فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 38

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ اياه نستعين


 
 الحمد الله قابل عذر ‌من‌ اعتذر اليه ‌و‌ غافر تبعات ‌من‌ اعتمد عليه، والصلاه والسلام على اكرم خلقه لديه ‌و‌ على اهل بيته الذين شرفهم بالمسوول بين يديه.
 ‌و‌ بعد: فهذه الروضه الثامنه والثلاثون ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيدالعابدين، صلى الله عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الائمه الهادين، املاء راجى فضل ربه السنى على صدرالدين الحسينى الحسنى، وفقه الله لجميل التوبه والاعتذار، ‌و‌ ‌من‌ عليه بفكاك رقبته ‌من‌ النار.
 
الاعتذار: مصدر اعتذرت اليه اذا اتيت بعذر.
 قال الراغب: العذر ‌هو‌ تحرى الانسان ‌ما‌ يمحوبه ذنوبه. ‌و‌ ذلك ثلاثه اضرب، ‌ان‌ يقول: لم افعل، ‌او‌ يقول: فعلت لاجل كذا، فيذكر ‌ما‌ يخرجه عن كونه مذنبا، ‌او‌ يقول: فعلت ‌و‌ ‌لا‌ اعود، ‌و‌ نحو ذلك. ‌و‌ هذا الثالث ‌هو‌ التوبه. فكل توبه عذر، ‌و‌ ليس كل عذر توبه انتهى.
 ‌و‌ المراد بالاعتذار هنا ‌هو‌ الضرب الثالث اعنى التوبه، ‌و‌ منه قوله تعالى: «هذا يوم ‌لا‌ ينطقون ‌و‌ ‌لا‌ يوذن لهم فيعتذرون» ‌اى‌ ‌لا‌ يوذن لهم ‌فى‌ الاعتذار فهم ‌لا‌ يعتذرون. اراد انه ‌لا‌ يكون لهم اذن ‌فى‌ التوبه. ‌و‌ اعتذار ‌اى‌ توبه متعقبه للاذن ‌من‌ غير ‌ان‌ يجعل الاعتذار متسببا عن الاذن كما لو نصب. ‌و‌ انما ‌لا‌ يوذن لهم لانه ليس وقت توبه فان التوبه محلها الدنيا.
 وظن بعضهم ‌ان‌ الاعتذار ‌لا‌ يكون الا بمعنى الضرب الثانى ‌اى‌ فعلت لاجل
 
كذا فجعل المعلل ‌به‌ النسيان ‌و‌ الجهل ‌و‌ ‌ان‌ لم يصرح ‌به‌ ‌فى‌ الدعاء. ‌و‌ ‌هو‌ خطا، فان قوله عليه السلام: ‌فى‌ اثناء الدعاء اعتذر اليك ‌يا‌ الهى منهن ‌و‌ ‌من‌ نظائر هن اعتذار ندامه صريح ‌فى‌ معنى التوبه.
 ‌و‌ التبعات: جمع تبعه على وزن كلمه ‌ما‌ يطلبه الانسان ‌من‌ ظلامه ‌و‌ غيرها.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: لى قبل فلان تبعه ‌و‌ تباعه ‌و‌ هى الظلامه.
 ‌و‌ العباد: جمع عبد ‌و‌ ‌هو‌ يطلق على وجهين.
 احدهما: المملوك بحكم الشرع ‌و‌ ‌هو‌ الانسان الذى يصح بيعه ‌و‌ ابتياعه.
 ‌و‌ الثانى: المملوك بالايجاد. ‌و‌ ليس ذلك الا لله تعالى، ‌و‌ ‌هو‌ بهذا المعنى يطلق على الانسان حرا كان ‌او‌ رقا، ‌و‌ الناس كلهم عباد الله.
 ‌و‌ هذا المعنى ‌هو‌ المراد هنا. ‌و‌ متى اطلق لفظ العباد فالمراد بهم جميع الناس، ‌و‌ لذلك جعل بعضهم «عباد» لله، ‌و‌ العبيد ‌و‌ الاعبد ‌و‌ غيرهما ‌من‌ الجموع لله ‌و‌ للمخلوقين.
 ‌و‌ قصر ‌فى‌ الامر تقصيرا: توانى فيه ‌و‌ لم يهتم ‌به‌ ‌و‌ ‌لا‌ احتفل له.
 ‌و‌ فكاك رقبته: ‌اى‌ خلاصها. ‌من‌ فك الرهن ‌اى‌ خلصه ‌و‌ الاسير اطلقه، ‌و‌ كل شى ء اطلقته فقد فككته. ‌و‌ الاسم الفكاك بالفتح كالخلاص، ‌و‌ الكسر لغه حكاها ابن السكيت ‌و‌ انكرها الاصمعى.
 ‌و‌ قوله تعالى: «فك رقبه» قيل: المراد بها اعتاق نسمه.
 ‌و‌ قيل: بل ‌هو‌ فك الانسان رقبته ‌من‌ عذاب الله بالتوبه ‌و‌ العمل الصالح.
 ‌و‌ الرقبه: اسم للعضو المخصوص، ثم يعبر بها عن الجمله ‌و‌ قد مر بيان ذلك ‌و‌ الله اعلم.
 
الكلام ‌فى‌ هذه الفقرات كلها على حذف مضاف، ‌و‌ ‌فى‌ كل فقره قرينه داله عليه معينه له كما سنبينه.
 
فقوله عليه السلام: «اعتذر اليك ‌من‌ مظلوم ظلم بحضرتى فلم انصره» اى: اتوب اليك ‌من‌ خذلان مظلوم ظلم بحضرتى فلم انصره، ‌اى‌ خذلانى له بدليل قوله: «فلم انصره». لان عدم النصر ‌هو‌ الخذلان. ‌و‌ هذا التقدير متحتم اذ ‌لا‌ معنى للاعتذار ‌من‌ ذات المظلوم ‌و‌ ‌لا‌ ‌من‌ حيث اتصافه بالمظلوميه هنا. اما الاول فظاهر، ‌و‌ اما الثانى فلانه لم يظلمه بل ظلمه غيره، ‌و‌ ‌لا‌ وجه للاعتذار ‌من‌ ظلم الغير. ‌و‌ بعين ذلك ‌ما‌ تقرر ‌من‌ ‌ان‌ الكلام اذا وقع فيه تقييد بوجه ‌ما‌ كان ‌هو‌ الغرض ‌و‌ المقصود ‌من‌ الكلام. ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ ‌ان‌ قوله: «فلم انصره» تقييد للمظلوم. فكان ‌هو‌ الغرض الذى قصد الاعتذار منه.
 فان قلت: هلا حملت «من» على معنى التعليل ليكون المعنى اعتذر اليك ‌من‌ اجل مظلوم، ‌و‌ ‌لا‌ حاجه حينئذ الى تقدير المضاف؟
 قلت: يعين كونها ابتدائيه امران:
 احدهما: ‌ان‌ «من» المتعلقه بالاعتذار ‌فى‌ جميع الموارد ‌لا‌ تكون الا ابتدائيه، لان الاعتذار ناشى ء ‌من‌ مدخولها. ‌و‌ يوكده هنا ‌ان‌ المراد بالاعتذار التوبه. ‌و‌ «من» ‌فى‌ قولك: «تبت الى الله ‌من‌ كذا» ابتدائيه قطعا ‌لا‌ تعليليه.
 الثانى: مقابلتها ب«الى» قال الرضى: ‌و‌ تعرف «من» الابتدائيه بان تحسن ‌فى‌
 
مقابلتها الى نحو تبرات ‌من‌ فلان الى فلان، على انه قال: «من» التعليليه نحو «لم آتك ‌من‌ سوء ادبك» كانها ابتدائيه لان ترك الاتيان حصل ‌من‌ سوء الادب، انتهى.
 ‌و‌ تعديه الاعتذار ب«الى» لانه بمعنى التوبه.
 ‌و‌ الحضره: الحضور. يقال: كلمته بحضره فلان ‌اى‌ بحضوره ‌و‌ مشهده. ‌و‌ قد يراد بها فناء الشى ء ‌و‌ قربه.
 ‌و‌ «الفاء» ‌من‌ قوله: «فلم انصره» ‌و‌ نظائره لمجرد التعقيب ‌و‌ جعل ‌ما‌ بعدها تابعا لما قبلها، واقعا عقيبه.
 ‌و‌ انما اعتذر عليه السلام ‌من‌ عدم نصره للمظلوم بحضرته لان نصره المومن ‌حق‌ واجب على المومن يواخذ بتركه كما تظافرت ‌به‌ النصوص عنهم عليهم السلام.
 فعن صاحب الدعاء عليه السلام: ‌و‌ اما ‌حق‌ اخيك فان تعلم انه يدك ‌و‌ عزتك ‌و‌ قوتك، فلا تتخذه سلاحا على معصيه الله، ‌و‌ ‌لا‌ عده للظلم لخلق الله، ‌و‌ ‌لا‌ تدع نصرته على عدوه ‌و‌ النصيحه له.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌حق‌ المومن على المومن الموده له ‌فى‌ صدره، ‌و‌ المواساه له ‌فى‌ ماله، ‌و‌ الخلف له ‌فى‌ اهله، ‌و‌ النصره له على ‌من‌ ظلمه.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌ما‌ ‌من‌ مومن ينصر اخاه ‌و‌ ‌هو‌ يقدر على نصرته الا نصره الله ‌فى‌ الاخره. ‌و‌ ‌ما‌ ‌من‌ مومن يخذل اخاه ‌و‌ ‌هو‌ قادر على نصرته الا خذله الله ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره.
 ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى كثيره.
 قوله عليه السلام «و ‌من‌ معروف اسدى الى فلم اشكره». ‌اى‌ ‌من‌ كفران
 
معروف بقرينه قوله: «فلم اشكره» لان عدم شكر المعروف ‌هو‌ كفرانه.
 ‌و‌ المعروف: الخير ‌و‌ الاحسان.
 ‌و‌ ‌فى‌ مجمل اللغه: المعروف: الجود.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌ما‌ تبذله ‌و‌ تعطيه.
 ‌و‌ اسديت اليه معروفا: اتخذته عنده.
 ‌و‌ ‌فى‌ النهايه لابن الاثير: فيه «من اسدى اليكم معروفا فكافئوه» اسدى ‌و‌ اولى ‌و‌ اعطى بمعنى، يقال اسديت اليه معروفا اسدى اسداء انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه «من معروف ازل الى» ‌و‌ ‌هو‌ بمعنى اسدى.
 قال ‌فى‌ القاموس: ازل اليه نعمه: اسداها. ‌و‌ الزله: الصنيعه ‌و‌ تضم.
 ‌و‌ ‌فى‌ المصباح: الزله: العطيه. يقال: ازللت اليه ازلالا اذا اعطيته ‌او‌ اسديت اليه صنيعا. ‌و‌ ‌فى‌ الحديث (من ازلت اليه نعمه فليشكرها) اى: ‌من‌ صنعت عنده نعمه.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: الزليل: نوع ‌من‌ انتقال الجسم ‌من‌ مكان الى مكان. فاستعير لانتقال النعمه ‌من‌ المنعم الى المنعم عليه، فقيل: زلت منه الى فلان نعمه، ‌و‌ ازلها اليه انتهى.
 ‌و‌ وقع لبعض اعاظم الساده هنا زله احببنا التنبيه عليها فانه قال ‌فى‌ تعليقته : يقال فلان ازل الى نعمه ‌او‌ معروفا ‌اى‌ اسداها. ‌و‌ ازل الى شيئا ‌من‌ حقى ‌اى‌ اعطانى، اياه. ‌و‌ منه الزله بالفتح: ‌و‌ هى ‌ما‌ يوخذ ‌من‌ مائده ‌و‌ يحمل الى صديق قال
 
صاحب القاموس: عراقيه ‌او‌ عاميه ‌و‌ الحق: انها حجازيه ‌و‌ عربيه صراح، اذ اصل ذلك ‌من‌ الزليل، ثم نقل عن ابن الاثير ‌ما‌ نقلناه عن الزمخشرى ‌فى‌ الفائق ‌من‌ معنى الزليل. ‌و‌ منه اخذ ابن الاثير.
 ‌و‌ هذا الكلام ‌من‌ السيد المشار اليه خطا محض ‌من‌ وجهين.
 احدهما: دعواه انها حجازيه ‌و‌ ذلك انما يثبت باحد امرين، اما سماعه ‌من‌ اهل الحجاز استعمال هذا اللفظ لهذا المعنى استعمالا فاشيا.
 ‌و‌ اما استناده الى نص عمن ‌هو‌ اضبط لما يحكيه، ‌و‌ اوثق لما يرويه ‌من‌ صاحب القاموس ‌و‌ كل ‌من‌ الامرين دونه خرط القتاد، على ‌ان‌ صاحب القاموس لم يتفرد بالقول بانها عراقيه بل سبقه الى ذلك الليث كما حكاه الفيومى ‌فى‌ المصباح: ‌و‌ نصه قال الليث: الزله: عراقيه اسم لما يحمل ‌من‌ المائده لقريب ‌او‌ صديق انتهى.
 فاذا ثبت عن هذين الامامين ‌ان‌ هذه اللفظه لم تسمع لهذا المعنى الا ‌من‌ اهل العراق.
 كيف يجوز لاحد ‌ان‌ يرد عليهما ‌و‌ يدعى انها حجازيه ‌من‌ غير استناد الى نص قاطع ‌او‌ استعمال شائع؟
 الا ترى الى الامام ابى على المرزوقى، ‌و‌ ‌هو‌ النحرير الذى ‌لا‌ يدفع فضله حيث اراد ‌ان‌ يرد على الاصمعى دعواه ‌فى‌ لفظه انها مولده لم يعتمد ‌فى‌ الرد الا على النص ممن ‌هو‌ ارسخ قدما ‌و‌ اوسع علما ‌فى‌ العربيه منه. ‌و‌ ذلك قوله ‌فى‌ شرح الفصيح: قال الاصمعى: ‌ان‌ قولهم كلبه صارف بمعنى مشتهيه للنكاح ليس ‌من‌ كلام العرب ‌و‌ انما ولده اهل الامصار. ‌و‌ ليس كما قال فقد حكى هذه اللفظه ابوزيد ‌و‌ ابن الاعرابى ‌و‌ الناس، انتهى.
 
الثانى: ‌ان‌ قوله «و عربيه صراح» اذ اصل ذلك ‌من‌ الزليل اثبات اللغه بالقياس. ‌و‌ الذى استقر عليه آراء المحققين ‌من‌ العلماء ‌ان‌ اللغه ‌لا‌ تثبت قياسا ‌و‌ ‌لا‌ يجرى القياس فيها.
 قال امام الحرمين ‌فى‌ البرهان: الذى نرتضيه ‌ان‌ اثبات اللغات قياسا باطل، لعلمنا ‌ان‌ العرب ‌لا‌ تلتزم طرد الاشتقاق. ‌و‌ اقرب مثال ‌ان‌ الخمر انما هى ‌من‌ المخامره ‌او‌ التخمير فلو ساغ الاستمساك بالاشتقاق لكان كلما يخمر العقل ‌او‌ يخامره خمرا ‌و‌ ليس الامر كذلك.
 ‌و‌ قال الغزالى: اطباقهم على ‌ان‌ البنج ‌لا‌ يسمى خمرا- مع كونه مخمرا- بنفى القياس. فان سموه فليسموا الدار قاروره لمشاركتها القاروره ‌فى‌ هذا المعنى، انتهى.
 فبطل استناده ‌فى‌ دعوى كونها عربيه الى صحه اشتقاقها ‌من‌ الزليل. على ‌ان‌ ائمه اللغه نصوا على كلمات كثيره انها مولده ليست بعربيه، مع نصهم على ‌ان‌ القياس ‌لا‌ يدفعها ‌و‌ ‌لا‌ يابى عربيتها.
 فمن ذلك قول الموفق البغدادى ‌فى‌ ذيل الفصيح: الفطره- بالضم- لغه مولده، ‌و‌ كلام العرب صدقه الفطره- بالكسر-. مع ‌ان‌ القياس ‌لا‌ يدفعه كالغرفه ‌و‌ القبضه- بالضم فيهما- لمقدار ‌ما‌ يوخذ ‌من‌ الشى ء.
 ‌و‌ منه قول النووى ‌فى‌ تجريد التنبيه: التفرج لفظه مولده لعلها ‌من‌ انفراج الضم ‌و‌ ‌هو‌ انكشافه.
 ‌و‌ قول الثعالبى ‌فى‌ فقه اللغه: يقال للرجل الذى اذا ‌لا‌ يبقى ‌و‌ ‌لا‌ يذر قحطى ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ كلام الحاضره دون الباديه.
 
قال الازهرى: اظنه ينسب الى القحط كانه نجا ‌من‌ القحط.
 ‌و‌ قال الزبيدى ‌فى‌ الاستدراك على كتاب العين:- الاطباء يسمون التغيير الذى يحصل للعليل دفعه ‌فى‌ الامراض الحاده بحرانا يقولون هذا يوم بحران بالاضافه ‌و‌ يوم باحورى على غير قياس. فكانه منسوب الى باحور ‌و‌ باحوراء ‌و‌ ‌هو‌ شده الحر ‌فى‌ تموز ‌و‌ جميع ذلك مولد. انتهى.
 فترى هولاء الائمه لم يحكموا على الالفاظ المذكوره بكونها عربيه مع صحه امكان كونها ماخوذه ‌من‌ اصل عربى صحيح، لان مفردات اللغه ‌لا‌ تثبت الا بالنقل ‌لا‌ بصحه الاشتقاق. فكيف جاز لسيدنا المشار اليه دعوى كون الزله بالمعنى المذكور حجازيه عربيه صراحا؟ اذ اصلها ‌من‌ الزليل لو ‌لا‌ عدم الوقوف على الطريق الى معروفه اللغه العربيه فالله يرحمه ‌و‌ يتجاوز عنه، ‌و‌ لقد خرجنا بهذا الكلام عما بصدده، ‌و‌ ليس الغرض ‌من‌ ذلك تتبع عثره، ‌او‌ اشاعه زله. ‌و‌ لكنى رايت بعض ‌من‌ اشتهر بالفضل تبعه على ذلك، فاحببت التنبيه على خطاه، لئلا يغتر غيره بكلامه، ‌و‌ الله يقول الحق، ‌و‌ ‌هو‌ يهدى السبيل.
 هذا ‌و‌ لما كان شكر المعروف واجبا- سواء كان المسدى له خالقا ‌او‌ مخلوقا- اعتذر عليه السلام ‌من‌ معروف اسدى اليه فلم يشكره.
 ‌و‌ ‌من‌ الاحاديث المشهوره عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: اشكر لمن انعم عليك ‌و‌ انعم على ‌من‌ شكرك.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌من‌ ازل اليه معروف فليشكره.
 
و روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن عمار الذهبى قال: سمعت على ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام يقول: ‌ان‌ الله يحب كل قلب حزين، ‌و‌ يحب كل عبد شكور يقول الله تبارك ‌و‌ تعالى لعبد ‌من‌ عبيده يوم القيامه اشكرت فلانا؟ فيقول: بل شكرتك يارب فيقول: لم تشكرنى اذ لم تشكره، ثم قال: اشكركم لله اشكركم للناس.
 ‌و‌ عند عليه السلام ‌فى‌ حديث الحقوق: ‌و‌ اما ‌حق‌ ذى المعروف عليك فان تشكره، ‌و‌ تذكر معروفه، ‌و‌ تكسبه المقاله الحسنه، ‌و‌ تخلص له الدعاء فيما بينك ‌و‌ بين الله تعالى. فاذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا ‌و‌ علانيه ثم ‌ان‌ قدرت على مكافاته يوما كافيته.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: ‌من‌ اتى اليه معروف فليكاف به، فان عجز، فليثن عليه. فان لم يفعل، فقد كفر النعمه.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: لعن الله قاطعى سبيل المعروف قيل: ‌و‌ ‌ما‌ قاطعو سبيل المعروف؟ قال: الرجل يصنع اليه المعروف، فيكفره، فيمتنع صاحبه ‌من‌ ‌ان‌ يصنع ذلك الى غيره.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌ما‌ اقل ‌من‌ شكر المعروف.
 ‌و‌ الروايات ‌فى‌ هذا المعنى اكثر ‌من‌ ‌ان‌ تحصى، ‌و‌ ‌ما‌ احسن قول بعضهم ‌فى‌ شكر المعروف ‌و‌ كفره:
 لعمرك ‌ما‌ المعروف ‌فى‌ غير اهله
 ‌و‌ ‌فى‌ اهله الا كبعض الودائع
 فمستودع قد ضاع ‌ما‌ كان عنده
 ‌و‌ مستودع ‌ما‌ عنده غير ضائع
 
و ‌ما‌ الناس ‌فى‌ شكر الصنائع عندهم
 ‌و‌ ‌فى‌ كفرها الا كبعض المزارع
 فمزرعه طابت فاسرع زرعها
 ‌و‌ مزرعه اكدت على كل زارع
 قوله عليه السلام: «و ‌من‌ مسى ء اعتذر الى فلم اعذره» اى: ‌من‌ لوم مسى ء اعتذر الى فلم اعذره، ‌اى‌ لم اقبل عذره ‌و‌ لم ارفع عنه اللوم.
 يقال: عذرته عذرا- ‌من‌ باب ضرب- اى: رفعت عنه اللوم. فهو معذور ‌اى‌ غير ملوم. ‌و‌ الاسم العذر- بالضم- ‌و‌ تضم الذال الاتباع ‌و‌ تسكن.
 ‌و‌ ‌فى‌ وصيه النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله لاميرالمومنين عليه السلام: ‌يا‌ على، ‌من‌ لم يقبل العذر ‌من‌ متنصل- صادقا كان ‌او‌ كاذبا- لم تنله شفاعتى.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه: ‌من‌ اعتذر اليه اخوه بمعذره، فلم يقبلها، كان عليه ‌من‌ الخطيئه مثل صاحب مكس. ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ ياخذه اعوان السلطان ظالما عند البيع ‌و‌ الشراء.
 ‌و‌ ‌فى‌ وصيه اميرالمومنين عليه السلام لابنه محمد ‌بن‌ الحنفيه رضى الله عنه: اقبل ‌من‌ متنصل عذره، فتنالك الشفاعه.
 ‌و‌ ‌فى‌ النهايه لابن الاثير: ‌و‌ ‌فى‌ الحديث «من تنصل اليه اخوه، فلم يقبل» ‌اى‌ ‌ان‌ انتفى ‌من‌ ذنبه ‌و‌ اعتذر اليه.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق ‌و‌ الاساس: نصل علينا فلان: اذا خرج عليك ‌من‌ طريق ‌او‌ ظهر ‌من‌ حجاب. ‌و‌ منه تنصل ‌من‌ ذنبه.
 ‌و‌ عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ لم يقبل ‌من‌ متنصل- صادقا ‌او‌ كاذبا- لم يرد على الحوض، انتهى.
 قوله عليه السلام: «و ‌من‌ ذى فاقه سالنى فلم اوثره» ‌اى‌ ‌و‌ ‌من‌ منع ذى فاقه
 
سالنى فلم اوثره.
 ‌و‌ الفاقه: الحاجه. يقال: افتاق افتياقا اذا احتاج، ‌و‌ ‌هو‌ ذو فاقه.
 ‌و‌ آثرت السائل ايثارا: اعطيته ‌ما‌ سال ‌و‌ قدمته على نفسى ‌و‌ منه قوله تعالى: «يوثرون على انفسهم ‌و‌ لو كان بهم خصاصه» ‌اى‌ يقدمون ‌من‌ هاجر اليهم على انفسهم ‌فى‌ كل شى ء ‌من‌ اسباب المعاش.
 روى ثقه الاسلام بسنده الى ابان ‌بن‌ تغلب، عن ابى عبدالله عليه السلام قلت: اخبرنى عن ‌حق‌ المومن على المومن. فقال: ‌يا‌ ابان. دعه ‌لا‌ ترده، قلت: بلى جعلت فداك. فلم ازل اردد عليه، فقال: ‌يا‌ ابان، تقاسمه شطر مالك ثم نظر الى فراى مادخلنى فقال: ‌يا‌ ابان، اما تعلم ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ قد ذكر الموثرين على انفسهم؟ قلت: بلى جعلت فداك فقال: اذا قاسمته فلم توثره بعد انما انت ‌و‌ ‌هو‌ سواء انما توثره اذا اعطيته ‌من‌ النصف الاخر.
 ‌و‌ بسنده عن على ‌بن‌ سويد السائى، عن ابى الحسن موسى عليه السلام قال: قلت له اوصنى، فقال: آمرك بتقوى الله، ثم سكت، فشكوت اليه قله ذات يدى ‌و‌ قلت: ‌و‌ الله لقد عريت حتى بلغ ‌من‌ عريتى ‌ان‌ ابا فلان نزع ثوبين كانا عليه ‌و‌ كسانيهما فقال: صم ‌و‌ تصدق. قلت: اتصدق مما وصلنى ‌به‌ اخوانى. قال تصدق بما رزقك الله ‌و‌ لو آثرت على نفسك.
 قوله عليه السلام: «و ‌من‌ ‌حق‌ ذى ‌حق‌ لزمنى فلم اوفره» اى: ‌و‌ ‌من‌ اهمال ‌حق‌ ذى حق، ‌او‌ منع ‌حق‌ ذى ‌حق‌ لزمنى فلم اوفره عليه ‌اى‌ لم اوفه اياه.
 يقال: وفرت على فلان حقه توفيرا: ‌اى‌ وفيته اياه.
 قال الفيومى ‌فى‌ المصباح: ‌و‌ فرت عليه حقه توفيرا، اعطيته الجميع فاستوفره،
 
اى استوفاه.
 ‌و‌ ‌فى‌ المغرب: وفرت على فلان حقه فاستوفره: ‌اى‌ وفيته اياه فاستوفاه.
 ‌و‌ وقع لصاحب القاموس: ‌فى‌ هذه الكلمه ‌و‌ ‌هم‌ عجيب، ‌و‌ غلط غريب، فانه راى الجوهرى قال: ‌و‌ وفر عليه حقه توفيرا ‌و‌ استوفره: ‌اى‌ استوفاه، فتوهم ‌ان‌ قوله: ‌اى‌ استوفاه تفسير لوفر ‌و‌ استوفر معا.
 فقال ‌فى‌ القاموس: استوفر عليه حقه استوفاه كوفره.
 ‌و‌ ‌هو‌ غلط بلا ‌شك‌ اوقعه فيه سوء فهمه لعباره الجوهرى. ‌و‌ لم يقصد الجوهرى بقوله: «اى استوفاه» الا تفسير استوفره فقط. ‌و‌ تبع ‌فى‌ ذلك خاله ابا ابراهيم الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب، فانه قال ‌فى‌ باب التفعيل ‌من‌ كتاب المثال. وفر عليه حقه ‌و‌ لم يفسره، ثم قال ‌فى‌ باب الاستفعال: ‌و‌ استوفر ‌اى‌ استوفى، فجمع الجوهرى بين العبارتين. ‌و‌ ‌هو‌ كثيرا ‌ما‌ ينقل عنه عبارته بنصها كما يظهر لمن تتبع الكتابين.
 ‌و‌ اعلم ‌ان‌ النسخ ‌من‌ الصحيفه الشريفه اختلفت ‌فى‌ هذه الفقره ‌من‌ الدعاء فوقع ‌فى‌ بعضها «و ‌من‌ ‌حق‌ لزمنى فلم اوفره» بدون اضافته الى ذى حق، ‌و‌ ‌فى‌ بعضها ‌و‌ ‌من‌ ‌حق‌ ذى ‌حق‌ لزمنى فلم اوفره باضافه ‌حق‌ الى ذى حق، ‌و‌ ‌فى‌ بعضها: ‌و‌ ‌من‌ ‌حق‌ ذى ‌حق‌ لزمنى لمومن بزياده لمومن.
 فقال بعضهم: لما كان الحق يطلق على الامر الثابت المتحقق ‌فى‌ نفس الامر، ‌و‌ على ‌ما‌ يستحقه ذو حق، ‌اى‌ يستوجبه شرعا ‌او‌ عقلا كان قوله: «ذى حق» احترازا عن المعنى الاول. لان المعنى الثانى ‌هو‌ المراد. فقوله: ‌حق‌ ذى ‌حق‌ بمنزله ‌حق‌ ‌من‌
 
حقوق الناس انتهى.
 ‌و‌ الحق ‌ان‌ اضافه ‌حق‌ الى ذى ‌حق‌ ليس للاحتراز عن الحق بمعنى الثابت المتحقق ‌فى‌ نفس الامر لان قوله: لزمنى فلم اوفره معين ‌ان‌ المراد المستحق للغير فلا احتمال لمعنى آخر، ‌و‌ انما الاضافه على النسخه التى وقعت فيها لقصد تعظيم شان المضاف ببيان ‌ان‌ له صاحبا مطالبا له، فان تعظيم الذنب حال الاعتراف ‌و‌ الاعتذار ادعى لقبول التوبه. ‌و‌ يوكد هذا المعنى الوصف بذى دون صاحب، لاقتضائها تعظيم الموصوف بها ‌و‌ ‌ما‌ اضيفت اليه، بخلاف صاحب. ‌و‌ تضمن الاضافه تعظيم المضاف ‌او‌ المضاف اليه ‌او‌ غيرهما ‌او‌ غير ذلك ‌من‌ النكت المنصوص عليها ‌فى‌ علم المعانى ‌لا‌ يختص بالاضافه الى المعرفه، كما نبه عليه العلامه نجم الدين الكرمانى ‌فى‌ شرح التبيان.
 اما النسخه الثالثه التى وقعت فيها زياده لمومن فقيل «لمومن» متعلق بمحذوف، ‌و‌ ‌هو‌ حال ‌من‌ ‌حق‌ المضاف لذى حق، ‌اى‌ ‌من‌ ‌حق‌ ذى ‌حق‌ لزمنى حال كونه «لمومن». ‌و‌ ‌لا‌ يجوز ‌ان‌ يكون بدلا ‌من‌ ذى ‌حق‌ لمكان اللام انتهى.
 ‌و‌ هذا غلط صريح: فان الحال يجب ‌ان‌ يكون عين صاحبها، لانها خبر ‌فى‌ المعنى. فكما يجب ‌ان‌ يكون الخبر عين المبتدا، فكذلك الحال، الا ترى ‌ان‌ الراكب ‌من‌ «جاء زيد راكبا» ‌هو‌ زيد بعينه، كما ‌ان‌ الراكب ‌من‌ زيد راكب كذلك. ‌و‌ ليس الكائن لمومن ‌هو‌ ‌حق‌ ذى ‌حق‌ كائنا ‌من‌ كان بعينه فكيف يصح جعله حالا منه.
 ‌و‌ الصواب: ‌ان‌ قوله: لمومن ظرف لغو متعلق بلزمنى. ‌و‌ الجمله مفسره، لحق ذى حق، ‌و‌ ‌لا‌ محل لها ‌من‌ الاعراب، كما ‌هو‌ راى الجمهور، خلافا للشلوبين. ‌و‌ نظير ذلك قوله تعالى: «ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه ‌من‌ تراب ثم قال له ‌كن‌ فيكون». فقوله: «خلقه ‌من‌ تراب» ‌و‌ مابعده تفسير لمثل آدم باعتبار الخروج عن
 
مستمر العاده، ‌و‌ ‌هو‌ التولد بين الابوين، ‌لا‌ باعتبار ‌ما‌ يعطيه ظاهر اللفظ ‌من‌ كونه قدر جسدا ‌من‌ طين ثم كون.
 فان قلت: ‌ما‌ فائده تقييد الحق بكونه لمومن؟ فان توفير الحق على صاحبه واجب - سواء كان مومنا ‌او‌ كافرا-.
 كما ورد عن ابى عبدالله عليه السلام: ادوا الامانات الى اهلها ‌و‌ لو كانوا مجوسا.
 الى غير ذلك ‌من‌ النصوص الصريحه ‌فى‌ هذا المعنى.
 قلت: ليس المراد بالحق- اذا قيد بالمومن- الا احد الحقوق التى توجبها اخوه الايمان.
 ‌و‌ ‌هو‌ الذى اشار اليه ابوعبدالله عليه السلام: بقوله: ‌ما‌ عبدالله بشى ء افضل ‌من‌ اداء ‌حق‌ المومن.
 ‌و‌ قد عقد له ‌فى‌ الكافى بابا ‌و‌ ترجمه بباب ‌حق‌ المومن على اخيه ‌و‌ اداء حقه.
 فما رواه ‌فى‌ هذا الباب باسناده عن معلى ‌بن‌ خنيس عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قلت له: ‌ما‌ ‌حق‌ المسلم على المسلم؟ قال: له سبع حقوق واجبات، ‌ما‌ منهن ‌حق‌ الا ‌و‌ ‌هو‌ عليه واجب، ‌ان‌ ضيع منها شيئا خرج ‌من‌ ولايه الله ‌و‌ طاعته، ‌و‌ لم يكن لله فيه نصيب. قلت له: جعلت فداك، ‌و‌ ‌ما‌ هى؟ قال: ‌يا‌ معلى انى عليك شفيق، اخاف ‌ان‌ تضيع ‌و‌ ‌لا‌ تحفظ ‌و‌ تعلم ‌و‌ ‌لا‌ تعمل قال قلت: ‌لا‌ قوه الا بالله، قال: ايسر ‌حق‌ منها ‌ان‌ تحب له ‌ما‌ تحب لنفسك، ‌و‌ تكره له ‌ما‌ تكره لنفسك. ‌و‌ الحق الثانى، ‌ان‌ تجتنب سخطه، ‌و‌ تتبع مرضاته، ‌و‌ تطيع امره. ‌و‌ الحق الثالث، ‌ان‌ تعينه بنفسك ‌و‌ مالك ‌و‌ لسانك ‌و‌ يدك ‌و‌ رجلك. ‌و‌ الحق الرابع، ‌ان‌ تكون عينه ‌و‌ دليله
 
 
و مرآته. ‌و‌ الحق الخامس، ‌ان‌ ‌لا‌ تشبع ‌و‌ يجوع، ‌و‌ ‌لا‌ تروى ‌و‌ يظما، ‌و‌ ‌لا‌ تلبس ‌و‌ يعرى. ‌و‌ الحق السادس، ‌ان‌ يكون لك خادم ‌و‌ ليس لاخيك خادم. فواجب عليك ‌ان‌ تبعث خادمك فيغسل ثيابه، ‌و‌ يصنع طعامه، ‌و‌ يمهد فراشه. ‌و‌ الحق السابع، ‌ان‌ تبر قسمه، ‌و‌ تجيب دعوته، ‌و‌ تعود مريضه، ‌و‌ تشهد جنازته، ‌و‌ اذا علمت ‌ان‌ له حاجه تبادره الى قضائها، ‌و‌ ‌لا‌ تلجئه الى ‌ان‌ يسالكها، ‌و‌ لكن تبادره مبادره، فاذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته ‌و‌ ولايته بولايتك.
 ‌و‌ عن ابى جعفر عليه السلام: ‌من‌ ‌حق‌ المومن على اخيه ‌ان‌ يشبع جوعته، ‌و‌ يوارى عورته، ‌و‌ يفرج عنه كربته، ‌و‌ يقضى دينه، ‌و‌ اذا مات خلفه ‌فى‌ اهله ‌و‌ ولده.
 ‌و‌ عن معلى ‌بن‌ خنيس قال: سالت اباعبدالله عليه السلام عن ‌حق‌ المومن، فقال: سبعون حقا، ‌لا‌ اخبرك الا بسبعه فانى عليك مشفق، اخشى ‌ان‌ ‌لا‌ تحتمل.
 فقلت: بلى ‌ان‌ شاء الله تعالى، فقال: ‌لا‌ تشبع ‌و‌ يجوع، ‌و‌ ‌لا‌ تكتسى ‌و‌ يعرى، ‌و‌ تكون دليله ‌و‌ قميصه الذى يلبسه، ‌و‌ لسانه الذى يتكلم به، ‌و‌ تحب له ‌ما‌ تحب لنفسك، ‌و‌ ‌ان‌ كانت لك جاريه بعثتها لتمهد فراشه، ‌و‌ تسعى ‌فى‌ حوائجه بالليل ‌و‌ النهار. فاذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايتنا، ‌و‌ ولايتنا بولايه الله.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌ما‌ اعظم ‌حق‌ المسلم على اخيه المسلم.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌من‌ ‌حق‌ المومن على المومن: الموده له ‌فى‌ صدره، ‌و‌ المواساه له ‌فى‌ ماله، ‌و‌ الخلف له، ‌فى‌ اهله، ‌و‌ النصره على ‌من‌ ظلمه، ‌و‌ ‌ان‌ كان نافله، ‌فى‌ المسلمين ‌و‌ كان غائبا اخذ له بنصيبه، ‌و‌ اذا مات الزياره الى قبره، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يظلمه، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يغشه، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يخونه، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يخذله، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يكذبه، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يقول له اف، ‌و‌ ‌ان‌ قال له اف
 
فليس بينهما ولايه، ‌و‌ اذا قال له: انت عدوى فقد كفر احدهما، ‌و‌ اذا: اتهمه انماث الايمان ‌فى‌ قلبه كما ينماث الملح ‌فى‌ الماء.
 ‌و‌ روى الشيخ زين المله ‌و‌ الدين- قدس الله سره- ‌فى‌ رساله الغيبه، بسند له متصل عن اميرالمومنين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: للمومن على اخيه ثلاثون حقا، ‌لا‌ براءه له منها الا باداء ‌او‌ بالعفو يغفر زلته، ‌و‌ يرحم غربته، ‌و‌ يستر عورته، ‌و‌ يقيل عثرته، ‌و‌ يقبل معذرته، ‌و‌ يرد غيبته، ‌و‌ يديم نصيحته، ‌و‌ يحفظ خلته، ‌و‌ يرعى ذمته، ‌و‌ يعود مرضته، ‌و‌ يشهد ميته، ‌و‌ يجيب دعوته، ‌و‌ يقبل هديته، ‌و‌ يكافى صلته، ‌و‌ يشكر نعمته، ‌و‌ يحسن نصرته، ‌و‌ يحفظ حليلته، ‌و‌ يقضى حاجته، ‌و‌ يشفع مسالته، ‌و‌ يسمت عطسته، ‌و‌ يرشد ضالته، ‌و‌ يرد سلامه، ‌و‌ يطيب كلامه، ‌و‌ يبر انعامه، ‌و‌ يصدق اقسامه، ‌و‌ يواليه، ‌و‌ ‌لا‌ يعاديه، ‌و‌ ينصره ظالما ‌و‌ مظلوما، فاما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه. ‌و‌ اما نصرته مظلوما فيعينه على اخذ حقه، ‌و‌ ‌لا‌ يسلمه، ‌و‌ ‌لا‌ يخذله، ‌و‌ يحب له ‌من‌ الخير ‌ما‌ يحب لنفسه، ‌و‌ يكره له ‌من‌ الشر ‌ما‌ يكره لنفسه. ثم قال على عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله يقول: ‌ان‌ احدكم ليدع ‌من‌ حقوق اخيه شيئا فيطالبه ‌به‌ يوم القيامه فيقضى له عليه.
 ‌و‌ الروايات عنهم عليهم السلام ‌فى‌ هذا المعنى كثيره، ‌و‌ ‌فى‌ هذا المقدار كفايه ‌ان‌ شاء الله تعالى. ‌و‌ الله المستعان.
 قوله عليه السلام: «و ‌من‌ عيب مومن ظهر لى فلم استره» ‌اى‌ ‌و‌ ‌من‌ اظهار عيب مومن.
 قال الراغب: العيب ‌و‌ العاب: الامر الذى يصير ‌به‌ الشى ء عيبه ‌اى‌ مقرا
 
للنقص.
 ‌و‌ عن ابى عبدالله عليه السلام حدثنى ابى، عن آبائه عن على عليه السلام عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله انه قال: ادنى الكفر ‌ان‌ يسمع الرجل عن اخيه الكلمه، فيحفظها عليه يريد ‌ان‌ يفضحه بها، اولئك لاخلاق لهم.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: حدثنى ابى، عن آبائه، عن على عليه السلام قال: ‌من‌ قال ‌فى‌ مومن مارات عيناه ‌و‌ سمعت اذناه مما يشينه، ‌و‌ يهدم مروته فهو ‌من‌ الذين قال الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌ان‌ الذين يحبون ‌ان‌ تشيع الفاحشه ‌فى‌ الذين آمنوا لهم عذاب اليم ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره.
 قوله عليه السلام: «و ‌من‌ كل اثم عرض لى فلم اهجره» اى: ‌و‌ ‌من‌ ارتكاب كل اثم.
 ‌و‌ عرض له الامر عرضا: امكنه ‌ان‌ يفعله كانه ابدى له عرضه ‌و‌ هجرت الشى ء هجرا: تركته ‌و‌ رفضته.
 ‌و‌ قال الراغب: الهجر: مفارقه الانسان غيره اما بالبدن ‌او‌ باللسان ‌او‌ بالقلب.
 ‌و‌ قوله تعالى: «و الرجز فاهجر» حث على المفارقه بالوجوه كلها. ‌و‌ يوجد ‌فى‌ بعض النسخ: «و ‌من‌ شيخ مومن عاشرته فلم اوقره» ‌اى‌ ‌و‌ ‌من‌ احتقار شيخ مومن. ‌و‌ الشيخ: يقال لمن طعن ‌فى‌ السن.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الشيخ ‌و‌ الشيخون: ‌من‌ استبانت فيه السن ‌او‌ ‌من‌ خمسين ‌او‌ ‌من‌ احدى ‌و‌ خمسين الى آخر عمره ‌او‌ الى الثمانين.
 
و قال الراغب: ‌و‌ قد يعبر ‌به‌ فيما بيننا عمن يكثر علمه، لما كان ‌من‌ شان الشيخ ‌ان‌ يكثر تجاربه ‌و‌ معارفه، يقال شيخ بين الشيخوخه ‌و‌ التشيخ.
 ‌و‌ عاشرته معاشره: خالطته.
 ‌و‌ وقرته توقيرا: عظمته. ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الوقار بمعنى العظمه ‌و‌ السكون ‌و‌ الحلم.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌ان‌ ‌من‌ اجلال الله تعالى اجلال الشيخ الكبير.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ عرف فضل كبير لسنه، فوقره آمنه الله ‌من‌ فزع يوم القيامه.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ‌من‌ اجلال الله اجلال المومن ذى الشيبه، ‌و‌ ‌من‌ اكرم مومنا فبكرامه الله بدا، ‌و‌ ‌من‌ استخف بمومن ذى شيبه ارسل الله اليه ‌من‌ يستخف ‌به‌ قبل موته.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ليس منا ‌من‌ لم يوقر كبيرنا، ‌و‌ يرحم صغيرنا
 ‌و‌ عنه عليه السلام: ثلاثه ‌لا‌ يجهل حقهم الا منافق معروف بالنفاق ذو الشيبه ‌فى‌ الاسلام، ‌و‌ حامل القرآن، ‌و‌ الامام العادل.
 
جمله: «اعتذر» ‌فى‌ محل رفع على البدليه ‌من‌ الجمله الواقعه خبرا لان ‌فى‌ قوله: «اللهم انى اعتذر اليك».
 ‌و‌ الضمير ‌فى‌ «منهن» ‌و‌ نظائرهن عائد الى السيئات المذكوره.
 ‌و‌ النظائر: جمع نظيره مونث نظير، ‌و‌ ‌هو‌ المثل ماخوذ ‌من‌ المناظره. كان كل واحد
 
منهما ينظر الى صاحبه، فيباريه.
 ‌و‌ الندامه: الندم. ‌و‌ ‌هو‌ تمنى الانسان ‌ان‌ ‌ما‌ وقع منه لم يقع.
 ‌و‌ قيل: التحسر ‌من‌ تغير راى ‌فى‌ امر فائت. ‌و‌ اصله ‌من‌ منادمه الحزن له.
 ‌و‌ الوعظ: زجر مقترن بتخويف. ‌و‌ اسناده الى الاعتذار مجاز عقلى، ‌من‌ باب الاسناد الى السبب الغائى، ‌اى‌ يكون عقلى واعظا ‌من‌ اجله ‌و‌ بسببه، لما بين يدى ‌من‌ اشباههن، كقولك: «اقدمنى بلدك ‌حق‌ لى على فلان»، ‌اى‌ اقدمتنى نفسى لاجل ‌حق‌ لى عليه.
 ‌و‌ بين اليدين: حقيقه ‌فى‌ المكان، ثم اشتهر للزمان مستعارا. فتاره يطلق على الماضى المتقدم، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و هذا كتاب انزلناه مبارك مصدق الذى بين يديه» ‌اى‌ ‌من‌ الكتب السماويه التى قبله.
 قال الطيبى: بين اليدين استعاره تمثيليه. ‌و‌ الاصل فيه بين الجهتين المسامتتين لليمين ‌و‌ الشمال، ثم استعمل ‌فى‌ ظرف المكان بمعنى قدام، ثم ‌فى‌ ظرف الزمان بمعنى قبل، ‌و‌ تاره يطلق على المستقبل المتاخر، لان الانسان مستقبل لما سياتى، فكانه بين يديه. ‌و‌ منه قول الشاعر:
 ترفق بدمعك ‌لا‌ تفنه... فبين يديك بكاء طويل.
 ‌و‌ قال القاضى ‌فى‌ قوله تعالى: «يعلم ‌ما‌ بين ايديهم ‌و‌ ‌ما‌ خلفهم» ‌ما‌ قبلهم ‌و‌ ‌ما‌ بعدهم ‌او‌ بالعكس، لانه مستقبل المستقبل، ‌و‌ مستدبر الماضى انتهى.
 ‌و‌ هذا المعنى ‌هو‌ المراد هنا. ‌اى‌ واعظا لما يكون ‌فى‌ المستقبل ‌من‌ اشباه السيئات المذكوره، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد لما ‌هو‌ بالقرب منى ‌من‌ اشباههن.
 
قال الراغب: يقال ‌هو‌ بين يديك ‌اى‌ قريبا منك انتهى.
 ‌و‌ منه قوله تعالى: «ان ‌هو‌ الا نذير لكم بين يدى عذاب شديد» كان العذاب تال له، ‌و‌ ‌هو‌ منذر له بوصوله، ماش قدامه.
 ‌و‌ «من» ‌فى‌ قوله: «من اشباههن» مبينه لقوله: «لما بين يدى».
 ‌و‌ ايقاع الوعظ على اشباه السيئات المذكوره مجاز حكمى ايضا، ‌و‌ انما الغرض ‌ان‌ يكون واعظا له ‌من‌ ارتكاب ‌ما‌ يستقبله ‌من‌ اشباههن، فوقع الوعظ على السيئات للدلاله على المبالغه، كقوله تعالى: «و ‌لا‌ تطيعوا امر المسرفين» ‌و‌ قوله: «و اطيعوا امرى».
 قال الزمخشرى: جعل الامر مطاعا على المجاز الحكمى، ‌و‌ المراد الامر كقولهم: امره مطاعه انتهى.
 ‌و‌ حاصله: ‌ان‌ السيئات لما كان سببا موجبا للوعظ، ‌و‌ الامر سببا موجبا للاطاعه ، اوقع الفعل عليهما قصدا للمبالغه.
 ‌و‌ ‌من‌ زعم ‌ان‌ اللام ‌من‌ قوله: «لما بين يدى» للتعليل فقد تكلف. ‌و‌ مال هذه الفقره ‌من‌ الدعاء الى ‌ان‌ اعتذاره هنا ثابت مستمر، زاجر له عن ارتكاب اشباه هذه الجرائم، فيما يستقبله ‌من‌ الزمان.
 
و «الفاء» ‌من‌ قوله: «فصل» سببيه.
 ‌و‌ وقعت فيه ‌من‌ الزلات: ‌اى‌ سقطت، ‌و‌ الزلات: جمع زله.
 قال الراغب: الزله ‌فى‌ الاصل استرسال الرجل ‌من‌ غير قصد. ‌و‌ قيل للذنب ‌من‌ غير قصد زله، تشبيها بزله الرجل، قال تعالى: «فان زللتم ‌من‌ بعد ‌ما‌ جاءتكم
 
البينات».
 ‌و‌ الوجوب: الثبوت، يقال: اوجبت له ذلك ‌اى‌ اثبته له.
 ‌و‌ محبتك: ‌اى‌ محبتك لى، بدليل قوله: «يا محب التوابين». ‌و‌ قد تقدم الكلام على بيان محبته تعالى لعباده مستوفى ‌فى‌ الروضه السادسه فاغنى عن الاعاده.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «يا محب التوابين» تلميح الى قوله تعالى: «ان الله يحب التوابين ‌و‌ يحب المتطهرين» ‌و‌ قد مر الكلام عليه ‌فى‌ الروضه الحاديه ‌و‌ الثلاثين فليرجع اليه.
 قال بعض العلماء: اعلم ‌ان‌ للمذنب التائب- اذا تاب توبه نصوحا- فضيله على ‌من‌ لم يذنب ‌من‌ ثلاثه اوجه.
 الاول: ‌من‌ جرب العيوب ‌و‌ الذنوب، ‌و‌ عرف مداخل الشيطان على الانسان يكون اهدى الى الاحتراز. فقد قيل لحكيم: «فلان ‌لا‌ يعرف الشر». فقال: ذاك اجدر ‌ان‌ يقع فيه.
 الثانى: ‌ان‌ المذنب التائب محتشم، فقد غلب الخوف على قلبه، فياتى باب مولاه خزيان منكسرا. ‌و‌ ‌من‌ لم يذنب ربما يعجب بنفسه، ‌و‌ يدل بفعله، ‌و‌ ليس خدمه ‌من‌ عصى ملكا، ‌و‌ خرج عليه خارجيا ثم عاد اليه وجلا، فتجوفى عنه، كخدمه ‌من‌ ادل بطاعته.
 الثالث: ‌ان‌ التائب حلب الدهر شطريه، خيره ‌و‌ شره ‌و‌ حلوه ‌و‌ مره، فهو ارفق بالمذنبين، ‌و‌ اوفق لهم، ‌و‌ اصلح للرئاسه ممن يظن ‌ان‌ الذنب شى ء خارج عن طبيعه الانسان، فيعجب بنفسه، ‌و‌ يزرى بغيره.
 
و سئل سعيد ‌بن‌ جبير: ‌من‌ اعبد الناس، فقال رجل: اجترح الذنوب فكلما ذكر ذنوبه احتقر عمله. ‌و‌ الله اعلم.
 هذا آخر الروضه الثامنه ‌و‌ الثلاثين ‌من‌ رياض السالكين، وفق الله لاتمامها ‌و‌ اجتلاء حسن ختامها اصيل يوم الاثنين لثمان بقين ‌من‌ ذى القعده الحرام، ‌و‌ الله الموفق للتمام ‌و‌ لله الحمد.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^