مع علمه بانه ملعون مطرود فعلمه بان الله سبحانه يظاهر على عباده النعم، ‌و‌ يعمهم بالفضل ‌و‌ الكرم، فلم يصرفه ارتكابه المعصيه عن مسالته ‌و‌ الطمع ‌فى‌ الاجابه، فاجابه الله. انتهى.
 ‌و‌ ‌من‌ هنا قال سفيان ‌بن‌ عيينه: ‌لا‌ يمنعن احدكم ‌من‌ الدعاء ‌ما‌ يعلم ‌من‌ نفسه، فان الله تعالى اجاب ‌شر‌ الخلق ابليس، اذا قال: انظرنى.
 ‌و‌ ذهب جماعه: الى ‌ان‌ اجابه دعاء الكافر ‌لا‌ تجوز، لانها كرامه، فقوله تعالى: «انك ‌من‌ المنظرين» بيان ‌ما‌ سبق ‌به‌ التقدير ‌لا‌ الاجابه.
 قال العمادى ‌فى‌ تفسيره: ورود الجواب بالجمله الاسميه مع التعرض لشمول ‌ما‌ ساله الاخرين على وجه يوذن بكون السائل تبعا لهم ‌فى‌ ذلك، دليل على انه اخبار
 
بالانظار المقدر لهم ازلا ‌لا‌ انشاء لانظار خاص ‌به‌ وقع اجابه لدعائه، ‌اى‌ انك ‌من‌ جمله الذين اخرت آجالهم، ازلا حسبما تقتضيه الحكمه التكوينيه. انتهى.
 ‌و‌ اجيب: بان الاجابه ‌لا‌ يلزم ‌ان‌ تكون كرامه، بل هى كالنعمه ‌فى‌ احتمالها ‌ان‌ تكون ثوابا ‌و‌ تعظيما، ‌و‌ ‌ان‌ تكون استصلاحا ‌و‌ تفضلا ‌فى‌ الدنيا.
 الثانى: ظاهر قوله عليه السلام «استمهلك الى يوم الدين لاضلالى فامهلته» ‌ان‌ الامهال وقع حسب السوال الى يوم الدين، فيكون المراد بيوم الوقت المعلوم ‌فى‌ الايتين ‌هو‌ يوم الدين، ‌و‌ ‌هو‌ يويد قول صاحب الكشاف: ‌ان‌ يوم الدين، ‌و‌ يوم يبعثون ‌و‌ يوم الوقت المعلوم ‌فى‌ معنى واحد، ‌و‌ لكن خولف بين العبارات سلوكا بالكلام طريق البلاغه. انتهى.
 ‌و‌ قال بعضهم: يجوز ‌ان‌ يكون المراد بالايام الثلاثه يوم القيامه. ‌و‌ الاختلاف ‌فى‌ العبارات لاختلاف الاعتبارات. فالتعبير بيوم البعث، لان غرض اللعين ‌به‌ يتحقق، اذبه يحصل العلم بانقطاع التكليف، ‌و‌ الياس ‌من‌ التضليل. ‌و‌ بيوم الوقت المعلوم، لاستئثاره تعالى بعلمه، ‌او‌ للعلم بانه يصعق فيه ‌من‌ ‌فى‌ السماوات ‌و‌ الارض. ‌و‌ بيوم الدين، للايذان بتاخير عقابه ‌و‌ جزائه اليه.
 ‌و‌ ‌لا‌ يلزم ‌من‌ ذلك ‌ان‌ ‌لا‌ يموت، فلعل كلا ‌من‌ هلاك الخلق جميعا ‌و‌ بعثتهم ‌و‌ جزائهم ‌فى‌ يوم واحد يموت اللعين ‌فى‌ اوله، ‌و‌ يبعث ‌فى‌ اواسطه، ‌و‌ يعاقب ‌فى‌ بقيته.
 ‌و‌ عن الصادق عليه السلام: «يوم الوقت المعلوم يوم ينفخ ‌فى‌ الصور نفخه واحده، فيموت ابليس ‌ما‌ بين النفخه الاولى ‌و‌ الثانيه».
 ‌و‌ ذهب بعض المعتزله: الى ‌ان‌ المراد بيوم الوقت المعلوم وقت موته ‌و‌ هلاكه ‌فى‌ علم الله ‌لا‌ يوم القيامه، ‌و‌ كل مكلف ‌من‌ الجن ‌و‌ الانس منظر الى وقت معلوم عند الله.
 
و الدليل على ذلك: ‌ان‌ ابليس مكلف، ‌و‌ المكلف ‌لا‌ يجوز ‌ان‌ يعلم اجله لما فيه ‌من‌ الاغراء بالقبيح، لانه اذا علم اجله اقدم على المعصيه بقلب فارغ حتى اذا قرب اجله تاب فتقبل توبته.
 ‌و‌ اجيب: بان ‌من‌ علم الله تعالى ‌من‌ حاله انه يموت على الطهاره ‌و‌ العصمه كالانبياء، ‌او‌ على الكفر ‌و‌ المعصيه كابليس، فان اعلامه بوقت اجله ‌لا‌ يكون اغراء على القبيح، لانه ‌لا‌ يتفاوت حاله بسبب ذلك التعريف ‌و‌ الاعلام.
 الثالث: قالت الاشاعره: ‌فى‌ انظار ابليس ‌و‌ امهاله دلاله على انه ‌لا‌ يجب على الله سبحانه رعايه مصالح العبد ‌فى‌ دينه ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ دنياه، ‌و‌ الا لم يمهل ابليس حين استمهله مع علمه بالمفاسد ‌و‌ الغوائل المترتبه على ذلك. ‌و‌ مما يويد ذلك انه بعث الانبياء دعاه للخلق الى الحق، ‌و‌ علم ‌من‌ حال ابليس انه ‌لا‌ يدعو الا الى الكفر ‌و‌ الضلال. ثم انه امات الانبياء ‌و‌ ابقى ابليس، ‌و‌ ‌من‌ كان يريد مصالح العباد امتنع منه ‌ان‌ يفعل ذلك.
 ‌و‌ هذه الشبهه هى الشبهه السابعه ‌من‌ شبهات ابليس اللعين التى ذكرناها ‌فى‌ الروضه السابعه عشره، ‌و‌ قد تقدم الجواب عنها هناك.
 ‌و‌ اجابت المعتزله عن ذلك: بان الله تعالى خلق آدم ‌و‌ ذريته قادرين على دفع ابليس عن انفسهم، فهم الذين اختاروا الكفر ‌و‌ الفساد. اقصى ‌ما‌ ‌فى‌ الباب ‌ان‌ يقال: ‌ان‌ الاحتراز عن القبيح حال عدم ابليس اسهل منه حال وجوده، الا ‌ان‌ على هذا التقدير تصير وسوسته سببا لزياده المشقه ‌فى‌ اداء الطاعات فيزداد المكلف بتكلفها ثوابا، كما قال عليه السلام «افضل الاعمال احمزها»، ‌اى‌ اشقها. ‌و‌ ذلك لايمنع الحكيم ‌من‌ فعله، كما ‌ان‌ انزال المشاق ‌و‌ الالام، ‌و‌ انزال المتشابهات صار سببا لزياده الشبهات، ‌و‌ مع ذلك لم يمتنع فعلها ‌من‌ الله تعالى.
 
و هذا قريب ‌من‌ قول اميرالمومنين صلوات الله عليه ‌فى‌ خطبه له «فاعطاه الله النظره استحقاقا للسخطه، ‌و‌ استتماما للبليه، ‌و‌ انجازا للعده، فقال: انك ‌من‌ المنظرين الى يوم الوقت المعلوم».
 
قوله عليه السلام: «فاوقعنى ‌و‌ قد هربت» الى آخره. الفاء: عاطفه للجمله على استحوذ.
 ‌و‌ وقع وقوعا: سقط، ‌و‌ اوقعه غيره ايقاعا: اسقطه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: وقع الشى ء على الارض وقوعا، ‌و‌ اوقعته ايقاعا.
 ‌و‌ ‌فى‌ ديوان الادب: اوقعه فوقع.
 ‌و‌ جمله قوله «و قد هربت» حاليه، ‌اى‌ اوقعنى ‌و‌ الحال انى قد هربت، اى: حال هربى اليك.
 ‌و‌ الهرب اليه تعالى ‌من‌ الذنوب: عباره عن الاقبال عليه تعالى، ‌و‌ الاعراض عنها، ‌و‌ العزم على اجتنابها.
 فالمراد بايقاع الشيطان له حال هربه، اما معناه الحقيقى ‌و‌ ‌هو‌ الاسقاط على الارض، فيكون الكلام استعاره تمثيليه، شبه صوره تعويق الشيطان له عن النجاه ‌من‌ الذنوب ‌و‌ المعاصى- بالاقبال على الله تعالى، ‌و‌ الاعراض عنها- بصوره تعويق ‌من‌ اسقط هاربا ‌من‌ مخوف، ‌و‌ اوقعه على الارض ‌من‌ النجاه مما يخافه بالهرب منه. فالمشبه ‌به‌ هيئه منتزعه ‌من‌ الهارب، ‌و‌ طرحه على الارض ‌و‌ تعويقه عن النجاه مما هرب منه. ‌و‌ المشبه هيئه منتزعه ‌من‌ نفسه، ‌و‌ فسخ الشيطان لعزيمته ‌من‌ الفرار الى الله تعالى ‌من‌ الذنوب، بتسويله ‌و‌ تعويقه عن اجتناب الذنوب ‌و‌ الخلاص منها. فلا تكون كلمه «اوقعنى» استعاره بل هى باقيه على معناها الحقيقى، كما قرروه ‌فى‌ قولهم
 
اراك تقدم رجلا ‌و‌ توخر اخرى.
 ‌و‌ اما معناه المجازى، فيكون مستعارا لجعله اياه متلبسا بما يكرهه، ‌و‌ الجامع التلبس، ‌و‌ هى استعاره تصريحيه، لذكر المستعار منه دون المستعار له. ‌و‌ حذف المتلبس ‌به‌ اما للتعميم ‌و‌ الاختصار، اى: فالقانى ‌فى‌ كل معصيه، ‌او‌ لمجرد الاختصار، ‌اى‌ فالقانى ‌فى‌ حبائله ‌و‌ مصائده، بقرينه قوله: «استحوذ على».
 ‌و‌ اما ‌ما‌ وقع لبعض المترجمين ‌من‌ ‌ان‌ صاحب القاموس لم يذكر «اوقع» متعديا، ‌و‌ لكن قال: اوقع بهم: بالغ ‌فى‌ قتالهم، ‌و‌ لعله ضمن اوقعنى معنى حاربنى، فيكون معنى اوقعنى بالغ ‌فى‌ حربى، فهو خبط ‌لا‌ يلتفت اليه.
 ‌و‌ قول بعضهم: ‌ان‌ جمله قوله: «و قد هربت اليك» استئنافيه، بمعزل عن اسلوب نظم الكلام، كما ‌لا‌ يخفى على ‌من‌ له ادنى ذوق.
 ‌و‌ الموبقه: المهلكه، ‌من‌ الوبوق: ‌و‌ ‌هو‌ الهلاك. يقال: وبق يبق- ‌من‌ باب وعد ‌و‌ - ورث- ‌و‌ وبق يوبق- ‌من‌ باب وجل، ‌و‌ بوقا ‌و‌ موبقا: اى: هلك.
 ‌و‌ يتعدى بالهمزه فيقال: ‌او‌ بقته، ‌و‌ ‌هو‌ يرتكب الموبقات، اى: المعاصى، لانهن مهلكات.
 ‌و‌ المرديه: المهلكه. يقال: ردى- ‌من‌ باب تعب- ‌اى‌ هلك، ‌و‌ ارداه غيره. ‌و‌ الله اعلم.
 «حتى» هنا ابتدائيه دخلت على الجمله الشرطيه، ‌و‌ هى مع ذلك غايه لما قبلها. ‌و‌ ‌هو‌ استحواذ الشيطان عليه، ‌و‌ ايقاعه له ‌اى‌ قد استحوذ على فاوقعنى الى ‌ان‌ قارفت معصيتك، هذا قول الجمهور، ‌و‌ قد سبق الكلام عليه مستوفى ‌فى‌ الروضه الثانيه عشره.
 ‌و‌ قارف الذنب: خالطه ‌و‌ قاربه.
 
و قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: قارف الذنب ‌و‌ اقترفه، اذا التبس به، ‌و‌ يقال لقشر كل شى ء قرفه، لانه ملتبس به. انتهى.
 ‌و‌ استوجب الشى ء: استحقه.
 ‌و‌ السوء- بالضم-: القبيح.
 ‌و‌ السعى: يكون بمعنى العدو ‌و‌ المضى، ‌و‌ يكون بمعنى التصرف ‌و‌ العمل، ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا. ‌و‌ يعدى بالمعنى الاول ب«الى»، ‌و‌ بالمعنى الثانى باللام.
 ‌و‌ ‌فى‌ محكم اللغه: السعى: الكسب. ‌و‌ كل عمل ‌من‌ خير ‌او‌ ‌شر‌ سعى.
 ‌و‌ قال الفيومى ‌فى‌ المصباح: اصل السعى التصرف ‌فى‌ كل عمل، ‌و‌ عليه قوله تعالى: «و ‌ان‌ ليس للانسان الا ‌ما‌ سعى. ‌و‌ ‌ان‌ سعيه سوف يرى».
 ‌و‌ السخط: الغضب. ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الانسان تغيير يحصل عند غليان ‌دم‌ القلب لشهوه الانتقام، ‌و‌ ‌من‌ الله تعالى سبحانه اراده الانتقام ‌و‌ انزال العقوبه المستحقه.
 ‌و‌ فتله يفتله فتلا- ‌من‌ باب ضرب لواه، يقال: فتل عنى وجهه، ‌اى‌ لواه ‌و‌ صرفه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الصحاح: فتله عن وجهه فانفتل. ‌اى‌ صرفه فانصرف، ‌و‌ ‌هو‌ قلب لفت.
 ‌و‌ العذار: العارض، ‌و‌ ‌هو‌ صفحه الخد. ‌و‌ منه عذر الغلام اذا نبت شعر عذاره، يعنى صفحه خده، ‌و‌ سمى السير الذى على خد الدابه ‌من‌ اللجام عذارا، باسم موضعه.
 
و الغدر: نقض العهد، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ضد‌ الوفاء. ‌و‌ قد يطلق على الخديعه، ‌و‌ هى كل فعل يقصد ‌به‌ فاعله خلاف ‌ما‌ يقتضيه ظاهره. ‌و‌ منه الحديث «ان بين يدى الساعه سنين غداره، يكثر فيها المطر، ‌و‌ يقل فيها النبات».
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: اى: تطمعهم ‌فى‌ الخصب بالمطر ثم تخلف، فجعل ذلك غدرا منها ‌و‌ خديعه. ‌و‌ هذا المعنى ‌هو‌ المراد هنا، لان معنى فتل عنى عذار غدره صرف عنى وجه غدره، اى: اعرض عن الغدر ‌و‌ تركه لحصول مطلوبه ‌من‌ الاغواء ‌و‌ الاضلال عند مقارفه المعصيه، ‌و‌ استيجاب السخطه، فلم يكن يحتاج اليه بعد ذلك. ‌و‌ هذا المعنى ‌لا‌ يناسبه الا الغدر بمعنى الخديعه، ‌لا‌ الغدر بمعنى نقض العهد، كما ‌لا‌ يخفى.
 ‌و‌ لو كان المراد بالغدر نقض العهد لكان مقتضى المقام ‌ان‌ يقول: اظهرلى غدره. ‌و‌ لما كان الغدر بمعنى نقض العهد مستلزما للخديعه- باظهار فاعله خلاف ‌ما‌ سيفعله ‌فى‌ اول الامر- اطلق عليها لفظ الغدر ‌من‌ باب اطلاق اسم الملزوم على اللازم.
 قال شيخنا البهائى ‌فى‌ المفتاح: المراد ‌ان‌ الشيطان بعد حصول مراده، ‌من‌ ايقاعه لى ‌فى‌ المعصيه بالحيله ‌و‌ الغدر، صرف عنى عنان غدره، حيث حصل منى مراده. انتهى.
 فحمل الغدر على معنى الحيله، ‌و‌ هى الخديعه، ‌و‌ انما فسر العذار بالعنان، لانه حمله على ‌ما‌ يقع على خد الفرس ‌من‌ اللجام، ‌و‌ ‌هو‌ صحيح، فان ‌من‌ صرف عذار دابته، فقد صرف عنانها.
 ‌و‌ الكلام على كل تقدير استعاره بالكنايه مع الترشيح، شبه الغدر بالشخص ‌او‌
 
 
الدابه، بجامع قبول التصرف ‌و‌ الانقياد، ‌و‌ اثبت له عذارا، ‌و‌ رشح ذلك بالفتل لملائمته للعذار. يقال: فتل عذاره، ‌و‌ لوى عذاره، اذا اعرض وصد.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: لوى عذاره عنه اذا عصاه.
 قوله عليه السلام «و تلقانى بكلمه كفره» تلقاه: ‌اى‌ استقبله.
 ‌و‌ «الباء» للملابسه، ‌اى‌ ملتبسا بكلمه كفره.
 قال شيخنا البهائى: ‌هو‌ اشاره الى ‌ما‌ حكاه سبحانه عنه بقوله تعالى: «اذ قال للانسان اكفر، فلما كفر، قال انى برى ء منك». انتهى.
 ‌و‌ الاولى ‌ان‌ يكون اشاره الى قوله تعالى حكايه عنه «انى كفرت بما اشركتمون ‌من‌ قبل»، ‌اى‌ باشراككم اياى مع الله ‌فى‌ الطاعه، بمعنى تبرات منه ‌و‌ استنكرته.
 قال صاحب الكشاف: معنى كفره باشراكهم: تبروه منه، ‌و‌ استنكاره له، كقوله: «انا براء منكم ‌و‌ مما تعبدون ‌من‌ دون الله كفرنا بكم».
 ‌و‌ ‌فى‌ حديث اهل البيت عليهم السلام: الكفر ‌فى‌ هذه الايه البراءه.
 ‌و‌ قوله: «و تولى البراءه منى» تولى الامر: اذا تقلده: ‌و‌ قام به.
 ‌و‌ البراءه: قطع العلقه، يقال: برى ء منه براءه- ‌من‌ باب تعب- اى: قطع علقته منه.
 ‌و‌ قوله: «و ادبر موليا»، اى: ذهب ‌و‌ رجع عنى.
 ‌و‌ موليا: حال موكده لعاملها، ‌و‌ هى التى يستفاد معناها بدونها، ‌و‌ نحوه قوله تعالى: «ولى مدبرا».
 ‌و‌ مدار هذه الفقرات على انكار الشيطان ‌ما‌ كان يحث عليه، ‌و‌ يزينه للانسان،
 
من سيئات الجرائم، ‌و‌ قبائح المعاصى عند استحقاقه للعقوبه، ‌و‌ استيجابه للعذاب.
 ‌و‌ نظير ذلك قول اميرالمومنين عليه السلام ‌فى‌ خطبته الغراء: «اوصيكم بتقوى الله الذى اعذر بما انذر، ‌و‌ احتج بما نهج، ‌و‌ حذركم عدوا نفذ ‌فى‌ الصدور خفيا، ‌و‌ نفث ‌فى‌ الاذان نجيا، فاضل ‌و‌ اردى، ‌و‌ وعد فمنى، ‌و‌ زين سيئات الجرائم، ‌و‌ هون موبقات العظائم، حتى اذا استدرج قرينته، ‌و‌ استغلق رهينته انكر مازين، ‌و‌ استعظم ‌ما‌ هون، ‌و‌ حذر ‌ما‌ امن».
 قال ابن ابى الحديد: القرينه هاهنا الانسان الذى قارنه الشيطان، ‌و‌ يقال: غلق الرهن اذا لم يفتكه الراهن ‌فى‌ الوقت المشروط، فاستحقه المرتهن، قال: ‌و‌ هذا الكلام ماخوذ ‌من‌ قوله تعالى: «و قال الشيطان لما قضى الامر: ‌ان‌ الله وعدكم وعد الحق، ‌و‌ وعدتكم فاخلفتكم ‌و‌ ‌ما‌ كان لى عليكم ‌من‌ سلطان الا ‌ان‌ دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى ‌و‌ لوموا انفسكم ‌ما‌ انا بمصرخكم ‌و‌ ‌ما‌ انتم بمصرخى انى كفرت بما اشركتمون ‌من‌ قبل ‌ان‌ الظالمين لهم عذاب اليم».
 
 تنبيه
 
 ‌فى‌ قوله عليه السلام: «و استوجبت بسوء سعيى سخطتك» دلاله على ‌ان‌ الانسان ‌هو‌ الذى يختار بسعيه الشقاوه، ‌و‌ ليس ‌من‌ الشيطان الا التسويل ‌و‌ التزيين، ‌و‌ ‌هو‌ مدلول الايه المذكوره. ‌و‌ لذلك قال: المحققون: الشيطان الاصلى ‌هو‌ النفس، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ الانسان اذا احس بشى ء ‌او‌ ادركه، ترتب عليه شعوره بكونه ملائما له، ‌او‌ منافرا له. ‌و‌ يتبع هذا الشعور الميل الجازم الى الفعل ‌او‌ الى الترك. ‌و‌ كل هذه
 
الاشياء ‌من‌ شان النفس، ‌و‌ ‌لا‌ مدخل للشيطان ‌فى‌ شى ء ‌من‌ هذه المقامات، الا بان يذكره شيئا مثل: ‌ان‌ الانسان كان غافلا عن صوره امراه فيلقى الشيطان حديثها ‌فى‌ خاطره.
 قال العلامه الطبرسى: ‌فى‌ الايه المذكوره دلاله على ‌ان‌ الشيطان ‌لا‌ يقدر على اكثر ‌من‌ الدعاء ‌و‌ الاغواء، ‌و‌ انه ليس عليه عقاب معاصيهم، ‌و‌ انما عليه عقاب الدعوه فحسب.
 قوله عليه السلام: «فاصحرنى لغضبك فريدا»، «الفاء» عاطفه، ‌و‌ تفيد هنا ثلاثه امور: الترتيب، ‌و‌ التعقيب ‌و‌ السببيه.
 ‌و‌ اصحر الرجل للصحراء اصحارا برزلهما، ‌و‌ ‌هو‌ غير متعد، لكنه وقع هنا متعديا، كما وقع ‌فى‌ حديث ‌ام‌ سلمه رضوان الله عليها لعائشه: سكن الله عقيراك فلا تصحريها.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: ‌اى‌ خرج الى الصحراء، ‌و‌ اصحر ‌به‌ غيره، ‌و‌ قد جاء هنا معدى على حذف الجار ‌و‌ ايصال الفعل. انتهى.
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه ‌فى‌ حديث على عليه السلام «فاصحر لعدوك، ‌و‌ امض على بصيرتك» ‌اى‌ ‌كن‌ ‌من‌ امره على امر واضح منكشف، ‌من‌ اصحر الرجل اذا خرج الى الصحراء، ‌و‌ منه حديث الدعاء «فاصحرنى لغضبك فريدا»، ‌و‌ حديث ‌ام‌ سلمه لعائشه «فلا تصحريها» ‌اى‌ ‌لا‌ تبرزيها الى الصحراء، هكذا جاء ‌فى‌ هذا الحديث، متعديا على حذف الجار ‌و‌ ايصال الفعل، فانه غير متعد. انتهى.
 ‌و‌ ظاهر كلامه، انه ‌فى‌ حديث الدعاء بالباء الموحده ‌لا‌ بنون الوقايه، لكن اتفقت نسخ الصحيفه الشريفه على النون.
 
قال شيخنا البهائى قدس سره: ‌و‌ المراد هنا: جعلنى تائها ‌فى‌ بيداء الضلال، متصديا لحلول غضبك على. انتهى.
 قلت: ‌و‌ ‌هو‌ استعاره بالكنايه، شبه نفسه بشخص اخرج الى الصحراء ‌فى‌ عدم تمكنه ‌من‌ الاستتار بشى ء يقيه، ‌و‌ جعل اثبات الاصحار له تنبيها على ذلك، ‌و‌ يمكن حمله على الاستعاره التمثيليه ‌و‌ التبعيه ايضا، كما ‌لا‌ يخفى.
 ‌و‌ قوله: «فريدا» حال ‌من‌ ضمير المتكلم، ‌اى‌ مواخذا ‌و‌ معاقبا بما قارفته دون غيرى. ‌و‌ فيه دلاله على ‌ان‌ الشيطان ‌لا‌ يواخذ بمعاصى العبد، كما تقدم.
 قوله عليه السلام: «و اخرجنى الى فناء نقمتك طريدا».
 الفناء- بالكسر ‌و‌ المد- السعه امام الدار، ‌و‌ قيل: ‌ما‌ امتد ‌من‌ جوانبها، ‌و‌ منه فناء الكعبه.
 ‌و‌ النقمه: مثل كلمه، ‌و‌ تخفف مثلها: اسم ‌من‌ «نقمت منه»،- ‌من‌ باب ضرب- ‌و‌ انتقمت: ‌اى‌ عاقبت.
 ‌و‌ الطرد: الابعاد، طرده طردا- ‌من‌ باب قتل- فهو طريد ‌و‌ مطرود. ‌و‌ نصبه على الحال، ‌و‌ الظاهر انها مبنيه، ‌و‌ تحتمل التاكيد.
 
قوله عليه السلام: «لا شفيع يشفع لى اليك» جمله حاليه، ‌او‌ مستانفه استئنافا نحويا، ‌و‌ ‌لا‌ لنفى الجنس.
 ‌و‌ روى فيما بعدها ‌فى‌ الفقرات الاربع الرفع- على جواز الالغاء عند التكرار، ‌و‌ على الاعمال كليس-، ‌و‌ الفتح على الاصل ‌من‌ جعلها ‌فى‌ المواضع كلها لنفى الجنس فيكون مبنيا.
 ‌و‌ جمله «يشفع لى» خبر «لا».
 ‌و‌ الخفير: فعيل، ‌من‌ خفرت الرجل- ‌من‌ باب ضرب- ‌اى‌ حميته ‌و‌ اجرته ‌من‌
 
طالب، ‌و‌ الاسم الخفاره- بالضم ‌و‌ الكسر-.
 ‌و‌ آمنت الخائف- بالمد- سلمته مما يخاف، ‌و‌ الاسير اعطيته الامان. ‌و‌ تعديته ب« على» لتضمينه معنى النصره، اى: يومننى، ناصرا لى عليك، ‌و‌ نظيره تعديه الاجاره بها ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌هو‌ يجير ‌و‌ ‌لا‌ يجار عليه»، اى: يمنع ‌ما‌ يشاء، ‌و‌ ‌لا‌ يمنع احد بالنصر عليه.
 ‌و‌ الحصن- بالكسر-: المكان الذى ‌لا‌ يقدر عليه لارتفاعه.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: كل موضع حصين ‌لا‌ يوصل الى جوفه.
 ‌و‌ حجبه حجبا- ‌من‌ باب قتل-: منعه. ‌و‌ منه قيل للستر: حجاب، لانه يمنع ‌من‌ المشاهده.
 ‌و‌ الملاذ: الملجا. ‌من‌ لاذ به، يلوذ، لواذا، مثلثه، ‌اى‌ التجا اليه، ‌و‌ اعتصم به.
 يقال: لجا الى الحصن ‌و‌ غيره لجا- مهموزتين ‌من‌ بابى نفع ‌و‌ تعب-، ‌و‌ التجا اليه، ‌اى‌ استند اليه ‌و‌ اعتصم به.
 ‌و‌ مفاد هذه الفقرات تاكيد نفى الاستطاعه عن نفسه، ‌و‌ بيان عجزه، على معنى ‌ان‌ الله تعالى ‌ان‌ اراد عذابه لم يكن له شفيع يدرا عنه العذاب، ‌و‌ ‌لا‌ مجير يجيره منه، ‌و‌ ‌لا‌ يصح ‌ان‌ يكون له حصن يمنعه عنه، ‌و‌ ‌لا‌ ملاذ يعتصم ‌به‌ منه، ‌و‌ ‌هو‌ معنى قوله تعالى: «قل انى لن يجيرنى ‌من‌ الله احد ‌و‌ لن اجد ‌من‌ دونه ملتحدا». ‌و‌ الله اعلم.
 
«الفاء» للدلاله على ترتب ‌ما‌ بعدها على ‌ما‌ قبلها. ‌و‌ القول بانها للاستئناف وهم.
 ‌و‌ عاذ ‌به‌ يعوذ عوذا ‌و‌ عياذا، ‌و‌ معاذا: اعتصم.
 ‌و‌ اعترف بالشى ء اعترافا: اقر ‌به‌ على نفسه. ‌و‌ حذف المعترف ‌به‌ للتعميم
 
و الاختصار.
 ‌و‌ «الفاء» ‌من‌ قوله: «فلا يضيقن» فصيحه، ‌و‌ ‌لا‌ دعائيه، ‌و‌ اصلها النهى.
 ‌و‌ ضاق الشى ء: خلاف اتسع.
 ‌و‌ الفضل: الاحسان.
 ‌و‌ قصر السهم عن الهدف قصورا- ‌من‌ باب قعد-: لم يبلغه.
 ‌و‌ دون: نقيض فوق، ‌و‌ هى تقصير عن الغايه.
 ‌و‌ قوله: «و ‌لا‌ اكن» فيه استعمال «لا» ‌فى‌ فعل المتكلم، ‌و‌ ‌هو‌ ‌و‌ ‌ان‌ كان نادرا لكنه ثابت ‌فى‌ الفصيح، كقوله:
 ‌لا‌ اعرفن ربربا حورا مدامعها
 ‌و‌ قول آخر:
 اذا ‌ما‌ خرجنا ‌من‌ دمشق فلا نعد
 ‌و‌ هى ‌فى‌ هذا تحتمل النهى ‌و‌ الدعاء، نص عليه ابن هشام ‌فى‌ المغنى.
 ‌و‌ الكلام ‌فى‌ هذه الفقرات ‌من‌ باب توجيه النهى الى المسبب ‌و‌ المراد النهى عن السبب، بابلغ وجه، على اسلوب الكنايه.
 ‌و‌ الاصل: ‌لا‌ تمنعنى واسع فضلك فيضيق عنى، ‌و‌ ‌لا‌ عفوك فيقصر دونى، ‌و‌ ‌لا‌ تردنى ‌و‌ تجبهنى فاكون اخيب عبادك التائبين، ‌و‌ ‌لا‌ تحرمنى رفدك فاكون اقنط ‌و‌ فودك الاملين، فعدل عن ذلك الى توجيه الدعاء الى الفضل ‌فى‌ عدم الضيق، ‌و‌ الى العفو ‌فى‌ عدم القصور، ‌و‌ الى نفسه ‌فى‌ عدم كونه الاخيب ‌و‌ الاقنط على طريقه: «فلا يكن ‌فى‌ صدرك حرج» ‌و‌ قولهم: ‌لا‌ ارينك هاهنا، اى: ‌لا‌ تشك فيكون ‌فى‌ صدرك
 
حرج، ‌و‌ ‌لا‌ تكن هاهنا فاراك، فعدل عن ذلك الى توجيه النهى الى الحرج عن ‌ان‌ يكون ‌فى‌ صدره، ‌و‌ الى نفسه عن ‌ان‌ يراه.
 قال النيسابورى: توجيه النهى الى الحرج كقولهم: ‌لا‌ ارينك هاهنا، ‌و‌ المراد نهيه عن كونه بحضرته فان ذلك سبب رويته.
 قال الزمخشرى: فان قلت: النهى ‌فى‌ قوله «فلا يكن» متوجه الى الحرج فما وجهه.
 قلت: ‌هو‌ ‌من‌ قولهم: ‌لا‌ ارينك هاهنا.
 قال صاحب الكشف: ظاهره ‌ان‌ المتكلم ينهى نفسه، ‌و‌ المراد نهى المخاطب بابلغ وجه على اسلوب الكنايه.
 ‌و‌ قال التفتازانى: يعنى ليس الحرج مما يومر ‌و‌ ينهى بالكون ‌فى‌ الصدر، ‌او‌ اللاكون. كيف ‌و‌ قد فسروا النهى بطلب الكف عن الفعل ‌او‌ الترك!! فجعله ‌من‌ باب ذكر اللازم ‌و‌ اراده الملزوم. فالمنهى عدم كون المخاطب ‌فى‌ حرج، ‌و‌ قد عبر عنه بعدم كون الحرج ‌فى‌ صدره، كما عبر ‌فى‌ «لا ارينك» هاهنا عن عدم كون المخاطب ‌فى‌ هذا المكان بعدم رويه المتكلم اياه. ‌و‌ مثله ‌فى‌ الامر قوله تعالى: «و ليجدوا فيكم غلظه» عبر عن اميرالمومنين بان يغلظوا على الكفار بامر الكفار ‌ان‌ يجدوا ‌فى‌ المومنين غلظه، لان هذا لازمه. انتهى.
 ‌و‌ قال ابن هشام ‌فى‌ المغنى: قولهم «لا ارينك»، هاهنا مما اقيم فيه المسبب مقام السبب، ‌و‌ الاصل: ‌لا‌ تكن هاهنا فاراك. ‌و‌ مثله ‌فى‌ الامر «و ليجدوا فيكم غلظه»، ‌اى‌ ‌و‌ اغلظوا عليهم ليجدوا ذلك. ‌و‌ انما عدل الى الامر بالوجدان تنبيها على انه
 
المقصود لذاته، ‌و‌ اما الاغلاظ فلم يقصد لذاته بل ليجدوه. انتهى.
 ‌و‌ انما لم يكن الاغلاظ مقصودا لذاته، لانه ليس ‌من‌ الاخلاق الحسنه، فلا يكون مامورا ‌به‌ الا لعارض كارهاب العدو. ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «اخيب عبادك التائبين، ‌و‌ ‌لا‌ اقنط ‌و‌ فودك الاملين» خاب يخيب خيبه: لم يظفر بما طلب.
 ‌و‌ قنط يقنط- ‌من‌ بابى ضرب ‌و‌ تعب-، قنوطا: يئس.
 ‌و‌ الوفود: جمع وفد، ‌و‌ ‌هو‌ جمع وافد، كصحب ‌و‌ صاحب. يقال: وفد عليه يفد وفودا، ‌اى‌ ورد ‌و‌ قدم.
 ‌و‌ قال ابن الاثير: الوفد: القوم يجتمعون ‌و‌ يردون البلاد، واحدهم وافد، ‌و‌ كذلك الذين يقصدون الامراء لزياره ‌و‌ استرفاد ‌و‌ انتجاع ‌و‌ غير ذلك. انتهى.
 ‌و‌ افعل التفضيل هنا مقصود ‌به‌ اصل الفعل ‌لا‌ الزياده، اذ ليس ‌فى‌ عباده التائبين خائب، ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ وفوده الاملين قانط. فهو كقولهم: نصيب اشعر الحبشه، اى: شاعرهم، اذ ‌لا‌ شاعر فيهم غيره، ‌و‌ قولهم: الناقص ‌و‌ الاشج اعدلا بنى مروان، ‌اى‌ عادلاهم، لانه لم يشاركهما احد ‌من‌ بنى مروان ‌فى‌ العدل. فافعل هنا بمعنى اسم الفاعل ‌فى‌ انفراده بالوصف ‌من‌ غير مشاركه فيه.
 قوله عليه السلام: «و اغفر لى انك خير الغافرين» غفر الله له: ستر خطيئته ‌و‌ صفح عن عقوبته.
 ‌و‌ جمله «انك خير الغافرين» تعليل، ‌و‌ مزيد استدعاء للاجابه، اى: خير الساترين على عباده، ‌و‌ المتجاوزين لهم عن ذنوبهم لان غفرانك غير متوقف على جلب منفعه، ‌او‌ دفع مضره، بل لمحض الفضل ‌و‌ الكرم.
 
تاكيد الجمله لغرض كمال قوه اعترافه بمضمونها. ‌و‌ لم يتعرض لمتعلق الامر ‌و‌ الترك ‌و‌ ‌لا‌ النهى ‌و‌ الركوب، اما لظهور ‌ان‌ المراد: امرتنى بالخير ‌و‌ الاحسان فتركت ‌ما‌ امرتنى به، ‌و‌ نهيتنى عن الفحشاء ‌و‌ المنكر، فركبت ‌ما‌ نهيتنى عنه، بدليل «ان الله يامر بالعدل ‌و‌ الاحسان ‌و‌ ايتاء ذى القربى، ‌و‌ ينهى عن الفحشاء ‌و‌ المنكر ‌و‌ البغى».
 ‌و‌ اما لان المراد: وجد منك الامر ‌و‌ النهى، فوجد منى الترك ‌و‌ الركوب، كقولهم: امرته فعصانى.
 قال الزمخشرى: المامور ‌به‌ ‌فى‌ هذا الكلام غير مدلول عليه، ‌و‌ ‌لا‌ منوى، لان ‌من‌ يتكلم بهذا الكلام فانه ‌لا‌ ينوى لامره ‌ما‌ مامورا ‌به‌ ‌و‌ كانه يقول: كان منى امر، فلم تكن منه طاعه، كما ‌ان‌ ‌من‌ يقول: فلان يعطى ‌و‌ يمنع، ‌و‌ يامر ‌و‌ ينهى، غير قاصد الى مفعول. انتهى. ‌و‌ هذا الوجه اولى.
 ‌و‌ ركب الامر، ‌و‌ ارتكبه: باشره، ‌و‌ منه ركب ذنبا، ‌و‌ ‌لا‌ يستعمل الا ‌فى‌ ‌ما‌ فيه صعوبه ‌او‌ قبح.
 ‌و‌ التسويل: تحسين الشى ء ‌و‌ تزيينه ‌و‌ تحبيبه الى الانسان ليفعله ‌او‌ يقوله.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: سولت له نفسه كذا: زينت، ‌و‌ سول له الشيطان: اغواه.
 ‌و‌ الخطاء: بفتحتين، ‌ضد‌ الصواب. ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يراد ‌به‌ هنا الاثم، ‌و‌ الذنب لغه ‌فى‌ الخطا- بالكسر ‌و‌ السكون- ‌و‌ قد قرى ء قوله تعالى: «ان قتلهم كان خطا كبيرا» بالوجهين.
 قال المفسرون: الخطا- بالكسر ‌و‌ السكون- الاثم، يقال: خطا خطا كاثم اثما،
 
وزنا ‌و‌ معنى.
 ‌و‌ قرى ء بفتحتين بمعناه، كالمثل ‌و‌ المثل، ‌و‌ الحذر ‌و‌ الحذر.
 ‌و‌ قيل: ‌ضد‌ الصواب.
 ‌و‌ الخاطر: ‌ما‌ يرد على القلب، ‌و‌ يمر بالبال، ‌و‌ ‌هو‌ اقسام:
 رحمانى: ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ كان باعثا على ‌ما‌ فيه صلاح ‌و‌ قربه، ‌و‌ يسمى الهاما
 ‌و‌ نفسانى: ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ فيه حظ للنفس، ‌و‌ يسمى هاجسا.
 ‌و‌ شيطانى: ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يدعو الى مخالفه الحق، ‌و‌ يسمى وسواسا.
 ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك بابسط ‌من‌ هذا.
 ‌و‌ لما كان ينقسم الى حسن ‌و‌ قبيح قيده عليه السلام بالاضافه الى السوء، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ النسخه المقابله على نسخه الشهيد بخطه بفتح السين، ‌و‌ ‌فى‌ غيرها بالضم، ‌و‌ قرى قوله تعالى: «عليهم دائره السوء» بالوجهين.
 قيل: هما لغتان ‌من‌ «ساء، يسوء» اذا قبح. غير ‌ان‌ المفتوح غلب ‌فى‌ ‌ان‌ يضاف اليه ‌ما‌ يراد ذمه، ‌و‌ المضموم جرى مجرى الشر، ‌و‌ كلاهما ‌فى‌ الاصل مصدر. ‌و‌ قيل : ‌هو‌ بالفتح مصدر، ‌و‌ بالضم اسم منه.
 ‌و‌ قيل: المفتوح: الرداءه ‌و‌ الفساد، ‌و‌ المضموم: الشر ‌و‌ الضرر.
 ‌و‌ فرط ‌فى‌ الامر تفريطا: قصر فيه وضيعه ‌و‌ عدم التعرض للمفرط فيه، لان المراد وجد منى التفريط، كما يقال: فلان يعطى ‌و‌ يمنع.
 ‌و‌ تقديم المفعول، اعنى الخطاء على الفاعل، ‌و‌ ‌هو‌ خاطر السوء، للاهتمام ‌به‌ ‌من‌ حيث انه نصب عينيه، ‌و‌ ‌ان‌ التفات خاطره اليه اشد. ‌و‌ الله اعلم.
 
الواو عاطفه. ‌و‌ جعلها للاستئناف كما زعم بعضهم ‌لا‌ داعى اليه، لعدم انقطاع الجمله مما قبلها.
 
و استشهد به: طلبت منه ‌ان‌ يشهد.
 ‌و‌ النهار: ‌من‌ طلوع الفجر الى غروب الشمس، ‌و‌ ‌هو‌ مرادف لليوم.
 ‌و‌ استجاره: طلبت منه ‌ان‌ يجيره، ‌اى‌ يومنه، ‌و‌ يمنعه.
 ‌و‌ الليل: ‌من‌ غروب الشمس الى طلوع الفجر الصادق.
 ‌و‌ التهجد: تفعل ‌من‌ الهجود، قال ابوعبيده ‌و‌ ابن الاعرابى ‌و‌ الفارابى ‌و‌ الجوهرى: هجد ‌و‌ تهجد. ‌اى‌ نام ليلا، ‌و‌ هجد ‌و‌ تهجد. اى: سهر، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الاضداد، ‌و‌ منه قيل: لصلاه الليل التهجد.
 ‌و‌ قال الازهرى ‌و‌ جماعه: الهجود ‌فى‌ الاصل ‌هو‌ النوم بالليل، ‌و‌ لكن تاء التفعل فيه لاجل التجنب. ‌و‌ منه تاثم ‌و‌ تحرج اذا القى الاثم ‌و‌ الحرج عن نفسه، فكان المتهجد يدفع الهجود عن نفسه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: تهجد الرجل: ترك الهجود للصلاه.
 ‌و‌ قال المبرد: التهجد: السهر للصلاه، ‌او‌ لذكر الله.
 ‌و‌ عن ابن عباس ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌من‌ الليل فتهجدبه» ‌اى‌ فصل بالقرآن.
 ‌و‌ قال على ‌بن‌ ابراهيم: التهجد: صلاه الليل.
 ‌و‌ اكثر المفسرين على ‌ان‌ التهجد ‌لا‌ يكون الا بعد النوم، ‌و‌ قال بعضهم: ‌ما‌ تنفلت ‌به‌ ‌فى‌ كل الليل يسمى تهجدا.
 قال بعض المحشين: قوله عليه السلام «نهارا» اما مفعول استشهد، ‌و‌ اما متعلق بصيامى، ‌و‌ المفعول مقدر، ‌و‌ التقدير: ‌و‌ ‌لا‌ صمت نهارا صياما مبرورا، فاستشهد
 
النهار، ‌او‌ الله، ‌او‌ الملائكه على ذلك. ‌و‌ كذلك قوله «ليلا» متعلق ب«تهجدى»، اى: ‌و‌ ‌لا‌ تهجدت ليلا تهجدا مقبولا فاستجير به. انتهى.
 ‌و‌ قال آخرون: كل ‌من‌ النهار ‌و‌ الليل مفعول به، لاظرف، ‌و‌ التقدير: ‌لا‌ استشهد نهارا على صيامى، ‌و‌ ‌لا‌ استجير ليلا بتهجدى، ‌اى‌ ‌لا‌ اطلب ‌من‌ نهار ‌ان‌ يشهد لى على صيامى فيه، ‌و‌ ‌لا‌ اطلب ‌من‌ الليل ‌ان‌ يجيرنى بسبب تهجدى فيه.
 اقول: ‌و‌ العباره تحتمل معنى آخر لم يتعرض له احد، ‌و‌ لعله انسب مما ذكر، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يكون المراد بقوله عليه السلام «لا استشهد ‌و‌ ‌لا‌ استجير» ‌لا‌ يكون منى استشهاد ‌و‌ ‌لا‌ استجاره، تنزيلا للمتعدى منزله اللازم، ‌من‌ غير اعتبار تعلقه بمستشهد ‌و‌ مستجار عام ‌او‌ خاص، على ‌حد‌ قولهم: ‌من‌ يسمع يخل، ‌اى‌ يكن منه خيله، ‌اى‌ ظن.
 ‌و‌ نهارا ‌و‌ ليلا منصوبان على الظرفيه للصيام ‌و‌ التهجد، ‌و‌ المعنى ‌لا‌ يكون منى استشهاد على صيامى ‌فى‌ نهار، ‌و‌ ‌لا‌ يكون منى استجاره بسبب تهجدى ‌فى‌ ليل. ‌و‌ غرضه نفى الصيام ‌و‌ التهجد مطلقا، ‌من‌ باب نفى الشى ء بنفى لازمه، اى: ‌لا‌ صيام لى ‌فى‌ نهار فاستشهد عليه، ‌و‌ ‌لا‌ تهجدلى بليل فاستجير بسببه، كقوله: ‌و‌ ‌لا‌ ترى الضب بها ينجحر، ‌اى‌ ‌لا‌ ضب ‌و‌ ‌لا‌ انجحار.
 فان قلت: الصيام ‌لا‌ يكون الا نهارا، ‌و‌ التهجد ‌لا‌ يكون الا ليلا، فما فائده حملهما على الظرفيه؟
 قلت: فائدته الدلاله على البعضيه ‌من‌ حيث الافراد بما فيهما ‌من‌ التنكير الدال على البعضيه، فان قولك: ركبت نهارا ‌و‌ سرت ليلا يفيد بعضيه زمان سيرك ‌من‌ الايام ‌و‌ الليالى، الا ترى: ‌ان‌ المحققين ‌من‌ المفسرين قالوا ‌فى‌ قوله تعالى: «سبحان
 
الذى اسرى بعبده ليلا»، ‌ان‌ قوله: «ليلا» مع ‌ان‌ الاسراء انما يكون ليلا، لافاده قله زمان الاسراء بما فيه ‌من‌ التنكير الدال على البعضيه ‌من‌ حيث الاجزاء، دلالته على البعضيه ‌من‌ حيث الافراد.
 فان قولك سرت ليلا، كما يفيد بعضيه زمان سيرك ‌من‌ الليالى يفيد بعضيته ‌من‌ فرد واحد منها، بخلاف ‌ما‌ اذا قلت: سرت الليل، فانه يفيد استيعاب السير له جميعا فيكون معيارا للسير ‌لا‌ ظرفا له، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام «و ‌لا‌ تثنى على باحيائها سنه» اثنيت على زيد: ذكرته بالجميل ‌او‌ اتيت بما يشعر بتعظيمه مطلقا، ‌و‌ الاسم الثناء- بالفتح ‌و‌ المد-.
 ‌و‌ اما ‌ما‌ ذكره ابن القطاع ‌و‌ غيره ‌من‌ ‌ان‌ الثناء يستعمل ‌فى‌ الجميل ‌و‌ القبيح، فقال الامام البطليوسى: ‌هو‌ مردود، بان المستعمل فيهما انما ‌هو‌ النثاء بتقديم النون على الثاء المثلثه، ‌و‌ اما الثناء بتقديم الثاء على النون فاستعماله ‌فى‌ القبيح انما ‌هو‌ على ضرب ‌من‌ التاويل كالمشاكله ‌و‌ الاستعاره التهكميه.
 ‌و‌ الضمير ‌فى‌ احيائها راجع الى السنه، ‌و‌ جاز اعاده الضمير الى المتاخر لتقدمه ‌فى‌ الرتبه، اذ ‌هو‌ فاعل. ‌و‌ الاصل فيه ‌ان‌ يتصل بفعله.
 ‌و‌ السنه ‌فى‌ الاصل: الطريقه ‌و‌ السيره، ‌و‌ ‌فى‌ الشرع: ‌ما‌ رغب فيه الشارع ‌و‌ لم يوجبه.
 قال بعضهم: السنه ‌و‌ المندوب ‌و‌ التطوع ‌و‌ النفل ‌و‌ المرغب فيه ‌و‌ المستحب كلها بمعنى واحد، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ كان فعله راجحا على تركه، ‌و‌ ‌لا‌ اثم ‌فى‌ تركه، سواء ‌دل‌ عليه كتاب ‌او‌ سنه.
 ‌و‌ قد يراد بها ‌ما‌ امر ‌به‌ النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم، ‌و‌ نهى عنه، ‌و‌ ندب اليه قولا ‌و‌ فعلا مما لم يات ‌به‌ الكتاب العزيز، ‌و‌ لهذا يقال ‌فى‌ ادله الشرع: الكتاب ‌و‌ السنه، ‌اى‌ القرآن ‌و‌ الحديث.
 ‌و‌ قد يراد بها مطلق الطريقه النبويه، ‌و‌ الشريعه المحمديه، الشامله لما ورد ‌به‌
 
الكتاب ‌و‌ الحديث، فرضا كان ‌او‌ مستحبا، ‌و‌ عليه قول اميرالمومنين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه: السنه: سنتان، سنه ‌فى‌ فريضه، الاخذ بها هدى، ‌و‌ تركها ضلاله، ‌و‌ سنه ‌فى‌ غير فريضه، الاخذ بها فضيله، ‌و‌ تركها الى غير خطيئه.
 ‌و‌ المراد باحيائها اقامتها ‌و‌ الاعتناء بها، ‌و‌ المواظبه عليها، ‌و‌ المحافظه على حدودها.
 ‌و‌ «الباء»: للسببيه، ‌اى‌ بسبب احيائها.
 ‌و‌ تقديمه على الفاعل للعنايه ‌و‌ الاهتمام. ‌و‌ قول بعضهم: يمكن ‌ان‌ يكون الضمير ‌من‌ «احيائها» عائد الى الليل، ‌و‌ المعنى ‌لا‌ تثنى على سنه باحياء ليل، ‌لا‌ يخفى بعده:
 ‌و‌ اسناد الثناء الى السنه مجاز عقلى، ‌من‌ باب اسناد الشى ء الى سببه، ‌او‌ استعاره بالكنايه، بجعل السنه استعاره عن الفاعل الحقيقى بواسطه المبالغه ‌فى‌ التشبيه، ‌و‌ جعل نسبه الثناء اليها قرينه للاستعاره، ‌و‌ ‌هو‌ مذهب صاحب المفتاح.
 قوله عليه السلام «حاشا فروضك التى ‌من‌ ضيعها هلك».
 «حاشا» هنا استثنائيه، فذهب سيبويه ‌و‌ اكثر البصريين الى انها حرف دائما بمنزله «الا»، ‌و‌ انكروا النصب بعدها.
 ‌و‌ ذهب المبرد ‌و‌ الزجاج ‌و‌ الاخفش ‌و‌ آخرون الى انها تستعمل كثيرا حرفا جارا، ‌و‌ قليلا فعلا متعديا جامدا، لتضمنه معنى «الا». فتنصب ‌ما‌ بعدها. ‌و‌ فاعلها ضمير مستتر وجوبا، ‌و‌ سمع: اللهم اغفرلى ‌و‌ لمن يسمع، حاشا الشيطان ‌و‌ ابا الاصبغ.
 ‌و‌ الروايه ‌فى‌ الدعاء وارده بالوجهين، فالجر على انها حرف، ‌و‌ النصب على انها فعل بمعنى جانب. ‌و‌ فاعلها مستتر عائد اما الى مصدر متصيد ‌من‌ الكلام الذى قبلها، ‌و‌ المعنى جانب اعترافى بعدم قيامى بالطاعات المذكوره- فروضك، ‌او‌ الى اسم فاعل مفهوم منه، ‌اى‌ جانب المعترف منى فروضك.
 ‌و‌ هذان قولان ‌فى‌ مرجع الضمير، الاول للكوفيين، ‌و‌ الثانى لسيبويه، ‌و‌ ذهب
 
الفراء الى انها فعل ‌لا‌ فاعل له، كقلما، لما اشربته ‌من‌ معنى «الا».
 ‌و‌ انما استثنى عليه السلام بحاشا، لما فيها ‌من‌ معنى التنزيه، تنزيها لفروضه تعالى ‌من‌ تضييعها.
 ‌و‌ لذلك قال ابن الحاجب: انما يستثنى ب«حاشا» حيث يتعلق الاستثناء بما فيه تنزيه، كقولك: ضربت القوم حاشا زيد، ‌و‌ ‌لا‌ يحسن: صلى الناس حاشا زيد، لفوات معنى التنزيه.
 ‌و‌ الاستثناء هنا متصل، لانه ‌من‌ مضمون الكلام السابق، ‌و‌ ‌هو‌ الاعتراف بالتفريط ‌فى‌ الطاعات ‌و‌ العبادات، ‌او‌ ‌من‌ السنه الشامله للفرض ‌و‌ الندب، ‌و‌ ‌ان‌ كان العطف محتويا على ثلاثه اشياء، كقوله عليه السلام «الا ‌ان‌ كل ‌دم‌ ‌و‌ مال ‌و‌ ماثره كانت ‌فى‌ الجاهليه، فهى تحت قدمى هاتين الا سدانه الكعبه، ‌و‌ سقايه الحاج.
 قال الزمخشرى: هذا استثناء عن الماثره، ‌و‌ ‌ان‌ احتوى العطف على ثلاثه اشياء، ‌و‌ نظيره قولك: جاءنى بنو ضبه ‌و‌ بنوالحرث ‌و‌ بنوعبس الا قيس ‌بن‌ زهير، ‌و‌ ذلك لان المعنى يدعوه الى متعلقه. انتهى.
 يعنى ‌ان‌ قيسا ‌من‌ بنى عبس، فلا يتعلق الا به. اذا عرفت ذلك، فقول بعضهم: الاستثناء بحاشا هنا منقطع، ليس كما ينبغى.
 ‌و‌ الفروض: جمع فرض، ‌و‌ ‌هو‌ لغه: التقدير، ‌و‌ شرعا: ‌ما‌ امر الله تعالى عباده ليفعلوه، كالصلاه ‌و‌ الزكاه ‌و‌ الصوم ‌و‌ الحج، ‌و‌ جمعه باعتبار افراده.
 ‌و‌ تضييع الفروض عباره عن تركها ‌و‌ عدم القيام بها. يقال: ضيعه تضييعا، ‌و‌ اضاعه اضاعه، قال تعالى: «فخلف ‌من‌ بعدهم خلف اضاعوا الصلاه».
 
و المراد بالهلاك هنا استيجاب العذاب ‌و‌ استحقاق السخط ‌من‌ الله تعالى نعوذ بالله ‌من‌ ذلك.
 ‌و‌ مدار هذه الفقرات على اعترافه عليه السلام بعدم قيامه بالطاعات سوى الفرائض باعتبار عدم الاعتداد به، ‌و‌ الى هذا المعنى اشار صاحب البرده بقوله :
 ‌و‌ ‌ما‌ تزودت قبل الموت نافله
 ‌و‌ لم اصل سوى فرض، ‌و‌ لم اصم
 ‌و‌ ‌من‌ العجيب ‌ما‌ قاله بعضهم هنا: ‌ان‌ الاستثناء ‌فى‌ قوله عليه السلام «حاشا فروضك» نظير قوله:
 ‌و‌ ‌لا‌ عيب فيهم غير ‌ان‌ سيوفهم
 بهن فلول ‌من‌ قراع الكتائب
 فيكون المعنى خصوصا فروضك.
 ‌و‌ لو كان الاستثناء على حقيقته لكان المعنى ‌ما‌ احييت ‌من‌ السنن الا الفروض، ‌و‌ مقام الاعتراف بالتقصير، غير مناسب لذلك. انتهى.
 ‌و‌ مثل هذا الكلام ‌لا‌ يصدر الا عن ذهن مووف، نسال الله العافيه.
 
توسل الى ربه بعمل: تقرب اليه به، ‌و‌ يقال: وسل، يسل ايضا- ‌من‌ باب وعد-، ‌و‌ منه اشتقاق الوسيله، ‌و‌ هى ‌ما‌ يتقرب ‌به‌ الى الشى ء.
 ‌و‌ الفضل: الزياده، ‌و‌ ‌هو‌ خلاف النقص. يقال: فضل فضلا- ‌من‌ باب قتل- ‌اى‌ زاد، ‌و‌ «خذ الفضل» ‌اى‌ الزياده ‌و‌ يطلق على الكمال ‌و‌ الشرف ‌و‌ الدرجه الرفيعه، كالفضيله
 ‌و‌ النافله: ‌من‌ النفل، ‌و‌ ‌هو‌ لغه: الزياده، ‌و‌ شرعا: اسم لما شرع زياده ‌فى‌ العبادات على المفروضات. ‌و‌ يسمى مندوبا، ‌و‌ مستحبا ‌و‌ تطوعا، ‌و‌ تنويها للتفخيم، ‌اى‌ نافله يعتد بها.
 
و «مع» ‌فى‌ الاصل: ظرف، ‌و‌ هى اسم لمكان الاجتماع، ‌او‌ وقته، تقول: زيد مع عمرو، ‌و‌ جئت مع العصر. ‌و‌ هل ‌هو‌ معرب ‌او‌ مبنى؟ خلاف. ‌و‌ قد يراد بها مجرد الاجتماع ‌من‌ غير ملاحظه الزمان ‌و‌ المكان، ‌و‌ هى هنا كذلك. ‌و‌ لما كان اصلها الظرفيه فلابد لها ‌من‌ متعلق، ‌و‌ متعلقها هنا قوله: «اتوسل».
 ‌و‌ اغفلت الشى ء اغفالا: تركته ‌من‌ غير نسيان، ‌و‌ المفعول محذوف، ‌اى‌ اغفلته.
 ‌و‌ «من»: بيانيه.
 ‌و‌ الوظائف: جمع وظيفه، ‌و‌ هى ‌ما‌ يقدر ‌من‌ عمل ‌و‌ زرق ‌و‌ نحو ذلك. ‌و‌ تطلق على الشرط كما ‌فى‌ القاموس، ‌و‌ لعله المراد هنا بقرينه استثناء الفروض سابقا، فيكون المراد بها شرائط الفروض للقبول دون الاجزاء كمحض الاخلاص، ‌و‌ حضور القلب ‌و‌ غير ذلك، ففى الصحيح «انما لك ‌من‌ صلاتك ‌ما‌ اقبلت عليه».
 ‌و‌ فيه عن ابى جعفر عليه السلام: ‌ان‌ العبد ليرفع له ‌من‌ صلاته نصفها ‌او‌ ثلثها ‌او‌ ربعها ‌او‌ خمسها، فما يرفع له الا ‌ما‌ اقبل عليه بقلبه، ‌و‌ انما امرنا بالنافله ليتم لهم بها ‌ما‌ نقصوا ‌من‌ الفريضه.
 ‌او‌ المراد بها الاداب الموظفه التى يكون بها المفروض على اكمل الوجوه كما ورد ‌فى‌ الحسن عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: للصلاه اربعه آلاف حد، ‌و‌ ‌فى‌ روايه اخرى للصلاه اربعه آلاف باب.
 ‌و‌ على كل تقدير فغرضه ‌من‌ ذلك ‌ان‌ ‌لا‌ يخرج نفسه ‌من‌ ‌حد‌ التقصير ‌فى‌ فرض ‌و‌ ‌لا‌ ندب.
 ‌و‌ تعديت الشى ء: تجاوزته الى غيره. ‌و‌ انما عداه ب«عن» لتضمينه معنى الاعراض ‌و‌ الصد.
 
و ‌فى‌ القاموس ‌و‌ المحكم: عدى عن الامر جازه الى غيره فلا حاجه الى التضمين.
 ‌و‌ المقامات: جمع مقامه، ‌و‌ هى- بالفتح-: القيام ‌و‌ موضعه، و- بالضم- الاقامه ‌و‌ موضعها، ‌و‌ الروايه ‌فى‌ الدعاء بالوجهين.
 ‌و‌ الحد ‌فى‌ الاصل: المنع ‌و‌ الفصل بين الشيئين، ‌و‌ ‌حد‌ الدار ‌ما‌ يمنع غيرها ‌ان‌ يدخل فيها.
 فحدود الله: ‌ما‌ منع ‌من‌ مخالفتها بعد ‌ان‌ قدرها بتقادير مخصوصه، ‌و‌ صفات مضبوطه، قال تعالى: «تلك حدود الله فلا تعتدوها ‌و‌ ‌من‌ يتعد حدود الله فاولئك ‌هم‌ الظالمون» ‌اى‌ احكامه ‌و‌ فرائضه، ‌و‌ عن الحسن: حرماته، ‌و‌ بالجمله ‌ما‌ امر ‌به‌ ‌و‌ نهى عن مخالفته.
 ‌و‌ اضافه المقامات اليها، اما بمعنى المصدر ‌من‌ قام بالامر، ‌و‌ اقامه: اذا حفظه ‌و‌ لم يضيعه، ‌او‌ بمعنى الموضع، ‌اى‌ مواضع قيامها ‌او‌ اقامتها، ‌و‌ المراد بها المواضع التى نيطت بها حدوده ‌و‌ احكامه تعالى، ‌من‌ الافعال ‌و‌ التروك.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «الى حرمات انتهكتها» متعلق ب«تعديت»، يقال: تعديت هذا الامر الى غيره: ‌اى‌ جاوزته اليه.
 ‌و‌ الحرمات: جمع حرمه- بالضم ‌و‌ بالضمتين- ‌و‌ هى ‌ما‌ ‌لا‌ يحل انتهاكه.
 ‌و‌ حرمات الله: قيل: فروضه، ‌و‌ قيل: ‌ما‌ وجب القيام به، ‌و‌ حرم التفريط فيه، ‌و‌ قيل: ‌ما‌ حرمه، ‌و‌ امر باجتنابه. ‌من‌ حرم الشى ء- بالضم- اذا امتنع فعله. ‌و‌ هى ‌فى‌ الاصل اسم ‌من‌ الاحترام، كالفرقه ‌من‌ الافتراق.
 ‌و‌ انتهك الحرمه: تناولها بما ‌لا‌ يحل، ‌و‌ اصله ‌من‌ النهك، ‌و‌ ‌هو‌ المبالغه ‌فى‌ كل شى ء،
 
فكان المنتهك للحرمه بالغ ‌فى‌ خرق محارم الشرع، ‌و‌ اتيانها.
 ‌و‌ اجترح الذنب: اكتسبه، اخذا ‌من‌ الجوارح، ‌اى‌ اعضاء الانسان التى يكتسب بها، لانه يعمل بجوارحه.
 ‌و‌ قوله: «كانت عافيتك لى ‌من‌ فضائحها» جمله ‌فى‌ محل الخفض، نعت للحرمات ‌و‌ الكبائر.
 ‌و‌ العافيه: المعافاه، مصدر جاء على فاعله، ‌من‌ عافاه الله، ‌اى‌ سلمه ‌من‌ المكروه، كالخاتمه بمعنى الختم ‌و‌ الكاذبه بمعنى الكذب.
 ‌و‌ الفضائح: جمع فضيحه، ‌و‌ هى اسم ‌من‌ فضحه، كمنعه، ‌اى‌ كشف مساوئه ‌و‌ عيوبه.
 ‌و‌ الظرف ‌من‌ قوله: «لى» متعلق بالعافيه.
 ‌و‌ «من فضائحها»: يحتمل تعلقه بها ايضا، ‌و‌ ‌هو‌ الظاهر، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون متعلقا بقوله: «سترا»، ‌و‌ ‌هو‌ ‌و‌ ‌ان‌ كان اسما لما يستتر ‌به‌ الا انه يصح التعلق به، لتاوله ب«ساتر» المشبه للفعل، ‌و‌ نظير ذلك قول الشاعر:
 ‌و‌ ‌ان‌ لسانى شهده يشتفى بها
 ‌و‌ ‌هو‌ على ‌من‌ صبه الله علقم
 قال ابن هشام: اصله: علقم على ‌من‌ صبه الله عليه، فعلى المحذوفه متعلقه ب«صب»، ‌و‌ المذكوره متعلقه ب«علق» لتاوله ب«صعب، ‌او‌ شاق، ‌او‌ شديد» ‌و‌ الله اعلم.
 
الاستحياء: استفعال ‌من‌ الحيا، ‌و‌ ‌هو‌ تغير النفس، ‌و‌ انقباضها مما تعاب به، ‌او‌ تذم عليه، يقال: استحييته، ‌و‌ استحييت منه، فيعدى بنفسه، ‌و‌ يحرف الجر. ‌و‌ فيه لغتان:
 احداهما بيائين، ‌و‌ هى لغه اهل الحجاز، ‌و‌ بها جاء القرآن، ‌و‌ عليها عباره الدعاء.
 
و الثانيه: بياء واحده، ‌و‌ هى لغه تميم، ‌و‌ منها قوله:
 الا تستحى منا الملوك ‌و‌ تتقى
 ‌و‌ المراد بالاستحياء منه تعالى ترك ‌ما‌ يكرهه، ‌و‌ يستقبحه، ‌و‌ يواخذ عليه، فاستحياوه لنفسه منه سبحانه عباره عن زجره لها، ‌و‌ كفها عن ارتكاب ‌ما‌ ‌لا‌ يرضاه.
 ‌و‌ سخط عليه سخطا- ‌من‌ باب تعب-: غضب، ‌و‌ السخط- بالضم- اسم منه.
 ‌و‌ الرضا عن الله سبحانه عباره عن الابتهاج بقضائه، ‌و‌ احكامه ‌و‌ احسانه ‌و‌ انعامه، ‌و‌ حمله عن تعجيل المواخذه ‌و‌ الانتقام، ‌و‌ فتح باب التوبه ‌و‌ العفو عن الاثام.
 ‌و‌ تلقيت الرجل: استقبلته.
 ‌و‌ التلقى هنا استعاره تبعيه لتوجهه بكليته اليه تعالى، ‌و‌ الانابه الى باب كرمه ‌و‌ عفوه.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بنفس» للملابسه، اى: ملتبسا بنفس خاشعه.
 قال الرضى: ‌و‌ ‌لا‌ تكون بهذا المعنى الا مستقرا.
 ‌و‌ قال الشمنى: الظاهر انه ‌لا‌ منع ‌من‌ كونها لغوا.
 ‌و‌ خشع خشوعا: ذل ‌و‌ استكان ‌و‌ سكن، فهو خاشع، ‌و‌ خشع ‌فى‌ صلاته ‌و‌ دعائه: اقبل بقلبه على ذلك، ‌و‌ ‌هو‌ ماخوذ ‌من‌ خشعت الارض اذا سكنت ‌و‌ اطمانت.
 ‌و‌ عن مجاهد: الخشوع: الخوف الدائم ‌فى‌ القلب.
 ‌و‌ خضع خضوعا: تطامن ‌و‌ تواضع.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الخشوع، الخضوع، ‌او‌ قريب ‌من‌ الخضوع، ‌او‌ ‌هو‌ ‌فى‌ البدن
 
و الخشوع ‌فى‌ الصوت ‌و‌ البصر.
 ‌و‌ قال الفيومى: الخضوع قريب ‌من‌ الخشوع، الا ‌ان‌ الخشوع اكثر ‌ما‌ يستعمل ‌فى‌ الصوت، ‌و‌ الخضوع ‌فى‌ الاعناق.
 ‌و‌ اثقله الشى ء، بالالف، اثقالا: اجهده. شبه الخطايا ‌فى‌ ثقلها عليه، ‌و‌ صعوبه احتمالها بالاحمال التى تثقل الحامل ‌و‌ تقدحه، ‌و‌ تنقض ظهره، فرشحها بذكر الظهر ‌و‌ الاثقال، ‌و‌ لك جعله ‌من‌ باب التمثيل.
 ‌و‌ نصب «واقفا» على الحال.
 ‌و‌ «بين» هنا ظرف مستعار لما بين الحدثين مكانا.
 قال الرضى: «بين» ‌ان‌ اضيف الى الامكنه ‌او‌ جثث غيرها فهو للمكان نحو بين الدار ‌و‌ بين زيد ‌و‌ عمرو، ‌و‌ ‌ان‌ اضيف الى الازمنه فهو للزمان نحو بين يوم الجمعه ‌و‌ يوم الاحد، ‌و‌ كذا ‌ان‌ اضيف الى الاحداث نحو: بين قيام زيد ‌و‌ قعوده، الا ‌ان‌ يراد ‌به‌ مجازا المكان نحو قولك: زيد بين الخوف ‌و‌ الرجاء، استعيرت لما بين الحدثين مكانا، فلهذا وقع «بين» خبرا عن الجثه. انتهى.
 ‌و‌ رغب اليه ‌فى‌ كذا: طلبه منه، ‌و‌ ساله اياه، ‌و‌ قيل: امله ‌و‌ رجاه.
 ‌و‌ رهبته ‌و‌ رهبت منه: خفته، ‌اى‌ واقفا بين الرغبه اليك ‌فى‌ رحمتك ‌و‌ عفوك، ‌و‌ الرهبه ‌من‌ عقابك ‌و‌ سخطك، ‌و‌ المراد بالوقوف بينهما تساويهما عنده، ‌و‌ اتصافه بهما على ‌حد‌ سواء
 قال بعضهم: اجتماع الرغبه ‌و‌ الرهبه ‌و‌ الخوف ‌و‌ الرجاء على تضادهما ‌فى‌ حاله واحده ‌من‌ قبل توارد اسبابهما عليه، ‌و‌ ‌هو‌ كما يجتمع الاخبات ‌و‌ الطمانينه مع الوجل الذى ‌هو‌ ضدهما، كما قال الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ «و بشر المخبتين الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم».
 
الاستحياء: استفعال ‌من‌ الحيا، ‌و‌ ‌هو‌ تغير النفس، ‌و‌ انقباضها مما تعاب به، ‌او‌ تذم عليه، يقال: استحييته، ‌و‌ استحييت منه، فيعدى بنفسه، ‌و‌ يحرف الجر. ‌و‌ فيه لغتان:
 احداهما بيائين، ‌و‌ هى لغه اهل الحجاز، ‌و‌ بها جاء القرآن، ‌و‌ عليها عباره الدعاء.
 ‌و‌ الثانيه: بياء واحده، ‌و‌ هى لغه تميم، ‌و‌ منها قوله:
 الا تستحى منا الملوك ‌و‌ تتقى
 ‌و‌ المراد بالاستحياء منه تعالى ترك ‌ما‌ يكرهه، ‌و‌ يستقبحه، ‌و‌ يواخذ عليه، فاستحياوه لنفسه منه سبحانه عباره عن زجره لها، ‌و‌ كفها عن ارتكاب ‌ما‌ ‌لا‌ يرضاه.
 ‌و‌ سخط عليه سخطا- ‌من‌ باب تعب-: غضب، ‌و‌ السخط- بالضم- اسم منه.
 ‌و‌ الرضا عن الله سبحانه عباره عن الابتهاج بقضائه، ‌و‌ احكامه ‌و‌ احسانه ‌و‌ انعامه، ‌و‌ حمله عن تعجيل المواخذه ‌و‌ الانتقام، ‌و‌ فتح باب التوبه ‌و‌ العفو عن الاثام.
 ‌و‌ تلقيت الرجل: استقبلته.
 ‌و‌ التلقى هنا استعاره تبعيه لتوجهه بكليته اليه تعالى، ‌و‌ الانابه الى باب كرمه ‌و‌ عفوه.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بنفس» للملابسه، اى: ملتبسا بنفس خاشعه.
 قال الرضى: ‌و‌ ‌لا‌ تكون بهذا المعنى الا مستقرا.
 ‌و‌ قال الشمنى: الظاهر انه ‌لا‌ منع ‌من‌ كونها لغوا.
 ‌و‌ خشع خشوعا: ذل ‌و‌ استكان ‌و‌ سكن، فهو خاشع، ‌و‌ خشع ‌فى‌ صلاته ‌و‌ دعائه: اقبل بقلبه على ذلك، ‌و‌ ‌هو‌ ماخوذ ‌من‌ خشعت الارض اذا سكنت ‌و‌ اطمانت.
 ‌و‌ عن مجاهد: الخشوع: الخوف الدائم ‌فى‌ القلب.
 ‌و‌ خضع خضوعا: تطامن ‌و‌ تواضع.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الخشوع، الخضوع، ‌او‌ قريب ‌من‌ الخضوع، ‌او‌ ‌هو‌ ‌فى‌ البدن
 ‌و‌ الخشوع ‌فى‌ الصوت ‌و‌ البصر.
 ‌و‌ قال الفيومى: الخضوع قريب ‌من‌ الخشوع، الا ‌ان‌ الخشوع اكثر ‌ما‌ يستعمل ‌فى‌ الصوت، ‌و‌ الخضوع ‌فى‌ الاعناق.
 ‌و‌ اثقله الشى ء، بالالف، اثقالا: اجهده. شبه الخطايا ‌فى‌ ثقلها عليه، ‌و‌ صعوبه احتمالها بالاحمال التى تثقل الحامل ‌و‌ تقدحه، ‌و‌ تنقض ظهره، فرشحها بذكر الظهر ‌و‌ الاثقال، ‌و‌ لك جعله ‌من‌ باب التمثيل.
 ‌و‌ نصب «واقفا» على الحال.
 ‌و‌ «بين» هنا ظرف مستعار لما بين الحدثين مكانا.
 قال الرضى: «بين» ‌ان‌ اضيف الى الامكنه ‌او‌ جثث غيرها فهو للمكان نحو بين الدار ‌و‌ بين زيد ‌و‌ عمرو، ‌و‌ ‌ان‌ اضيف الى الازمنه فهو للزمان نحو بين يوم الجمعه ‌و‌ يوم الاحد، ‌و‌ كذا ‌ان‌ اضيف الى الاحداث نحو: بين قيام زيد ‌و‌ قعوده، الا ‌ان‌ يراد ‌به‌ مجازا المكان نحو قولك: زيد بين الخوف ‌و‌ الرجاء، استعيرت لما بين الحدثين مكانا، فلهذا وقع «بين» خبرا عن الجثه. انتهى.
 ‌و‌ رغب اليه ‌فى‌ كذا: طلبه منه، ‌و‌ ساله اياه، ‌و‌ قيل: امله ‌و‌ رجاه.
 ‌و‌ رهبته ‌و‌ رهبت منه: خفته، ‌اى‌ واقفا بين الرغبه اليك ‌فى‌ رحمتك ‌و‌ عفوك، ‌و‌ الرهبه ‌من‌ عقابك ‌و‌ سخطك، ‌و‌ المراد بالوقوف بينهما تساويهما عنده، ‌و‌ اتصافه بهما على ‌حد‌ سواء
 قال بعضهم: اجتماع الرغبه ‌و‌ الرهبه ‌و‌ الخوف ‌و‌ الرجاء على تضادهما ‌فى‌ حاله واحده ‌من‌ قبل توارد اسبابهما عليه، ‌و‌ ‌هو‌ كما يجتمع الاخبات ‌و‌ الطمانينه مع الوجل الذى ‌هو‌ ضدهما، كما قال الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ «و بشر المخبتين الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم».
 ‌و‌ قال بعض العارفين: الرجاء ‌و‌ الخوف كجناحى الطائر اذا استويا استوى الطائر، فتم طيرانه، ‌و‌ اذا نقص احدهما كان جاذبا له، فيسقط على راسه، ‌و‌ اذا ذهب هلك الطائر.
 ‌و‌ قال ابوعثمان المغربى: ‌من‌ حمل نفسه على الرجاء تعطل، ‌و‌ ‌من‌ حمل نفسه على الخوف قنط، ‌و‌ لكن ينبغى ‌ان‌ يخاف العبد راجيا، ‌و‌ يرجو خائفا.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحسن عن ابى عبدالله عليه السلام قال: كان ابى يقول: ليس ‌من‌ عبد مومن الا ‌و‌ ‌فى‌ قلبه نوران: نور خيفه، ‌و‌ نور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا، ‌و‌ لو وزن هذا لم يزد على هذا.
 قال بعض الاصحاب: ‌و‌ ذلك لان المومن ‌لا‌ يخلو ‌من‌ قصور اسباب الخوف ‌و‌ الرجاء، ‌و‌ تجويز وقوع مقتضى كل واحد منهما بدلا ‌من‌ الاخر بحيث ‌لا‌ يرجح احدهما على الاخر، اذ لو رجح الرجاء لزم الامن ‌فى‌ غير موضعه «افامنوا مكر الله فلا يامن مكر الله الا القوم الخاسرون»، ‌و‌ لو رجح الخوف لزم الياس الموجب للهلاك «انه ‌لا‌ يياس ‌من‌ روح الله الا القوم الكافرون»، ‌و‌ منه ظهر ‌ان‌ الخوف غير القنوط، ‌و‌ انه ‌و‌ الرجاء ينبغى ‌ان‌ يكونا متساويين مطلقا.
 قوله عليه السلام «و انت اولى ‌من‌ رجاه». اولى: افعل تفضيل، ‌و‌ اصله ‌من‌ الولى، بمعنى القرب ‌و‌ الدنو، فهو ‌فى‌ الاصل بمعنى اقرب، ثم استعمل بمعنى احق مطلقا، يقال: زيد اولى بهذا ‌من‌ عمرو، ‌اى‌ احق ‌و‌ احرى ‌و‌ اجدر.
 ‌و‌ كان سبحانه ‌و‌ تعالى اولى ‌من‌ رجاه لمعرفته بسعه رحمته ‌و‌ فضله ‌و‌ لطفه ‌و‌ رافته ‌و‌ احسانه على عباده، ‌و‌ اجراء نعمه عليهم، ظاهره ‌و‌ باطنه، جليه ‌و‌ خفيه، ضروريه ‌و‌ غير ضروريه، حين كونهم اجنه ‌فى‌ بطون امهاتهم، بلا سبق استحقاق، ‌و‌ ‌لا‌ تقدم
 
استيجاب، ‌و‌ للعلم بغنائه عن طاعتهم ‌و‌ عبادتهم، ‌و‌ تعذيبهم مع عجزهم ‌و‌ مسكنتهم ‌و‌ ضعفهم ‌و‌ فقرهم بين يديه، فمن كان بهذه الصفات كان اولى ‌من‌ رجاه راج، ‌و‌ امله محتاج.
 ‌و‌ انما كان احق ‌من‌ خشيه ‌و‌ اتقاه لمعرفته بجلاله ‌و‌ عظمته ‌و‌ كبريائه ‌و‌ غنائه عن خلقه، ‌و‌ شده غضبه ‌و‌ قهره، ‌و‌ كمال قدرته على الخلق، ‌و‌ عدم مبالاته بتعذيبهم ‌و‌ اهلاكهم متى اراد، فهو سبحانه احق ‌من‌ خشيه الخاشون، ‌و‌ اتقاه المتقون.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله: «فاعطنى» سببيه، ‌اى‌ اذا كنت بهذه الصفه فاعطنى.
 ‌و‌ حذرته احذره حذرا- ‌من‌ باب تعب-: خفته.
 ‌و‌ عاد عليه بمعروفه يعود عودا- ‌من‌ باب قال-: افضل. ‌و‌ العائده: المعروف ‌و‌ الصله ‌و‌ المنفعه.
 ‌و‌ الجمله ‌من‌ قوله عليه السلام: «انك اكرم المسوولين» تعليل للدعاء، ‌و‌ مزيد استدعاء للاجابه. ‌و‌ الله اعلم.
 
«اذ»: للتعليل، كقوله تعالى: «و اذ اعتزلتموهم ‌و‌ ‌ما‌ يعبدون الا الله فاووا الى الكهف».
 ‌و‌ هل هى حرف بمنزله لام العله، ‌او‌ ظرف، ‌و‌ التعليل مستفاد ‌من‌ قوه الكلام، لامن اللفظ؟ قولان: الاول: منسوب الى سيبويه.
 ‌و‌ استشكل الثانى: بان «اذ» لما مضى ‌من‌ الزمان، ‌و‌ قوله: «فاجرنى» ‌فى‌ عباره الدعاء، ‌و‌ قوله: «فاووا» ‌فى‌ الايه مستقبل، ‌و‌ الماضى ‌و‌ الاستقبال متنافيان.
 
 
و حمل الرضى ذلك على اجراء الظرف مجرى كلمه الشرط، قال: ‌و‌ اما قوله تعالى: «و اذ لم يهتدوا ‌به‌ فسيقولون» ‌و‌ قوله: «و اذ اعتزلتموهم ‌و‌ ‌ما‌ يعبدون الا الله فاووا الى الكهف» ‌و‌ قوله: «فاذ لم تفعلوا ‌و‌ تاب الله عليكم فاقيموا الصلاه» فلاجراء الظرف مجرى حكمه الشرط، كما ذكره سيبويه ‌فى‌ نحو: زيد حين لقيته فانا اكرمه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ «اذا» مطرد، قال: ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون ‌من‌ باب «و الرجز فاهجر» اى: مما اضمر فيه اما، ‌و‌ انما جاز اعمال المستقبل- الذى ‌هو‌ «فسيقولون، ‌و‌ اووا ‌و‌ اقيموا»- ‌فى‌ الظروف الماضيه- التى هى «اذ لم يهتدوا، ‌و‌ اذ اعتزلتموهم ‌و‌ اذ لم تفعلوا»- ‌و‌ ‌ان‌ كان وقوع المستقبل ‌فى‌ الزمن الماضى محالا لما ذكرنا ‌فى‌ نحو: اما زيد فمنطلق، ‌من‌ ‌ان‌ الغرض المعنوى ‌هو‌ قصد الملازمه حتى كان هذه الافعال المستقبله وقعت ‌فى‌ الازمنه الماضيه، ‌و‌ صارت لازمه لها، كل ذلك لقصد المبالغه. انتهى.
 ‌و‌ قال ابوالبقاء ‌فى‌ اعراب قوله تعالى: «فاذ لم تفعلوا ‌و‌ تاب الله عليكم»: قيل: اذ بمعنى ‌ان‌ الشرطيه، ‌و‌ قيل: على بابها، ماضيه، ‌و‌ المعنى انكم تركتم ذلك فيما مضى فتداركوه باقامه الصلاه. انتهى.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بعفوك» تحتمل الاستعانه ‌و‌ السببيه ‌و‌ الملابسه.
 ‌و‌ تغمده الله برحمته: غمره بها، ‌و‌ تغمدت فلانا: سترت ‌ما‌ كان منه وغطيته، كذا ‌فى‌ الصحاح.
 
فان حملته على الاول فالباء للاستعانه، ‌و‌ ‌ان‌ حملته على الثانى فهى للسببيه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: تغمده الله برحمته: ستره.
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: فيه الا ‌ان‌ يتغمدنى الله برحمته، ‌اى‌ يلبسنيها ، ‌و‌ يسترنى بها، ماخوذ ‌من‌ غمد السيف، ‌و‌ ‌هو‌ غلافه، يقال: غمدت السيف ‌و‌ اغمدته.
 ‌و‌ دار الفناء: عباره عن الدنيا، سميت بذلك لان كل ‌ما‌ فيها صائر الى الفناء، ‌و‌ ‌هو‌ العدم بعد الوجود.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بحضره الاكفاء» ظرفيه.
 ‌و‌ الاكفاء: جمع كفو، مثل قفل، ‌و‌ ‌هو‌ المثل ‌و‌ النظير ‌و‌ المساوى.
 ‌و‌ الحضره: بمعنى الحضور، يقال: كلمته بحضره فلان، ‌اى‌ بحضوره.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله: «فاجرنى» ‌ان‌ جعلت اذ للتعليل فهى عاطفه على محذوف، ‌اى‌ لاجل سترك ‌فى‌ دار الفناء بحضره الاكفاء استرنى فاجرنى، كما تقدم ‌فى‌ حكايه سيبويه: كما انه ‌لا‌ يعلم فتجاوز الله عنه.
 ‌و‌ ‌ان‌ جعلت ظرفا اجرى مجرى كلمه الشرط، فهى رابطه لشبه الجواب بشبه الشرط.
 ‌و‌ قول بعضهم: انها للسببيه، خبط.
 ‌و‌ اجاره اجاره: آمنه مما يخاف.
 ‌و‌ الفضيحه: اسم ‌من‌ فضحه، كمنعه، اذا كشف مساوئه، ‌و‌ اظهر عيوبه، ‌و‌ اضافه الفضيحات الى دار البقاء بمعنى «فى» كشهيد الدار.
 ‌و‌ «عند» تحتمل الظرفيه الزمانيه ‌و‌ المكانيه.
 ‌و‌ المواقف: جمع موقف، ‌و‌ ‌هو‌ اما اسم مكان الوقوف ‌او‌ مصدر ميمى.
 ‌و‌ الاشهاد: جمع شهيد، كشريف ‌و‌ اشراف، ‌و‌ ‌هو‌ فعيل بمعنى فاعل، ‌من‌ شهدت على الشى ء، ‌اى‌ اطلعت عليه ‌و‌ عاينته، ‌او‌ ‌من‌ شهدت المجلس، ‌اى‌ حضرته، فانا شاهد ‌و‌ شهيد
 
و «من الملائكه» بيان للاشهاد.
 ‌و‌ المقربون: اما صفه لمجرد المدح، على ‌ان‌ المراد بالملائكه مطلقهم، لانهم جميعهم مقربون، اذ كانوا اسبق السابقين ‌فى‌ كل العبادات «و السابقون السابقون اولئك المقربون»، ‌و‌ لانهم اعلم خلق الله تعالى به، ‌و‌ اكثرهم طاعه له، ‌و‌ خوفا منه، ‌و‌ خشيه له، ‌و‌ ‌من‌ كان بهذه الصفات كان مقربا عندالله.
 ‌و‌ اما للتوضيح على ‌ان‌ المراد بالملائكه نوع خاص.
 قال بعض العلماء: الملائكه على انواع كثيره، ‌و‌ مراتب متفاوته، اولاها الملائكه المقربون، كما قال تعالى: «لن يستنكف المسيح ‌ان‌ يكون عبدا لله ‌و‌ ‌لا‌ الملائكه المقربون»، ‌و‌ ‌هم‌ الذوات المقدسه عن الجسميه ‌و‌ الجهه، ‌و‌ عن حاجتها الى القيام بها ‌و‌ عن تدبيرها. ‌و‌ الله اعلم.
 ‌و‌ كرمه تكريما، ‌و‌ اكرمه اكراما: عظمه، ‌و‌ خصه بفضيله دون غيره.
 ‌و‌ الشهداء: جمع شهيد، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ قتله الكفار ‌فى‌ الحرب، فعيل بمعنى مفعول، لان الله تعالى شهد له بالجنه، ‌او‌ شهدت الملائكه نقل روحه الى الجنه، ‌او‌ بمعنى فاعل، لانه يشهد ملكوت الله ‌و‌ ملكه، ‌او‌ لانه ممن يشهد يوم القيامه على الامم الخاليه، ‌و‌ قيل: غير ذلك. ‌و‌ قد تقدم.
 ‌و‌ الصالحين: جمع صالح.
 قال الزجاج ‌فى‌ قوله تعالى ‌فى‌ صفه يحيى عليه السلام «و نبيا ‌من‌ الصالحين»، الصالح: ‌هو‌ الذى يودى الى الله ‌ما‌ افترض عليه، ‌و‌ يودى الى الناس حقوقهم.
 ‌و‌ قال صاحب مطالع الانوار: الرجل الصالح ‌هو‌ المقيم بما يلزمه ‌من‌ حقوق الله
 
سبحانه ‌و‌ حقوق الناس.
 قوله عليه السلام: «من جار كنت اكاتمه سيئاتى».
 قال بعضهم: ‌هو‌ ‌و‌ ‌ما‌ بعده بيان للاكفاء، ‌و‌ كونه للصالحين، غير مناسب، لمقام عموم الصالحين ‌و‌ ‌ما‌ قبله. ‌و‌ تعلقه بفضيحات بمعنى: اجرنى ‌من‌ فضيحاتى ‌من‌ الجار ‌و‌ ‌ما‌ بعده محتمل على بعد. انتهى.
 ‌و‌ قول بعضهم: ‌ان‌ «من» للتعليل ابعد، ‌و‌ الظاهر تعلقها ب«فضيحات» لاستلزامها معنى الاستحياء ‌و‌ الاحتشام، كما قالوا: ‌و‌ افضيحتى منك، لما دخله معنى ‌و‌ احيائى منك.
 ‌و‌ ‌من‌ قواعدهم انهم يعطون الشى ء حكم ‌ما‌ اشبهه ‌فى‌ معناه كقوله:
 سود المحاجر ‌لا‌ يقران بالسور.
 قال السهيلى: عدى يقران بالباء، لما دخله معنى يتبركن.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه «و ‌كم‌ ‌من‌ جار كنت اكاتمه سيئاتى» ‌و‌ كتمت زيدا الحديث كتما- ‌من‌ باب قتل- ‌و‌ كتمانا- بالكسر-: اخفيته عنه، يتعدى الى مفعولين. ‌و‌ فاعل هنا للتكثير ‌لا‌ للمشاركه، ‌اى‌ كثرت كتمى لسيئاتى عنده.
 قال الرضى: بمعنى فعل ‌اى‌ يكون للتكثير، كفعل، نحو ضاعفت الشى ء، اى: كثرت اضعافه كضعفه، ‌و‌ ناعمه الله كنعمه، ‌اى‌ كثر نعمته بفتح النون. انتهى.
 ‌و‌ ذى رحم، ‌اى‌ ذى قرابه، سميت القرابه رحما، باسم الرحم التى هى موضع تكوين الولد ‌من‌ الام.
 ‌و‌ احتشمت منه احتشاما: استحييت.
 
قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: انا احتشمك ‌و‌ احتشم منك: استحى.
 ‌و‌ السرائر: جمع سريره، بمعنى السر، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يكتمه الانسان ‌و‌ يخفيه، يقال: افشى سره ‌و‌ سريرته ‌و‌ اسراره ‌و‌ سرائره.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^