فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 37

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ اياه نستعين


 
 الحمد لله الذى اعترف بالتقصير عن اداء شكره الشاكرون، واغترف بالتبصير ‌من‌ بحار ذكره الذاكرون، والصلاه والسلام على نبيه الذى مهد نهج الحمد ‌و‌ سبيله ‌و‌ على اهل بيته الذين وردوا سلسل الشكر ‌و‌ سلسبيله.
 ‌و‌ بعد: فهذه الروضه السابعه والثلاثون ‌من‌ رياض السالكين، تتضمن شرح الدعاء السابع والثلاثين ‌من‌ صحيفه سيدالعابدين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الائمه الراشدين، املاء راجى فضل ربه السنى على صدرالدين الحسينى الحسنى، وفقه الله لشكره ‌و‌ حمده ‌و‌ تجاوز بمنه عن خطاه ‌و‌ عمده.
 
اعترف بالشى ء اعترافا: اقر ‌به‌ على نفسه ‌و‌ التقصير يقال على وجهين.
 احدهما: بمعنى العجز عن الشى ء، يقال فيه: قصر عنه قصورا- ‌من‌ باب قعد- ‌و‌ قصر عنه تقصيرا: ‌اى‌ عجز عنه ‌و‌ لم يبلغه.
 ‌و‌ الثانى: التوانى ‌فى‌ الامر، يقال: قصر فلان ‌فى‌ حاجتى تقصيرا اذا توانى فيها.
 ‌و‌ ‌هو‌ بالمعنى الاول يتعدى ب«عن» ‌و‌ بالمعنى الثانى يتعدى ب«فى»، ‌و‌ المراد هنا المعنى الاول لتعديته ب«عن».
 ‌و‌ التاديه: مصدر ادى الحق اذا اوصله وافيا، ‌و‌ الاسم الاداء.
 قال الراغب: الاداء دفع ‌ما‌ يحق دفعه ‌و‌ توفيته، كاداء الجزيه ‌و‌ اداء الامانه .
 
 مقدمه
 
 الشكر: قيل: ‌هو‌ الثناء على المحسن بذكر احسانه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ تصور المنعم عليه النعمه ‌و‌ اظهارها.
 
و قيل: ‌هو‌ عباره عن معروف يقابل النعمه، سواء كان باللسان ‌او‌ بالاركان ‌او‌ بالجنان. فالشكر باللسان: ‌هو‌ الثناء على المنعم بالجميل، ‌و‌ الشكر بالاركان: ‌هو‌ مكافاته بقدر استحقاقه، ‌و‌ الشكر بالجنان: ‌هو‌ تصور النعمه.
 ‌و‌ قيل: الشكر باللسان: ‌هو‌ الاعتراف على وجه الاستكانه بجلاله النعمه ‌و‌ الشكر بالاركان: الاتصاف بالوفاق، ‌و‌ الخدمه، ‌و‌ الشكر بالجنان: ‌هو‌ الاعتكاف على بساط الشهود بادامه الحرمه.
 ‌و‌ قال الاكثرون: الشكر قسمان لغوى ‌و‌ عرفى.
 فاللغوى: فعل ينبى عن تعظيم المنعم بسبب الانعام سواء كان ذكرا باللسان، ‌او‌ اعتقادا ‌و‌ محبه بالجنان، ‌او‌ عملا ‌و‌ خدمه بالاركان.
 ‌و‌ العرفى: ‌هو‌ صرف العبد جميع ‌ما‌ انعم الله عليه ‌من‌ السمع ‌و‌ البصر ‌و‌ غيرهما الى ‌ما‌ خلقه الله لاجله. فبين الشكر اللغوى ‌و‌ الشكر العرفى عموم ‌و‌ خصوص مطلقا.
 ‌و‌ قال المحقق النصير الطوسى: اعلم ‌ان‌ الشكر مقابله النعمه بالقول ‌و‌ الفعل ‌و‌ النيه. ‌و‌ له اركان ثلاثه:
 الاول: معرفه المنعم ‌و‌ صفاته اللائقه به، ‌و‌ معرفه النعمه ‌من‌ حيث انها نعمه، ‌و‌ ‌لا‌ تتم تلك المعرفه الا بان تعرف ‌ان‌ النعم كلها جليها ‌و‌ خفيها ‌من‌ الله سبحانه، ‌و‌ انه المنعم الحقيقى، ‌و‌ ‌ان‌ الاوساط كلها منقاده لحكمه مسخره لامره .
 الثانى: الحاله التى هى ثمره تلك المعرفه، ‌و‌ هى الخضوع ‌و‌ التواضع، ‌و‌ السرور بالنعم، لامن حيث انها موافقه لغرض النفس، فان ‌فى‌ ذلك متابعه لهواها، ‌و‌ قصر الهمه على رضاها، بل ‌من‌ حيث انها هديه داله على عنايه المنعم بك، ‌و‌ علامه ذلك ‌ان‌ ‌لا‌ تفرح ‌من‌ نعم الدنيا الا بما يوجب القرب منه.
 الثالث: العمل الذى ‌هو‌ ثمره تلك الحال، فان تلك الحال اذا حصلت ‌فى‌
 
القلب حصل فيه نشاط للعمل الموجب للقرب منه تعالى، ‌و‌ هذا العمل يتعلق بالقلب ‌و‌ اللسان ‌و‌ الجوارح.
 اما عمل القلب فالقصد الى تعظيم المنعم ‌و‌ تمجيده ‌و‌ تحميده ‌و‌ التفكر ‌فى‌ صنائعه ‌و‌ افعاله ‌و‌ آثار لطفه، ‌و‌ العزم على ايصال الخير ‌و‌ الاحسان الى عامه الخلق.
 ‌و‌ اما عمل اللسان فاظهار ‌ما‌ قصدته ‌و‌ نويته ‌من‌ التمجيد ‌و‌ التعظيم بتهليله ‌و‌ تحميده ‌و‌ تسبيحه ‌و‌ الثناء عليه. ‌و‌ ارشاد الخلق بالامر بالمعروف ‌و‌ النهى عن المنكر الى غير ذلك.
 ‌و‌ اما عمل الجوارح فاستعمال نعمه الظاهره ‌و‌ الباطنه ‌فى‌ طاعته ‌و‌ عبادته، ‌و‌ عدم استعمالها ‌فى‌ معصيته ‌و‌ مخالفه امره، كاعمال العين ‌فى‌ النظر الى عجيب مصنوعاته ‌و‌ آياته، ‌و‌ النظر ‌فى‌ كتابه، ‌و‌ استعمال السمع ‌فى‌ استماع دلائله ‌و‌ براهينه، ‌و‌ الانصات لقراءه كتابه، ‌و‌ قس على ذلك سائر الجوارح.
 ‌و‌ ‌من‌ هنا ظهر ‌ان‌ الشكر ‌من‌ اشرف معارج السالكين ‌و‌ اعلى مدارج العارفين، ‌و‌ ‌لا‌ يبلغ حقيقته الا ‌من‌ ترك الدنيا وراء ظهره، ‌و‌ ‌هم‌ قليلون. ‌و‌ لذلك ‌عز‌ ‌من‌ قائل: «و قليل ‌من‌ عبادى الشكور» انتهى.
 ‌و‌ قال بعض العارفين: كما ‌ان‌ لكل ‌من‌ اللسان ‌و‌ الجنان ‌و‌ الاركان ‌فى‌ الشكر تعلقا بك، فلكل منها تعلق بغيرك. ‌و‌ ‌لا‌ يتم شكر الله ‌به‌ ‌ما‌ لم توفر على غيرك حقه منه. اما بالجنان: فان تنوى الخير ‌و‌ تعتقد الشفقه على كافه الخلق. ‌و‌ اما باللسان: فان تحسن القول لهم. ‌و‌ اما بالاركان: فبالتوقى مما يرجع عليهم بسوء حتى ‌ان‌ شكر العين ‌ان‌ تستر كل عيب تراه فيهم، ‌و‌ شكر السمع ‌ان‌ تستر كل قبيح تسمعه منهم، ‌و‌ حتى اذا لقيت معارفك فلا تسائلهم على العاده ‌فى‌ التلطف ‌و‌ التحفى ‌فى‌
 
مساله الحال شوقا ‌و‌ اهتماما، ‌و‌ لكن على استخراج الشكر منهم ‌و‌ التادى بهم الى ‌ان‌ يحمدوا الله، ‌و‌ تحمده معهم، كما جاء ‌فى‌ الحديث انه صلى الله عليه ‌و‌ آله قال لرجل: «كيف اصبحت؟ فقال: بخير. فاعاد السوال، حتى قال ‌فى‌ الثالثه: بخير احمد الله ‌و‌ اشكره. فقال عليه السلام: هذا الذى اردت ‌و‌ حمد الله معه».
 ‌و‌ بالجمله فاداء شكر الله امر تعجز عنه العباد، ‌و‌ لو بعد السعى ‌و‌ الاجتهاد.
 
التاكيد ب«ان» لتهيئه النكره لان تصلح ‌ان‌ يخبر عنها مع ‌ما‌ فيه ‌من‌ ‌ان‌ الحكم عن اعتقاد ‌و‌ صميم قلب، ‌و‌ ‌من‌ انه مما يجب ‌ان‌ يبالغ ‌فى‌ تاكيده ‌و‌ تحقيقه، ‌و‌ ‌من‌ كونه رائجا مقبولا عند المخاطب، الى غير ذلك ‌من‌ كمال العنايه ‌و‌ الاهتمام ‌و‌ وفور نشاط المتكلم ‌و‌ صدق رغبته، ‌و‌ اظهار كمال التضرع ‌و‌ الابتهال.
 ‌و‌ «احدا» هنا اسم لمن يصلح ‌ان‌ يخاطب، يستوى فيه المذكر ‌و‌ المونث ‌و‌ المثنى ‌و‌ المجموع. ‌و‌ قيل: ليس ‌هو‌ بمعنى واحد، ‌و‌ لذلك ذهب الفارسى ‌و‌ جماعه ‌ان‌ همزته اصليه، ‌لا‌ بدل ‌من‌ الواو.
 ‌و‌ قال الرضى: كانه لما لم ير ‌فى‌ نحو: «ماجاءنى احد» معنى الوحده، ارتكب كون الهمزه اصلا، ‌و‌ الاولى ‌ان‌ يقال: همزته ‌فى‌ كل موضع بدل ‌من‌ الواو، ‌و‌ معنى ‌ما‌ جاءنى احد، ‌ما‌ جاءنى واحد، فكيف ‌ما‌ فوقه. انتهى.
 
و ‌هو‌ هنا يعم جنس الانس بحيث لم يبق منهم احد، لان النكره الواقعه ‌فى‌ موضع ورد فيه النفى بان ينسحب عليها حكم النفى تكون للعموم ‌و‌ الاستغراق. ‌و‌ هى هنا كذلك ‌فى‌ المعنى، لان المعنى ‌لا‌ يبلغ احد غايه، ‌و‌ ذلك لاختصاص احد بالنفى.
 ‌و‌ قال ابن هشام ‌فى‌ المغنى: قولهم: «ان احدا ‌لا‌ يقول ذلك» انما اوقع احدا ‌فى‌ الاثبات، لانه نفس الضمير المستتر ‌فى‌ يقول ‌و‌ الضمير ‌فى‌ سياق النفى، فكان احد كذلك. انتهى.
 
 فائده
 
 قال الراغب: احد يستعمل على ضربين: احدهما ‌فى‌ النفى فقط، ‌و‌ الثانى ‌فى‌ الاثبات.
 اما الاول: فلاستغراق جنس الناطقين، ‌و‌ يتناول القليل ‌و‌ الكثير على طريق الاجتماع ‌و‌ الافتراق، نحو: ‌ما‌ ‌فى‌ الدار احد، ‌اى‌ ‌لا‌ واحد ‌و‌ ‌لا‌ اثنان فصاعدا، ‌لا‌ مجتمعين ‌و‌ ‌لا‌ مفترقين. ‌و‌ لهذا المعنى لم يصح استعماله ‌فى‌ الاثبات، لان نفى المتضادين يصح، ‌و‌ ‌لا‌ يصح اثباتهما، فلو قيل: ‌فى‌ الدار احد، لكان فيه اثبات واحد منفرد، مع اثبات ‌ما‌ فوق الواحد مجتمعين ‌و‌ مفترقين، ‌و‌ ذلك ظاهر الاحاله. ‌و‌ لتناول ذلك ‌ما‌ فوق الواحد يصح ‌ان‌ يقال: مامن احد فاضلين، كقوله تعالى: «فما منكم ‌من‌ احد عنه حاجزين».
 ‌و‌ اما الثانى: ‌و‌ ‌هو‌ المستعمل ‌فى‌ الاثبات فعلى ثلاثه اوجه:
 احدها: ‌ان‌ يستعمل ‌فى‌ العدد مع العشرات نحو: احد عشر، ‌و‌ احد ‌و‌ عشرين.
 ‌و‌ الثانى: ‌ان‌ يستعمل مضافا ‌و‌ مضافا اليه بمعنى الاول كقوله تعالى: «اما
 
احدكما فيسقى ربه خمرا»، ‌و‌ قولهم: يوم الاحد، ‌اى‌ يوم الاول، لقولهم يوم الاثنين.
 ‌و‌ الثالث: ‌ان‌ يستعمل مطلقا وصفا، ‌و‌ ليس ذلك الا ‌فى‌ وصف الله تعالى نحو: «قل ‌هو‌ الله احد». ‌و‌ اصله وحد، ‌و‌ لكن وحدا يستعمل ‌فى‌ غيره تعالى، كقول النابغه:
 على مستانس وحد انتهى.
 ‌و‌ بلغت الغايه بلوغا- ‌من‌ باب قعد-: انتهيت اليها. ‌و‌ يطلق البلوغ على الانتهاء الى اقصى الامد ‌و‌ منتهاه مكانا كان ‌او‌ زمانا ‌او‌ امرا ‌من‌ الامور المقدره. ‌و‌ غايه كل شى ء: مداه ‌و‌ منتهاه.
 قوله عليه السلام: «الا حصل عليه ‌من‌ احسانك ‌ما‌ يلزمه شكرا» استثناء مفرغ ‌من‌ اعم الاحوال، محله النصب على الحاليه ‌من‌ فاعل يبلغ، اى: ‌لا‌ يبلغ احد غايه ‌من‌ شكرك ‌فى‌ حال ‌من‌ الاحوال، الا حال كونه حاصلا عليه ‌من‌ احسانك ‌ما‌ يلزمه شكرا، ‌و‌ نظيره قوله تعالى: «و ‌لا‌ ياتونك بمثل الا جئناك بالحق ‌و‌ احسن تفسيرا». ‌و‌ مفاد ‌ما‌ قبل الا ‌و‌ ‌ما‌ بعدها هنا مفاد الشرط ‌و‌ الجزاء ‌من‌ لزوم الثانى للاول، اذ المقصود لزوم تعقب مضمون الا لمضمون ‌ما‌ قبلها.
 ‌و‌ حاصل المعنى: انه كلما بلغ ‌من‌ الشكر غايه حصل عليه ‌من‌ احسانك ‌ما‌ يلزمه شكرا.
 ‌و‌ ‌ما‌ وقع لبعض القاصرين- ‌من‌ ‌ان‌ الاستثناء ‌فى‌ «الا حصل» منقطع كما ‌فى‌ «مازاد الا ‌ما‌ نقص»، لكن مستثنى هذا مفرد، ‌و‌ مستثنى ذاك جمله، ‌و‌ ‌ان‌ كان المستثنى ‌فى‌ ذلك عند التاويل مفردا. ‌و‌ المعنى: ‌لا‌ يعرض له عارض عند بلوغ غايه ‌من‌ غايات الشكر الا حصول نعمه ‌من‌ نعمك عليه، يلزمه شكرها فهو خبط صريح،
 
ناشى ء عن جهل قبيح.
 ‌و‌ «من» ‌فى‌ قوله: «من شكرك» ‌و‌ «من احسانك» مبينه لما بعدها، ‌و‌ هى ‌و‌ مخفوضها ‌فى‌ موضع نصب على الحال منه.
 قال الرضى: ‌و‌ انما جاز تقديم «من» المبينه على المبهم ‌فى‌ نحو قولك: انا ‌من‌ خطه ‌فى‌ روضه، لان المبهم مقدم تقديرا، كانك قلت: انا ‌فى‌ شى ء ‌من‌ خطه ‌فى‌ روضه، فالمبين فيه محذوف. ‌و‌ ‌ما‌ بعد «من» عطف بيان له حذف المعطوف عليه ‌و‌ اقيم المعطوف مقامه كما يحذف المستثنى منه ‌و‌ يقام المستثنى مقامه. انتهى.
 ‌و‌ عدى حصل ب«على»، ‌و‌ المعروف تعديته باللام، لانه هنا بمعنى ثبت عليه، كان ‌ما‌ يلزمه شكرا استعلى عليه، ‌و‌ لزمه لزوم الراكب لمركوبه.
 ‌و‌ الزمته المال ‌و‌ العمل الزاما: ‌او‌ جبته ‌و‌ اثبته عليه.
 
و المبلغ: اما اسم مكان ‌من‌ البلوغ، ‌او‌ مصدر ميمى.
 ‌و‌ ‌فى‌ الصحاح: شى ء بالغ: ‌اى‌ جيد، ‌و‌ قد بلغ ‌فى‌ الجوده مبلغا.
 ‌و‌ دون: نقيض فوق، ‌و‌ ‌هو‌ تقصير عن الغايه.
 ‌و‌ استحق فلان الامر استحقاقا: استوجبه.
 ‌و‌ «الباء» ‌من‌ قوله: «بفضلك» للسببيه. ‌و‌ الفضل هنا اما بمعنى الاحسان.
 قال الراغب: كل عطيه ‌لا‌ تلزم ‌من‌ يعطى يقال لها: فضل، نحو قوله تعالى: «و اسالوا الله ‌من‌ فضله».
 ‌و‌ اما بمعنى الكمال ‌و‌ الفضيله.
 
قوله عليه السلام: «فاشكر عبادك». «الفاء»: فصيحه، ‌اى‌ اذا كان الامر هكذا فاشكر عبادك عاجز عن شكرك، ‌اى‌ غير قادر عليه، ‌و‌ اعبدهم مقصر عن
 
طاعتك، اى: عاجز عنها، ‌من‌ قصر عن الشى ء تقصيرا اذا عجز عنه.
 ‌و‌ الطاعه هنا: اما بمعنى موافقه الاراده، ‌او‌ بمعنى العباده،- كقولهم: تقبل الله طاعتك- اطلاقا للعام على الخاص، كما قد تطلق العباده على الطاعه ‌فى‌ عكس ذلك.
 ‌و‌ مدار هذا الفصل ‌من‌ الدعاء على امرين:
 احدهما: بيان العجز عن شكره تعالى.
 ‌و‌ الثانى: بيان العجز عن ‌ما‌ يستحقه سبحانه ‌من‌ الطاعه ‌و‌ العباده اما الاول: فبينه عليه السلام بلزوم التسلسل، ‌و‌ ‌هو‌ ترتيب امور غير متناهيه، لانه اذا احدث شكرا على نعمه، احدث الله عليه نعمه اخرى يجب عليه شكرها، فيحتاج ‌ان‌ يشكرها كشكره الاولى. ‌و‌ كذلك الحال ‌فى‌ الثالثه ‌و‌ الرابعه، ‌و‌ هذا يودى الى ‌ما‌ ‌لا‌ يتناهى، ‌و‌ ‌هو‌ غير مقدور للعبد.
 ‌و‌ لزوم هذا الجزاء لشرطه بحكم وعد الله تعالى ‌فى‌ قوله الذى ‌لا‌ ياتيه الباطل ‌من‌ بين يديه ‌و‌ ‌لا‌ ‌من‌ خلفه: «و اذ تاذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم»، اى: آذن ايذانا بليغا، ‌و‌ اخبر اخبارا موكدا، ‌لا‌ تبقى معه شائبه شبهه، لما ‌فى‌ صيغه التفعل ‌من‌ معنى التكلف المحمول ‌فى‌ حقه تعالى على غايته التى هى الكمال.
 ‌و‌ اجرى مجرى فعل القسم ‌فى‌ الجزم بالجزاء نحو: علم الله، ‌و‌ شهد الله، ‌و‌ لذلك ادخلت اللام الموطئه ‌فى‌ الشرط، ‌و‌ النون الموكده ‌فى‌ الجزاء فقيل: لئن شكرتم لازيدنكم، ‌اى‌ لئن شكرتم نعمتى لازيدنكم نعمه الى نعمه.
 ‌و‌ ‌فى‌ تفسير على ‌بن‌ ابراهيم، قال ابوعبدالله عليه السلام: ايما عبد انعم الله عليه بنعمه فعرفها بقلبه، ‌و‌ حمد الله عليها بلسانه لم ينفد كلامه حتى يامر الله له بالزياده، ‌و‌ ‌هو‌ قوله «لئن شكرتم لازيدنكم».
 
و روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى باسناده عنه قال: ‌من‌ اعطى الشكر اعطى الزياده، يقول الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ «لئن شكرتم لازيدنكم».
 ‌و‌ لذلك اجمع العقلاء على ‌ان‌ تمام الشكر لله تعالى ‌لا‌ يبلغه العباد حتى ‌ان‌ الانبياء عنه قاصرون، ‌و‌ الاولياء مقصرون، ‌و‌ لله ‌در‌ القائل:
 متى تشكر النعمى التى قد صنعتها
 اذا كنت تولى نعمه حين تشكر
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد بقوله عليه السلام: «الا حصل عليه ‌من‌ احسانك ‌ما‌ يلزمه شكرا» ‌هو‌ التوفيق للشكر، فانه ‌من‌ اعظم الاحسان، ‌و‌ اجل النعم، الا ترى الى مناجاه رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: انت ‌يا‌ رب اسبغت على النعم السوابغ، فشكرتك عليها، فكيف لى بشكر شكرك، فقال الله تعالى: تعلمت العلم الذى ‌لا‌ يفوته علم بحسبك ‌ان‌ تعلم ‌ان‌ ذلك ‌من‌ عندى.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: اوحى الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ الى موسى عليه السلام، ‌يا‌ موسى اشكرنى ‌حق‌ شكرى، فقال: ‌يا‌ رب، ‌و‌ كيف اشكرك ‌حق‌ شكرك، ‌و‌ ليس ‌من‌ شكر اشكرك به، الا ‌و‌ انت انعمت ‌به‌ على؟ قال: ‌يا‌ موسى، الان شكرتنى، حين علمت ‌ان‌ ذلك منى:
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه قال موسى عليه السلام: الهى امرتنى بالشكر على نعمك، ‌و‌ شكرى اياك نعمه ‌من‌ نعمك.
 ‌و‌ ‌من‌ هذا اخذ الشاعر فقال:
 اذا كان شكرى نعمه الله نعمه
 على له ‌فى‌ مثلها يجب الشكر
 فكيف بلوغ الشكر الا بفضله
 ‌و‌ ‌ان‌ طالت الايام ‌و‌ اتصل العمر
 
و لهذا قيل: كل نعمه يمكن شكرها الا نعمه الله تعالى، فان غايه شكرها الاعتراف بالعجز عنها، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ شكر نعمته نعمه منه، فيجب على العبد شكرها، ثم يجب عليه الشكر على الشكر، ‌و‌ هكذا الى ‌ما‌ ‌لا‌ ينتهى ‌و‌ ‌ما‌ ‌لا‌ نهايه له فنهايته ‌فى‌ بدايته. فينبغى ‌ان‌ يسند العبد ‌من‌ الابتداء على العجز ظهره، ‌و‌ يبنى على الاعتراف بالتقصير امره، فيكون معرفه التقصير عن الشكر شكرا، ‌و‌ الا فانى يبلغ شكر العباد نعم الرب الجواد! ‌و‌ اين يقع الحالى ‌من‌ الازلى، ‌و‌ الذى ‌لا‌ يبقى ‌من‌ الذى ‌لا‌ يفنى! بل الجزء الذى ‌لا‌ يتجزى ‌من‌ الشى ء الذى ‌لا‌ يتناهى.
 ‌و‌ اين التماد البرض ‌من‌ فيض ابحر، ‌و‌ اين نزيل الارض عند الكواكب.
 ‌و‌ ‌فى‌ مناجاه بعضهم: الهى انت تعلم عجزى عن مواقع شكرك فاشكر نفسك عنى.
 ‌و‌ قد فسر العلماء قوله صلى الله عليه ‌و‌ آله لربه تعالى ‌و‌ تقدس: «قلت فك رهانى ‌و‌ ثقل ميزانى» فان المراد فك رهانه بالشكر، فان النفوس مرتهنه بالنعمه، ‌و‌ انما يفكها الشكر، ‌و‌ ‌لا‌ يبلغ العباد كنه الشكر لله ‌عز‌ ‌و‌ جل، ففزغ صلى الله عليه ‌و‌ آله الى ربه ‌ان‌ يتولى فك رهانه بجوده ‌و‌ احسانه:
 الهى لقد احسنت عودا ‌و‌ بداه
 الى فاوزعنى الهى لاشكرا
 ‌و‌ لو ‌ان‌ لى ‌فى‌ كل منبت شعره
 لسانا يقول الشكر فيك لقصرا
 الهى ‌كم‌ اسديت لى منك نعمه
 ‌و‌ فضلا فلم ينهض بانعامك الشكر
 فمن كان ذا عذر لديك ‌و‌ حجه
 فعذرى ‌و‌ اقرارى بان ليس لى عذر
 اما الثانى:- ‌و‌ ‌هو‌ بيان العجز عما يستحقه سبحانه ‌من‌ الطاعه ‌و‌ العباده- فبينه بذكر سبب استحقاقه للعباده ‌و‌ الطاعه، ‌و‌ ‌هو‌ فضله الذى ‌لا‌ نهايه له حيث قال:
 
«دون استحقاقك بفضلك» ‌و‌ الفضل كما تقدم، اما بمعنى الاحسان ‌او‌ بمعنى الكمال ‌و‌ الفضيله.
 اما على الاول، فيجب ‌ان‌ تكون عباده العباد ‌و‌ طاعتهم بقدر احسان المعبود ‌و‌ فضله عليهم، ‌و‌ هذا امر ليس ‌فى‌ طاقه احد ‌من‌ البشر، لانه سبحانه يستحق بكل نعمه طاعه ‌و‌ شكرا، ‌و‌ نعمه غير محصوره كما قال: «و ‌ان‌ تعدوا نعمه الله ‌لا‌ تحصوها» ‌اى‌ ‌لا‌ تقدرون على تعدادها، لكثرتها، بل لعدم تناهيها. فاين يقع القليل ‌من‌ الكثير، ‌و‌ الذى يتناهى ‌من‌ الذى ‌لا‌ يتناهى!!
 قال الحكيم: اذا اخذت اللقمه الواحده لتضعها ‌فى‌ فمك فانظر الى ‌ما‌ قبلها ‌و‌ الى ‌ما‌ بعدها، اما ‌ما‌ قبلها فكالخبز ‌و‌ الطحن ‌و‌ الزرع، ‌و‌ غير ذلك ‌من‌ الالات المعينه، ‌و‌ الاسباب ‌و‌ الفاعليه، ‌و‌ القابليه، حتى تنتهى الى الافلاك ‌و‌ العناصر. ‌و‌ اما ‌ما‌ بعدها فكالقوى المعينه على الجذب ‌و‌ الامساك، ‌و‌ الهضم ‌و‌ الدفع، ‌و‌ كالاعضاء الحامله لتلك القوى، ‌و‌ كسائر الامور النافعه ‌فى‌ ذلك خارجه عن البدن، ‌او‌ داخله فيه، فانها ‌لا‌ تكاد تنحصر. ‌و‌ اذا كانت نعم الله تعالى ‌فى‌ تناول لقمه واحده تبلغ هذا المبلغ، فكيف فيما جاوز ذلك!!
 فتبين ‌ان‌ العبد- ‌و‌ ‌ان‌ اشتد على الطاعه حرصه، ‌و‌ طال ‌فى‌ العباده اجتهاده- لم يكن بالغا ‌ما‌ يستحقه الله سبحانه منهما بفضله ‌و‌ نعمته عليه. فكيف بمن تطغيه النعمه، ‌و‌ تبطره الدعه حتى يستعين بنعمته على معصيته، ‌و‌ يتكبر باحسانه على خليقته! ‌و‌ لذلك ختم سبحانه الايه المذكوره ‌فى‌ سوره ابراهيم عليه السلام بقوله «ان الانسان لظلوم كفار» ‌و‌ ‌فى‌ سوره النحل بقوله: «ان الله لغفور رحيم» فسجل ‌فى‌ الاول بالظلم ‌و‌ الكفران ‌و‌ ‌فى‌ الثانى باستحقاق النقمه لولا الرحمه ‌و‌ الغفران، فكانه
 
قال: ‌ان‌ كنت ظلوما كفورا، فلم ازل رحيما غفورا، ‌لا‌ اقابل منك التقصير الا بالاحسان ‌و‌ التوفير، ‌و‌ ‌لا‌ اجازى منك الجفاء الا باللطف ‌و‌ الوفاء، تلك شيمتك ‌فى‌ الاخذ، ‌و‌ هذه شيمتى ‌فى‌ العطاء.
 ‌و‌ اما على الثانى- ‌و‌ ‌هو‌ حمل الفضل على معنى الكمال ‌و‌ الفضيله- فبيانه: ‌ان‌ كمال العباده ‌و‌ مطابقتها للامر المطاع بحسب العلم بكمال المعبود، ‌و‌ علو شانه ‌و‌ عظمته. ‌و‌ لما كانت ذات الحق سبحانه ‌و‌ عظمتها ‌و‌ كمالها امرا اعظم ‌من‌ ‌ان‌ يطلع عليه بالكنه ملك مقرب ‌او‌ نبى مرسل، لاجرم كانت عباده العباد ‌من‌ الملائكه ‌و‌ البشر بحسب معارفهم القاصره عن كنه حقيقته، ‌لا‌ بحسب كماله على ‌هو‌ كما عليه. فكل ‌من‌ كان علمه ‌و‌ معرفته اتم ‌و‌ اكمل كانت عباده ‌من‌ دونه مستحقره ‌فى‌ جنب عبادته، حتى لو زادت معرفته ‌به‌ ‌و‌ امكن اطلاعه على كنه حقيقته لزادت عبادته، ‌و‌ كانت اتم ‌و‌ اكمل.
 فاذن كل طاعه ‌و‌ عباده قاصره عما يستحقه كماله المطلق ‌و‌ كل طائع ‌و‌ عابد حاجز ‌و‌ مقصر عنه ‌و‌ ‌ان‌ خب ‌و‌ اعنق. ‌و‌ الى هذا المعنى اشار اميرالمومنين عليه السلام ، بقوله ‌فى‌ صفه الملائكه: لو عاينوا كنه ‌ما‌ خفى عليهم منك لحقروا اعمالهم، ‌و‌ لازروا على انفسهم، ‌و‌ عرفوا انهم لم يعبدوك ‌حق‌ عبادتك، ‌و‌ لم يطيعوك ‌حق‌ طاعتك.
 ‌و‌ كلا المعنيين يشمله قوله تعالى، ‌و‌ ‌هو‌ اصدق القائلين: «و ‌ما‌ قدروا الله ‌حق‌ قدره».
 فان قلت: كيف يحمل الفضل على معنى الكمال ‌فى‌ عباره الدعاء، ‌و‌ قد نص بعضهم على ‌ان‌ الفضل انما يستعمل للكمال ‌فى‌ ‌حق‌ غير الله تعالى؟
 قلت: ‌لا‌ نسلم ذلك، فقد تقدم ‌فى‌ دعاء التحميد، ‌و‌ ‌هو‌ الدعاء الاول قوله
 
عليه السلام «حمدا يفضل سائر الحمد كفضل ربنا على خلقه» ‌و‌ كفى ‌به‌ شاهدا.
 ‌و‌ قد ورد ‌فى‌ بعض الادعيه ايضا وصفه تعالى بالفاضل. ‌و‌ الله اعلم.
 
الجمله الاولى مستانفه استئنافا بيانيا، كانه قيل: كيف تراهم مع العجز عن الشكر. ‌و‌ التقصير عن الطاعه ‌فى‌ استحقاق المغفره ‌و‌ استيجاب الرضا؟ فقال: «لا يجب لاحد ‌ان‌ تغفر له باستحقاقه» الى آخره.
 ‌و‌ تاخير الرضا عن المغفره رعايه لاسلوب الترقى الى الاعلى لان الرضا فوق المغفره، فقد يغفر السيد ذنب عبده، ‌و‌ ليس براض عنه، ‌و‌ على ذلك ‌ما‌ ورد ‌فى‌ الدعاء: اغفرلى خطيئتى ‌و‌ ارض عنى، فان لم ترض عنى فاعف عنى، ‌و‌ قد يعفو السيد عن عبده ‌و‌ ليس براض عنه.
 ‌و‌ ‌ما‌ حكى ‌ان‌ رجلا غضب على عبده، فاستشفع اليه بشفيع فشفعه، فجعل العبد يبكى ‌و‌ يتضرع، فقال له الشفيع: ‌ما‌ هذا البكاء ‌و‌ قد عفى عنك؟ فقال السيد: انه يطلب الرضا، ‌و‌ ليس ذلك اليه، فانما يبكى لاجله.
 ‌و‌ انما نفى عليه السلام وجوب المغفره ‌و‌ الرضا لاحد عن استحقاق ‌و‌ استيجاب، لان المغفره ‌و‌ الرضا تفضل ‌و‌ احسان منه تعالى ‌ان‌ شاء فعل، ‌و‌ ‌ان‌ شاء لم يفعل. فلا يجب عليه سبحانه ‌ان‌ يغفر لاحد ‌او‌ يرضى عنه لاستحقاقه ‌و‌ استيجابه، ‌و‌ ‌ان‌ تاب ‌و‌ اناب، لان الغفران مع التوبه عندنا على وجه التفضل ايضا، ‌لا‌ على وجه الوجوب، خلافا للمعتزله.
 
و «الفاء» ‌من‌ قوله: «فمن غفرت له» للترتيب الذكرى، ‌او‌ فصيحه.
 ‌و‌ الطول ‌و‌ الفضل بمعنى، يقال: طال عليه طولا- ‌من‌ باب قال- ‌اى‌ افضل عليه، ‌و‌ احسن اليه.
 
وصفه تعالى بالشكر، قيل: المراد ‌به‌ مجازاته على اليسير ‌من‌ الطاعه بالكثير ‌من‌ الثواب، لانه يعطى بالعمل ‌فى‌ ايام معدوده نعما ‌فى‌ الاخره غير محدوده. ‌و‌ ‌من‌ جازى الحسنه باضعافها صح ‌ان‌ يقال: انه شكر تلك الحسنه.
 ‌و‌ قيل: المراد ‌به‌ قبول اليسير ‌من‌ الطاعه ‌و‌ الثناء على فعلها ‌و‌ فاعلها، ‌و‌ قد وصف سبحانه تعالى نفسه بالشكور ‌فى‌ غير موضع ‌من‌ القرآن المجيد، فقال ‌فى‌ سوره فاطر: «انه غفور شكور»، ‌و‌ قال فيها: «ان ربنا لغفور شكور»، ‌و‌ قال ‌فى‌ سوره الشورى: «و ‌من‌ يقترف حسنه نزد له فيها حسنا، ‌ان‌ الله غفور شكور».
 قال العلامه الطبرسى: ‌اى‌ شكور للطاعات، يعامل عباده معامله الشاكر ‌فى‌ توفيه الحق حتى كانه ممن وصل اليه النفع فشكره.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ سوره التغابن: «ان تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ‌و‌ يغفر لكم ‌و‌ الله شكور حليم».
 قال القاضى: ‌اى‌ يعطى الجزيل بالقليل.
 ‌و‌ قد تواترت النسخ المشهوره ‌من‌ الصحيفه الشريفه بضبط «شكرته» بفتح الشين المعجمه، ‌و‌ الكاف، ‌و‌ تاء الخطاب على البناء للفاعل.
 فالمعنى تشكر يسير ‌ما‌ قبلته ‌من‌ العمل، ‌و‌ اثنيت عليه، ‌اى‌ تجازى بالكثير عليه.
 ‌و‌ ‌ما‌ قيل: ‌ان‌ المعنى: تشكر يسير الشكر، فليس بظاهر، الا ‌ان‌ يضبط «شكرته»
 
بالبناء للمفعول، ‌و‌ لم نقف عليه ‌فى‌ شى ء ‌من‌ النسخ.
 ‌و‌ قول بعضهم: المراد انه يشكر يسير ‌ما‌ شكره- ‌اى‌ شكرناه به، لان شكرنا بامره، ‌و‌ لان اسبابه ‌و‌ التوفيق له منه فكانه ‌هو‌ الشاكر لنفسه- ‌لا‌ يخفى ‌ما‌ فيه ‌من‌ التعسف.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه الشهيد رحمه الله: «تشكر يسير ‌ما‌ تشكر به» بالبناء للمفعول ‌فى‌ الثانى، ‌و‌ ‌هو‌ اظهر ‌فى‌ المعنى، ‌و‌ انسب لما بعده.
 ‌و‌ اثابه اثابه: اعطاه ثواب عمله، ‌اى‌ جزاءه ‌و‌ منه قوله تعالى: «فاثابهم الله بما قالوا جنات». ‌و‌ اكثر ‌ما‌ تستعمل ‌فى‌ المحبوب، ‌و‌ قد تستعمل ‌فى‌ المكروه على الاستعاره، كاستعمال البشاره فيه، ‌و‌ منه قوله تعالى: «فاثابكم غما بغم».
 ‌و‌ قوله: «فيه» ظرفيه مجازيه، ‌اى‌ تعطى الثواب على قليل العمل الذى تطاع فيه، جعل العمل كانه ظرف ‌و‌ محله الطاعه.
 ‌و‌ «حتى» حرف ابتداء، ‌و‌ الجمله بعدها مستانفه ‌لا‌ محل لها ‌من‌ الاعراب، خلافا للزجاج زعم انها ‌فى‌ محل جر ب«حتى»، ‌و‌ يرده ‌ان‌ الحروف الجاره ‌لا‌ تدخل عامله الا على مفرد، ‌و‌ موول به، ‌و‌ فائده حتى هنا التعظيم.
 قال الرضى: فائده حتى الابتدائيه، اما التحقير، كقوله:
 فواعجبا حتى كليب تسبنى
 ‌او‌ التعظيم، كقوله:
 فما زالت القتلى تمج دماءها
 بدجله حتى ماء دجله اشكل
 قلت: ‌و‌ وجهه انها غايه لما قبلها، اما ‌فى‌ نقص ‌او‌ زياده فجاء ‌من‌ النقص التحقير، ‌و‌ ‌من‌ الزياده التعظيم.
 ‌و‌ عليه ‌و‌ عنه متعلقان بالمصدرين بعدهما كقول كعب:
 
فى خلقها عن بنات الفحل تفضيل
 ‌و‌ وجب الحق يجب وجوبا: لزم ‌و‌ ثبت، ‌و‌ اوجبته ايجابا: اثبته ‌و‌ الزمته، ‌اى‌ جعلته لازما ثابتا.
 ‌و‌ اعظم الله له الاجر اعظاما: جعله عظيما.
 ‌و‌ الامر: لفظ عام يطلق على الافعال ‌و‌ الاقوال كلها، ‌و‌ منه قوله تعالى: «اليه يرجع الامر كله».
 ‌و‌ ملكت الشى ء ملكه- ‌من‌ باب ضرب- ملكا ‌و‌ ملكا، بالفتح ‌و‌ الكسر، تمكنت ‌من‌ التصرف فيه ‌من‌ غير مانع، ‌و‌ الجمله- ‌فى‌ محل الرفع- نعت لامر.
 ‌و‌ الاستطاعه: استفعاله ‌من‌ الطوع، ‌و‌ ‌هو‌ الانقياد، فهى ‌فى‌ الاصل بمعنى طلب انقياد الشى ء ‌و‌ تاتيه، ثم استعملت ‌فى‌ القدره التامه التى يتمكن بها الانسان مما يريده. ‌و‌ عرفت بانها عرض يخلقه الله ‌فى‌ الانسان، يفعل ‌به‌ الافعال الاختياريه.
 ‌و‌ امتنع ‌من‌ الشى ء ‌و‌ عنه امتناعا: ‌كف‌ عنه.
 ‌و‌ دون: بمعنى التجاوز كما مر مرارا، فهى ظرف مستقر وقع حالا ‌من‌ ضمير العباد ‌فى‌ ملكوا، ‌اى‌ ملكوا استطاعه الامتناع منه حال كونهم متجاوزين لك، ‌اى‌ مستبدين بها ‌من‌ غير ‌ان‌ يكون لك مدخل ‌فى‌ حصولها لهم.
 ‌و‌ «الفاء» ‌من‌ قوله: «فكافيتهم» سببيه عاطفه على محذوف تقديره «ففعلوه فكافيتهم»، كقوله تعالى:«اضرب بعصاك الحجر فانفجرت» ‌اى‌ ضرب فانفجرت، ‌و‌ تسمى فصيحه، لافصاحها عن المحذوف وقس على ذلك قوله: «فجازيتهم».
 ‌و‌ المكافاه: المجازاه، ‌و‌ اصله الهمز. ‌و‌ كلمه «او» للايذان بتساوى الامرين ‌فى‌
 
الاستقلال بوجه التشبيه، ‌و‌ بصحه التشبيه بكل واحد منهما ‌و‌ بهما معا، كقوله تعالى: «او كصيب ‌من‌ السماء».
 ‌و‌ جمله «لم يكن»- ‌فى‌ محل رفع- وصف لموصوف محذوف، ‌و‌ التقدير: ‌او‌ امر لم يكن سببه بيدك، يقال: الامر بيد فلان، ‌اى‌ ‌فى‌ تصرفه.
 ‌و‌ حاصل معنى هذا الفصل ‌من‌ الدعاء ‌ان‌ احسانه تعالى الى عباده ‌فى‌ مقابله شكرهم له، ‌و‌ انعامه عليهم بازاء طاعتهم ‌و‌ عبادتهم اياه، انما ‌هو‌ تفضل منه تعالى، اذ كان ايقاع الشكر ‌و‌ الطاعه ‌و‌ العباده منهم باقداره لهم على ذلك ‌و‌ توفيقه اياهم له، لان كل فاعل سواه انما يستحق القدره على الفعل ‌من‌ جوده تعالى، لالذاته استقلالا ‌و‌ تفردا به، على ‌ما‌ علم ‌فى‌ مظانه. ‌و‌ مع ذلك فقد جعل سبحانه ثوابهم على شكره، ‌و‌ جزاءهم على طاعته ثوابا واجبا ‌و‌ اجرا مستحقا، فاشبه شكرهم ‌و‌ طاعتهم امرا استقلوا لذواتهم بالقدره على ايجاده، ‌و‌ كانوا يستطيعون ‌ان‌ ‌لا‌ يوجدوه، ‌و‌ ‌ان‌ يمتنعوا منه، ‌او‌ امرا استبدوا بتسبيب سببه ‌فى‌ ايقاعه، فاستوجبوا بذلك الثواب، ‌و‌ استحقوا ‌به‌ الجزاء. ‌و‌ ليس الامر كذلك، بل ‌هو‌ سبحانه الذى اقدرهم على ذلك، ‌و‌ وفقهم له، وقادهم بزمام اللطف ‌و‌ العنايه اليه. فلو ارادوا ‌ان‌ يمتنعوا منه، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يفعلوه بدون ‌ما‌ ركبه فيهم ‌من‌ الاسباب ‌ما‌ استطاعوا، ‌و‌ كان اسباب صدوره منهم ‌و‌ حصوله عنهم بقدره ‌و‌ اعداده ‌عز‌ ‌و‌ جل، فانى لهم الاستقلال ‌و‌ الاستبداد ‌فى‌ نسبته اليهم؟!
 ‌و‌ ‌من‌ هنا قال موسى عليه السلام: «الهى امرتنى بالشكر على نعمك، ‌و‌ شكرى اياك نعمه ‌من‌ نعمك». ‌و‌ عليه قوله تعالى: «يمنون عليك ‌ان‌ اسلموا ‌قل‌ ‌لا‌ تمنوا على اسلامكم بل الله يمن عليكم ‌ان‌ هداكم للايمان ‌ان‌ كنتم صادقين».
 
و انما قال عليه السلام: «امرا ملكوا استطاعه الامتناع منه دونك» ‌و‌ لم يقل: ملكوا استطاعه ايجاده دونك، للمبالغه ‌فى‌ تحقق عجزهم، لان ‌من‌ ‌لا‌ يملك استطاعه الامتناع ‌من‌ الشى ء فهو عن استطاعه فعله ‌و‌ ايجاده اعجز. ‌و‌ هذا لاينافى الاختيار كما سنبينه.
 ‌و‌ اما قول بعضهم: معنى قوله عليه السلام: «امر ملكوا استطاعه الامتناع منه دونك» ‌ان‌ لهم ‌ان‌ يتركوا شكرك لاستغنائهم ‌و‌ علمهم بكرمك فلا ينتقص ‌من‌ ثوابهم شى ء، ‌او‌ معناه انت المالك للثواب، ‌و‌ لك ‌ان‌ تثيبهم ‌من‌ غير شكر، لكن لكثره صدور هذا التفضل منك صاروا كانهم مالكين لتحصيل الثواب ‌من‌ غير شكر، ‌و‌ قادرين على ذلك، فهو تخييل عجيب، ‌و‌ توهم غريب، ‌و‌ كانه اراد بهذا التاويل الذى ‌لا‌ يدل عليه منطوق الكلام ‌و‌ ‌لا‌ مفهومه، التفادى عما يوهمه ظاهر العباره ‌من‌ نفى اختيار العبد.
 ‌و‌ يكفى ‌فى‌ التفصى عن ذلك ‌ان‌ مراده عليه السلام عدم استطاعتهم على ‌كف‌ انفسهم عنه بدون ‌ما‌ اوجده سبحانه فيهم ‌من‌ الحياه ‌و‌ الاله ‌و‌ العقل ‌و‌ الهمه الى غير ذلك ‌من‌ الاسباب التى هى منه سبحانه. ‌و‌ ‌فى‌ ذلك مندوحه عن هذا التاويل البارد. ‌و‌ الله يقول الحق، ‌و‌ ‌هو‌ يهدى السبيل. ‌و‌ الى ابطال الشبه المذكوره اشار عليه السلام بقوله: «بل ملكت ‌يا‌ الهى...»
 
«بل» حرف اضراب، ‌و‌ معناها هنا ابطال ‌ما‌ قبلها ‌من‌ كون شكرهم امرا ملكوا استطاعه الامتناع منه دونه تعالى، ‌او‌ لم يكن سببه بيده سبحانه، ‌اى‌ ليس الامر كذلك، بل كنت مالكا امرهم قبل تمكنهم ‌من‌ عبادتك ‌و‌ ايجادهم لها.
 ‌و‌ توسيط النداء لمزيد الخضوع ‌و‌ الابتهال. ‌و‌ الغرض انهم لم يقدروا على عبادتك، ‌و‌ ‌لا‌ استطاعوا فعلها الا باقدارك لهم عليها، ‌و‌ توفيقك اياهم لها، ‌و‌ لو شئت ‌ما‌ فعلوها،
 
اذ كل موجود سواه فهو ‌فى‌ تصريف قدرته ‌و‌ مشيئته قبل وجوده ‌و‌ بعده، لانهما مستند وجوده.
 ‌و‌ اعددت الشى ء اعدادا: هياته.
 ‌و‌ افاض ‌فى‌ الامر افاضه: دخل فيه.
 ‌و‌ مضمون هذه الفقره تقرير لما قبلها، لان اعداده سبحانه ثوابهم قبل افاضتهم ‌فى‌ طاعته قاض، بان قضاءه قد جرى بتوفيقهم للدخول ‌فى‌ الطاعه قبل دخولهم فيها، ‌و‌ بان لطفه قد اخذ بعنان مشيئتهم اليها، ‌و‌ اقام جواد ارادتهم عليها، ‌و‌ الا لم يكن لاعداد الثواب فائده.
 ‌و‌ الواو ‌من‌ قوله: «و ذلك» استئنافيه. ‌و‌ الاشاره الى ‌ما‌ ذكر ‌من‌ شكره تعالى ليسير الشكر، ‌و‌ الاثابه على قليل الطاعه على وجه الايجاب، مع ‌ان‌ وقوعهما ‌من‌ الشاكر ‌و‌ المطيع انما ‌هو‌ باقداره ‌و‌ لطفه ‌و‌ توفيقه سبحانه. ‌و‌ ‌ما‌ ‌فى‌ اسم الاشاره ‌من‌ معنى البعد للايذان بكون ذلك ‌فى‌ الغايه القصوى ‌من‌ العظم ‌و‌ الجلاله.
 ‌و‌ ‌هو‌ مبتدا خبره قوله: «ان سنتك الافضال» ‌اى‌ لان سنتك ‌او‌ بان سنتك الافضال، ‌و‌ التقدير: ‌و‌ ذلك واقع لاجل ‌ان‌ سنتك الافضال، ‌او‌ بسبب ‌ان‌ سنتك الافضال. ‌و‌ حذف الجار مطرد مع «ان ‌و‌ ان» المصدريتين.
 ‌و‌ السنه: الطريقه التى يسلكها الحى ‌فى‌ افعاله، ‌و‌ السيره التى يكون عليها.
 ‌و‌ الافضال: مصدر افضل عليه، اذا اعطاه ‌ما‌ ‌لا‌ يلزمه ‌ان‌ يعطيه.
 ‌و‌ العاده: اسم لتكرير الفعل ‌من‌ عاد يعود.
 ‌و‌ الاحسان: مصدر احسن، ‌اى‌ فعل الحسن، فان كان الفعل متعديا الى الغير، قيل: احسن اليه، ‌و‌ ‌ان‌ كان لازما بالفاعل، قيل: احسن.
 ‌و‌ السبيل: الطريق الذى فيه سهوله، ‌و‌ يستعار لسيره الحى التى يكون عليها ‌فى‌ افعاله.
 
و العفو: ترك المواخذه بالتقصير ‌و‌ الذنب.
 ‌و‌ مدار هذه الفقرات ‌ان‌ افاضته تعالى شابيب كرمه، وجوده على عباده غير موقوف على الاستحقاق ‌و‌ الاستيجاب، بل هى شانه ‌و‌ ديدنه.
 ‌و‌ فيه ‌رد‌ على ‌من‌ زعم ‌ان‌ الثواب مترتب على العمل ترتب الشبع على الاكل ‌و‌ الله اعلم.
 
«الفاء»: سببيه، ‌اى‌ فبسبب كون سنتك الافضال، ‌و‌ عادتك الاحسان، ‌و‌ سبيلك العفو، كل البريه معترفه بانك غير ظالم، الى آخره، لجزم العقل بان ‌من‌ شانه ذلك ‌لا‌ يريد ظلما، فضلا عن ‌ان‌ يوقعه.
 ‌و‌ «كل» هنا لاستغراق افراد المضاف اليه. ‌و‌ ‌هو‌ مبتدا خبره قوله: «معترفه». ‌و‌ تانيثه باعتبار المعنى، ‌او‌ لاكتساب المضاف التانيث ‌من‌ المضاف اليه، لصحه الاستغناء بالمضاف اليه عن المضاف، كما يقال: سقطت بعض اصابعه.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس «و كل معترف ‌و‌ شاهد» ‌و‌ ‌هو‌ احسن.
 ‌و‌ عافاه الله: وهب له العافيه ‌من‌ المكروه دنيويا كان ‌او‌ اخرويا. ‌و‌ بين عاقبت ‌و‌ عافيت ‌من‌ البديع جناس التصحيف.
 فان قلت: كيف يصح هذا الاستغراق ‌و‌ كثير ‌من‌ الناس ‌لا‌ يعترف بوجوده فضلا عن عدله وجوده؟
 قلت: يجوز ‌ان‌ يكون الاستغراق عرفيا، فالمراد بالبريه الموحدون منهم، ‌و‌ ‌ان‌ يكون
 
حقيقيا، ‌و‌ المراد بالاعتراف اعم ‌من‌ ‌ان‌ يكون صريحا ‌او‌ لزوما ‌و‌ اضطرارا. اما الاول: فهو الاعتراف ‌من‌ المومنين. ‌و‌ اما الثانى: فهو الشامل لكل احد مومنا كان ‌او‌ كافرا، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ العقول متفقه على وجود الصانع سبحانه، ‌و‌ الانقطاع اليه عند تضائق حلق البلاء عليه، كما اشار اليه سبحانه بقوله: «و اذا مسكم الضر ‌فى‌ البحر ضل ‌من‌ تدعون الا اياه»، ‌و‌ هذا امر مجبول عليه كل احد، ‌و‌ ‌لا‌ تجد احدا الا ‌و‌ فزعه ‌و‌ انقطاعه الى خالقه ‌من‌ كون ‌فى‌ نفسه ‌و‌ طبعه.
 ‌و‌ قد نبه بعضهم على هذا المعنى فقال: التوكل على الخالق ‌و‌ الانقطاع اليه ‌من‌ طباع الخلق للعجز المعجون بجبلتهم، ‌و‌ الحاجه المركبه ‌فى‌ طبيعتهم. ‌و‌ مما يدلك على ذلك انك لو فاتحت الامه البلهاء، ‌و‌ المراه الورهاء، ‌و‌ الشيخ المنجد، ‌و‌ الشاب الغرير، ‌و‌ البدوى القح، ‌و‌ الفارسى الاعجم، ‌و‌ الهندى الابكم، ‌و‌ الرومى الطمطمانى، ‌و‌ الكيس الزكى، ‌و‌ الغمر الغبى، لوجدت ‌فى‌ اثناء حديثهم، ‌و‌ اعراض كلامهم، تسليما الى غيرهم، ‌و‌ تفويضا الى سواهم، ‌و‌ انقطاعا عن اصابتهم باستطاعتهم، ‌و‌ لوذانا بما يجدون المراد بتسهيله عليهم ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ ‌ان‌ هذا اصل ‌فى‌ الجوهر، ‌و‌ اول ‌فى‌ الكون.
 ‌و‌ ‌من‌ الظاهر البين ‌ان‌ ذلك يستلزم ضروره الاعتراف بكون هذا المنقطع عليه ‌و‌ المفزوع اليه قادرا غير عاجز، ‌و‌ قويا غير ضعيف، ‌و‌ غنيا غير فقير، ‌و‌ عالما غير جاهل، ‌و‌ مالكا غير مملوك، ‌و‌ ربا غير مربوب، فلزم بحكم العقل الاذعان له بان افاضته سجال خيره على غيره لاعن حاجه ‌به‌ اليه، ‌و‌ ‌لا‌ غرض يعود نفعه عليه، بل ‌هو‌ افضال منه ‌و‌ احسان، ‌و‌ ‌من‌ شانه ذلك، فلا داعى له الى الظلم لمن عاقب، سوى العدل، ‌و‌ ‌لا‌ غرض له بمعافاه ‌من‌ عافى سوى الفضل، فصح الاستغراق الحقيقى ‌فى‌ كلامه عليه السلام. ‌و‌ نظير قوله تعالى ‌فى‌ محكم كتابه: «و له ‌من‌ ‌فى‌ السموات
 
و الارض كل له قانتون» ‌و‌ قوله: «يسئله ‌من‌ ‌فى‌ السماوات ‌و‌ الارض».
 ‌و‌ لك حمل الاعتراف على كونه يوم القيامه، كما حمل بعض المفسرين قوله تعالى: « كل له قانتون» على ذلك. ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «و كل مقر على نفسه بالتقصير عما استوجبت» ‌اى‌ ‌من‌ الطاعه ‌و‌ العباده، اقرارا مستمرا بلسان المقال ‌او‌ الحال، فانهم ‌و‌ ‌ان‌ بالغوا ‌و‌ اجتهدوا كانوا مقصرين، غير بالغين كنه عبادته سبحانه ‌و‌ حقيقتها، اذ ‌لا‌ قدر لها ‌فى‌ جنب نعمه عليهم سابقا ‌و‌ لاحقا، بل هى بمعزل عما يجب لعظمته ‌و‌ جلاله ‌و‌ كبريائه، ‌و‌ اذا كانت الملائكه المقربون، ‌و‌ الانبياء ‌و‌ المرسلون يقولون: سبحانك ‌ما‌ عبدناك ‌حق‌ عبادتك، فما الظن بسواهم؟!
 ‌و‌ الى هذا المعنى اشار اميرالمومنين عليه السلام بقوله ‌فى‌ بعض خطبه: وتا الله لو انماثت قلوبكم انمياثا، ‌و‌ سالت عيونكم ‌من‌ رغبه اليه، ‌او‌ رهبه منه دما، ثم عمرتم ‌فى‌ الدنيا ‌ما‌ الدنيا باقيه ماجزت اعمالكم عنكم ‌و‌ لو لم تبقوا شيئا ‌من‌ جهدكم انعمه عليكم العظام، ‌و‌ هداه اياكم للايمان.
 
قوله عليه السلام: «فلو ‌لا‌ ‌ان‌ الشيطان يختدعهم» الى آخره.
 لولا: حرف الامتناع وجود الشى ء لوجود غيره، ‌و‌ الممتنع ‌هو‌ الجواب، ‌و‌ الوجود ‌هو‌ وجود الاسم الواقع بعدها.
 ‌و‌ «ان» ‌و‌ معمولها ‌فى‌ عباره الدعاء ‌فى‌ محل رفع على الابتداء عند الجمهور.
 فقيل: الخبر كون مطلق محذوف وجوبا، ‌و‌ التقدير: لولا اختداع الشيطان لهم كائن ‌او‌ ثابت.
 ‌و‌ قال سيبويه: ‌لا‌ حاجه الى الخبر لاشتمال صله «ان» على المسند ‌و‌ المسند
 
اليه. ‌و‌ ذهب المبرد ‌و‌ الزجاج ‌و‌ الكوفيون الى ‌ان‌ الرفع على الفاعليه ب«ثبت» محذوفا، ‌اى‌ لولا ثبت ‌ان‌ الشيطان يختدعهم.
 ‌و‌ ماوقع لبعضهم: ‌من‌ ‌ان‌ «ان ‌و‌ ‌ما‌ بعدها» ‌فى‌ تاويل مصدر مرفوع بالابتداء، ‌و‌ جمله يختدعهم الخبر- ‌و‌ حيث لم يكن التعليق على نفس الشيطان، بل على اختداعه لم يستغن عن الخبر، ‌و‌ لم يجب حذفه- خبط صريح ناشى عن فهم قريح. فان الموول بالمصدر المرفوع بالابتداء ‌هو‌ اسم ‌ان‌ ‌و‌ خبرها معا، اعنى الشيطان ‌و‌ جمله يختدعهم، ‌و‌ التاويل لولا اختداع الشيطان. فكيف تكون جمله يختدعهم خبرا؟ ‌و‌ هل يصدر مثل هذا الكلام الا عن ذهن مووف؟ نسال الله العافيه.
 ‌و‌ خدعه خدعا- ‌من‌ باب نفع- ‌و‌ اختدعه اختداعا فانخدع: اراد ‌به‌ المكروه ‌من‌ حيث ‌لا‌ يعلم. ‌و‌ قيل: ‌او‌ همه خلاف ‌ما‌ يريد ‌به‌ ‌من‌ المكروه ليوقعه فيه ‌من‌ حيث ‌لا‌ يحتسب.
 ‌و‌ قال الراغب: الخدع ‌و‌ الخداع انزال الغير عما ‌هو‌ بصدده بامر يبديه على خلاف ‌ما‌ يخفيه.
 ‌و‌ تعديته ب«عن» لتضمينه معنى الصد ‌او‌ المنع، ‌اى‌ يختدعهم صادا لهم، ‌او‌ مانعا عن طاعتك.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «ما عصاك عاص» ‌هو‌ جواب لولا.
 قال ابن هشام: ‌و‌ زعم ابن الطراوه ‌ان‌ جواب لولا ابدا ‌هو‌ خبر المبتدا، ‌و‌ يرده انه ‌لا‌ رابط بينهما.
 قوله عليه السلام: «و لو ‌لا‌ انه صور لهم الباطل» الى آخره صورت الشى ء تصويرا: جعلته ذا صوره. ‌و‌ صوره الشى ء ‌ما‌ ‌به‌ الشى ء بالفعل.
 
و الباطل: نقيض الحق. ‌و‌ عرف بانه الذى ‌لا‌ يكون صحيحا باصله.
 ‌و‌ المثال بمعنى الصوره.
 ‌و‌ الحق لغه: الثابت الذى ‌لا‌ يسوغ انكاره، ‌و‌ عرفا: الحكم المطابق للواقع، يطلق على الاقوال ‌و‌ الاعتقادات ‌و‌ الملل باعتبار اشتمالها على ذلك، ‌و‌ يقابله الباطل.
 ‌و‌ الضلال: العدول عن الطريق المستقيم.
 ‌و‌ طريقه تعالى: سبيله الذى نهج لعباده ‌من‌ الايمان ‌به‌ ‌و‌ توحيده ‌و‌ طاعته ‌و‌ عبادته ‌و‌ سائر ‌ما‌ دعا اليه، ‌و‌ امر به.
 ‌و‌ قيل: سبيله تعالى كل عمل خالص، سلك ‌به‌ طريق التقرب الى الله، باداء الفرائض ‌و‌ النوافل، ‌و‌ انواع التطوعات. ‌و‌ اضافته اليه تعالى لانه المبين له، ‌او‌ لانه الموصل اليه سبحانه.
 
 تبصره
 
 قال بعض العلماء: ‌ان‌ اصل الضلال ‌و‌ العمى ‌و‌ الجهل ‌من‌ الشيطان. ‌و‌ ‌هو‌ اول ‌من‌ سلك سبيل الغى ‌و‌ الضلال، ‌و‌ طرده الحق عن عالم رحمته، ‌و‌ وقع عليه اسم ابليس، ‌و‌ ‌هو‌ جوهر نطقى شرير متولد ‌من‌ طبقه ناريه دخانيه، لها نفس ملكوتيه، ظهرت بجهه ظلمانيه، رديه، شانه الاغواء، ‌و‌ سبيله الاضلال، كما قال تعالى حكايه عن اللعين: «فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين» ‌و‌ قوله: «فبما اغويتنى لاقعدن لهم صراطك المستقيم»، ‌و‌ ذلك لان له سلطنه بحسب الطبع على الاجسام الدخانيه ‌و‌ البخاريه ‌و‌ نفوسها الجزئيه، ‌و‌ الطبائع الوهمانيه، ‌و‌ تطيعها تلك النفوس ‌و‌ القوى الوهمانيه لمناسبه النقص ‌و‌ الشراره، ‌و‌ كونه مجبولا على الاغواء ‌او‌ الافساد ‌و‌ الاستكبار ‌و‌ ادعاوه العلو، كما ‌فى‌ قوله سبحانه: «استكبرت ‌ام‌ كنت ‌من‌
 
العالين» انما ‌هو‌ بمقتضى طبعه الغالب عليه الناريه الموجبه للاهلاك ‌و‌ العلو.
 ‌و‌ وجه تاثيره ‌فى‌ نفوس الادميين:
 اما ‌من‌ جانب الموثر، فللطافته ‌و‌ سرعه نفوذه ‌فى‌ عروقهم، ‌و‌ لطائف اعضائهم، ‌و‌ اخلاطهم التى هى محال الشعور ‌و‌ الاعتقاد، ‌و‌ اقتداره على اضلالهم بالوسوسه ‌و‌ الاضلال.
 ‌و‌ اما ‌من‌ جانب القابل، فلقصور القوى الادراكيه لاكثر الناس ‌و‌ ضعفها عن المعارضه ‌و‌ المجاهده مع جنوده ‌و‌ اعوانه ‌من‌ القوى الشهويه ‌و‌ الغضبيه ‌و‌ غيرهما، ‌لا‌ سيما الوهميه الا ‌من‌ عصمه الله تعالى ‌من‌ عباده المخلصين الذين ايدهم الله بالعقل، ‌و‌ هداهم الى الصراط المستقيم، «اولئك حزب الله الا ‌ان‌ حزب الله ‌هم‌ المفلحون».
 
«الفاء» للترتيب الذكرى.
 ‌و‌ سبحانك للتعجب ‌من‌ عموم كرمه تعالى ‌و‌ عظمه. ‌و‌ افاده هذا اللفظ للتعجب مر بيانه ‌فى‌ الروضه الثالثه عشره.
 ‌و‌ «ما ابين» صيغه التعجب. ‌و‌ «ما» فيها اسم ‌فى‌ محل رفع على الابتداء.
 ‌و‌ اختلفوا هل هى نكره تامه بمعنى شى ء، ‌و‌ ابتدى بها لتضمنها معنى التعجب، ‌و‌ ‌ما‌ بعدها خبرها فموضعه رفع؟ ‌او‌ هى موصوله بمعنى الذى، ‌و‌ ‌ما‌ بعدها صلتها فلا محل لها ‌من‌ الاعراب، ‌و‌ الخبر محذوف وجوبا ‌و‌ التقدير: الذى ابان كرمك شى ء عظيم،
 
و بان الامريبين ‌و‌ تبين ‌و‌ استبان: اتضح ‌و‌ انكشف، ‌و‌ الاسم البيان.
 ‌و‌ الكرم هنا عباره عن التفضل ‌و‌ السبق بالانعام، ‌و‌ ايثار الصفح عن الجانى، ‌و‌ الاحسان الى المسى ء.
 ‌و‌ المعامله: مفاعله ‌من‌ العمل، ‌و‌ ‌هو‌ الفعل عن قصد.
 ‌و‌ «او» ‌من‌ قوله: «او عصاك» للايذان بتساوى المعاملتين ‌فى‌ بيان الكرم المتعجب منه، ‌و‌ ‌ان‌ كل واحده منهما مستقله بظهوره، فان تعجب منه ‌فى‌ كل منهما كان ‌فى‌ محله، ‌و‌ ‌ان‌ تعجب منه فيهما جميعا فكذلك.
 قوله عليه السلام: «تشكر للمطيع ‌ما‌ انت توليته»، جمله مستانفه استئنافا بيانيا، كانه سئل: كيف بان كرمى ‌فى‌ معامله ‌من‌ اطاعنى ‌او‌ عصانى؟ فقال: تشكر للمطيع... الى آخره، ‌اى‌ تجازى المطيع بالكثير على العمل الذى انت توليته، ‌اى‌ قمت ‌به‌ لاجله، يقال: وليت الامر، ‌و‌ توليته، ‌اى‌ قمت ‌به‌ «و الذى تولى كبره» ‌اى‌ وليه وقام به.
 ‌و‌ الغرض انه تعالى ‌هو‌ الذى اقدر المطيع على الطاعه له، ‌و‌ وفقه بلطف عنايته لها، ثم شكره عليها. ‌و‌ هذا منتهى الكرم ‌و‌ غايه الجود.
 ‌و‌ الاملاء: التاخير ‌و‌ الامهال، يقال: امليت له: اذا انظرته، ‌و‌ امهلته، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و املى لهم ‌ان‌ كيدى متين» ‌اى‌ امهلهم.
 ‌و‌ عاجله بذنبه اذا اخذه به، ‌و‌ لم يمهله.
 ‌اى‌ تمهل العاصى، ‌و‌ ‌لا‌ تاخذه بذنبه سريعا، ‌و‌ انت قادر على معاجلته، ‌و‌ عدم امهاله احسانا اليه، ‌و‌ رفقا به.
 
قوله عليه السلام «اعطيت كلا منهما» الى آخره. فصل الجمله عما قبلها، لما بينهما ‌من‌ كمال الاتصال لكونها ‌او‌ ‌فى‌ بتاديه المراد، فتكون بدل اشتمال. ‌و‌ يجوز
 
ان تكون استئنافا ثانيا- كالاولى- على وجه التعليل لبيان كرمه ‌فى‌ معامله ‌من‌ اطاعه ‌او‌ عصاه.
 ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ما‌ ‌فى‌ التعبير عن الشكر ‌و‌ الاملاء بصيغه المضارع الموذنه بالاستمرار، ‌و‌ عن الاعطاء ‌و‌ التفضل بصيغه الماضى الداله على الوقوع ‌و‌ الانقضاء ‌من‌ اللطف، فانه يوذن بان الشكر ‌و‌ الاملاء مستمران، ‌و‌ ‌ان‌ التفضل ‌و‌ الاعطاء قد جرى بهما قلم القضاء، فلا مثنويه ‌فى‌ ذلك ‌و‌ هكذا فليكن حسن البيان.
 
و المكافاه: مفاعله ‌من‌ الكفو ‌و‌ ‌هو‌ المثل ‌و‌ المساوى، فاصل كافاته: ساويته. ثم اتسع فيه فاستعمل بمعنى المجازاه.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: كافاته ساويته، ‌و‌ ‌هو‌ مكافى له. ‌و‌ كافاته بصنعه: جازيته جزاء مكافئا لما صنع، ‌اى‌ مساويا له.
 ‌و‌ لما كان ‌ما‌ تولاه سبحانه ‌لا‌ يقتضى مكافاه بالثواب عليه، لان الانسان ‌لا‌ يستحق بعمل غيره ثوابا، كان معنى المكافاه عليه عدم الاثابه به، لان معنى المكافاه: المساواه بمقابله الفعل بالفعل، ‌و‌ عدمه بعدمه.
 فمعنى قوله عليه السلام «لو كافات المطيع على ‌ما‌ انت توليته»: لو لم تثبه على ‌ما‌ انت توليته، بل كافاته عليه بعدم الاثابه عليه لعدم قيامه به، ‌و‌ صدوره عنه لاوشك ‌ان‌ يفقد ثوابك.
 
و ‌ما‌ وقع لاكثر الاصحاب ‌فى‌ ترجمه هذه العباره- بان المعنى لو جازيت المطيع على مجرد عمله دون ‌ما‌ انت توليته، ‌او‌ فيما انت توليته- بمعزل عن مدلولها، ‌و‌ ‌ان‌ كان معنى صحيحا ‌فى‌ نفسه.
 ‌و‌ اللام ‌من‌ قوله: «لاوشك» لام جواب «لو» ‌لا‌ جواب قسم مقدر، خلافا لابن جنى. ‌و‌ اوشك. فعل ماض ‌من‌ افعال المقاربه الداله على قرب ثبوت خبرها لاسمها، فمعنى ‌او‌ ‌شك‌ قرب ودنى، فاذا قلت ‌او‌ ‌شك‌ زيد ‌ان‌ يقوم، كان معناه قرب ودنا قيامه. ‌و‌ قال بعضهم: معناها مقاربه الاسم للخبر. فمعنى ‌او‌ ‌شك‌ زيد ‌ان‌ يقوم: قارب زيد القيام ‌او‌ قرب زيد ‌من‌ القيام. ‌و‌ اذا بنى اوشك على اسم قبله- كعباره الدعاء- جاز فيه الوجهان:
 احدهما: اسناده الى ضميره. فيكون اسما له، ‌و‌ جعل ‌ان‌ ‌و‌ الفعل ‌فى‌ موضع نصب على انه خبر له.
 ‌و‌ الثانى: تفريغه عن الضمير ‌و‌ اسناده الى ‌ان‌ ‌و‌ الفعل، فيكون ‌ان‌ ‌و‌ الفعل اسما موولا مكتفى ‌به‌ عن الخبر. ‌و‌ محله الرفع على الفاعليه.
 ‌و‌ يكون اوشك على الاول فعلا ناقصا، ‌و‌ على الثانى فعلا تاما. ‌و‌ تقدير عباره الدعاء على الاول: لاوشك المطيع ‌ان‌ يفقد ثوابك، ‌و‌ على الثانى لاوشك فقدان المطيع ثوابك، اى: لقرب ودنا فقدانه لثوابك.
 ‌و‌ استشكل الاول بان ‌ان‌ ‌و‌ الفعل ‌فى‌ تاويل المصدر، فيلزم الاخبار بالحدث عن الذات. ‌و‌ اجيب بانه ‌من‌ باب زيد صوم ‌و‌ عدل، ‌او‌ على تقدير مضاف، كانه قيل: لاوشك امر المطيع ‌ان‌ يفقد. ‌و‌ الاولى ‌ما‌ ذهب اليه سيبوبه على ‌ما‌ نقله عنه ابن مالك ‌من‌ ‌ان‌ ان ‌و‌ الفعل ليس خبرا، بل ‌هو‌ مفعول ‌به‌ منصوب على نزع الخافض، ‌و‌ الفعل تام بمعنى قرب.
 
و التقدير ‌فى‌ عباره الدعاء: لقرب المطيع ‌من‌ ‌ان‌ يفقد ثوابك، ثم حذف الجار توسعا. ‌او‌ يجعل الفعل بمعنى قارب فلا حذف، ‌و‌ المعنى قارب المطيع فقدان ثوابك.
 ‌و‌ ‌فى‌ عبارته عليه السلام شاهد على امرين:
 احدهما: ورود اوشك بصيغه الماضى، ‌و‌ فيه ‌رد‌ على الاصمعى ‌و‌ ابى على حيث انكرا ذلك، كما حكاه عنهما ابن مالك ‌و‌ غيره. ‌و‌ شاهده ايضا ‌من‌ الشعر قول الشاعر:
 ‌و‌ لو سئل الناس التراب لاوشكوا
 اذا قيل هاتوا ‌ان‌ يملوا ‌و‌ يمنعوا
 الثانى: كون ‌او‌ ‌شك‌ للمقاربه، بمعنى كاد، ‌و‌ ‌هو‌ مذهب اكثر المتاخرين، ‌و‌ جماعه ‌من‌ المتقدمين، ‌و‌ فيه ‌رد‌ على الشلوبين ‌و‌ تلامذته حيث ذهبوا الى انه للترجى بمعنى عسى، فان الترجى ‌لا‌ يلائم عباره الدعاء.
 قوله عليه السلام «و لكنك بكرمك جازيته» الى آخره الواو للعطف عند الجمهور.
 ‌و‌ قال الرضى: يجوز كونها عاطفه للجمله على الجمله.
 ‌و‌ جعلها اعتراضيه اظهر ‌من‌ حيث المعنى. ‌و‌ دخولها على «لكن» مشدده ‌و‌ مخففه جائز ‌لا‌ واجب.
 ‌و‌ معنى «لكن» الاستدراك، ‌و‌ فسر بان ينسب لما بعدها حكم مخالف لما قبلها، ‌و‌ لذلك قالوا: يجب توسطها بين متغايرين معنى، ‌اى‌ ‌فى‌ النفى ‌و‌ الاثبات كعباره الدعاء، فان معنى قوله عليه السلام: «و لكنك بكرمك جازيته» ‌و‌ لكنك لم تكافى المطيع على ‌ما‌ توليته بل جازيته الى آخره.
 
و قال جماعه منهم صاحب البسيط: هى بعد لو ‌و‌ جوابها للتوكيد ‌لا‌ للاستدراك، اذ فائدتها تاكيد ‌ما‌ افادته لو ‌من‌ الامتناع. ‌و‌ الاول ‌هو‌ المشهور.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بكرمك» للسببيه متعلقه بالفعل بعدها ‌و‌ تقديمها مع مجرورها لافاده الاختصاص، ‌اى‌ بسبب كرمك لالامر آخر، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ تكون للملابسه، فتكون مع مجرورها ظرفا مستقرا متعلقه بحال محذوفه، ‌و‌ التقدير: ‌و‌ لكنك ملتبسا بكرمك جازيته.
 ‌و‌ المده: البرهه ‌و‌ الطائفه ‌من‌ الزمان تقع على القليل ‌و‌ الكثير.
 ‌و‌ القصر: خلاف الطول، ‌و‌ هما ‌من‌ الاسماء المتضائفه التى تعتبر بغيرها.
 ‌و‌ فنى الشى ء يفنى فناء- ‌من‌ باب رضى-: عدم بعد الوجود.
 ‌و‌ خلد يخلد خلودا- ‌من‌ باب قعد-: طال بقاوه.
 قال الراغب: كل ‌ما‌ يتباطا عنه التغير ‌و‌ الفساد تصفه العرب بالخلود، لقولهم للايام: خوالد، ‌و‌ ذلك لطول مكثها ‌لا‌ لدوام بقائها، ثم استعير للبقاء دائما، ‌و‌ الخلود ‌فى‌ الجنه بقاء الاشياء على الحاله ‌من‌ غير اعتراض الكون ‌و‌ الفساد عليها. انتهى.
 ‌و‌ غايه الشى ء: مداه ‌و‌ منتهاه. ‌و‌ الكلام على حذف مضاف، ‌اى‌ على ذى الغايه القريبه الزائله بذى الغايه المديده الباقيه، اذ الغايه ‌لا‌ يتعلق بها جزاء، ‌و‌ انما يتعلق بالمغيا.
 ‌و‌ المراد بالجزاء على المده القصيره بالمده الطويله، الجزاء على العمل فيها بالثواب عليه ‌فى‌ المده الطويله، فهو ‌من‌ باب اطلاق اسم المظروف على الظرف، ‌و‌ ‌هو‌ شائع ‌فى‌ الاستعمال.
 ‌و‌ اما قوله عليه السلام: «و على القريبه بالغايه المديده» فلا يتعين ‌ان‌ يراد بالغايه
 
الزمان ايضا اطلاقا لاسم الجزء على الكل بل العمل نفسه ‌و‌ الثواب نفسه، فكانه قال: ‌و‌ جازيته على العمل ذى الغايه القريبه الفانيه بالثواب ذى الغايه المديده الباقيه. ثم ‌من‌ المتعين كون المراد بالغايه ‌فى‌ المجازى ‌به‌ مدته، ‌و‌ انما عبر عنها بالغايه على سبيل المشاكله، لوقوعها ‌فى‌ صحبه ذى الغايه، ‌و‌ الا فلا غايه له، بدليل وصفها بالبقاء. لان المراد ‌به‌ البقاء الاخروى، ‌و‌ ‌هو‌ التابيد ‌لا‌ الى منتهى ‌و‌ ‌لا‌ غايه، ‌و‌ لو ‌لا‌ ذلك لاستحال الكلام.
 ‌و‌ المديده: الطويله، ‌و‌ منه ‌فى‌ الحديث: «تزوجت امراه مديده» ‌اى‌ طويله.
 
 تبصره
 
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: انما خلد اهل النار ‌فى‌ النار لان نياتهم كانت ‌فى‌ الدنيا ‌ان‌ لو خلدوا فيها ‌ان‌ يعصوا الله ابدا، ‌و‌ انما خلد اهل الجنه ‌فى‌ الجنه لان نياتهم كانت ‌فى‌ الدنيا ‌ان‌ لو بقوا فيها ‌ان‌ يطيعوا الله ابدا، فبالنيات خلد هولاء، ‌و‌ هولاء، ثم تلا قوله تعالى: «قل كل يعمل على شاكلته» قال على نيته. ‌و‌ الله اعلم.
 
«ثم» هنا للترتيب ‌فى‌ الذكر، ‌و‌ التدرج ‌فى‌ درج الارتقاء، ‌و‌ ذكر ‌ما‌ ‌هو‌ الاولى ثم الاولى ‌من‌ غير اعتبار التراخى ‌و‌ المهله بين تلك الدرج، ولان الثانى بعد الاول ‌فى‌ الزمان. فان عدم سومه القصاص على ‌ما‌ اكل ‌من‌ رزقه، ‌و‌ عدم حمله على المناقشات ‌فى‌ الالات متقدم على المجازاه المذكوره، كما ‌هو‌ ظاهر. لكن لما كان الغرض ترتيب تفضله تعالى بذكر الاخص فالاخص ‌و‌ الاعجب فالاعجب جاء ب«ثم»
 
تنبيها على ذلك، ‌و‌ نظير ذلك قوله تعالى: «خلقكم ‌من‌ نفس واحده ثم جعل منها زوجها».
 قال الزمخشرى: هما آيتان ‌من‌ جمله الايات التى عددها دالا على وحدانيته ‌و‌ قدرته تشعيب هذا الخلق- الفائت للحصر- ‌من‌ نفس آدم، ‌و‌ خلق حواء ‌من‌ قصيراه، الا ‌ان‌ احداهما جعلها الله عاده مستمره، ‌و‌ الاخرى لم تجربها العاده، ‌و‌ لم يخلق انثى غير حواء ‌من‌ قصيرى رجل، فكانت ادخل ‌فى‌ كونها آيه، ‌و‌ اجلب لعجب السامع، فعطفها ب«ثم» على الايه الاولى للدلاله على مباينتها لها فضلا ‌و‌ مزيه، ‌و‌ تراخيها عنها فيما يرجع الى زياده كونها آيه، فهو ‌من‌ التراخى ‌فى‌ الحال ‌و‌ المنزله لامن التراخى ‌فى‌ الوجود. انتهى.
 ‌و‌ لم تسمه القصاص: ‌اى‌ لم ترده منه. قال ‌فى‌ الاساس: ‌و‌ ‌من‌ المجاز سمت المراه المعانقه: اردتها منها ‌و‌ عرضتها عليها.
 ‌و‌ القصاص: مصدر قاصه مقاصه ‌و‌ قضاصا- ‌من‌ باب قاتل-.
 قال الزمخشرى: قاصصته بما كان لى قبله: ‌اى‌ حبست عنه مثل ذلك، ماخوذ ‌من‌ مقاصه ولى القتيل القاتل.
 فمعنى عباره الدعاء: لم تحبس عليه ‌من‌ الجزاء مثل ‌ما‌ اكل ‌من‌ رزقك.
 ‌و‌ قوى بالشى ء- ‌من‌ باب رضى- ‌و‌ تقوى به: استعان به، ‌و‌ الروايه ‌فى‌ الدعاء
 
وارده بالوجهين.
 ‌و‌ حملته على الامر: الزمته به، كانك جعلته راكبا عليه.
 ‌و‌ المناقشه: الاستقصاء ‌فى‌ الحساب.
 قال ‌فى‌ الفائق: ناقشه الحساب اذا عاسره فيه ‌و‌ استقصى، فلم يترك قليلا ‌و‌ ‌لا‌ كثيرا، ‌و‌ اصل المناقشه ‌من‌ نقش الشوكه ‌و‌ ‌هو‌ استخراجها كلها ‌و‌ منه: انتقشت منه جميع حقى. انتهى.
 ‌و‌ الالات جمع آله، ‌و‌ هى الاداه التى يعمل بها.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ القاموس: هى ‌ما‌ اعتملت ‌به‌ ‌من‌ اداه تكون واحدا ‌و‌ جمعا، ‌او‌ هى جمع بلا واحده، ‌و‌ جمعها آلات. انتهى.
 ‌و‌ عرفت بانها ‌ما‌ يوثر الافاعل ‌فى‌ منفعله القريب بواسطته.
 ‌و‌ تسببت الى الشى ء: توصلت اليه بسبب، ‌و‌ تسببت بكذا الى بكذا: جعلته سببا الى الوصول اليه.
 ‌و‌ المعنى: انك لم تلزمه المناقشه، ‌و‌ لم تستقص ‌فى‌ محاسبته على الالات التى توصل بسبب استعمالها الى فوزه بمغفرتك مع ‌ان‌ الالات ‌من‌ مخلوقاتك، ‌لا‌ مدخل لعمله فيها، ‌و‌ لولاها لم يمكنه التوصل الى مغفرتك.
 ‌و‌ المراد بالالات جميع القوى الظاهره ‌و‌ الباطنه ‌و‌ الجوارح ‌و‌ الامور ‌و‌ الاشياء المتعلقه بنفسه ‌و‌ بدنه ‌و‌ الخارجه عنه. ‌و‌ بالجمله جميع ماله مدخل ‌فى‌ القيام بالعمل ‌من‌ جوهر ‌و‌ عرض.
 ‌و‌ الكدح: العمل ‌و‌ السعى ‌و‌ الكسب ‌و‌ الكد، يقال: كدح لكذا ‌و‌ فيه يكدح- باب منع- ‌اى‌ عمل له ‌و‌ سعى ‌و‌ كسب ‌و‌ كد ‌و‌ جهد.
 
و «جزاء»- بالنصب- يحتمل المصدريه ‌و‌ الحاليه ‌و‌ المفعول لاجله.
 ‌و‌ الصغرى: مونث الاصغر ‌من‌ الصغر باعتبار القدر ‌و‌ المنزله.
 ‌و‌ «من» بيانيه.
 ‌و‌ الايادى: جمع يد، بمعنى النعمه ‌و‌ الاحسان، مستعاره ‌من‌ الجارحه.
 ‌و‌ المنن: جمع منه، ‌و‌ هى النعمه الثقيله.
 ‌و‌ الرهن: ‌ما‌ يوضع ثقه للدين. ‌و‌ اصله الحبس، ‌و‌ لذلك كان معناه شرعا: حبس الشى ء بحق يمكن اخذه منه كالدين، يقال: رهنت الشى ء رهنا، فهو رهين ‌و‌ مرهون، ثم استعمل ‌فى‌ كل شى ء لزمه امر ‌لا‌ يمكنه انفكاكه منه.
 قال جار الله ‌فى‌ قوله تعالى: «كل امرى بما كسب رهين»: ‌اى‌ مرهون. كان نفس العبد رهن عند الله بالعمل الصالح الذى ‌هو‌ مطالب به- كما يرهن الرجل عبده بدين عليه- فان عمل صالحا فكها ‌و‌ خلصها ‌و‌ الا اوبقها. انتهى.
 ‌و‌ لما كانت النفوس بهذا المعنى مرهونه بنعمه ‌من‌ نعم الله تعالى ‌لا‌ يفكها الا الشكر بالطاعه ‌و‌ العمل الصالح، ‌و‌ ليس له ‌من‌ ذلك الا ‌ما‌ لولا مسامحته سبحانه له، ‌و‌ عدم استقصائه عليه لذهب بجميع عمله ‌و‌ طاعته ‌فى‌ مقابله اصغر نعمه ‌و‌ مننه، لاجرم يبقى رهينا بسائر نعمه تعالى مطالبا بها ‌لا‌ انفكاك له منها، ‌و‌ لذلك فزع رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله الى ربه ‌فى‌ فكاك رهانه حيث قال: «فك رهانى، ‌و‌ ثقل ميزانى».
 ففزع صلى الله عليه ‌و‌ آله اليه سبحانه ‌ان‌ يكون ‌هو‌ الذى يتولى فكاك رهانه لعلمه عليه السلام بعجزه عنه، فما الظن بغيره.
 ‌و‌ قوله: «بين يديك» ‌اى‌ بحضرتك بحيث ‌لا‌ يمكنه فكاك نفسه بوجه، ‌و‌ بين
 
اليدين مستعار مما بين الجهتين المسامتتين ليدى الانسان، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ باب التمثيل، ‌و‌ قد سبق الكلام على ذلك مبسوطا فاغنى عن الاعاده.
 قوله عليه السلام: «فمتى كان يستحق ‌من‌ ثوابك شيئا ‌لا‌ متى». «الفاء» فصيحه، ‌اى‌ اذا كان الامر هكذا متى كان يستحق.
 ‌و‌ «متى» ظرف يكون استفهاما عن زمان فعل فيه ‌او‌ يفعل.
 ‌و‌ ليس الاستفهام هنا على حقيقته، بل الغرض منه استبعاد كونه مستحقا للثواب حينئذ ‌و‌ نفيه كقوله تعالى: «انى لهم الذكرى» ‌فى‌ استبعاد الاتعاظ.
 ‌و‌ «لا» ‌من‌ قوله: «لا متى» نافيه، ‌و‌ مفادها اما النفى صريحا لما افهمه الكلام السابق ‌من‌ نفى الاستحقاق لزوما، فان الاستفهام عن زمان الشى ء يستلزم الجهل بزمانه، ‌و‌ الجهل ‌به‌ يستلزم استبعاد وقوعه، لان ‌ما‌ ‌هو‌ قريب الوقوع ينبغى ‌ان‌ يكون معلوما، فلا داعى الى الاستفهام عنه، ‌و‌ استبعاد وقوع الشى ء يستلزم نفيه. ‌و‌ اما الاحتراز عما قد يتوهم ‌او‌ يسبق الى الذهن ‌من‌ ‌ان‌ الاستفهام على صرافته، فجاء بالنفى نصا على المقصود.
 ‌و‌ التقدير على الوجهين، ‌لا‌ لم يكن يستحق ‌من‌ ثوابك شيئا ‌و‌ انما حذف المنفى راسا، لان «لا» ‌من‌ الحروف التى تودى معنى الجمله ‌و‌ تحذف معها ‌فى‌ الغالب، ‌و‌ نظيره قول بعضهم ‌فى‌ قوله تعالى: «لا اقسم بيوم القيامه ‌و‌ ‌لا‌ اقسم بالنفس اللوامه». ‌ان‌ «لا» نافيه، ‌و‌ منفيها انكار البعث المعهود ‌من‌ الكافرين، كانهم انكروا البعث، فقيل: لا، ‌اى‌ ليس الامر كذلك، ثم استونف القسم فقيل: اقسم بيوم القيامه كقولك: ‌لا‌ ‌و‌ الله ‌ان‌ البعث حق.
 ‌و‌ قوله: «متى» استفهام انكار مستانف، ‌اى‌ متى كان يستحق؟ ‌و‌ مفاده تقرير النفى السابق ‌و‌ تاكيده، ‌و‌ ‌هو‌ الذى يسمى الانكار الابطالى، لانه يقتضى ‌ان‌ ‌ما‌ بعده
 
منفى، غير واقع، ‌و‌ ‌ان‌ مدعيه كاذب، ‌و‌ التقدير: متى كان يستحق، ‌اى‌ لم يكن يستحق. ‌و‌ انما آثر تقرير النفى ب«متى» ليكون بوجه برهانى ‌و‌ ‌هو‌ الاستدلال بانتفاء اللازم على انتفاء الملزوم.
 ‌و‌ بيانه: ‌ان‌ استحقاق شى ء ‌من‌ الثواب يستلزم زمانا ضروره. ‌و‌ ‌هو‌ معدوم، اذ لو كان موجودا لكان معلوما غير مجهول، فلم يحتج الى الاستفهام عنه. فاذا لم يكن له زمان وجب ‌ان‌ ‌لا‌ يكون له وجود اصلا، اذ لابد لكل حادث ‌من‌ زمان يقع فيه. ‌و‌ هذا معنى قولهم: الانكار بمتى ‌و‌ اين بمعنى انه ليس، لان زمانه ‌و‌ مكانه ليس، فهو انكار على وجه برهانى، ‌و‌ انما حذف الجمله بعد متى، لدلاله ‌ما‌ قبله عليه، ‌و‌ قد مر نظير هذه العباره ‌فى‌ الدعاء الاول ‌و‌ ذكرنا فيه وجوها اخر، غير انه كان قد بقى ‌فى‌ النفس منه شى ء فاستوفيناه هنا بحمد الله تعالى.
 
قوله عليه السلام: «هذا ‌يا‌ الهى حال ‌من‌ اطاعك»، الاشاره الى ‌ما‌ فصله عليه السلام ‌من‌ تفضله تعالى على المطيع ‌و‌ مسامحته له، ‌و‌ عدم استحقاقه- لولا ذلك- شيئا ‌من‌ ثوابه سبحانه.
 ‌و‌ سبيل ‌من‌ تعبد لك: ‌اى‌ سيرته ‌و‌ حالته ‌و‌ طريقته، ‌و‌ منه قوله تعالى: «قل هذه سبيلى ادعو الى الله على بصيره انا ‌و‌ ‌من‌ اتبعنى».
 ‌و‌ تعبد الرجل: بالغ ‌فى‌ العباده ‌و‌ اجتهد فيها.
 ‌و‌ ‌فى‌ الصحاح: التعبد: التنسك، ‌و‌ ‌هو‌ التطوع بقربه، ‌و‌ الله اعلم.
 «الفاء: للعطف ‌و‌ الترتيب الذكرى. ‌و‌ «اما»: حرف متضمن لمعنى الشرط ‌و‌ فعله، ‌و‌ لذلك يجاب بالفاء. ‌و‌ فائدته تاكيد ‌ما‌ صدر به، ‌و‌ تفصيل ‌ما‌ ‌فى‌ نفس المتكلم ‌من‌ الاقسام، نحو: هولاء فضلاء، اما زيد ففقيه، ‌و‌ اما عمرو فمتكلم، ‌و‌ اما بكر
 
 
فمحدث. ثم قد تذكر الاقسام جميعا كالمثال، ‌و‌ قد يقتصر على واحد منها استغناء بكلام يذكر بعدها ‌او‌ قبلها ‌فى‌ موضع القسيم.
 فالاول: كقوله تعالى: «هو الذى انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ‌ام‌ الكتاب ‌و‌ اخر متشابهات فاما الذين ‌فى‌ قلوبهم زيغ فيتبعون ‌ما‌ تشابه منه ابتغاء الفتنه ‌و‌ ابتغاء تاويله ‌و‌ ‌ما‌ يعلم تاويله الا الله ‌و‌ الراسخون ‌فى‌ العلم يقولون آمنا ‌به‌ كل ‌من‌ عند ربنا»، فاستغنى بقوله: ‌و‌ الراسخون ‌فى‌ العلم عن ذكر قسيم فاما الذين ‌فى‌ قلوبهم زيغ، فكانه قيل: ‌و‌ اما الراسخون ‌فى‌ العلم فيقولون آمنا به.
 ‌و‌ الثانى: كعباره الدعاء، فان ذكر حال المطيع قبل اما اغنى عن ذكر قسيم ‌ما‌ بعدها، ‌و‌ قد يستغنى بذكر احد القسيمين عن الاخر كقوله تعالى: «فاما الذين آمنوا بالله ‌و‌ اعتصموا ‌به‌ فسيدخلهم ‌فى‌ رحمه منه ‌و‌ فضل»، ‌اى‌ ‌و‌ اما الذين كفروا بالله فلهم كذا ‌و‌ كذا.
 ‌و‌ عصيان الامر: ترك الانتقاد له.
 ‌و‌ واقع الذنب: ارتكبه ‌و‌ خالطه.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ المجمل: واقع الامور مواقعه ‌و‌ وقاعا: داناها.
 
و عاجله ‌فى‌ النقمه: ‌اى‌ انتقم منه ‌و‌ عاقبه ‌من‌ غير امهال.
 ‌و‌ اللام ‌من‌ قوله: «لكى» تعليليه، ‌و‌ «كى» مصدريه، بمنزله ‌ان‌ المصدريه معنى ‌و‌ عملا لصحه حلول ‌ان‌ محلها، ‌و‌ قول الكافيين: «انها حرف تعليل مصدرى» يدفعه انها لو كانت حرف تعليل لم يدخل عليها حرف تعليل.
 ‌و‌ الاستبدال جعل الشى ء مكان آخر.
 قال الراغب: ‌و‌ ‌هو‌ اعم ‌من‌ العوض، فان العوض ‌هو‌ ‌ان‌ يصير لك الثانى باعطاء الاول، ‌و‌ التبديل يقال: للتغيير ‌و‌ ‌ان‌ لم تات ببدله.
 ‌و‌ «الباء» ‌من‌ قوله: «بحاله» للمقابله، ‌و‌ مدخولها ابدا ‌هو‌ الذاهب الزائل دون الاتى الحاصل كقوله تعالى: «اتستبدلون الذى ‌هو‌ ادنى بالذى ‌هو‌ خير»، ‌و‌ المعنى: لكى ياخذ ‌و‌ يختار لنفسه بدلا ‌من‌ حاله ‌فى‌ معصيتك حال الانابه الى طاعتك.
 ‌و‌ اناب الى الله انابه ‌و‌ منابا: رجع. ‌و‌ ‌فى‌ الحديث «لو علم الله ‌ان‌ عبدا ينيب اليه آخر الدهر لمد ‌فى‌ عمره الى ذلك الوقت».
 قوله عليه السلام: «و لقد كان يستحق» جمله مستانفه سيقت لتقرير مضمون ‌ما‌ قبلها ‌من‌ امهاله تعالى لعبده العاصى، ‌و‌ عدم معاجلته له بالانتقام. ‌و‌ اللام جواب لقسم محذوف ‌اى‌ ‌و‌ بالله لقد كان يستحق، ‌و‌ تصدير الجمله بالقسم لزياده تحقيق مضمونها.
 ‌و‌ اول الشى ء: ابتداوه.
 قال الزجاج: معنى الاول ‌فى‌ اللغه ابتداء الشى ء، ثم يجوز ‌ان‌ يكون له ثان، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ ‌لا‌ يكون، كما تقول: هذا اول ‌ما‌ كسبته، جائز ‌ان‌ يكون بعده كسب،
 
و جائز ‌ان‌ ‌لا‌ يكون، ‌و‌ مرادك هذا ابتداء كسبى. انتهى.
 ‌و‌ على هذا فقوله عليه السلام «فى اول ‌ما‌ هم»، ‌اى‌ ‌فى‌ ابتداء همه، جائز ‌ان‌ يكون بعده هم، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يكون.
 ‌و‌ ‌هم‌ بالشى ء هما- ‌من‌ باب قتل-: اذا اراده ‌و‌ لم يفعله، ‌و‌ ‌ما‌ مصدريه، هى وصلتها ‌فى‌ محل جر على الاضافه.
 «و كل ‌ما‌ اعددت»، ‌اى‌ جميع ماهياته، ف«ما» اما نكره موصوفه، ‌او‌ موصوله. ‌و‌ الجمله بعدها اما صفه ‌او‌ صله.
 ‌و‌ يقع ‌فى‌ بعض النسخ ‌فى‌ الصحيفه الشريفه هنا كتابه كل متصله ب«ما» ‌و‌ ‌هو‌ غلط ‌من‌ النساخ، ‌و‌ القاعده المقرره ‌ان‌ (ما) انما توصل بكل اذا لم يعمل فيها ‌ما‌ قبلها نحو: «كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا»، فانها تكون حينئذ ظرفا منصوبا بما بعدها، فان عمل فيها ‌ما‌ قبلها فصلت عنها نحو: «و آتاكم ‌من‌ كل ‌ما‌ سالتموه»، ‌و‌ منه عباره الدعاء، ف«ما» حينئذ اسم مضاف اليه.
 ‌و‌ «من» ‌فى‌ قوله: «من عقوبتك» لبيان «ما» المضاف اليها كل.
 
و «الفاء» ‌من‌ قوله: «فجميع ‌ما‌ اخرت» سببيه.
 ‌و‌ البطو اصله تاخر الانبعاث ‌فى‌ السير، ثم استعمل ‌فى‌ مطلق التاخر، يقال: ‌ما‌ ابطابك عنا؟ اى: ‌ما‌ اخرك؟ ‌و‌ ‌فى‌ نسخه «بطوت ‌به‌ عليه» ‌و‌ هى ‌من‌ باب قرب لغه ‌فى‌ ابطا.
 قال ‌فى‌ الاساس: يقال: ‌ما‌ ابطابك عنا؟ ‌و‌ ‌ما‌ بطوبك؟ ‌و‌ ‌ما‌ بطا؟- بالتثقيل-.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: بطا عليه بالامر تبطيئا، ‌و‌ ابطابه: اخره. انتهى.
 
وسطا عليه ‌و‌ ‌به‌ سطوا ‌و‌ سطوه: قهره ‌و‌ اذله ‌و‌ ‌هو‌ البطش ‌و‌ الاخذ بعنف ‌و‌ شده.
 ‌و‌ النقمه: الانتقام ‌و‌ ‌هو‌ بمعنى العقوبه.
 ‌و‌ تركت المنزل تركا- ‌من‌ باب قتل-: رحلت عنه، ‌و‌ الرجل فارقته ثم استعير للاسقاط ‌فى‌ المعانى، فقيل: ترك حقه، اذا اسقطه.
 ‌و‌ الرضى: خلاف السخط، يقال: رضيت بالشى ء، ‌و‌ رضيته اذا اخترته ‌و‌ لم اكرهه.
 ‌و‌ «دون» هنا بمعنى غير، ‌اى‌ بغير ‌ما‌ يجب لك، ‌او‌ بمعنى القاصر، ‌او‌ الاقل، ‌اى‌ بما ‌هو‌ قاصر عن واجبك، ‌او‌ باقل ‌ما‌ ‌هو‌ واجب لك، فان تاخير العذاب ‌و‌ عدم المعاجله ‌به‌ ضرب ‌من‌ دون ‌ما‌ يجب له سبحانه، نظرا الى عظيم سلطانه ‌و‌ كبريائه ‌و‌ اقتداره جلت قدرته.
 
و قوله: «فمن اكرم منك» «الفاء» فيه سببيه، ‌و‌ الاستفهام للتعظيم ‌او‌ الانكار لان يكون احد اكرم منه.
 ‌و‌ «لا» نافيه، ‌و‌ ‌من‌ بعدها للانكار ايضا، تقريرا لما قبلها، ‌و‌ بيانا لاستحاله قوله: «و ‌من‌ اشقى ممن هلك عليك ‌لا‌ من»، الا ‌ان‌ حمل الاستفهام هنا اولا على التهويل ‌و‌ التخويف، ‌و‌ ثانيا على الانكار، انسب بشهاده الذوق.
 ‌و‌ وجه تعديه الهلاك ب«على» قد تقدم بيانه ‌فى‌ الروضه الاولى بما ‌لا‌ مزيد عليه، فليرجع اليه.
 «الفاء»: مبينه. ‌و‌ البركه: النماء ‌و‌ الزياده حسيه كانت ‌او‌ عقليه، ‌و‌ كثره الخير ‌و‌ دوامه، فقوله: «تباركت» اما بمعنى تزايدت ‌و‌ تعاليت، نظرا الى البركه بمعنى الزياده، ‌او‌ بمعنى كثر خيرك، نظرا الى معنى كثره الخير ‌و‌ دوامه.
 
فالاول: باعتبار كمال الذات ‌فى‌ نفسها، ‌و‌ الثانى: باعتبار كمال الفعل، ‌و‌ عباره الدعاء تناسب المعنيين.
 ‌و‌ صيغه التفاعل للمبالغه.
 ‌و‌ قوله: «ان توصف» ‌اى‌ عن ‌ان‌ توصف، ‌و‌ حذف الجار مع ‌ان‌ ‌و‌ ‌ان‌ المخففه ‌و‌ المثقله مطرد اذا امن اللبس.
 ‌و‌ الاستثناء مفرغ، ‌و‌ التقدير: تباركت ‌ان‌ توصف بشى ء الا بالاحسان ‌و‌ جاء التفريغ مع الايجاب لتاويله بالنفى، ‌اى‌ لم يجز عليك، ‌او‌ لم ترض لعلو ذاتك ‌او‌ لكثره خيرك ‌ان‌ توصف الا بالاحسان.
 قال الرضى: ‌و‌ يجوز التفريغ ‌فى‌ موجب موول بالنفى كما ‌فى‌ قوله تعالى: «فابى اكثر الناس الا كفورا».
 ‌و‌ كرمت: ‌اى‌ تنزهت ‌و‌ تقدست. يقال: كرم زيد عن السوء يكرم- بالضم فيهما- ‌و‌ تكرم ‌و‌ تكارم. ‌اى‌ تنزه. ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الكرم، بمعنى انتفاء النقائص، ‌و‌ الاتصاف بجميع المحامد، ‌او‌ ‌من‌ الكرم بمعنى شرف الذات، ‌و‌ علو المقدار.
 ‌و‌ المراد بالعدل المساواه ‌فى‌ المكافاه، ‌ان‌ خيرا فخير ‌و‌ ‌ان‌ شرا فشر، ‌و‌ بالاحسان ‌ان‌ يقابل الخير باكثر منه، ‌و‌ الشر باقل منه، ‌و‌ لذلك قيل: العدل مساواه، ‌و‌ الاحسان زياده. ‌و‌ سنه العدل الايفاء ‌و‌ الاستيفاء بحسب الاستحقاق، ‌و‌ سنه الاحسان الزياده على الواجب ‌فى‌ الايفاء، ‌و‌ الاغماض دون الواجب ‌فى‌ الاستيفاء بحسب الاستحقاق.
 ‌و‌ عن اميرالمومنين عليه السلام ‌فى‌ قوله تعالى: «ان الله يامر بالعدل
 
و الاحسان»، العدل: الانصاف، ‌و‌ الاحسان: التفضل.
 هذا ‌و‌ لما كان مع العدل الاستقصاء اذ ليس ‌هو‌ الا توفيه الحقوق ‌و‌ استيفاءها بقدر الاستحقاق، ‌و‌ كان العبد ‌ما‌ عليه اكثر مما له بل كان ماله بالنسبه الى ‌ما‌ عليه كالجزء الذى ‌لا‌ يتجزى ‌من‌ الشى ء الذى ‌لا‌ يتناهى، لاجرم وجب بحكم العقل الخوف ‌من‌ عدله سبحانه. ‌و‌ اما الجور ‌و‌ الظلم فمستحيل عليه ‌و‌ ممتنع منه، ‌و‌ لهذا صح ‌ان‌ ‌لا‌ يخاف منه الا العدل.
 ‌و‌ ‌فى‌ دعاء اميرالمومنين عليه السلام «اللهم احملنى على عفوك ‌و‌ ‌لا‌ تحملنى على عدلك». ‌و‌ ‌من‌ كلامه صلوات الله عليه: «احذروا يوما ‌لا‌ يخاف ‌من‌ الحاكم فيه الا العدل».
 قوله عليه السلام: ‌لا‌ يخشى جورك على ‌من‌ عصاك: جمله مستانفا استئنافا بيانيا، كانه سئل: كيف يخشى منى الا العدل، فقال: لانه ‌لا‌ يخشى جورك على ‌من‌ عصاك... الى آخره.
 ‌و‌ الجور: نقيض العدل. ‌و‌ اصله ‌من‌ جار عن الطريق اذا مال عنه، ثم جعل اصلا ‌فى‌ العدول عن كل حق.
 ‌و‌ اغفلت الشى ء اغفالا: تركته اهمالا ‌من‌ غير نسيان.
 ‌و‌ ارضاوه تعالى: عباره عن امتثال اوامره، ‌و‌ اجتناب مناهيه.
 ‌و‌ الامل: الرجاء. ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا المامول، ‌من‌ باب اطلاق المصدر على اسم المفعول مجازا.
 ‌و‌ الزياده: ‌ان‌ يضم الى ‌ما‌ عليه الشى ء شى ء آخر. يقال: زدته فازداد، ‌اى‌ اعطنى ‌من‌ هدايتك قدرا زائدا على ‌ما‌ انا عليه منها، كما قال تعالى: «و الذين
 
اهتدوا زادهم هدى». ‌و‌ ‌فى‌ نسخه «زودنى» ‌من‌ الزاد، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ يعد للسفر ‌من‌ الطعام، ‌اى‌ اجعل لى ‌من‌ هذاك زادا، ‌و‌ ‌هو‌ اما استعاره تبعيه ‌او‌ مكنيه، ‌و‌ لك جعلها تمثيليه كما مر بيانه غير مره.
 ‌و‌ الهدى: مصدر كالسرى، قالوا: ‌و‌ اضطرب كلام سيبويه فيه فتاره يقول: ‌هو‌ عوض ‌من‌ المصدر، لان فعلا- بضم الفاء ‌و‌ فتح العين- ‌لا‌ يكون مصدرا، ‌و‌ اخرى يقول: ‌هو‌ مصدر هدى ‌و‌ قال ايضا: قلما يكون ‌ما‌ ضم اوله ‌من‌ المصادر الا منقوصا، لان فعلا ‌لا‌ يكاد يرى مصدرا ‌من‌ غير بنات الواو ‌و‌ الياء، فدل على انه مصدر كالبكى ‌و‌ السرى.
 ‌و‌ فسر الهدى بالدلاله مطلقا. ‌و‌ قيل: بل بشرط كونها موصله للمطلوب، بدليل وقوعه ‌فى‌ مقابله الضلاله ‌فى‌ قوله تعالى: «اولئك الذين اشتروا الضلاله بالهدى» ‌و‌ قوله تعالى: «لعلى هدى ‌او‌ ‌فى‌ ضلال مبين». ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ ‌ان‌ عدم الوصول معتبر ‌فى‌ مفهوم الضلاله، فلو لم يعتبر الوصول ‌فى‌ مفهوم الهدى لم يتقابل الجواز الجمع بينهما.
 ‌و‌ اجيب: بان المذكور ‌فى‌ مقابله الضلاله ‌هو‌ الهدى اللازم بمعنى الاهتداء اما مجازا ‌او‌ اشتراكا ‌و‌ ‌فى‌ الصحاح: هدى ‌و‌ اهتدى بمعنى. ‌و‌ كلامنا ‌فى‌ المتعدى، ‌و‌ يقابله الاضلال. ‌و‌ ‌لا‌ استدلال به، اذ ربما يفسر بالدلاله على ‌ما‌ ‌لا‌ يوصل ‌لا‌ بجعله ضالا، ‌اى‌ غير واصل. ‌و‌ على كل تقدير فالمراد بالهدى ‌فى‌ عباره الدعاء ‌هو‌ الموصل الى المطلوب، فان الهدى على مراتب.
 قال الراغب: هدايه الله تعالى للانسان ‌فى‌ الدنيا على مراتب بعضها مترتب على بعض، ‌لا‌ تحصل المرتبه الثانيه الا بعد الاولى، ‌و‌ ‌لا‌ الثانيه الا بعد الثالثه.
 فالاولى: اعطاوه العبد القوى التى بها يهتدى الى مصالحه، اما تسخيرا ‌و‌ اما
 
طوعا، كالحواس الخمس، ‌و‌ القوه المفكره، ‌و‌ على ذلك قوله تعالى: «اعطى كل شى ء خلقه ثم هدى» «و الذى قدر فهدى».
 الثانيه: الهدايه بالدعاء، ‌و‌ بعثه الانبياء ‌و‌ اياها عنى بقوله سبحانه: «و جعلنا منهم ائمه يهدون بامرنا».
 الثالثه: هدايه يوليها ‌من‌ اهتدى ‌من‌ صالحى عباده ‌و‌ يمدهم بها آنا فانا، ‌و‌ حالا فحالا بحسب اكتسابهم للخيرات ‌و‌ استزادتهم ‌من‌ العلم ‌و‌ العمل الصالح، ‌و‌ اياها عنى بقوله «و الذين اهتدوا زادهم هدى» «و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا». ‌و‌ بتحرى هذه المراتب الثلاثه يتوصل الى الهدايه الى الجنه المذكوره ‌فى‌ قوله تعالى «و قالوا: الحمدلله الذى هدانا لهذا ‌و‌ ‌ما‌ كنا لنهتدى لولا ‌ان‌ هدانا الله» انتهى.
 ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ ‌ان‌ المرتبه الثالثه هى المقصوده ‌فى‌ الدعاء بدليل طلب الزياده بقوله : «و زدنى ‌من‌ هداك».
 ‌و‌ التوفيق: جعل الله فعل عبده ‌و‌ عمله موافقا لما يحبه ‌و‌ يرضاه.
 ‌و‌ المنان: المعطى للمنه كثيرا، ‌و‌ هى النعمه الثقيله. ‌و‌ قيل: الكثير المن، ‌و‌ ‌هو‌ الاحسان ‌من‌ غير طلب جزاء ‌و‌ ‌لا‌ مثوبه. ‌و‌ منه قوله تعالى: «فاما منا بعد ‌و‌ اما فداء». فالمن اشاره الى الاطلاق بلا عوض.
 ‌و‌ الكريم ‌و‌ الجواد: المفضل، ‌و‌ الكرم يستعمل على وجوه:
 احدها: ايثار الصفح عن الجانى، ‌و‌ الاحسان الى المسى ء، ‌و‌ السبق بالانعام.
 الثانى: انتفاء النقائص، ‌و‌ الاتصاف بجميع المحامد.
 
الثالث: الجاه ‌و‌ السوود اللذان يكونان عن بذل المعروف، ‌و‌ التحلى بالمحمود ‌من‌ اخلاق ‌و‌ صفات.
 الرابع: طيب الذات، ‌و‌ شرف النفس، ‌و‌ علو القدر نسبا ‌و‌ حسبا.
 ‌و‌ على ‌اى‌ وجه ‌من‌ هذه الوجوه فسر الكريم ‌فى‌ وصفه تعالى جاز.
 ‌و‌ الجمله تعليل للدعاء، ‌و‌ مزيد استدعاء للاجابه، ‌و‌ تصديرها بحرف التاكيد لغرض كمال قوه يقينه بمضمونها. ‌و‌ الله اعلم.
 هذا آخر الروضه السابعه ‌و‌ الثلاثين ‌من‌ رياض السالكين وفق الله لاتمامها، ‌و‌ اجتلاء بدر تمامها ضحى يوم الاربعاء لسبع عشره خلون ‌من‌ ذى القعده الحرام، احد شهور اربع ‌و‌ مائه ‌و‌ الف على يد مولفها كان الله له، آمين.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^