فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 44- 1

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ ‌به‌ نستعين


 الحمد لله الذى كتب على عباده الصيام ‌و‌ فضل شهره ‌و‌ ايامه على الشهور والايام ‌و‌ شرفه بالذكر ‌فى‌ محكم الفرقان فقال: «شهر رمضان الذى انزل فيه القرآن» والصلاه على نبيه محمد اشرف ‌من‌ صلى ‌و‌ صام ‌و‌ على اهل بيته الهداه الاعلام ساده الخلق ‌و‌ قاده الانام.
 ‌و‌ بعد: فهذه الروضه الرابعه والاربعون ‌فى‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيدالعابدين سلام الله عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الطاهرين.
 املاء راجى فضل ربه السنى على صدرالدين الحسينى الحسنى شرح الله تعالى صدره للايمان ‌و‌ جعله ‌من‌ الفائزين يوم الفزع الاكبر بالامان.
 
الدخول: نقيض الخروج، يقال: دخلت الدار اذا صرت داخلها ‌و‌ ‌هو‌ هنا مجاز عن المجى ‌و‌ الحضور، ‌و‌ لك جعل الكلام ‌من‌ باب الاستعاره المكنيه ‌و‌ التمثيليه ‌و‌ ‌هو‌ ظاهر.
 ‌و‌ اختلفوا ‌فى‌ اشتقاق رمضان على اقوال حكاها الواحدى ‌و‌ غيره.
 احدها: انه ماخوذ ‌من‌ الرمض ‌و‌ ‌هو‌ حر الحجاره ‌من‌ شده حر الشمس.
 فسمى هذا الشهر رمضان لان وجوب صومه صادف شده الحر، ‌و‌ هذا القول حكاه الاصمعى عن ابى عمرو.
 الثانى: انه ماخوذ ‌من‌ الرميض ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ السحاب ‌و‌ المطر ‌ما‌ كان ‌فى‌ آخر القيظ ‌و‌ اول الخريف، سمى رميضا لانه يدرا سخونه الشمس فسمى هذا الشهر رمضان لانه يغسل الابدان ‌من‌ الذنوب ‌و‌ الاثام ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ قول الخليل، ‌و‌ روى ‌فى‌ هذا
 
المعنى حديث عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله انه قال: «انما سمى رمضان لان رمضان يرمض الذنوب».
 الثالث: انه ‌من‌ قولهم: رمضت النصل ارمضه رمضا اذا دققته بين حجرين ليرق فسمى هذا الشهر رمضان لانهم كانوا يرمضون اسلحتهم فيه ليقضوا اوطارهم منها ‌فى‌ شوال قبل دخول الاشهر الحرم، ‌و‌ هذا القول يحكى عن الازهرى فعليه فالاسم جاهلى ‌و‌ على القولين الاولين يكون الاسم اسلاميا ‌و‌ قبل الاسلام ‌لا‌ يكون له هذا الاسم انتهى.
 ‌و‌ هذا مبنى على ‌ان‌ صومه ‌من‌ خصائص هذه الامه.
 الرابع: ‌ما‌ قاله البيضاوى انه سمى بذلك لارتماضهم فيه ‌من‌ حر الجوع ‌و‌ العطش، انتهى.
 ‌و‌ ‌هو‌ يشعر ايضا بانه اسلامى ‌و‌ ‌لا‌ ينافيه كون الصوم عباده قديمه لان المدعى خصوص صوم رمضان.
 قال البيضاوى: ‌و‌ ‌هو‌ مصدر رمض.
 ‌و‌ قال ابوحيان: يحتاج ‌فى‌ تحقيق انه مصدر الى صحه نقل لان فعلانا ليس مصدر فعل اللازم، بل ‌ان‌ جاء فيه كان شاذا، ‌و‌ الاولى ‌ان‌ يكون مرتجلا ‌لا‌ منقولا انتهى.
 ‌و‌ رمضان غير منصرف للعلميه، ‌و‌ زياده الالف ‌و‌ النون ‌و‌ ‌ان‌ كان العلم ‌هو‌ مجموع
 
شهر رمضان- كما سياتى تحقيقه- لان المعتبر ‌فى‌ الاعلام المركبه الاضافيه ‌فى‌ اسباب منع الصرف ‌و‌ نحوه حال المضاف اليه فيمتنع مثل شهر رمضان ‌من‌ الصرف ‌و‌ دخول الالف ‌و‌ اللام، ‌و‌ ينصرف مثل شهر ربيع، قاله السعد التفتازانى ‌فى‌ شرح الكشاف.
 
 تنبيهان
 
 الاول: اضافه شهر الى اسماء الشهور قاطبه جائزه ‌و‌ ‌هو‌ قول سيبويه ‌و‌ اكثر النحويين، ‌و‌ قيل: مختص بما ‌فى‌ اوله راء ‌و‌ ‌هو‌ الربيعان ‌و‌ رمضان.
 قال الازهرى: العرب تذكر الشهور كلها مجرده ‌من‌ لفظ شهر الا شهرى ربيع ‌و‌ شهر رمضان.
 قال الله تعالى: «شهر رمضان الذى انزل فيه القرآن». ‌و‌ قال الراعى:
 شهرى ربيع ‌ما‌ تذوق لبونهم
 الا حموضا وخمه ‌و‌ دويلا
 ‌و‌ لم تستعمله العرب مع غير ذلك ‌و‌ قد تستعمله مع ذى القعده كذا قال البدر ‌بن‌ مالك ‌فى‌ شرح التسهيل.
 ‌و‌ تعقبه البدر الدمامينى بان صدر كلامه يعنى قوله: «ما ‌فى‌ اوله راء يقتضى جواز اضافه شهر الى رجب» ‌و‌ آخر كلامه يعنى قوله: «و لم تستعمله العرب مع غير ذلك» يدافعه انتهى.
 ‌و‌ صرح الانسوى ‌فى‌ الكوكب الدرى باستثناء رجب ‌من‌ هذه القاعده، ‌و‌ قال بعضهم: انما التزمت العرب لفظ شهر مع ربيع لان لفظ ربيع مشترك بين الشهر
 
و الفصل فالتزموا لفظ شهر مع اسم الشهر للفرق بينهما، ‌و‌ قال ثعلب انما خصت العرب شهرى ربيع ‌و‌ شهر رمضان بذكر شهر معها ‌من‌ دون غيرها ‌من‌ الشهور ليدل على موضع الاسم كما قالت العرب ذويزن ‌و‌ ذوكلاع فزادت ذو ليدل على الاسم ‌و‌ المعنى صاحب هذا الاسم، انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ حاشيه البخارى للدمامينى مانصه: صرح الزمخشرى بان مجموع المضاف ‌و‌ المضاف اليه ‌فى‌ قولك: شهر رمضان ‌هو‌ العلم، انتهى.
 ‌و‌ قال التفتازانى ‌فى‌ شرح الكشاف: اطبقوا على ‌ان‌ العلم ‌فى‌ ثلاثه اشهر ‌هو‌ مجموع المضاف ‌و‌ المضاف اليه شهر رمضان ‌و‌ شهر ربيع الاول ‌و‌ شهر ربيع الاخر ‌و‌ ‌فى‌ البواقى لايضاف اليه فلذلك حسنت اضافه لفظ شهر اليها ‌و‌ الا لم تحسن كما ‌لا‌ يحسن ‌فى‌ انسان زيد ‌اى‌ اضافه العام الى الخاص، انتهى.
 ‌و‌ اعترضه الدمامينى بان اضافه الشهر الى علم الثلاثين يوما يخرجه عن كونه اسما للثلاثين يوما ‌و‌ يراد ‌به‌ حينئذ مطلق الوقت فلا تصح الاضافه حينئذ، ‌و‌ دعوى الاطباق على ‌ان‌ العلم ‌فى‌ الثلاثه الاشهر فقط ‌هو‌ مجموع المضاف ‌و‌ المضاف اليه دون غيرها ممنوعه فقد قال سيبويه: اسماء الشهور كالمحرم ‌و‌ صفر ‌و‌ كذا سائرها اذا لم يضف اليها اسم الشهر فهى كالدهر ‌و‌ الليل ‌و‌ النهار ‌و‌ الابد يعنى تكون للعدد فلا تصلح الا جوابا لكم قال: لانهم جعلوها جمله واحده لعده الايام كانك قلت سير عليه الثلاثون يوما ‌و‌ يستغرقها السير ‌و‌ لو اضفت اليها لفظ الشهر صارت كيوم الجمعه ‌و‌ صلحت جوابا لمتى، هذا كلامه فاى اطباق، ‌و‌ هذا سيبويه امام الجماعه ‌و‌ متبوع ارباب الصناعه ينادى باضافه شهر الى كل واحد ‌من‌ اسماء الشهور، انتهى.
 
و قال ابوحيان: ‌ما‌ ذكره الزمخشرى ‌من‌ ‌ان‌ علم الشهر مجموع اللفظين غير معروف ‌و‌ انما اسمه رمضان، فاذا قيل: شهر رمضان فهو كما يقال شهر المحرم ‌و‌ يجوز ذلك ثم نبه على انه علم جنس.
 ‌و‌ قال ابن درستويه: الضابط ‌فى‌ ذلك ‌ان‌ ‌ما‌ كان ‌من‌ اسمائها اسماء للشهر ‌او‌ صفه قامت مقام الاسم فهو الذى لايجوز ‌ان‌ يضاف اليه الشهر ‌و‌ ‌لا‌ يذكر معه كالمحرم اذ معناه الشهر المحرم ‌و‌ كصفر اذ ‌هو‌ اسم معرفه كزيد، ‌و‌ جمادى اذ ‌هو‌ معرفه ‌و‌ ليس بصفه ‌و‌ رجب ‌و‌ ‌هو‌ كذلك، ‌و‌ شعبان ‌و‌ ‌هو‌ بمنزله عطشان، ‌و‌ شوال ‌و‌ ‌هو‌ صفه جرت مجرى الاسم ‌و‌ صارت معرفه، ‌و‌ ذوالقعده ‌و‌ ‌هو‌ صفه قامت مقام الموصوف، ‌و‌ المراد القعود عن التصرف كقولك: الرجل ذوالجلسه فاذا حذفت الرجل قلت ذوالجلسه، ‌و‌ ذوالحجه مثله، ‌و‌ اما الربيعان ‌و‌ رمضان فليست باسماء للشهور ‌و‌ ‌لا‌ صفات له فلابد ‌من‌ اضافه لفظ شهر اليها ‌و‌ يدل على ذلك ‌ان‌ رمضان فعلان ‌من‌ الرمض كقولك شهر الغليان ‌و‌ ليس الغليان بالشهر ‌و‌ لكن الشهر شهر الغليان، ‌و‌ ربيع انما ‌هو‌ اسم للغيث ‌و‌ ليس الغيث بالشهر، انتهى.
 ‌و‌ اعتذر القائلون بان علم الشهر مجموع اللفظين عن نحو ‌ما‌ روى ‌من‌ صام رمضان بانه ‌من‌ باب الحذف لامن اللبس ‌و‌ جاز الحذف ‌من‌ الاعلام ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌من‌ قبيل حذف بعض الكلمه لانهم اجروا هذا العلم ‌فى‌ جواز الحذف منه مجرى المتضائفين حيث اعربوا الجزئين باعرابهما.
 الثانى: ورد ‌من‌ طريق العامه ‌و‌ الخاصه النهى عن التلفظ برمضان ‌من‌ دون اضافه الشهر.
 اما ‌من‌ طريق الخاصه: فهو ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند صحيح عن
 
سعد ‌بن‌ سالم قال: كنا عند ابى جعفر محمد ‌بن‌ على الباقر عليه السلام فذكرنا رمضان فقال عليه السلام: لاتقولوا هذا رمضان ‌و‌ ‌لا‌ ذهب رمضان ‌و‌ ‌لا‌ جاء رمضان فان رمضان اسم ‌من‌ اسماء الله تعالى ‌و‌ ‌هو‌ ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌لا‌ يجى ‌و‌ ‌لا‌ يذهب ‌و‌ لكن قولوا شهر رمضان فان الشهر مضاف الى الاسم ‌و‌ الاسم اسم الله ‌عز‌ ذكره.
 ‌و‌ بسنده عن ابى عبدالله، عن ابيه عليهماالسلام قال: قال اميرالمومنين عليه السلام: ‌لا‌ تقولوا رمضان ‌و‌ لكن قولوا شهر رمضان فانكم ‌لا‌ تدرون ‌ما‌ رمضان.
 ‌و‌ قال الشهيد الاول ‌فى‌ كتاب نكت الارشاد ‌ما‌ هذا لفظه ‌و‌ نهى عن التلفظ برمضان، بل يقال: شهر رمضان ‌فى‌ احاديث ‌من‌ اجودها ‌ما‌ اسنده بعض الافاضل الى الكاظم عليه السلام عن ابيه، عن آبائه عليهم السلام قال: ‌لا‌ تقولوا رمضان فانكم ‌لا‌ تدرون ‌ما‌ رمضان ‌من‌ قاله فليتصدق ‌و‌ ليصم كفاره لقوله: ‌و‌ لكن قولوا كما قال الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ شهر رمضان.
 ‌و‌ اما ‌من‌ طريق العامه: فهو ‌ما‌ رواه ابومعشر نجيح المدنى، عن ابى سعيد المقبرى، عن ابى هريره مرفوعا ‌لا‌ تقولوا رمضان فان رمضان اسم ‌من‌ اسماء الله تعالى، ‌و‌ لكن قولوا شهر رمضان.
 ‌و‌ ‌ما‌ رواه هشام، عن ابان، عن انس قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: ‌لا‌ تقولوا رمضان انسبوه كما نسبه الله تعالى ‌فى‌ القرآن فقال: شهر
 
رمضان.
 قال ‌فى‌ القاموس: ‌ان‌ صح انه ‌من‌ اسماء الله تعالى فهو غير مشتق ‌او‌ راجع الى معنى الغافر ‌اى‌ يمحو الذنوب ‌و‌ يمحقها انتهى.
 ‌و‌ حمل اصحابنا النهى على الكراهه، قال شيخنا الشيخ زين الدين ‌فى‌ تمهيد القواعد: ‌و‌ قد ورد عندنا النهى عن التلفظ برمضان ‌من‌ دون اضافه الشهر ‌و‌ ‌هو‌ نهى كراهه انتهى.
 ‌و‌ قال الشهيد «قدس سره» ‌فى‌ الدروس: هذا النهى للتنزيه اذ الاخبار عنهم عليهم السلام مملوءه بلفظ رمضان.
 ‌و‌ اختلف العامه فذهب اصحاب مالك الى الكراهه مطلقا، ‌و‌ قال كثير ‌من‌ الشافعيه: ‌ان‌ ذكر معه قرينه تدل على انه الشهر كقولك صمت رمضان لم يكره ‌و‌ الا كره، ‌و‌ ذهب غيرهم الى جوازه ‌من‌ غير كراهه، قالوا: لانه لم ينقل عن احد ‌من‌ العلماء ‌ان‌ رمضان ‌من‌ اسماء الله تعالى ‌و‌ قد ثبت ‌فى‌ الاحاديث الصحيحه ‌ما‌ يدل على الجواز مطلقا كقوله عليه السلام: اذا جاء رمضان فتحت ابواب الجنان، ‌و‌ غلقت ابواب النيران، ‌و‌ صفدت الشياطين.
 قال القاضى عياض ‌فى‌ قوله: اذا جاء رمضان دليل على جواز استعماله ‌من‌ غير لفظ شهر خلافا لمن منعه ‌من‌ العلماء انتهى.
 
الحمد: ‌هو‌ الثناء باللسان على الجميل، سواء تعلق بالفضائل كالعلم ‌ام‌ بالفواضل كالبر.
 ‌و‌ الشكر: فعل ينبى عن تعظيم المنعم لاجل النعمه سواء كان نعتا باللسان ‌او‌
 
اعتقادا ‌و‌ محبه بالجنان ‌او‌ عملا ‌و‌ خدمه بالاركان ‌و‌ قد جمعها الشاعر ‌فى‌ قوله:
 افادتكم النعماء منى ثلاثه
 يدى ‌و‌ لسانى ‌و‌ الضمير المحجبا
 فالحمد اعم متعلقا لانه يعم النعمه ‌و‌ غيرها ‌و‌ اخص موردا اذ ‌هو‌ اللسان فقط، ‌و‌ الشكر بالعكس اذ متعلقه النعمه فقط ‌و‌ مورده يعم اللسان ‌و‌ غيره فبينهما عموم ‌و‌ خصوص ‌من‌ وجه فهما يتصادقان ‌فى‌ الثناء باللسان على الاحسان ‌و‌ يتفارقان ‌فى‌ صدق الحمد فقط على النعت بالعلم مثلا، ‌و‌ صدق الشكر فقط على المحبه بالجنان لاجل الاحسان. اذا عرفت ذلك فالمراد بالحمد ‌فى‌ عباره الدعاء ‌هو‌ الثناء باللسان على الاحسان لان وصفه تعالى بالهدايه لحمده ‌و‌ جعله ‌من‌ اهله يقتضى ‌ان‌ يكون له مدخل ‌فى‌ اقتضاء الحمد لما تقرر ‌فى‌ الاصول ‌من‌ ‌ان‌ ترتيب الوصف على الحكم مشعر بالعليه ‌و‌ لذلك علله بقوله عليه السلام: «لنكون لاحسانه ‌من‌ الشاكرين» الى آخره.
 ‌و‌ الضمير ‌فى‌ اهله عائد الى الحمد، ‌اى‌ ‌من‌ المتصفين ‌به‌ ‌و‌ اصل الاهل: القرابه ثم اطلق على ‌من‌ عرف بشى ء ‌و‌ اتصف به، يقال: اهل العلم لمن اتصف به، ‌و‌ يحتمل عود الضمير الى الله سبحانه ‌اى‌ ‌من‌ اوليائه ‌و‌ المختصين ‌به‌ اختصاص اهل الانسان به، ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: «اهل القرآن اهل الله ‌و‌ خاصته»، ‌و‌ كانوا يسمون اهل مكه اهل الله تعظيما لهم كبيت الله، هذا ‌و‌ لما كان الحمد احدى شعب الشكر باعتبار المورد كما عرفت ‌و‌ كان ادخل ‌فى‌ اشاعه النعمه ‌و‌ الاعتداد بشانها ‌و‌ ادل على مكانها لما ‌فى‌ عمل القلب ‌من‌ الخفاء ‌و‌ ‌فى‌ اعمال الجوارح ‌من‌ الاحتمال جعل راس الشكر ‌و‌ ملاكا لامره ‌فى‌ قوله صلى الله عليه ‌و‌ آله: «الحمد راس الشكر، ‌ما‌ شكر الله عبد لم
 
يحمده»، ‌و‌ لذلك آثر عليه السلام الحمد على الشكر ‌فى‌ الثناء عليه سبحانه ‌و‌ جعله سببا لشكر احسانه مطلقا بقوله: «لنكون لاحسانه ‌من‌ الشاكرين» حتى كانه لو ‌لا‌ الهدايه اليه لم يكن الشكر ‌و‌ ‌هو‌ كذلك كما نص عليه الحديث المذكور، ‌و‌ بيانه انه اذا لم يعترف العبد بانعام مولاه لم يثن عليه بما يدل على تعظيمه لم يظهر منه شكر ظهورا كاملا ‌و‌ ‌ان‌ اعتقد ‌و‌ عمل فلم يعتد شاكرا لان حقيقه الشكر اظهار النعمه ‌و‌ الكشف عنها كما ‌ان‌ كفرانها اخفاوها ‌و‌ سترها، ‌و‌ الاعتقاد: امر خفى ‌فى‌ نفسه ‌و‌ عمل الاركان ‌و‌ الجوارح ‌و‌ ‌ان‌ كان ظاهرا الا انه يحتمل خلاف ‌ما‌ قصد ‌به‌ اذ لم يعين له، بخلاف النطق فانه ظاهر ‌فى‌ نفسه ‌و‌ معين لما اريد ‌به‌ وضعا فهو الذى يفصح عن ‌كف‌ خفى ‌و‌ يجلى عن كل مشتبه فلا احتمال له لاجرم كان الحمد راس الشكر، فكما ‌ان‌ الراس اظهر الاعضاء ‌و‌ اعلاها ‌و‌ عمده لبقائها كذلك الحمد اظهر انواع الشكر ‌و‌ اشملها على حقيقته حتى اذا فقد كان بمنزله العدم فصح انه ‌ما‌ شكر الله عبد لم يحمده ‌و‌ اتضح كونه سببا للشكر ‌و‌ الاتصاف ‌به‌ ‌و‌ الجزاء: المكافاه على الشى ء، جزاه ‌به‌ ‌و‌ عليه جزاء، ‌و‌ ذلك اشاره الى الحمد ‌و‌ ‌ما‌ فيه ‌من‌ البعد لتفخيمه ‌و‌ تعظيمه ‌اى‌ ‌و‌ ليجزينا تعالى على حمده جزاء مثل جزاء المحسنين، ‌و‌ ‌فى‌ تشبيه جزاء الحامدين بجزاء المحسنين ‌من‌ تعظيم امر الحمد ‌ما‌ ‌لا‌ يخفى حيث جعل ‌ما‌ يترتب عليه ‌من‌ الثواب ‌و‌ الجزاء مثل ‌ما‌ يترتب على الاحسان الذى ‌هو‌ حقيقه الاتيان بالاعمال على الوجه اللائق ‌و‌ ‌هو‌ حسنها الوصفى المستلزم لحسنها الذاتى ‌و‌ قد فسره صلى الله عليه ‌و‌ آله بقوله: الاحسان ‌ان‌ تعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك.
 ‌و‌ فيه تلميح الى ‌ما‌ وعده سبحانه ‌من‌ الزياده على كل ‌من‌ الشكر ‌و‌ الاحسان حيث قال ‌فى‌ الشكر: «لئن شكرتم لازيدنكم»، ‌و‌ قال ‌فى‌ الاحسان: «و سنزيد
 
المحسنين» ‌و‌ قال: «للذين احسنوا الحسنى ‌و‌ زياده».
 
و حبوت الرجل احبوه، حباء بالكسر ‌و‌ المد: اعطيته الشى ء بغير عوض ‌و‌ الاسم منه الحبو بالضم.
 ‌و‌ خصصته بكذا اخصه خصوصا ‌من‌ باب «قعد» ‌و‌ اختصصته ‌به‌ اختصاصا ‌و‌ خصصته ‌به‌ تخصيصا جعلته له دون غيره.
 ‌و‌ المراد بدينه تعالى: الاسلام لقوله تعالى: «افغير دين الله يبغون».
 قال الراغب: يعنى الاسلام.
 ‌و‌ المله بمعناه، ‌و‌ قد تقدم الكلام على انهما يتحدان بالذات ‌و‌ يختلفان بالاعتبار فان الشريعه ‌من‌ حيث انها يطاع بها تسمى دينا، ‌و‌ ‌من‌ حيث يجتمع عليها مله، ‌و‌ كان المراد باختصاصه تعالى ايانا بملته اختصاصه ايانا بالهدايه اليها ‌و‌ الا فالدعوه اليها عامه ‌او‌ اختصاصه ايانا دون الامم السالفه.
 ‌و‌ سبلنا: ‌اى‌ سيرنا ‌فى‌ سبل احسانه كقولهم: فوز الرجل بابله اذا ركب بها المفازه ‌و‌ هى الفلات ‌لا‌ ماء فيها ‌و‌ منه سبل ضيعته: ‌اى‌ جعلها ‌فى‌ سبيل الله كانه سيرها فيه.
 ‌و‌ الاحسان هنا بمعنى الانعام ‌و‌ الافضال.
 ‌و‌ سلكت الطريق سلوكا ‌من‌ باب- قعد-: ذهب فيه.
 ‌و‌ «الباء» ‌فى‌ «بمنه» للاستعانه ‌او‌ للملابسه.
 ‌و‌ الرضوان: الرضى الكثير، ‌و‌ لما كان اعظم الرضا رضى الله تعالى خص لفظ الرضوان ‌فى‌ القرآن بما كان ‌من‌ الله تعالى ‌و‌ رضاه سبحانه عن العبد يعود الى علمه بموافقته لامره ‌و‌ طاعته له.
 
و التقبل: قبول الشى ء على وجه يقتضى ثوابا كالهديه، ‌و‌ لما لم تكن كل عباده متقبله بل انما تتقبل اذا كانت على وجه مخصوص كما قال تعالى: «انما يتقبل الله ‌من‌ المتقين» جاء بالمصدر المنصوب على المفعوليه المطلقه المفيد لبيان نوع عامله فقال: «حمدا يتقبله منا ‌و‌ يرضى ‌به‌ عنا». ‌و‌ «الباء» للسببيه، ‌و‌ الظرفان لغوان متعلقان بيرضى، ‌اى‌ ‌و‌ يرضى بسببه عنا، هذا ‌هو‌ الظاهر المتبادر ‌و‌ يجوز ‌ان‌ تكون «الباء» زائده لقولهم رضيه ‌و‌ رضى ‌به‌ بمعنى، ‌و‌ عن بمعنى من، مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌هو‌ الذى يقبل التوبه عن عباده» ‌او‌ هى متعلقه بمحذوف، ‌و‌ المعنى ‌و‌ يرضاه منا ‌او‌ يرضاه صادرا عنا ‌و‌ الله اعلم.
 الاشاره ‌فى‌ تلك السبل الى سبل احسانه التى سبلنا فيها، ‌و‌ اضافه الشهر الى الضمير العائد اليه سبحانه، اما لتعظيمه ‌او‌ لمزيد الاختصاص المفهوم مما نطق ‌به‌ الحديث القدسى الذى رواه الخاصه ‌و‌ العامه: ‌ان‌ الله تعالى يقول: «ان الصوم لى ‌و‌ انا اجزى عليه»، ‌و‌ اما اشعارا بان رمضان ‌من‌ اسمائه تعالى كما مر.
 
و اضافه الشهر الى الضمير العائد اليه سبحانه، اما لتعظيمه ‌او‌ لمزيد الاختصاص المفهوم مما نطق ‌به‌ الحديث القدسى الذى رواه الخاصه ‌و‌ العامه: ‌ان‌ الله تعالى يقول: «ان الصوم لى ‌و‌ انا اجزى عليه»، ‌و‌ شهر رمضان: بدل ‌من‌ شهره، بدل كل، ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ حكم تكرير العامل ‌من‌ حيث انه المقصود بالنسبه، ‌و‌ فائدته التنصيص على ‌ان‌ شهره تعالى ‌هو‌ شهر رمضان.
 ‌و‌ شهر الصيام: اما بدل ‌من‌ شهر رمضان ‌او‌ عطف بيان على جهه المدح، كما قاله الزمخشرى ‌فى‌ قوله تعالى: «جعل الله الكعبه البيت الحرام»، ‌ان‌ البيت الحرام عطف على جهه المدح كما ‌فى‌ الصفه لاعلى جهه التوضيح.
 ‌و‌ قال ابن هشام ‌فى‌ نحو: «آمنا برب العالمين رب موسى ‌و‌ هارون» يحتمل بدل
 
الكل ‌و‌ عطف البيان.
 ‌و‌ الصيام: مصدر كالصوم، قيل: ‌هو‌ ‌فى‌ اللغه مطلق الامساك ثم استعمل ‌فى‌ الشرع ‌فى‌ امساك مخصوص.
 ‌و‌ قال ابوعبيده: كل ممسك عن طعام ‌او‌ كلام ‌او‌ سير فهو صائم. قال الشاعر:
 خيل صيام ‌و‌ خيل غير صائمه
 ‌اى‌ قائمه بلا اعتلاف.
 ‌و‌ الاسلام: اما بمعناه اللغوى ‌اى‌ الانقياد ‌و‌ الطاعه لكثره الطاعات ‌فى‌ هذا الشهر، ‌او‌ بمعنى دين الاسلام لكون افتراض صومه ‌من‌ خصائص هذه الامه عندنا ‌و‌ عند الجمهور ‌من‌ العامه كما رواه رئيس المحدثين ‌فى‌ الفقيه بسنده عن حفص ‌بن‌ غياث النخعى قال: سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول: «ان شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على احد ‌من‌ الامم قبلنا، فقلت له: فقول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين ‌من‌ قبلكم»؟ قال: انما فرض الله صيام شهر رمضان على الانبياء دون الامم ففضل ‌به‌ هذه الامه ‌و‌ جعل صيامه فرضا على رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ على امته».
 ‌و‌ روى العامه عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله انه قال: «رمضان شهر امتى»، ‌و‌ اجابوا عن الايه: ‌ان‌ التشبيه فيها لمطلق الصوم.
 ‌و‌ الطهور: بالفتح ‌و‌ الضم هنا على الروايتين مصدران بمعنى الطهاره ‌و‌ هى النقاء ‌من‌ الدنس ‌و‌ النجس.
 قال صاحب القاموس: الطهور يعنى بالفتح المصدر ‌و‌ اسم ‌ما‌ يتطهر به.
 
و قال الراغب: الطهور بالفتح قد يكون مصدرا ‌و‌ قد يكون اسما غير مصدر كالفطور ‌فى‌ كونه اسما لما يفطر به.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: قد طهرت طهورا ‌و‌ طهورا، ‌و‌ ‌ما‌ عندى طهور اتطهر به: ‌اى‌ وضوء اتوضا به، ‌و‌ اطلب لى ماء طهورا: بليغا ‌فى‌ الطهاره لاشبهه فيه.
 ‌و‌ التمحيص: تخليص الشى ء مما فيه عيب، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و ليمحص ‌ما‌ ‌فى‌ قلوبكم».
 قال الراغب: التمحيص هاهنا كالتزكيه ‌و‌ التطهير ‌و‌ نحو ذلك ‌من‌ الالفاظ، ‌و‌ يقال ‌فى‌ الدعاء: «اللهم محص عنا ذنوبنا» ‌اى‌ ازل ‌ما‌ علق بنا ‌من‌ الذنوب.
 ‌و‌ ‌فى‌ الكشاف: التمحيص: التطهير ‌و‌ التصفيه.
 ‌و‌ قال الجوهرى: التمحيص: الابتلاء ‌و‌ الاختبار.
 ‌و‌ عليه تفسير ابن عباس ‌و‌ مجاهد ‌و‌ السدى لقوله تعالى: «و ليمحص الله الذين آمنوا»: ‌اى‌ ‌و‌ ليبتلى الله الذين آمنوا.
 ‌و‌ القيام: مصدر قام يقوم قوما ‌و‌ قياما: ‌اى‌ انتصب ثم استعمل ‌فى‌ الصلاه ليلا لكثره الانتصاب فيها، يقال: قام ليله ‌اى‌ صلى فيه جميعه، ‌و‌ منه حديث: «من قام رمضان ايمانا ‌و‌ احتسابا غفر له ‌ما‌ تقدم ‌من‌ ذنبه».
 «و ‌من‌ قام ليله القدر ايمانا ‌و‌ احتسابا غفر له ‌ما‌ تقدم ‌من‌ ذنبه».
 ‌اى‌ اكثر الصلاه فيه ليلا ‌و‌ انما خص القيام بصلاه الليل لانه خلاف المعهود ‌فى‌ الليل بخلافه ‌فى‌ النهار، ‌و‌ لذلك يقال: فلان يقوم الليل ‌اى‌ يصلى ‌و‌ يتهجد فيه، ‌و‌ ‌لا‌
 
يقال: يقوم النهار ‌و‌ ‌ان‌ قطع عامته بالصلاه، ‌و‌ انما قيل: لشهر رمضان شهر القيام لكثره الصلوات المسنونه فيه ليلا، ‌و‌ الاشهر ‌فى‌ الروايات استحباب الف ركعه ‌فى‌ لياليه زياده على النوافل المرتبه ‌و‌ ‌هو‌ قول معظم الاصحاب، ‌و‌ كيفيتها: ‌ان‌ يصلى خمسمائه ركعه ‌فى‌ العشرين الاولين كل ليله عشرين ركعه ثمان بعد المغرب ‌و‌ اثنتى عشره ركعه بعد العشاء على الاظهر.
 ‌و‌ قيل: بالعكس، ‌و‌ ‌فى‌ ليله تسع عشره مائه غير عشريها، ‌و‌ خمسمائه ركعه ‌فى‌ العشر الاخير كل ليله ثلاثين، ثمان بعد المغرب ‌و‌ اثنتين ‌و‌ عشرين بعد العشاء ‌و‌ ‌فى‌ ليله احدى ‌و‌ عشرين ‌و‌ ثلاث ‌و‌ عشرين، مائه مائه غير ثلاثيهما فتكون الجمله الف ركعه، ‌و‌ وردت روايات اخرى بصلوات اخرى ‌فى‌ لياليه ‌و‌ بالجمله فقيام لياليه ‌من‌ المسنونات المشهوره بين الامه ‌و‌ الله اعلم.
 الموصول ‌فى‌ محل النصب على انه صفه ثانيه لشهر رمضان موضحه ‌او‌ مادحه ‌او‌ على تقدير اخص ‌او‌ امدح ‌او‌ ‌فى‌ محل الرفع على المدح ‌و‌ التعظيم بتقدير مبتدا ‌اى‌ ‌هو‌ الذى انزل.
 قال ابن مالك: التزم حذف الفعل ‌فى‌ المنصوب على المدح اشعارا بانه انشاء كما ‌فى‌ المنادى ‌و‌ حذف المبتدا ‌فى‌ المرفوع اجراء للوجهين على سنن واحد.
 
قال امين الاسلام الطبرسى (قدس الله سره): اختلف ‌فى‌ قوله: «انزل فيه القرآن»، فقيل: ‌ان‌ الله تعالى انزل جميع القرآن ‌فى‌ ليله القدر الى سماء الدنيا ثم انزل على النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله نجوما ‌فى‌ طول عشرين سنه. عن ابن عباس ‌و‌ سعيد ابن جبير ‌و‌ الحسن ‌و‌ قتاده، ‌و‌ ‌هو‌ المروى عن ابى عبدالله عليه السلام، ‌و‌ قيل: ‌ان‌ الله تعالى ابتدا انزاله ‌فى‌ ليله القدر ‌من‌ شهر رمضان عن ابى اسحاق ‌و‌ قيل: انه كان ينزل الى السماء الدنيا ‌فى‌ ليله القدر ‌ما‌ يحتاج اليه ‌فى‌ تلك السنه جمله واحده ثم ينزل على مواقع النجوم ارسالا ‌فى‌ الشهور ‌و‌ الايام عن السدى بسنده الى ابن عباس ‌و‌ روى الثعلبى باسناده الى ابى ذر الغفارى عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله انه قال: «انزلت صحف ابراهيم عليه السلام لثلاث مضين ‌من‌ شهر رمضان، ‌و‌ ‌فى‌ روايه الواحدى: اول ليله منه، ‌و‌ انزلت توراه موسى عليه السلام لست مضين ‌من‌ شهر رمضان ‌و‌ انزل انجيل عيسى عليه السلام لثلاث عشره خلت ‌من‌ رمضان، ‌و‌ انزل زبور داود عليه السلام لثمان عشره ليله مضت ‌من‌ شهر رمضان، ‌و‌ انزل الفرقان على محمد صلى الله عليه ‌و‌ آله لاربع ‌و‌ عشرين مضين ‌من‌ شهر رمضان. ‌و‌ هذا بعينه رواه العياشى عن ابى عبدالله عليه السلام عن آبائه عن النبى عليه ‌و‌ عليهم السلام انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه عن ابى عبدالله عليه السلام: «نزل القرآن ‌فى‌ اول ليله ‌من‌ شهر رمضان».
 ‌و‌ ‌فى‌ اخرى عنه عليه السلام: انه انزل ‌فى‌ ليله ثلاث ‌و‌ عشرين منه.
 ‌و‌ قيل: المراد بقوله «انزل فيه القرآن»: انه انزل ‌فى‌ فرضه ‌و‌ ايجاب صومه على الخلق القرآن ‌و‌ ‌هو‌ قوله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام»، فيكون فيه بمعنى ‌فى‌ فرضه كما يقول القائل: انزل الله ‌فى‌ الزكاه كذا
 
اى ‌فى‌ فرضها، ‌و‌ انزل ‌فى‌ الخمر كذا ‌اى‌ ‌فى‌ تحريمها.
 ‌و‌ عن سفيان ‌بن‌ عيينه: ‌ان‌ معناه انزل ‌فى‌ فضله القرآن كما تقول انزل ‌فى‌ على كذا، ‌و‌ القولان متقاربان فانه لم ينزل ‌فى‌ شانه سوى الايه المذكوره.
 قوله: «هدى للناس ‌و‌ بينات ‌من‌ الهدى»: منصوبان على الحاليه: ‌اى‌ انزل ‌و‌ ‌هو‌ هدايه للناس الى الحق ‌و‌ ‌هو‌ آيات واضحات مكشوفات ‌من‌ جمله ‌ما‌ يهدى الى الحق ‌و‌ يفرق بينه ‌و‌ بين الباطل ‌من‌ الكتب السماويه.
 قال الراغب: ‌و‌ الفرقان ابلغ ‌من‌ الفرق لانه يستعمل ‌فى‌ الفرق بين الحق ‌و‌ الباطل ‌و‌ ‌هو‌ اسم ‌لا‌ مصدر فيما قيل، ‌و‌ الفرق يستعمل ‌فى‌ ذلك ‌و‌ ‌فى‌ غيره، انتهى.
 ‌و‌ الاصح انه مصدر ثم استعمل اسما ‌فى‌ كل مافرق ‌به‌ بين الحق ‌و‌ الباطل.
 ‌و‌ روى عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: «القرآن جمله الكتاب ‌و‌ الفرقان المحكم الواجب العمل به».
 ‌و‌ عن ابن عباس: ‌ان‌ المراد بالهدى الاول ‌فى‌ الايه الهدى ‌من‌ الضلاله ‌و‌ بالثانى بيان الحلال ‌و‌ الحرام.
 ‌و‌ عن الاصم: ‌ان‌ الاول ‌ما‌ كلف ‌به‌ ‌من‌ العلوم ‌و‌ الثانى ‌ما‌ يشتمل عليه ‌من‌ ذكر الانبياء ‌و‌ شرائعهم ‌و‌ اخبارهم لانها لاتدرك الا بالقرآن.
 ‌و‌ قال النيسابورى: لما كان الهدى قسمين جلى مكشوف ‌و‌ خفى مشتبه وصفه اولا بجنس الهدايه، ثم قال: انه ‌من‌ نوع البين الواضح، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يقال: القرآن هدى ‌فى‌ نفسه ‌و‌ مع ذلك ففيه ايضا بينات ‌من‌ هدى الكتب المتقدمه فيكون المراد بالهدى ‌و‌ الفرقان التوراه ‌و‌ الانجيل، ‌او‌ يقال: الهدى الاول اصول الدين ‌و‌ الثانى فروعه فيزول التكرار انتهى.
 
و «الفاء» ‌من‌ قوله: «فابان فضيلته»: عاطفه سببيه ‌اى‌ فبسبب انزال القرآن فيه ابان فضيلته الى آخره.
 قال المفسرون: فائده وصف الشهر بانزال القرآن فيه التنبيه على عله تخصيصه بالصوم فيه ‌و‌ ذلك انه لما خص باعظم آيات الربوبيه ناسب ‌ان‌ يخص باشق سمات العبوديه فبقدر هضم النفس يترقى العبد ‌فى‌ مدارج الانس، ‌و‌ يصل الى معارج القدس ‌و‌ تنكشف عنه الحجب الناسوتيه ‌و‌ يطلع على الحكم اللاهوتيه.
 ‌و‌ «الباء» ‌من‌ قوله عليه السلام: «بما جعل» للسببيه ‌او‌ للاستعانه.
 ‌و‌ الحرمات: جمع حرمه بالضم كغرفه ‌و‌ غرفات: ‌و‌ هى ‌ما‌ ‌لا‌ يحل انتهاكه ‌اى‌ تناولها بما ‌لا‌ يحل.
 ‌و‌ الموفور: اسم مفعول ‌من‌ وفرت الشى ء وفرا ‌من‌ باب- وعد-: ‌اى‌ اتممته ‌و‌ اكملته، ‌و‌ يقال ايضا: وفر الشى ء وفورا اذا تم ‌و‌ كمل، يتعدى ‌و‌ ‌لا‌ يتعدى ‌و‌ المصدر فارق.
 ‌و‌ الفضائل: جمع فضيله، ‌و‌ هى الدرجه الرفيعه ‌فى‌ الفضل ‌و‌ الخير ‌و‌ الكمال.
 ‌و‌ المشهوره: الظاهره المعروفه، ‌من‌ شهرت الشى ء اذا اظهرته ‌و‌ ابرزته.
 ‌و‌ «الفاء» ‌من‌ قوله «فحرم»: للترتيب الذكرى، ‌و‌ ‌هو‌ عطف المفصل على المجمل نحو، توضا فغسل وجهه ‌و‌ يديه ‌و‌ مسح راسه ‌و‌ رجليه لان ‌ما‌ بعدها تفصيل لما جعله له تعالى ‌من‌ الحرمات ‌و‌ الفضائل.
 ‌و‌ حرم الله الشى ء تحريما: منع ‌من‌ فعله.
 ‌و‌ احله احلالا: اباحه.
 ‌و‌ اعظمت الشى ء اعظاما ‌و‌ عظمته تعظيما: فخمته ‌و‌ وقرته ‌اى‌ لاجل الاعظام فهو منصوب على المفعول لاجله ‌و‌ مثله اكراما ‌فى‌ الفقره الثانيه.
 ‌و‌ الحجر: المنع، ‌و‌ فعله ‌من‌ باب- قتل-.
 ‌و‌ المطاعم ‌و‌ المشارب: جمع مطعم ‌و‌ مشرب بمعنى الطعام ‌و‌ الشراب، ‌و‌ هما ‌ما‌ يوكل
 
و يشرب.
 قال ‌فى‌ الاساس: كثر عنده الطعام ‌و‌ الطعم ‌و‌ المطعم ‌و‌ الاطعمه ‌و‌ المطاعم.
 ‌و‌ قال الفارابى:- ‌فى‌ ديوان الادب- المشرب: الشراب ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكونا مصدرين.
 قال ‌فى‌ الكشاف ‌فى‌ قوله تعالى: «و لهم فيها منافع ‌و‌ مشارب افلا يشكرون»، مشارب: جمع مشرب ‌و‌ ‌هو‌ موضع الشرب ‌او‌ الشرب انتهى.
 ‌و‌ الوقت: مقدار ‌من‌ الزمان مفروض لامر ما.
 ‌و‌ بينا: ‌اى‌ واضحا.
 ‌و‌ جمله قوله عليه السلام: «لايجيز» الى آخره ‌فى‌ محل نصب صفه ثانيه لقوله: «وقتا».
 قال بعض العلماء: السبب ‌فى‌ تعيين بعض الاوقات لعباده مخصوصه كشهر رمضان للصوم، ‌و‌ اشهر الحج للحج: ‌ان‌ لبعض الاوقات اثرا ‌فى‌ زياده الثواب ‌او‌ العقاب كالامكنه، ‌و‌ كان الحكماء يختارون لاجابه الدعاء اوقاتا مخصوصه، ‌و‌ فيه فائده اخرى ‌و‌ هى ‌ان‌ الانسان جبل على اتباع الشهوه ‌و‌ الهوى، ‌و‌ منعه ‌من‌ ذلك على الاطلاق شاق عليه فخص بعض الازمنه ‌و‌ الامكنه بطاعه ليسهل عليه الاتيان بها فيهما ‌و‌ ‌لا‌ يمتنع عن ذلك، ثم لو اقتصر على ذلك فهو امر مطلوب ‌فى‌ نفسه ‌و‌ ‌ان‌ جره ذلك على الاستدامه ‌و‌ الاستقامه بحسب الالفه ‌و‌ الاعتياد ‌او‌ لاعتقاده ‌ان‌ الاقدام على ‌ضد‌ ذلك يبطل مساعيه السالفه فذلك ‌هو‌ المطلوب الكلى، ‌و‌ ‌لا‌ ريب ‌ان‌ تخصيص ذلك ‌من‌ الشارع اقرب الى اتحاد الاراء ‌و‌ اتفاق الكلمه ‌و‌ الله اعلم.
 
«ثم»: هنا لافاده الترتيب بحسب الرتبه ارتفاعا، ‌و‌ الدلاله على مباينه معطوفها للمعطوف عليه فضلا ‌و‌ مزيه ‌و‌ تراخيه عنه ‌فى‌ زياده ابانه الفضيله ‌و‌ التفخيم، اذ كان تفضيل ليله واحده ‌من‌ لياليه على ليالى الف شهر ادخل ‌فى‌ ابانته تعالى لفضيلته ‌و‌ اجلب للتعجب ‌من‌ السامع.
 ‌و‌ واحده: نعت لليله جى ‌به‌ للتاكيد لدفع توهم كون القصد الى الجنس لان الاسم الحامل للجنس، ‌و‌ الوحده ربما يقصد ‌به‌ الى الجنس ‌و‌ ربما يقصد ‌به‌ الى الوحده.
 ‌و‌ من: تبعيضيه واقعه مع مجرورها صفه ثانيه لليله ‌اى‌ كائنه ‌من‌ لياليه.
 ‌و‌ تفضيل الشى ء على غيره جعله افضل منه.
 ‌و‌ على: للاستعلاء المعنوى ‌و‌ هذا التفضيل اشاره الى قوله تعالى: «ليله القدر خير ‌من‌ الف شهر»، ‌و‌ معنى كونها خيرا ‌من‌ الف شهر: ‌ان‌ العباده فيها خير ‌من‌ العباده ‌فى‌ الف شهر ليس فيها هذه الليله ‌و‌ ذلك لما فيها ‌من‌ الخيرات ‌و‌ البركات ‌و‌ تقدير الارزاق ‌و‌ المنافع الدينيه ‌و‌ الدنيويه كما رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال له بعض اصحابنا قال: ‌و‌ ‌لا‌ اعلمه الا سعيد السمان: كيف تكون ليله القدر خيرا ‌من‌ الف شهر؟ قال: العمل فيها خير ‌من‌ العمل ‌فى‌ الف شهر ليس فيها ليله القدر.
 ‌و‌ بسنده عن حمران انه سال اباجعفر عليه السلام قال: قلت: «ليله القدر خير ‌من‌ الف شهر» ‌اى‌ شى ء عنى بذلك؟ فقال: العمل الصالح فيها ‌من‌ الصلاه
 
و الزكاه ‌و‌ انواع الخير خير ‌من‌ العمل ‌فى‌ الف شهر ليس فيها ليله القدر، ‌و‌ لو ‌لا‌ ‌ما‌ يضاعف الله تبارك ‌و‌ تعالى للمومنين ‌ما‌ بلغوا ‌و‌ لكن الله يضاعف لهم الحسنات.
 قال بعضهم: ‌و‌ تخصيص الالف بالذكر للاشعار بالانتهاء الى عدد ‌لا‌ اسم لما فوقه على الخصوص فتخصيصه بالذكر للتكثير.
 ‌و‌ قال مجاهد: كان ‌فى‌ بنى اسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح ثم يجاهد النهار حتى يمسى فعل ذلك الف شهر فتعجب رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ المومنون ‌من‌ ذلك فانزل الله تعالى سوره «انا انزلناه» فاعطوا ليله هى خير ‌من‌ مده ذلك الغازى.
 ‌و‌ يويده ‌ما‌ روى عن مالك ‌بن‌ انس ‌ان‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ارى اعمار الناس فاستقصرها ‌و‌ خاف ‌ان‌ ‌لا‌ يبلغوا ‌من‌ الاعمار مثل ‌ما‌ بلغه سائر الامم فاعطاه الله ليله هى خير ‌من‌ الف شهر لسائر الامم.
 ‌و‌ قيل: ‌ان‌ الرجل فيما مضى ‌ما‌ كان يستحق اسم العابد حتى يعبد الله الف شهر.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ارى رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله بنى اميه يصعدون على منبره ‌من‌ بعده ‌و‌ يضلون الناس الصراط القهقرى فاصبح كئيبا حزينا قال: فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: ‌يا‌ رسول الله مالى اراك كئيبا حزينا؟ فقال: ‌يا‌ جبرئيل انى رايت بنى اميه ‌فى‌ ليلتى هذه يصعدون منبرى ‌من‌ بعدى ‌و‌ يضلون الناس عن الصراط القهقرى، قال: ‌و‌ الذى بعثك بالحق نبيا انى ‌ما‌ اطلعت على ذلك، فعرج الى السماء فلم يلبث ‌ان‌ نزل عليه
 
باى ‌من‌ القرآن يونسه بها، قال: «افرايت ‌ان‌ متعناهم سنين ثم جاءهم ‌ما‌ كانوا يوعدون فما اغنى عنهم ‌ما‌ كانوا يمتعون» ‌و‌ انزل عليه «انا انزلناه ‌فى‌ ليله القدر، ‌و‌ ‌ما‌ ادريك ‌ما‌ ليله القدر، ليله القدر خير ‌من‌ الف شهر» جعل الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ليله القدر لنبيه عليه السلام خيرا ‌من‌ الف شهر ملك بنى اميه.
 ‌و‌ قد تقدم مضمون هذا الحديث ‌فى‌ سند روايه الصحيفه الشريفه ‌و‌ تكلمنا عليه ‌فى‌ شرحه هناك.
 قوله عليه السلام: «و سماها ليله القدر»، قال اكثر العلماء: القدر بمعنى التقدير. قال على ‌بن‌ ابراهيم: معنى ليله القدر: ‌ان‌ الله يقدر فيها الاجال ‌و‌ الارزاق ‌و‌ كل امر يحدث ‌من‌ موت ‌او‌ حياه ‌او‌ خطب ‌او‌ جدب ‌او‌ خير ‌او‌ ‌شر‌ كما قال الله: «فيها يفرق كل امر حكيم» الى سنه.
 ‌و‌ هذا المعنى ‌هو‌ المروى عن ابى جعفر عليه السلام على ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام بسنده عن حمران عنه عليه السلام انه قال: يقدر ‌فى‌ ليله القدر كل شى ء يكون ‌فى‌ تلك السنه الى مثلها ‌من‌ قابل خير ‌و‌ ‌شر‌ ‌و‌ طاعه ‌و‌ معصيه ‌و‌ مولود ‌و‌ اجل ‌و‌ رزق فما قدر ‌فى‌ تلك السنه ‌و‌ قضى فهو المحتوم ‌و‌ لله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ فيه المشيئه، الحديث.
 ‌و‌ المراد اظهار تلك المقادير للملائكه ‌و‌ النبى ‌و‌ الائمه عليهم السلام ‌فى‌ تلك الليله ‌و‌ الا فالمقادير ‌من‌ الازل الى الابد ثابته ‌فى‌ اللوح المحفوظ.
 ‌و‌ قيل: القدر بمعنى الشرف ‌و‌ الخطر يعنى ليله الشرف ‌و‌ العظمه ‌من‌ قولهم: لفلان قدر عند الناس ‌اى‌ منزله ‌و‌ خطر كما يناسبه قوله: «ليله القدر خير ‌من‌ الف شهر» ثم هذا الشرف اما ‌ان‌ يرجع الى الفاعل ‌اى‌ ‌من‌ اتى فيها بالطاعه صار ذا قدر ‌و‌ شرف ‌و‌ اما ‌ان‌ يرجع الى الفعل لان الطاعه فيها اكثر ثوابا ‌و‌ قبولا.
 
و عن الوراق: «من شرفها انه انزل فيها كتاب ذو قدر على لسان ملك ذى قدر الى امه ذوى قدر».
 ‌و‌ لعل الله تعالى انما ذكر لفظ القدر ‌فى‌ هذه السوره ثلاث مرات لهذا السبب.
 ‌و‌ قيل: التقدير: بمعنى الضيق ‌و‌ ذلك ‌ان‌ الارض ‌فى‌ هذه الليله تضيق عن الملائكه ‌من‌ قوله تعالى: «و ‌من‌ قدر عليه رزقه» ‌و‌ هذا القول يعزى الى الخليل ‌بن‌ احمد رحمه الله.
 قوله: «تنزل الملائكه ‌و‌ الروح فيها باذن ربهم»: ‌اى‌ تتنزل فحذفت احدى التائين تخفيفا على ‌حد‌ قوله تعالى: «نارا تلظى» ‌و‌ الجمله استيئناف مبين لمناط فضلها على تلك المده المتطاوله كما روى عن على ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام: هى خير ‌من‌ الف شهر لانها تنزل الملائكه ‌و‌ الروح فيها باذن ربهم ‌من‌ كل امر. ‌و‌ الروح: قيل ‌هو‌ الوحى كما قال تعالى: «و كذلك اوحينا اليك روحا ‌من‌ امرنا» ‌اى‌ تنزل الملائكه ‌و‌ معهم الوحى بالمقادير.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ روح القدس ‌و‌ ‌هو‌ جبرئيل.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ خلق اعظم ‌من‌ الملائكه، رواه ابوجعفر الصفار ‌فى‌ بصائر الدرجات بسنده عن ابى بصير قال: كنت مع ابى عبدالله عليه السلام فذكر شيئا ‌من‌ امر الامام اذا ولد قال: ‌و‌ استوجب زياده الروح ‌فى‌ ليله القدر، فقلت: جعلت فداك اليس الروح جبرئيل؟ فقال: جبرئيل ‌من‌ الملائكه ‌و‌ الروح خلق اعظم ‌من‌ الملائكه اليس الله يقول: «تنزل الملائكه ‌و‌ الروح».
 ‌و‌ قد سبق ‌فى‌ الروضه الثالثه ‌فى‌ شرح دعاء الصلاه على حمله العرش، ‌و‌ كل ملك
 
مقرب ‌ما‌ قيل ‌فى‌ شان الروح على التفصيل، ‌و‌ اوردنا جمله ‌من‌ الاخبار المرويه عن اهل البيت عليهم السلام ‌فى‌ ذلك.
 ‌و‌ الظرف ‌من‌ قوله: «باذن ربهم» لغو متعلق بتنزل، ‌او‌ مستقر متعلق بمحذوف ‌هو‌ حال ‌من‌ مفعوله، ‌اى‌ ملتبسين، باذن ربهم: ‌اى‌ بامره كما قال: «و ‌ما‌ نتنزل الا بامر ربك».
 ‌و‌ قيل: بعلم ربهم، كما قال: «انزله بعلمه».
 ‌و‌ قوله: «من كل امر» ‌اى‌ ‌من‌ اجل كل امر قضاه الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌من‌ رزق ‌و‌ اجل ‌و‌ نحو ذلك لتلك السنه الى مثلها ‌من‌ العام القابل كقوله تعالى: «فيها يفرق كل امر حكيم».
 ‌و‌ قيل: ‌من‌ اجل كل مهم بعضهم للركوع ‌و‌ بعضهم للسجود ‌و‌ بعضهم للتسليم.
 روى: انهم ‌لا‌ يلقون مومنا ‌و‌ ‌لا‌ مومنه الا سلموا عليه.
 قال بعضهم: ‌و‌ على هذا فلعل للطاعه ‌فى‌ الارض خاصيه ‌فى‌ هذه الليله فالملائكه يطلبونها ايضا طمعا ‌فى‌ مزيد الثواب كما ‌ان‌ الرجل يذهب الى مكه لتصير طاعاته اكثر ثوابا.
 قوله: «سلام دائم البركه الى طلوع الفجر» ‌اى‌ هى سلام ‌او‌ سلام هى اتباعا لقوله تعالى: «سلام هى حتى مطلع الفجر» ‌و‌ حذفه لقرينه النص المغنيه عن ذكره، ‌و‌ تخييل العدول الى اقوى الدليلين ‌من‌ العقل ‌و‌ اللفظ كما ‌فى‌ قوله: قيل لى كيف انت؟ قلت: عليل.
 قال النيسابورى: ‌و‌ معنى سلام: هى ‌ان‌ هذه الليله ‌ما‌ هى الا سلامه ‌و‌ خير فاما سائر الليالى فيكون فيها بلاء ‌و‌ سلامه ‌او‌ ‌ما‌ هى الا سلام لكثره سلام الملائكه على
 
المومنين ‌و‌ قال ابومسلم: يعنى هذه الليله سالمه عن الرياح المزعجه ‌و‌ الصواعق ‌و‌ نحوها ‌او‌ هى سلامه عن تسلط الشيطان ‌و‌ نخسه ‌او‌ سالمه عن تفاوت العباده ‌فى‌ اجزائها بخلاف سائر الليالى فان النفل فيها كلما قرب ‌من‌ الفجر الثانى كان افضل.
 ‌و‌ قال على ‌بن‌ ابراهيم: قال تحيه يحيى بها الامام الى ‌ان‌ يطلع الفجر.
 ‌و‌ ‌فى‌ خبر آخر عن على ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام: ‌هو‌ سلام الملائكه ‌و‌ الروح على الرسول ‌و‌ الامام ‌من‌ اول ‌ما‌ يهبطون الى مطلع الفجر.
 ‌و‌ الدائم: الممتد زمانه ‌و‌ الثابت ‌و‌ المتتابع، يقال: دام المطر: اذا تتابع نزوله.
 ‌و‌ البركه: كثره الخير ‌و‌ نماوه، ‌و‌ فيه تلميح الى قوله تعالى «انا انزلناه ‌فى‌ ليله مباركه فيها يفرق كل امر حكيم»، فالبركه ثابته متتابعه ‌فى‌ هذه الليله بدوام السلام الى ‌ان‌ يطلع الفجر فان المبارك ‌ما‌ فيه نماء الخير ‌و‌ كثرته.
 ‌و‌ قوله: «على ‌من‌ يشاء ‌من‌ عباده» متعلق بتنزل لقوله بعده: «بما احكم ‌من‌ قضائه» ‌و‌ ‌من‌ زعم انه متعلق بسلام فقد اخطا ‌او‌ تعسف.
 ‌و‌ قوله: «بما احكم ‌من‌ قضائه» متعلق بتنزل ايضا، ‌اى‌ تنزل الملائكه ‌و‌ الروح على ‌من‌ يشاء ‌من‌ عباده بما احكم ‌من‌ قضائه كما قال تعالى: «نزل ‌به‌ الروح الامين على قلبك».
 ‌و‌ «الباء»: قيل: للمصاحبه ‌فى‌ كل ‌من‌ تنزل ‌به‌ ‌و‌ نزل ‌به‌ ‌لا‌ للتعديه كالهمزه ‌و‌ التضعيف، اذ ‌لا‌ يقال: نزل الله بكذا ‌و‌ ‌لا‌ تنزل ‌به‌ كما يقال: انزله ‌و‌ نزله، ‌و‌ لو
 
كانت كالهمزه ‌و‌ التضعيف صح كما صح ذهب الله ‌به‌ ‌و‌ اذهبه.
 قال الراغب: يقال: نزل الملك بكذا ‌و‌ تنزل ‌به‌ ‌و‌ ‌لا‌ يقال: نزل الله بكذا ‌و‌ ‌لا‌ تنزل به.
 ‌و‌ نص اكثر اللغويين على ‌ان‌ نزل ‌به‌ ‌و‌ تنزل ‌به‌ بمعنى انزله، ‌و‌ على هذا فلعل منعهم ‌من‌ ‌ان‌ يقال: نزل الله بكذا ‌او‌ تنزل ‌به‌ تفاد عن اسناد النزول اليه سبحانه، ‌او‌ لما ‌فى‌ الباء ‌من‌ معنى المصاحبه ‌و‌ الالصاق ‌و‌ ‌ان‌ كانت للتعديه كالهمزه كما نص عليه الشريف العلامه ‌فى‌ حواشى الكشاف. ‌و‌ لذلك قال الزمخشرى ‌فى‌ قوله تعالى: «ذهب الله بنورهم» ‌ان‌ المعنى: اخذ الله نورهم ‌و‌ امسكه، ‌من‌ قولهم: ذهب السلطان بماله اذا اخذه.
 ‌و‌ المراد «بمن يشاء ‌من‌ عباده»: امام الزمان «و بما احكم ‌من‌ قضائه»: ‌ما‌ قضى ‌و‌ ابرم ‌و‌ امضى ‌و‌ حتم ‌و‌ لم يكن فيه تقديم ‌و‌ تاخير ‌و‌ ‌لا‌ تبديل ‌و‌ تغيير يدل على ذلك ‌ما‌ رواه ابوجعفر الصفار ‌فى‌ كتاب بصائر الدرجات باسناده عن داود ‌بن‌ فرقد قال: سالته عن قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «انا انزلناه ‌فى‌ ليله القدر ‌و‌ ‌ما‌ ادريك ‌ما‌ ليله القدر» قال: ينزل فيها ‌ما‌ يكون ‌من‌ السنه الى السنه ‌من‌ موت ‌او‌ مولود، قلت: الى من؟ فقال: الى ‌من‌ عسى ‌ان‌ يكون، ‌ان‌ الناس ‌فى‌ تلك الليله ‌فى‌ صلاه ‌و‌ دعاء ‌و‌ مساله ‌و‌ صاحب هذا الامر ‌فى‌ شغل تنزل الملائكه اليه بامور السنه ‌من‌ غروب الشمس الى طلوعها ‌من‌ كل امر سلام هى له الى ‌ان‌ يطلع الفجر.
 ‌و‌ باسناده عن محمد ‌بن‌ حمران، عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قلت له: ‌ان‌ الناس يقولون ‌ان‌ ليله النصف ‌من‌ شعبان يكتب فيها الاجال ‌و‌ تقسم فيها الارزاق ‌و‌ تخرج صكاك الحاج، فقال: ‌ما‌ عندنا ‌فى‌ هذا شى ء ‌و‌ لكن اذا كانت ليله تسع
 
عشره ‌من‌ رمضان يكتب فيها الاجال ‌و‌ تقسم الارزاق، ‌و‌ تخرج صكاك الحاج، ‌و‌ يطلع الله على خلقه فلا يبقى مومن الا غفر له الا شارب مسكر فاذا كانت ليله ثلاث ‌و‌ عشرين فيها يفرق كل امر حكيم امضاه ثم انهاه قلت: الى ‌من‌ جعلت فداك؟ فقال: الى صاحبكم ‌و‌ لو ‌لا‌ ذلك لم يعلم ‌ما‌ يكون ‌فى‌ تلك السنه.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن زراره قال: قال ابوعبدالله عليه السلام: التقدير ‌فى‌ ليله تسع عشره، ‌و‌ الابرام ‌فى‌ ليله احدى ‌و‌ عشرين، ‌و‌ الامضاء ‌فى‌ ليله ثلاث ‌و‌ عشرين.
 ‌و‌ ‌فى‌ حديث عنه عليه السلام ‌ان‌ ‌ما‌ امضاه تعالى تكون ‌من‌ المحتوم الذى لايبدو له فيه تبارك ‌و‌ تعالى.
 ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى كثيره، ‌و‌ الله اعلم.
 
 تنبيهات
 
 الاول: قال النيسابورى: قوله تعالى: «تنزل الملائكه» يقتضى نزول كل الملائكه اما الى السماء الدنيا، ‌و‌ اما الى الارض ‌و‌ ‌هو‌ قول الاكثرين، ‌و‌ على التقديرين فان المكان ‌لا‌ يسعهم الا على سبيل التناوب ‌و‌ النزول فوجا فوجا كاهل الحج فانهم على كثرتهم يدخلون الكعبه افواجا، انتهى.
 ‌و‌ الذى تدل عليه الروايات عن اهل البيت عليهم السلام ‌ان‌ النازل ‌فى‌ ليله القدر بعض الملائكه لاجميعهم كما روى عن ابى جعفر عليه السلام ‌فى‌ حديث طويل انه قال: حتى اذا اتت ليله القدر فيهبط ‌من‌ الملائكه الى ولى الامر خلق الله.
 
قال بعض اصحابنا: لعل المراد بخلق الله بعض الملائكه كما ‌هو‌ ظاهر هذه العباره.
 ‌و‌ روى ابوجعفر الصفار ‌فى‌ بصائر الدرجات باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله هبط جبرئيل ‌و‌ معه الملائكه ‌و‌ الروح الذين كانوا يهبطون ‌فى‌ ليله القدر الحديث.
 ‌و‌ ‌هو‌ صريح ‌فى‌ المطلوب ‌و‌ على هذا فاللام ‌فى‌ الملائكه للعهد ‌لا‌ للجنس.
 الثانى: ظاهر القرآن ‌و‌ صريح الاخبار عن اهل البيت عليهم السلام ‌و‌ صريح اقوال علمائنا استمرار وجود ليله القدر ‌فى‌ كل عام الى آخر الدهر.
 ‌و‌ اما العامه فقال المازرى ‌و‌ النووى منهم: اجمع ‌من‌ يعتد ‌به‌ على وجودها ‌و‌ دوامها الى آخر الدهر ‌و‌ تحققها ‌من‌ شاء الله ‌من‌ بنى آدم كل سنه.
 ‌و‌ قال عياض: ‌و‌ شذ قوم فقالوا: رفعت.
 ‌و‌ قد روى عبدالرزاق الصغانى ‌من‌ طريق داود ‌بن‌ ابى عاصم عن عبدالله ‌بن‌ محصن قال: قلت لابى هريره: زعموا ‌ان‌ ليله القدر رفعت؟ قال: كذب ‌من‌ قال ذلك.
 الثالث: اختلف ‌فى‌ تعيين ليله القدر ‌اى‌ ليله هى فقيل: هى ‌فى‌ مجموع السنه ‌لا‌ تخص رمضان ‌و‌ ‌لا‌ غيره ‌و‌ ‌هو‌ مختار ابى حنيفه.
 ‌و‌ روى ذلك عن ابن مسعود قال: ‌من‌ يقم الحول كله يصبها، فبلغ ذلك عبدالله ‌بن‌ عمر فقال: رحم الله اباعبدالرحمن اما انه علم انها ‌فى‌ شهر رمضان ‌و‌ لكنه اراد ‌ان‌ ‌لا‌ يتكل الناس.
 
و عن عكرمه انها ليله النصف ‌من‌ شعبان.
 ‌و‌ الجمهور على انها ‌فى‌ شهر رمضان.
 ‌و‌ عليه اجماع الاماميه كما ‌هو‌ صريح عباره الدعاء ثم اختلف ‌فى‌ تعيينها ‌من‌ لياليه على ثلاثه ‌و‌ اربعين قولا ‌و‌ الصحيح انها ‌فى‌ العشر الاواخر كما رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند صحيح عن حمران انه سال اباجعفر عليه السلام عن قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «انا انزلناه ‌فى‌ ليله مباركه» قال: نعم ليله القدر ‌و‌ هى ‌فى‌ كل سنه ‌فى‌ شهر رمضان ‌فى‌ العشر الاواخر، الحديث.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ايضا بسند صحيح عن حسان ‌بن‌ مهران، عن ابى عبدالله عليه السلام قال: سالته عن ليله القدر فقال التمسها ‌فى‌ ليله احدى ‌و‌ عشرين ‌او‌ ليله ثلاث ‌و‌ عشرين.
 ‌و‌ روى شيخ الطائفه ‌فى‌ التهذيب بسنده عن زراره، عن ابى جعفر عليه السلام قال: سالته عن ليله القدر فقال: هى ليله احدى ‌و‌ عشرين ‌او‌ ثلاث ‌و‌ عشرين قلت: اليس انما هى ليله واحده؟ قال: بلى، قلت: فاخبرنى بها، فقال: ‌و‌ ‌ما‌ عليك ‌ان‌ تفعل خيرا ‌فى‌ ليلتين.
 ‌و‌ روى ايضا بسنده عن محمد ‌بن‌ ايوب، عن ابيه قال: سمعت اباجعفر عليه السلام يقول: ‌ان‌ الجهنى اتى رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله، فقال: ‌يا‌ رسول الله ‌ان‌ لى ابلا ‌و‌ غنما ‌و‌ غلمه فاحب ‌ان‌ تامرنى بليله ادخل فيها فاشهد الصلاه ‌و‌ ذلك ‌فى‌ شهر رمضان فدعاه رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم فساره ‌فى‌ اذنه، فكان الجهنى اذا كان ليله ثلاث ‌و‌ عشرين دخل بابله ‌و‌ اهله الى مكانه.
 ‌و‌ الجهنى المذكور ‌هو‌ عبدالله ‌بن‌ انيس الجهنى يكنى ابايحيى حليف الانصار
 
شهد العقبه ‌و‌ احدا ‌و‌ مات بالشام ‌فى‌ خلافه معاويه سنه اربع ‌و‌ خمسين.
 قال ابن حجر: ‌و‌ وهم ‌من‌ قال سنه ثمانين ‌و‌ ‌فى‌ روايه انه قال لرسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌ان‌ منزلى ناء عن المدينه فمرنى بليله ادخل فيها فامره بليله ثلاث ‌و‌ عشرين.
 ‌و‌ روى رئيس المحدثين ‌فى‌ الفقيه قال: روى محمد ‌بن‌ حمران، عن سفيان ‌بن‌ السمط، قال: قلت لابى عبدالله عليه السلام: الليالى التى يرجى فيها ‌من‌ شهر رمضان فقال تسع عشره، ‌و‌ احدى ‌و‌ عشرين، ‌و‌ ثلاث ‌و‌ عشرين، قلت: فان اخذت الانسان الفتره ‌او‌ عله ‌ما‌ المعتمد عليه ‌من‌ ذلك؟ فقال: ثلاث ‌و‌ عشرين.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام بسند صحيح، عن محمد ‌بن‌ مسلم، عن احدهما عليهماالسلام قال: سالته عن علامه ليله القدر؟ فقال: علامتها: ‌ان‌ يطيب ريحها ‌و‌ ‌ان‌ كانت ‌فى‌ برد دفئت ‌و‌ ‌ان‌ كانت ‌فى‌ حر بردت فطابت.
 ‌و‌ روى الحسن عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم قال ‌فى‌ ليله القدر انها ليله سمحه ‌لا‌ حاره ‌و‌ ‌لا‌ بارده تطلع الشمس ‌فى‌ صبيحتها ليس لها شعاع.
 الرابع: اجمعوا على ‌ان‌ الحكمه ‌فى‌ اخفاء ليله القدر كالحكمه ‌فى‌ اخفاء الصلاه الوسطى ‌فى‌ الصلوات الخمس، ‌و‌ اسم الله الاعظم ‌فى‌ الاسماء الحسنى ‌و‌ ساعه الاجابه ‌فى‌ ساعات الجمعه حتى يجتهد المكلف ‌فى‌ الطاعه ‌و‌ يحيى ‌من‌ يريدها الليالى الكثيره طلبا لموافقتها فتكثر عبادته ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يتكل الناس عند اظهارها على اصابه الفضل فيها فيفرطوا ‌فى‌ غيرها ‌و‌ الله اعلم.
 التفت عليه السلام ‌من‌ الغيبه الى الخطاب جريا على نهج البلاغه ‌فى‌ افتنان
 
الكلام كما تقدم بيانه ‌فى‌ الروضه السادسه ‌و‌ اكثر النكت التى ذكرناها هناك جاريه هنا فليرجع اليها.
 
و الالهام لغه: الاعلام مطلقا، ‌و‌ اصطلاحا: القاء الخير ‌فى‌ قلب الغير بلا استفاضه فكريه منه، فان حمل هنا على معناه اللغوى فالمراد بمعرفه فضله العلم ‌به‌ ‌و‌ لو بالتعلم ‌و‌ الاستفاضه، ‌و‌ ‌ان‌ حمل على الاصطلاحى فالمراد بها ادراكه على ‌ما‌ ‌هو‌ عليه، اذ ‌لا‌ يكون ذلك الا بالالهام المصطلح ‌و‌ يرجح هذا تفسير الجمهور للمعرفه بانها ادراك الشى ء على ‌ما‌ ‌هو‌ عليه ‌و‌ ‌ان‌ كان مسبوقا بالجهل ‌و‌ لهذا ‌لا‌ يقال: الله عارف، ‌و‌ يقال: عالم، ‌و‌ الغرض ‌من‌ سوال «الهام معرفه فضله ‌و‌ اجلال حرمته ‌و‌ التحفظ مما حظر فيه» ايفاوه حقه ‌من‌ الاحترام ‌و‌ الاحتراز عما ‌لا‌ يحل فيه كما ينبغى ‌و‌ يجب كيلا يكون مقصرا ‌او‌ متوانيا.
 ‌و‌ اجلال الشى ء: تعظيمه.
 ‌و‌ الحرمه: ‌ما‌ ‌لا‌ يحل انتهاكه.
 ‌و‌ التحفظ: التحرز.
 ‌و‌ حظره حظرا ‌من‌ باب- قتل-: منعه ‌و‌ حرمه.
 ‌و‌ «الباء» ‌من‌ قوله: «بكف الجوارح» للملابسه: ‌اى‌ ملتبسين بمنع الجوارح،
 
يقال كففته عن الشى ء كفا ‌من‌ باب- قتل-: ‌اى‌ منعته.
 ‌و‌ الجوارح: الاعضاء جمع جارحه.
 ‌و‌ اللهو: ‌ما‌ يشغل الانسان عما يعنيه ‌و‌ يهمه ‌و‌ تقييد الاسراع اليه بالابصار للمبالغه ‌فى‌ سوال اجتنابه اذ كان النظر رائد الفجور، ‌و‌ ‌فى‌ التوراه: النظر يزرع الشهوه، ‌و‌ رب شهوه اورثت حزنا طويلا ‌و‌ لذلك امر سبحانه المومنين بغض الابصار اولا، ثم بحفظ الفروج ثانيا فقال: «قل للمومنين يغضوا ‌من‌ ابصارهم ‌و‌ يحفظوا فروجهم».
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه ابن ادريس رحمه الله: «و ‌لا‌ نسرح بابصارنا ‌فى‌ لهو»: ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ سرحت الابل سرحا ‌من‌ باب- نفع-: رعت بنفسها ‌و‌ ‌هو‌ استعاره مكنيه مرشحه ‌او‌ تمثيليه ‌او‌ تبعيه.
 الاول: اجمع المسلمون ‌من‌ الخاصه ‌و‌ العامه على ‌ان‌ شهر رمضان افضل الشهور.
 اما العامه: فلما رواه النسائى انه صلى الله عليه ‌و‌ آله ذكر رمضان ‌و‌ فضله على سائر الشهور ‌و‌ قال: ‌من‌ صامه ايمانا ‌و‌ احتسابا غفر له ‌ما‌ تقدم ‌من‌ ذنبه.
 ‌و‌ روى الحليمى منهم انه صلى الله عليه ‌و‌ آله قال: سيد الشهور رمضان.
 ‌و‌ اما الخاصه: فلما تواتر عن اصحاب العصمه عليهم السلام ‌من‌ الاخبار الصريحه ‌فى‌ ذلك فمنه ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: لما حضر شهر رمضان ‌و‌ ذلك ‌فى‌ ثلاث بقين ‌من‌ شعبان، قال لبلال ناد ‌فى‌ الناس فجمع الناس ثم صعد المنبر فحمد الله ‌و‌ اثنى عليه ثم قال: «ايها الناس ‌ان‌ هذا الشهر قد خصكم الله ‌به‌ ‌و‌ حضركم ‌و‌ ‌هو‌ سيد الشهور ليله فيه خير ‌من‌ الف شهر تغلق فيه ابواب النار ‌و‌ تفتح فيه ابواب الجنان فمن ادركه ‌و‌ لم يغفر له فابعده الله، ‌و‌ ‌من‌ ادرك والديه فلم يغفر له فابعده الله، ‌و‌ ‌من‌ ذكرت عنده
 
فلم يصل على فلم يغفر له فابعده الله».
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: خطب رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله الناس ‌فى‌ آخر جمعه ‌من‌ شعبان فحمد الله ‌و‌ اثنى عليه ثم قال: ايها الناس انه قد اظلكم شهر فيه ليله خير ‌من‌ الف شهر ‌و‌ ‌هو‌ شهر رمضان فرض الله صيامه ‌و‌ جعل قيام ليله فيه بتطوع صلاه كتطوع سبعين ليله فيما سواه ‌من‌ الشهور ‌و‌ جعل لمن تطوع فيه ‌من‌ خصال الخير كاجر ‌من‌ ادى فريضه ‌من‌ فرائض الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌و‌ ‌من‌ ادى فيه فريضه ‌من‌ فرائض الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ كان كمن ادى سبعين فريضه ‌من‌ فرائض الله فما سواه ‌من‌ الشهور، ‌و‌ ‌هو‌ شهر الصبر، يزيد الله ‌فى‌ رزق المومن فيه ‌و‌ ‌من‌ فطر فيه مومنا صائما كان له بذلك عندالله عتق رقبه ‌و‌ مغفره لذنوبه فيما مضى، قيل: ‌يا‌ رسول الله ليس كلنا يقدر على ‌ان‌ يفطر صائما، فقال: ‌ان‌ الله كريم يعطى هذا الثواب لمن لم يقدر الا على مذقه ‌من‌ لبن يفطر بها صائما ‌او‌ شربه ‌من‌ ماء عذب ‌او‌ تمرات ‌لا‌ يقدر على اكثر ‌من‌ ذلك، ‌و‌ ‌من‌ خفف فيه عن مملوكه خفف الله عنه حسابه، ‌و‌ ‌هو‌ شهر اوله رحمه ‌و‌ اوسطه مغفره ‌و‌ آخره الاجابه ‌و‌ العتق ‌من‌ النار ‌و‌ ‌لا‌ غناء بكم عن اربع خصال خصلتين ترضون الله بهما، ‌و‌ خصلتين ‌لا‌ غنى بكم عنهما، فاما اللتان ترضون الله بهما فشهاده ‌ان‌ ‌لا‌ اله الا الله ‌و‌ ‌ان‌ محمدا رسول الله، ‌و‌ اما اللتان لاغنى بكم عنهما فتسالون الله فيه حوائجكم ‌و‌ الجنه ‌و‌ تسالون العافيه ‌و‌ تعوذون ‌به‌ ‌من‌ النار.
 ‌و‌ روى رئيس المحدثين محمد ‌بن‌ بابويه، عن احمد ‌بن‌ الحسن القطان، عن احمد ‌بن‌ محمد ‌بن‌ سعيد الهمدانى عن على ‌بن‌ الحسن ‌بن‌ فضال، عن ابيه، عن ابى الحسن على ‌بن‌ موسى الرضا عليه السلام، عن ابيه الكاظم موسى ‌بن‌ جعفر، عن ابيه الصادق جعفر ‌بن‌ محمد، عن ابيه الباقر محمد ‌بن‌ على، عن ابيه زين العابدين على
 
بن الحسين، عن ابيه سيدالشهداء الحسين ‌بن‌ على عن ابيه سيد الوصيين اميرالمومنين على ‌بن‌ ابى طالب عليهم السلام قال: ‌ان‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله خطبنا ذات يوم فقال: ايها الناس انه قد اقبل اليكم شهر الله بالبركه ‌و‌ الرحمه ‌و‌ المغفره شهر ‌هو‌ عند الله افضل الشهور ‌و‌ ايامه افضل الايام ‌و‌ لياليه افضل الليالى ‌و‌ ساعاته افضل الساعات ‌هو‌ شهر دعيتم فيه الى ضيافه الله ‌و‌ جعلتم فيه ‌من‌ اهل كرامه الله، انفاسكم فيه تسبيح، ‌و‌ نومكم فيه عباده، ‌و‌ عملكم فيه مقبول، ‌و‌ دعاوكم فيه مستجاب، فاسالوا الله ربكم بنيات صادقه، ‌و‌ قلوب طاهره ‌ان‌ يوفقكم لصيامه ‌و‌ تلاوه كتابه فان الشقى ‌من‌ حرم غفران الله ‌فى‌ هذا الشهر العظيم، ‌و‌ اذكروا بجوعكم ‌و‌ عطشكم فيه جوع يوم القيامه ‌و‌ عطشه ‌و‌ تصدقوا على فقراءكم ‌و‌ مساكينكم ‌و‌ وقروا كباركم ‌و‌ ارحموا صغاركم، ‌و‌ صلوا ارحامكم ‌و‌ احفظوا السنتكم ‌و‌ غضوا عما ‌لا‌ يحل النظر اليه ابصاركم ‌و‌ عما ‌لا‌ يحل الاستماع اليه اسماعكم ‌و‌ تحننوا على ايتام الناس يتحنن على ايتامكم ‌و‌ توبوا الى الله ‌من‌ ذنوبكم ‌و‌ ارفعوا اليه ايديكم بالدعاء ‌فى‌ اوقات صلواتكم فانها افضل الساعات ينظر الله تعالى فيها بالرحمه الى عباده يجيبهم اذا ناجوه ‌و‌ يلبيهم اذا نادوه ‌و‌ يعطيهم اذا سالوه ‌و‌ يستجيب لهم اذا دعوه، ايها الناس: ‌ان‌ انفسكم مرهونه باعمالكم ففكوها باستغفاركم ‌و‌ ظهوركم ثقيله ‌من‌ اوزاركم فخففوا عنها بطول سجودكم ‌و‌ اعلموا ‌ان‌ الله ‌جل‌ ذكره اقسم بعزته ‌ان‌ ‌لا‌ يعذب المصلين ‌و‌ الساجدين ‌و‌ ‌لا‌ يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين.
 ايها الناس: ‌من‌ فطر منكم صائما مومنا ‌فى‌ هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبه ‌و‌ مغفره لما مضى ‌من‌ ذنوبه فقيل ‌يا‌ رسول الله: ‌و‌ ليس كلنا يقدر على ذلك فقال: اتقوا النار ‌و‌ لو بشق تمره اتقوا النار ‌و‌ لو بشربه ماء.
 ايها الناس: ‌و‌ ‌من‌ خفف منكم ‌فى‌ هذا الشهر عن ‌ما‌ ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه ‌و‌ ‌من‌ ‌كف‌ فيه شره ‌كف‌ الله عنه غضبه يوم يلقاه ‌و‌ ‌من‌ اكرم فيه يتيما اكرمه الله يوم يلقاه ‌و‌ ‌من‌ وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ‌و‌ ‌من‌ قطع فيه
 
رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ‌و‌ ‌من‌ تطوع فيه بصلاه كتب الله له براءه ‌من‌ النار، ‌و‌ ‌من‌ ادى فيه فرضا كان له ثواب ‌من‌ ادى سبعين فريضه فيما سواه ‌من‌ الشهور، ‌و‌ ‌من‌ اكثر فيه الصلاه على ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، ‌و‌ ‌من‌ تلا فيه آيه ‌من‌ القرآن كان له مثل اجر ‌من‌ ختم القرآن ‌فى‌ غيره ‌من‌ الشهور.
 ايها الناس: ‌ان‌ ابواب الجنان ‌فى‌ هذا الشهر مفتحه، فاسئلوا ربكم ‌ان‌ ‌لا‌ يغلقها عليكم، ‌و‌ ابواب النيران مغلقه فاسئلوا ربكم ‌ان‌ ‌لا‌ يفتحها عليكم، ‌و‌ الشياطين مغلوله فاسالوا ربكم ‌ان‌ ‌لا‌ يسلطها عليكم.
 قال اميرالمومنين عليه السلام: فقمت ‌و‌ قلت: ‌يا‌ رسول الله ‌ما‌ افضل الاعمال ‌فى‌ هذا الشهر؟ فقال: ‌يا‌ اباالحسن افضل الاعمال ‌فى‌ هذا الشهر الورع عن محارم الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ثم بكى، فقلت: ‌ما‌ يبكيك ‌يا‌ رسول الله؟ فقال: ابكى لما يستحل منك ‌فى‌ هذا الشهر، كانى بك ‌و‌ انت تصلى لربك ‌و‌ قد انبعث اشقى الاولين ‌و‌ الاخرين شقيق عاقر ناقه ثمود فضربك ضربه على قرنك فخضب منها لحيتك، فقلت ‌يا‌ رسول الله: ‌و‌ ذلك ‌فى‌ سلامه ‌من‌ دينى؟ فقال صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌فى‌ سلامه ‌من‌ دينك، ثم قال: ‌يا‌ على ‌من‌ قتلك فقد قتلنى، ‌و‌ ‌من‌ ابغضك فقد ابغضنى لانك منى كنفسى ‌و‌ طينتك ‌من‌ طينتى ‌و‌ انت وصيى ‌و‌ خليفتى على امتى، ‌و‌ الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى كثيره.
 الثانى: ‌فى‌ قوله عليه السلام: «و اعنا على صيامه بكف الجوارح» الى آخر اشاره الى آداب الصائم ‌و‌ قد وردت بذلك اخبار كثيره عنهم عليهم السلام:
 فمنه قول الصادق عليه السلام ‌فى‌ الصحيح: اذا صمت فليصم سمعك ‌و‌ بصرك ‌و‌ شعرك ‌و‌ جلدك ‌و‌ عدد اشياء غير هذا، ‌و‌ قال: ‌لا‌ يكون يوم صومك كيوم فطرك.
 
و عنه عليه السلام: ‌ان‌ الصيام ليس ‌من‌ الطعام ‌و‌ الشراب وحده، ‌ان‌ مريم عليهاالسلام قالت «انى نذرت للرحمن صوما» ‌اى‌ صمتا فاحفظوا السنتكم ‌و‌ غضوا ابصاركم ‌و‌ ‌لا‌ تحاسدوا ‌و‌ ‌لا‌ تنازعوا فان الحسد ياكل الايمان كما تاكل النار الحطب.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: سمع رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله امراه تسب جاريه لها ‌و‌ هى صائمه فدعا رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله بطعام، فقال لها: كلى، فقالت: انى صائمه، فقال: كيف تكونين صائمه ‌و‌ قد سبيت جاريتك، ‌ان‌ الصوم ليس ‌من‌ الطعام ‌و‌ الشراب.
 ‌و‌ عنه عليه السلام: اذا صمت فليصم سمعك ‌و‌ بصرك ‌من‌ الحرام ‌و‌ القبيح، ودع المراء ‌و‌ اذى الخادم، ‌و‌ ليكن عليك وقار الصائم ‌و‌ ‌لا‌ تجعل يوم صومك كيوم فطرك.
 ‌و‌ عنه عليه السلام قال: كان على ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام: اذا كان شهر رمضان لم يتكلم الا بالدعاء ‌و‌ التسبيح ‌و‌ الاستغفار ‌و‌ التكبير فاذا افطر قال: اللهم ‌ان‌ شئت ‌ان‌ تفعل فعلت.
 
و بسط يده الى الشى ء: مدها نحوه: ‌اى‌ ‌لا‌ نمد ايدينا الى طلب محظور ‌او‌ الى اخذه.
 قال الراغب: بسط الكف ‌و‌ اليد يستعمل تاره للطلب نحو: «باسط كفيه الى الماء» ‌و‌ تاره للاخذ نحو: «و الملائكه باسطوا ايديهم»، ‌و‌ تاره للبطش ‌و‌ الضرب نحو: «و يبسطوا اليكم ايديهم».
 ‌و‌ خطوت اخطو خطوا: مشيت، ‌و‌ التقييد بالاقدام مع ‌ان‌ الخطو ‌لا‌ يكون الا بها لغرض التفصيل بعد الاجمال ‌فى‌ قوله: «بكف الجوارح» بالنص على جارحه ‌و‌ اما ‌ما‌ قد يتوهم ‌من‌ انه ‌من‌ باب ابصرته بعينى ‌و‌ كتبته بيدى فلا يقتضيه المقام لانه ‌فى‌ ذلك تاكيد لدفع توهم المجاز ‌او‌ احتماله، ‌و‌ ليس بمقصود هنا لوجوب ترك الخطو الى المحجور حقيقه ‌و‌ مجازا ‌و‌ المحجور ‌و‌ المحظور بمعنى.
 ‌و‌ وعيت الشى ء وعيا ‌من‌ باب- وعد-: حفظته ‌و‌ جمعته.
 
و احل الله الشى ء: جعله حلالا، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا ‌ما‌ اطلق اكله ‌و‌ شربه.
 ‌و‌ مثلت: ‌اى‌ حدثت ‌من‌ المثل بالتحريك بمعنى الحديث.
 قال ‌فى‌ القاموس: ‌و‌ المثل محركه: الحجه ‌و‌ الحديث، ‌و‌ قد مثل ‌به‌ تمثيلا.
 ‌و‌ ‌لا‌ داعى الى جعله بمعنى صورت، ‌و‌ تاويله بما ‌لا‌ يخلو ‌من‌ التعسف.
 ‌و‌ تكلفت الشى ء: تجشمته على مشقه، ‌و‌ بذلت المجهود ‌فى‌ العمل له ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الكلفه بالضم بمعنى المشقه.
 ‌و‌ تعاطيت كذا: ‌اى‌ اقدمت عليه ‌و‌ فعلته، ‌و‌ فلان يتعاطى ‌ما‌ ‌لا‌ ينبغى له، ‌و‌ منه: «فتعاطى فعقر».
 ‌و‌ خلص ذلك: ‌اى‌ سلمه، ‌من‌ خلص بمعنى سلم ‌و‌ نجا ‌او‌ اجعله خالصا، ‌من‌ خلص الماء ‌من‌ الكدر: ‌اى‌ صفا منه.
 ‌و‌ الرياء: ترك الاخلاص ‌فى‌ العمل بملاحظه غير الله تعالى فيه، ‌و‌ اصله ‌من‌ الرويه كانه ‌لا‌ يعمل الا اذا راى الناس ‌و‌ راوه، ‌و‌ قد تقدم الكلام عليه.
 ‌و‌ السمعه بالضم: كالرياء الا انها تتعلق بحاسه السمع ‌و‌ الرياء بحاسه البصر.
 قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: يقال: فعل ذلك رياء ‌و‌ سمعه اذا فعل ذلك ليراه الناس ‌و‌ يسمعوا به.
 ‌و‌ المسمعين: جمع مسمع: اسم فاعل ‌من‌ اسمعه فسمع، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا: الفاعل للسمعه كانه يسمع الناس ‌ما‌ يعمله ‌و‌ عباره الدعاء على حذف مضاف، ‌و‌ التقدير ثم خلص ذلك كله ‌من‌ مثل رياء المرائين ‌و‌ مثل سمعه المسمعين.
 ‌و‌ اللام ‌فى‌ المرائيين ‌و‌ المسمعين: للاستغراق لما تقرر ‌من‌ ‌ان‌ الجمع المعرف يستغرق آحاد مفرده نحو: «و الله يحب المحسنين» ‌اى‌ كل محسن، ‌و‌ المعنى: خلصه
 
من مثل رياء كل مراء ‌و‌ سمعه كل مسمع، ‌و‌ فائده هذا الاستغراق شمول تخليصه ‌من‌ انواع الرياء ‌و‌ السمعه لاختلافهما بحسب اختلاف فاعلهما شده ‌و‌ ضعفا ‌و‌ غرضا.
 قوله: «لانشرك فيه احدا دونك» جمله موكده لما قبلها ‌من‌ جعل ذلك خالصا ‌من‌ السمعه ‌و‌ الرياء، نحو ‌لا‌ ريب فيه ‌او‌ مستانفه موكده له نحو: «ان النفس لاماره بالسوء».
 ‌و‌ دونك: ‌اى‌ غيرك ‌او‌ متجاوزين اياك.
 ‌و‌ بغى الشى ء ‌و‌ ابتغاه: طلبه ‌اى‌ ‌و‌ ‌لا‌ نطلب ‌به‌ مرادا غيرك.
 الثالث: ‌فى‌ قوله عليه السلام: «لا نشرك فيه احدا دونك ‌و‌ ‌لا‌ نبتغى ‌به‌ مرادا سواك»، اشاره الى اخلاص العمل، ‌و‌ ‌هو‌ تصفيه العمل عن ‌ان‌ يكون لغير الله فيه نصيب، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يريد عامله عليه عوضا ‌فى‌ الدارين ‌و‌ هذا التعريف اشد انطباقا على قوله عليه السلام: «و ‌لا‌ نبتغى ‌به‌ مرادا سواك» ‌و‌ هى درجه عليه عزيزه المنال ‌و‌ اليها اشار اميرالمومنين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه بقوله: «ما عبدتك خوفا ‌من‌
 
نارك ‌و‌ ‌لا‌ طمعا ‌فى‌ جنتك ولكن وجدتك اهلا للعباده فعبدتك».
 ‌و‌ قد اسلفنا الكلام مبسوطا على الاخلاص ‌فى‌ العمل ‌فى‌ الروضه العشرين فليرجع اليه.
 
 تتمه
 
 قال شيخنا الشهيد قدس سره: كل عباده اريد بها غير الله ليراه الناس فهى المشتمله على الرياء سواء اريد بها مع ذلك الله ‌ام‌ لا، اما لو كان للعمل غايه دنيويه شرعيه ‌او‌ اخرويه فارادها الانسان فانه ‌لا‌ يسمى رياء كطلب الغازى الجهاد لله ‌و‌ للغنيمه ‌و‌ قراءه الامام للصلاه ‌و‌ التعليم، ‌و‌ تلاوه آيه ‌من‌ القرآن بقصد القراءه ‌و‌ التفهيم، ‌و‌ تحسين الصلاه ‌من‌ المقتدى ‌به‌ ليقتدى ‌به‌ الناس، ‌و‌ منه صلاه الفريضه ‌فى‌ المسجد، ‌و‌ اظهار الزكاه الواجبه، ‌و‌ كذا مريد الحج ‌و‌ التجاره ‌او‌ الصائم ليقطع عنه شهوه النكاح ‌او‌ ليصح جسمه فان الخبر دال عليهما، ‌و‌ منه الوضوء للتبرد مع القربه ‌او‌ التنظيف معها، فالضابط: ‌ان‌ كل ضميمه يقصد بها العبد منفعه لازمه للعباده ‌لا‌ يريد بها اجتلاب نفع ‌من‌ الناس ‌و‌ ‌لا‌ دفع ضرر عنه ‌لا‌ ‌من‌ حيث العباده، فلو قصد رفع ضرر بعباده التقيه لم يكن رياء، انتهى.
 ‌و‌ المتاخرون ‌من‌ اصحابنا: حكموا بفساد العباده بقصد هذه الضمائم لفوات الاخلاص.
 ‌و‌ فصل بعضهم فقال: ‌ان‌ كانت الضميمه راجحه ‌و‌ ‌لا‌ حظ القاصد رجحانها وجوبا ‌او‌ ندبا كالحميه ‌فى‌ الصوم لوجوب حفظ البدن، ‌و‌ الاعلام بالدخول ‌فى‌
 
الصلاه للتعاون على البر فينبغى ‌ان‌ ‌لا‌ تكون مضره اذ هى حينئذ موكده ‌و‌ انما الكلام ‌فى‌ الضمائم غير الملحوظه الرجحان، فصوم ‌من‌ ضم قصد الحميه مثلا صحيح مستحبا كان الصوم ‌او‌ واجبا، معينا كان الواجب ‌او‌ غير معين.
 قال شيخنا البهائى: ‌و‌ ‌فى‌ النفس ‌من‌ صحه غير المعين شى ء ‌و‌ عدمها محتمل، ‌و‌ الله اعلم.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^