فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 40

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ اياه نستعين


 الحمد لله الذى خلق الموت والحياه ‌و‌ احصى الاحياء والاموات، والصلاه والسلام على نبيه الذى شرفه على كل ميت ‌و‌ حى ‌و‌ بعثه ‌من‌ اشرف بيت ‌و‌ حى ‌و‌ على اهل بيته الذين باثارهم يقتدى المقتدون، اولئك عليهم صلوات ‌من‌ ربهم ‌و‌ رحمه ‌و‌ اولئك ‌هم‌ المهتدون.
 ‌و‌ بعد: فهذه الروضه الاربعون ‌من‌ رياض السالكين، تتضمن شرح الدعاء الاربعين ‌من‌ صحيفه زين العابدين ‌و‌ سيدالزاهدين، صلوات الله عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الصادقين، املاء راجى فضل ربه السنى على صدرالدين الحسينى الحسنى، لطف الله ‌به‌ ميتا ‌و‌ حيا ‌و‌ اكرمه ‌فى‌ الدارين بفضله.
 
نعيت الميت نعيا- ‌من‌ باب منع-: اخبرت بموته، فهو منعى.
 قال الجوهرى: اصل ميت: ميوت على فيعل، ثم ادغم، ثم يخفف فيقال ميت، حيث قال الشاعر ‌و‌ قد جمعهما ‌فى‌ بيت واحد:
 ليس ‌من‌ مات فاستراح بميت
 انما الميت ميت الاحياء انتهى
 ‌و‌ فرق بعضهم بينهما فقال الميت بالتشديد يطلق على الحى الذى سيموت، قال تعالى: «انك ميت ‌و‌ انهم ميتون» ‌و‌ بالتخفيف يطلق على ‌من‌ قد مات، ‌و‌ نظم بعضهم ذلك فقال:
 تسائلنى تفسير ميت ‌و‌ ميت
 فهاك صحيح القول ‌ان‌ كنت تعقل
 فمن ‌يك‌ ذا روح فذلك ميت
 ‌و‌ ‌ما‌ الميت الا ‌من‌ الى القبر ينقل
 ‌و‌ الصحيح: ‌ان‌ الميت بالتشديد يطلق على ‌من‌ مات ‌و‌ على ‌من‌ سيموت، ‌و‌ الميت ‌لا‌ يطلق الا على ‌من‌ قد مات. ‌و‌ الموت عدم الحياه عما اتصف بها، ‌و‌ قيل: كيفيه وجوديه يخلقها الله ‌فى‌ الحى فهو ضدها، لقوله تعالى: «خلق الموت ‌و‌ الحياه». ‌و‌ الخلق لكونه بمعنى الايجاد ‌لا‌ يتصور الا فيما له وجود.
 
و اجيب: بان معنى الخلق هنا التقدير ‌لا‌ الايجاد. ‌و‌ تقدير الامور العدميه جائز كتقدير الوجوديات. ‌و‌ لو سلم، فالمراد بخلق الموت احداث اسبابه على حذف المضاف، ‌و‌ هذا ‌و‌ ‌ان‌ كان خلاف الظاهر، لكنه كاف ‌فى‌ دفع الاحتجاج.
 
 فائده
 
 قد يطلق الموت على معان اخر مجازا، كما تطلق الحياه على غير الصفه التى تقتضى الحس ‌و‌ الحركه الاراديه، ‌و‌ تفتقر الى الروح ‌و‌ البدن، مجازا ايضا.
 قال الراغب: انواع الموت بحسب انواع الحياه خمسه:
 الاول: ‌ما‌ ‌هو‌ بازاء القوه الناميه الموجوده ‌فى‌ الانسان ‌و‌ الحيوان ‌و‌ النبات، نحو قوله تعالى: «و احيينا ‌به‌ بلده ميتا».
 الثانى: زوال القوه الحساسه. قال سبحانه: «ائذا مامت لسوف اخرج حيا».
 الثالث: زوال القوه العاقله، ‌و‌ هى الجهاله. نحو: «او ‌من‌ كان ميتا فاحييناه» ‌و‌ اياه قصد بقوله تعالى: «انك ‌لا‌ تسمع الموتى».
 الرابع: الحزن المكدر للحياه. ‌و‌ اياه عنى بقوله تعالى: «و ياتيه الموت ‌من‌ كل مكان ‌و‌ ‌ما‌ ‌هو‌ بميت».
 الخامس: المنام. فقد قيل: النوم موت خفيف، ‌و‌ الموت نوم ثقيل. ‌و‌ على هذا النحو سماهما الله توفيا فقال: «الله يتوفى الانفس حين موتها ‌و‌ التى لم تمت ‌فى‌ منامها» انتهى.
 
الامل: تعلق النفس بحصول محبوب ‌فى‌ المستقبل. ‌و‌ يرادفه الطمع ‌و‌ الرجاء، غير ‌ان‌ الامل اكثر ‌ما‌ يستعمل فيما يستعبد حصوله، ‌و‌ الطمع فيما قرب حصوله ‌و‌ الرجاء بين الامل ‌و‌ الطمع، ‌و‌ قد يستعمل احدهما مكان الاخر. ‌و‌ فرق بعضهم بين الامل ‌و‌ الرجاء بان الامل: يكون ‌فى‌ الممكن ‌و‌ المستحيل، ‌و‌ الرجاء يختص بالممكن. ‌و‌ الصحيح. ‌ان‌ هذا الفرق بين التمنى ‌و‌ الرجاء، ‌و‌ اما الامل فلا يكون ‌فى‌ المستحيل.
 ‌و‌ طول الامل: عباره عن توقع امور دنيويه يستدعى حصولها مهله ‌فى‌ الاجل، ‌و‌ فسحه ‌من‌ مستقبل الزمان.
 ‌و‌ الصدق: خلاف الكذب، ‌و‌ اصلهما ‌فى‌ القول، فالصدق فيه مطابقه ‌ما‌ تضمنه ‌من‌ الحكم للواقع، ‌و‌ الكذب عدم مطابقته له. ‌و‌ قد يستعملان ‌فى‌ افعال الجوارح، فيقال: صدق زيد القتال، ‌و‌ صدق ‌فى‌ القتال: اذا وفاه حقه، ‌و‌ فعل فيه ‌ما‌ يجب على ‌ما‌ يجب ‌و‌ كما يجب. ‌و‌ كذب ‌فى‌ القتال اذا كان بخلاف ذلك.
 ‌و‌ ‌من‌ هذا الباب عباره الدعاء فصدق العمل: عباره عن تاديه حقه بالاجتهاد فيه ‌و‌ فعله كما يجب ‌و‌ على ‌ما‌ يجب.
 ‌و‌ العمل: كل فعل ‌من‌ الحيوان بقصد. فهو اخص ‌من‌ الفعل، ‌و‌ ‌هو‌ يستعمل ‌فى‌ الاعمال الصالحه ‌و‌ السيئه قال تعالى: «خلطوا عملا صالحا ‌و‌ آخر سيئا». ‌و‌ المراد ‌به‌ العمل الصالح بقرينه المقام. ‌و‌ «الباء» ‌من‌ قوله: «بصدق العمل»، اما للاستعانه، فالظرف لغو متعلق بقصره، ‌و‌ اما للملابسه، فالظرف مستقر متعلق بمحذوف ‌هو‌ حال ‌من‌ الضمير المجرور بعن، ‌اى‌ قصره عنا ملتبسين بصدق العمل.
 ‌و‌ استتممت الشى ء: ‌اى‌ اتممته.
 
قال الجوهرى: تم الشى ء تماما ‌و‌ اتمه غيره، ‌و‌ تممه، واستتمه بمعنى، ‌اى‌ ‌لا‌ نومل اتمام ساعه بعد ساعه، ‌و‌ الساعه جزء ‌من‌ اجزاء الزمان، ‌و‌ العرب تطلقها ‌و‌ تريد بها الحين ‌و‌ الوقت ‌من‌ ليل ‌او‌ نهار ‌و‌ ‌ان‌ قل. ‌و‌ عليه قوله تعالى: «لا يستاخرون ساعه».
 ‌و‌ استيفاء الشى ء: اخذه وافيا. ‌و‌ ايقاعه هنا على اليوم مجاز عن الظلول فيه الى آخره.
 ‌و‌ اليوم: اوله ‌من‌ طلوع الفجر الثانى الى غروب الشمس.
 ‌و‌ الاتصال: اتحاد الاشياء بعضها ببعض كاتحاد طرفى الدائره. ‌و‌ ضده الانفصال ‌و‌ ‌هو‌ هنا عباره عن تتابع الانفاس بعضها. اثر بعض حتى كانها متصله ‌و‌ متحده.
 ‌و‌ النفس بفتحتين: الريح الداخله ‌و‌ الخارجه ‌فى‌ البدن ‌من‌ المنخر ‌و‌ الفم. ‌و‌ ‌هو‌ كالغذاء للنفس، ‌و‌ بانقطاعه يكون بطلانها.
 ولحق ‌به‌ لحوقا: تبعه، فوصل اليه، ‌و‌ ادركه كلحقه.
 ‌و‌ القدم ‌من‌ الانسان: معروفه ‌و‌ هى مونثه ‌و‌ تصغيرها قديمه بالهاء ‌و‌ جمعها الاقدام.
 
و الغرور: الخديعه. يقال: غرته الدنيا غرورا- ‌من‌ باب قعد-: ‌اى‌ خدعته بزينتها.
 ‌و‌ الشرور: جمع شر، ‌و‌ ‌هو‌ السوء ‌و‌ الفساد، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا: ‌ما‌ يترتب على طول الامل ‌من‌ المفاسد الدينيه. هذا ‌و‌ انما استكفى عليه السلام ربه طول الامل ‌و‌ رعب اليه ‌فى‌ المبالغه ‌فى‌ تقصيره لما يترتب عليه ‌من‌ المضار الدينيه ‌و‌ المفاسد الاخرويه، ‌و‌ قد ورد ‌من‌ الاثار ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ التحذير منه، ‌و‌ التنفير عنه دائره الاحصاء ‌و‌ تقصر عن
 
قطع مسافته قدم الاستقصاء، ‌و‌ كفى ‌فى‌ ذلك قوله تعالى: «ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. ذرهم ياكلوا ‌و‌ يتمتعوا ويلههم الامل فسوف يعلمون» فنبه سبحانه على ‌ان‌ ايثار التلذذ ‌و‌ النعم ‌ما‌ يودى اليه طول الامل ‌من‌ اخلاق الكافرين لامن اخلاق المومنين.
 ‌و‌ اما الاثار ‌و‌ الاخبار: فمن ذلك ‌ما‌ ورد ‌فى‌ الحديث القدسى: ‌يا‌ موسى ‌لا‌ تطول ‌فى‌ الدنيا املك فيقسو لذلك قلبك، ‌و‌ قاسى القلب منى بعيد.
 ‌و‌ ‌فى‌ وصيته صلى الله عليه ‌و‌ آله لابى ذر: ‌يا‌ اباذر: اياك ‌و‌ التسويف باهلك، فانك بيومك ‌و‌ لست بما بعده، فان يكن لك غد فكن ‌فى‌ الغد كما كنت ‌فى‌ اليوم، ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن غد، لم تندم على ‌ما‌ فرطت ‌فى‌ اليوم.
 ‌يا‌ اباذر: ‌كم‌ ‌من‌ مستقبل يوما لايستكمله، ‌و‌ منتظر غدا ‌لا‌ يبلغه.
 ‌يا‌ اباذر: لو نظرت الى الاجل ‌و‌ مصيره لابغضت الامل ‌و‌ غروره.
 ‌يا‌ اباذر: ‌كن‌ كانك ‌فى‌ الدنيا غريب ‌او‌ عابر سبيل، وعد نفسك ‌من‌ اصحاب القبور.
 ‌يا‌ اباذر: اذا اصبحت ‌لا‌ تحدث نفسك بالمساء، ‌و‌ اذا امسيت فلا تحدث نفسك بالصباح.
 ‌و‌ عن انس ‌ان‌ النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم ‌خط‌ خطا ‌و‌ قال: هذا الانسان.
 ‌و‌ ‌خط‌ الى جنبه ‌و‌ قال: هذا اجله. ‌و‌ ‌خط‌ آخر بعيدا منه فقال: هذا الامل. فبينما ‌هو‌ كذلك اذ جاءه الاقرب.
 ‌و‌ ‌فى‌ خطبه لاميرالمومنين عليه السلام: ‌ان‌ اخوف ‌ما‌ اخاف عليكم اثنتان،
 
اتباع الهوى، ‌و‌ طول الامل، فاما اتباع الهوى فيصد عن الحق، ‌و‌ اما طول الامل فينسى الاخره.
 ‌و‌ ‌فى‌ خطبه اخرى: ‌و‌ اعلموا ‌ان‌ الامل يسهى العقل، ‌و‌ ينسى الذكر فاكذبوا الامل فانه غرور، ‌و‌ صاحبه مغرور. فنهى عليه السلام عن الامل ‌و‌ بين مضاره ‌و‌ شروره.
 ‌و‌ روى ‌ان‌ اسامه ‌بن‌ زيد اشترى وليده بمائه دينار الى شهر، فبلغ النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله فقال الا تعجبون ‌من‌ اسامه المشترى الى شهر، ‌ان‌ اسامه لطويل الامل.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه: انه اجتمع عبدان ‌من‌ عباد الله فقال احدهما للاخر: ‌ما‌ بلغ ‌من‌ قصر املك؟ فقال: املى اذا اصبحت ‌ان‌ ‌لا‌ امسى، ‌و‌ اذا امسيت ‌ان‌ ‌لا‌ اصبح. فقال: انك لطويل الامل. اما انا فلا اومل ‌ان‌ يدخل لى نفس اذا خرج، ‌و‌ ‌لا‌ يخرج لى نفس اذا دخل.
 ‌و‌ قال رجل لبعض الصالحين: انا خارج الى بغداد فهل لك ‌من‌ حاجه؟ فقال: ‌ما‌ احب ‌ان‌ ابسط املى حتى تذهب الى بغداد ‌و‌ تجى ء.
 ‌و‌ حضر بعض الصوفيه ‌فى‌ دعوه مع اصحابه فمديده الى جام فيه خبيص نحو الصومعه ‌من‌ السكر، فقال: له بعض ‌من‌ حضر: ارفق قليلا حتى تبلغ ‌من‌ ناحيتك اليها. فقال: املى اقصر ‌من‌ ‌ان‌ احدث نفسى ببلوغ ذلك المكان. فبكى قوم ‌من‌ لفظه، وضحك آخرون ‌من‌ نادرته.
 ‌و‌ بالجمله فان مضار طول الامل ‌و‌ شروره ‌لا‌ تخفى على من، هدى الله قلبه. لو
 
لم يكن فيه الا نسيان الاخره الذى اشار اميرالمومنين عليه السلام اليه بقوله: «و اما طول الامل فينسى الاخره» لكفى.
 ‌و‌ بيانه: ‌ان‌ طول الامل توقع الامور المحبوبه الدنيويه توجب دوام ملاحظتها. ‌و‌ دوام ملاحظتها مستلزم لدوام اعراض النفس عن ملاحظه احوال الاخره. ‌و‌ ‌هو‌ مستعقب لانمحاء تصورها ‌فى‌ الذهن. ‌و‌ ذلك معنى النسيان لها. ‌و‌ ‌به‌ يكون الهلاك السرمدى ‌و‌ الشقاء الابدى نعوذ بالله ‌من‌ ذلك.
 قال بعضهم: ‌و‌ سبب طول الامل ‌هو‌ حب الدنيا، فان الانسان اذا انس بها ‌و‌ بلذاتها ثقل عليه مفارقتها، ‌و‌ احب دوامها، فلا يتفكر ‌فى‌ الموت الذى ‌هو‌ سبب مفارقتها، فان ‌من‌ احب شيئا كره الفكر فيما يزيله ‌و‌ يبطله، فلا يزال يمنى نفسه البقاء ‌فى‌ الدنيا، ‌و‌ يقدر حصول ‌ما‌ يحتاج اليه ‌من‌ اهل ‌و‌ مال ‌و‌ ادوات ‌و‌ اسباب، ‌و‌ يصير فكره مستغرقا ‌فى‌ ذلك، فلا يخطر الموت بباله، ‌و‌ ‌ان‌ خطر بخاطره الموت ‌و‌ التوبه ‌و‌ الاقبال على الاعمال الاخرويه اخر ذلك ‌من‌ يوم الى يوم، ‌و‌ ‌من‌ شهر الى شهر، ‌و‌ ‌من‌ عام الى عام. ‌و‌ قال: الى ‌ان‌ اكتهل ‌و‌ يزول سن الشباب. فاذا اكتهل قال: الى ‌ان‌ اصير شيخا. فاذا شاخ قال: الى ‌ان‌ اتم عماره هذه الدار، ‌و‌ ازوج ولدى فلانا، ‌او‌ الى ‌ان‌ اعود ‌من‌ هذا السفر، ‌و‌ هكذا يسوف التوبه. كلما فرغ ‌من‌ شغل عرض له شغل، بل اشغال، حتى يختطفه الموت ‌و‌ ‌هو‌ غافل عنه، غير مستعد له، مستغرق القلب ‌فى‌ امور الدنيا، فتطول ‌فى‌ الاخره حسرته، ‌و‌ تكثر ندامته، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ الخسران المبين. نعوذ بالله منه.
 نصبت الشى ء نصبا- ‌من‌ باب ضرب- اقمته. ‌و‌ نصب الموت بين اليدين عباره عن جعله على ذكر بحيث ‌لا‌ يغيب عن الذهن لحظه. ‌و‌ ‌هو‌ تمثيل بحال ‌ما‌ ينصب امام
 
 
الانسان، فهو ‌لا‌ يغيب عن نظره وقتا ما. ‌و‌ هذا كما يقال ‌هو‌ نصب عينى.
 قال ‌فى‌ القاموس: ‌هو‌ بالضم ‌و‌ الفتح ‌او‌ الفتح لحن.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه بين اعيننا، ‌و‌ نصبا: مفعول مطلق موكد لعامله.
 ‌و‌ الغب- بالكسر- ‌ان‌ ترد الابل الماء يوما، ‌و‌ تدعه يوما. ‌و‌ منه حمى الغب ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: «زر غبا تزدد حبا».
 ‌و‌ عن الحسن: الغب ‌فى‌ الزياره ‌ان‌ يكون كل اسبوع.
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ النهايه: الغب ‌من‌ اوراد الابل فنقل الى الزياره، ‌و‌ ‌ان‌ جاء بعد ايام. يقال: غب الرجل: اذا جاء زائرا بعد ايام.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ شرح جامع الاصول: ‌و‌ منه «ما ياكلون اللحم الا غبا» ‌اى‌ ‌لا‌ يداومون على اكله. ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ اوراد الابل ‌ان‌ تشرب يوما، ‌و‌ تدعه يوما. ‌و‌ ‌فى‌ غيره ‌ان‌ تفعل الشى ء يوما، ‌و‌ تدعه اياما انتهى.
 ‌و‌ المراد هنا: طلب المداومه على ذكر الموت بحيث ‌لا‌ يترك ذكره يوما ‌او‌ اياما. ‌و‌ قد تواترت الاخبار بالحض على الاكثار ‌من‌ ذكر الموت. ‌و‌ ‌من‌ ذلك:«اكثروا ‌من‌ ذكر هادم اللذات» ‌و‌ ذلك لاستلزامه تقصير الامل، ‌و‌ الجد ‌فى‌ العمل، ‌و‌ العزوف عن دار الغرور، ‌و‌ السعى لدار النعيم ‌و‌ السرور. قال بعض العلماء: ‌حق‌ العاقل ‌ان‌ يكثر ‌من‌ ذكر الموت، فذكره ‌لا‌ يقرب اجله، ‌و‌ يفيده ثلاثا: القناعه بما رزق، ‌و‌ المبادره بالتوبه، ‌و‌ النشاط ‌فى‌ العباده. ‌و‌ لذلك قال عليه السلام: «اكثروا ‌من‌ ذكر هادم
 
اللذات» فانه ‌ما‌ ذكره احد ‌فى‌ ضيق الا وسعه عليه، ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ سعه الا ضيقها عليه.
 ‌و‌ قيل: ذكر الموت يطرد فضول الامل، ‌و‌ يكف عزب المنى ‌و‌ يهون المصائب، ‌و‌ يحول بين الانسان ‌و‌ الطغيان.
 
قوله عليه السلام: «و اجعل لنا» الجعل هنا بمعنى الايجاد، ‌و‌ ‌هو‌ متعد الى واحد. ‌و‌ اللام معتله به، ‌اى‌ وفقنا للاتيان بعمل ‌من‌ صالح الاعمال، ‌و‌ اسناد الجعل اليه تعالى لانه السبب الاول.
 ‌و‌ استبطات الامر: عددته ‌و‌ رايته بطيئا.
 ‌و‌ المصير: مصدر ميمى ‌من‌ صار اليه بمعنى رجع ‌و‌ انتهى، ‌اى‌ المصير الى ثوابك.
 قال الامام الطبرسى ‌فى‌ قوله تعالى: «و اليك المصير» معناه ‌و‌ الى جزائك المصير، فجعل مصيرهم الى جزائه مصيرا اليه.
 كقول ابراهيم عليه السلام «انى ذاهب الى ربى سيهدين» ‌و‌ معناه الى ثواب ربى ‌او‌ الى ‌ما‌ امرنى ‌به‌ انتهى.
 ‌و‌ حرص على الشى ء- ‌من‌ باب ضرب- حرصا: رغب فيه رغبه شديده.
 قال الراغب: الحرص: فرط الاراده قال تعالى: «ان تحرص على هديهم» ‌اى‌ ‌ان‌ تفرط ارادتك على هدايتهم.
 ‌و‌ الوشك- بالفتح ‌و‌ الضم- السرعه. ‌و‌ منه ‌و‌ ‌شك‌ البين ‌اى‌ سرعه الفراق.
 ‌و‌ اللحاق ‌به‌ تعالى عباره عن الوصول الى ثوابه ‌و‌ رحمته، يقال: لحق فلان بالله اذا مات، ‌اى‌ ادرك رحمه الله، ‌و‌ وصل اليها، كانه كان طالبا لها، ساعيا خلفها، حتى ادركها ‌و‌ لحقها.
 
و حتى: يجوز ‌ان‌ تكون تعليليه بمعنى كى، ‌و‌ ‌ان‌ تكون للانتهاء بمعنى الى، فيكون المراد بها حينئذ الدوام. ‌و‌ مثلها قوله تعالى: «فقاتلوا التى تبغى حتى تفى ء الى امر الله».
 ‌و‌ المانس: الموضع الذى يانس ‌به‌ الانسان، ‌و‌ يسكن اليه قلبه، ‌و‌ ‌لا‌ ينفر منه، ‌و‌ ‌لا‌ يستوحش فيه. يقال: انس ‌به‌ انسا- ‌من‌ باب علم- اذا سكن قلبه اليه، ‌و‌ لم ينفر عنه.
 ‌و‌ المالف: الموضع الذى يالفه الانسان ‌و‌ يانس ‌به‌ ‌و‌ يحبه.
 ‌و‌ كون الموت مانسا ‌و‌ مالفا ‌من‌ باب التشبيه البليغ على الصحيح، لان الطرفين مذكوران، ‌لا‌ ‌من‌ الاستعاره، لان الاستعاره انما تطلق حيث يطوى ذكر المستعار له كما حققه صاحب الكشاف ‌و‌ غيره ‌من‌ المحققين.
 ‌و‌ كذا قوله عليه السلام: «و حامتنا» ‌اى‌ خاصتنا. ‌و‌ حامه الرجل: خاصته ‌من‌ اهله، ‌و‌ ولده الذين يشفقون عليه ‌و‌ يشفق عليهم، ‌و‌ منه حديث: هولاء اهل بيتى ‌و‌ حامتى، اذهب عنهم الرجس ‌و‌ طهرهم تطهيرا.
 
 تبصره
 
 اعلم: ‌ان‌ الذى نطقت ‌به‌ الاخبار، ‌و‌ شهد ‌به‌ الاعتبار ‌ان‌ الموت ليس الا عباره عن تغير حال- ‌و‌ ‌هو‌ مفارقه الروح لهذا البدن الجارى مجرى الاله لذى الصنعه- ‌و‌ ‌ان‌ الروح باقيه بعده، كما شهدت ‌به‌ البراهين العقليه المذكوره ‌فى‌ مظانها، ‌و‌ الاثار النبويه المتواتره. ‌و‌ معنى مفارقتها له انقطاع تصرفها فيه، لخروجه عن ‌حد‌ الانتفاع به. فما كان ‌من‌ الامور المدركه لها يحتاج ‌فى‌ ادراكه الى آله فهى متعطله عنه بعد مفارقه البدن، الى ‌ان‌ تعاد اليه ‌فى‌ القبر ‌او‌ يوم القيامه. ‌و‌ ‌ما‌ كان مدركا لها بنفسها
 
من غير آله فهو باق معها، تتنعم ‌به‌ ‌و‌ تفرح ‌او‌ تحزن، ‌من‌ غير حاجه الى هذه الاله ‌فى‌ بقاء تلك العلوم ‌و‌ الادراكات الكليه لها هناك. ‌و‌ قد ضرب للمفارقه التى سميناها بالموت مثل، فقيل كما ‌ان‌ بعض اعضاء المريض يتعطل- بحسب فساد مزاج يقع فيه، ‌او‌ بحسب سده تعرض للاعصاب، فتمتنع نفوذ الروح فيها، فتكون النفس مستعمله لبعض الاعضاء دون ‌ما‌ استعصى عليها منها- فكذلك الموت عباره عن استعصاء جميع الاعضاء كلها ‌و‌ تعطلها. ‌و‌ حاصل هذه المفارقه يعود الى سلب الانسان عن هذه الاعضاء ‌و‌ الالات ‌و‌ القنيات الدنيويه ‌من‌ الاهل ‌و‌ المال ‌و‌ الولد ‌و‌ نحوها.
 ‌و‌ ‌لا‌ فرق بين ‌ان‌ تسلب هذه الاشياء عن الانسان، ‌او‌ يسلب ‌هو‌ عنها اذا كان المولم ‌هو‌ الفراق. ‌و‌ قد يحصل ذلك بنهب مال الرجل ‌و‌ سبى ذريته، ‌و‌ قد يحصل بسلبه ‌و‌ نهبه عن اهله ‌و‌ ماله. فالموت ‌فى‌ الحقيقه ‌هو‌ سلب الانسان عن امواله الى عالم آخر فان كان له ‌فى‌ هذا العالم شى ء يانس به، ‌و‌ يستريح اليه، فبقدر عظم خطره عنده يعظم تحسره عليه ‌فى‌ الاخره. ‌و‌ يكون سبب عظم خطره عند ضعف تصوره لما اعد للابرار المتقين ‌فى‌ الاخره، مما يستحقر ‌فى‌ القليل منه اكثر نفائس الدنيا. فاما ‌ان‌ كان عين بصيرته مفتوحه حتى لم يفرح الا بذكر الله، ‌و‌ لم يانس الا به، عظم نعيمه ‌و‌ تمت سعادته، اذ خلى بينه ‌و‌ بين محبوبه، قطع علائقه ‌و‌ عوائقه الشاغله له عنه، ‌و‌ وصل اليه، ‌و‌ انكشف له هناك ‌ما‌ كان يدركه ‌من‌ السعاده- بحسب الوصف- انكشاف مشاهده، كما يشاهد المستيقظ مارآه ‌فى‌ النوم، «الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا»، ‌و‌ لذلك كان الموت راحه للمومنين ‌و‌ محبوبا للمتقين، كما اشار اليه سيد المرسلين: صلى الله عليه ‌و‌ سلم ‌و‌ على آله الطاهرين «ليس للمومن راحه دون لقاء الله» ‌و‌ ذلك لكونه وسيله لهم الى ‌ما‌ اعد لهم ‌من‌ السعاده الاخرويه التى هى حياه
 
يلا موت، ‌و‌ غنى بلا فقر، ‌و‌ نعيم بلا شقاء، ‌و‌ اعظم ‌من‌ ذلك الفوز باللقاء الخالص لمحبوبهم الاقصى. ‌و‌ اليه الاشاره بقوله تعالى: «قل ‌يا‌ ايها الذين هادوا ‌ان‌ زعمتم انكم اولياء لله ‌من‌ دون الناس فتمنوا الموت ‌ان‌ كنتم صادقين». دلت الايه على ‌ان‌ الصادق ‌فى‌ الولايه لله يتمنى الموت، ‌و‌ كذلك قوله تعالى: «قل ‌ان‌ كانت لكم الدار الاخره عند الله خالصه ‌من‌ دون الناس فتمنوا الموت ‌ان‌ كنتم صادقين».
 ‌و‌ ‌من‌ كلام اميرالمومنين على عليه السلام: «و الله لابن ابى طالب آنس بالموت ‌من‌ الطفل بثدى امه».
 ‌و‌ كان عليه السلام يطوف بين الصفين ‌فى‌ غلاله: فقال له ابنه الحسين عليه السلام: ‌ما‌ هذا بزى المحاربين فقال: ‌يا‌ بنى ‌لا‌ يبالى ابوك على الموت سقط، ‌ام‌ سقط الموت عليه.
 ‌و‌ ‌من‌ كلام له قبل موته: ‌و‌ الله ‌ما‌ فجانى ‌من‌ الموت وارد فكرهته، ‌و‌ ‌لا‌ طالع انكرته، ‌و‌ ‌ما‌ كنت الا كقارب ورد، ‌و‌ طالب وجد، ‌و‌ ‌ما‌ عند الله خير للابرار.
 ‌و‌ عن حذيفه ‌بن‌ اليمان رضى الله عنه: انه كان يتمنى الموت، فلما احتضر قال: حبيب جاء على فاقه. ‌لا‌ افلح ‌من‌ ندم يعنى على التمنى.
 ‌و‌ قال اهل التحقيق: ‌لا‌ يبعد ‌من‌ الرجل العاقل اذا كمل عقله ‌ان‌ تعظم رغبته ‌فى‌ الموت لوجوه:
 منها: ‌ان‌ مراتب الموجودات ثلاثه، الموثر الذى ‌لا‌ يتاثر ‌و‌ ‌هو‌ الاله تعالى ‌و‌ تقدس، ‌و‌ المتاثر الذى ‌لا‌ يوثر ‌و‌ ‌هو‌ عالم الاجساد، فانها قابله للتشكيل ‌و‌ التصوير ‌و‌ الصفات المختلفه ‌و‌ الاعراض المتضاده. ‌و‌ يتوسطهما قسم ثالث ‌و‌ ‌هو‌ عالم الارواح، لانها تقبل
 
الاثر ‌و‌ التصرف ‌من‌ العالم الالهى، ثم اذا اقبلت على عالم الاجساد، تصرفت ‌و‌ اثرت.
 ‌و‌ للنفوس ‌فى‌ التاثير ‌و‌ التاثر مراتب غير متناهيه، لان تاثيرها بحسب تاثرها عما فوقها. ‌و‌ الكمال الالهى غير متناه. فاذن ‌لا‌ تنفك النفس ‌من‌ نقصان ما، ‌و‌ الناقص اذا حصل له شعور بنقصانه، ‌و‌ قد ذاق لذه الكمال، بقى ‌فى‌ القلق ‌و‌ الم الطلب، ‌و‌ ‌لا‌ سبيل له الى رفع هذا القلق ‌و‌ الالم الا الموت. فحينئذ يتمنى الموت.
 ‌و‌ منها: ‌ان‌ سعادات الدنيا ‌و‌ لذاتها سريعه الزوال، مشرفه على الفناء، ‌و‌ الالم الحاصل عند زوالها، اشد ‌من‌ اللذه الحاصله عن وجدانها. ثم انها مخلوطه بالمنغصات، ‌و‌ الاراذل ‌من‌ الخلق يشاركون الافاضل فيها، بل ربما كانت حصه الاراذل اكبر. فلا جرم تمنى العاقل موته ليتخلص ‌من‌ هذه الافات.
 ‌و‌ منها: ‌ان‌ اللذات الجسمانيه: ‌لا‌ حقيقه لها، لان حاصلها يرجع الى دفع الالام، فان الاكل لدفع الم الجوع، ‌و‌ الشرب لدفع الم العطش، ‌و‌ النكاح لدفع الم العزوبه، فكان الموت مخلصا ‌من‌ هذه الالام ‌و‌ الاشتغال بدفعها.
 ‌و‌ منها: ‌ان‌ مداخل اللذات الدنيويه ثلاثه: لذه الاكل، ‌و‌ لذه الوقاع، ‌و‌ لذه الرئاسه. ‌و‌ لكل منها عيوب، فلذه الاكل، مع انها غير باقيه بعد البلع، فان الماكول يختلط بالبصاق المجتمع ‌فى‌ الفم، ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ انه شى ء منفر. ثم كما يصل الى المعده يستحيل الى ‌ما‌ ذكره منفر، فكيف به؟ ‌و‌ ‌من‌ هنا قالت العقلاء: «من كانت همته ‌ما‌ يدخل ‌فى‌ جوفه كانت قيمته ‌ما‌ يخرج ‌من‌ بطنه». هذا مع اشتراك الحيوانات الخسيسه فيها.
 ‌و‌ ايضا اشتداد الجوع حاجه، ‌و‌ الحاجه نقص. ‌و‌ كذا الكلام ‌فى‌ لذه النكاح ‌و‌ عيوبها، مع ‌ان‌ فيها احتياجا لزياده المال، ‌و‌ النفقه للزوج ‌و‌ الولد ‌و‌ ‌ما‌ يلزمهما. ‌و‌ الاحتياج للمال يلقى المرء ‌فى‌ مهالك الاكتساب، ‌و‌ مهاوى الانتجاع.
 ‌و‌ لذه الرئاسه ‌او‌ ‌فى‌ عيوبها ‌ان‌ كل واحد يكره بالطبع ‌ان‌ يكون خادما مامورا،
 
و يحب ‌ان‌ يكون مخدوما آمرا. فسعى الانسان ‌فى‌ الرئاسه سعى ‌فى‌ مخالفه كل ‌من‌ سواه. ‌و‌ ‌لا‌ ريب ‌ان‌ هذا الامر صعب الحصول، منيع المرام، ‌و‌ اذا ناله كان على شرف الزوال ‌فى‌ كل حين ‌و‌ اوان، لان كثره الاسباب توجب قوه حصول الاثر، فيكون دائما ‌فى‌ الخوف ‌و‌ الحزن.
 فاذا تامل العاقل ‌فى‌ هذه المعانى علم قطعا انه ‌لا‌ صلاح ‌فى‌ اللذات العاجله.
 ‌و‌ لكن النفس جبلت على طلبها، ‌و‌ الرغبه فيها، فيكون دائما غريقا ‌فى‌ بحر الافات، ‌و‌ غمرات الحسرات. فحينئذ يتمنى زوال هذه الحياه.
 
 تتمه
 
 قال بعض العلماء: الناس ‌فى‌ محبه الموت ثلاثه اضرب:
 الاول: حكيم يعلم ‌ان‌ الحياه تسترقه ‌و‌ الموت يعتقه، ‌و‌ ‌ان‌ الانسان ‌فى‌ هذا المال- ‌و‌ ‌ان‌ طال فيه لبثه- كخطفه برق لمعت ‌فى‌ اكناف السماء ثم عادت للاختفاء، ‌و‌ انه ‌فى‌ دنياه كمبعوث الى ثغر يحوطه، ‌و‌ بلد يسوسه، يراعى ‌ما‌ استرعى، ‌و‌ يسر اذا دعى، ‌و‌ ‌لا‌ يتكاده خروجه منها الا بقدر ‌ما‌ يفوته ‌من‌ خدمه ربه، ‌و‌ الازدياد ‌من‌ قربه. ‌و‌ لهذا المعنى ورد ‌فى‌ بعض الاخبار مدح الحياه ‌و‌ النهى عن تمنى الموت.
 ‌و‌ الثانى: رجل انس بهذا العالم فالفه ‌و‌ ‌ان‌ كرهه، فسبيله سبيل ‌من‌ الف بيتا مظلما قذرا ‌و‌ لم يرغيره، فهو يكره الخروج منه ‌و‌ ‌ان‌ كان قد كره الدخول فيه. كما قال الشاعر:
 دخلنا كارهين لها فلما
 الفناها خرجنا مكرهينا
 ‌و‌ ‌ما‌ حب البلاد بنا ‌و‌ لكن
 امر العيش فرقه ‌من‌ هوينا
 فهذا حتى خرج عن دنياه، ‌و‌ اطلع على ‌ما‌ اعد للصالحين- مما لاعين رات، ‌و‌ ‌لا‌ اذن سمعت، ‌و‌ ‌لا‌ خطر على قلب بشر- ‌سر‌ بخلاصه كما حكى الله تعالى عمن استقر بهم القرار ‌فى‌ جنه النعيم، حيث قالوا: «الحمدلله الذى اذهب عنا الحزن ‌ان‌ ربنا
 
لغفور شكور الذى احلنا دار المقامه ‌من‌ فضله ‌لا‌ يمسنا فيها نصب ‌و‌ ‌لا‌ يمسنا فيها لغوب».
 ‌و‌ الثالث: رجل اعمى البصيره، متلطخ السريره، بما ارتكبه ‌من‌ انواع الجريره، رضى بالحياه الدنيا، ‌و‌ اطمان بها، ‌و‌ يئس ‌من‌ الاخره، كما يئس الكفار ‌من‌ اصحاب القبور. فاذا خرج منها الى دار الخلود اضر ذلك ‌به‌ كما تضر رياح الورد بالجعل، فاذا خرج ‌من‌ قاذورات الدنيا لم يوافقه عالم العليا ‌و‌ مصاحبه الملا الاعلى، ‌و‌ منادمه اولى العلى، كما قال تعالى: «و ‌من‌ كان ‌فى‌ هذه اعمى فهو ‌فى‌ الاخره اعمى ‌و‌ اضل سبيلا». ‌و‌ الله اعلم.
 
«الفاء»: للترتيب ‌فى‌ الذكر.
 ‌و‌ اوردته عليه: احضرته لديه، يقال: ورد زيد علينا ‌اى‌ حضر. ‌و‌ اصل الورود: بلوغ الابل الماء ‌و‌ موافاتها اياه، ثم استعمل ‌فى‌ غيره مجازا.
 قال ‌فى‌ الاساس ‌و‌ ‌من‌ المجاز ورد عليه امر لم يطقه، ‌و‌ اوردت على ‌ما‌ غمنى.
 ‌و‌ انزلت ‌به‌ الامر: اوقعته به. يقال: نزل ‌به‌ مكروه: ‌اى‌ وقع ‌به‌ ‌و‌ حصل عليه. ‌و‌ اصله ‌من‌ النزول، ‌و‌ ‌هو‌ انحطاط ‌من‌ علو.
 ‌و‌ اسعده الله: صيره سعيدا، ‌و‌ الباء للسببيه.
 ‌و‌ زائرا: الحال ‌من‌ الضمير المجرور، ‌و‌ ‌هو‌ اسم فاعل ‌من‌ زاره يزوره زورا، ‌و‌ زياره: ‌اى‌ قصده، ثم خصت الزياره ‌فى‌ العرف بقصد المزور اكراما له ‌و‌ استيناسا به.
 
و آنست زيدا بكذا ايناسا: جعلته يانس به، ‌و‌ يسكن اليه، ‌و‌ ‌لا‌ يستوحش معه. ‌و‌ القادم: اسم فاعل ‌من‌ قدم الرجل البلد- ‌من‌ باب تعب- قدوما اذا ورده ‌و‌ حصل فيه.
 ‌و‌ شقى يشقى- ‌من‌ باب علم- شقاء، ‌ضد‌ سعد، فهو شقى. ‌و‌ اشقاه الله- بالالف-.
 ‌و‌ الضيافه: اسم ‌من‌ اضفته اذا انزلته ‌و‌ قربته. قال ثعلب: ضفته اذا نزلت ‌به‌ ‌و‌ انت ضيف عنده، ‌و‌ اضفته- بالالف- اذا انزلته عليك ضيفا.
 لما شبه عليه السلام الموت بالزائر ‌و‌ القادم اثبت له ‌ما‌ ‌هو‌ ‌من‌ لوازمهما، ‌و‌ ‌هو‌ الضيافه، فهو ‌من‌ باب الاستعاره التخييليه. ‌و‌ المراد بالشقاء بضيافته فقدان العمل الصالح الذى يصلح ‌ان‌ يكون قرى له. ‌و‌ كان الشرف البوصيرى نظر الى هذا المعنى حيث قال:
 فان امارتى بالسوء ‌ما‌ اتعظت
 عن جهلها بنذير الشيب ‌و‌ الهرم
 ‌و‌ ‌لا‌ اعدت ‌من‌ الفعل الجميل قرى
 ضيف الم براسى غير محتشم
 ‌و‌ اخزاه الله: الحق ‌به‌ الخزى، ‌و‌ ‌هو‌ الذل ‌و‌ الهوان المقارن للفضيحه ‌و‌ الانكسار.
 ‌و‌ منه: «ربنا انك ‌من‌ تدخل النار فقد اخزيته».
 ‌و‌ الباب: مدخل الشى ء. ‌و‌ اصل ذلك مداخل الابنيه كباب المدينه ‌و‌ الدار، ثم تجوز فيه، فاستعمل فيما يتوصل ‌به‌ الى الشى ء. ‌و‌ منه: «انا مدينه العلم ‌و‌ على بابها» ‌اى‌ ‌به‌ يتوصل اليه.
 ‌و‌ ابواب المغفره: الاسباب التى يتوصل بها اليها.
 ‌و‌ المفتاح: آله الفتح ‌و‌ ‌هو‌ ازاله الاغلاق، ثم استعير لما يتوصل ‌به‌ الى الامر. ‌و‌ منه
 
قوله تعالى: «و عنده مفاتح الغيب ‌لا‌ يعلمها الا هو».
 قال الراغب: يعنى ‌ما‌ يتوصل ‌به‌ الى غيبه المذكور ‌فى‌ قوله تعالى: «لا يظهر على غيبه احدا» انتهى.
 ‌و‌ لما كان الموت وسيله لحصول المغفره ‌و‌ الرحمه بالفعل لمن شاء الله سال عليه السلام ‌ان‌ يجعل موته بابا يدخل ‌به‌ الى مغفرته، ‌و‌ مفتاحا يصل ‌به‌ الى رحمته. ‌و‌ الله اعلم.
 
الجمله مستانفه استئنافا بيانيا كانه سال كيف اسعدكم ‌به‌ زائرا؟ فقال: «امتنا مهتدين غير ضالين»، فان حصول السعاده بسبب الموت انما يكون اذا مات الانسان مهتديا غير ضال، ‌و‌ طائعا، غير مستكره... الى آخره.
 ‌و‌ المراد بالاهتداء: الاهتداء الى كل ‌حق‌ ‌و‌ صواب، ‌و‌ القبول له، ‌و‌ العمل به، ‌و‌ عدم الرجوع معه الى باطل ‌و‌ خطا، ‌و‌ لذلك قيده بقوله: غير ضالين لانه حال متداخله.
 قال الراغب: الاهتداء يختص بما يتحراه الانسان ‌من‌ الهدى على طريق الاختيار اما ‌فى‌ الامور الدنيويه ‌او‌ الاخرويه. قال الله تعالى: «هو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها»، ‌و‌ يقال ذلك لطلب الهدايه نحو قوله تعالى: «قد ضللت اذا ‌و‌ ‌ما‌ انا ‌من‌ المهتدين»، ‌و‌ لتحدى الهدايه نحو: «و اذ آتينا موسى الكتاب ‌و‌ الفرقان لعلكم تهتدون»، ‌و‌ يقال المهتدى لمن يقتدى بعالم نحو «او لو كان
 
آباوهم ‌لا‌ يعقلون شيئا ‌و‌ ‌لا‌ يهتدون» تنبيها على انهم ‌لا‌ يعلمون بانفسهم، ‌و‌ ‌لا‌ يقتدون بعالم.
 ‌و‌ قوله تعالى: «فمن اهتدى فانما يهتدى لنفسه» يتناول وجوه الاهتداء ‌من‌ طلب الهدايه، ‌و‌ ‌من‌ الاقتداء، ‌و‌ ‌من‌ تحريها. ‌و‌ قوله تعالى: «و انى لغفار لمن تاب ‌و‌ آمن ‌و‌ عمل صالحا ثم اهتدى» معناه ثم ادام طلب الهدايه، ‌و‌ لم يفتر عن تحريها، ‌و‌ لم يرجع الى المعصيه. ‌و‌ قوله: «اولئك عليهم صلوات ‌من‌ ربهم ‌و‌ رحمه ‌و‌ اولئك ‌هم‌ المهتدون» ‌اى‌ الذين تحروا الهدايه ‌و‌ قبلوها ‌و‌ عملوا بها انتهى.
 ‌و‌ الضلال: العدول عن الصراط المستقيم، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ضد‌ الهدى، ‌و‌ يقال لكل عدول عن النهج عمدا كان ‌او‌ سهوا، يسيرا كان ‌او‌ كبيرا، فان الصراط المستقيم الذى ‌هو‌ المرضى صعب جدا، ‌و‌ لهذا قال عليه السلام: «استقيموا ‌و‌ لن تخصوا».
 ‌و‌ طائعين: ‌اى‌ منقادين لامرك عن طيب نفس ‌و‌ اخلاص ‌فى‌ امتثال الامر.
 غير مستكرهين: ‌اى‌ غير حاملين انفسنا بالكره على الطاعه، على روايه مستكرهين بصيغه اسم الفاعل، ‌او‌ غير حاملين لنا خوف العقاب ‌و‌ نحوه بالكره على الطاعه، على روايه مستكرهين بصيغه اسم المفعول. ‌و‌ بهذا المعنى فسر قوله تعالى: «لا اكراه ‌فى‌ الدين» ‌فى‌ احد الوجوه. ‌اى‌ ‌لا‌ اعتداد ‌فى‌ الاخره بما يفعل الانسان ‌فى‌ الدنيا ‌من‌ الطاعه كرها، فان الله يعتبر السرائر، ‌و‌ ‌لا‌ يرضى الا الاخلاص ‌و‌ لهذا قال، صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: الاعمال بالنيات ‌و‌ قال: اخلص، يكفيك القليل ‌من‌ العمل.
 
و يحتمل ‌ان‌ يكون ذلك اشاره الى قوله تعالى: «و له اسلم ‌من‌ ‌فى‌ السموات ‌و‌ الارض طوعا ‌و‌ كرها» على ‌ان‌ المراد بمن اسلم طوعا ‌من‌ شاهد المثيب ‌و‌ المعاقب، فانقاد له، ‌و‌ بمن اسلم كرها ‌من‌ شاهد الثواب ‌و‌ العقاب، فانقاد ‌و‌ اسلم رغبه ‌و‌ رهبه.
 ‌و‌ تائبين: ‌اى‌ تاركين للذنوب لقبحها، نادمين عليها، مغتمين اشد الاغتمام لارتكابها، عازمين على ترك المعاوده لها.
 ‌و‌ غير عاصين: ‌اى‌ غير خارجين عن الطاعه. ‌و‌ اصل العصيان ‌من‌ تمتع الانسان بعصاه. ‌و‌ «لا» ‌من‌ قوله: «و ‌لا‌ مصرين» مزيده لتاكيد ‌ما‌ افاده «غير» ‌من‌ معنى النفى، كانه قيل: «لا عاصين ‌و‌ ‌لا‌ مصرين» ‌و‌ الاصرار ‌فى‌ الاصل ‌من‌ الصر، ‌و‌ ‌هو‌ الشد ‌و‌ الربط، ثم اطلق على الاقامه على الذنب دون استغفار، كان المذنب ارتبط بالاقامه عليه ‌و‌ المداومه له. ‌و‌ قد مر الكلام عليه مبسوطا فاغنى عن الاعاده.
 قوله عليه السلام:«يا ضامن جزاء المحسنين» ‌من‌ ضمن زيد المال، ‌و‌ به- ‌من‌ باب علم- ضمانا: ‌اى‌ التزمه، فهو ضامن. فهو تلميح الى قوله تعالى ‌فى‌ غير موضع ‌من‌ كلامه المجيد:«ان الله ‌لا‌ يضيع اجر المحسنين» ‌اى‌ الذين يعملون الاعمال الحسنه التى يستحق بها الثواب ‌و‌ المدح.
 ‌و‌ «مستصلح عمل المفسدين»: ‌اى‌ طالب صلاح عملهم بان يبدلوا الفساد بالصلاح، ‌و‌ ذلك اما بالامر ‌و‌ النهى كما ‌هو‌ الواقع.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: امر الله ‌و‌ نهى لاستصلاح العباد.
 ‌و‌ اما بحسم اسباب الفساد، ‌و‌ عدم الاعداد له، ‌و‌ افاضه توفيقه عليهم، يستبدلوا باعمالهم السيئه اعمالا حسنه، ‌و‌ ذلك لمن تاب اليه ‌و‌ اناب ‌و‌ سبقت له منه الحسنى.
 
و يرجح المعنى الاول: ‌ان‌ الجمع المعرف بالالف ‌و‌ اللام يفيد الاستغراق ‌و‌ العموم.
 ‌و‌ جواز الثانى: لتخصيص المفسدين بالمفسدين ‌من‌ المومنين حالا ‌او‌ مالا، ‌و‌ ‌فى‌ روايه «مصلح عمل المفسدين»: ‌من‌ اصلح الشى ء اذا جعله صالحا، ‌و‌ ذلك بافاضه لطفه ‌و‌ توفيقه عليهم ‌و‌ اعداده لهم بمعونته على تبديل الفساد بالصلاح. ‌و‌ هذا ‌لا‌ ينافى قوله تعالى ‌فى‌ سوره يونس: «ان الله ‌لا‌ يصلح عمل المفسدين» لان المراد بعدم اصلاحه فيه عدم اثباته ‌و‌ امضائه.
 قال العمادى: ليس المراد بعدم اصلاح عملهم عدم جعل فسادهم صلاحا، بل عدم اثباته ‌و‌ اتمامه، ‌اى‌ ‌لا‌ يثيبه ‌و‌ ‌لا‌ يكلمه، ‌و‌ ‌لا‌ يديمه، بل يمحقه ‌و‌ يهلكه ‌و‌ يسلط عليه الدمار.
 ‌و‌ قال العلامه الطبرسى: «معناه ‌ان‌ الله ‌لا‌ يهيى ء عمل ‌من‌ قصد فسادا ‌فى‌ الدين، ‌و‌ ‌لا‌ يمضيه بل يبطله حتى يظهر الحق ‌من‌ الباطل، ‌و‌ المحق ‌من‌ المبطل» انتهى. فلا منافاه بين الايه ‌و‌ عباره الدعاء لتغاير المعنى. ‌و‌ الله اعلم.
 هذا آخر الروضه الاربعين ‌من‌ رياض السالكين، وفق الله لاتمامها ‌و‌ حسن ختامها عشيه يوم الاحد، لست مضين ‌من‌ ذى الحجه الحرام، آخر شهور سنه 1104، ‌و‌ لله الحمد.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^