فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 43

بسم الله الرحمن الرحيم


 الحمد لله الذى اطلع ‌فى‌ افق السماء اهله الشهور ‌و‌ جعلها مواقيت للناس ‌و‌ الحج على مر الدهور والصلاه والسلام على نبيه الذى ‌هو‌ ‌فى‌ جبهات الانبياء غره ولاعين الناظرين الى هلال جبينه الشريف قره ‌و‌ على اهل بيته شموس الخلافه ‌و‌ بدور الولايه ‌و‌ اقمار الامامه ‌و‌ نجوم الهدايه.
 ‌و‌ بعد: فهذه الروضه الثالثه والاربعون ‌من‌ رياض السالكين تتضمن شرح الدعاء الثالث والاربعين ‌من‌ صحيفه سيدالعابدين سلام الله عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الهادين.
 املاء راجى فضل ربه السنى على صدرالدين ‌بن‌ احمد نظام الدين الحسينى الحسنى اطلع الله هلال امله ‌فى‌ مطالع النجاح بدرا ‌و‌ شرح له بالايمان ‌و‌ الامان صدرا.
 
الهلال: غره القمر ‌او‌ لليلتين ‌او‌ الى ثلاث ‌او‌ الى سبع، ‌و‌ لليلتين ‌من‌ آخر الشهر ست ‌و‌ عشرين ‌و‌ سبع ‌و‌ ‌فى‌ غير ذلك قمر كذا ‌فى‌ القاموس.
 ‌و‌ قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب ‌و‌ تبعه الجوهرى ‌فى‌ الصحاح، الهلال: لثلاث ليال ‌من‌ اول الشهر ثم ‌هو‌ قمر بعد ذلك.
 ‌و‌ قال الازهرى: يسمى لليلتين ‌من‌ اول الشهر هلالا، ‌و‌ ‌فى‌ ليله ست ‌و‌ عشرين ‌و‌ سبع ‌و‌ عشرين ايضا هلالا ‌و‌ ‌ما‌ بين ذلك يسمى قمرا.
 ‌و‌ قال بعضهم: الصحيح انه مخصوص باول يوم فان خفى ففى الثانى ‌و‌ ‌فى‌ ماعدا ذلك يسمى قمرا، فلو غطاه سحاب ‌او‌ نحوه فلم يظهر الا بعد ذلك فهو قمر ‌و‌ ‌لا‌ يدعى هلالا.
 ‌و‌ اختاره ابوحيان ‌فى‌ الارتشاف.
 ‌و‌ قال العلامه الطبرسى «قدس سره» ‌فى‌ مجمع البيان قال بعضهم: يسمى
 
هلالا لليلتين ‌من‌ الشهر ثم ‌لا‌ يسمى هلالا الى ‌ان‌ يعود ‌فى‌ الشهر الثانى، ‌و‌ قال آخرون: يسمى هلالا ثلاث ليال ثم يسمى قمرا، ‌و‌ قال آخرون: يسمى هلالا حتى يتحجر، ‌و‌ تحجره ‌ان‌ يستدير بخط دقيق ‌و‌ هذا قول الاصمعى ‌و‌ قال بعضهم: يسمى هلالا حتى يبهر ضووه سواد الليل ثم يقال قمر ‌و‌ هذا يكون ‌فى‌ الليله السابعه انتهى.
 قال شيخنا البهائى طاب ثراه: ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ قوله ‌و‌ هذا يكون ‌فى‌ الليله السابعه يخالف بظاهره قول صاحب القاموس ‌او‌ الى سبع، ‌و‌ وجه التوفيق بينهما غير خفى انتهى.
 يريد ‌ان‌ وجه التوفيق بحمل عدم دخول ‌ما‌ بعد الى ‌من‌ كلام صاحب القاموس ‌فى‌ حكم ماقبلها.
 قالوا: ‌و‌ اشتقاق الهلال ‌من‌ الاهلال ‌و‌ ‌هو‌ رفع الصوت لرفع الناس اصواتهم بالتكبير، ‌او‌ بذكره عند رويته، ‌و‌ منه الاهلال ‌فى‌ الذبيحه: ‌و‌ ‌هو‌ رفع الصوت بالتسميه، ‌و‌ اهل المحرم بالاحرام: رفع صوته بالتلبيه ‌و‌ اهل المولود ‌و‌ استهل: اذا رفع صوته بالبكاء عند الولاده ‌و‌ كل ‌من‌ رفع صوته فقد اهل اهلالا ‌و‌ استهل استهلالا بالبناء للفاعل فيهما، ‌و‌ اهل الهلال بالبناء للمفعول ‌و‌ للفاعل ايضا، ‌و‌ منهم ‌من‌ يمنعه، ‌و‌ استهل بالبناء للمفعول، ‌و‌ منهم ‌من‌ يجيز بناءه للفاعل.
 وهل: ‌من‌ باب- ضرب- لغه ايضا حكاها الثقه اذا ظهر، ‌و‌ اهللنا الهلال ‌و‌ استهللناه رفعنا الصوت برويته ‌و‌ جمعه اهله، ‌و‌ اهاليل قيل. ‌و‌ انما سمى بعد الهلال قمرا لانه يقمر ضوء الكواكب ‌اى‌ يغطيها، ‌و‌ قيل: سمى قمرا لبياضه، ‌و‌ الاقمر: الابيض، ‌و‌ يتعلق بالمقام مسائل ‌لا‌ باس بالتعرض لها.
 الاولى: الدعاء عند رويه الهلال سنه ماثوره عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله
 
و اوصيائه المعصومين عليهم السلام، ‌و‌ ‌لا‌ ريب ‌فى‌ استحبابه باجماع المسلمين.
 ‌و‌ انفرد ابن ابى عقيل رحمه الله بالقول بوجوب قراءه هذا الدعاء عند رويه هلال شهر رمضان ‌و‌ هو: «الحمد لله الذى خلقنى ‌و‌ خلقك ‌و‌ قدر منازلك ‌و‌ جعلك مواقيت للناس، اللهم اهله علينا اهلالا مباركا، اللهم ادخله علينا بالسلامه ‌و‌ الاسلام ‌و‌ اليقين ‌و‌ الايمان ‌و‌ البر ‌و‌ التقوى ‌و‌ التوفيق لما تحب ‌و‌ ترضى.
 قال شيخنا البهائى طاب ثراه: قول ابن ابى عقيل بوجوب ذلك ‌لا‌ نعلم له فيه موافقا ‌و‌ كانه وجد الامر بهذا الدعاء ‌فى‌ بعض الروايات فحمله على الوجوب كما ‌هو‌ مقرر ‌فى‌ علم الاصول ‌و‌ لم يلتفت الى تفرده بين الاصحاب بهذا الحكم، ‌و‌ ربما حمل قوله بالوجوب على اراده تاكيد الاستحباب صونا له عن مخالفه الجمهور.
 ‌و‌ قال العلامه الحلى قدس سره ‌فى‌ المختلف: ‌و‌ لم يوجب احد ‌من‌ اصحابنا ذلك فان كان مراده ‌من‌ الوجوب تاكيد الاستحباب فمسلم، ‌و‌ ‌ان‌ اراد المعنى الحقيقى فممنوع.
 الثانيه: للدعاء عند رويه الهلال آداب ينبغى مراعاتها حال قراءه الدعاء منها: ‌ان‌ يكون قراءه الدعاء ‌فى‌ المكان الذى راى فيه الهلال كما يدل على ذلك ‌ما‌ رواه الصدوق رحمه الله ‌فى‌ الفقيه، ‌و‌ شيخ الطائفه ‌فى‌ التهذيب ‌و‌ المصباح عن اميرالمومنين عليه السلام انه قال: اذا رايت الهلال فلا تبرح ‌و‌ قل: اللهم انى اسالك خير هذا الشهر ‌و‌ فتحه ‌و‌ نوره ‌و‌ نصره ‌و‌ بركته ‌و‌ طهوره ‌و‌ رزقه ‌و‌ اسالك خير ‌ما‌ فيه ‌و‌ خير ‌ما‌ بعده ‌و‌ اعوذبك ‌من‌ ‌شر‌ ‌ما‌ فيه ‌و‌ ‌شر‌ ‌ما‌ بعده، اللهم ادخله علينا بالامن ‌و‌ الايمان ‌و‌ السلامه ‌و‌ الاسلام ‌و‌ البركه ‌و‌ التقوى ‌و‌ التوفيق لما تحب ‌و‌ ترضى.
 فان قوله عليه السلام: ‌لا‌ تبرح: ‌اى‌ ‌لا‌ تزل عن مكانك الذى رايته فيه، يقال:
 
برح يبرح ‌من‌ باب- تعب- براحا: زال ‌من‌ مكانه، ‌و‌ احتمال ‌ان‌ المراد ‌لا‌ توخر ‌و‌ ‌قل‌ على الفور خلاف الظاهر.
 ‌و‌ منها: ‌ان‌ ‌لا‌ يشير الى الهلال بيده ‌و‌ ‌لا‌ براسه ‌و‌ ‌لا‌ بشى ء ‌من‌ جوارحه كما تضمنته الروايه عن الصادق عليه السلام: اذا رايت هلال شهر رمضان فلا تشر اليه ‌و‌ لكن استقبل القبله ‌و‌ ارفع بيديك الى الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌و‌ خاطب الهلال ‌و‌ قل: ربى ‌و‌ ربك الله رب العالمين اللهم اهله علينا بالامن ‌و‌ الايمان ‌و‌ السلامه ‌و‌ الاسلام ‌و‌ المسارعه الى ‌ما‌ تحب ‌و‌ ترضى، اللهم بارك لنا ‌فى‌ شهرنا هذا ‌و‌ ارزقنا عونه ‌و‌ خيره ‌و‌ اصرف عنا ضره ‌و‌ شره ‌و‌ بلاءه ‌و‌ فتنته.
 ‌و‌ لعل هذا الحكم مختص بشهر رمضان. ‌و‌ صرح بعض العامه بكراهيته مطلقا ‌و‌ علله بانه ‌من‌ افعال الجاهليه، ‌و‌ اما استقبال القبله ‌و‌ رفع اليدين فلا خصوصيه لهما بدعاء الهلال مطلقا بل يعمان كل دعاء.
 ‌و‌ منها: ‌ان‌ يخاطب الهلال بالدعاء كما تضمنته الروايه المذكوره، ‌و‌ لعل المراد مخاطبته بما يتعلق ‌به‌ ‌من‌ الالفاظ نحو قوله عليه السلام: «ربى ‌و‌ ربك الله» ‌و‌ غير ذلك مما اشتملت عليه الادعيه الماثوره لرويه الهلال كاكثر الفاظ هذا الدعاء الذى نحن بصدد شرحه، ‌و‌ ‌لا‌ منافاه بين استقبال القبله ‌و‌ مخاطبه الهلال ‌فى‌ البلاد التى ‌لا‌ يمكن فيها استقبالهما معا لان مخاطبه الهلال ‌لا‌ يستلزم استقباله اذ قد يخاطب الانسان ‌من‌ استدبره، ‌و‌ يمكن القول باستقبال الداعى الهلال حال قراءه ‌ما‌ يتعلق بخطابه ‌من‌ فصول الدعاء ‌و‌ استقبال القبله فيما عدا ذلك.
 الثالثه: قال شيخنا البهائى طاب ثراه: يمتد وقت قراءه الدعاء بامتداد وقت التسميه هلالا ‌و‌ الاولى عدم تاخيره عن الليله الاولى عملا بالمتيقن المتفق عليه لغه
 
و عرفا فان لم يتيسر فعن الليله الثانيه لقول اكثر اهل اللغه: بالامتداد اليها، فان فاتت فعن الثالثه لقول كثير منهم: بانها آخر لياليه، ‌و‌ اما اطلاق الهلال عليه الى السابعه فكانه مجاز ‌من‌ قبيل اطلاقه عليه ‌فى‌ الليله السادسه ‌و‌ العشرين ‌و‌ السابعه ‌و‌ العشرين.
 فلو نذر قراءه دعاء الهلال ‌و‌ غيره عند رويته ‌و‌ قلنا بالمجازيه فيما فوق الثلاث لم تجب عليه القراءه برويته فيما فوقها حملا للمطلق على الحقيقه، ‌و‌ هل تشرع؟ الظاهر نعم ‌ان‌ رآه ‌فى‌ تتمه السبع رعايه لجانب الاحتياط، اما فيما فوقها فلا لانها تشريع، ‌و‌ لو رآه يوم الثلاثين فلا وجوب على الظاهر لعدم تسميته حينئذ هلالا، ‌و‌ ‌ما‌ ‌فى‌ حسنه حماد ‌بن‌ عثمان عن الصادق عليه السلام، ‌من‌ اطلاق اسم الهلال عليه قبل الغروب لعله مجاز اذ الاصل عدم النقل انتهى.
 
اى: اسم مبهم يتوصل ‌به‌ الى نداء ‌ما‌ فيه اهل لاستكراههم اجتماع آلتى تعريف صوره، ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌فى‌ احديهما ‌من‌ الفائده ‌ما‌ ليس ‌فى‌ الاخرى ففصلوا بينهما باسم مبهم يحتاج الى ‌ما‌ يزيل ابهامه ليكون المنادى ‌فى‌ الظاهر ذلك المبهم، ‌و‌ ‌فى‌ الحقيقه ذلك المخصص الذى يزيل الابهام ‌و‌ يعين الماهيه، ‌و‌ التزموا بعدها هاء التنبيه تنبيها على ‌ان‌ المنادى الحقيقى ‌هو‌ ‌ما‌ بعدها ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌فى‌ الظاهر تابعا لها، ‌و‌ لذلك التزم رفعه لانه المقصود بالنداء، ‌و‌ المنادى المفرد ‌لا‌ ينصب.
 قال ابو حيان ‌فى‌ الارتشاف: التابع لاى ‌فى‌ النداء وصف، ‌و‌ قيل: عطف بيان، قال ابن السيد: ‌و‌ ‌هو‌ الظاهر انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ شرح الخلاصه لبدر الدين ‌بن‌ مالك انه ‌ان‌ كان مشتقا فهو نعت نحو ‌يا‌ ايها
 
الفاضل ‌و‌ الا فهو عطف بيان نحو ‌يا‌ ايها الرجل.
 فان قلت قد نقل صاحب القاموس جواز النصب ‌فى‌ تابع اى، فقال: ‌و‌ اجيز نصب صفه ‌اى‌ فتقول ‌يا‌ ايها الرجل اقبل، فكيف ادعيت التزام الرفع فيه؟
 قلت: جواز النصب قول قال ‌به‌ المازنى ‌و‌ لم يلتفت اليه احد.
 قال الزجاج: ‌و‌ لم يتقدمه احد الى ذلك ‌و‌ ‌لا‌ تابعه عليه احد ‌و‌ ‌هو‌ مخالف لكلام العرب.
 ‌و‌ الخلق: ‌فى‌ الاصل مصدر بمعنى التقدير ‌و‌ ابداع الشى ء ‌من‌ غير اصل ‌و‌ ‌لا‌ احتذاء، ثم استعمل بمعنى المخلوق كاللفظ بمعنى الملفوظ.
 ‌و‌ داب ‌فى‌ عمله دابا ‌من‌ باب- منع-، ‌و‌ دابا بفتحتين ‌و‌ دوبا على فعول بالضم: جد ‌و‌ اجتهد ‌و‌ تعب فهو دائب.
 ‌و‌ قيل: الدوب: دوام العمل على حاله مستمره مطرده اخذا ‌من‌ الداب بمعنى. العاده المستمره دائما على حاله. قال تعالى: «و سخر لكم الشمس ‌و‌ القمر دائبين»، ‌اى‌ مستمرين ‌فى‌ سيرهما ‌و‌ انارتهما ‌و‌ سائر منافعهما ‌و‌ خواصهما على عاده مطرده دائمه.
 ‌و‌ السرعه ‌ضد‌ البطو، يقال سرع سرعا فهو سريع على وزن صغر صغرا فهو صغير، ‌و‌ اسرع اسراعا فهو مسرع، ‌و‌ فرق سيبويه بين سرع ‌و‌ اسرع فقال: اسرع: طلب ذلك ‌من‌ نفسه ‌و‌ تكلفه كانه اسرع المشى ‌اى‌ عجله ‌و‌ اما سرع فكانها غريزه.
 ‌و‌ عرف الحكماء السرعه بانها كيفيه قائمه بالحركه بها تقطع المسافه المساويه لمسافه اخرى ‌فى‌ زمان اقصر ‌من‌ زمانها ‌او‌ مسافه اطول ‌فى‌ الزمان المساوى ‌او‌ الاقصر
 
و السرعه ‌و‌ البطو ‌فى‌ شى ء واحد بالذات ‌و‌ ‌هو‌ كيفيه واحده قابله للشده ‌و‌ الضعف ، ‌و‌ انما يختلفان بالاضافه العارضه لهما، فما ‌هو‌ سرعه بالقياس الى شى ء ‌هو‌ بعينه بطو بالقياس الى آخر، ‌و‌ وصفه عليه السلام القمر بالسرعه اشاره الى سرعه حركته العرضيه التى تكون بتوسط فلك تدويره فانه اسرع ‌من‌ سائر الكواكب حركه بهذا الاعتبار، اما الثوابت فظاهر لكون حركتها ‌من‌ ابطا الحركات حتى ‌ان‌ القدماء لم يدركوها فقيل: انها تتم الدوره ‌فى‌ ثلاثين الف سنه، ‌و‌ قيل: ‌فى‌ سته ‌و‌ ثلاثين الف سنه، ‌و‌ اما السيارات فلان زحل يتم الدوره ‌فى‌ ثلاثين سنه، ‌و‌ المشترى ‌فى‌ اثنتى عشره سنه، ‌و‌ المريخ ‌فى‌ سنه ‌و‌ عشره اشهر ‌و‌ نصف شهر، ‌و‌ كلا ‌من‌ الشمس ‌و‌ الزهره ‌و‌ عطارد ‌فى‌ قريب سنه، ‌و‌ اما القمر فيتم الدوره ‌فى‌ نحو ‌من‌ ثمانيه ‌و‌ عشرين يوما فكان اسرعها حركه، ‌و‌ اما حركته الذاتيه ‌و‌ ‌ان‌ قال: بها جم غفير ‌من‌ اساطين الحكماء حيث اثبتوا لجميع الكواكب حركه ذاتيه تدور بها على انفسها فهى على تقدير ثبوتها غير محسوسه ‌و‌ ‌لا‌ معروفه، فحمل وصف القمر بالسرعه على هذه الحركه بعيد، نعم ‌لا‌ يبعد حمله على حركته المحسوسه على انها ذاتيه له كما ذهب اليه بعضهم ‌من‌ جواز كون بعض حركات السيارات ‌فى‌ افلاكها ‌من‌ قبيل حركه السابح ‌فى‌ الماء، ‌و‌ يويده ظاهر قوله تعالى: «و الشمس ‌و‌ القمر كل ‌فى‌ فلك يسبحون»، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «المتردد ‌فى‌ منازل التقدير» يقال: ترددت الى فلان: ‌اى‌ رجعت اليه مره بعد اخرى ‌و‌ ترددت ‌فى‌ الطريق اذا سرت فيها مره بعد اخرى.
 ‌و‌ المراد بمنازل التقدير: منازل القمر التى قدرت له ‌اى‌ جعلت له على مقدار مخصوص ‌و‌ وجه مخصوص حسب ‌ما‌ اقتضته الحكمه ‌و‌ هى المشار اليها بقوله تعالى: «و القمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم» ‌و‌ قوله تعالى: «هو الذى جعل الشمس ضياء ‌و‌ القمر نورا ‌و‌ قدره منازل لتعلموا عدد السنين ‌و‌ الحساب»،
 
اى قدرنا مسيره منازل، ‌او‌ قدرناه دا منازل ‌و‌ كذلك قوله: «و قدره منازل».
 قال العلامه النيسابورى: ‌و‌ منزل القمر هى المسافه التى يقطعها ‌فى‌ يوم ‌و‌ ليله بحركته الخاصه ‌به‌ ‌و‌ جملتها ثمانيه ‌و‌ عشرون ‌و‌ هى: الشرطان ‌و‌ البطين ‌و‌ الثريا ‌و‌ الدبران ‌و‌ الهقعه ‌و‌ الذراع ‌و‌ النثره ‌و‌ الطرف ‌و‌ الجبهه ‌و‌ الزبره ‌و‌ الصرفه ‌و‌ العوا ‌و‌ السماك ‌و‌ الغفر ‌و‌ الزبانا ‌و‌ الاكليل ‌و‌ القلب ‌و‌ الشوله ‌و‌ النعايم ‌و‌ البلده، ‌و‌ سعد الذابح، ‌و‌ سعد بلع، ‌و‌ سعد السعود ‌و‌ سعد الاخبيه، ‌و‌ الفرع المقدم، ‌و‌ الفرع الموخر، ‌و‌ الرشاء، ‌و‌ هى كواكب ثابته معروفه عندهم جعلوها علامات المنازل فيرى القمر كل ليله نازلا بقرب واحد منها ‌و‌ ذلك انهم قسموا دور الفلك ‌و‌ ‌هو‌ اثناعشر برجا على ثمانيه ‌و‌ عشرين منزلا ايام دور القمر فاصاب كل برج منزلان ‌و‌ ثلث، فسموا كل منزل بالعلامه التى وقعت وقت التسميه بحذائه انتهى.
 ‌و‌ المراد بتردد القمر ‌فى‌ هذه المنازل تكرر سيره فيها بحركته الخاصه به، ففى على معناها الاصلى ‌من‌ الظرفيه ‌و‌ ‌لا‌ داعى الى جعلها بمعنى الى لعود القمر اليها ‌فى‌ الشهر اللاحق بعد قطعه اياها ‌فى‌ السابق، كما وقع ‌فى‌ الحديقه الهلاليه فان التردد انما يعدى بالى اذا كان المتردد اليه ‌هو‌ المقصود بالتردد كما يقال: ترددت الى مجالس العلم ‌و‌ ترددت الى فلان، ‌و‌ اما منازل السفر ‌و‌ المراحل ‌و‌ المسافات فانما ترددت فيها ‌لا‌ ترددت اليها كما يشهد ‌به‌ موارد الاستعمال.
 
 تنبيه
 
 ليس سير القمر ‌فى‌ هذه المنازل على ‌و‌ تيره واحده بل قد يسرع تاره ‌و‌ يبطى اخرى، فاذا اسرع فربما تخطا منزلا ‌فى‌ الوسط ‌و‌ اذا ابطا فقد يبقى ليلتين ‌فى‌ منزل
 
واحد ‌و‌ قد يرى ‌فى‌ بعض الليالى بين منزلتين، فما وقع ‌فى‌ الكشاف ‌و‌ تفسيرى القاضى ‌و‌ العمادى ‌من‌ انه ينزل كل ليله ‌فى‌ واحد منها ‌لا‌ يتخطاه ‌و‌ ‌لا‌ يتقاصر عنه ليس كذلك.
 قوله عليه السلام: «المتصرف ‌فى‌ فلك التدبير». الفلك بفتحتين: مدار النجوم، سمى بذلك تشبيها بفلكه المغزل لدورانه.
 قال جدنا العلامه السيد غياث الدين منصور «قدس سره»: المستفاد ‌من‌ ارباب الارصاد الروحانيات ‌و‌ النبوات ‌و‌ الانبياء ‌و‌ اعاظم الحكماء ‌ان‌ الافلاك تسعه ‌لا‌ غير ‌و‌ هى منحصره ‌فى‌ سبع سماوات ‌و‌ كرسى ‌و‌ عرش.
 ‌و‌ قال الشيخ الجليل ميثم البحرانى ‌فى‌ شرح نهج البلاغه: الشرع ‌و‌ البرهان تطابقا على ‌ان‌ الافلاك تسعه بعضها فوق بعض فمنها سبع سماوات ثم الكرسى ‌و‌ العرش بعباره الناموس الالهى، قالوا: ‌و‌ هى اجسام كرويات متسعات مجوفات مركبه بعضها ‌فى‌ جوف بعض ‌و‌ اكثرها يشتمل على الكواكب ‌و‌ هى اجرام نورانيه مستديره مصمته مركوزه ‌فى‌ اجرام الافلاك، فاول الافلاك مما يلينا ليس فيه ‌من‌ الكواكب الا القمر، ‌و‌ يسمى فلك القمر.
 ‌و‌ السماء الدنيا ‌و‌ ‌هو‌ محيط بالهواء ‌من‌ جميع الجهات كاحاطه قشر البيضه ببياضها، ‌و‌ الارض ‌فى‌ جوف الهواء كمحه البيضه ‌فى‌ بياضها، ‌و‌ ‌من‌ وراء فلك القمر فلك عطارد ‌و‌ ليس فيه ‌من‌ الكواكب غيره، ‌و‌ ‌من‌ وراء فلك عطارد فلك الزهره ‌و‌ ليس فيه ‌من‌ الكواكب غيرها، ‌و‌ ‌من‌ وراء فلك الزهره فلك الشمس ‌و‌ ليس فيه غيرها، ‌و‌ ‌من‌ وراء فلك الشمس فلك المريخ ‌و‌ ليس فيه غيره، ‌و‌ ‌من‌ وراء فلك المريخ
 
فلك زحل ‌و‌ ليس فيه غيره، ‌و‌ هذه السبعه الكواكب يقال لها السياره ‌و‌ ‌من‌ وراء فلك زحل فلك الكواكب الثابته ‌و‌ ‌هو‌ يشتمل على ‌ما‌ سوى السبعه المذكوره ‌من‌ الكواكب ‌و‌ يسمى فلك البروج، ‌و‌ فلك الثوابت لكونه مكانا لها ‌و‌ لتسميتهم كواكبه بالثوابت اما لبطو حركتها فلا تحس، ‌و‌ اما لثبات اوضاع بعضها ‌من‌ بعض فانا نجد دائما وضعا معينا ثابتا بين النسر الطائر ‌و‌ النسر الواقع ‌و‌ يسمى ‌فى‌ الشرع بالكرسى، ‌و‌ ‌من‌ ورائه الفلك المحيط ‌لا‌ حاطته بجميع الافلاك ‌و‌ يسمى فلك الافلاك، ‌و‌ الفلك الاعظم ‌و‌ الفلك الاطلس لانه غير مكوكب اما لخلوه ‌من‌ الكواكب ‌او‌ لعدم ادراكنا لما فيه منها ‌ان‌ كان ‌و‌ ‌هو‌ المسمى بالعرش المجيد ‌فى‌ لسان الشرع، ‌و‌ هذا الفلك دائم الدوران كالدولاب يدور ‌من‌ المشرق الى المغرب فوق الارض ‌و‌ ‌من‌ المغرب الى المشرق تحت الارض ‌فى‌ كل يوم ‌و‌ ليله دوره واحده ‌و‌ يدير سائر الافلاك ‌و‌ الكواكب معه كما قال ‌عز‌ اسمه «و كل ‌فى‌ فلك يسبحون»، ‌و‌ سائر الافلاك يدور كل منها بحركته المختصه ‌به‌ ‌من‌ المغرب الى المشرق فوق الارض، ‌و‌ ‌من‌ المشرق الى المغرب تحت الارض بدليل ‌ان‌ الهلال يرى ‌فى‌ الليله الاولى ‌فى‌ مكان ‌و‌ ‌فى‌ الثانيه ينتقل الى مكان آخر اخذا الى جهه الشرق ‌و‌ هكذا الى آخر الشهر حتى يتم بفلكه الدوره ‌و‌ هى ‌ان‌ يعود الى النقطه التى كان عليها اولا فكان لكل فلك ‌من‌ الافلاك الثمانيه دورتان ذاتيه ‌و‌ هى التى ‌من‌ المغرب الى المشرق ‌و‌ قسريه ‌و‌ هى التى ‌من‌ المشرق الى المغرب ‌و‌ شبهوا ذلك بنمله على رحى، فالرحى تسعى الى جهه اليمين مثلا ‌و‌ النمله الى جهه اليسار فللنمله حركتان ذاتيه ‌و‌ قسريه ‌و‌ انما سميت هذه الحركه العظمى قسريه لانها تقسر الافلاك ‌و‌ تدور بها الى غير جهه حركتها الذاتيه عكسا، ‌و‌ هذه الحركه هى التى ترى بها الشمس كل يوم ‌فى‌ شروق ‌و‌ غروب ‌و‌ الا ففلكها ‌لا‌ يتم الدوره الا ‌فى‌ قريب ‌من‌ سنه كما تقدم.
 
اذا عرفت ذلك فالمراد بفلك التدبير ‌فى‌ عباره الدعاء فلك القمر الذى ‌هو‌ اول الافلاك مما يلينا ‌و‌ اقربها ‌من‌ عالم العناصر، ‌و‌ انما عبر عنه بفلك التدبير اما لتدبير بعض مصالح عالم الكون ‌و‌ الفساد ‌به‌ كما ذكره بعض المفسرين ‌فى‌ تفسير قوله تعالى: «فالمدبرات امرا»، ‌ان‌ المراد بها الافلاك يقع فيها امر الله فيجرى بها القضاء فتكون الاضافه فيه ‌من‌ باب اضافه الفاعل الى الفعل، ‌و‌ اما لان ملائكه سماء الدنيا يدبرون امر العالم السفلى فيه ‌او‌ ‌ان‌ كلا ‌من‌ السيارات السبع تدبر ‌فى‌ فلكها امرا هى مسخره له بامر خالقها ‌و‌ مبدعها كما ذكره جماعه ‌من‌ المفسرين ‌فى‌ قوله تعالى: «فالمدبرات امرا»، فالاضافه فيه ‌من‌ قبيل اضافه الظرف الى المظروف كقولهم: مجلس الحكم ‌و‌ دار القضاء ‌اى‌ الفلك الذى ‌هو‌ مكان التدبير ‌و‌ محله.
 قال الحكماء: ‌و‌ لما كان القمر ‌و‌ فلكه اقرب الكواكب ‌و‌ الافلاك الى العالم السفلى كان القمر ‌هو‌ متولى تدبير عالم الكون ‌و‌ الفساد، ‌و‌ ‌لا‌ يبعد ‌ان‌ يكون المراد بفلك التدبير الفلك الذى يدبره الفلك بنفسه نظرا الى ‌ما‌ ذهب اليه طائفه ‌من‌ ‌ان‌ كل فلك جسد لكوكبه ‌و‌ ‌هو‌ المدبر لجميع ‌ما‌ فيه بالمشيه الالهيه كما ‌ان‌ النفس تدبر الجسد.
 قال جدنا العلامه السيد غياث الدين منصور قدس سره العزيز: الذى يستفاد مما افاده القدماء ‌من‌ الحكماء ‌ان‌ كل فلك كلى شخص واحد فكل ‌من‌ الكليات التى للسيارات السبع شخص له قلب ‌هو‌ كوكبه، ‌و‌ اعضاء هى افلاكه الجزئيه، ‌و‌ بدن ‌هو‌ الفلك الكلى، ‌و‌ النفس الفلكيه تتعلق اولا بالقلب الذى ‌هو‌ الكوكب ثم بغيره ‌من‌ الاعضاء ‌و‌ هذا كالشخص الانسانى فان نفسه اولا تتعلق بروحه الحيوانى الذى ‌فى‌ القلب، ثم بسائر اعضائه ‌و‌ الاراده النفسيه ‌فى‌ الكوكب
 
فالنفس بالاراده الكوكبيه تحرك البدن ‌و‌ سائر الاعضاء على ‌ما‌ شاء ‌و‌ اراد كما ‌ان‌ كل انسان ‌و‌ حيوان يحرك بدنه ‌و‌ اعضاءه على ‌ما‌ اراد انتهى.
 ‌و‌ على هذا فاثبات التصرف للقمر ‌فى‌ الفلك ظاهر.
 ‌و‌ قال بعض المتاخرين: المراد بتصرفه ‌فى‌ فلك التدبير دورانه فيه شبه تدبيره تعالى بالفلك ‌و‌ عبر عن دوران القمر على وفق التدبير بتصرفه ‌فى‌ الفلك انتهى ‌و‌ ‌هو‌ كما تراه.
 
 تنبيه
 
 قال العلامه البهائى قدس الله سره: خطابه عليه السلام للقمر ‌و‌ نداوه له ‌و‌ وصفه اياه بالطاعه ‌و‌ الجد ‌و‌ التعب ‌و‌ التردد ‌فى‌ المنازل ‌و‌ التصرف ‌فى‌ الفلك ربما يعطى بظاهره كونه ذا حياه ‌و‌ ادراك ‌و‌ ‌لا‌ استبعاد ‌فى‌ ذلك نظرا الى قدره الله تعالى الا انه لم يثبت بدليل عقلى قاطع يشفى العليل، ‌او‌ نقلى ساطع ‌لا‌ يقبل التاويل، نعم امثال هذه الظواهر ربما اشعر به، ‌و‌ قد يستند ‌فى‌ ذلك بظاهر قوله تعالى: «و الشمس ‌و‌ القمر كل ‌فى‌ فلك يسبحون»، فان الواو ‌و‌ النون ‌لا‌ يستعمل حقيقه لغير العقلاء، ‌و‌ قد اطبق الطبيعيون على ‌ان‌ الافلاك باجمعها حيه ناطقه عاشقه مطيعه لمبدعها ‌و‌ خالقها ‌و‌ اكثرهم على ‌ان‌ غرضها ‌من‌ حركاتها نيل التشبه بجنابه ‌و‌ التقرب اليه ‌جل‌ شانه، ‌و‌ بعضهم على ‌ان‌ حركاتها لورود الشوارق القدسيه عليها آنا فانا، فهى ‌من‌ قبيل هزه الطرب ‌و‌ الرقص الحاصل ‌من‌ شده السرور ‌و‌ الفرح، ‌و‌ ذهب جم غفير منهم الى انه ‌لا‌ ميت ‌فى‌ شى ء ‌من‌ الكواكب ايضا حتى اثبتوا لكل واحد منها نفسا على حده تحركه حركه مستديره على نفسه ‌و‌ ابن سينا مال ‌فى‌ الشفاء الى هذا القول، ‌و‌ رجحه ‌و‌ حكم ‌به‌ ‌فى‌ النمط السادس ‌من‌ الاشارات، ‌و‌ لو قال: ‌به‌ قائل لم يكن مجازفا، ‌و‌ كلام
 
ابن سينا ‌و‌ امثاله ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن حجه يركن اليها الديانيون ‌فى‌ امثال هذه المطالب الا انه يصلح للتاييد ‌و‌ لم يرد ‌فى‌ الشريعه المطهره على الصادع بها ‌و‌ آله افضل الصلوات ‌و‌ اكمل التسليمات ‌ما‌ ينافى ذلك القول، ‌و‌ ‌لا‌ قام دليل عقلى على بطلانه ‌و‌ اذا جاز ‌ان‌ يكون لمثل البعوضه ‌و‌ النمله فمادونهما حياه فاى مانع ‌من‌ ‌ان‌ يكون لتلك الاجرام الشريفه ايضا حياه.
 ‌و‌ قد ذهب جماعه الى ‌ان‌ لجميع الاشياء نفوسا مجرده ‌و‌ نطقا ‌و‌ جعلوا قوله تعالى: «و ‌ان‌ ‌من‌ شى ء الا يسبح بحمده» محمولا على ظاهره، ‌و‌ ليس غرضنا ‌من‌ هذا الكلام ترجيح القول بحياه الافلاك بل كسر سوره استبعاد المصرين على انكاره ‌و‌ رده ‌و‌ تسكين صوله المشنعين على ‌من‌ قال ‌به‌ ‌او‌ جوزه ‌و‌ الله الهادى انتهى كلامه رفع مقامه.
 ‌و‌ قد يتعقب ذلك بما ذكره السيد المرتضى علم الهدى «قدس سره» ‌فى‌ بعض مسائله ‌و‌ نصه: اقوى شى ء ‌فى‌ نفى كون الفلك ‌و‌ ‌ما‌ فيه ‌من‌ شمس ‌و‌ قمر ‌و‌ كواكب احياء السمع ‌و‌ الاجماع، فانه لاخلاف بين المسلمين ‌فى‌ ارتفاع الحياه عن الفلك ‌و‌ ‌ما‌ يشتمل عليه ‌من‌ الكواكب، ‌و‌ انها مسخره مدبره مصرفه، ‌و‌ ذلك معلوم ‌من‌ دين رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم ضروره انتهى.
 ‌و‌ ذكر نحو ذلك ‌فى‌ ملحقات الغرر ‌و‌ الدر ايضا، ‌و‌ للبحث ‌فى‌ دعوى الاجماع ‌و‌ العلم بذلك ‌من‌ الشريعه ضروره مجال، ‌و‌ على القول بذلك: فخطاب القمر ‌و‌ نداوه ‌و‌ وصفه بما ذكر تنزيل له منزله العالم لاعتبار مناسب ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ كلام البلغاء غير قليل ‌و‌ الله اعلم.
 
المراد بالايمان هنا: اذعان النفس على سبيل التصديق، ‌و‌ ‌هو‌ معناه اللغوى، ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذكر الاختلاف ‌فى‌ حقيقه الايمان ‌و‌ تحقيق الحق فيه فيما سبق.
 ‌و‌ النور: كيفيه تدركها الباصره اولا ‌و‌ بواسطتها سائر المبصرات، فهو عرض قائم بالجسم ‌و‌ يرادفها الضوء لغه ‌و‌ فرق بينهما الحكماء بان تلك الكيفيه ‌ان‌ كانت للشى ء ‌من‌ ذاته فهى الضوء كما للشمس، ‌و‌ ‌ان‌ كانت له ‌من‌ غيره فهى النور كما للقمر ‌و‌ عليه جرى قوله تعالى: «جعل الشمس ضياءا ‌و‌ القمر نورا».
 ‌و‌ الظلم: جمع ظلمه ‌و‌ هى عدم الضوء عما ‌من‌ شانه ‌ان‌ يكون مضيئا، فالتقابل بين النور ‌و‌ الظلمه تقابل العدم ‌و‌ الملكه، ‌و‌ منهم ‌من‌ زعم ‌ان‌ الضوء اجسام شفافه منفصله عن المضى متصله بالمستضى، ‌و‌ زعم بعضهم ‌ان‌ الظلمه كيفيه وجوديه مانعه ‌من‌ الابصار، ‌و‌ الاول اصح ‌و‌ ‌هو‌ الذى عليه الجمهور.
 ‌و‌ «الباء» ‌من‌ قوله: «نور بك الظلم» للسببيه ‌او‌ للاله ‌و‌ معنى تنوير الظلم ‌به‌ على قول الجمهور ‌من‌ كون النور عرضا جعلها متصفه بالنور كما تقول بيضت الشى ء ‌و‌ سودته ‌اى‌ صيرته متصفا بالبياض ‌و‌ السواد، ‌و‌ على القول بانه جسم جعلها ذات نور كما تقول لبنته ‌و‌ تمرته ‌اى‌ صيرته ذالبن، ‌و‌ تمر، ‌و‌ على القول بان الظلمه كيفيه وجوديه اعدام الظلم ‌و‌ احداث الضوء ‌فى‌ محالها، ثم المراد بالظلم المنوره على القولين الاولين اما الاهويه المظلمه بناء على ‌ما‌ ‌هو‌ الحق ‌من‌ تكيف الهواء بالنور ‌و‌ استضاءته به، ‌و‌ اما الاجسام المظلمه سوى الهواء ‌لا‌ حقيقه الظلم التى هى عدم النور فان العدم ‌لا‌ يتصف بالنور.
 
و اللام ‌فى‌ الظلم: للاستغراق العرفى، ‌اى‌ الظلم المتعارف، ‌و‌ تنويرها بالقمر نحو جمع الامير الصاغه ‌اى‌ صاغه بلده ‌او‌ مملكته، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ تكون للعهد الخارجى.
 ‌و‌ اليهم: جمع بهمه بالضم كظلمه ‌و‌ ظلم، ‌و‌ هى ‌ما‌ يصعب اداركه على الحاسه ‌ان‌ كان محسوسا ‌و‌ على الفهم ‌ان‌ كان معقولا.
 ‌و‌ الايه: العلامه الظاهره.
 ‌و‌ ملكه ‌و‌ سلطانه تعالى: عباره عن استيلائه القاهر ‌و‌ غلبته التامه، ‌و‌ قدرته على التصرف الكلى ‌فى‌ الامور العامه بالامر ‌و‌ النهى، ‌و‌ التنكير ‌فى‌ آيه ‌و‌ علامه اما للتعظيم ‌او‌ للنوعيه كما قالوه ‌فى‌ قوله تعالى: «و على ابصارهم غشاوه»، ‌و‌ احتمال التحقير ينبو عنه المقام ‌و‌ يتجافى عنه مساق الكلام.
 ‌و‌ الامتهان: افتعال ‌من‌ المهن، يقال: مهن مهنا ‌من‌ بابى- قتل- و- نفع-: خدم غيره فهو ماهن، ‌و‌ المهنه بالفتح اخص ‌من‌ المهن مثل الضربه ‌و‌ الضرب، ‌و‌ قيل: ‌و‌ المهنه بالكسر لغه، ‌و‌ انكرها الاصمعى ‌و‌ قال: الكلام الفتح، ‌و‌ امتهنته امتهانا استخدمته ‌و‌ امتهنته ايضا ابتذلته ‌اى‌ استعملته ‌فى‌ الخدمه.
 ‌و‌ المراد بالزياده ‌و‌ النقصان: زياده نور القمر ‌و‌ نقصانه بحسب ‌ما‌ يظهر للحس ‌من‌ المستنير بنور الشمس ‌من‌ جرمه ‌فى‌ الاشكال الهلاليه ‌و‌ البدريه ‌لا‌ ‌ان‌ الزياده ‌و‌ النقصان حاصلان له ‌فى‌ الواقع ‌و‌ بحسب نفس الامر لان الازيد ‌من‌ نصفه منير دائما كما بين ‌فى‌ محله.
 قال شيخنا البهائى: ‌و‌ ربما تراءى لبعض الافهام ‌من‌ ظاهر قوله عليه السلام: «و امتهنك بالزياده ‌و‌ النقصان»، ‌ان‌ زياده نور القمر ‌و‌ نقصانه المحسوسين واقعان بحسب الحقيقه ‌و‌ حاصلان ‌فى‌ نفس الامر كما ‌هو‌ معتقد كثير ‌من‌ الناس، ‌و‌ هذا ‌و‌ ‌ان‌ كان ممكنا نظرا الى قدره الله تعالى على ‌ان‌ يحدث ‌فى‌ جرمه اول الشهر شيئا يسيرا
 
من النور ‌و‌ يزيده على التدريج الى ‌ان‌ يصير بدرا ثم يسليه عنه شيئا فشيئا الى المحاق الا ‌ان‌ حمل كلامه عليه السلام على ‌ما‌ ‌هو‌ المتفق عليه بين اساطين علماء الهيئه الذين اقتبسوا هذا العلم ‌من‌ اصحاب الوحى سلام الله عليهم كشيث ‌و‌ ادريس عليهماالسلام اليق ‌و‌ اولى انتهى ملخصا.
 
 ايضاح
 
 قال علماء الهيئه: القمر جرم كروى مظلم ‌فى‌ نفسه كثيف صقيل كالمرآه يقبل الضوء لكثافته ‌و‌ ينعكس عنه لصقالته، فنوره مستفاد ‌من‌ الشمس بمحاذاته لها كالمرآه المصقوله اذا حاذتها الشمس، ‌و‌ لما كانت الشمس اعظم منه كما بين ‌فى‌ مقادير الاجرام ‌من‌ ‌ان‌ الشمس سته آلاف ‌و‌ ستمائه ‌و‌ اربعه ‌و‌ اربعون مثلا للقمر ‌و‌ نصف بالتقريب كان الاكثر ‌من‌ نصفه مستنيرا بضوئها دائما، ‌و‌ الاقل ‌من‌ نصفه مظلما دائما لما بينه صاحب كتاب جرمى النيرين ‌من‌ انه اذا قيل: الضوء كره صغرى ‌من‌ كره عظمى كان المضى ء منها اعظم ‌من‌ نصفها فاذا سامت القمر الشمس ‌و‌ قارنها كان نصفه المستنير بضيائها مقابلا لها ‌و‌ نصفه المظلم مما يلينا فلا نرى نوره، ‌و‌ هذه الحاله تسمى بالمحاق، فاذا بعد عنها بقدر مسيره اليومى ‌و‌ ‌هو‌ اثنتا عشره درجه ‌او‌ اقل ‌او‌ اكثر بحسب اختلاف اوضاع المساكن كما ذكره اصحاب الزيجات ترى ‌من‌ وجهه المستنير هلالا ‌و‌ يزداد نوره كل يوم الى ‌ان‌ يحصل ‌فى‌ المقابله فنراه تام النور ‌و‌ يسمى حينئذ بدرا، ‌و‌ اذا انصرف عن المقابله انتقص نوره على تلك النسبه الى ‌ان‌ يعود المحاق عند الاجتماع، ‌و‌ بيان ذلك باكثر ‌من‌ هذا يوخذ ‌من‌ محله.
 
تنبيه
 
 ‌لا‌ يقال يرد على عباره الدعاء ‌ان‌ الامتهان للقمر انما يكون بحصول نقصان نوره ‌و‌ اما حصول زياده النور فلا امتهان به، الا ترى ‌ان‌ الطبيعيين قالوا: ‌ان‌ القمر اذا كسته الشمس ضوءها ‌و‌ جعلته شبيها لها ‌فى‌ الضوء ‌و‌ التمام كان كالرجل الذى يرفعه الملك ‌و‌ يشرفه ‌و‌ يعلى قدره ‌و‌ منزلته ‌و‌ اذا ارتجعت منه ضوءها ‌و‌ اعادته الى حاله ‌من‌ الكموده ‌و‌ الظلمه كان كالوزير العظيم القدر يحط عن شرفه ‌و‌ رئاسته ‌و‌ يصير الى الذل ‌و‌ الهوان، فالامتهان انما ‌هو‌ بالنقصان ‌لا‌ بالزياده.
 لانا نقول: الامتهان يكون بمجموع الزياده ‌و‌ النقصان باعتبار تغييره ‌من‌ حال الى حال، ‌و‌ عدم بقائه على شكل واحد على ‌ان‌ تسخيره لان يتحرك على النهج الخاص الذى ‌لا‌ يزيد ‌به‌ المنير منه ‌فى‌ كل ليله الا شيئا يسيرا ‌لا‌ يستطيع ‌ان‌ يتخطاه ‌و‌ ‌لا‌ يقدر على ‌ان‌ يتعداه امتهانا له.
 قيل: ‌و‌ يمكن ‌ان‌ يكون المراد بالزياده ‌و‌ النقصان: تفاوت اجزائه ‌فى‌ النور ‌و‌ ‌هو‌ بعيد.
 ‌و‌ طلوع الكوكب: ظهوره فوق الافق ‌من‌ تحت شعاع الشمس ‌و‌ افوله: غروبه تحته.
 ‌و‌ كسفت الشمس ‌من‌ باب- ضرب- كسوفا ‌و‌ كذلك القمر قاله ابن فارس ‌و‌ الازهرى، ‌و‌ قال ابن القوطيه ايضا كسف القمر ‌و‌ الشمس ‌و‌ الوجه: تغيرت.
 ‌و‌ قال تغلب: اجود الكلام خسف القمر، ‌و‌ كسفت الشمس.
 ‌و‌ قال بعضهم: اذا ذهب بعض النور فهو الكسوف ‌و‌ اذا ذهب كله فهو الخسوف.
 
و قال النووى ‌فى‌ تهذيب اللغات: يقال: خسف القمر ‌و‌ خسفت الشمس، ‌و‌ كسف ‌و‌ كسفت ‌و‌ انخسف ‌و‌ انخسفت ‌و‌ انكسف ‌و‌ انكسفت ‌و‌ خسفا ‌و‌ كسفا كلها لغات صحيحه انتهى.
 قال ‌فى‌ الحديقه الهلاليه: فان صح ‌ما‌ قيل: ‌ان‌ الاحسن خسف القمر ‌و‌ كسفت الشمس فلعله عليه السلام اراد بالكسوف زوال الضوء المشترك بين الشمس ‌و‌ القمر ‌لا‌ المختص بالقمر ‌و‌ ‌هو‌ الخسوف ليكون خلاف الاحسن انما ‌هو‌ اطلاق الكسوف على الخسوف لاعلى الامر الشامل له ‌و‌ لغيره، ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ امتهان القمر حاصل بسبب كسف الشمس ايضا فانه ‌هو‌ الساتر لها، ‌و‌ لما كان شمول الكسوف للخسوف اشهر ‌من‌ العكس اختاره عليه السلام انتهى. ‌و‌ فيه نظر يظهر مما سنذكره ‌فى‌ التنبيه الاتى.
 
 ايضاح
 
 قال علماء الهيئه: خسوف القمر ‌و‌ كسوفه ‌هو‌ عدم انارته ‌ما‌ يلينا ‌من‌ كره البخار ‌فى‌ الوقت الذى ‌من‌ شانه ‌ان‌ يضى فيه لوقوعه ‌فى‌ ظل الارض لمقاطرتها النيرين اعنى كونها معهما ‌فى‌ قطر واحد ‌من‌ اقطار العالم تحقيقا ‌او‌ تقريبا ‌و‌ كونها جسما كثيفا حاجبا لنور الشمس، ‌و‌ لهذا ‌لا‌ يقع عليه ‌او‌ على بعضه حينئذ شى ء ‌من‌ شعاعها وقوعا اوليا فيظلم لكونه غير مضى ‌من‌ ذاته كما تقدم ‌و‌ ‌هو‌ خسوفه ‌و‌ كسوفه، ‌و‌ اما كسوف الشمس فهو عدم اضاءتها ‌ما‌ يلينا ‌من‌ كره البخار ‌فى‌ الوقت الذى ‌من‌ شانها ‌ان‌ تضى فيه لتوسط القمر بينها ‌و‌ بين البصر اعنى وقوعه على الخط الخارج ‌من‌ البصر اليها ‌و‌ حجب نورها عن الابصار لكثافته ‌و‌ قطعه السموت المستقيمه التى بين البصر ‌و‌ الشمس ‌و‌ ‌هو‌ كسوفها، هذا مجمل ‌ما‌ قالوه ‌و‌ تفصيله يوخذ ‌من‌ مظانه.
 
تنبيه
 
 وجه امتهان القمر بالاناره ‌ما‌ ذكرناه ‌فى‌ توجيه امتهانه بزياده النور.
 ‌و‌ قال العلامه البهائى «قدس سره»: ‌و‌ يمكن ‌ان‌ يوجه امتهانه بالاناره بوجه آخر ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يراد بها اعطاوه النور للغير كوجه الارض مثلا ‌لا‌ اتصافه ‌هو‌ بالنور، فان الاناره ‌و‌ الاضاءه كما جاء ‌فى‌ اللغه لازمين فقد جاءا متعديين ‌و‌ حينئذ ينبغى ‌ان‌ يراد بالكسوف كسفه للشمس لتتم المقابله ‌و‌ يصير المعنى امتهنك بان تفيض النور على الغير تاره ‌و‌ تسلبه عنه اخرى انتهى.
 قلت: ‌فى‌ قوله ينبغى ‌ان‌ يراد بالكسوف كسفه للشمس نظر فان كسف ‌و‌ ‌ان‌ ورد متعديا كما ورد لازما الا ‌ان‌ الكسوف مصدر اللازم ‌لا‌ المتعدى ‌و‌ مصدر المتعدى انما ‌هو‌ الكسف ‌لا‌ الكسوف كما نص عليه الفيومى ‌فى‌ المصباح حيث قال: كسفت الشمس ‌من‌ باب- ضرب- كسوفا ‌و‌ كذلك القمر، ‌و‌ كسفها الله كسفا ‌من‌ باب- ضرب- ايضا، ‌و‌ المصدر فارق. فجعل الكسوف على هذا مصدرا متعديا غير صحيح فينبغى ‌ان‌ يراد بالاناره اتصافه بالنور، ‌لا‌ انارته غيره لتتم المقابله فلا پتجه الوجه الذى ذكره فيتعين التوجيه الاول فقط ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «فى كل ذلك انت له مطيع ‌و‌ الى ارادته سريع»: تقرير لانقياده ‌و‌ طاعته للمشيئه ‌و‌ الاراده الالهيه، ‌و‌ ايثار الجمله الاسميه للاشعار بدوام الطاعه ‌و‌ استمرار سرعه الانقياد ‌و‌ تقديم الظرف ‌فى‌ الفقرتين للاهتمام ‌و‌ رعايه التقفيه.
 
سبحان: قيل اسم مصدر كعثمان، ‌و‌ قيل: مصدر كغفران بمعنى التنزيه، ‌و‌ قد استوفينا الكلام عليه ‌فى‌ الروضه الثالثه.
 قال بعض الاعلام: التنزيه المستفاد ‌من‌ سبحان الله ثلاثه انواع:
 
تنزيه الذات عن نقص الامكان الذى ‌هو‌ منبع السوء، ‌و‌ تنزيه الصفات عن وصمه الحدوث بل عن كونها مغايره للذات المقدسه ‌و‌ زائده عليها، ‌و‌ تنزيه الافعال عن القبح ‌و‌ العبث ‌و‌ كونها جالبه اليه نفعا ‌او‌ دافعه عنه ضرا كافعال العباد انتهى.
 ‌و‌ القصد ‌به‌ هنا: التعجب، ‌من‌ عجب صنعه تعالى ‌و‌ افادته التعجب مر بيانه ‌فى‌ الروضه الثالثه عشره.
 ‌و‌ ‌ما‌ اعجب: صيغه تعجب ‌و‌ قد اجمعوا على ‌ان‌ ‌ما‌ فيها اسم لان ‌فى‌ اعجب ضميرا يعود عليها، ‌و‌ الضمير ‌لا‌ يعود الا على الاسماء ‌و‌ على انها مبتدا لانها مجرده عن العوامل اللفظيه للاسناد اليها، ‌و‌ ‌ما‌ روى عن الكسائى ‌من‌ انها ‌لا‌ موضع لها ‌من‌ الاعراب، فشاذ ‌لا‌ يقدح ‌فى‌ الاجماع، ثم قال سيبويه ‌و‌ جمهور البصريين: هى نكره تامه بمعنى شى ء ‌و‌ ابتدء بها لتضمنها معنى التعجب ‌و‌ ‌ما‌ بعدها خبر فموضعه رفع.
 ‌و‌ قال الاخفش: هى معرفه ناقصه بمعنى الذى ‌و‌ ‌ما‌ بعدها صله لها فلا محل له، ‌او‌ نكره ناقصه بمعنى شى ء ‌و‌ ‌ما‌ بعدها صفه لها فمحله رفع ‌و‌ عليهما فالخبر محذوف وجوبا ‌اى‌ الذى ‌او‌ شى ء صير.
 «ما دبر ‌فى‌ امرك»، عجبا شى ء عظيم، ورد بان فيه التزام حذف الخبر دون
 
شى ء يسد مسده ‌و‌ ‌لا‌ نظير له.
 ‌و‌ قال الفراء ‌و‌ ابن السراج ‌و‌ ابن درستويه: ما: استفهاميه ‌و‌ ‌ما‌ بعدها الخبر ‌و‌ نقله ابن مالك ‌فى‌ شرح التسهيل عن الكوفيين ‌و‌ ‌هو‌ موافق لقولهم باسميه افعل فان الاستفهام المشوب بالتعجب لايليه الا الاسماء نحو «ما اصحاب اليمين» ‌و‌ اما افعل فقال البصريون ‌و‌ الكسائى ‌و‌ هشام ‌هو‌ فعل للزومه مع ياء المتكلم نون الوقايه نحو ‌ما‌ افقرنى الى رحمه الله ففتحته بناء كالفتحه ‌فى‌ زيد ضرب عمرا، ‌و‌ ‌ما‌ بعده مفعول به، ‌و‌ قال سائر الكوفيين: ‌هو‌ اسم لقول العرب: ‌ما‌ احسينه ‌و‌ ‌ما‌ اميلحه، ‌و‌ التصغير ‌من‌ خصائص الاسماء ‌و‌ اجيب بانه شاذ، ‌و‌ على القول بالاسميه ففتحته اعراب كالفتحه ‌فى‌ زيد عندك ‌و‌ ذلك لان مخالفه الخبر للمبتدا مقتض عندهم نصبه ‌و‌ افعل انما ‌هو‌ ‌فى‌ المعنى وصف للمتعجب منه ‌لا‌ لضمير ما، ‌و‌ المتعجب منه عندهم مشبه بالمفعول ‌به‌ ‌و‌ لان ناصبه وصف قاصر فاشبه قولك زيد حسن الوجه بالنصب.
 ‌و‌ ‌ما‌ ‌من‌ قوله «ما دبر» موصوله العائد محذوف ‌و‌ التقدير ‌ما‌ دبره ‌فى‌ امرك، ‌و‌ دبرت الامر تدبيرا: فعلته عن فكره ‌و‌ رويه ‌و‌ ‌هو‌ هنا مستعار لتقديره سبحانه على حسب ارادته لتنزهه تعالى عن الفكره ‌و‌ الرويه.
 قال العلامه الطبرسى ‌فى‌ قوله تعالى: «يدبر الامر ‌من‌ السماء الى الارض»، ‌اى‌ يدبر الامور كلها ‌و‌ يقدرها على حسب ارادته فيما بين السماء ‌و‌ الارض.
 ‌و‌ اللطف هنا: عباره عن دقه ‌ما‌ ‌فى‌ شانه ‌من‌ المصالح ‌و‌ الحكم التى ‌لا‌ تدركها العقول ‌و‌ الافهام.
 ‌و‌ الامر ‌و‌ الشان مترادفان ‌و‌ قد يراد بالامر الابداع.
 قال الراغب: الامر لفظ عام للافعال ‌و‌ الاقوال كلها، ‌و‌ على ذلك قوله تعالى:
 
«اليه يرجع الامر كله» ‌و‌ يقال: للابداع امر، نحو: (الا له الخلق ‌و‌ الامر)، ‌و‌ على ذلك حمل الحكماء قوله تعالى: «قل الروح ‌من‌ امر ربى» ‌اى‌ ‌هو‌ ‌من‌ ابداعه ‌و‌ يختص ذلك بالله دون الخلائق انتهى.
 ‌و‌ حمله على هذا المعنى هنا صحيح فيكون ‌من‌ باب الاضافه الى المفعول.
 قوله عليه السلام: «جعلك مفتاح شهر حادث» فصل الجمله عما قبلها للاختلاف انشاء ‌و‌ خبرا مع كون السابقه ‌لا‌ محل لها ‌من‌ الاعراب.
 ‌و‌ الشهر: العدد المعروف ‌من‌ الايام ‌ما‌ بين الهلالين قيل: ‌هو‌ معرب، ‌و‌ قيل: عربى ماخوذ ‌من‌ الشهره ‌و‌ هى الظهور ‌و‌ الانتشار، ‌و‌ قيل: الشهر: الهلال، ‌و‌ قيل: القمر، سمى ‌به‌ لشهرته ‌و‌ وضوحه، ثم سميت الايام ‌به‌ ‌و‌ جمعه شهور ‌و‌ اشهر، شبه الشهر بالبيت المقفل ثم طوى ذكر المشبه ‌به‌ على طريق الاستعاره بالكنايه، ‌و‌ اثبت له المفتاح على طريق الاستعاره التخييليه، ‌و‌ ‌فى‌ تشبيه الهلال بالمفتاح ‌من‌ اللطف ‌ما‌ ‌لا‌ يخفى.
 ‌و‌ حدث الشى ء حدوثا ‌من‌ باب- قعد- تجدد وجوده فهو حادث.
 ‌و‌ «اللام» ‌من‌ قوله: «لامر حادث» تعليليه متعلقه بحادث السابق ‌اى‌ ‌ان‌ حدوث ذلك الشهر لاجل امضاء امر حادث متجدد ‌و‌ يجوز تعلقها بجعل ‌و‌ تنكير امر للابهام ‌و‌ عدم التعيين ‌اى‌ امر منهم علينا حاله ‌لا‌ نعلمه.
 
و «الفاء» ‌فى‌ «فاسال الله» للدلاله على ترتب السوال على ‌ما‌ قبلها، ‌اى‌ بسبب كون ذلك الامر الحادث مبهما «اسال الله ‌ان‌ يجعلك هلال بركه ‌و‌ امن ‌و‌ سلامه» ‌و‌ نحو ذلك ‌و‌ ‌لا‌ مانع ‌من‌ جعلها فصيحه، ‌اى‌ اذا كان الامر كذلك فسال الله ‌و‌ وضع الاسم الجليل موضع الضمير لتعيين المبدع المسخر له بالذات اثر تعيينه بالصفات ‌و‌ للاشعار بتعليل الحكم فان سوال جعله هلال بركه ‌و‌ طهاره ‌و‌ امن
 
و سلامه الى غير ذلك ‌من‌ قضيه الالوهيه ‌و‌ لاراده الوصف بما بعده اذ المضمر ‌لا‌ يوصف خلافا للكسائى ‌و‌ اضافه الرب الى ياء المتكلم حقيقيه ‌من‌ قبيل كريم البلد لانتفاء عامل النصب لانه صفه مشبهه ‌و‌ هى ‌لا‌ تشتق الا ‌من‌ لازم ‌او‌ ‌من‌ متعد بعد نقله اليه فلا اشكال ‌فى‌ وصف المعرفه به.
 ‌و‌ اما خالق فبمعنى الماضى فليست اضافته لفظيه غير موجبه تعرفه ليشكل وصف المعرفه ‌به‌ ‌و‌ تسميتهم المضاف اليه حينئذ مفعولا انما ‌هو‌ ‌من‌ حيث المعنى لامن حيث الاعراب حتى يلزم كون الاضافه لفظيه، الا ترى انك تقول ‌فى‌ ضارب عبده امس انه مضاف الى المفعول على معنى انه كذلك معنى ‌لا‌ انه منصوب محلا.
 ‌و‌ البركه: الزياده، ‌و‌ النماء ‌فى‌ الخير.
 ‌و‌ محقه محقا ‌من‌ باب- نفع- نقصه ‌و‌ اذهب منه البركه، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ذهاب الشى ء كله حتى ‌لا‌ يرى له اثر ‌و‌ منه: «يمحق الله الربا» ‌و‌ انمحق الهلال لثلاث ليال ‌من‌ آخر الشهر ‌لا‌ يكاد يرى لخفائه، ‌و‌ الاسم المحاق بالضم ‌و‌ الكسر لغه.
 ‌و‌ الطهاره: النقاء ‌و‌ النزاهه ‌من‌ الدنس ‌و‌ النجس ‌و‌ يندرج فيها هنا نزاهه الجوارح عن الافعال المستقبحه ‌و‌ اللسان عن الاقوال المستهجنه ‌و‌ النفس عن الاخلاق ‌و‌ الادناس الجسمانيه ‌و‌ الغواشى الظلمانيه بل النزاهه عن كل ‌ما‌ يشغل عن الاقبال على الحق كائنا ‌ما‌ كان فان كل ذلك مما يعد دنسا عند اهل الله تعالى.
 ‌و‌ الدنس: الوسخ، ‌و‌ تدنيس الاثام للطهاره القلبيه ظاهر فان كل معصيه يرتكبها فاعلها يحصل منها ظلمه ‌فى‌ القلب كما يحصل ‌من‌ نفس المتنفس ‌فى‌ المراه ظلمه فيها فاذا تراكمت ظلمات الاثام على القلب صارت رينا ‌و‌ طبعا فيه كما تصير الانفاس ‌و‌ الابخره المتراكمه على جرم المراه صدءا فيه، ‌و‌ اسناد المحق الى الايام ‌و‌ التدنيس الى الاثام مجاز عقلى، ‌و‌ الملابسه ‌فى‌ الاول زمانيه ‌و‌ ‌فى‌ الثانى سببيه.
 
و الامن: طمانينه النفس ‌و‌ زوال الخوف ‌من‌ لقاء مكروه.
 ‌و‌ سعد يسعده ‌من‌ باب- تعب- سعدا خلاف شقى ‌و‌ الاسم منه السعاده.
 قال الراغب: ‌و‌ هى معاونه الامور الالهيه للانسان على نيل الخير ‌و‌ تضاده الشقاوه.
 ‌و‌ النحس ‌ضد‌ السعد ايضا.
 ‌و‌ اليمن: البركه ‌و‌ حصول الخير.
 ‌و‌ النكد: تعسر المطلوب ‌و‌ شده العيش.
 ‌و‌ اليسر بضمتين ‌و‌ بسكون السين: السهوله، يقال يسر الامر يسرا ‌من‌ باب- تعب- ‌و‌ يسر يسرا ‌من‌ باب- قرب- ‌اى‌ سهل فهو يسير ‌و‌ يضاده العسر، ‌و‌ قيل ‌فى‌ قوله تعالى: «فان مع العسر يسرا» ‌اى‌ مع الفقر غنى ‌و‌ قيل: مع الشده رخاء.
 ‌و‌ شابه شوبا ‌من‌ باب- قال-: خلطه مثل شوب اللبن بالماء.
 ‌و‌ النعمه: ‌ما‌ قصد ‌به‌ الافضال ‌و‌ النفع، ‌و‌ قد تفسر بالحاله الحسنه ‌و‌ حملها على كل ‌من‌ المعنيين هنا صحيح.
 ‌و‌ الاحسان يقال: على وجهين، احدهما الانعام على الغير، يقال: احسن الى فلان: ‌اى‌ انعم عليه.
 ‌و‌ الثانى: احسان ‌فى‌ فعله ‌و‌ ذلك اذا علم علما حسنا ‌او‌ عمل عملا حسنا، ‌و‌ منه قوله عليه السلام: الاحسان ‌ان‌ تعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك ‌و‌ اراده هذا المعنى هنا احسن ‌من‌ الاول، ‌و‌ ‌هو‌ المعنى المتداول على السنه اصحاب القلوب، ‌و‌ ينبغى حينئذ ‌ان‌ يراد بالايمان ‌و‌ الاسلام ‌فى‌ قوله عليه السلام: «هلال امن ‌و‌ ايمان ‌و‌ سلامه ‌و‌ اسلام» المرتبتان المعروفتان بعين اليقين ‌و‌ ‌حق‌ اليقين على مامر
 
شرحه ‌فى‌ الرياض السابقه، ‌و‌ قد طلب عليه السلام الامن مرتين، مره مقيدا بكونه ‌من‌ الافات ‌و‌ مره مطلقا، ‌و‌ كذلك طلب السلامه مره مقيده بكونها ‌من‌ السيئات ‌و‌ اخرى مطلقه.
 قال العلامه البهائى: يمكن ‌ان‌ يراد بالسلامه المطلقه سلامه القلب عن التعلق بغير الحق تعالى، ‌و‌ اما الامن المطلق فلعل المراد ‌به‌ طمانينه النفس بحصول راحه الانس ‌و‌ سكينه الوثوق، فان السالك مادام ‌فى‌ سيره الى الحق يكون مضطربا خائفا لخوف العاقبه ‌و‌ ‌ما‌ يعرض ‌فى‌ اثناء السير ‌من‌ العوارض العائقه عن الوصول فاذا هب نسيم العنايه الازليه ‌و‌ ارتفعت الحجب الحائله للطمانيه، ‌و‌ اندكت جبال التعينات الرسميه تنور القلب بنور العيان، ‌و‌ حصلت الراحه ‌و‌ الاطمئنان، ‌و‌ زال الخوف ‌و‌ ظهرت تباشير الامن ‌و‌ الامان، ‌و‌ هذان المقامان اللذان هما مقاما الامن ‌و‌ السلامه ‌من‌ مقامات اصحاب النهايات لامن احوال ارباب البدايات. ‌و‌ لعل السعد الذى ‌لا‌ نحس فيه، ‌و‌ اليمن الذى ‌لا‌ نكد معه، ‌و‌ اليسر الذى ‌لا‌ يمازجه عسر، ‌و‌ الخير الذى ‌لا‌ يشوبه شر، ‌من‌ لوازم هذين المقامين انتهى ملخصا ‌و‌ ‌فى‌ المقام مسائل. ذكرها العلامه المذكور ‌فى‌ الحديقه الهلاليه ‌لا‌ باس بايرادها هنا:
 الاولى: ‌ان‌ خطابه عليه السلام ‌فى‌ الدعاء بعضه متوجه الى الهلال، ‌و‌ مختص ‌به‌ كقوله عليه السلام: «جعلك مفتاح شهر حادث، ‌و‌ ‌ان‌ يجعلك هلال بركه ‌و‌ هلال امن ‌و‌ هلال سعد»، ‌و‌ بعضه موجه الى جرم القمر كقوله عليه السلام: «و امتهنك بالزياده ‌و‌ النقصان ‌و‌ الاناره ‌و‌ الكسوف» فان الهلال ‌و‌ ‌ان‌ حصل له الزياده لكن ‌لا‌ يحصل له النقصان. ‌و‌ الكسوف ‌لا‌ يكون للهلال، ‌و‌ قوله: «المتردد ‌فى‌ منازل التقدير» ‌و‌ يمكن ‌ان‌ يكون متوجها الى جرم القمر ايضا ‌لا‌ الهلال لان الجمع المضاف يفيد العموم، ‌و‌ الهلال ‌و‌ ‌ان‌ كان يقطعها باجمعها ايضا الا ‌ان‌ الظاهر ‌ان‌ مراده
 
عليه السلام قطعه لها ‌فى‌ كل شهر، ثم ‌لا‌ استبعاد ‌فى‌ ‌ان‌ يكون بعض تلك الفقر مقصودا بها بعض الجرم اعنى الهلال ‌و‌ بعضها مقصودا بها كله ‌و‌ ‌لا‌ مانع ‌من‌ جعل المقصود بكل الفقر كل الجرم بناء على ‌ان‌ يراد ‌من‌ الهلال جرم القمر ‌فى‌ الليالى الثلاث الاولى ‌لا‌ المقدار الذى يرى منه مضيئا فيها كما ‌ان‌ البدر ‌هو‌ جرم القمر ليله الرابع عشر ‌لا‌ المقدار المرئى منه فيها، ‌و‌ هذا ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌لا‌ يخلو ‌من‌ بعد الا انه يصير ‌به‌ الخطاب جاريا على ‌و‌ تيره واحده كما ‌هو‌ ظاهر.
 الثانيه: جعله عليه السلام مدخول «ما» التعجبيه فعلا دالا على التعجب بجوهره ينبى عن شده تعجبه ‌من‌ حال القمر ‌و‌ ‌ما‌ دبره الله سبحانه فيه، ‌و‌ ‌فى‌ افلاكه بلطائف صنعه ‌و‌ حكمته، ‌و‌ هكذا كل ‌من‌ ‌هو‌ اشد اطلاعا على دقائق الحكم المودعه ‌فى‌ مصنوعات الله سبحانه فهو اشد تعجبا ‌و‌ اكثر استعظاما، ‌و‌ معلوم ‌ان‌ ‌ما‌ بلغ اليه علمه عليه السلام ‌من‌ عجائب صنعه ‌جل‌ ‌و‌ علا ‌و‌ دقائق حكمته ‌فى‌ خلق القمر ‌و‌ نضد افلاكه ‌و‌ ربط ‌ما‌ ربطه ‌به‌ ‌من‌ مصالح العالم السفلى ‌و‌ غير ذلك فوق ‌ما‌ بلغ اليه اصحاب الارصاد ‌و‌ ‌من‌ يحذو حذوهم ‌من‌ الحكماء الراسخين باضعاف مضاعفه مع ‌ان‌ الذى اطلع عليه هولاء ‌من‌ احواله ‌و‌ كيفيه افلاكه ‌و‌ ‌ما‌ عرفوه مما يرتبط ‌به‌ ‌من‌ امور هذا العلم امور كثيره يحار فيها ذو اللب السليم قائلا: «ربنا ‌ما‌ خلقت هذا باطلا» ‌و‌ تلك الامور ثلاثه انواع:
 الاول: ‌ما‌ يتعلق بكيفيه افلاكه وعدها ‌و‌ نضدها ‌و‌ ‌ما‌ يلزم ‌من‌ حركاتها ‌من‌ الخسوف ‌و‌ الكسوف، ‌و‌ اختلاف التشكلات ‌و‌ تشابه حركه حامله حول مركز العالم ‌لا‌ حول مركزه ‌و‌ محاذاه قطر تدويره نقطه سوى مركز العالم الى غير ذلك مما ‌هو‌ مشروح ‌فى‌ كتب الهيئه.
 الثانى: ‌ما‌ يرتبط بنوره ‌من‌ التغيرات ‌فى‌ بعض الاجسام العنصريه كزياده
 
 
الرطوبات ‌فى‌ الابدان بزيادته ‌و‌ نقصانها بنقصانه، ‌و‌ حصول البحارين للامراض ‌و‌ زياده مياه البحار ‌و‌ البناء مع زياده بنيه ‌فى‌ كل يوم ‌من‌ النصف الاول ‌من‌ الشهر ثم اخذها ‌فى‌ النقصان يوما فيوما ‌فى‌ النصف الاخير منه ‌و‌ زياده ادمغه الحيوانات ‌و‌ البانها بزياده النور ‌و‌ نقصانها بنقصانه ‌و‌ كذلك زياده البقول ‌و‌ الثمار نموا ‌و‌ نضجا عند زياده نوره حتى ‌ان‌ المزاولين لها يسمعون صوتا ‌من‌ القثاء ‌و‌ القرع ‌و‌ البطيخ عند تمدده وقت زياده النور، ‌و‌ كابلاء نور القمر الكتان ‌و‌ صبغه بعض الثمار الى غير ذلك ‌من‌ الامور التى تشهد بها التجربه، قالوا ‌و‌ انما اختص القمر بزياده ‌ما‌ نيط ‌به‌ ‌من‌ امثال هذه الامور بين سائر الكواكب لانه اقرب الى عالم العناصر منها، ‌و‌ لانه مع قربه اسرع حركه فيمتزج نوره بانوار جميع الكواكب ‌و‌ نوره اقوى ‌من‌ نورها فيشاركها شركه غالب عليها فيما نيط بنورها ‌من‌ المصالح باذن خالقها ‌و‌ مبدعها ‌جل‌ شانه.
 الثالث: ‌ما‌ يتعلق ‌به‌ ‌من‌ السعاده ‌و‌ النحوسه ‌و‌ ‌ما‌ يرتبط ‌به‌ ‌من‌ الامور التى ‌هو‌ علامه على حصولها ‌فى‌ هذا العالم كما ذكره الديانون ‌من‌ المنجمين، ‌و‌ وردت ببعضه الشريعه المطهره كما رواه الشيخ عماد الاسلام محمد ‌بن‌ يعقوب الكلينى قدس الله روحه ‌فى‌ الكافى عن الصادق عليه السلام قال: «من سافر ‌او‌ تزوج ‌و‌ القمر ‌فى‌ العقرب لم ير الحسنى» ‌و‌ كما رواه ايضا عن الكاظم عليه السلام: «من تزوج ‌فى‌ محاق الشهر فليسلم لسقط الولد»، ‌و‌ كما رواه شيخ الطائفه ‌فى‌ كتاب التهذيب عن الباقر عليه السلام: «ان النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله بات ليله عند بعض نسائه فانكسف القمر ‌فى‌ تلك الليله فلم يكن منه فيها شى ء فقالت له زوجته: ‌يا‌ رسول الله بابى انت ‌و‌ امى كل هذا البغض، فقال لها: ويحك هذا الحادث ‌فى‌ السماء فكرهت ‌ان‌ اتلذذ»، ‌و‌ ‌فى‌ آخر الحديث ‌ما‌ يدل على ‌ان‌ المجامع ‌فى‌ تلك الليله ‌ان‌ رزق ‌من‌ جماعه ولدا ‌و‌ قد سمع بهذا الحديث ‌لا‌ يرى ‌ما‌ يحب.
 
الثالثه: ينبغى لنا اذا تلونا قوله عليه السلام «هلال امن ‌من‌ الافات» ‌ان‌ يقصد بالافات البدنيه ‌و‌ النفسيه ‌من‌ الكبر ‌و‌ الحسد ‌و‌ الغل ‌و‌ الغرور ‌و‌ الحرص ‌و‌ حب المال ‌و‌ الجاه ‌و‌ امثال ذلك ‌من‌ دواعى النفس ‌و‌ حظوظها ‌و‌ مشتهياتها البهيميه ‌و‌ السبعيه فان طلب الامن ‌من‌ هذه الافات التى هى بمنزله الكلاب العاويات ‌و‌ الحيات الضاريات الموجبه للهلاك الحقيقى ‌و‌ الشقاء السرمدى اهم ‌و‌ احرى ‌و‌ اليق ‌و‌ اولى
 
ارضى: اسم تفضيل يجوز ‌ان‌ يكون للفاعل على ‌ما‌ ‌هو‌ القياس ‌فى‌ بنائه، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون للمفعول كاشهر ‌و‌ الوم فانه قياس عند سيبويه ‌و‌ ‌هو‌ كثير ‌فى‌ كلامهم ‌و‌ قد تقدم له نظائر ‌فى‌ الادعيه السابقه ‌و‌ استوفينا الكلام عليه هناك.
 ‌و‌ طلع الشى ء طلوعا ‌من‌ باب- قعد- بدا ‌من‌ علو، ‌و‌ المراد بطلوعه ظهوره للحس ‌و‌ العيان كما ‌هو‌ الظاهر، ‌و‌ يمكن ‌ان‌ يراد ‌به‌ خروجه ‌من‌ الشعاع ‌من‌ قولهم: طلعت المراه ‌من‌ خبائها ‌اى‌ خرجت، ثم المراد اما طلوعه الخاص ‌فى‌ هذه الليله ‌و‌ اما طلوعه ‌فى‌ الزمان الماضى مطلقا، ‌و‌ مثله قوله عليه السلام: «و ازكى ‌من‌ نظر اليه».
 ‌و‌ الزكاء بالفتح ‌و‌ المد: الصلاح، يقال: زكى الرجل يزكو اذا صلح.
 ‌و‌ تعبد الرجل لله: تنسك ‌و‌ تذلل، ‌و‌ عرفوا العباده بانها فعل اختيارى مباين للشهوات البدنيه تصدر عن نيه يراد بها التقرب الى الله تعالى طاعه للشريعه.
 ‌و‌ وفقه الله لطاعته توفيقا: هداه ‌و‌ ارشده ‌و‌ سدده.
 
و التوبه: الرجوع الى الله تعالى بحل عقده الاصرار عن القلب، ثم القيام بحقوق الرب ‌و‌ قد مر الكلام عليها مستوفى ‌فى‌ شرح دعائها.
 ‌و‌ عصمه الله ‌من‌ المكروه يعصمه ‌من‌ باب- ضرب- حفظه ‌و‌ وقاه، ‌و‌ الاسم منه العصمه بالكسر ‌و‌ هى ‌فى‌ الاصطلاح لطف يفعله الله بالمكلف بحيث ‌لا‌ يكون معه داع الى فعل المعصيه مع قدرته عليها، ‌و‌ اراده هذا المعنى هنا ‌لا‌ يساعد عليها تعديه الفعل بمن اذ لم يعهد تعديتها بها مرادا بها هذا المعنى.
 ‌و‌ الحوبه بالفتح: الخطيئه ‌و‌ الاثم ‌من‌ حاب حوبا ‌من‌ باب- قال- اذا اكتسب الاثم.
 ‌و‌ باشر الامر مباشره: وليه بنفسه ‌و‌ حقيقتها الصاق البشره بالبشره، ثم كثر حتى استعمل ‌فى‌ مطلق مزاوله الانسان الامر بنفسه ‌و‌ هى هنا عباره عن اقتراف المعصيه.
 
و اوزعه الله الشكر: الهمه، ‌و‌ قيل اولعه به، ‌من‌ الوزوع بمعنى الولوع بالشى ء.
 ‌و‌ الجنن: جمع جنه بالضم ‌و‌ هى الستر ‌من‌ جنه يجنه ‌من‌ باب- قتل- ‌اى‌ ستره.
 ‌و‌ العافيه: رفع الله عن العبد ‌ما‌ يضره ‌و‌ تستعمل ‌فى‌ دفع المضرات البدنيه ‌و‌ النفسيه معا، ‌و‌ قد سبق الكلام عليها مستوفى ‌فى‌ الروضه الثالثه ‌و‌ العشرين، ‌و‌ اضافه الجنن اليها ‌من‌ قبيل لجين الماء ‌اى‌ العافيه التى هى كالجنن ‌و‌ لك جعلها استعاره بالكنايه مع الترشيح.
 ‌و‌ اتم الله عليه المنه: اكملها، ‌من‌ تم الشى ء يتم بالكسر: ‌اى‌ كملت اجزاوه، ‌و‌ استكملت الشى ء بمعنى اكملته ‌اى‌ اتممته.
 ‌و‌ المنه: النعمه الثقيله ‌و‌ منه: «لقد ‌من‌ الله على المومنين».
 
 تنبيهات
 
 الاول: المروى ‌فى‌ اكثر النسخ ‌من‌ الصحيفه الشريفه فتح الدال ‌من‌
 
«اسعد» ‌و‌ وقع ‌فى‌ بعضها كسرها ‌و‌ ‌هو‌ الظاهر، ‌و‌ وجه النصب انه بتقدير: «و اجعلنا اسعد ‌من‌ تعبد لك فيه» فيكون ‌من‌ باب عطف جمله على جمله، ‌او‌ ‌هو‌ معطوف على محل ‌من‌ ارضى كقوله:
 فان لم تجد ‌من‌ دون عدنان والدا
 ‌و‌ دون معد فلتزعك العواذل
 ‌و‌ لك جعله معطوفا على المفعول الثانى الذى ‌هو‌ متعلق الظرف ‌فى‌ الحقيقه لان مفعولى الجعل بمعنى التصيير اصلهما مبتدا ‌و‌ خبر، فمتعلق الظرف ‌فى‌ الحقيقه الكون المقدر العامل فيه فالتقدير، ‌و‌ اجعلنا كائنين ‌من‌ ارضى ‌من‌ طلع عليه، ‌و‌ النكته ‌فى‌ سوال جعله اسعد ‌من‌ تعبد دون جعله ‌من‌ جمله الاسعدين لحرصه على كثره العباده ‌و‌ قبولها لاستلزام الاسعديه ذلك ‌و‌ الله اعلم.
 الثانى: قال العلامه البهائى قدس الله روحه ‌فى‌ الحديقه الهلاليه: الضمائر الراجعه اليه سبحانه ‌من‌ اول هذا الدعاء الى هنا باجمعها ضمائر غيبه ثم انه عدل عن ذلك الاسلوب ‌و‌ جعلها ‌من‌ هنا الى آخر الدعاء ضمائر خطاب، ففى كلامه عليه السلام التفات ‌من‌ الغيبه الى الخطاب، ‌و‌ ‌لا‌ يخفى ‌ان‌ بعض اللطائف ‌و‌ النكت التى اوردها المفسرون فيما يختص بالالتفات ‌فى‌ سوره الفاتحه يمكن جريانه هنا انتهى.
 قلت: ‌من‌ يشترط ‌فى‌ الالتفات كون المخاطب ‌فى‌ الحالين واحدا يمنع كون ‌ما‌ وقع ‌فى‌ الدعاء ‌من‌ باب الالتفات لان المخاطب اولا الهلال ‌و‌ الكلام جار معه ‌و‌ المخاطب ثانيا ‌هو‌ الله سبحانه فالمخاطب غيران.
 قال صدر الافاضل: ‌فى‌ صرام السقط: ‌ان‌ ‌من‌ شرط الالتفات ‌ان‌ يكون المخاطب بالكلام ‌فى‌ الحالين واحدا كقوله تعالى: «اياك نعبد ‌و‌ اياك نستعين» فان
 
ما قبل هذا الكلام ‌و‌ ‌ان‌ لم يخاطب ‌به‌ الله ‌من‌ حيث الظاهر فهو بمنزله المخاطب ‌به‌ لان ذلك يجرى ‌من‌ العبد مع الله ‌لا‌ مع غيره بخلاف قول جرير:
 ثقى بالله ليس له شريك
 ‌و‌ ‌من‌ عند الخليفه بالنجاح
 اغثنى ‌يا‌ فداك ابى ‌و‌ امى
 بسبب منك انك ذو ارتياح
 فانه ليس ‌من‌ الالتفات ‌فى‌ شى ء لان المخاطب بالبيت الاول امراته ‌و‌ بالبيت الثانى ‌هو‌ الخليفه انتهى.
 لكن تعريف الجمهور للالتفات بانه التعبير عن معنى بطريق ‌من‌ الطرق الثلاثه التى هى التكلم ‌و‌ الخطاب ‌و‌ الغيبه بعد التعبير عنه بطريق آخر منها يقتضى انه التفات كما ذكره العلامه المذكور ‌و‌ على هذا ففى الدعاء التفاتان:
 احدهما: ‌من‌ الغيبه الى الخطاب: ‌و‌ ‌هو‌ الالتفات المذكور.
 ‌و‌ الثانى: الالتفات ‌من‌ الخطاب الى الغيبه ‌و‌ ‌هو‌ اعاده ضمائر الغيبه الى الهلال بعد خطابه ‌فى‌ قوله عليه السلام: طلع عليه ‌و‌ نظر اليه الى آخر الدعاء، ‌و‌ النكته فيه انه لما خاطب ربه ‌جل‌ ‌و‌ علا غاب عنه غيره فلم يبق له حضور على عاده الانسان انه اذا لقى ‌من‌ يحب غاب عن قبله سواه فذكر الهلال بضمير الغيبه ‌و‌ لم يلتفت اليه حتى اتم الدعاء ‌و‌ الله اعلم.
 الثالث: قال العلامه المذكور ‌فى‌ الحديقه الهلاليه ايضا: الضمائر المجروره ‌فى‌ قوله عليه السلام «و اسعد ‌من‌ تعبد لك فيه» الى آخره راجعه الى الهلال بمعنى الشهر ‌و‌ ليس كذلك المرفوع ‌فى‌ طلع عليه ‌و‌ المجرور ‌فى‌ نظر اليه ففى الكلام استخدام ‌من‌ قبيل قول البحترى:
 فسقى الغضا ‌و‌ الساكنيه ‌و‌ ‌ان‌ ‌هم‌
 شبوه بين جوانحى ‌و‌ ضلوعى
 ‌و‌ لعله ‌لا‌ يقدح ‌فى‌ تحقق الاستخدام كون اطلاق الهلال على الشهر مجازا لتصريح
 
بعض المحققين ‌من‌ اهل الفن بعدم الفرق بين كون المعنيين حقيقيين ‌او‌ مجازيين ‌او‌ مختلفين ‌و‌ ‌ان‌ قصره بعضهم على الحقيقيين على ‌ان‌ كون الاطلاق المذكور مجازا محل كلام انتهى.
 هذا آخر الروضه الثالثه ‌و‌ الاربعين ‌من‌ رياض السالكين ‌و‌ قد وفق الله سبحانه لاتمامها ‌و‌ انتساق مسك ختامها صبيحه يوم الاثنين لثلاث عشره بقين ‌من‌ شهر ربيع الاول ‌من‌ سنه خمس ‌و‌ مائه ‌و‌ الف. ‌و‌ لله الحمد.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^