فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 44- 2

وقفت فلانا على الامر: اطلعته عليه، ‌و‌ ‌لا‌ تقل اوقفته، ‌و‌ قد مر بيان ذلك.


 ‌و‌ المواقيت: جمع ميقات بمعنى الوقت، ‌اى‌ اوقات الصلاه، ‌و‌ يستعار للمكان، ‌و‌ منه مواقيت الحج لمواضع الاحرام، ‌و‌ وقت الله الصلاه توقيتا ‌و‌ وقتها يقتها وقتا ‌من‌ باب- وعد-: حدد لها وقتا ‌و‌ «الباء» ‌من‌ «بحدودها» للمصاحبه: ‌اى‌ مع حدودها ‌اى‌ احكامها، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و اجدر الا يعلموا حدود ‌ما‌ انزل الله» ‌اى‌ احكامه.
 ‌و‌ حددت الشى ء: ميزته عن غيره. ‌و‌ ‌فى‌ الصحيح عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: للصلاه اربعه آلاف ‌حد‌ ‌و‌ ‌فى‌ روايه للصلاه اربعه آلاف باب.
 ‌و‌ الفروض: جمع فرض بمعنى المفروض ‌من‌ فرض الله الاحكام فرضا: اوجبها.
 
و الوظائف: جمع وظيفه ‌و‌ هى ‌ما‌ يقدر ‌من‌ عمل ‌و‌ رزق ‌و‌ نحو ذلك، يقال: وظفت عليه العمل توظيفا: قدرته.
 ‌و‌ الاوقات: جمع وقت ‌و‌ ‌هو‌ مقدار ‌من‌ الزمان مفروض لامرما. ‌و‌ انزلت زيدا منزله عمرو ‌فى‌ كذا: ‌اى‌ جعلت له ‌ما‌ جعلت لعمرو فيه.
 
و اصبت الشى ء: ادركته ‌و‌ وجدته.
 ‌و‌ منازل الصلاه: عباره عن مراتبها التى تليق بها ‌من‌ قولهم: عرفت لفلان منزلته، ‌اى‌ مرتبته ‌من‌ الفضل ‌و‌ الشرف ‌و‌ ‌هو‌ رفيع المنازل.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: انزلوا الناس منازلهم، ‌اى‌ اكرموا كلا على حسب فضله ‌و‌ شرفه.
 ‌و‌ الاركان: جمع ركن، ‌و‌ ركن الشى ء لغه: جانبه القوى الذى يعتمد عليه، ‌و‌ اركان العباده: جوانبها التى عليها مبناها ‌و‌ بتركها يكون بطلانها، ‌و‌ عرف الركن ‌من‌ الصلاه بما تبطل الصلاه بزيادته ‌و‌ نقصه عمدا ‌و‌ سهوا، ‌و‌ اركانها خمسه: النيه ‌و‌ التكبير ‌و‌ القيام ‌و‌ الركوع ‌و‌ السجدتان.
 ‌و‌ ذهب بعضهم الى ‌ان‌ النيه ليست بركن منها لانها شرط لها ‌لا‌ جزء منها، ‌و‌ ركن الشى ء ‌لا‌ يكون الا جزءا منه، ‌و‌ اول الصلاه التكبير لقوله عليه السلام: «تحريمها التكبير» فهى خارجه عنها، ‌و‌ استدل القائلون بركنيتها بالتئام حقيقه الصلاه منها ‌و‌ اشتراطها بما يشترط ‌فى‌ الصلاه ‌من‌ الطهاره ‌و‌ الستر ‌و‌ الاستقبال ‌و‌ نحوها، ‌و‌ اجيب بان الاستدلال بالتئام الصلاه منها مصادره ‌و‌ اشتراطها بشروط الصلاه ‌لا‌ يدل على الجزئيه.
 قال بعض المحققين ‌من‌ مشايخنا: ‌و‌ هذا الخلاف قليل الجدوى للاتفاق على
 
اعتبارها ‌فى‌ الصلاه ‌و‌ بطلانها بالاخلال بها عمدا ‌و‌ سهوا، ‌و‌ ربما يظهر ثمرته ‌فى‌ مواضع نادره كالنذر لمن نذر ‌ان‌ يصلى ‌فى‌ وقت كذا ‌او‌ نذر ‌ان‌ يصلى ‌فى‌ وقت كذا، قيل: فيمن سهى عن فعل النيه بعد التكبير ففعلها ثم ذكر فعلها قبل التكبير فان قلنا: بانها شرط لم تبطل الصلاه ‌و‌ ‌ان‌ قلنا انها جزء بطلت لزياده ركن لان كل ‌من‌ قال: بجزئيتها، قال بركنيتها، ‌و‌ فيه نظر للمنع ‌من‌ كون استحضار النيه ‌فى‌ اثناء الصلاه عمدا ‌او‌ سهوا مبطلا لان استحضارها حكما بمعنى الاستدامه واجب فكيف يبطل الاستحضار بالفعل.
 فان قيل: القصد الى استيناف النيه قصد للمنافى.
 قلنا: فالبطلان حينئذ لقصد المنافى لالزياده الركن ‌و‌ ‌هو‌ يتحقق على القول بشرطيتها ايضا.
 ‌و‌ ادى الصلاه: فعلها، ‌و‌ اصله ‌من‌ اداء الامانه ‌و‌ ‌هو‌ ايصالها الى اهلها ‌و‌ كل دفع ‌ما‌ يجب دفعه ‌و‌ توفيته يسمى اداء كاداء الجزيه ‌و‌ اداء الخراج، ‌و‌ قد تكرر منه عليه السلام ‌فى‌ هذا الفصل ذكر الاوقات اهتماما بشانها، فعن الصادق عليه السلام: هذه الصلوات الخمس المفروضات ‌من‌ اقام حدودهن ‌و‌ حافظ على مواقيتهن اتى الله يوم القيامه ‌و‌ له عنده عهد يدخله الجنه، ‌و‌ ‌من‌ لم يقم حدودهن ‌و‌ لم يحافظ على مواقيتهن لقى الله ‌و‌ ‌لا‌ عهد له ‌ان‌ شاء عذبه ‌و‌ ‌ان‌ شاء غفر له.
 ‌و‌ عن ابى جعفر عليه السلام: «ايما مومن حافظ على الصلوات المفروضه فصلاها لوقتها فليس هذا ‌من‌ الغافلين».
 ‌و‌ الظاهر: ‌ان‌ المراد بالمحافظه على المواقيت المحافظه على اول الوقت ‌و‌ ‌ما‌ قرب منه لقول ابى عبدالله عليه السلام: لكل صلاه وقتان ‌و‌ اول الوقت افضله ‌و‌ ليس لاحد ‌ان‌ يجعل آخر الوقتين وقتا الا ‌فى‌ عذر ‌من‌ غير عله.
 
و قول على ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام: ‌من‌ اهتم بمواقيت الصلاه لم يستكمل لذه الدنيا، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «على ‌ما‌ سنه عبدك ‌و‌ رسولك» ‌فى‌ محل نصب على الحال ‌من‌ الضمير ‌فى‌ لها: ‌اى‌ المودين لها حال كونها على ‌ما‌ سنه عبدك ‌و‌ رسولك.
 ‌و‌ سن رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله كذا: ‌اى‌ شرعه ‌و‌ جعله شرعا ‌و‌ طريقه فرضا كان ‌او‌ ندبا قولا ‌او‌ فعلا، ‌و‌ قد تقدم الكلام على بيان السنه لغه ‌و‌ اصطلاحا ‌فى‌ الرياض السابقه.
 ‌و‌ الفواضل: جمع فاضله ‌و‌ هى اسم ‌من‌ الفضيله.
 قال ‌فى‌ القاموس: الفضيله: الدرجه الرفيعه ‌فى‌ الفضل، ‌و‌ الاسم: الفاضله.
 ‌و‌ الطهور: بالفتح ‌و‌ الضم على الروايتين: بمعنى الطهاره.
 ‌و‌ المراد باتميته: الاتيان على الوجه المفروض مع كمال الاحتياط ‌و‌ باسبغيه الاتيان ‌به‌ على الوجه المسنون بتمامه.
 قال بعضهم: اسباغ الوضوء اتمامه ‌و‌ اكماله ‌و‌ ذلك ‌فى‌ وجهين: اتمامه على ‌ما‌ فرض الله ‌و‌ اكماله على ‌ما‌ سنه رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ منه: اسبغوا الوضوء ‌اى‌ ابلغوه مواضعه ‌و‌ اكملوا كل عضو حقه.
 ‌و‌ اصله ‌من‌ سبغ الثوب اذا اتسع وصفا.
 ‌و‌ الطهور هنا يعم الغسل ‌و‌ الوضوء ‌و‌ ازاله النجس.
 ‌و‌ الخشوع: الخضوع ‌و‌ التذلل، ‌و‌ فيه تلميح الى قوله تعالى: «و الذين ‌هم‌ ‌فى‌ صلاتهم خاشعون».
 ‌و‌ الخشوع ‌فى‌ الصلاه قيل: خشيه القلب ‌و‌ التواضع، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌ان‌ ينظر الى موضع
 
سجوده بدليل ‌ان‌ النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله كان يرفع بصره الى السماء فلما نزلت هذه الايه طاطا راسه ‌و‌ نظر الى مصلاه.
 ‌و‌ عن اميرالمومنين عليه السلام: ‌هو‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يلتفت يمينا ‌و‌ ‌لا‌ شمالا ‌و‌ ‌لا‌ يعرف ‌من‌ على يمينه ‌و‌ ‌لا‌ شماله.
 ‌و‌ روى: ‌ان‌ النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله راى رجلا يعبث بلحيته ‌فى‌ صلاته، فقال: لو خشع قلبه لخشعت جوارحه.
 قال بعضهم: ‌فى‌ هذا دلاله على ‌ان‌ الخشوع ‌فى‌ الصلاه يكون ‌فى‌ القلب ‌و‌ الجوارح، فاما ‌فى‌ القلب فهو ‌ان‌ يفرغ قلبه بجمع الهمه لها ‌و‌ الاعراض عما سواها، فلا يكون فيه غير العباده ‌و‌ المعبود، ‌و‌ اما ‌فى‌ الجوارح فهو غض البصر ‌و‌ ترك الالتفات ‌و‌ العبث.
 ‌و‌ ابين الخشوع: ‌اى‌ افضله ‌من‌ البون بمعنى الفضل ‌و‌ المزيه، ‌او‌ اوضحه ‌من‌ بان الشى ء يبين بيانا اذا انكشف ‌و‌ اتضح لانه كلما كان اظهر على الجوارح كان ادل على خشوع القلب ‌و‌ عدم التفاته الى غير العباده ‌و‌ المعبود.
 ‌و‌ ابلغه: ‌اى‌ اشده انتهاء الى الغايه ‌من‌ البلوغ ‌و‌ ‌هو‌ الانتهاء الى الغايه ‌و‌ الامد ‌و‌ الله اعلم.
 
الارحام: جمع رحم- ككتف- القرابه ‌و‌ اصله ‌من‌ رحم المراه ‌و‌ ‌هو‌ موضع تكوين الولد منها لكونهم خارجين ‌من‌ رحم واحد، يقال: وصل رحمه اذا احسن اليها.
 ‌و‌ البر: التوسع ‌فى‌ فعل الخير، ‌و‌ منه ‌بر‌ والديه اذا اتسع ‌فى‌ الاحسان اليهما.
 ‌و‌ الصله: الاحسان ‌و‌ العطيه ‌و‌ منه: هذه صله الامير ‌و‌ صلاته.
 ‌و‌ تعاهدت الشى ء ‌و‌ تعهدته: تفقدته، وجددت العهد به: ‌اى‌ العلم به، ‌من‌
 
قولهم ‌هو‌ قريب العهد بكذا: ‌اى‌ قريب العلم ‌و‌ الحال، ‌و‌ فيه شاهد على صحه تعاهده كتعهده خلافا لابن فارس حيث قال: يقال: تعهدته، ‌و‌ ‌لا‌ يقال: تعاهدته، لان التفاعل ‌لا‌ يكون الا عن اثنين ‌و‌ ‌هو‌ مردود روايه ‌و‌ درايه، اما الروايه فقد نص كثير ‌من‌ ائمه اللغه على اللغتين ‌من‌ غير فرق، فقال صاحب المحكم: تعهد الشى ء ‌و‌ تعاهده ‌و‌ اعتهده: تفقده ‌و‌ احدث العهد به، ‌و‌ مثله ‌فى‌ القاموس بنصه.
 ‌و‌ قال الليث: المعاهده ‌و‌ الاعتهاد ‌و‌ التعاهد ‌و‌ التعهد: واحد ‌و‌ ‌هو‌ احداث العهد بما عهدته، نقل ذلك عنه النووى ‌فى‌ تهذيب اللغات.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: تعلموا كتاب الله ‌و‌ تعاهدوه، رواه احمد ‌فى‌ مسنده عن عاصم ‌بن‌ عقبه.
 ‌و‌ فيه تعاهدوا القرآن رواه مسلم ‌فى‌ صحيحه.
 قال النووى ‌فى‌ شرحه: ‌اى‌ حافظوا عليه بتجديد العهد ‌و‌ التلاوه لئلا ينسى.
 
و قال الطيبى: ‌اى‌ واظبوا عليه ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ الحديث كثير كما يظهر لمن تتبعه، ‌و‌ اما الدرايه: فان التعاهد: تجديد العهد بالشى ء فاذا جدد الشخص عهدا باخر فقد تجدد عهدا عهد الاخر ‌به‌ فحصلت المشاركه، الا ترى ‌ان‌ كلا منهما يصح له ‌ان‌ يقول بعد ذلك: عهدى بفلان وقت كذا، ‌او‌ عهدته بمكان كذا.
 ‌و‌ الجيران: جمع جار: ‌و‌ ‌هو‌ المجاور ‌فى‌ السكن ‌و‌ قد تقدم الكلام عليه.
 ‌و‌ الافضال: الاحسان.
 ‌و‌ العطيه: اسم للمعطى، ‌و‌ الجمع العطايا.
 ‌و‌ التبعات: جمع تبعه- ككلمه- ‌و‌ المراد بها هنا ‌ما‌ يتبع المال ‌من‌ الحقوق، ‌و‌ منه حديث قيس ‌بن‌ عاصم المنقرى: ‌يا‌ رسول الله: ‌ما‌ المال الذى ليس فيه تبعه ‌من‌ طالب ‌و‌ ‌لا‌ ‌من‌ ضيف ‌اى‌ ‌حق‌ يتبعه ‌من‌ سائل ‌او‌ ضيف.
 ‌و‌ تطهير الاموال باخراج الزكاه: عباره عن تنقيتها ‌من‌ دنس منع الزكاه لما ورد ‌فى‌ الصحيح عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ملعون ملعون مال ‌لا‌ يزكى.
 ‌و‌ ‌فى‌ الصحيح عنه ايضا عليه السلام: ‌ما‌ ‌من‌ عبد يمنع درهما ‌فى‌ حقه الا انفق اثنين ‌فى‌ غير حقه، ‌و‌ ‌ما‌ ‌من‌ رجل يمنع حقا ‌من‌ ماله الا طوقه الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌به‌ حيه ‌من‌ نار يوم القيامه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحسن عن ابى جعفر عليه السلام ‌فى‌ قوله تعالى: «سيطوقون ‌ما‌ بخلوا ‌به‌ يوم القيامه»، قال: ‌ما‌ ‌من‌ عبد منع ‌من‌ زكاه ماله شيئا الا جعل ذلك يوم القيامه ثعبانا ‌من‌ نار يطوق ‌فى‌ عنقه ينهش ‌من‌ لحمه حتى يفرغ ‌من‌ الحساب، ثم قال: ‌و‌ ‌هو‌ قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «سيطوقون ‌ما‌ بخلوا ‌به‌ يوم القيامه» يعنى ‌ما‌ بخلوا ‌به‌ ‌من‌ الزكاه.
 
و الاخبار ‌فى‌ هذا المعنى اكثر ‌من‌ ‌ان‌ تحصى ‌و‌ كل هذه العقوبات ادناس تتعلق بما منع ‌من‌ الزكاه ‌و‌ تترتب عليه، ‌و‌ هى قبل اخراج الزكاه لازمه للاموال فكان اخراجها تطهيرا لها.
 ‌و‌ الزكاه ‌فى‌ اللغه: النماء ‌و‌ الزياده، ‌و‌ تطلق على الطهاره ايضا، ‌و‌ نقلت ‌فى‌ الشرع الى القدر المخرج ‌من‌ النصاب لانها تزيد ‌فى‌ بركه المخرج عنه.
 قال العلامه النيسابورى: ‌و‌ يمكن ‌ان‌ يقال ماخوذه ‌من‌ التطهير ‌من‌ زكى نفسه اذا نقاها ‌من‌ العيوب، قال تعالى: «خذ ‌من‌ اموالهم صدقه تطهرهم ‌و‌ تزكيهم بها» فان المخرج يطهر ‌ما‌ بقى ‌من‌ المال.
 ‌و‌ قال بعض العلماء: اذا لم تخرج الزكاه يبقى ‌حق‌ الفقراء ‌فى‌ المال فاذا حمله شحه على منعه فقد ارتكب التصرف ‌فى‌ الحرام، ‌و‌ الاتصاف برذيله البخل فاذا اخرجها فقد طهر ماله ‌من‌ الحرام، ‌و‌ نفسه ‌من‌ رذيله البخل انتهى.
 ‌و‌ يتعلق بهذه الفقرات ‌من‌ الدعاء مسائل ‌لا‌ باس بالتنبيه عليها:
 الاولى: قال الشهيد «قدس سره»: كل رحم توصل للكتاب ‌و‌ السنه ‌و‌ الاجماع على الترغيب ‌فى‌ صله الارحام، ‌و‌ الكلام عليها ‌فى‌ مواضع. الاول: ‌ما‌ الرحم؟ الظاهر انه المعروف بنسبه ‌و‌ ‌ان‌ بعد ‌و‌ ‌ان‌ كان بعضه آكد ‌من‌ بعض ذكرا كان ‌او‌ انثى، ‌و‌ قصره بعض العامه على المحارم الذين يحرم التناكح بينهم ‌ان‌ كانوا ذكورا ‌و‌ اناثا ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌من‌ قبيل يقدر احدهما ذكرا ‌و‌ الاخر انثى فان حرم التناكح فهو الرحم.
 ‌و‌ احتج بان تحريم الاختين انما كان لما يتضمن ‌من‌ قطيعه الرحم ‌و‌ كذا تحريم الجمع بين العمه ‌و‌ الخاله ‌و‌ ابنه الاخ ‌و‌ الاخت مع عدم الرضاع عندنا ‌و‌ مطلقا عندهم
 
و هذا بالاعراض عنه حقيق فان الوضع اللغوى يقتضى ‌ما‌ قلناه ‌و‌ العرف ايضا ‌و‌ الاخبار دلت عليه.
 روى على ‌بن‌ ابراهيم عن على عليه السلام ‌فى‌ قوله تعالى: «فهل عسيتم ‌ان‌ توليتم ‌ان‌ تفسدوا ‌فى‌ الارض ‌و‌ تقطعوا ارحامكم» انها نزلت ‌فى‌ بنى اميه.
 ‌و‌ ‌هو‌ يدل على تسميته القرابه المتباعده رحما.
 الثانى: ‌ما‌ الصله التى يخرج بها عن القطيعه؟
 ‌و‌ الجواب: المرجع ‌فى‌ ذلك الى العرف لانه ليس له حقيقه شرعيه ‌و‌ ‌لا‌ لغويه، ‌و‌ هى تختلف باختلاف العادات ‌و‌ بعد المنازل ‌و‌ قربها.
 الثالث: بم الصله؟ ‌و‌ الجواب: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: «بلوا ارحامكم ‌و‌ لو بالسلام» ‌و‌ فيه تنبيه على ‌ان‌ السلام صله، ‌و‌ ‌لا‌ ريب ‌ان‌ مع فقر بعض الارحام ‌و‌ ‌هم‌ العمود تجب الصله بالمال، ‌و‌ تستحب لباقى الاقارب ‌و‌ تتاكد ‌فى‌ الوارث ‌و‌ ‌هو‌ قدر النفقه ‌و‌ مع الغنى فبالهديه ‌فى‌ الاحيان بنفسه ‌او‌ رسوله، ‌و‌ اعظم الصله ‌ما‌ كان بالنفس ‌و‌ فيه اخبار كثيره، ثم بدفع الضرر عنها، ثم بجلب النفع اليها، ثم بصله ‌من‌ يحب ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن رحما للواصل كزوج الاب ‌و‌ الاخ ‌و‌ مولاه، ‌و‌ ادناها السلام بنفسه ثم برسوله، ‌و‌ الدعاء بظهر الغيب ‌و‌ الثناء ‌فى‌ المحضر.
 الرابع: هل الصله واجبه ‌ام‌ مستحبه؟ ‌و‌ الجواب: انها تنقسم الى الواجب ‌و‌ هى ‌ما‌ يخرج ‌به‌ عن القطيعه فان قطيعه الرحم معصيه بل قيل هى ‌من‌ الكبائر، ‌و‌ المستحب مازاد على ذلك.
 المساله الثانيه: يمكن ‌ان‌ يكون عطف الصله على البر ‌فى‌ قوله: «بالبر» ‌و‌ الصله ‌من‌ باب عطف الخاص على العام لان البر اسم جامع لانواع الطاعات ‌و‌ اعمال
 
القربات، ‌و‌ منه ‌بر‌ الوالدين ‌و‌ ‌هو‌ استرضاو هما بكل ‌ما‌ امكن، ‌و‌ الصله للرحم ‌و‌ ‌ان‌ كانت شرعا اعم ‌من‌ معناها المشهور لغه ‌و‌ ‌هو‌ العطيه ‌و‌ الاحسان كما عرفت الا انها اخص ‌من‌ البر على كل حال لان ‌من‌ البر ‌ما‌ ‌لا‌ يسمى صله ‌لا‌ عرفا ‌و‌ ‌لا‌ لغه، الا ترى الى ‌ما‌ روى عن صاحب الدعاء عليه السلام انه بلغ ‌من‌ بره بوالدته انه كان ‌لا‌ ياكل معها ‌فى‌ صحفه فقيل له ‌فى‌ ذلك، فقال: اخشى ‌ان‌ تسبق يدى امى الى ‌ما‌ سبقت عينها اليه فهذا المعنى الذى ‌لا‌ حظه عليه السلام: نوع ‌من‌ انواع البر ‌و‌ لكن ‌لا‌ يسمى صله عرفا فضلا عن اللغه، فما وقع لبعضهم انه ‌من‌ باب عطف الشى ء على مرادفه ليس بشى ء ‌و‌ لك ‌ان‌ تفرق بينهما بان البر ‌ما‌ اتسع ‌من‌ الاحسان كما نص عليه ارباب اللغه، ‌و‌ الصله اعم منه فكل ‌بر‌ صله ‌من‌ دون عكس فيكون ‌من‌ باب عطف العام على الخاص.
 المساله الثالثه: الجار لغه قيل: ‌من‌ يقرب مسكنه منك، ‌و‌ قيل: ‌من‌ يجاورك بيت بيت ‌و‌ تلاصقك ‌فى‌ السكن، ‌و‌ قد تقدم بيان ‌حد‌ الجوار ‌و‌ على ذكر الخلاف فيه هل ‌هو‌ اربعون دارا ‌من‌ كل جانب ‌او‌ اربعون ذراعا ‌من‌ كل جانب، ‌او‌ ‌هو‌ راجع الى العرف، الى كل ذهب جماعه ‌من‌ اصحابنا، ‌و‌ على كل تقدير فقد نص بعض مشايخنا على انه اذا لم يقدر على القيام بامر الجميع كان عليه تقديم الاقرب فالاقرب ‌و‌ ‌ان‌ كان الابعد ذا رحم فلا يبعد القول بتقديمه، ‌و‌ قد نص الكتاب ‌و‌ السنه على الاحسان الى الجار، قال تعالى: «و اعبدوا الله ‌و‌ ‌لا‌ تشركوا ‌به‌ شيئا ‌و‌ بالوالدين احسانا ‌و‌ بذى القربى ‌و‌ اليتامى ‌و‌ المساكين ‌و‌ الجار ذى القربى ‌و‌ الجار الجنب ‌و‌ الصاحب بالجنب ‌و‌ ابن السبيل ‌و‌ ‌ما‌ ملكت ايمانكم ‌ان‌ الله ‌لا‌ يحب ‌من‌ كان مختالا فخورا».
 
قال امين الاسلام الطبرسى ‌فى‌ مجمع البيان قيل: معنى «الجار ذى القربى»: الجار القريب ‌فى‌ النسب، «و الجار الجنب»: الجار الاجنبى الذى ليس بينك ‌و‌ بينه قرابه. عن ابن عباس ‌و‌ جماعه. ‌و‌ قيل: المراد ‌به‌ الجار ذى القربى منك بالاسلام، ‌و‌ الجار الجنب: المشرك البعيد ‌فى‌ الدين فقد روى عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله انه قال: الجيران ثلاثه: جار له ثلاثه حقوق: ‌حق‌ الجوار ‌و‌ ‌حق‌ القرابه ‌و‌ ‌حق‌ الاسلام، ‌و‌ جار له حقان: ‌حق‌ الجوار ‌و‌ ‌حق‌ الاسلام، ‌و‌ جار له ‌حق‌ الجوار ‌و‌ ‌هو‌ المشرك ‌من‌ اهل الكتاب. ‌و‌ قال الزجاج: الجار ذى القربى: الجار الذى يقاربك ‌و‌ تقاربه ‌و‌ يعرفك ‌و‌ تعرفه، ‌و‌ الجار الجنب: البعيد، قال: ‌و‌ ‌لا‌ يجوز ‌ان‌ يكون المراد بذى القربى القريب ‌من‌ القرابه لانه قد سبق ذكر القرابه ‌و‌ الامر بالاحسان اليهم بقوله: ‌و‌ بذى القربى ‌و‌ يمكن ‌ان‌ يجاب عنه بان يقال هذا جائز ‌و‌ ‌ان‌ كان قد سبق ذكر القرابه لان الجار اذا كان قريبا فله ‌حق‌ القرابه ‌و‌ الجوار، ‌و‌ القريب الذى ليس بجار له ‌حق‌ القرابه حسب فحسن افراد الجار القريب بالذكر انتهى.
 ‌و‌ اما الصاحب بالجنب فليس المراد ‌به‌ الجار بل قيل ‌هو‌ الرفيق ‌فى‌ امر حسن كتعلم ‌و‌ صناعه ‌و‌ سفر لانه صحبك ‌و‌ حصل بجنبك ‌و‌ منهم قعد بجنبك ‌فى‌ مسجد ‌او‌ مجلس، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ المنقطع اليك يرجو نفعك ‌و‌ رفدك، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ الخادم يخدمك، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ المراه، ‌و‌ الاولى حمله على الجميع.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌ما‌ زال جبرئيل يوصينى بالجار حتى ظننت انه سيورثه.
 ‌و‌ عن اميرالمومنين عليه السلام: الله الله ‌فى‌ جيرانكم فانه وصيه نبيكم، ‌ما‌ زال يوصينى بهم حتى ظننت انه سيورثهم.
 
و الاخبار ‌فى‌ ذلك كثيره ‌من‌ طرق الخاصه ‌و‌ العامه، ‌و‌ ‌ما‌ زالت العرب ‌فى‌ جاهليتها ‌و‌ اسلامها تعظم امر الجار ‌و‌ تفتخر بذلك ‌و‌ تعير ‌من‌ ‌لا‌ يعتنى به، الا ترى الى قول قائلهم:
 ‌و‌ نكرم جارنا مادام فينا
 ‌و‌ نتبعه الكرامه حيث مالا
 ‌و‌ قول حاتم الطائى:
 ساقدح ‌من‌ قدرى نصيبا لجارتى
 ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌ما‌ فيها كفافا على اهلى
 ‌و‌ قول مسكين الدارمى:
 نارى ‌و‌ نار الجار واحده
 ‌و‌ اليه قبلى تنزل القدر
 ‌ما‌ ضر جارا لى اجاوره
 ‌ان‌ ‌لا‌ يكون لبابه ستر
 اعمى اذا ‌ما‌ جارتى خرجت
 حتى يوارى جارتى الخدر
 ‌و‌ قال ابوتمام:
 ‌من‌ مبلغ افناء يعرب كلها
 انى بليت الجار قبل المنزل
 ‌و‌ لما سمع علقمه ‌بن‌ علاثه قول الاعشى فيه ‌و‌ ‌فى‌ قومه:
 تبيتون ‌فى‌ المشتا ملا بطونكم
 ‌و‌ جاراتكم غرثى يبتن خماصا
 بكى ‌و‌ قال: انفعل نحن هذا بجاراتنا ‌و‌ دعا عليه، فما ظنك بشى ء يبكى منه علقمه ‌بن‌ علاثه ‌و‌ قد كان عندهم لو ضرب بالسيف ‌ما‌ قال حسن، ‌و‌ بالجمله فرعايه الجار امر تطابق عليه العقل ‌و‌ النقل، ‌و‌ الله اعلم.
 المساله الرابعه: الظاهر ‌ان‌ المراد بالتبعات ‌فى‌ قوله عليه السلام: «و ‌ان‌ نخلص اموالنا ‌من‌ التبعات» ‌ما‌ سوى الزكاه ‌من‌ الحقوق فرضا كانت كالخمس ‌و‌ واجب النفقات ‌او‌ ندبا ‌و‌ ‌هو‌ ماعداه مما ليس حقا واجبا.
 
قال صاحب المدارك المشهور بين اصحابنا خصوصا المتاخرين انه ليس ‌فى‌ المال ‌حق‌ واجب سوى الزكاه ‌و‌ الخمس انتهى.
 ‌و‌ انما سمى ‌ما‌ ليس بواجب تبعه لما وقع ‌من‌ التاكيد ‌فى‌ استحباب الافضال لذى المال حتى وقع التعبير عنه ‌فى‌ الاخبار بانه فرض ‌من‌ الله تعالى.
 ففى الحسن: عن ابى عبدالله عليه السلام: اترون انما ‌فى‌ المال الزكاه وحدها ‌ما‌ فرض الله ‌من‌ غير الزكاه اكثر تعطى منه القرابه ‌و‌ المتعرض لك ممن يسالك فتعطيه ‌ما‌ لم تعرفه بالنصب فاذا عرفته بالنصب فلا تعطه الا ‌ان‌ تخاف لسانه فتشترى دينك ‌و‌ عرضك منه.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند حسن عن ابى بصير قال: كنا عند ابى عبدالله عليه السلام ‌و‌ معنا بعض اصحاب الاموال فذكروا الزكاه فقال ابوعبدالله عليه السلام: ‌ان‌ الزكاه ليس يحمد بها صاحبها ‌و‌ انما ‌هو‌ شى ء ظاهر انما حقن الله بها دمه ‌و‌ سمى بها مسلما ‌و‌ لو لم يودها لم تقبل له صلاه ‌و‌ ‌ان‌ عليكم ‌فى‌ اموالكم غير الزكاه، فقلت: اصلحك الله ‌و‌ ‌ما‌ علينا ‌فى‌ اموالنا غير الزكاه؟ فقال: سبحان الله اما تسمع الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ يقول ‌فى‌ كتابه: «و الذين ‌فى‌ اموالهم ‌حق‌ معلوم للسائل ‌و‌ المحروم»؟ قال: قلت: ماذا الحق المعلوم الذى علينا؟ قال: الشى ء يعمله الرجل ‌فى‌ ماله يعطيه ‌فى‌ اليوم ‌او‌ ‌فى‌ الجمعه ‌او‌ ‌فى‌ الشهر ‌قل‌ ‌او‌ كثر غير انه يدوم عليه، ‌و‌ قوله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «و يمنعون الماعون»، قال: ‌هو‌ القرض يقرضه، ‌و‌ المعروف يصطنعه، ‌و‌ متاع البيت يعيره ‌و‌ منه الزكاه الحديث.
 ‌و‌ روى بسنده ايضا عنه عليه السلام قال: ‌ان‌ الله فرض ‌فى‌ اموال الاغنياء
 
فريضه ‌لا‌ يحمدون الا بادائها ‌و‌ هى الزكاه، بها حقنوا دمائهم ‌و‌ بها سموا مسلمين، ولكن الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ فرض ‌فى‌ اموال الاغنياء حقوقا غير الزكاه فقال ‌عز‌ ‌و‌ جل: «و ‌فى‌ اموالهم ‌حق‌ معلوم للسائل ‌و‌ المحروم» فالحق المعلوم غير الزكاه ‌و‌ ‌هو‌ شى ء يفرضه الرجل على نفسه ‌فى‌ ماله يجب عليه ‌ان‌ يفرضه على قدر طاقته ‌و‌ سعه ماله فيودى الذى فرض على نفسه اذا ‌هو‌ حمده على ‌ما‌ انعم الله عليه فيما فضله ‌ان‌ شاء ‌فى‌ كل يوم ‌و‌ ‌ان‌ شاء ‌فى‌ كل جمعه ‌و‌ ‌ان‌ شاء ‌فى‌ كل شهر ‌و‌ قد قال الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ايضا: «اقرضوا الله قرضا حسنا» فهذا غير الزكاه، ‌و‌ قال الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ايضا: «ينفقون مما رزقناهم سرا ‌و‌ علانيه» ‌و‌ ‌هو‌ القرض يقرضه ‌و‌ المتاع يعيره ‌و‌ المعروف يصنعه ‌و‌ مما فرض الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ايضا ‌فى‌ المال ‌من‌ غير الزكاه قوله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «الذين يصلون ‌ما‌ امر الله ‌به‌ ‌ان‌ يوصل»، ‌و‌ ‌من‌ ادى ‌ما‌ فرض الله عليه فقد قضى ‌ما‌ عليه ‌و‌ ادى شكر ‌ما‌ انعم الله عليه ‌فى‌ ماله الحديث.
 ‌و‌ ‌فى‌ الصحيح عنه عليه السلام: ‌ان‌ صاحب النعمه على خطرات يجب عليه حقوق الله فيها ‌و‌ الله انها لتكون على النعم ‌من‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ فما ازال على وجل ‌و‌ حرك يده حتى اخرج ‌من‌ الحقوق التى يجب لله على فيها، قلت: جعلت فداك: انت ‌فى‌ قدرك تخاف هذا؟ قال: نعم فاحمد ربى على مامن ‌به‌ على.
 ‌و‌ الاخبار عنهم عليهم السلام ‌فى‌ هذا المعنى كثيره.
 المساله الخامسه: ايراده عليه السلام الزكوات بلفظ الجمع كانه باعتبار تعدد ‌ما‌ تجب فيه ‌من‌ التسعه المشهوره ‌و‌ هى الابل ‌و‌ البقر ‌و‌ الغنم ‌و‌ الذهب ‌و‌ الفضه ‌و‌ الحنطه ‌و‌ الشعير ‌و‌ التمر ‌و‌ الزبيب ‌و‌ ‌ما‌ تستحب فيه ‌من‌ الثمانيه المعروفه ‌و‌ هى: اناث الخيل السائمه، ‌و‌ ‌ما‌ قر ‌به‌ ‌من‌ الزكاه، ‌و‌ مال الطفل ‌و‌ المجنون اذا اتجر ‌به‌ الولى، ‌و‌ ‌ما‌ ‌شك‌ ‌فى‌
 
بلوغه النصاب، ‌و‌ ‌ما‌ غاب سنتين فصاعدا ‌فى‌ غير يد الوكيل، ‌و‌ النباتات مكيله ‌او‌ موزونه سوى الخضر، ‌و‌ نماء العقار المتخذ له كالخان ‌و‌ الحمام، ‌و‌ مال التجاره، فالجمع باعتبار الافراد، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون باعتبار الانواع. كما روى عن الصادق عليه السلام: ‌ان‌ رجلا ساله ‌فى‌ ‌كم‌ تجب الزكاه ‌من‌ المال؟ فقال: الزكاه الظاهره ‌ام‌ الباطنه تريد؟ فقال: اريدهما جميعا، فقال: اما الظاهره ففى كل الف خمس ‌و‌ عشرون ‌و‌ اما الباطنه فلا تستاثر على اخيك بما ‌هو‌ احوج اليه منك.
 ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ المراد بسوال التوفيق لتطهير الاموال باخراج الزكوات ‌فى‌ شهر رمضان انما ‌هو‌ اذا وجب اخراجها فيه ‌او‌ وجب قبله ‌و‌ لم تخرج، اما اذا لم يحن وجوب اخراجها بعد ‌او‌ وجب قبله فلا يستحب تقديمه فيه ‌و‌ ‌لا‌ تاخيره اليه لان كل فريضه انما تودى اذا حلت، ‌و‌ الوجوب فورى ‌و‌ التقديم ‌و‌ التاخير على القول بجوازهما للرخصه ‌و‌ ‌لا‌ استحباب فيهما، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «و ‌ان‌ نراجع ‌من‌ هاجرنا». المراجعه: المعاوده، ‌و‌ منه: راجع الرجل امراته، ‌و‌ ‌فى‌ المحكم راجع الشى ء: رجع اليه، عن ابن جنى.
 ‌و‌ هاجره: بمعنى هجره ‌اى‌ تركه ‌و‌ رفضه، قال عدى:
 ‌و‌ هاجرت المروق ‌و‌ السماعا
 ‌و‌ انصفت الرجل: عاملته بالعدل ‌و‌ القسط، ‌و‌ الاسم: النصفه بفتحتين لانك اعطيته ‌من‌ الحق مثل ‌ما‌ تستحقه لنفسك ‌و‌ الغرض التوقى ‌من‌ الميل ‌و‌ الجور ‌فى‌ معامله الظالم له بان يوفقه تعالى لمعاملته بالانصاف ‌لا‌ بما يقتضيه التشفى ‌و‌ تودى اليه الحميه ‌و‌ الغيظ.
 ‌و‌ سالمه مسالمه ‌و‌ سلاما: صالحه، ‌و‌ الاسم: السلم بكسر السين ‌و‌ فتحها ‌و‌ سكون اللام.
 
و عاده معاداه: نصب له العداوه: ‌و‌ هى حاله تتمكن ‌من‌ القلب لقصد الاضرار ‌و‌ الانتقام.
 ‌و‌ حاشا: هنا للاستثناء، ‌و‌ هى حرف بمنزله الا عند سيبويه ‌و‌ اكثر البصريين لكنها تجر المستثنى فما بعدها مجرور بها.
 ‌و‌ ذهب الجرمى ‌و‌ المازنى ‌و‌ المبرد ‌و‌ الزجاج ‌و‌ جماعه آخرون الى انها تستعمل كثيرا حرفا جارا ‌و‌ قليلا فعلا متعديا جامدا لتضمنه معنى الا.
 فان حملتها على الفعليه فالموصول بعدها ‌فى‌ محل نصب على المفعوليه بها ‌و‌ فاعلها ضمير مستتر عائد على مصدر الفعل المتقدم عليها، ‌و‌ المعنى: جانب مسالمتنا ‌من‌ عودى فيك ‌و‌ ايثار حاشا ‌فى‌ الاستثناء لما فيها ‌من‌ معنى التنزيه تنبيها على ‌ان‌ ‌من‌ عودى فيه تعالى لشده وجوب معاداته ‌و‌ افراطه ‌فى‌ قبح الحال ‌و‌ سوء الصنيع تنزه المسالمه عنه ‌و‌ تعظم شانها ‌ان‌ تتعلق به، ‌و‌ لذلك قال ابن الحاجب: ‌لا‌ يستثنى بحاشا الا حيث يتعلق الاستثناء بما فيه تنزيه.
 ‌و‌ فيك: ‌اى‌ لاجلك فهى للتعليل مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «لمسكم فيما افضتم فيه».
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: «ان امراه دخلت النار ‌فى‌ هره حبستها».
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: «ولك»: ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ باب عطف الشى ء على مرادفه.
 ‌و‌ الفاء ‌من‌ قوله: «فانه العدو» سببيه بمعنى اللام نحو: «فاخرج منها فانك رجيم».
 ‌و‌ والاه موالاه صادقه ‌من‌ الولايه بمعنى: الصداقه.
 ‌و‌ الحرب: العدو.
 
و قال الجوهرى: انا حرب لمن حاربنى: ‌اى‌ عدو.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: رجل حرب: عدو محارب ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن محاربا للذكر ‌و‌ الانثى ‌و‌ الجمع ‌و‌ الواحد.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: «الحزب» بكسر الحاء المهمله ‌و‌ سكون الزاء: ‌و‌ ‌هو‌ الطائفه ‌و‌ جماعه الناس.
 ‌و‌ قال الراغب: الحزب: جماعه فيها غلظ.
 ‌و‌ عليه: فالمراد بمن عودى ‌و‌ بالعدو اعم ‌من‌ الواحد لاستواء الواحد ‌و‌ الجمع فيهما.
 ‌و‌ صافاه مصافاه: اخلصه الود، ‌و‌ صدقه المحبه ‌و‌ الاخاء ‌و‌ اصله ‌من‌ الصفو ‌و‌ ‌هو‌ الخلوص ‌من‌ الكدر.
 
و التقرب: تكلف القرب، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا التحرى لما يقتضى خطوه ‌و‌ رفعه ‌فى‌ المنزله تشبيها بالقرب المكانى ‌و‌ منه: «عينا يشرب بها المقربون».
 ‌و‌ من: ‌فى‌ قوله: «من الاعمال»: مبينه قدمت على المبهم ‌و‌ ‌هو‌ قوله: «ما تطهرنا به» كقولك: عندى ‌من‌ المال ‌ما‌ يكفى، ‌و‌ هى ‌و‌ مجرورها ‌فى‌ محل نصب على الحال فمتعلقها محذوف.
 ‌و‌ قول بعض الطلبه: انها متعلقه بنتقرب لتضمينه معنى فعمل غلط فاحش فاحذره.
 ‌و‌ الاعمال الزاكيه: الصالحه ‌او‌ الناميه المباركه، ‌من‌ زكى يزكو بمعنى صلح، ‌او‌ ‌من‌ زكى الزرع يزكو اذا حصل منه نمو كثير ‌و‌ بركه.
 ‌و‌ التطهير ‌من‌ الذنوب هنا بمعنى غفرانها ‌و‌ اذهابها بالاعمال الزاكيه كما قال
 
تعالى: «ان الحسنات يذهبن السيئات».
 ‌و‌ تعصمنا: ‌اى‌ تحفظنا، ‌من‌ عصمه الله ‌من‌ المكروه يعصمه ‌من‌ باب- ضرب- ‌اى‌ حفظه ‌و‌ وقاه.
 ‌و‌ استانفت الشى ء استئنافا: ابتداته.
 ‌و‌ قال الراغب: استانفت الشى ء: ‌اى‌ اخذت انفه ‌اى‌ مبداه، ‌و‌ المعنى ‌و‌ تحفظنا مما نريد ‌ان‌ نستانفه ‌من‌ العيوب ‌او‌ مما نشارف استئنافه ‌من‌ العيوب تعبيرا بالفعل عن ارادته ‌او‌ مشارفته كقوله تعالى: «و الذين يتوفون منكم ‌و‌ يذرون ازواجا وصيه لازواجهم» ‌اى‌ ‌و‌ الذين يشارفون الوفاه ‌و‌ ترك الازواج يوصون وصيه لازواجهم لان الوصيه ‌لا‌ تكون بعد الوفاه ‌و‌ كذلك العصمه ‌لا‌ تكون بعد الاستئناف ‌و‌ لكن قبلها.
 ‌و‌ العيب ‌فى‌ الاصل: مصدر عابه اذا ادخل فيه نقصا، ثم استعمل اسما فجمع على عيوب.
 ‌و‌ حتى: تعليليه بمعنى ‌كى‌ ‌اى‌ كيلا يورد عليك احد ‌من‌ ملائكتك الا دون ‌ما‌ نورده ‌من‌ ابواب الطاعه لك ‌و‌ انواع القربه اليك، يقال: اوردت على فلان كذا ‌اى‌ اتيته به.
 قال بعضهم: حاصل هذا الكلام: حتى تكون اعمال الملائكه دون اعمالنا ‌من‌ الطاعه ‌و‌ القربه.
 ‌و‌ قيل: معناه حتى ‌لا‌ يورد عليك احد ‌من‌ ملائكتك الذين ‌هم‌ كتبه الاعمال ‌من‌ ذنوبنا الا دون ‌ما‌ نورده ‌من‌ ابواب الطاعه لك ‌و‌ انواع القربه اليك.
 ‌و‌ قيل: معناه حتى ‌لا‌ يورد عليك احد ‌من‌ ملائكتك ‌من‌ اعمال العباد الا دون
 
ما نورده عليك ‌من‌ ابواب الطاعه ‌و‌ انواع القربه.
 قلت: ‌و‌ يحتمل وجها آخر ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يكون المعنى حتى ‌لا‌ يورد عليك احد ‌من‌ ملائكتك ‌من‌ اعمالنا الا دون ‌ما‌ نورده ‌من‌ ابواب الطاعه الى آخره، فان ‌من‌ ابواب الطاعه ‌ما‌ ‌لا‌ يعلمه الملائكه ‌و‌ ‌لا‌ يكتبونه كما يدل على ذلك صريحا ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسند حسن ‌او‌ صحيح، عن زراره عن احدهما عليهماالسلام قال: «لا يكتب الملك الا ‌ما‌ سمع» ‌و‌ قد قال الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «و اذكر ربك ‌فى‌ نفسك تضرعا ‌و‌ خيفه» فلا يعلم ثواب ذلك الذكر ‌فى‌ نفس الرجل غير الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ لعظمته.
 ‌و‌ هذا وجه سديد ‌و‌ ‌لا‌ يخفى انه انسب ‌من‌ الوجوه المتقدمه ‌و‌ لكن الاولى ‌ان‌ يقدر المستثنى اعم ‌من‌ جميع ‌ما‌ ذكر لان الاستثناء مفرغ ‌و‌ ‌هو‌ انما يكون ‌فى‌ الجنس الذى ‌لا‌ اعم منه ‌و‌ دون وصف لموصوف محذوف، ‌و‌ التقدير حتى ‌لا‌ يورد عليك احد ‌من‌ ملائكتك شيئا ‌من‌ الاعمال الا عملا دون ‌ما‌ نورده ‌من‌ ابواب الطاعه ‌اى‌ اقل منه كما ‌و‌ كيفا، ‌و‌ دون هنا مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «انا منا الصالحون ‌و‌ منا دون ذلك».
 قال صاحب الكشاف: ‌اى‌ ‌و‌ منا قوم دون ذلك فحذف الموصوف كقوله: «و ‌ما‌ منا الا له مقام معلوم» انتهى.
 ‌و‌ هذا على مذهب سيبويه ‌و‌ جمهور البصريين ‌من‌ ‌ان‌ دون ‌لا‌ تخرج عن استعمالها ظرفا فهى ‌فى‌ عباره الدعاء منصوبه لفظا على الظرفيه ‌و‌ محلا على الوصفيه.
 ‌و‌ ذهب الاخفش ‌و‌ الكوفيون الى انه قد يتصرف فيها نادرا فتخرج عن الظرفيه، ‌و‌ خرج عليه الاخفش قوله تعالى: «و منا دون ذلك» فقال: ‌ان‌ دون مبتدا ‌و‌ منا
 
خبره ‌و‌ بنيت دون لاضافتها الى مبنى ‌و‌ يمكن حمل عباره الدعاء على هذا ايضا، لكن قال الدمامينى يبطله ‌ان‌ التنزيل ‌لا‌ يخرج على نادر.
 قلت: ‌و‌ كذلك كلام الفصحاء ‌لا‌ سيما كلامهم عليهم السلام.
 ‌و‌ ابواب الطاعه: انواعها ‌و‌ اقسامها.
 ‌و‌ انواع القربه: ‌اى‌ انواع اسبابها ‌و‌ ذرائعها، لان المراد بالقربه القرب منه تعالى بحصول الرفعه ‌و‌ نيل الثواب لديه سبحانه تشبيها بالقرب المكانى، ‌و‌ العبد انما يورد الاعمال التى هى ذرائع اليها لكن اطلقت على نفس العمل للايذان بما بينهما ‌من‌ كمال الاختصاص حتى كانه نفس القربه ‌و‌ عليه قوله تعالى: «و ‌من‌ الاعراب ‌من‌ يومن بالله ‌و‌ اليوم الاخر ‌و‌ يتخذ ‌ما‌ ينفق قربات عند الله ‌و‌ صلوات الرسول الا انها قربه لهم سيدخلهم الله ‌فى‌ رحمته».
 قال الزمخشرى: المعنى: ‌ان‌ ‌ما‌ ينفقه سبب لحصول القربات ‌و‌ صلوات الرسول لان الرسول كان يدعو للمتصدقين بالخير ‌و‌ البركه ‌و‌ يستغفرلهم كقوله: «اللهم صل على ال ابى اوفى» ‌و‌ قال تعالى: «و صل عليهم»، فلما كان ‌ما‌ ينفق سببا لذلك قيل: يتخذ ‌ما‌ ينفق قربات ‌و‌ صلوات انتهى.
 قال العلامه النيسابورى: ثم انه تعالى فسر القربه بقوله: «سيدخلهم ‌فى‌ رحمته»، ‌و‌ السين لتحقيق الوعد، ‌و‌ الله اعلم.
 التاكيد بان لصدق الرغبه ‌و‌ كمال العنايه ‌و‌ الاهتمام ‌و‌ اظهار غايه التضرع ‌و‌ الابتهال.
 
و بحق هذا الشهر: ‌اى‌ بما ثبت له عندك ‌و‌ وجب لديك ‌من‌ الفضيله ‌و‌ الكرامه، ‌و‌ الاشاره بهذا الشهر الى شهر رمضان الموضوع للجنس ‌لا‌ للفرد المنزل منزله المحسوس الحاضر المشاهد اعنى الشهر المقروء فيه الدعاء بدليل قوله عليه السلام: «و بحق ‌من‌ تعبد لك فيه ‌من‌ ابتدائه الى وقت انتهائه»، اذ المراد ‌من‌ وقت ابتداء خلقه الى وقت ارتفاع التكليف فتعين كون المراد بهذا الشهر جنس شهر رمضان ‌و‌ ‌ان‌ اعلام الشهور اعلام اجناس كما نص عليه المحققون ‌و‌ هذا كقولك: ‌و‌ انت ‌فى‌ شهر رمضان هذا الشهر افضل ‌من‌ سائر الشهور فانك ‌لا‌ تريد بهذا الشهر الا شهر رمضان الموضوع للجنس ‌لا‌ الشهر الذى انت فيه بخصوصه كما ‌هو‌ ظاهر.
 ‌و‌ تعبد الرجل: تنسك ‌و‌ اجتهد ‌فى‌ العباده.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «من ابتدائه» ‌اى‌ ‌من‌ وقت ابتدائه فحذف المضاف ‌و‌ اناب المصدر منابه توسعا ‌و‌ منه قوله تعالى: «و ‌من‌ الليل فسبحه ‌و‌ ادبار النجوم» ‌اى‌ وقت ادبارها ‌و‌ نحوه قولك: سرت اليوم ‌من‌ طلوع الشمس الى غروبها: ‌اى‌ ‌من‌ وقت طلوعها الى وقت غروبها، ‌و‌ ‌فى‌ عباره الدعاء شاهد لورود ‌من‌ لابتداء الغايه ‌فى‌ الزمان خلافا لجمهور البصريين ‌و‌ اجازه الكوفيون ‌و‌ الاخفش ‌و‌ المبرد ‌و‌ ابن درستويه.
 قال الرضى: ‌و‌ الظاهر مذهبهم اذ ‌لا‌ مانع ‌من‌ قولك نمت ‌من‌ اول الليل الى آخره ‌و‌ صمت ‌من‌ اول الشهر الى آخره انتهى.
 
و الشواهد على ذلك كثيره جدا، ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: فمطرنا ‌من‌ الجمعه الى الجمعه. ‌و‌ فيه ‌من‌ يعمل لى ‌من‌ نصف النهار الى صلاه العصر، ‌و‌ فيه: هذا اول طعام اكله ابوك ‌من‌ ثلاثه ايام.
 «و من» ‌فى‌ قوله عليه السلام: «من ملك قربته» بيانيه لمن الموصوله.
 «واو» ‌فى‌ الموضعين للتفصيل ‌و‌ يعبر عنه بالتقسيم لان الغرض تقسيم ‌ما‌ تقدم مما يتناول الاقسام ‌و‌ ‌هو‌ قوله: «من تعبد لك فيه» ‌و‌ لو جى ء بالواو مكانها لصح بل قيل: مجى ء الواو ‌فى‌ التقسيم اكثر.
 ‌و‌ ارسلته: ‌اى‌ بعثته.
 ‌و‌ الاختصاص: افراد بعض الشى ء بما ‌لا‌ يشاركه فيه الجمله، تقول: «اختص الله محمدا لنفسه» ‌اى‌ جعله خاصته بحيث ‌لا‌ يشاركه احد فيما له عنده ‌من‌ المنزله.
 ‌و‌ اهلنا فيه لما وعدت اوليائك: ‌اى‌ اجعلنا اهلا له، يقال: اهلك الله للخير تاهيلا، ‌و‌ فلان اهلا للاكرام: ‌اى‌ مستحق ‌و‌ مستوجب له، ‌و‌ ‌هم‌ اهل له يستوى فيه المفرد ‌و‌ الجمع، ‌و‌ منه: «هو اهل التقوى ‌و‌ اهل المغفره» ‌اى‌ حقيق بان يتقى، ‌و‌ حقيق بان يغفر فكانوا احق بها، ‌و‌ اهلها: ‌اى‌ المستحقين لها، ‌و‌ الضمير ‌من‌ «فيه» عائد الى الشهر مرادا ‌به‌ الشهر المقروء فيه الدعاء على طريقه الاستخدام.
 ‌و‌ الاولياء: جمع ولى ‌و‌ ‌هو‌ فعيل بمعنى المفعول ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ يتولى الله تعالى حفظه ‌و‌ حراسته على التوالى ‌او‌ بمعنى الفاعل ‌اى‌ يتولى عباده الله تعالى ‌و‌ طاعته على الولاء ‌من‌ غير تخلل معصيه، قال بعضهم: ‌و‌ كلا الوصفين شرط ‌فى‌ الولايه.
 ‌و‌ قال المتكلمون: الولى ‌من‌ كان آتيا بالاعتقاد الصحيح المبنى على الدليل بالاعمال الشرعيه، ‌و‌ التركيب يدل على القرب فكانه قريب منه سبحانه لاستغراقه ‌فى‌ نور معرفته ‌و‌ جمال جلاله.
 
و اوجب لنا: ‌اى‌ اثبت لنا، ‌من‌ وجب الشى ء يجب وجوبا اذا ثبت ‌و‌ لزم.
 ‌و‌ اهل المبالغه: المتصفين بها كما يقال: اهل العلم لمن اتصف به، ‌و‌ المبالغه: مصدر، بالغ ‌فى‌ كذا: ‌اى‌ بذل جهده ‌فى‌ فعله ‌و‌ تتبعه.
 ‌و‌ النظم: التاليف ‌و‌ ضم الشى ء الى آخر، ‌و‌ المنظوم يقال: نظم ‌من‌ اللولو ‌اى‌ منظوم منه.
 قال الجوهرى: ‌و‌ اصله المصدر، ‌و‌ يقال لجماعه الجراد نظم، ‌و‌ ‌فى‌ الاساس جاءنا نظم ‌من‌ جراد ‌و‌ نظام منه: ‌اى‌ صف، ‌و‌ عليه فالمعنى: ‌و‌ اجعلنا ‌فى‌ جماعه ‌من‌ استحق الرفيع الاعلى ‌او‌ ‌فى‌ صفهم.
 ‌و‌ الرفيع: فعيل بمعنى فاعل ‌من‌ رفع ككرم، رفعه: ‌اى‌ شرف ‌و‌ علا، ‌و‌ ارتفع فهو رفيع: ‌اى‌ المقام الرفيع الاعلى، ‌و‌ المراد ‌به‌ اعلى مراتب الجنه ‌و‌ درجاتها.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌ان‌ ‌فى‌ الجنه مائه درجه بين كل درجتين منها مثل ‌ما‌ بين السماء ‌و‌ الارض ‌و‌ اعلى درجه منها الفردوس ‌و‌ عليها يكون العرش ‌و‌ هى اوسط شى ء ‌فى‌ الجنه ‌و‌ منها تفجر انهار الجنه فاذا سالتم الله فاسالوه الفردوس.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: ‌من‌ استحق الرفيق الاعلى. قال ابن الاثير ‌فى‌ الحديث: ‌و‌ الحقنى بالرفيق الاعلى. الرفيق: جماعه الانبياء الساكنين اعلا عليين فعيل بمعنى الجماعه كالصديق ‌و‌ الخليط يقع على الواحد ‌و‌ الجمع.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق: روت عائشه قالت: وجدت رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله يثقل ‌فى‌ حجرى، قالت: فذهبت انظر ‌فى‌ وجهه فاذا بصره قد شخص ‌و‌ ‌هو‌ يقول: بل الرفيق الاعلى ‌من‌ الجنه، ‌اى‌ بل اريد جماعه الانبياء ‌من‌ قوله تعالى:
 
«و حسن اولئك رفيقا» ‌و‌ ذلك انه خير بين البقاء ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ بين ‌ما‌ عندالله فاختار ‌ما‌ عنده، ‌و‌ الرفيق كالخليط ‌و‌ الصديق ‌فى‌ كونه واحدا ‌و‌ جمعا انتهى.
 ‌و‌ قال الكرمانى ‌فى‌ شرح البخارى قوله عليه السلام بل الرفيق الاعلى ‌اى‌ اخترت المودى الى رفاقه الملا الاعلى ‌من‌ الملائكه ‌او‌ الذين انعم الله عليهم ‌من‌ النبيين ‌و‌ الصديقين ‌و‌ الشهداء ‌و‌ الصالحين ‌و‌ حسن اولئك رفيقا انتهى.
 ‌و‌ على هذه النسخه فمعنى قوله عليه السلام: «من استحق الرفيق الاعلى» ‌اى‌ ‌من‌ استحق رفاقه الرفيق الاعلى، ‌و‌ الله اعلم.
 
جنبت الرجل الشر جنوبا: ‌من‌ باب- قعد-: ابعدته عنه، ‌و‌ جنبته بالتشديد مبالغه كانك جعلته على جانب منه ‌اى‌ ناحيه، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و اجنبنى ‌و‌ بنى ‌ان‌ نعبد الاصنام».
 قال الزمخشرى: ‌و‌ قرى ‌و‌ جنبنى ‌و‌ فيه ثلاث لغات جنبه الشر، ‌و‌ جنبه ‌و‌ اجنبه، فاهل الحجاز يقولون: جنبنى شره بالتشديد، ‌و‌ اهل نجد جنبنى شره ‌و‌ اجنبنى، ‌و‌ المعنى: ثبتنا ‌و‌ ادمنا على اجتناب عبادتها، انتهى.
 ‌و‌ الالحاد: الميل عن الحق الى الباطل، ‌و‌ قال بعضهم: الالحاد: العدول عن الاستقامه ‌و‌ الانحراف عنها، ‌و‌ منه: اللحد الذى يحفر ‌فى‌ جانب القبر.
 ‌و‌ قال ابن السكيت: الملحد: المعادل عن الحق ‌و‌ المدخل فيه ‌ما‌ ليس منه،
 
يقال: الحد ‌فى‌ الدين ‌و‌ لحد.
 ‌و‌ قال الواحدى: الاجود الحد ‌و‌ ‌لا‌ يكاد يسمع لاحد بمعنى ملحد.
 ‌و‌ فائده طلب اجتناب الالحاد ‌فى‌ توحيده تعالى اما حصول التثبيت ‌و‌ الادامه كما قاله الزمخشرى ‌فى‌ الايه ‌او‌ هضم النفس ‌و‌ اظهار الفقر ‌و‌ الحاجه، ‌و‌ الالحاد ‌فى‌ التوحيد له مراتب بحسب مراتب التوحيد الاربع التى ذكرناها ‌فى‌ الروضه الاولى، فالميل ‌و‌ العدول عن الاستقامه ‌فى‌ كل مرتبه الحاد فيها ‌و‌ انحراف عنها، فمنه ‌ما‌ ‌هو‌ شرك ظاهر، ‌و‌ منه ‌ما‌ ‌هو‌ شرك خفى.
 ‌و‌ التقصير ‌فى‌ الامر: التوانى فيه، ‌و‌ مجدته تمجيدا: نسبته الى المجد ‌و‌ وصفته به.
 قال الراغب: المجد: السعه ‌فى‌ الكرم ‌و‌ الجلاله.
 ‌و‌ قال ابن الاثير: المجد لغه الشرف الواسع، ‌و‌ رجل ماجد: مفضال، ‌و‌ قيل: المجيد: الكريم الفعال، ‌و‌ قيل: اذا قارن شرف الذات حسن الفعال فهو المجد.
 ‌و‌ قال الراغب: التمجيد ‌من‌ العبد لله بالقول ‌و‌ ذكر الصفات الحسنه، ‌و‌ ‌من‌ الله للعبد باعطائه الفضل.
 «و الشك»: الارتياب ‌و‌ اضطراب القلب ‌و‌ النفس.
 ‌و‌ قال جماعه: الشك خلاف اليقين، فقولهم خلاف اليقين ‌هو‌ التردد بين شيئين سواء استوى طرفاه ‌او‌ رجح احدهما على الاخر، قال تعالى: «فان كنت ‌فى‌ ‌شك‌ مما انزلنا اليك»، قال المفسرون: ‌اى‌ غير متيقن ‌و‌ ‌هو‌ يعم الحالتين ‌و‌ هذا المعنى ‌هو‌ المراد هنا.
 
و المراد «بدينه» تعالى الاسلام لقوله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «افغير دين الله يبغون»، قال المفسرون: يعنى الاسلام لقوله تعالى: «و ‌من‌ يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه»، ‌و‌ قوله تعالى: «و رايت الناس يدخلون ‌فى‌ دين الله افواجا» قالوا: ‌اى‌ ‌فى‌ مله الاسلام التى ‌لا‌ دين له تعالى يضاف اليه غيرها، ‌و‌ عرفوا الدين بانه وضع الهى لاولى الالباب يتناول الاصول ‌و‌ الفروع.
 ‌و‌ العمى: فقدان البصر، ‌و‌ يستعار للقلب كنايه عن الضلال بجامع عدم الاهتداء ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا.
 ‌و‌ سبيله تعالى: كل ‌ما‌ يتوصل ‌به‌ الى رضاه ‌و‌ ثوابه. قال الراغب: يستعمل السبيل لكل ‌ما‌ يتوصل ‌به‌ الى شى ء خيرا كان ‌او‌ شرا.
 ‌و‌ قال ابن الاثير: قد تكرر ‌فى‌ الحديث ذكر «سبيل الله» ‌و‌ ‌هو‌ عام يقع على كل عمل خالص سلك ‌به‌ ‌فى‌ طريق التقرب الى الله تعالى باداء الفرائض ‌و‌ النوافل ‌و‌ انواع التطوعات.
 ‌و‌ اغفلت الشى ء اغفالا: تركته اهمالا ‌من‌ غير نسيان.
 ‌و‌ الحرمه بالضم: ‌ما‌ يجب القيام ‌به‌ ‌و‌ يحرم التفريط فيه، ‌و‌ الاغفال له، ‌و‌ منه قوله تعالى: «و ‌من‌ يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه»، ‌و‌ يدخل فيه ‌ما‌ حرمه الله تعالى ‌من‌ ترك الواجبات ‌و‌ فعل المحرمات.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: لخدمتك.
 ‌و‌ الانخداع: مطاوع، خدعته خدعا ‌من‌ باب- منع- فانخدع اذا اظهرت له خلاف ‌ما‌ تخفيه فوثق بك ‌و‌ اطمان اليك، ‌و‌ قيل: الخدع: انزال الغير عما ‌هو‌ بصدده
 
بامر تبديه على خلاف ‌ما‌ تخفيه، ‌و‌ ايثار التعبير بعدوك دون عدوى لتضمن الاضافه تحريضا ‌و‌ اغراء على اذلاله ‌و‌ قمعه كما تقول: عدوك بالباب، ‌و‌ عداوته تعالى عباره عن مخالفه امره عنادا ‌و‌ الخروج عن طاعته مكابره.
 ‌و‌ الشيطان: بدل ‌من‌ عدوك، ‌و‌ يجوز كونه عطف بيان عليه.
 ‌و‌ الرجيم: صفه تتضمن ذما لتعين الموصوف بدونها ‌و‌ الشيطان الرجيم: المطرود عن الخيرات ‌و‌ عن منازل الملا الاعلى، ‌و‌ قيل: المرجوم باللعنه ‌لا‌ يذكره مومن الا لعنه، لعنه الله تعالى.
 
«اذا» هنا واقعه موقع اذ ‌فى‌ كونها للماضى مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌لا‌ على الذين اذا ‌ما‌ اتوك لتحملهم، قلت ‌لا‌ اجد» لنزول الايه بعد الاتيان ‌و‌ كذلك الدعاء وقع بعد ‌ان‌ ثبت ‌ان‌ له تعالى ‌فى‌ كل ليله ‌من‌ ليالى هذا الشهر رقابا يعتقها عفوه ‌و‌ هى ‌و‌ ‌ان‌ كانت للمستقبل غالبا، لكن نص الجمهور على انها قد تكون للماضى كاذ كما ‌ان‌ اذ تكون للمستقبل كاذا.
 قال ابن مالك ‌فى‌ التسهيل: ‌و‌ ربما وقعت اذا موقع اذ ‌و‌ اذ موقعها.
 ‌و‌ قال بعضهم: اذا تنوب عما مضى ‌من‌ الزمان ‌و‌ ‌ما‌ يستقبل بمعنى انها لمجرد الوقت.
 ‌و‌ كان: ناقصه. قال الفخر الرازى: «كان» اذا كانت ناقصه كانت عباره عن وجود شى ء ‌فى‌ زمان ماض على سبيل الابهام فلا تدل على انقطاع طار.
 
قال الطيبى: يعنى ليس معناه انه كان على تلك الصفه ثم ‌ما‌ بقى على ‌ما‌ كان كما يقال: كان ‌فى‌ علم الله كذا.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: «كان» عباره عن وجود شى ء ‌فى‌ الزمان الماضى على سبيل الابهام ‌و‌ ليس فيه دليل على عدم سابق ‌و‌ ‌لا‌ انقطاع ‌لا‌ ‌حق‌ ‌و‌ منه قوله تعالى: «و كان الله غفورا رحيما».
 قال التفتازانى: معنى الابهام انها ‌لا‌ دلاله فيها على ‌ما‌ ذكر ‌من‌ عدم سابق ‌و‌ انقطاع ‌لا‌ ‌حق‌ ‌و‌ ‌لا‌ على الدوام فلذلك تستعمل فيما ‌هو‌ حادث مثل: كان زيد راكبا، ‌و‌ فيما ‌هو‌ دائم مثل: كان الله غفورا رحيما.
 ‌و‌ قال الشريف المرتضى «قدس سره»: اذا قلت: كنت العالم ‌و‌ ‌ما‌ كنت الا عليما ‌و‌ خبيرا ‌و‌ ‌ما‌ كنت الا الشجاع ‌و‌ الجواد، فالمراد بذلك كله الاخبار عن الاحوال كلها ماضيها ‌و‌ حاضرها ‌و‌ مستقبلها ‌و‌ ‌لا‌ يفهم ‌من‌ كلامهم سوى ذلك.
 ‌و‌ قال الراغب: «كان» عباره عما مضى ‌من‌ الزمان، ‌و‌ ‌فى‌ كثير ‌من‌ وصف الله تعالى تنبى عن الازليه، ‌و‌ ‌ما‌ استعمل منه ‌فى‌ جنس الشى ء متعلقا بوصف له ‌هو‌ موجود فيه فتنبيه على ‌ان‌ ذلك الوصف لازم له، قليل الانفكاك عنه نحو قوله تعالى: «و كان الانسان كفورا» «و كان الانسان اكثر شى ء جدلا»، ‌و‌ اذا استعمل ‌فى‌ الزمان الماضى فقد يكون المستعمل فيه باقيا على حالته نحو: «و كان الشيطان لربه كفورا»، ‌و‌ قد يكون قد تغير نحو: كان فلان كذا ثم صار كذا، ‌و‌ ‌لا‌ فرق بين ‌ان‌ يكون الزمان المستعمل فيه كان قد تقدم تقدما كثيرا نحو: كان ‌فى‌ اول ‌ما‌ اوجد الله العالم ‌و‌ بين ‌ان‌ يكون قد تقدم بان واحد فلا فرق بين ‌ان‌ تقول: كان آدم كذا ‌و‌ بين ‌ان‌ تقول كان زيد هاهنا، ‌و‌ يكون بينك ‌و‌ بين ذلك الزمان ادنى وقت ‌و‌ لهذا صح ‌ان‌
 
قال: «كيف نكلم ‌من‌ كان ‌فى‌ المهد صبيا» فاشار بكان الى عيسى ‌و‌ حالته التى شاهدوه عليها انتهى.
 اذا عرفت ذلك فكان ‌فى‌ عباره الدعاء ‌و‌ ‌ان‌ دلت على المضى ‌لا‌ دلاله على الانقطاع بل الغرض منها هنا الاستمرار ‌و‌ لذلك وصف اسمها ‌و‌ ‌هو‌ رقاب بجمله قوله: «يعتقها عفوك» فجمع بين صيغتى الماضى ‌و‌ ‌هو‌ كان ‌و‌ المستقبل ‌و‌ ‌هو‌ يعتقها للنص على الاستمرار كقوله تعالى: «و الله مخرج ‌ما‌ كنتم تكتمون» ‌و‌ لم تلحق كان علامه التانيث ‌فى‌ اسمها غير حقيقى ‌او‌ للفصل بينهما.
 ‌و‌ الجار ‌و‌ المجرور ‌من‌ قوله: «لك» خبر كان متعلق بمحذوف اى: حاصله لك، ‌و‌ الظرف ‌من‌ قوله: «فى كل ليله» متعلق بهذا المحذوف المقدر ‌و‌ ‌هو‌ الخبر، ‌و‌ لك متعلق بكان عند ‌من‌ يرى تعلق الظرف بالفعل الناقص.
 ‌و‌ اعتقه اعتاقا فهو معتق اذا حرره ‌و‌ خلصه ‌من‌ الرق، ثم استعمل ‌فى‌ التخليص ‌من‌ العذاب بجامع الفكاك ‌من‌ الاهانه ‌و‌ المشقه.
 ‌و‌ الرقاب: جمع رقبه ‌و‌ هى العنق فجعلت كنايه عن جميع الذات، ‌و‌ قد تقدم وجه ذلك ‌و‌ «او» ‌فى‌ قوله عليه السلام «او يهبها صفحك» للتنويع.
 ‌و‌ قال الراغب: الصفح: ترك التثريب ‌و‌ التقرير بالذنب ‌و‌ ‌هو‌ ابلغ ‌من‌ العفو، ‌و‌ قد يعفو الانسان ‌و‌ ‌لا‌ يصفح، ‌و‌ صفحت عنه اوليته منى صفحه جميله معرضا عن ذنبه، ‌او‌ لفت صفحتى متجافيا عنه ‌او‌ تجاوزت الصفحه التى اثبت فيها ذنبه ‌من‌ الكتاب الى غيرها ‌من‌ قولك: تصفحت الكتاب انتهى.
 ‌و‌ الهبه: ‌ان‌ تجعل ملكك لغيرك، كان الرقاب لما استحقت عقابه سبحانه خرجت عن كونها ملكا لاصحابها ‌و‌ دخلت ‌فى‌ ملك عقابه ‌و‌ انتقامه تعالى فوهبها
 
صفحه لاربابها ‌و‌ اسناد الاعتاق ‌و‌ الهبه الى العفو ‌و‌ الصفح مجاز عقلى لانهما فعل الله تعالى ‌و‌ انما العفو ‌و‌ الصفح سببان لهما كقوله تعالى: «و اذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا» ‌و‌ القرينه استحاله قيام المسند بالمذكور عقلا ‌و‌ قد ورد بمضمون هذه الفقره ‌من‌ الدعاء جمله احاديث:
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى جعفر عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله يقبل بوجهه الى الناس فيقول: ‌يا‌ معشر الناس اذا طلع هلال شهر رمضان غلت مرده الشياطين ‌و‌ فتحت ابواب السماء ‌و‌ ابواب الجنان ‌و‌ ابواب الرحمه ‌و‌ غلقت ابواب النار ‌و‌ استجيب الدعاء ‌و‌ كان فيه عند كل فطر عتقاء يعتقهم الله ‌من‌ النار ‌و‌ ينادى مناد كل ليله هل ‌من‌ سائل هل ‌من‌ مستغفر؟ الحديث.
 ‌و‌ بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌ان‌ لله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ ‌فى‌ كل ليله ‌من‌ شهر رمضان عتقاء ‌و‌ طلقاء ‌من‌ النار الا ‌من‌ افطر على مسكر فاذا كان ‌فى‌ آخر ليله منه اعتق فيها مثل ‌ما‌ اعتق ‌فى‌ جميعه.
 ‌و‌ روى شيخ الطائفه ‌فى‌ التهذيب بسنده عن عمر ‌بن‌ يزيد عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ‌ان‌ لله ‌فى‌ كل يوم ‌من‌ شهر رمضان عتقاء ‌من‌ النار الا ‌من‌ افطر على مسكر، ‌او‌ مشاحن، ‌او‌ صاحب شاهين، قال: قلت: ‌و‌ ‌اى‌ شى ء صاحب شاهين؟ قال: الشطرنج.
 
و روى الشيخ ابو محمد هارون ‌بن‌ موسى التلعكبرى باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌فى‌ خبر طويل ‌ان‌ على ‌بن‌ الحسين عليهماالسلام كان يقول: ‌ان‌ لله تعالى ‌فى‌ كل ليله ‌من‌ شهر رمضان عند الافطار سبعين الف الف عتيق ‌من‌ النار كل قد استوجب النار فاذا كان آخر ليله ‌من‌ شهر رمضان اعتق فيها مثل ‌ما‌ اعتق ‌فى‌ جميعه.
 قوله عليه السلام: «فاجعل رقابنا ‌من‌ تلك الرقاب»: «الفاء»: رابطه لجواب اذا، ‌و‌ الجعل: كما يكون بمعنى التصيير نحو جعلت الفضه خاتما يكون بمعنى الحكم بشى ء على شى ء ‌و‌ ‌هو‌ تصيير عقلى ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا ‌اى‌ احكم لرقابنا بان تكون ‌من‌ تلك الرقاب المعتقه ‌او‌ الموهوبه ‌و‌ منه «انا رادوه اليك ‌و‌ جاعلوه ‌من‌ المرسلين».
 ‌و‌ «من»: تبعيضيه ‌اى‌ بعض تلك الرقاب ‌و‌ ‌هو‌ ثانى مفعول الجعل ‌و‌ الاول الضمير ‌و‌ لشهرنا متعلق بمحذوف وقع حالا ‌من‌ خير اهل ‌و‌ اصحاب اذ لو تاخر عنه لكان صفه له كقوله: ‌و‌ تقديمه لرعايه السجع.
 لميه موحشا طلل
 «و الاهل ‌و‌ الاصحاب»: عباره عن المختصين ‌به‌ اختصاص الاهل بنسيبهم الملازمين لصيامه ‌و‌ قيامه ملازمه الاصحاب لمصحوبهم.
 قال ابن فارس: كل شى ء لازم شيئا فقد صحبه ‌و‌ الله اعلم.
 
المحق: ذهاب الشى ء كله حتى ‌لا‌ يبقى منه شى ء، ‌و‌ الفعل ‌من‌ باب- منع- ‌و‌ منه انمحاق الهلال لثلاث ليال ‌من‌ آخر الشهر لذهاب نوره كله، ‌و‌ قد ذكرنا ‌فى‌ الروضه الثالثه ‌و‌ الاربعين عله انمحاقه، ‌و‌ المراد بالهلال القمر تسميه له على ‌ما‌ كان عليه
 
كتسميه البالغ يتيما، ‌او‌ المراد ‌به‌ لليلتين ‌من‌ آخر الشهر ست ‌و‌ عشرين ‌و‌ سبع ‌و‌ عشرين على ‌ما‌ تقدم ‌من‌ القول بانه يسمى ‌فى‌ هاتين الليلتين هلالا ايضا، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد ‌به‌ الشهر ‌اى‌ العدد المعروف ‌من‌ الايام، فقد نقل الفيومى ‌فى‌ المصباح انه قيل: ‌ان‌ الهلال ‌هو‌ الشهر بعينه.
 فيكون المراد بامحاقه انقضاوه ‌و‌ فناوه، ‌و‌ اصل الامحاق انمحاق بالنون مصدر مطاوع محقه فانمحق، كالانكسار مصدر مطاوع كسره فانكسر فادغمت النون ‌فى‌ الميم ‌و‌ ‌ان‌ لم يتقاربا لان الغنه التى فيهما جعلتهما كالمتقاربين.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: «مع محاق هلاله» بكسر الميم ‌و‌ ضمها.
 ‌و‌ حكى صاحب القاموس التثليث فيها فقال: ‌و‌ المحاق مثلثه آخر الشهر ‌او‌ ثلاث ليال ‌من‌ آخره ‌او‌ ‌ان‌ يستتر القمر فلا يرى غدوه ‌و‌ ‌لا‌ عشيه سمى لانه طلع مع الشمس فمحقته انتهى.
 ‌و‌ السلخ: اخراج الشى ء مما لابسه ‌و‌ نزعه عنه ‌من‌ سلخ الشاه ‌و‌ ‌هو‌ نزع جلدها عنها، ‌و‌ الفعل ‌من‌ باب- منع- ‌و‌ قيل: ‌اى‌ ‌و‌ انزع عنا تبعاتنا ‌و‌ هى استعاره مكنيه، شبه التبعات ‌فى‌ احتوائها عليه بالجلد ‌فى‌ احتوائها على الحيوان فاثبت لها السلخ تخييلا، ‌و‌ لك جعلها تبعيه ‌و‌ لعله اظهر.
 ‌و‌ «انسلاخ الايام»: انقضاوها ‌و‌ مضيها. قال تعالى: «فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين» ‌اى‌ اذا انقضت ‌و‌ مضت ‌و‌ ‌هو‌ ايضا استعاره ‌من‌ الانسلاخ
 
الواقع بين الحيوان ‌و‌ جلده بجامع الانفصال عن الملابس كما ذكره ابوالهيثم ‌من‌ انه يقال: اهللنا بشهر كذا ‌اى‌ دخلنا فيه ‌و‌ لبسناه فنحن نزداد كل ليله لباسا منه الى مضى نصفه ثم نسلخه عن انفسنا جرا فجرا حتى نسلخه عن انفسنا كله فينسلخ ‌و‌ انشد:
 اذا ‌ما‌ سلخت الشهر اهللت مثله
 كفى قائلا سلخى الشهور ‌و‌ اهلالى
 ‌و‌ تحقيقه: ‌ان‌ الزمان محيط بما فيه ‌من‌ الزمانيات مشتمل عليه اشتمال الجلد على الحيوان ‌و‌ كذا كل جزء ‌من‌ اجزائه الممتد ‌من‌ الايام ‌و‌ الشهور ‌و‌ السنين فاذا مضى فكانه انسلخ عما فيه.
 ‌و‌ الحاصل: انه تشبيه لخروج المتزمن عن زمانه بانفصال المتمكن عن مكانه فكلاهما ظرف.
 ‌و‌ صفا الشى ء صفوا: ‌من‌ باب- قعد- ‌و‌ صفاء اذا خلص ‌من‌ الكدر فهو صاف، وصفيته ‌من‌ القذى تصفيه: ازلته عنه، ‌و‌ خلص الماء ‌من‌ الكدر خلوصا ‌من‌ باب- قعد- صفا ‌و‌ اخلصته اخلاصا كخلصته تخليصا صفيته، ‌و‌ منه اخلص له الموده ‌و‌ اخلص لله دينه ‌و‌ فرقوا بين الخطيئه ‌و‌ السيئه بان الخطيئه الصغيره ‌و‌ السيئه الكبيره لان الخطا بالصغيره انسب ‌و‌ السوء بالكبيره الصق.
 ‌و‌ قيل: الخطيئه ‌ما‌ ‌لا‌ عمد فيه، ‌و‌ السيئه: ‌ما‌ كان عن عمد.
 ‌و‌ قيل: الخطيئه: ‌ما‌ كان بين الانسان ‌و‌ بين الله، ‌و‌ السيئه: ‌ما‌ كان بينه ‌و‌ بين العباد.
 ‌و‌ قال الراغب: الخطيئه ‌و‌ السيئه متقاربتان الا ‌ان‌ الخطيئه اكثر ‌ما‌ تستعمل فيما ‌لا‌ يكون مقصودا اليه ‌فى‌ نفسه بل يكون القصد سببا لتولد ذلك الفعل منه كمن
 
يرمى صيدا فاصاب انسانا ‌او‌ شرب مسكرا فجنى جنايه، فان كان ذلك الشى ء الذى تولدت الخطيئه منه محظورا فعله كشرب المسكر كان ‌ما‌ يتولد ‌من‌ الخطا عنه غير متجاف عنه.
 
و الميل: العدول عن الوسط الى احد الجانبين ‌و‌ يستعمل ‌فى‌ الجور، ‌و‌ مال الحائط ميلا: زال عن استوائه.
 ‌و‌ عدلته تعديلا: سويته فاستوى، ‌و‌ الكلام استعاره تبعيه.
 ‌و‌ ‌فى‌ حديث عمر: الحمد لله الذى جعلنى ‌فى‌ قوم اذا ملت عدلونى كما يعدل السهم ‌فى‌ الثقاف.
 ‌و‌ الزيغ: الميل عن الاستقامه، ‌و‌ منه: «فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم»، اى: لما فارقوا الاستقامه عاملهم الله بذلك.
 ‌و‌ قومته تقويما فتقوم: عدلته فتعدل.
 ‌و‌ اشتمل على الشى ء: احاط به، ‌و‌ اصله ‌من‌ الاشتمال بالثوب، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يدير الثوب على جسده كله ‌لا‌ يخرج منه يده. قال:
 اوردها سعد ‌و‌ سعد مشتمل
 ‌ما‌ هكذا تورد ‌يا‌ سعد الابل
 ‌و‌ انقذته ‌من‌ الشر ‌و‌ استنقذته منه: اذا خلصته منه، قال تعالى: «و كنتم على شفا حفره ‌من‌ النار فانقذكم منها».
 
شحن السفينه شحنا ‌من‌ باب- نفع-: ملاها ‌و‌ اتم جهازها كلها ‌و‌ منه: «فى الفلك المشحون».
 ‌و‌ زين اوقاته بطاعتنا: ‌اى‌ اجعلها زينه لها كما قال تعالى: «و لقد زينا السماء
 
الدنيا بمصابيح» الا ‌ان‌ المصابيح للسماء زينه محسوسه لادراكها بالبصر، ‌و‌ الطاعه للاوقات زينه معقوله لادراكها بالعقل، ‌و‌ اسناد الشحن ‌و‌ التزيين الى الله سبحانه ‌من‌ باب الاسناد الى السبب اذ كان ‌هو‌ المقدر على ذلك ‌و‌ الموفق له.
 ‌و‌ اعانه الله تعالى للعبد: عباره عن افاضه قوه على استعداده تقوى بها نفسه ‌و‌ عقله ‌و‌ جسده على المستحسن ‌من‌ الاعمال كالصلاه ‌و‌ الزكاه ‌و‌ الصيام.
 ‌و‌ التضرع: المبالغه ‌فى‌ الابتهال ‌و‌ السوال.
 ‌و‌ الخشوع: الخضوع ‌و‌ التواضع، ‌و‌ قيل: الخشوع باعتبار افعال الجوارح، ‌و‌ الخضوع ‌و‌ التواضع يعتبران بالاخلاق ‌و‌ الافعال الظاهره ‌و‌ الباطنه، ‌و‌ لذلك قيل: اذا تواضع القلب خشعت الجوارح.
 ‌و‌ الذله بالكسر: الهوان ‌و‌ الاستكانه ‌و‌ هى ‌من‌ اشرف القربات الى الله تعالى لانها انما تكون عن قهر النفس الاماره بالسوء، ‌و‌ شرف المخلوق ‌فى‌ اظهار العبوديه ‌و‌ المذله ‌و‌ الضراعه له سبحانه كما قال: «لن يستنكف المسيح ‌ان‌ يكون عبدا لله ‌و‌ ‌لا‌ الملائكه المقربون» تنبيها على ‌ان‌ ذلك رفعه ‌و‌ عزه ‌لا‌ ضعه ‌و‌ ذله.
 ‌و‌ قوله: «بين يديك»: مستعار مما بين الجهتين المسامتين ليدى الانسان ‌و‌ ‌هو‌ هنا ‌من‌ باب التمثيل، ‌و‌ قد تقدم الكلام عليه غير مره.
 قوله عليه السلام: «حتى ‌لا‌ يشهد نهاره علينا بغفله» الى آخره. تعليل لمضمون الفقر الاربع السابقه، ‌و‌ هذه الشهاده انما تكون بلسان الحال فان النهار ‌و‌ الليل لما كانا ظرفين لما يقع فيهما كان حضورهما ‌و‌ ‌ما‌ يكون فيهما ‌فى‌ علم الله تعالى بمنزله الشهاده عنده، ‌و‌ قد تقدم نظير ذلك ‌فى‌ شرح دعاء الصباح.
 ‌و‌ الغفله: سهو يعترى الانسان ‌من‌ قله التحفظ ‌و‌ التيقظ، ‌و‌ قيل: هى متابعه
 
النفس على ‌ما‌ تشتهيه.
 ‌و‌ قال سهل: الغفله: ابطال الوقت بالبطاله، ‌و‌ هذا المعنى هنا انسب بسياق الدعاء ‌من‌ غيره.
 ‌و‌ التفريط: التقصير، يقال: فرط ‌فى‌ الامر تفريطا اذا قصر فيه وضيعه.
 
و سائر الشهور: ‌اى‌ باقيها: ‌اى‌ فيما بقى ‌من‌ الشهور ‌و‌ الايام سوى شهر رمضان.
 ‌و‌ كذلك: ‌فى‌ محل نصب على المفعوليه لانه ثانى مفعولى «و اجعلنا» ‌و‌ ذلك: اشاره الى الاتصاف بالاوصاف المذكوره التى سال ‌ان‌ يكون عليها ‌فى‌ شهر رمضان.
 ‌و‌ ما: مصدريه زمانيه: ‌اى‌ مده تعميرنا مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «مادمت حيا»، اصله مده دوامى حيا فحذف الظرف ‌و‌ خلفته ‌ما‌ وصلتها كما جاء ‌فى‌ المصدر الصريح نحو: جئتك صلاه العصر ‌و‌ اتيتك قدوم الحاج، ‌اى‌ وقت صلاه العصر ‌و‌ زمن قدوم الحاج، ‌و‌ الله اعلم.
 فيه اقتباسان:
 الاول: ‌من‌ قوله تعالى ‌فى‌ اوائل سوره المومنون: «اولئك ‌هم‌ الوارثون الذين يرثون الفردوس ‌هم‌ فيها خالدون» فالمراد بعباده الصالحين: ‌هم‌ المشار اليهم بقوله تعالى: «اولئك ‌هم‌ الوارثون» ‌و‌ ‌هم‌ المومنون باعتبار اتصافهم بالصفات
 
السبع المذكوره ‌فى‌ قوله تعالى: «قد افلح المومنون الذين ‌هم‌ ‌فى‌ صلاتهم خاشعون ‌و‌ الذين ‌هم‌ عن اللغو معرضون ‌و‌ الذين ‌هم‌ للزكاه فاعلون ‌و‌ الذين ‌هم‌ لفروجهم حافظون الا على ازواجهم ‌او‌ ‌ما‌ ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك ‌هم‌ العادون ‌و‌ الذين ‌هم‌ لاماناتهم ‌و‌ عهدهم راعون ‌و‌ الذين ‌هم‌ على صلاتهم يحافظون» ‌و‌ عبر عنهم بالصالحين للاشاره الى ‌ان‌ الصلاح ينتظم جميع هذه الصفات، ‌و‌ لذلك فسروا الصالح: بانه القائم بما يلزمه ‌من‌ حقوق الله سبحانه ‌و‌ حقوق الناس ‌و‌ قوله تعالى: «يرثون الفردوس»: ‌اى‌ ينالونها ‌و‌ يملكونها كما ينال الوارث الارث بجامع الحصول ‌من‌ غير كد ‌و‌ ‌لا‌ تعب فكانت شبها بالميراث.
 قال الراغب: يقال: لكل ‌من‌ حصل له شى ء ‌من‌ غير تعب قد ورث كذا، ‌و‌ يقال: لمن خول شيئا مهنئا اورث كذا قال تعالى: «تلك الجنه التى نورث ‌من‌ عبادنا ‌من‌ كان تقيا».
 ‌و‌ قيل: الوجه ‌فى‌ ذلك ‌ان‌ الميراث كما يطلق على ‌ما‌ ملكه الميت يطلق على ‌ما‌ يقدر ملكه فيه، ‌و‌ لذلك قالوا للديه انها ميراث المقتول، ‌و‌ كل ‌من‌ ‌فى‌ الجنه فله مسكن مفروض ‌فى‌ النار على تقدير كفره، ‌و‌ كل ‌من‌ ‌فى‌ النار فله مسكن مفروض ‌فى‌ الجنه على تقدير ايمانه فاذا تبادل المسكنان كان جميع اهل الجنه وارثين، ‌و‌ لكن كل الفردوس ‌لا‌ يكون ميراثا بل بعضه ميراث ‌و‌ بعضه بالاستحقاق الا انه يصدق بالجمله انهم ورثوا الفردوس.
 ‌و‌ قد روى هذا المعنى عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله انه قال: ليس ‌من‌ مومن ‌و‌ ‌لا‌ كافر الا ‌و‌ له ‌فى‌ الجنه ‌و‌ النار منزل فاذا دخل اهل الجنه الجنه ‌و‌ اهل النار النار
 
رفعت الجنه لاهل النار فنظروا الى منازلهم فيها، فقيل: لهم هذه منازلكم لو عملتم بطاعه الله ثم يقال: ‌يا‌ اهل الجنه رثوهم بما كنتم تعملون فتقسم بين اهل الجنه منازلهم.
 ‌و‌ روى على ‌بن‌ ابراهيم قال: حدثنى ابى، عن عثمان ‌بن‌ عيسى، عن ابى بصير، عن ابى عبدالله عليه السلام، قال: ‌ما‌ خلق الله خلقا الا جعل له ‌فى‌ الجنه منزلا ‌و‌ ‌فى‌ النار منزلا فاذا دخل اهل الجنه الجنه ‌و‌ اهل النار النار نادى مناد ‌يا‌ اهل الجنه اشرفوا فيشرفون على اهل النار ‌و‌ ترفع لهم منازلهم فيها ثم يقال لهم: هذه منازلكم التى لو عصيتم الله لدخلتموها يعنى ‌فى‌ النار، قال: فلو ‌ان‌ احدا مات فرحا لمات اهل الجنه ‌فى‌ ذلك اليوم فرحا لما صرف عنهم ‌من‌ العذاب، ثم ينادى مناد ‌يا‌ اهل النار ارفعوا رووسكم فيرفعون رووسهم فينظرون الى منازلهم ‌فى‌ الجنه ‌و‌ ‌ما‌ فيها ‌من‌ النعيم فيقال: هذه منازلكم التى لو اطعتم ربكم لدخلتموها قال: فلو ‌ان‌ احدا مات حزنا لمات اهل النار فيورث هولاء منازل هولاء ‌و‌ يورث هولاء منازل هولاء ‌و‌ ذلك قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «اولئك ‌هم‌ الوارثون الذين يرثون الفردوس ‌هم‌ فيها خالدون».
 ‌و‌ قيل: ‌ان‌ الجنه كانت مسكن ابينا آدم عليه السلام فاذا انتقلت الى اولاده كانت شبيها بالميراث.
 ‌و‌ الفردوس: الجنه ‌و‌ لهذا انث الضمير ‌فى‌ قوله: «هم فيها خالدون» قيل: ‌هو‌ اسم لجميع الجنه، ‌و‌ قيل: لطبقتها العليا، ‌و‌ اصل الفردوس: البستان ‌و‌ جمعه فراديس. قال كعب: ‌هو‌ البستان الذى فيه الاعناب.
 ‌و‌ قال الليث: الفردوس جنه ذات كروم، يقال: كرم مفردس: ‌اى‌ معرش.
 ‌و‌ قال الضحاك: هى الجنه الملتفه بالاشجار ‌و‌ ‌هو‌ اختيار المبرد ‌و‌ قال: الفردوس
 
فيما سمعت ‌من‌ كلام العرب: الشجر الملتف، ‌و‌ الاغلب عليه العنب. ‌و‌ جمعه الفراديس، قال: ‌و‌ بهذا سمى باب الفراديس بالشام ‌و‌ انشد لجرير:
 فقلت للركب اذ جد المسير بنا
 ‌يا‌ بعد ببرين ‌من‌ باب الفراديس
 ‌و‌ قال مجاهد: ‌هو‌ البستان بالروميه. ‌و‌ اختاره الزجاج فقال ‌هو‌ بالروميه منقول الى لفظ العربيه، قال: ‌و‌ حقيقته انه البستان الذى يجمع كل ‌ما‌ يكون ‌فى‌ البساتين.
 ‌و‌ قال الفيروز آبادى ‌فى‌ القاموس: الفردوس: البستان يجمع كل ‌ما‌ يكون ‌فى‌ البساتين ‌و‌ قد تونث عربيه ‌او‌ روميه نقلت ‌او‌ سريانيه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ بلسان الحبشه: البستان الواسع الجامع لاصناف الثمر.
 ‌و‌ قال الحافظ السيوطى ‌فى‌ الاتقان: اخرج ابن ابى حاتم عن مجاهد قال: الفردوس: بستان بالروميه ‌و‌ اخرج عن السدى قال: الكرم بالنبطيه ‌و‌ اصله فرداسا.
 ‌و‌ روى عن النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله انه قال: بنى الله الفردوس بيده ‌و‌ حظرها على كل مشرك ‌و‌ كل مدمن خمر سكير.
 ‌و‌ عنه صلى الله عليه ‌و‌ آله: خلق الله تبارك ‌و‌ تعالى ثلاثه اشياء بيده: خلق آدم بيده، ‌و‌ كتب التوراه بيده، ‌و‌ غرس الفردوس بيده، ثم قال: ‌و‌ عزتى ‌و‌ جلالى ‌لا‌ يدخلها مدمن خمر ‌و‌ ‌لا‌ الديوث، قالوا: قد عرفنا مدمن الخمر فما الديوث؟ قال: الذى يقر السوء ‌فى‌ اهله.
 
و عن ابن عطيه مرفوعا قال: خلق الله جنه الفردوس بيده فهو يفتحها كل يوم خميس فيقول ازدادى طيبا لاوليائى، ازدادى حسنا لاوليائى.
 ‌و‌ معنى خلقها بيده انه تولى خلقها ‌و‌ ايجادها ‌من‌ غير واسطه.
 ‌و‌ روى: ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ بنى جنه الفردوس لبنه ‌من‌ ذهب ‌و‌ لبنه ‌من‌ فضه ‌و‌ جعل خلالها المسك الاذفر.
 ‌و‌ عنه صلى الله عليه ‌و‌ آله انه قال: الفردوس مقصوره الرحمن منها الانهار ‌و‌ الاشجار.
 ‌اى‌ ‌من‌ الفردوس تفجر الانهار المذكوره ‌فى‌ قوله تعالى: «فيها انهار ‌من‌ ماء».
 ‌و‌ عن ابى امامه: سلوا الله الفردوس فانها اعلى الجنان ‌و‌ ‌ان‌ اهل الفردوس يسمعون اطيط العرش، ‌و‌ معنى قوله تعالى: «هم فيها خالدون» ‌اى‌ دائم بقاوهم فيها ‌لا‌ يموتون فيها ‌و‌ ‌لا‌ يخرجون عنها ابدا.
 ‌و‌ قال الراغب: ‌و‌ الخلود ‌فى‌ الجنه: بقاء الاشياء على الحاله التى هى عليها ‌من‌ غير اعتراض الكون ‌و‌ الفساد عليها.
 ‌و‌ الاقتباس الثانى ‌من‌ قوله تعالى ‌فى‌ اثناء سوره المومنون ايضا: «ان الذين ‌هم‌ ‌من‌ خشيه ربهم مشفقون ‌و‌ الذين ‌هم‌ بايات ربهم يومنون ‌و‌ الذين ‌هم‌ بربهم ‌لا‌ يشركون ‌و‌ الذين يوتون ‌ما‌ اتوا ‌و‌ قلوبهم ‌و‌ جله انهم الى ربهم راجعون اولئك يسارعون ‌فى‌ الخيرات ‌و‌ ‌هم‌ لها سابقون» ‌و‌ ‌فى‌ هذا الاقتباس دليل على جواز تغيير لفظ المقتبس بزياده ‌او‌ نقصان ‌و‌ نحو ذلك، ‌ان‌ المقتبس ليس بقرآن حقيقه بل كلام يماثله كما ذكرته ‌فى‌ شرح بديعتى المسمى بانوار الربيع ‌و‌ بسطت الكلام عليه فيه ‌و‌ قد
 
مر التنبيه على ذلك ‌فى‌ الروضه الاولى.
 فقوله عليه السلام: «و ‌من‌ الذين يسارعون ‌فى‌ الخيرات» مقتبس ‌من‌ قوله تعالى: «اولئك يسارعون ‌فى‌ الخيرات» فغيره الى ‌ما‌ ترى، فلو كان المقتبس قرآنا لما ساغ ذلك بوجه.
 فان قلت: قوله عليه السلام: «و ‌من‌ الذين يسارعون ‌فى‌ الخيرات» يشعر بان الموصول بعد ‌من‌ طائفه اخرى متصفه بما ذكر ‌فى‌ حيز صلتها غير الذين يوتون ‌ما‌ اتوا ‌و‌ قلوبهم ‌و‌ جله، ‌و‌ الايه صريحه ‌فى‌ خلاف ذلك فان الاشاره بقوله: يسارعون ‌فى‌ الخيرات نص ‌فى‌ ‌ان‌ المنعوتين بما فصل ‌من‌ النعوت الجليله اولئك يسارعون ‌فى‌ الخيرات ‌لا‌ غيرهم.
 قلت: لاشك ‌ان‌ المراد بالذين يسارعون ‌فى‌ الخيرات ‌هم‌ المتصفون بتلك الصفات كما ‌هو‌ نص الايه غير انه عليه السلام اعاد ‌من‌ التبعيضيه تاكيدا ‌فى‌ الايذان باستقلال هذه الصفه اعنى المسارعه ‌فى‌ الخيرات بفضيله باهره على حيالها ‌و‌ تنزيلا لاستقلالها منزله استقلال الموصوف بها كما ‌ان‌ اعاده الموصول ‌فى‌ الايه.
 ‌و‌ الدعاء مع كفايه ذكر الصلات بطريق العطف على صله الموصول الاول للايذان بان كل واحد مما ذكر ‌فى‌ حيز صله الموصولات المذكوره وصف جليل على حياله له شان خطير حقيق بان يفرد له موصوف مستقل ‌و‌ ‌لا‌ يجعل شى ء ‌من‌ ذلك تتمه لغيره ‌و‌ توسيط العاطف بين الموصولات لتنزيل الاختلاف العنوانى منزله الاختلاف الذاتى كما ‌فى‌ قوله: الى الملك القرم ‌و‌ ابن الهمام ‌و‌ ليث الكتيبه ‌فى‌ المزدحم، ثم الذى عليه اكثر المفسرين: ‌ان‌ معنى قوله تعالى: «و الذين يوتون ‌ما‌ اتوا ‌و‌ قلوبهم ‌و‌ جله انهم الى ربهم راجعون» ‌اى‌ يعطون ‌ما‌ اعطوه ‌من‌ الصدقات
 
و الحال ‌ان‌ قلوبهم خائفه ‌ان‌ ‌لا‌ تقبل منهم ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ تقع منهم على الوجه اللائق فيواخذوا ‌به‌ لان مرجعهم اليه ‌و‌ ‌هو‌ يعلم ‌ما‌ يخفى عليهم، ‌او‌ ‌ان‌ قلوبهم خائفه ‌من‌ ‌ان‌ مرجعهم اليه على ‌ان‌ مناط الوجل ‌ان‌ ‌لا‌ يقبل منهم ذلك فيواخذهم ‌به‌ حينئذ ‌لا‌ مجرد رجوعهم اليه تعالى.
 ‌و‌ قال النظام النيسابورى: ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ هذا الايتاء مختص بالزكاه ‌و‌ التصدق، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يراد اعطاء كل فعل ‌او‌ خصله ‌اى‌ اتيانها، ‌و‌ يويده ‌ما‌ روى ‌ان‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله قرا: ياتون ‌ما‌ اتوا: ‌اى‌ يفعلون ‌ما‌ فعلوا.
 ‌و‌ عن عائشه انها قالت: قلت ‌يا‌ رسول الله ‌هو‌ الذى يزنى ‌و‌ يسرق ‌و‌ يشرب الخمر ‌و‌ ‌هو‌ على ذلك يخاف الله؟ قال: ‌لا‌ ‌يا‌ ابنه الصديق ولكن ‌هو‌ الذى يصلى ‌و‌ يصوم ‌و‌ يتصدق ‌و‌ ‌هو‌ على ذلك يخاف الله ‌ان‌ ‌لا‌ يقبل منه انتهى.
 ‌و‌ عن اميرالمومنين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه انه تلا: «و الذين يوتون ‌ما‌ آتوا ‌و‌ قلوبهم ‌و‌ جله انهم الى ربهم راجعون» ثم قال: ‌ما‌ الذى اتوا، اتوا ‌و‌ الله الطاعه مع المحبه ‌و‌ الولايه ‌و‌ ‌هم‌ ‌فى‌ ذلك خائفون، ليس ‌و‌ الله خوفهم خوف ‌شك‌ فيما ‌هم‌ فيه ‌من‌ اصابه الدين ‌و‌ لكنهم خافوا ‌ان‌ يكونوا مقصرين ‌فى‌ محبتنا ‌و‌ طاعتنا.
 قوله عليه السلام: «يسارعون ‌فى‌ الخيرات ‌و‌ ‌هم‌ لها سابقون».
 قال امين الاسلام الطبرسى «قدس سره» معناه يبادرون الى الطاعات ‌و‌ يسابقون اليها غيرهم رغبه منهم فيها ‌و‌ علما منهم بما ينالون بها ‌من‌ حسن الثواب، ‌و‌ قوله: «و ‌هم‌ لها سابقون» ‌اى‌ ‌و‌ ‌هم‌ لاجل تلك الخيرات سابقون الى الجنه. ‌و‌ قيل: معناه ‌و‌ ‌هم‌ اليها سابقون، قال الكلبى سبقوا الامم الى الخيرات. ‌و‌ قال ابن عباس:
 
يسابقون فيها امثالهم ‌من‌ اهل البر ‌و‌ التقوى.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: قوله تعالى: «يسارعون ‌فى‌ الخيرات» يحتمل معنيين:
 احدهما: ‌ان‌ يراد يرغبون ‌فى‌ الطاعات اشد الرغبه فيبادرونها.
 ‌و‌ الثانى: انهم يتعجلون ‌فى‌ الدنيا المنافع ‌و‌ وجوه الاكرام كما قال: «فاتاهم الله ثواب الدنيا ‌و‌ حسن ثواب الاخره»، «و آتيناه اجره ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ انه ‌فى‌ الاخره لمن الصالحين» لانهم اذا سورع لهم بها فقد سارعوا ‌فى‌ نيلها ‌و‌ تعجلوها، ‌و‌ هذا الوجه احسن طباقا للايه المتقدمه لان فيه اثبات ‌ما‌ نفى عن الكفار للمومنين، انتهى.
 قال العمادى: ‌و‌ ايثار كلمه «فى» على كلمه «الى» على هذا المعنى للايذان بانهم متقلبون ‌فى‌ فنون الخيرات ‌لا‌ انهم خارجون عنها متوجهون اليها بطريق المسارعه كما ‌فى‌ قوله تعالى: «و سارعوا الى مغفره ‌من‌ ربكم ‌و‌ جنه» الايه انتهى.
 قلت: ‌و‌ هى على المعنى الاول مرادفه لالى نحو: «فردوا ايديهم ‌فى‌ افواههم».
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌هم‌ لها سابقون» انه متروك المفعول ‌او‌ منويه ‌اى‌ سابقون الناس لاجلها ‌او‌ فاعلون السبق لاجلها، ‌او‌ المراد اياها سابقون.
 كقولك: ‌هو‌ لزيد ضارب بمعنى ‌هو‌ زيدا ضارب، فاللام لتقويه العمل كما ‌فى‌ قوله: فهم لها عاملون، ‌و‌ المعنى: انهم ينالون الخيرات قبل الاخره حيث عجلت لهم ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ جوز ‌ان‌ يكون لها سابقون خبرين احدهما بعد الاخر كقولك ‌هو‌ لهذا الامر ‌اى‌ صالح له.
 
تنبيه
 
 ‌فى‌ عطفه عليه السلام قوله: «و الذين يوتون ‌ما‌ اتوا» على قوله: «الذين يرثون الفردوس» ‌و‌ جعل الموصولين صفتين لموصوف واحد مع ‌ان‌ كلا منهما ‌فى‌ القرآن بحسب الظاهر عباره عن طائفه اخرى فالموصول الاول اعنى «الذين يرثون الفردوس» عباره عن المومنين المذكورين ‌فى‌ مفتتح السوره ‌و‌ الموصول الثانى اعنى «الذين يوتون ‌ما‌ اتوا ‌و‌ قلوبهم ‌و‌ جله» عباره عن «الذين ‌هم‌ ‌من‌ خشيه ربهم مشفقون» المذكورين ‌فى‌ اثناء السوره اشاره الى «ان الذين ‌هم‌ ‌من‌ خشيه ربهم مشفقون» ‌هم‌ المومنون المذكورون ‌فى‌ اول السوره. ‌و‌ لله ‌در‌ العلامه الزمخشرى حيث الهم هذا الغرض الذى اشار اليه عليه السلام فاشار ‌هو‌ اليه ايضا بقوله فيما نقلناه عنه آنفا ‌فى‌ معنى قوله تعالى: «يسارعون ‌فى‌ الخيرات» انه يحتمل معنيين ثم ذكر ‌فى‌ آخر بيان المعنى الثانى ‌ان‌ هذا الوجه احسن طباقا للايه المتقدمه لان فيه اثبات ‌ما‌ نفى عن الكفار للمومنين.
 فقوله: «للمومنين» اشاره الى ‌ما‌ ذكرناه كما نبه على ذلك صاحب الكشف حيث قال: جعل المصنف الايه ‌فى‌ السابقين تخلصا الى ذكرهم ثانيا بعد ‌ما‌ ذكروا اولا ‌فى‌ قوله تعالى: «قد افلح المومنون» انتهى.
 
الوقت: مقدار ‌من‌ الزمان مفروض لامر ما.
 ‌و‌ الاوان: الحين، ‌و‌ ‌هو‌ الزمان ‌قل‌ ‌او‌ كثر سواء كان مفروضا لامر ‌ام‌ ‌لا‌ فكل وقت حين دون العكس، فعطف قوله: «و كل اوان» على «كل وقت» ‌من‌ باب
 
عطف العام على الخاص.
 ‌و‌ عدد: منصوب على انه مفعول مطلق يبين لعدد عامله ‌اى‌ صل عليه صلاه مثل عدد ‌ما‌ صليت فحذف الموصوف ثم المضاف ‌و‌ اقيم المضاف اليه مقامه.
 ‌و‌ ضعف الشى ء: مثله، ‌و‌ ضعفاه مثلاه، ‌و‌ اضعافه امثاله.
 ‌و‌ قال الازهرى: الضعف ‌فى‌ كلام العرب المثل، هذا ‌هو‌ الاصل ثم استعمل ‌فى‌ المثل ‌و‌ الزياده ‌و‌ ليس للزياده ‌حد‌ يقال: هذا ضعف: ‌اى‌ مثله، ‌و‌ ضعفاه: ‌اى‌ مثلاه، ‌و‌ جاز ‌فى‌ كلام العرب ‌ان‌ يقال: هذا ضعفه ‌اى‌ مثله ‌و‌ ثلاثه امثال، لان الضعف زياده غير محصوره ‌و‌ قد تقدم الكلام على ذلك بابسط ‌من‌ هذا.
 ‌و‌ الباء ‌من‌ قوله: «بالاضعاف التى ‌لا‌ يحصيها غيرك» للملابسه ‌اى‌ ملتبسه بها.
 ‌و‌ احصيت الشى ء احصاءا: احطت ‌به‌ حصرا ‌و‌ عدا.
 ‌و‌ قال الراغب: الاحصاء: التحصيل بالعدد ‌و‌ ذلك ‌من‌ لفظ الحصى لانهم كانوا يعتمدونه ‌فى‌ العدد كاعتمادنا فيه على الاصابع.
 ‌و‌ جمله: «انك فعال لما تريد» تعليل للدعاء ‌و‌ مزيد استدعاء للاجابه، ‌اى‌ ‌لا‌ يمتنع عليك شى ء تريده ‌و‌ ‌لا‌ يعجزك امر تشاوه بل كل ‌ما‌ تريده فانك تفعله البته ‌لا‌ يصرفك عنه صارف ‌و‌ ‌لا‌ يمنعك منه مانع.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: انما قيل: فعال، لان ‌ما‌ يريد ‌و‌ يفعل ‌فى‌ غايه الكثره، ‌و‌ ‌ما‌ ذكرناه انسب بالمقام، ‌و‌ الله اعلم.
 هذا آخر الروضه الرابعه ‌و‌ الاربعين ‌من‌ رياض السالكين وفق الله لاتمامها صبيحه يوم الاربعاء لثمان بقين ‌من‌ جمادى الاولى سنه 1104، ‌و‌ لله الحمد.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^