فارسی
سه شنبه 08 خرداد 1403 - الثلاثاء 19 ذي القعدة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

الدعاء 45- 1

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ ‌به‌ ثقتى


 الحمد لله الذى اكرم شهر رمضان بمزيد اكرامه، وندب الى وداعه بالدعاء عند تمامه، والصلاه والسلام على نبيه الذى ‌ما‌ ودعه ‌و‌ ‌ما‌ قلى ‌و‌ على اهل بيته ‌و‌ عترته اصحاب المجد ‌و‌ ارباب العلى.
 ‌و‌ بعد، فهذه الروضه الخامسه والاربعون ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيدالعابدين صلوات الله عليه ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الائمه الهادين، املاء راجى فضل ربه السنى، على صدرالدين الحسينى الحسنى رفعه الله مكانا عليا ‌و‌ كان له ناصرا ‌و‌ وليا.
 
الوداع: بالفتح، اسم ‌من‌ التوديع كالسلام اسم ‌من‌ التسليم.
 يقال: ودعته توديعا اذا شيعته عند سفره.
 ‌و‌ قال الراغب: التوديع اصله ‌من‌ الدعه، ‌و‌ هى الراحه ‌و‌ خفض العيش، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ يدعو للمسافر بان يتحمل الله عنه كابه السفر، ‌و‌ ‌ان‌ يبلغه الدعه، كما ‌ان‌ التسليم دعاء له بالسلامه، فصار ذلك متعارفا ‌فى‌ تشييع المسافر ‌و‌ تركه.
 ‌و‌ قال الفيروزآبادى: ودعه ‌و‌ ودعه بمعنى، ‌و‌ الاسم الوداع ‌و‌ ‌هو‌ تخليف المسافر الناس خافضين ‌و‌ ‌هم‌ يودعونه اذا سافر تفاولا بالدعه التى يصير اليها اذا قفل، ‌اى‌ يتركونه ‌و‌ سفره.
 قال السيد الجليل سند الطائفه ابوالقاسم رضى الدين على ‌بن‌ طاووس الحسينى قدس الله روحه ‌و‌ نور ضريحه ‌فى‌ كتاب الاقبال بالاعمال: ‌ان‌ سال سائل فقال: ‌ما‌ معنى الوداع لشهر رمضان ‌و‌ ليس ‌هو‌ ‌من‌ الحيوان الذى يخاطب ‌او‌ يعقل ‌ما‌ يقال له باللسان؟.
 
فالجواب: ‌ان‌ عاده ذوى العقول- قبل الرسول ‌و‌ مع الرسول ‌و‌ بعد الرسول- قد جرت بمخاطبه الديار، ‌و‌ الاوطان، ‌و‌ الشباب، ‌و‌ اوقات الصفاء ‌و‌ الامان ‌و‌ الاحسان ببيان المقال، ‌و‌ ‌هو‌ محادثه لها بلسان الحال فلما جاء ادب الاسلام امضى ‌ما‌ شهدت بجوازه ‌من‌ ذلك احكام العقول ‌و‌ الافهام، ‌و‌ نطق ‌به‌ مقدس القرآن المجيد.
 فقال ‌جل‌ جلاله: «يوم نقول لجهنم هل امتلات ‌و‌ تقول هل ‌من‌ مزيد».
 فاخبر ‌ان‌ جهنم ترد الجواب بالمقال، ‌و‌ ‌هو‌ اشاره الى لسان الحال، ‌و‌ ذلك كثير ‌فى‌ القرآن الشريف ‌و‌ ‌فى‌ كلام الائمه عليهم السلام ‌و‌ كلام اهل التعريف، فلا يحتاج اولوالالباب الى الاطاله ‌فى‌ الجواب.
 فلما كان شهر رمضان قد صحبه ذوو العنايه ‌به‌ ‌من‌ اهل الاسلام ‌و‌ الايمان صحبه افضل لهم ‌من‌ صحبه الديار ‌و‌ المنازل، ‌و‌ كان انفع لهم ‌من‌ الاهل، ‌و‌ ارفع ‌من‌ الاعيان ‌و‌ الاماثل اقتضت دواعى لسان الحال ‌ان‌ يودع عند الفراق ‌و‌ الانفصال انتهى كلامه رفع مقامه.
 قلت: ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ اصطلاح اهل البيان ‌من‌ باب الاستعاره المكنيه التخييليه شبه شهر رمضان بالصاحب الذى عزم على السفر بجامع الذهاب، ثم طوى ذكر المشبه ‌به‌ ‌و‌ ذكر المشبه، ‌و‌ جعل اثبات الوداع له تنبيها على ذلك ‌و‌ ‌هو‌ التخييل، ‌و‌ قس ذلك الحال ‌فى‌ خطابه بما يخاطب ‌به‌ العقلاء المميزين فيما سياتى ‌فى‌ اثناء الدعاء. ‌و‌ يتعلق بالمقام مسائل:
 احداها: قال بعض اصحابنا: وقت الدعاء لوداع شهر رمضان آخر ليله منه، ‌و‌ ‌فى‌ سحرها افضل ‌او‌ ‌فى‌ آخر يوم منه.
 ‌و‌ ‌فى‌ التوقيعات الوارده عن صاحب الامر صلوات الله عليه ‌فى‌ جواب المسائل
 
التى ساله عنها محمد ‌بن‌ عبدالله ‌بن‌ جعفر الحميرى، ساله عن وداع شهر رمضان متى يكون؟ فقد اختلف اصحابنا فيه، فبعضهم يقول: يقرا ‌فى‌ آخر ليله منه، ‌و‌ بعضهم يقول: ‌فى‌ آخر يوم منه اذا راى هلال شوال، فخرج التوقيع بما نصه: «العمل ‌فى‌ شهر رمضان ‌فى‌ لياليه، ‌و‌ الوداع ‌فى‌ آخر ليله منه، فان خاف ‌ان‌ ينقص الشهر جعله ‌فى‌ ليلتين»، انتهى.
 ‌و‌ قال السيد الجليل على ‌بن‌ طاووس قدس الله روحه: اجتهد ‌فى‌ وقت الوداع على اصلاح السريره، فالانسان على نفسه بصيره، ‌و‌ تخير لوقت الوداع اصلح اوقاتك ‌من‌ آخر ليله منه كما روينا، فان فاتك ‌فى‌ آخر ليله ففى اواخر نهار المفارقه له ‌و‌ الانفصال عنه، فمتى وجدت نفسك ‌فى‌ تلك الليله ‌او‌ ذلك اليوم على حال صالحه ‌فى‌ صحبه شهر رمضان فودعه ‌فى‌ ذلك الاوان وداع اهل الصفاء ‌و‌ الوفاء، ‌و‌ اقض ‌من‌ ‌حق‌ التاسف على مفارقته ‌و‌ بعده ‌ما‌ فاتك ‌من‌ شرف ضيافته، ‌و‌ فوائد رفده، ‌و‌ اطلق ‌من‌ ذخائر دموع الوداع ماجرت ‌به‌ عوائد الاحبه اذا تفرقوا بعد الاجتماع، انتهى.
 قلت: ‌و‌ قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله انه امر بوداع شهر رمضان ‌فى‌ آخر جمعه منه ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ رواه الشيخ جعفر ‌بن‌ محمد الدروبستى رحمه الله ‌فى‌ كتاب الحسنى باسناده عن جابر ‌بن‌ عبدالله الانصارى قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌فى‌ آخر جمعه ‌من‌ شهر رمضان، فلما بصربى قال لى: ‌يا‌ جابر هذه آخر جمعه ‌من‌ شهر رمضان فودعه ‌و‌ قل: «اللهم ‌لا‌ تجعله آخر العهد ‌من‌ صيامنا اياه، فان جعلته، فاجعلنى مرحوما ‌و‌ ‌لا‌ تجعلنى محروما». فانه ‌من‌ قال ذلك ظفر باحدى الحسنين، اما ببلوغ شهر رمضان ‌من‌ قابل، ‌او‌ بغفران الله ‌و‌ رحمته.
 
و على هذا فينبغى وداعه ‌فى‌ آخر جمعه منه ‌و‌ آخر ليله منه، جمعا بين الروايات.
 الثانيه: قال السيد الجليل على ‌بن‌ طاووس رفع الله مقامه: اعلم: ‌ان‌ الوداع لشهر رمضان يحتاج الى زياده بيان، ‌و‌ الناس فيه على طبقات:
 طبقه: منهم كانوا ‌فى‌ شهر رمضان على مراد الله ‌جل‌ جلاله ‌و‌ آدابه فيه ‌فى‌ السر ‌و‌ الاعلان، فهولاء يودعون شهر رمضان وداع ‌من‌ صاحبه بالصفاء ‌و‌ الوفاء ‌و‌ حفظ الذمام، كما تضمنه وداع مولانا زين العابدين عليه افضل السلام.
 ‌و‌ طبقه: صاحبوا شهر رمضان تاره موافقين له على مراد الله ‌و‌ رضاه، ‌و‌ تاره مفارقين له على خلاف مقتضاه، فهولاء ‌ان‌ اتفق خروج الشهر ‌و‌ ‌هم‌ مفارقون له ‌فى‌ آداب الاصطحاب، فليس لوداعهم له وجه عند اولى الالباب، لان الوداع انما ‌هو‌ لمن كان موافقا ‌و‌ مرافقا، ‌لا‌ لمن يكون مخالفا ‌و‌ مفارقا.
 ‌و‌ ‌ان‌ اتفق خروج الشهر ‌و‌ ‌هم‌ ملتبسون بحسن صحبته، فلهم ‌ان‌ يودعوه بقدر ‌ما‌ عاملوه ‌فى‌ حفظ حرمته، ‌و‌ ‌ان‌ يندموا ‌و‌ يستغفروا على ‌ما‌ فرطوا فيه ‌من‌ اضاعه شروط الصحبه ‌و‌ الوفاء، ‌و‌ يبالغوا ‌فى‌ التاسف ‌و‌ التلهف على ‌ما‌ فرط منهم ‌من‌ معاملته بالجفاء.
 ‌و‌ طبقه: لم يكونوا مصاحبين لشهر رمضان بالقلوب، بل كان منهم ‌من‌ ‌هو‌ عندهم مكروه غير محبوب، لانه كان يمنعهم ‌من‌ الماكول ‌و‌ المشروب، ‌و‌ يقطعهم عن عادتهم ‌فى‌ تهوين مراقبه علام الغيوب، فهولاء ‌ما‌ كانوا مع شهر رمضان حتى يودعوه، ‌و‌ ‌لا‌ احسنوا المجاوره له لما نزل بقربهم فيشيعوه، فلا معنى لوداعهم بوجه ‌من‌ الوجوه، انتهى ملخصا.
 الثالثه: الادعيه الماثوره ‌فى‌ وداع شهر رمضان كثيره، فمن مختصر ‌و‌ مطول ‌و‌ ‌من‌ مختصرها:
 
ما رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: اذا كان آخر ليله ‌من‌ شهر رمضان فقل: «اللهم هذا شهر رمضان الذى انزلت فيه القرآن ‌و‌ قد تصرم ‌و‌ اعوذ بوجهك الكريم ‌يا‌ رب ‌ان‌ يطلع الفجر ‌من‌ ليلتى هذه ‌او‌ يتصرم شهر رمضان ‌و‌ لك قبلى تبعه ‌او‌ ذنب تريد ‌ان‌ تعذبنى ‌به‌ يوم القاك».
 ‌و‌ منه: ‌ما‌ رواه ابومحمد هارون ‌بن‌ محمد التلعكبرى بسنده الى ابى عبدالله عليه السلام قال: ‌من‌ ودع شهر رمضان ‌فى‌ آخر ليله منه، ‌و‌ قال: «اللهم ‌لا‌ تجعله آخر العهد ‌من‌ صيامى لشهر رمضان، ‌و‌ اعوذ بك ‌ان‌ يطلع فجر هذه الليله الا ‌و‌ قد غفرت لى، غفر الله له قبل ‌ان‌ يصبح، ‌و‌ رزقه الانابه اليه».
 ‌و‌ منه: ‌ما‌ وجد ‌فى‌ نسخه عتيقه بخط السيد الرضى ابى الحسن محمد ‌بن‌ احمد الموسوى «اللهم انى اسالك باحب ‌ما‌ دعيت به، ‌و‌ ارضى ‌ما‌ رضيت ‌به‌ عن محمد ‌و‌ عن اهل بيت محمد عليه ‌و‌ عليهم السلام، ‌ان‌ تصلى عليه ‌و‌ عليهم، ‌و‌ ‌لا‌ تجعل وداع شهرى هذا وداع خروجى ‌من‌ الدنيا، ‌و‌ ‌لا‌ وداع آخر عبادتك، ‌و‌ وفقنى فيه لليله القدر، ‌و‌ اجعلها لى خيرا ‌من‌ الف شهر، مع تضاعف الاجر ‌و‌ العفو عن الذنب برضا الرب».
 ‌و‌ اما الادعيه المطوله فقد تضمنتها كتب العبادات، خصوصا كتاب الاقبال بالاعمال، فلا نطول بذكرها.
 ‌و‌ لنشرع الان ‌فى‌ شرح الدعاء الذى نحن بصدد شرحه.
 
رغبت ‌فى‌ الشى ء: ‌من‌ باب علم، رغبا بفتح الراء ‌و‌ الغين، ‌اى‌ اردته، ‌و‌ رغبت عنه اذا لم ترده.
 ‌و‌ الجزاء: المكافاه على الشى ء، ‌اى‌ ‌لا‌ يريد ‌من‌ خلقه مكافاه على احسانه اليهم، لانه غنى لنفسه فلا يحتاج الى غيره، حتى ‌ان‌ خلقه لهم، ‌و‌ تكليفه اياهم بعبادته ‌و‌ شكره، انما ‌هو‌ ليربحوا عليه ‌لا‌ ليربح ‌هو‌ عليهم، كما قال ‌عز‌ ‌و‌ جل: «ما اريد منهم ‌من‌ رزق ‌و‌ ‌ما‌ اريد ‌ان‌ يطعمون» ‌و‌ قال ‌جل‌ ‌و‌ علا: «و ‌من‌ يشكر فانما يشكر لنفسه ‌و‌ ‌من‌ كفر فان الله غنى حميد».
 
و ندم على الشى ء ندما ‌و‌ ندامه ‌من‌ باب- فرح- اسف ‌و‌ حزن على ‌ما‌ وقع منه ‌و‌ تمنى انه لم يقع ‌و‌ تنزيهه تعالى عن الندم اما مطلقا فلان حقيقته تحسر النفس ‌و‌ غمها ‌من‌ تغير راى ‌فى‌ امر فائت، ‌و‌ ذلك محال عليه سبحانه ‌من‌ وجهين:
 احدهما: ‌ان‌ التحسر ‌و‌ الغم ‌من‌ توابع المزاج، ‌و‌ لما كان البارى ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ منزها عن الجسميه ‌و‌ المزاج، وجب ‌ان‌ يكون منزها عن التحسر ‌و‌ الغم.
 الثانى: ‌ان‌ تغير الراى ‌فى‌ امر فائت انما يكون عن الجهل بعواقب الامور ‌و‌ ‌ما‌ يترتب على ذلك الامر ‌من‌ نفع ‌و‌ ضر، ‌و‌ الجهل عليه تعالى محال.
 ‌و‌ اما الندم على خصوص العطاء، فهو محال عليه سبحانه ‌من‌ وجوه:
 الاول: ‌ما‌ علمت ‌من‌ استحاله مطلق الندم عليه فيمتنع الندم على خصوص العطاء عليه ‌جل‌ جلاله لان نفى العام يقتضى نفى الخاص.
 
الثانى: ‌ان‌ الندم على العطاء انما يكون لاحد امرين:
 اما لتضرر المعطى بذلك العطاء الذى ندم عليه، ‌و‌ التضرر على الله تعالى محال.
 ‌و‌ اما لظهور عدم قابليه ‌من‌ اعطاه لذلك العطاء فيتمنى انه لم يقع، ‌و‌ ذلك محال عليه سبحانه لاستلزامه الجهل السابق، ‌و‌ ‌هو‌ محال كما عرفت.
 الثالث: ‌ان‌ ‌ما‌ يصدر عنه تعالى ‌من‌ عطاء ‌و‌ منع مضبوط بنظام الحكمه ‌و‌ العدل، كما قال ‌فى‌ محكم كتابه: «و ‌ان‌ ‌من‌ شى ء الا عندنا خزائنه ‌و‌ ‌ما‌ ننزله الا بقدر معلوم» ‌اى‌ ملتبسا بمقدار معين تقتضيه الحكمه ‌و‌ تستدعيه المشيه التابعه لها، ‌و‌ ‌ما‌ كان عن حكمه مقتضيه له يستحيل الندم عليه.
 
و كافاته كفاء ‌و‌ مكافاه: جزيته بالاحسان احسانا، ‌و‌ بالاساءه اساءه ‌و‌ اصله ‌من‌ «الكفو» بمعنى المثل.
 ‌و‌ السواء: اسم مصدر بمعنى الاستواء، يقال: هما على سواء ‌فى‌ هذا الامر ‌و‌ على سويه، ‌اى‌ على تعادل ‌و‌ تماثل ‌من‌ غير تفاوت، ثم اطلق على العدل ‌و‌ استعمل استعماله. ‌و‌ منه قول زهير:
 ارونى خطه ‌لا‌ خسف فيها
 يسوى بيننا فيها السواء
 ‌و‌ المعنى: انه تعالى ‌لا‌ يكافى ء عبده على عمله بالسويه، بل ‌ان‌ كان احسانا ضاعفه له كما قال ‌عز‌ ‌و‌ جل: «من جاء بالحسنه فله عشر امثالها» ‌و‌ ‌ان‌ كان سيئه غفرها له، كما قال تبارك ‌و‌ تعالى: «و ‌ان‌ ربك لذو مغفره للناس على ظلمهم» ‌و‌ ‌ان‌ عذبه عليها فبعد انذار ‌و‌ امهال لايستحقه، بل تفضلا منه فصح انه
 
لم يكافئه عليها بالسويه ايضا.
 ‌و‌ على ‌من‌ قوله عليه السلام «على السواء»: اما بمعنى «الباء» ‌اى‌ بالسواء نحو حقيق على، ‌و‌ اركب على اسم الله ‌او‌ لتضمين المكافاه معنى الحمل ‌او‌ الاجراء، ‌اى‌ ‌لا‌ يكافى عبده حاملا له، ‌او‌ مجريا له على السواء. ‌و‌ تكرير الموصول مع كفايه ذكر الصلات بطريق العطف على صله الموصول الاول، كما لو قال: «يا ‌من‌ ‌لا‌ يرغب ‌فى‌ الجزاء، ‌و‌ ‌لا‌ يندم على العطاء، ‌و‌ ‌لا‌ يكافى ء عبده على السواء» للايذان بان كل واحده ‌من‌ الصفات المذكوره، نعت جليل على حياله، له شان خطير، حقيق بان يفرد له موصوف مستقل، ‌و‌ ‌لا‌ يجعل احدهما تتمه للاخر.
 
«و منتك ابتداء»: ‌اى‌ نعمتك مبتداه لاعن استحقاق، كما جاء ‌فى‌ الدعاء ايضا: «يا ‌من‌ بدا بالنعمه قبل استحقاقها».
 «و عفوك تفضل»: ‌اى‌ غير واجب عليك ‌و‌ ‌لا‌ لازم لك، ‌و‌ كل جميل ‌لا‌ يلزم فاعله فهو تفضل.
 «و عقوبتك عدل»: ‌اى‌ انصاف لاستحاله الظلم ‌و‌ الجور عليه تعالى، كما تقدم بيانه غير مره، ‌و‌ قد تكرر هذا المعنى ‌فى‌ القرآن المجيد كقوله تعالى: «فاليوم ‌لا‌ تظلم نفس شيا ‌و‌ ‌لا‌ تجزون الا ‌ما‌ كنتم تعملون».
 ‌و‌ قوله تعالى: «و وجدوا ‌ما‌ عملوا حاضرا ‌و‌ ‌لا‌ يظلم ربك احدا».
 ‌و‌ قوله تعالى: «انما تجزون ‌ما‌ كنتم تعملون» ‌و‌ مثله ‌فى‌ القرآن العزيز كثير.
 «و قضاوك خيره»: ‌اى‌ حكمك اختيار.
 ‌و‌ الخيره بكسر الخاء المعجمه ‌و‌ سكون الياء المثناه ‌من‌ تحت ‌و‌ فتحها: اسم ‌من‌
 
الاختيار ‌و‌ ‌هو‌ فعل ‌ما‌ ‌هو‌ خير ‌او‌ اخذه، ‌اى‌ ‌لا‌ تقضى ‌و‌ ‌لا‌ تحكم الا بما ‌هو‌ خير ‌و‌ ‌ان‌ خفى وجه ذلك علينا، فعدم العلم بالشى ء ‌لا‌ يستلزم العلم بعدمه، كيف ‌و‌ علمه سبحانه فعلى كامل، ‌و‌ علمنا انفعالى ناقص، فهو تبارك ‌و‌ تعالى يعلم الاسباب ‌و‌ ‌ما‌ يترتب عليها، ‌و‌ الحوادث ‌و‌ ‌ما‌ نشات هى منها، ‌و‌ يحيط علمه بالمبادى ‌و‌ الغايات، ‌و‌ ‌لا‌ يعزب عنه مثقال ذره ‌فى‌ الارض ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ السماء، ‌و‌ نحن قد تخفى علينا المصلحه ‌و‌ العاقبه ‌و‌ تشتبه علينا المصالح بالمفاسد.
 ‌و‌ بالجمله فمن تصور قصور نفسه ‌و‌ كمال علم الله تعالى علم انه ‌لا‌ يقضى الا بما ‌هو‌ خير ‌و‌ ‌لا‌ يامر الا بما ‌هو‌ اصلح.
 
و شابه شوبا ‌من‌ باب قال: خلطه، مثل شوب اللبن بالماء.
 ‌و‌ المن: قول يكدر العطاء ‌و‌ ينغصه لما يتضمن ‌من‌ التعيير الذى تنكسر منه القلوب ‌و‌ لذلك نهى سبحانه عنه بقوله: «لا تبطلوا صدقاتكم بالمن ‌و‌ الاذى».
 ‌و‌ قد تقدم الكلام عليه مبسوطا.
 «و المنع» هنا: ‌ضد‌ العطاء، يقال: منعته الشى ء ‌و‌ منعته منه، ‌و‌ نزل «اعطيت» ‌و‌ «منعت» هنا منزله اللازم، لان المعنى ‌ان‌ وجد منك عطاء ‌او‌ منع فهو كقوله تعالى: «قل هل يستوى الذين يعلمون ‌و‌ الذين ‌لا‌ يعلمون».
 ‌و‌ قولهم: زيد يعطى ‌و‌ يمنع، ‌اى‌ يفعل العطاء ‌و‌ المنع، ‌و‌ يوجد هذه الحقيقه.
 ‌و‌ التعدى: الظلم ‌و‌ تجاوز الحد، ‌و‌ انما لم يكن منعه تعالى تعديا لوجهين:
 احدهما: ‌ان‌ عطاءه ‌و‌ منعه سبحانه ‌لا‌ يصدر ‌ان‌ الا بمقتضى الحكمه ‌و‌ العدل فلا يكون منعه تعديا ‌و‌ ظلما.
 الثانى: ‌ان‌ المنع انما يكون ظلما اذا كان فاعله مانعا لذى ‌حق‌ حقه، ‌و‌ منعه
 
سبحانه ليس كذلك، اذ ليس لاحد على الله ‌حق‌ حتى يكون منعه تعديا ‌و‌ ظلما، ‌و‌ الى هذا اشار مولانا الرضا عليه السلام ‌و‌ قد ساله رجل فقال: اخبرنى عن الجواد؟ فقال: ‌ان‌ لكلامك وجهين، فان كنت تسال عن المخلوق، فان الجواد الذى يودى ‌ما‌ افترض الله عليه، ‌و‌ ‌ان‌ كنت تسال عن الخالق، فهو الجواد ‌ان‌ اعطى ‌و‌ ‌هو‌ الجواد ‌ان‌ منع لانه ‌ان‌ اعطاك اعطاك ‌ما‌ ليس لك، ‌و‌ ‌ان‌ منعك منعك ‌ما‌ ليس لك.
 ‌و‌ هذا معنى قول اميرالمومنين صلوات الله ‌و‌ سلامه عليه ‌فى‌ خطبه له: ‌و‌ كل مانع مذموم ‌ما‌ خلاه.
 
قوله عليه السلام: «تشكر ‌من‌ شكرك ‌و‌ انت الهمته شكرك» شكره تعالى لعباده قيل: عباره عن مجازاته على شكرهم له.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ قبوله ليسير العمل منهم ‌و‌ اثابتهم الكثير عليه اذ كان حقيقه الشكر ‌لا‌ يجوز عليه سبحانه ‌من‌ حيث كان اعترافا بالنعمه ‌و‌ ‌لا‌ يصح ‌ان‌ يكون سبحانه منعما عليه.
 ‌و‌ قال الراغب: اذا وصف الله بالشكر فانما يعنى ‌به‌ انعامه على عباده ‌و‌ جزاوه بما اقامه ‌من‌ العباده.
 ‌و‌ جمله قوله عليه السلام: «و انت الهمته شكرك» ‌فى‌ محل نصب على الحال، ‌اى‌ ‌و‌ الحال انك الهمته ‌و‌ عرفته ‌ان‌ يشكرك، ‌و‌ الغرض بيان مزيد كرمه سبحانه وسعه فضله ‌و‌ احسانه حيث الهم عباده الشكر، ثم اثابهم عليه، ‌و‌ قد تقدم الكلام على معنى الهام الشكر ‌فى‌ الروضه الاولى مبسوطا فليرجع اليه.
 
«و تكافى ء ‌من‌ حمدك»: ‌اى‌ تجازيه ‌و‌ تثيبه عليه مع انك علمته حمدك، ‌و‌ تقديم الشكر على الحمد ‌فى‌ الذكر ‌من‌ باب الترقى اذ كان الحمد راس الشكر كما تقدم بيانه ‌فى‌ اول الروضه الرابعه ‌و‌ الاربعين، ‌و‌ الله اعلم.
 
ستره سترا، ‌من‌ باب قتل: غطاه ‌و‌ ستره تعالى على عبده عباره عن اخفاء مساوئه ‌و‌ عدم اطلاع الخلق على فضائحه ‌و‌ عيوبه. ‌و‌ منه الحديث: ‌من‌ ستر اخاه المسلم ‌فى‌ الدنيا ستره الله يوم القيامه.
 ‌و‌ تعديته ب«على» لتضمينه معنى الاشفاق ‌و‌ الابقاء ‌و‌ انما اصله ‌ان‌ يتعدى بنفسه كما وقع ‌فى‌ الحديث ‌و‌ ورد ‌فى‌ حديث آخر معدى ب«على» للتضمين المذكور ‌و‌ ‌هو‌ قوله عليه السلام: ‌من‌ ستر على مومن عوره فكانما احيا ميتا.
 ‌و‌ حذف مفعول فعل المشيئه ‌و‌ الاراده ‌و‌ نحوهما مطرد اذا وقع شرطا، ‌اى‌ لو شئت فضيحته فضحته، ‌و‌ لو شئت منعه منعته، كقوله تعالى: «فلو شاء لهديكم
 
اجمعين» ‌اى‌ لو شاء هدايتكم لهداكم اجمعين ‌و‌ فائدته البيان بعد الابهام، فانه متى قيل لو شئت ‌و‌ لو شاء علم السامع ‌ان‌ هناك شيئا علقت المشيئه عليه لكنه مبهم عنده فاذا جيى ء بجواب الشرط صار مبينا، ‌و‌ هذا اوقع ‌فى‌ النفس، لكن يشترط ‌ان‌ ‌لا‌ يكون تعلق فعل المشيئه بالمفعول غريبا نادرا كقوله: «فلو شئت ‌ان‌ ابكى دما لبكيته» فان تعلق فعل المشيئه ببكاء الدم غريب نادر الوقوع، فلابد ‌من‌ ذكر المفعول ليتقرر ‌فى‌ نفس السامع ‌و‌ يانس به، ‌و‌ فضحه فضحا ‌من‌ باب- نفع- كشفه.
 ‌و‌ «كلا» اسم لفظه مفرد ‌و‌ معناه مثنى ‌و‌ يلزم اضافته الى مثنى نحو: قام كلا الرجلين، ‌او‌ الى ضميره كما وقع ‌فى‌ عباره الدعاء.
 «و اهل منك»: ‌اى‌ مستحق منك للفضيحه ‌و‌ المنع، ‌و‌ الظرفان ‌من‌ قوله: «منك» ‌و‌ قوله: «للفضيحه» كلاهما متعلق ب«اهل» ‌و‌ صح تعلقهما ‌به‌ لتناوله بمستحق، كما صح تعلق الظرف ب«اله» ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌هو‌ الذى ‌فى‌ السماء اله ‌و‌ ‌فى‌ الارض اله» لتاوله بمعبود ‌اى‌ ‌و‌ ‌هو‌ الذى ‌هو‌ معبود ‌فى‌ السماء ‌و‌ معبود ‌فى‌ الارض، ‌و‌ جمله قوله عليه السلام: «و كلاهما اهل منك للفضيحه ‌و‌ المنع» حاليه ‌اى‌ مع ‌ان‌ كل واحد ممن سترت عليه، وجدت عليه، مستحق لضد ذلك، لان ‌من‌ عصاه سبحانه ‌لا‌ يستحق منه الا فضيحته ‌و‌ منعه ‌لا‌ ستره ‌و‌ الجود عليه، ‌و‌ الغرض بيان سعه تفضله ‌و‌ رحمته.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «غير انك» غير بمعنى الا، ‌و‌ الاستثناء منقطع ‌اى‌ لكنك بنيت افعالك على التفضل، لان كل استثناء منقطع يقدر بلكن عند البصريين،
 
و الكوفيون يقدرونه ب«سوى».
 قال بعض المحققين: ‌و‌ يرده انها ‌لا‌ تفيد الاستدراك، ‌و‌ المستثنى المنقطع للاستدراك ‌و‌ دفع توهم دخوله ‌فى‌ الحكم السابق، ‌و‌ نصب «غير» على الاستثناء لانها تعرب باتفاق اعراب المستثنى ب «الا»، ‌و‌ المستثنى المنقطع اذا لم يصح فيه التفريع يجب نصبه اجماعا.
 «و بنيت افعالك على التفضل»: ‌اى‌ اثبتها ‌و‌ قررتها على الجميل ‌و‌ الاحسان الذى ‌لا‌ يلزمك ‌و‌ ‌لا‌ يجب عليك ‌و‌ ‌لا‌ يترتب على عمل، فيكون اجرا ‌و‌ جزاء، شبه التفضل بالاساس ‌و‌ القاعده التى يبنى عليها، ‌و‌ طوى ذكر المشبه ‌به‌ على طريقه الاستعاره المكنيه، ‌و‌ اثبت البناء تخييلا.
 «و اجريت قدرتك على التجاوز»: ‌اى‌ جعلتها جاريه مستمره على العفو، يقال: تجاوز عنه، اذا عفى عنه ‌من‌ «جازه يجوزه» ‌اى‌ تعداه ‌و‌ عبر عليه ‌و‌ لم يقف عنده، ‌و‌ قد مر الكلام عليه مبسوطا.
 
«و تلقيت ‌من‌ عصاك بالحلم»: ‌اى‌ استقبلته به، ‌و‌ منه قوله تعالى «تتلقيهم الملئكه» ‌اى‌ يستقبلونهم، ‌و‌ تلقيه تعالى لمن عصاه بالحلم، عباره عن معاملته له بالحكم ‌و‌ الابقاء عليه قبل الانتقام، ‌و‌ المعاجله بالعقوبه استعاره ‌من‌ تلقى القادم، ‌و‌ ‌هو‌ استقباله قبل وصوله الى البلد، مثلا بجامع الاعتناء ‌به‌ ‌و‌ الاهتمام، كما سياتى عن قريب بيانه، ‌و‌ هى استعاره تصريحيه لكون المستعار منه مذكورا دون المستعار له.
 ‌و‌ الحلم: ‌هو‌ الامساك عن المبادره الى الانتقام، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌فى‌ الانسان فضيله، تحت الشجاعه، يعتبر معها عدم انفعال النفس عن الواردات المكروهه الموديه له.
 ‌و‌ اما ‌فى‌ ‌حق‌ الله تعالى: فيعود الى اعتبار عدم انفعاله عن مخالفه عبيده لاوامره
 
و نواهيه، ‌و‌ كونه ‌لا‌ يستفزه عند مشاهده المنكرات منهم غضب، ‌و‌ ‌لا‌ يحمله على المسارعه الى الانتقام منهم، مع قدرته التامه على كل مقدور غيظ ‌و‌ ‌لا‌ طيش، ‌و‌ الفرق بينه تعالى ‌و‌ بين العبد ‌فى‌ هذا الوصف ‌ان‌ سلب الانفعال عنه ‌جل‌ شانه، سلب مطلق، ‌و‌ سلبه عن العبد، سلب عما ‌من‌ شانه ‌ان‌ يكون له ذلك الشى ء، فكان عدم الانفعال عنه تعالى ابلغ ‌و‌ اتم ‌من‌ عدمه عن العبد، ‌و‌ «الباء» ‌من‌ قوله عليه السلام «بالحلم» للملابسه ‌اى‌ ملتبسا بالحلم.
 «و امهلت ‌من‌ قصد لنفسه بالظلم»: ‌اى‌ انظرته ‌و‌ لم تستعجله ‌و‌ قصدت الشى ء ‌و‌ له ‌و‌ اليه قصدا، ‌من‌ باب- ضرب- طلبته ‌و‌ اردته بعينه ‌اى‌ ‌و‌ لم تعاجل بالانتقام ‌من‌ ظلم نفسه ‌و‌ «الباء» للملابسه ايضا.
 ‌و‌ قوله: «تستنظرهم باناتك الى الانابه» جمله مستانفه للتعليل، ‌اى‌ لانك تستنظرهم، يقال: انتظرته ‌و‌ استنظرته، اذا تانيت عليه ‌و‌ لم تستعجله.
 «و الاناه»: على وزن «حصاه» اسم ‌من‌ تانى ‌فى‌ الامر، ‌اى‌ تمهل ‌و‌ تمكث ‌و‌ لم يعجل.
 «و الانابه» الرجوع الى الله تعالى بالتوبه ‌و‌ اخلاص العمل، قال تعالى «و انيبوا الى ربكم ‌و‌ اسلموا له» ‌و‌ استنظاره تعالى عباره عن طلب عنايته، عود الخلق الى طاعته ‌و‌ رجوعهم الى ‌ما‌ فيه نجاتهم ‌من‌ التوبه ‌و‌ الانابه اليه، ‌و‌ تحقيق ذلك: انه لما كان نظر العنايه الالهيه الى الخلق، نظرا واحدا، ‌و‌ المطلوب منهم واحد، ‌و‌ ‌هو‌ الوصول الى جناب عزه الله تعالى، الذى ‌هو‌ غايتهم، ‌و‌ الانتهاء الى ‌ما‌ ‌هو‌ احسن احوالهم، ‌و‌ اتم اوصافهم لديه، اشبه طلب العنايه الالهيه، وصول الخلق الى غايتهم، انتظار الانسان لقوم يريد عودهم ‌و‌ رجوعهم اليه، فاطلق عليه لفظ الاستنظار على سبيل الاستعاره التصريحيه.
 
و قوله: «الى الانابه» ‌اى‌ الى وقتها، كقوله تعالى: «فنظره الى ميسره» ‌اى‌ الى وقت اليسار.
 ‌و‌ المعاجله: مصدر، عاجله بدينه اذا اخذه ‌به‌ ‌و‌ لم يمهله.
 ‌و‌ قوله: «لكيلا يهلك عليك هالكهم» ‌اى‌ لئلا يستوجب العذاب على غير رضا منك، مستوجبه منهم كما تقدم بيانه ‌فى‌ الروضه الاولى.
 ‌و‌ «كى» هنا حرف مصدرى بمنزله «ان» معنى ‌و‌ عملا ‌و‌ ليست حرف تعليل لدخول حرف التعليل عليها.
 ‌و‌ قوله: «و ‌لا‌ يشقى بنعمتك» ‌اى‌ ملتبسا بنعمتك، ‌او‌ بسبب نعمتك، فان النعمه قد تكون سببا للشقاء، ‌و‌ الاستثناء ‌من‌ قوله عليه السلام: «الا عن طول الاعذار اليه» مفرغ، ‌اى‌ «لكيلا يهلك عليك هالكهم، ‌و‌ ‌لا‌ يشقى بنعمتك شقيهم» عن شى ء ‌من‌ الاشياء الا عن طول الاعذار.
 ‌و‌ «عن» بمعنى «بعد» مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «عما قليل ليصبحن نادمين» ‌اى‌ بعد طول الاعذار اليه، يقال: اعذر اليه ‌فى‌ الامر اعذارا: ‌اى‌ بالغ ‌فى‌ العذر.
 قال الزمخشرى: ‌اى‌ ‌فى‌ كونه معذورا، ‌و‌ منه المثل «قد اعذر ‌من‌ انذر» ‌و‌ تعديته ب«الى» لتضمينه معنى الانهاء، ‌و‌ معنى مبالغته تعالى ‌فى‌ كونه معذورا مبالغته ‌فى‌ ازاله حجج ‌من‌ هلك، ‌و‌ شقى عند معاقبته له، كما قال سبحانه: «رسلا مبشرين ‌و‌ منذرين لئلا يكون للناس على الله حجه بعد الرسل».
 ‌و‌ قال تعالى: «و لو انا اهلكناهم بعذاب ‌من‌ قبله لقالوا ربنا لولا ارسلت الينا
 
رسولا فنتبع آياتك ‌من‌ قبل ‌ان‌ نذل ‌و‌ نخزى».
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: «ما احد احب اليه العذر ‌من‌ الله ‌و‌ لذلك ارسل الرسل ‌و‌ انزل الكتب» ‌و‌ هى استعاره تمثيليه ‌او‌ مكنيه.
 «و ترادف الحجه»: تتابعها، يقال: ترادف القوم ‌اى‌ تتابعوا، ‌و‌ الالف ‌و‌ اللام ‌فى‌ «الحجه» للجنس، ‌و‌ لذلك صح اضافه الترادف اليها، اذ الترادف ‌لا‌ يكون الا لمتعدد، «و الحجه» الدليل البين ‌و‌ البرهان الواضح.
 ‌و‌ نصب «كرما» ‌و‌ «عائده» على الحاليه، ‌اى‌ حال كون ذلك «كرما ‌من‌ عفوك» ‌و‌ «عائده ‌من‌ عطفك» ‌و‌ يحتمل المفعول لاجله.
 ‌و‌ «من» ابتدائيه، ‌اى‌ «كرما» حاصلا ‌من‌ عفوك.
 ‌و‌ «عائده» حاصله ‌من‌ عطفك، ‌و‌ العائده: كل نفع يرجع الى الانسان ‌من‌ شى ء معاود.
 ‌و‌ العطف: الحنو ‌و‌ الشفقه ‌و‌ البر، مستعار ‌من‌ عطف الشى ء عطفا: ‌اى‌ حنوته ‌و‌ ثنيته، ‌و‌ منه العاطفه للرحم، ‌و‌ رجل عاطف ‌و‌ عطوف، عائد بفضله حسن الخلق.
 ضمير المخاطب: ‌فى‌ محل رفع على الابتداء، خبره الموصول، ‌و‌ الجمله مسوقه لتقرير ‌ما‌ قبلها، ‌و‌ بيان كمال كرمه ‌و‌ عارفته على عباده، باظهار عظيم تفضله، بما ‌لا‌ يكاد يخفى جليل جدواه ‌و‌ نفعه، ‌و‌ عائدته، على ‌من‌ له ادنى تمييز، فضلا عن العقلاء.
 
و «الفتح»: ازاله الاغلاق.
 ‌و‌ «الباب»: مدخل الامكنه، كالمدينه ‌و‌ الدار، ‌و‌ ‌فى‌ الكلام، استعارتان: استعاره بالكنايه، حيث شبه العفو بالمنزل، كما سيصرح ‌به‌ عليه السلام ‌فى‌ آخر هذا الفصل ‌من‌ الدعاء، ‌و‌ طوى ذكر المشبه ‌به‌ مصرحا بالمشبه ‌لا‌ غير.
 ‌و‌ استعاره تحقيقيه تصريحيه، حيث شبه السبب الذى يتوصل ‌به‌ الى العفو، بالباب الذى يتوصل الى الدار، ‌و‌ اطلق اسم المشبه ‌به‌ على المشبه، ‌و‌ هذه الاستعاره قرينه للاستعاره الاولى، لانها ‌من‌ روادف المستعار فيها، ‌و‌ لوازمه، ‌و‌ لولاها لم يتنبه السامع لمكانه.
 فان قلت: قرينه الاستعاره بالكنايه يلزم ‌ان‌ تكون استعاره تخييليه، كالاظفار للمنيه، ‌فى‌ قوله:
 ‌و‌ اذا المنيه انشبت اظفارها
 ‌لا‌ استعاره تحقيقيه، لان المكنيه ‌و‌ التخييليه متلازمتان، ‌لا‌ يتحقق احداهما بدون الاخرى، اذ التخييليه يجب ‌ان‌ تكون قرينه للمكنيه البته ‌و‌ هى يجب ‌ان‌ تكون قرينه للتخييليه البته.
 قلت: هذا انما يرد على مذهب صاحب الايضاح، ‌و‌ ‌من‌ يرى رايه، ‌و‌ الصحيح ‌ما‌ مشى عليه صاحب الكشاف، ‌و‌ المحققون ‌من‌ شراح كلامه، ‌من‌ ‌ان‌
 
المكنيه قد توجد بدون التخييليه، ‌و‌ ‌ان‌ قرينتها قد تكون تحقيقيه كاستعاره النقض لابطال العهد، ‌فى‌ قوله تعالى: «الذين ينقضون عهد الله ‌من‌ بعد ميثاقه» حيث استعار الحبل للعهد، ‌و‌ هى مكنيه، ‌و‌ نبه عليها بذكر النقض، الذى ‌هو‌ ابطال تاليف جسم، ‌و‌ هى استعاره تحقيقيه تصريحيه، حيث شبه ابطال العهد به، ‌و‌ اطلق اسم المشبه ‌به‌ على المشبه، ‌و‌ هذا معنى قوله ‌فى‌ الكشاف: شاع استعمال النقض ‌فى‌ ابطال العهد، ‌من‌ حيث تسميتهم العهد بالحبل على سبيل الاستعاره، لما فيه ‌من‌ اثبات الوصله بين المتعاهدين.
 ‌و‌ منه قول ابن التيهان ‌فى‌ بيعه العقبه، ‌يا‌ رسول الله: ‌ان‌ بيننا ‌و‌ بين القوم حبالا، ‌و‌ نحن قاطعوها، فنخشى ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ اعزك، ‌و‌ اظهرك، ‌ان‌ ترجع الى قومك.
 ‌و‌ هذا ‌من‌ اسرار البلاغه ‌و‌ لطائفها، ‌ان‌ يسكتوا عن ذكر الشى ء المستعار، ثم يرمزوا اليه بذكر شى ء ‌من‌ روادفه، فينبهوا بتلك الرمزه على مكانه، ‌و‌ نحوه قولك: شجاع يفترس اقرانه ‌و‌ عالم يغترف منه الناس لم تقل هذا، الا ‌و‌ قد نبهت على الشجاع ‌و‌ العالم بانهما اسد ‌و‌ بحر، انتهى كلامه.
 قال العلامه التفتازانى: استفدنا منه، ‌ان‌ قرينه الاستعاره بالكنايه ‌لا‌ يجب ‌ان‌ تكون استعاره تخييليه، بل قد تكون تحقيقيه.
 ‌و‌ قال صاحب الكشاف: ‌دل‌ كلامه ‌من‌ غير تكلف، على ‌ان‌ الرادف الموتى ‌به‌ قد يكون ‌ما‌ ‌لا‌ يستقل، ‌و‌ الغرض منه التنبيه فقط، كما ‌فى‌ مخالب المنيه، ‌و‌ قد يكون ‌ما‌ يستقل ‌و‌ ‌ان‌ تفرع على الاول، كالنقض ‌و‌ الاغتراف للابطال ‌و‌ الانتفاع، ‌و‌ نحن ‌فى‌ ذلك نشايعه، انتهى.
 
و ذكر «الفتح» ترشيح للاستعاره التحقيقيه ‌و‌ الضلال هنا: بمعنى الميل عن القصد.
 ‌و‌ «تبارك»: اما ‌من‌ البروك المستلزم للمقام ‌فى‌ موضع واحد ‌و‌ الثبات فيه، ‌و‌ اما ‌من‌ البركه بمعنى الزياده ‌و‌ النمو فبالاعتبار الاول: ‌هو‌ اشاره الى عظمته باعتبار دوام بقائه ‌و‌ تحقق وجوده، ‌و‌ بالاعتبار الثانى اشاره الى فضله ‌و‌ احسانه ‌و‌ لطفه ‌و‌ هدايته.
 ‌و‌ اذا كان هذا حال اسمه بملابسه دلالته عليه فما ظنك بذاته الاقدس الاعلى.
 ‌و‌ قيل: الاسم بمعنى الصفه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ مقحم كما ‌فى‌ قول ‌من‌ قال:
 الى الحول ثم اسم السلام عليكما
 ‌و‌ تخصيص آيه التحريم بالذكر دون غيرها ‌من‌ الايات ‌فى‌ معنى التوبه لتضمنها صريحا ارشاد المومنين الى طريق التوبه ‌و‌ وصف التوبه بالنصوح بالفتح على الاسناد المجازى لان النصح صفه التائبين ‌و‌ ‌هو‌ ‌ان‌ ينصحوا انفسهم بالتوبه ‌لا‌ يكون فيها شوب رياء ‌و‌ ‌لا‌ نفاق.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌من‌ نصاحه الثوب، ‌اى‌ خياطته، ‌اى‌ توبه تخيط ‌و‌ ترقع خروقكم ‌فى‌ دينكم لان العصيان يخرق الدين ‌و‌ التوبه ترقعه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌من‌ قولهم: «عسل ناصح» اذا خلص ‌من‌ الشمع، ‌اى‌ توبه خالصه لوجه الله تعالى بان يندم على الذنوب لقبحها ‌و‌ كونها خلاف رضا الله تعالى ‌لا‌ لخوف النار مثلا.
 ‌و‌ قد حكم المحقق الطوسى ‌فى‌ التجريد بان الندم على الذنوب خوفا ‌من‌ النار ليس توبه.
 
و قيل: ‌من‌ النصيحه، ‌و‌ معناه توبه تنصح الناس ‌اى‌ تدعوهم الى متلها (مثلها) لظهور اثرها ‌فى‌ صاحبها ‌او‌ تنصح صاحبها فيقلع عن الذنوب.
 ‌و‌ عن ابن عباس قال: قال معاذ ‌بن‌ جبل: ‌يا‌ رسول الله ‌ما‌ التوبه النصوح؟
 قال: ‌ان‌ يتوب التائب ثم ‌لا‌ يرجع ‌فى‌ ذنب كما ‌لا‌ يعود اللبن ‌فى‌ الضرع.
 ‌و‌ عن ابن مسعود: انها التى تكفر كل سيئه ثم تلا هذه الايه.
 ‌و‌ عن الحسن: هى ‌ان‌ يكون العبد نادما على ‌ما‌ مضى مجمعا على ‌ان‌ ‌لا‌ يعود فيه.
 ‌و‌ عن قتاده: هى الصادقه الناصحه.
 ‌و‌ قيل: هى ‌ان‌ يستغفر الله باللسان ‌و‌ يندم بالقلب ‌و‌ يمسك بالبدن.
 ‌و‌ عن سعيد ‌بن‌ جبير: هى التوبه المقبوله ‌و‌ ‌لا‌ تقبل ‌ما‌ لم تكن فيها ثلاث: خوف ‌ان‌ ‌لا‌ تقبل، ‌و‌ رجاء ‌ان‌ تقبل، ‌و‌ ادمان الطاعه.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى باسناده عن ابى الصباح الكنانى قال: سالت اباعبدالله عليه السلام عن قول الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «يا ايها الذين آمنوا توبوا الى الله توبه نصوحا» قال: يتوب العبد ‌من‌ الذنب ثم ‌لا‌ يعود فيه.
 ‌و‌ روى رئيس المحدثين باسناده عن احمد ‌بن‌ هلال قال: سالت اباالحسن الاخير عليه السلام عن التوبه النصوح ‌ما‌ هى؟ فكتب عليه السلام: ‌ان‌ يكون الباطن كالظاهر ‌و‌ افضل ‌من‌ ذلك.
 ‌و‌ باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: التوبه النصوح ‌ان‌ يكون باطن الرجل كظاهره ‌و‌ افضل.
 
و روى ابوبكر عن عاصم انه قرا «نصوحا» بالضم ‌و‌ ‌هو‌ مصدر «نصح» فان النصح ‌و‌ النصوح كالشكر ‌و‌ الشكور ‌اى‌ توبه ذات نصوح ‌او‌ تنصح نصوحا ‌او‌ توبوا لنصح انفسكم على انه مفعول لاجله.
 ‌و‌ «عسى» فعل جامد ‌لا‌ يتصرف، ‌و‌ ‌لا‌ ياتى منه الا الماضى، ‌و‌ ‌من‌ ثم ادعى قوم انه حرف ‌و‌ انما لم يتصرف فيه لتضمنه معنى الحرف ‌اى‌ انشاء الطمع ‌و‌ الرجاء كلعل ‌و‌ الانشاء ‌فى‌ الاغلب ‌من‌ معانى الحروف ‌و‌ الحروف ‌لا‌ يتصرف فيها.
 قال سيبويه: «عسى» طمع ‌و‌ اشفاق فالطمع ‌فى‌ المحبوب ‌و‌ الاشفاق ‌فى‌ المكروه ‌و‌ معنى الاشفاق الخوف ‌و‌ قد اجتمعا ‌فى‌ قوله تعالى: «و عسى ‌ان‌ تكرهوا شيئا ‌و‌ ‌هو‌ خير لكم ‌و‌ عسى ‌ان‌ تحبوا شيئا ‌و‌ ‌هو‌ ‌شر‌ لكم».
 قال الجوهرى: ‌و‌ «عسى» ‌من‌ الله واجبه ‌فى‌ جميع القرآن الا ‌فى‌ قوله تعالى: «عسى ربه ‌ان‌ طلقكن ‌ان‌ يبدله».
 قال ابوعبيده: «عسى» ‌من‌ الله ايجاب فجاء على احدى لغتى العرب لان «عسى» رجاء ‌و‌ يقين ‌و‌ انشد لابن مقبل:
 ظنى بهم كعسى ‌و‌ ‌هم‌ بثنوفه
 يتنازعون جوائز الامثال
 ‌اى‌ ظنى بهم يقين انتهى.
 قال الرضى: ‌و‌ انا ‌لا‌ اعرف «عسى» ‌فى‌ غير كلامه تعالى لليقين ففيه نظر ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون ظنى بهم ‌اى‌ مع طمع.
 
و قال الراغب: كثير ‌من‌ المفسرين فسروا «عسى» ‌و‌ «لعل» ‌فى‌ القرآن باللازم ‌و‌ قالوا: ‌ان‌ الطمع ‌و‌ الرجاء ‌لا‌ يكون ‌من‌ الله تعالى ‌و‌ ‌فى‌ هذا قصور نظر ‌و‌ ذلك: ‌ان‌ الله تعالى اذا ذكر ذلك يذكره ليكون الانسان منه على رجاء ‌لا‌ ‌ان‌ يكون ‌هو‌ تعالى راجيا، قال تعالى: «عسى ربكم ‌ان‌ يهلك عدوكم» ‌اى‌ كونوا راجين ‌فى‌ ذلك، انتهى.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الكشاف: «عسى ربكم» اطماع ‌من‌ الله لعباده ‌و‌ فيه وجهان:
 احدهما: ‌ان‌ يكون على ماجرت ‌به‌ عاده الجبابره ‌من‌ الاجابه ب«عسى» ‌و‌ «لعل» ‌و‌ وقوع ذلك منهم موقع القطع ‌و‌ البت.
 ‌و‌ الثانى: ‌ان‌ يكون جى ء ‌به‌ تعليما للعباد، وجوب الترجح بين الخوف ‌و‌ الرجاء، ‌و‌ الذى يدل على المعنى الاول، ‌و‌ انه ‌فى‌ معنى البت، قراءه ابن ابى عيله: «و يدخلكم» بالجزم عطفا على محل «عسى ‌ان‌ يكفر» كانه قيل: توبوا يوجب تكفير سيئاتكم ‌و‌ يدخلكم، انتهى.
 ‌و‌ الجمهور: على ‌ان‌ «عسى» ترفع الاسم ‌و‌ تنصب الخبر ككان، فالاسم الصريح المرفوع بعدها اسمها، ‌و‌ الفعل المضارع المقترن بان بعده منصوب المحل على انه خبره. ‌و‌ استشكل بلزوم كون الحدث خبرا عن الذات، لان الخبر على هذا ‌فى‌ تاويل المصدر. ‌و‌ اجيب بان «ان» زائده ‌لا‌ مصدريه.
 قال ابن هشام: ‌و‌ ليس بشى ء لانها قد نصبت.
 ‌و‌ بالفرق بين المصدر ‌و‌ ‌ما‌ ياول ‌به‌ ذكره صاحب العباب ‌و‌ ارتضاه الشريف الجرجانى.
 
و بانه على تقدير مضاف، اما قبل الاسم ‌او‌ قبل الخبر، فيقدر ‌فى‌ نحو عسى زيد ‌ان‌ يقوم، عسى امر زيد القيام، ‌او‌ عسى زيد صاحب القيام.
 قال الرضى: ‌و‌ فيه تكلف اذ لم يظهر هذا المضاف ‌فى‌ اللفظ ‌لا‌ ‌فى‌ الاسم ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ الخبر.
 ‌و‌ بانه ‌من‌ باب زيد عدل وصوم ‌فى‌ الاخبار بالمصدر عن اسم العين على جعل المصدر نفس الشخص على سبيل المبالغه ‌و‌ بان المصدر بمعنى اسم الفاعل فالتقدير عسى زيد قائما، ‌و‌ رجح بما جاء ‌فى‌ كلامهم عسيت صائما.
 ‌و‌ قال الكوفيون: ‌ان‌ الفعل المقترن بان ‌فى‌ محل رفع بدلا مما قبله بدل اشتمال كقوله تعالى: «لا ينهيكم الله عن الذين لم يقاتلوكم ‌فى‌ الدين ‌و‌ لم يخرجوكم ‌من‌ دياركم ‌ان‌ تبروهم».
 ‌اى‌ ‌لا‌ ينهاكم الله عن ‌ان‌ تبروهم، فهو بدل ‌من‌ الذين لم يقاتلوكم.
 قال الرضى: ‌و‌ الذى ارى ‌ان‌ هذا وجه قريب، فيكون ‌فى‌ يازيدون عسى ‌ان‌ تقوموا قد جاء ‌ما‌ كان بدلا ‌من‌ الفاعل مكان الفاعل، ‌و‌ المعنى ايضا يساعد قولهم لان عسى بمعنى يتوقع، فمعنى «عسى زيد ‌ان‌ يقوم» ‌اى‌ يتوقع ‌و‌ يرجى قيامه، ‌و‌ انما غلب فيه بدل الاشتمال، لان فيه اجمالا، ثم تفصيلا، ‌و‌ ‌فى‌ ابهام الشى ء ثم تفسيره وقع عظيم لذلك الشى ء ‌فى‌ النفس، كما ‌فى‌ ضمير الشان، ‌و‌ اما عسيت صائما ‌و‌ عسى الغويرا بوسا فشاذان على تضمين عسى بمعنى كان.
 ‌و‌ قال بعضهم: التقدير عسى الغوير ‌ان‌ يكون بوسا، ‌و‌ عسيت ‌ان‌ اكون صائما.
 ‌و‌ جاز حذف ‌ان‌ مع الفعل مع انها حرف مصدرى لقوه الدلاله، ‌و‌ ذلك لكثره وقوع ‌ان‌ بعد مرفوع عسى، فهو كحذف المصدر ‌و‌ ابقاء معموله، انتهى.
 
و تكفير السيئات: محوها ‌و‌ غفرانها.
 يقال: كفر الله عنه الذنب تكفيرا ‌اى‌ محاه ‌و‌ غفره، ‌و‌ منه الكفاره لانه تكفر الذنب.
 ‌و‌ قال الراغب: تكفير الذنب ستره ‌و‌ تغطيته حتى يصير بمنزله ‌ما‌ لم يعمل ‌و‌ يصح ‌ان‌ يكون اصله ازاله الكفر ‌و‌ الكفران نحو التمريض ‌فى‌ كونه ازاله المرض ‌و‌ تقذيه العين ازاله القذى.
 ‌و‌ الجنات جمع جنه ‌و‌ هى ‌فى‌ الاصل المره ‌من‌ مصدر جنه اذا ستره، ‌و‌ تطلق على النخل ‌و‌ الشجر المتكاثف المظلل بالتفاف اغصانه كانها لفرط تكاثفها ‌و‌ التفافها ‌و‌ تغطيتها لما تحتها نفس الستره، ‌و‌ تطلق على الارض ذات الشجر.
 قال الفراء: الجنه ‌ما‌ فيه النخيل، ‌و‌ الفردوس ‌ما‌ فيه الكرم، فحق المصدر حينئذ ‌ان‌ يكون ماخوذا ‌من‌ الفعل المبنى للمفعول ‌و‌ انما سميت دار الثواب بها مع ‌ان‌ فيها ‌ما‌ ‌لا‌ يوصف ‌من‌ الغرفات ‌و‌ القصور لما انها مناط نعيمها ‌و‌ معظم ملاذها ‌و‌ جمعها مع التكثير لانها سبع على ‌ما‌ ذكره ابن عباس، ‌و‌ قيل ثمان، ‌و‌ قد تقدم تعدادها ‌فى‌ الروضه الثالثه.
 ‌و‌ الجمله ‌من‌ قوله: «تجرى ‌من‌ تحتها الانهار» ‌فى‌ محل نصب على انها صفه جنات فان اريد بها الاشجار فجريان الانهار ‌من‌ تحتها ظاهر ‌و‌ ‌ان‌ اريد بها الارض المشتمله عليها فلابد ‌من‌ تقدير مضاف ‌اى‌ ‌من‌ تحت اشجارها ‌و‌ ‌ان‌ اريد بها مجموع الارض ‌و‌ الاشجار فاعتبار التحتيه بالنظر الى الجزء الظاهر الصحيح لاطلاق الجنه على الكل.
 
روى ‌ان‌ انهار الجنه تجرى ‌فى‌ غير اخدود.
 ‌و‌ «اللام» ‌فى‌ الانهار للجنس، كما ‌فى‌ قولك لفلان: بستان فيه الماء الجارى ‌و‌ التين ‌و‌ العنب، ‌او‌ عوض عن المضاف اليه كما ‌فى‌ قوله تعالى: «و اشتعل الراس شيبا» ‌او‌ للعهد ‌و‌ الاشاره الى ‌ما‌ ذكر ‌فى‌ قوله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «انهار ‌من‌ ماء غير آسن» الايه.
 ‌و‌ الانهار: جمع نهر: بفتح الهاء ‌و‌ سكونها، ‌و‌ ‌هو‌ المجرى الواسع فوق الجدول ‌و‌ دون البحر كالنيل ‌و‌ الفرات، ‌و‌ التركيب للسعه، ‌و‌ المراد بها ماوها على الاضمار ‌او‌ على المجاز اللغوى ‌او‌ المجارى انفسها ‌و‌ قد اسند اليها الجريان مجازا عقليا كما ‌فى‌ سال الميزاب، ‌و‌ قوله تعالى: «يوم ‌لا‌ يخزى الله النبى ‌و‌ الذين آمنوا معه» ظرف ليدخلكم.
 
و الخزى: الذل ‌و‌ الهوان المقارن للفضيحه ‌و‌ الندامه، يقال: خزى الرجل خزيا ‌من‌ باب- علم-، ‌و‌ اخزاه الله اذله ‌و‌ اهانه ‌و‌ فضحه «و الذين آمنوا» عطف على النبى ‌و‌ فيه تعريض بمن اخزاهم الله ‌من‌ اهل الكفر ‌و‌ الفسوق ‌و‌ استحماد الى المومنين على انه عصمهم ‌من‌ مثل حالهم، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ مبتدا خبره قوله تعالى: «نورهم يسعى بين ايديهم ‌و‌ بايمانهم» ‌و‌ ‌هو‌ على الاول استئناف ‌او‌ حال.
 ‌و‌ قال المفسرون: «نورهم يسعى بين ايديهم ‌و‌ بايمانهم» ‌اى‌ على الصراط يوم القيامه، ‌و‌ ‌هو‌ دليلهم الى الجنه.
 قيل المراد بالنور: الضياء الذى يرونه ‌و‌ يمرون فيه.
 ‌و‌ قيل نورهم: هداهم.
 ‌و‌ عن قتاده: ‌ان‌ المومن يضى له نوره كما بين عدن الى صنعاء ‌و‌ دون ذلك، حتى
 
ان ‌من‌ المومنين ‌من‌ ‌لا‌ يضى له نوره الا موضع قدميه.
 ‌و‌ قال عبدالله ‌بن‌ مسعود: يوتون نورهم على اقدار اعمالهم، فمنهم ‌من‌ نوره مثل اجبل، ‌و‌ ادناهم نورا ‌من‌ نوره على ابهامه ينطفى مره ‌و‌ يقد اخرى.
 ‌و‌ قال الضحاك: ‌و‌ بايمانهم يعنى كتبهم التى اعطوها ‌و‌ نورهم بين ايديهم.
 ‌و‌ قال النيسابورى: الكمالات ‌و‌ الخيرات كلها انوار يوم القيامه ‌و‌ اكمل الانوار معرفه الله سبحانه ‌و‌ انما قال: «بين ايديهم ‌و‌ بايمانهم» لان ذلك جعل اماره النجاه، ‌و‌ لهذا ورد ‌ان‌ السعداء يوتون صحائف اعمالهم ‌من‌ هاتين الجهتين كما ‌ان‌ الاشقياء يوتونها ‌من‌ شمائلهم وراء ظهورهم، ‌و‌ معنى سعى النور بين ايديهم ‌و‌ بايمانهم سعيه بسعيهم متقدما اياهم ‌و‌ جنيبا لهم.
 ‌و‌ روى عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌فى‌ قوله تعالى: «يسعى نورهم بين ايديهم ‌و‌ بايمانهم» قال: ائمه المومنين يوم القيامه تسعى بين ايدى المومنين ‌و‌ بايمانهم حتى ينزلوهم منازل اهل الجنه.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه ابى الجارود، عن ابى جعفر عليه السلام: ‌فى‌ معنى الايه، فمن كان له نور يومئذ نجا ‌و‌ كل مومن له نور.
 ‌و‌ قوله تعالى: «يقولون» استئناف ‌او‌ حال ايضا، ‌و‌ على القول الثانى خبر آخر للموصول ‌او‌ حال منه ‌اى‌ يقولون: اذا طفى ء نور المنافقين: «ربنا اتمم لنا نورنا» خوفا ‌من‌ زواله على عاده البشريه، ‌او‌ يدعون بذلك تقربا الى الله تعالى مع تمام
 
نورهم، لانه يجوز ‌ان‌ يدعو المومن بما ‌هو‌ حاصل له مثل «اهدنا».
 ‌و‌ قيل: تفاوت انوارهم بحسب اعمالهم فيسالون اتمامه تفضلا ‌لا‌ مجازاه لانقطاع التكليف ‌و‌ العمل يومئذ.
 ‌و‌ قيل: السابقون الى الجنه يمرون مثل البرق على الصراط ‌و‌ بعضهم كالريح ‌و‌ بعضهم حبوا ‌و‌ زحفا ‌و‌ اولئك الذين يقولون: «ربنا اتمم لنا نورنا».
 ‌و‌ قوله: «و اغفر لنا» ‌اى‌ ‌ما‌ كان منا مما يوجب عدم اتمام النور «انك على كل شى ء» ‌من‌ اطفاء النور ‌و‌ اتمامه.
 قدير: فاعل لما تشاء ‌لا‌ يعجزك شى ء ‌و‌ اغفلت الشى ء اغفالا: تركته اهمالا ‌من‌ غير نسيان، ‌و‌ الاستفهام بالانكار ‌و‌ النفى، ‌اى‌ ‌لا‌ عذر له ‌و‌ مداره القصد الى الطعن ‌و‌ القدح ‌فى‌ حاله ‌و‌ فعله.
 ‌و‌ «الفاء» لترتيب انكار اغفاله دخول المنزل مع تعاضد موجبات الدخول اليه ‌و‌ توفر الدواعى الى النزول ‌به‌ ‌من‌ فتح الباب اليه ‌و‌ ‌هو‌ التسويه ‌و‌ اقامه الدليل عليه ‌و‌ ‌هو‌ الايه الكريمه ‌و‌ كل ‌من‌ ذلك قاطع للعذر مزيح للغفله بحيث ‌لا‌ يبقى لمن له ادنى تمييز شبهه عذر ‌فى‌ الاغفال توجب الحجه له ‌او‌ ترفع الحجه عليه، ‌و‌ الله اعلم.
 
زاد الشى ء يزيد زيدا ‌و‌ زياده فهو زائد ‌و‌ زدته انا يستعمل لازما ‌و‌ متعديا: فانا زائد اياه، ‌و‌ قد يعدى ب«فى» كعباره الدعاء، ‌و‌ منه الحديث: «لا يزيد ‌فى‌ العمر الا البر».
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: زاد الله ماله ‌و‌ زاد ‌فى‌ ماله، انتهى.
 
و يحتمل ‌ان‌ يكون تعديته ب«فى» على معنى يفعل الزياده فيه كقوله: «يجرح ‌فى‌ عراقيبها نصلى» ‌اى‌ يفعل الجرح ‌فى‌ عراقيبها، ‌و‌ قد تقدم بيان ذلك.
 ‌و‌ السوم مصدر سام البائع السلعه ‌من‌ باب- قال-: اذا عرضها للبيع ‌و‌ ذكر ثمنها ‌و‌ سامها المشترى ايضا طلب بيعها ‌و‌ عرف بانه طلب البيع بالثمن الذى يقدر ‌به‌ المبيع.
 ‌و‌ قوله: «على نفسك» ‌اى‌ على ذاتك كقوله تعالى: «و يحذركم الله نفسه» ‌اى‌ ذاته.
 قال الراغب: ‌و‌ هذا ‌و‌ ‌ان‌ حصل ‌به‌ ‌من‌ حيث المضاف ‌و‌ المضاف اليه ‌ما‌ يقتضى المغايره ‌و‌ اثبات شيئين ‌من‌ حيث الغيار بينهما فلا شى ء ‌من‌ حيث المعنى سواه تعالى عن الاثنينيه ‌من‌ كل وجه.
 «و الربح»: الزياده الحاصله ‌فى‌ المبايعه.
 ‌و‌ المتاجره مفاعله ‌من‌ التجاره: ‌و‌ هى التصرف ‌فى‌ راس المال طلبا للربح، ‌و‌ تاجرت زيدا اوقعت معه التجاره.
 قال ‌فى‌ الاساس: تاجرت فلانا فكانت اربح متاجره قالوا: ‌و‌ ليس ‌فى‌ كلام العرب تاء بعدها جيم ‌فى‌ غير هذا اللفظه، ‌و‌ اما تجاه فاصله ‌و‌ جاه ‌و‌ تجوز التاء فيه للمضارعه ‌لا‌ ‌من‌ سنخ الكلمه.
 
و اعلم: انه عليه السلام شبه فعل الطاعات ‌و‌ الحسنات بالمتاجره لله سبحانه بجامع طلب المنفعه ‌و‌ هى استعاره تحقيقيه تصريحيه حيث اطلق اسم المشبه ‌به‌ على المشبه ‌و‌ ذكر الربح ‌و‌ السوم ترشيحا لها ‌و‌ ‌فى‌ قوله عليه السلام: زدت ‌فى‌ السوم على نفسك ايذان بكمال العنايه بهم حيث جعله تعالى ‌هو‌ الطالب لمتاجرتهم اياه بدليل زيادته ‌فى‌ السوم الذى ‌هو‌ ‌فى‌ الاغلب ‌من‌ شان البائع ‌لا‌ شان المشترى الا ‌ان‌ يكون المشترى ‌هو‌ الراغب ‌فى‌ السلعه ‌و‌ الطالب لبيعها ‌و‌ هى نكته عجيبه ‌قل‌ ‌من‌ يتنبه لها الا ‌من‌ نور الله قلبه لفهم مقاصده عليه السلام جعلنا الله منهم.
 ‌و‌ فاز بالشى ء فوزا: ظفر ‌به‌ مع السلامه.
 ‌و‌ وفد عليه ‌و‌ اليه وفدا ‌من‌ باب- وعد- ‌و‌ وفودا ‌و‌ وفاده: ورد عليه منتجعا له، ‌و‌ مسترفدا اياه فهو وافد ‌و‌ ‌هم‌ وفد، كصاحب ‌و‌ صحب، ‌و‌ منه الحاج وفد الله.
 ‌و‌ «الفاء»: ‌من‌ قوله «فقلت» للترتيب الذكرى ‌و‌ ‌هو‌ عطف مفصل على مجمل.
 ‌و‌ تعاليت ‌اى‌ ارتفعت بذاتك ‌و‌ تنزهت عن مماثله المخلوقين ‌فى‌ ذاتك ‌و‌ صفاتك ‌و‌ افعالك ‌و‌ عن ‌ان‌ يحيط بك وصف الواصفين بل علم العارفين ‌و‌ تخصيص لفظ التعالى للمبالغه ‌فى‌ ذلك منه تعالى ‌لا‌ على سبيل التكلف كما يكون ‌من‌ البشر.
 قوله تعالى: «من جاء بالحسنه» ‌فى‌ آخر سوره الانعام قيل: معناه: ‌اى‌ ‌من‌ جاء بالخصله الواحده ‌من‌ خصال الطاعه فله عشر امثالها ‌من‌ الثواب «و ‌من‌ جاء بالسيئه» ‌اى‌ بالخصله الواحده ‌من‌ خصال الشر فلا يجزى الا مثلها.
 ‌و‌ قيل: ‌اى‌ ‌من‌ جاء يوم القيامه بالاعمال الحسنه ‌من‌ المومنين اذ ‌لا‌ حسنه بدون
 
ايمان فله عشر حسنات امثالها فاقام الصفه مقام الموصوف بعد حذفه كقراءه ‌من‌ قرا عشر امثالها بالرفع ‌و‌ التنوين على الوصف ‌و‌ ‌من‌ جاء بالسيئه ‌اى‌ بالاعمال السيئه كائنا ‌من‌ كان ‌من‌ العالمين فلا يجزى الا مثلها ‌و‌ ذلك ‌من‌ عظيم فضل الله تعالى ‌و‌ جزيل احسانه على عباده حيث ‌لا‌ يقتصر ‌فى‌ الثواب على قدر الاستحقاق بل يزيد عليه ‌و‌ ربما يعفو عن ذنوب المومن منا منه عليه ‌و‌ تفضلا ‌و‌ ‌ان‌ عاقب عاقب على قدر الاستحقاق.
 ‌و‌ قيل المراد بالحسنه التوحيد ‌و‌ بالسيئه الشرك ‌و‌ الاولى حملهما على العموم.
 ‌و‌ اختلف ‌فى‌ ‌ان‌ هذه الحسنات العشره التى وعدها الله تعالى: «من جاء بالحسنه» هل يكون كلها ثوابا ‌ام‌ لا؟
 فقال الجبائى: العشره تفضل ‌و‌ الثواب غيرها اذ لو كان واحده ثوابا ‌و‌ تسعه تفضلا لزم ‌ان‌ يكون الثواب دون التفضل فلا يكون للتكليف فائده.
 ‌و‌ قيل: بل كلها ثواب، ‌و‌ قال آخرون: ‌لا‌ يبعد ‌ان‌ يكون الواحد ثوابا ‌و‌ التسع تفضلا الا ‌ان‌ الواحد يكون اعلى شانا ‌من‌ التسعه الباقيه لمقارنته بالتعظيم ‌و‌ الاجلال للذين لولاهما لما حسن التكليف.
 ‌و‌ يويده: قوله تعالى: «فيوفيهم اجورهم ‌و‌ يزيدهم ‌من‌ فضله» ‌و‌ المفسرون على ‌ان‌ العشر اقل موعود ‌من‌ الاضعاف ‌و‌ قد جاء الوعد بسبعين ‌و‌ بسبعمائه ‌و‌ بغير حساب.
 
و قيل: ليس المراد التحديد ‌و‌ الحصر ‌فى‌ عدد خاص بل الاضعاف ‌و‌ الكثره مطلقا كقولك: لئن اسديت الى معروفا لاكافئك بعشر امثاله ‌و‌ ‌فى‌ الوعيد: لئن كلمتنى واحده لاكلمنك عشرا ‌و‌ قد وردت الروايه عن ابى ذر قال: حدثنى الصادق المصدق عليه السلام ‌ان‌ الله قال: الحسنه عشر ‌او‌ ازيد، ‌و‌ السيئه واحده ‌او‌ اغفر فالويل لمن غلبت آحاده اعشاره.
 ‌و‌ عن هشام ‌بن‌ سالم، عن ابى عبدالله عليه السلام قال: كان على ‌بن‌ الحسين صلوات الله عليه يقول: ويل لمن غلبت آحاده اعشاره فقلت له: ‌و‌ كيف هذا؟ فقال له: اما سمعت الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ يقول: «من جاء بالحسنه فله عشر امثالها ‌و‌ ‌من‌ جاء بالسيئه فلا يجزى الا مثلها» فالحسنه الواحده اذا عملها كتبت له عشرا ‌و‌ السيئه الواحده اذا عملها كتبت له واحده نعوذ بالله ممن يرتكب ‌فى‌ يوم عشر سيئات فلا تكون له حسنه واحده فتغلب حسناته سيئاته.
 
قوله عليه السلام: قوله تعالى «مثل الذين ينفقون اموالهم» ‌فى‌ اواخر سوره البقره، ‌و‌ المثل ‌فى‌ اصل كلامهم بمعنى المثل ‌و‌ ‌هو‌ النظير، ثم قيل: للقول السائر الذى مضربه بمورده مثل ‌و‌ ‌لا‌ يخلو ‌من‌ غرابه ثم حوفظ عليه ‌من‌ التغيير ‌و‌ اما هاهنا فاستعير المثل للحال ‌و‌ الصفه لغرابتها ‌اى‌ حالهم ‌و‌ صفتهم العجيبه الشان التى هى كالمثل ‌فى‌ الغرابه ‌من‌ حيث زكاء انفاقهم عند الله سبحانه ‌و‌ زياده مثوبتهم لديه ‌و‌ اضعافه تعالى له ‌و‌ لابد ‌من‌ تقدير مضاف ‌فى‌ احد الجانبين ليصح التشبيه ‌اى‌ مثل نفقه الذين ينفقون ‌او‌ مثلهم كمثل باذر حبه.
 ‌و‌ سبيل الله دينه: فقيل: المراد ‌به‌ الجهاد ‌و‌ قيل: جميع ابواب الخير.
 ‌و‌ جمله «انبتت سبع سنابل» ‌فى‌ موضع خفض نعت لحبه ‌و‌ اسناد الانبات
 
اليها ‌و‌ المنبت ‌فى‌ الحقيقه انما ‌هو‌ الله سبحانه اسناد مجازى ‌من‌ باب الاسناد الى السبب كما يسند الى الارض ‌و‌ الربيع.
 ‌و‌ معنى انباتها سبع سنابل ‌ان‌ تخرج ساقا يتشعب منها سبع شعب لكل واحده سنبله ‌و‌ هذا التمثيل تصوير للاضعاف سواء وجد ‌فى‌ الدنيا سنبله بهذه الصفه ‌او‌ لم توجد على انه قد توجد ‌فى‌ الذره ‌و‌ الدخن ‌فى‌ الارض المغله بل اكثر ‌من‌ ذلك ‌و‌ انما قال: «انبتت» ‌و‌ لم يقل: تنبت تحقيقا لتصوير الاضعاف كانه حاضر بين يديه، «و سبع سنابل» مثل «ثلاثه فرق» ‌فى‌ اقامه جمع الكثره مقام القله اتساعا.
 ‌و‌ قوله تعالى: «فى كل سنبله مائه حبه» مبتدا ‌و‌ خبره ‌فى‌ موضع خفض صفه- لسنابل- ‌و‌ لك ‌ان‌ تجعل الجمله ‌فى‌ موضع نصب على انها صفه لقوله: «سبع سنابل» ‌و‌ السنبله وزنها «فنعله» لقولهم: اسبل الزرع بمعنى سنبل اذا اخرج سنبله.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «و الله يضاعف لمن يشاء» فاعل هنا بمعنى فعل كحافظ ‌و‌ سافر ‌اى‌ يضاعف تلك المضاعفه لمن يشاء لالكل منفق لتفاوت حال المنفقين ‌فى‌ الاخلاص ‌و‌ التعب ‌و‌ يضاعف سبع مائه ‌و‌ يزيد عليها اضعافها لمن يستحق ذلك ‌فى‌ مشيئته ‌و‌ على حسب الانفاقات ‌و‌ مواقعها ‌و‌ مصارفها ‌و‌ اخلاص اصحابها ‌و‌ لذلك تتفاوت مراتب الاعمال ‌فى‌ مقادير الثواب، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله تعالى: «من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا» ‌فى‌ اواخر الجزء الثانى
 
من سوره البقره.
 ‌و‌ «من»: اسم استفهام ‌فى‌ اللفظ ‌و‌ معناه الترغيب ‌و‌ انما بنى الكلام على الاستفهام لانه ادخل ‌فى‌ الترغيب ‌و‌ الحث على الفعل ‌من‌ ظاهر الامر ‌و‌ ‌هو‌ ‌فى‌ موضع رفع بالابتداء.
 ‌و‌ «ذا»: اسم اشاره ‌و‌ ‌هو‌ الخبر، ‌و‌ الموصول نعت له ‌او‌ بدل منه ‌و‌ اجاز الكوفيون كون «ذا» زائده ‌و‌ الموصول مع صلته خبر المبتدا، ‌و‌ ظاهر كلام جماعه انه يجوز ‌ان‌ يكون «من» ‌و‌ «ذا» مركبتين كما ‌فى‌ قولك: ماذا صنعت؟ ‌فى‌ احد الوجهين ‌و‌ منع ذلك ابوالبقاء ‌فى‌ مواضع ‌من‌ اعرابه ‌و‌ ثعلب ‌فى‌ اماليه ‌و‌ غيرهما ‌و‌ خصوا ذلك ب«ماذا» لان «ما» اشد ابهاما ‌من‌ «من» لكون «من» تختص باولى العلم دون «ما» فحسن ‌فى‌ «ما» ‌ان‌ تجعل مع غيرها كشى ء واحد ليكون ذلك اظهر لمعناها ‌و‌ لان التركيب خلاف الاصل ‌و‌ انما ‌دل‌ عليه الدليل مع «ما» ‌و‌ ‌هو‌ قولهم «لماذا» باثبات الالف.
 «و قرضا»: اسم واقع موقع المصدر ‌و‌ ‌هو‌ الاقراض ‌و‌ قيل: يجوز ‌ان‌ يكون مفعولا ‌به‌ لانه ياتى بمعنى نفس المال المعطى، كما ياتى بمعنى الاقراض، ‌و‌ معنى كونه «حسنا»: ‌ان‌ يكون حلالا خالصا ‌لا‌ يختلط ‌به‌ الحرام، ‌و‌ ‌ان‌ يكون عن طيب نفس، ‌و‌ ‌ان‌ ‌لا‌ يشوبه ‌من‌ ‌و‌ ‌لا‌ اذى ‌و‌ ‌لا‌ يفعله رياء ‌و‌ سمعه، بل خالصا لوجه الله.
 ‌و‌ قال الزجاج: ‌و‌ لفظ القرض حقيقه ‌فى‌ كل ‌ما‌ يفعل ليجازى عليه ‌و‌ اصله القطع.
 ‌و‌ سمى ‌ما‌ يدفعه الانسان الى آخر ‌من‌ ماله بشرط ‌رد‌ بدله قرضا لقطعه له ‌من‌
 
ماله، ‌و‌ الاكثرون على ‌ان‌ لفظ القرض ‌فى‌ الايه مجاز فان القرض انما ياخذه ‌من‌ يحتاج اليه لحاجته، ‌و‌ ذلك ‌فى‌ ‌حق‌ الله محال، ‌و‌ لان البدل ‌فى‌ القرض المعتاد ‌لا‌ يكون الا بالمثل، ‌و‌ هاهنا يضاعف، ‌و‌ لان المال الذى ياخذه المستقرض ‌لا‌ يكون ملكا له، ‌و‌ هاهنا المال الماخوذ ملك الله، ثم مع حصول هذه الفروق سمى الله تعالى الانفاق ‌او‌ النفقه ‌فى‌ سبيله قرضا له تنبيها على ‌ان‌ ذلك ‌لا‌ يضيع عند الله سبحانه، فكما ‌ان‌ القرض يجب اداوه ‌و‌ ‌لا‌ يجوز الاخلال به، فكذا الثواب المستحق على ذلك ‌و‌ اصل الى المكلف ‌لا‌ محاله.
 قوله تعالى «فيضاعفه له» قرا نافع ‌و‌ ابن كثير ‌و‌ ابوعمرو ‌و‌ حمزه ‌و‌ الكسائى: فيضاعفه بالرفع ‌و‌ قرا ابن عامر ‌و‌ عاصم: بالنصب.
 قال ابوالبقاء: الرفع عطف على يقرض ‌او‌ على الاستئناف، ‌اى‌ فالله يضاعفه ‌و‌ ‌فى‌ النصب وجهان:
 احدهما: ‌ان‌ يكون معطوفا على مصدر يقرض ‌فى‌ المعنى ‌و‌ ‌لا‌ يصح ذلك الا باضمار «ان» ليصير مصدرا معطوفا على مصدر تقديره ‌من‌ ذا الذى يكون منه قرض فمضاعفه ‌من‌ الله.
 ‌و‌ الوجه الثانى: ‌ان‌ يكون جواب الاستفهام على المعنى، لان المستفهم عنه ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌هو‌ المقرض ‌فى‌ اللفظ فهو عن الاقراض ‌فى‌ المعنى، فكانه قال ايقرض الله احدا فيضاعفه، ‌و‌ ‌لا‌ يجوز ‌ان‌ يكون جواب الاستفهام على اللفظ، لان المستفهم عنه ‌فى‌ اللفظ القرض ‌لا‌ المقرض، فان قيل: لم ‌لا‌ يعطف على المصدر الذى ‌هو‌ قرضا كما يعطف الفعل على المصدر باضمار «ان» مثل قول الشاعر:
 للبس عباءه ‌و‌ تقر عينى
 
قيل: ‌لا‌ يصح هذا لوجهين:
 احدهما: ‌ان‌ قرضا هنا مصدر موكد ‌و‌ المصدر الموكد ‌لا‌ يقدر بان ‌و‌ الفعل.
 ‌و‌ الثانى: ‌ان‌ عطفه عليه يوجب ‌ان‌ يكون معمولا ليقرض ‌و‌ ‌لا‌ يصح هذا ‌فى‌ المعنى لان المضاعفه ليست مقرضه، ‌و‌ انما هى فعل ‌من‌ الله ‌و‌ قرى ء «يضعفه» بالتشديد ‌من‌ غير الف ‌و‌ ‌هو‌ للتكثير ‌و‌ اضعافا: جمع ضعف، ‌و‌ ‌هو‌ العين ‌و‌ ليس بمصدر، ‌و‌ نصبه على الحال ‌من‌ «الهاء» ‌فى‌ يضاعفه، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون مفعولا ثانيا على المعنى، لان معنى يضاعفه يصيره اضعافا، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون جمع ضعف اسم وقع موقع المصدر فيكون انتصابه على المصدريه، ‌و‌ جمعه لاختلاف جهات التضعيف بحسب اختلاف الاخلاص، ‌و‌ مقدار المقرض ‌و‌ اختلاف انواع الجزاء.
 روى عن الصادق عليه السلام انه قال: لما نزلت هذه الايه: «من جاء بالحسنه فله خير منها»، قال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: «رب زدنى» فانزل الله سبحانه: «من جاء بالحسنه فله عشر امثالها»، فقال رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله: «رب زدنى» فانزل الله سبحانه «من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيره» ‌و‌ الكثير عند الله ‌لا‌ يحصى.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «و ‌ما‌ انزلت ‌من‌ نظائرهن» ‌فى‌ محل نصب عطفا على الجمله المقوله ‌اى‌ ‌و‌ قلت: ‌ما‌ انزلت ‌من‌ نظائرهن.
 ‌و‌ النظائر: الامثال جمع نظيره ‌و‌ هى المثل، ‌و‌ اصله ‌من‌ المناظره كان كل واحد ‌من‌ النظيرين ينظر الى صاحبه فيماثله ‌و‌ يباريه.
 «و نظائرهن ‌فى‌ تضاعيف الحسنات» ‌اى‌ الايات التى تضمنت المزيد ‌و‌ الاضعاف ‌فى‌ الثواب على العمل كقوله تعالى ‌فى‌ سوره النمل ‌و‌ سوره القصص
 
«من جاء بالحسنه فله خير منها».
 ‌و‌ قوله تعالى ‌فى‌ سوره النساء: «و ‌ان‌ تك حسنه يضاعفها ‌و‌ يوت ‌من‌ لدنه اجرا عظيما».
 ‌و‌ قوله ‌فى‌ سوره الحديد: «من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ‌و‌ له اجر كريم».
 ‌و‌ الى غير ذلك ‌من‌ الايات المنزله ‌فى‌ هذا المعنى، ‌و‌ الله اعلم.
 
دللته على الشى ء ‌و‌ اليه ‌من‌ باب- قتل- دلاله: ارشدته اليه ‌و‌ الغيب ‌فى‌ الاصل: مصدر غاب الشى ء اذا استتر عن العيون، ‌و‌ استعمل ‌فى‌ كل غائب عن الحاسه، ‌و‌ عما يغيب عن علم الانسان بمعنى الغائب، ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا ‌ما‌ ‌لا‌ يقع تحت الحواس، ‌و‌ ‌لا‌ تقتضيه بدايه العقول، ‌و‌ انما يعلم بالوحى ‌و‌ باخبار الانبياء عليهم السلام ‌و‌ اضافته اليه تعالى لاختصاص علمه ‌به‌ تعالى كما قال سبحانه: «و لله غيب السموات ‌و‌ الارض» ‌اى‌ يختص ‌به‌ علم ‌ما‌ غاب عن العباد فيهما.
 
و «من»: ابتدائيه مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «ذلك ‌من‌ انباء الغيب نوحيه اليك». ‌فى‌ احد الوجهين.
 «و ترغيبك»: عطف على «قولك» المجرور بالباء.
 ‌و‌ الحظ: الجد ‌و‌ البخت ‌و‌ «على» متعلق بدللتهم.
 ‌و‌ «ما» موصوله ‌او‌ نكره موصوفه، ‌و‌ الجمله الشرطيه بعدها صله ‌او‌ صفه.
 ‌و‌ ادراك الشى ء: عباره عن الوصول اليه ‌و‌ الاحاطه به، ‌و‌ البصر ادراك حاسه النظر، ‌و‌ قد يطلق على العين ‌من‌ حيث انها محله، ‌اى‌ لم تصل اليه ابصارهم ‌و‌ لم تحط به.
 ‌و‌ وعيت الحديث وعيا ‌من‌ باب- وعد- حفظته.
 قال تعالى: «و تعيها اذن واعيه».
 ‌و‌ السمع: ادراك القوه السامعه ‌و‌ تطلق على الاذن لكونها محله كما ‌فى‌ البصر ‌اى‌ لم تحفظه اسماعهم.
 ‌و‌ لحقته الحقه ‌من‌ باب- تعب- لحاقا ادركته، ‌و‌ المراد بالوهم هنا الادراك المتعلق بالقوه العقليه المتعلقه بالمعقولات ‌و‌ القوه المتعلقه بالمحسوسات جميعا ‌و‌ قد شاع ذلك ‌فى‌ الاستعمال ‌و‌ دلت عليه مضامين الاخبار كما نبهنا عليه فيما تقدم ‌فى‌ الرياض السابقه، ‌و‌ الغرض انك لو لم تدلهم ترشدهم الى ذلك لم يمكنهم ادراكه بوجه، ‌و‌ هذا معنى الغيب ‌و‌ قد سبق معنى الذكر ‌و‌ الكلام عليه مستوفى فاغنى عن الاعاده، ‌و‌ معنى «اذكرونى اذكركم» ‌اى‌ اذكرونى بالطاعه اذكركم بالثواب.
 ‌و‌ قيل: اذكرونى بطاعتى اذكركم برحمتى.
 ‌و‌ قيل: اذكرونى بطاعتى اذكركم بمعونتى.
 ‌و‌ قيل: اذكرونى بالشكر اذكركم بزياده.
 
و قيل: اذكرونى على ظهر الارض اذكركم ‌فى‌ بطنها.
 ‌و‌ قيل: اذكرونى ‌فى‌ الدنيا اذكركم ‌فى‌ العقبى.
 ‌و‌ قيل: اذكرونى ‌فى‌ النعمه ‌و‌ الرخاء اذكركم ‌فى‌ الشده ‌و‌ البلاء.
 ‌و‌ قيل: اذكرونى بالدعاء اذكركم بالاجابه.
 ‌و‌ قيل: اذكرونى ‌فى‌ الخلوات اذكركم ‌فى‌ الفلوات.
 ‌و‌ قيل: اذكرونى بالصدق ‌و‌ الاخلاص اذكركم بالخلاص ‌و‌ مزيد الاختصاص.
 ‌و‌ قيل: اذكرونى بالعبوديه اذكركم بالربوبيه.
 ‌و‌ قيل: اذكرونى بالفناء ‌فى‌ اذكركم بالبقاء ‌بى‌ ‌و‌ كل ذلك عائد الى حمل الذكر على ماله تعلق بالثواب ‌و‌ اظهار الرضا ‌و‌ استحقاق المنزله ‌و‌ الاكرام، فالحمل على جميع هذه الاقوال مفرده ‌و‌ مجموعه صحيح، ‌و‌ قد مر ذكر الشكر غير مره.
 قال العلامه النيسابورى: ‌و‌ ‌فى‌ الايه تكليف بامرين: الذكر ‌و‌ الشكر ‌و‌ انما عطف قوله «و ‌لا‌ تكفرون» بالواو ليعلم ‌ان‌ جحود النعمه منهى عنه كما ‌ان‌ الشكر مامور ‌به‌ ‌و‌ لو قطع على طريقه قوله: «اقول له ارحل ‌لا‌ تقيمن عندنا» لاوهم ‌ان‌ المقصود بالذات ‌هو‌ الثانى ‌و‌ الاول ‌فى‌ حكم المنحى، ‌و‌ يحتمل ‌من‌ حيث العربيه ‌ان‌ يكون «لا» نافيه «و النون» ليست للوقايه، ‌و‌ محل الجمله النصب على الحال، ‌اى‌ اشكروا لى غير جاحدين لنعمتى انتهى.
 ‌و‌ انما قال: ‌من‌ حيث العربيه لان القراءه لم ترد الا بكسر النون، على انها للوقايه دلاله على «الياء» المحذوفه ‌و‌ الاصل «و ‌لا‌ تكفرونى» كما اثبتها ابن كثير ‌فى‌ الوصل
 
دون الوقف قالوا: ‌و‌ الوجه حذفها لكراهيه الوقف على الياء، ‌و‌ احتمال كون «لا» نافيه كما ذكره يتعين معه فتح النون ‌و‌ ‌لا‌ تساعده القراءه.
 
 تنبيه  
 
 الايه المذكوره ‌فى‌ سوره البقره ‌و‌ التلاوه: «فاذكرونى» بالفاء، ‌و‌ فيه دليل على جواز حكايه الجمله المقرونه بالفاء ‌من‌ كلامه تعالى بحذف الفاء ‌و‌ هذه المساله اطنب فيها الشيخ بهاءالدين السبكى ‌فى‌ شرح مختصر ابن الحاجب الاصولى ‌و‌ قرر انه يجوز ‌فى‌ مثل ذلك اثبات الفاء ‌و‌ سائر حروف العطف ‌و‌ حذفها ‌و‌ استشهد للامرين باخبار ‌و‌ احاديث ‌من‌ طرقهم فمما استشهد ‌به‌ على جواز الحذف:
 قوله صلى الله عليه ‌و‌ آله: حين سئل عن الخمر، ‌ما‌ انزل على فيها شى ء الا هذه الايه الجامعه القاذه: «من يعمل مثقال ذره خيرا يره».
 قال كذا رويناه ‌فى‌ صحيح البخارى ‌فى‌ الشرب ‌و‌ ‌فى‌ الجهاد، ‌و‌ ‌فى‌ علامه النبوه، ‌و‌ كذلك ‌فى‌ مسلم، ‌و‌ رايته بخط النووى ‌من‌ غير فاء ‌و‌ عزاه الى الصحيح.
 ‌و‌ قوله صلى الله عليه ‌و‌ آله: ‌من‌ نسى صلاه اونام عنها فليصلها اذا ذكرها ‌لا‌ كفاره لها الا ذلك ‌و‌ تلا: «اقم الصلاه لذكرى».
 
قال: كذا رواه الشيخان ‌و‌ وقوعه ‌فى‌ كلام سيد العابدين عليه السلام حجه عندنا على جوازه.
 قوله عليه السلام: «و قلت: لئن شكرتم لازيدنكم» الايه ‌فى‌ سوره ابراهيم ‌و‌ اولها «و اذ تاذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم» الى آخرها.
 ‌و‌ التاذن: الايذان بمعنى الاعلام يقال: آذنه ‌و‌ تاذنه مثل اوعده ‌و‌ توعده ‌اى‌ اعلمه ‌اى‌ ‌و‌ اذكروا اذ تاذن ربكم ‌اى‌ اذن ايذانا بليغا ‌لا‌ يبقى معه شائبه شبهه لما ‌فى‌ صيغه التفعل ‌من‌ معنى المتكلف المحمول ‌فى‌ حقه تعالى على غايته التى هى الكمال.
 ‌و‌ جمله «لئن شكرتم» اما مفعول لتاذن لانه ضرب ‌من‌ القول، ‌او‌ لقول مقدر بعده كانه قيل: ‌و‌ اذ تاذن ربكم فقال: «لئن شكرتم لازيدنكم» ‌اى‌ لئن شكرتم لى نعمتى لازيدنكم نعمه الى نعمه، ‌و‌ لئن كفرتم ‌اى‌ جحدتم نعمتى ‌ان‌ عذابى لشديد، فعسى يصيبكم منه ‌ما‌ يصيبكم، ‌و‌ ‌من‌ عاده الكرام التصريح بالوعد ‌و‌ التعريض بالوعيد فما ظنك باكرم الاكرمين، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون المذكور تعليلا للجواب المحذوف ‌اى‌ لاعذبنكم، ‌و‌ اللام ‌فى‌ الموضعين مواطئه للقسم ‌و‌ كل ‌من‌ الجوابين ساد مسد جوابى الشرط ‌و‌ القسم.
 قال بعض المحققين: ‌فى‌ تفسير هذه الايه: قد تقرر ‌ان‌ الشكر بالحقيقه عباره عن صرف العبد جميع اصناف ‌ما‌ انعم الله تعالى ‌به‌ عليه فيما اعطاه لاجله، ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ ‌ان‌ المكلف اذا سلك هذا الطريق كان دائما ‌فى‌ مطالعه اقسام نعم الله ‌و‌ ‌فى‌ ملاحظه دقائق لطفه ‌و‌ صنعه ‌و‌ ‌فى‌ اعمال الجوارح ‌فى‌ الاعمال الصالحه الكاسبه لانوار الملكات الحميده ‌و‌ شغل النفس بمطالعه النعم يوجب مزيد محبه المنعم، ‌و‌ قد يترقى العبد ‌من‌ هذه الحاله الى ‌ان‌ يصير حبه للمنعم شاغلا له عن رويه النعم، ‌و‌ تصدر منه
 
الاعمال الصالحه بطريق الاعتياد، حتى يصير التطبع طباعا ‌و‌ التكلف خلقا، ‌و‌ هذا معنى امتراء الشكر مزيد الانعام، ‌و‌ قد تفيض عليه بحكم وعد الله الذى ‌هو‌ الحق ‌و‌ الصدق سجال مواهبه الدينيه ‌و‌ الدنيويه لانه مهما صار مطيعا منقادا لواجب الوجود سبحانه تجلى فيه نور الوجوب فلا غرو ‌ان‌ ينقاد لذلك النور كثير ‌من‌ الممكنات ‌و‌ ينفتح عليه باب التصرف ‌فى‌ الخلق بالحق للحق، ‌و‌ ‌ان‌ كان حال المكلف بضد ‌ما‌ قلنا ظهر عليه اضداد تلك الاثار ‌لا‌ محاله ‌و‌ ذلك قوله تعالى: «و لئن كفرتم» يعنى كفران النعمه «ان عذابى لشديد».
 
قوله عليه السلام: «و قلت: ادعونى استجب لكم» الايه ‌فى‌ سوره المومن، ‌و‌ اولها: «و قال ربكم ادعونى استجب لكم».
 ‌و‌ اكثر المفسرين: على ‌ان‌ الدعاء هاهنا بمعنى العباده.
 ‌و‌ الاستجابه: بمعنى الاثابه ‌و‌ لما عبر عن العباده بالدعاء جعل الاثابه استجابه للمجانسه ‌و‌ ذلك لقوله سبحانه: «ان الذين يستكبرون عن عبادتى».
 ‌و‌ الدعاء بمعنى العباده كثير ‌فى‌ القرآن كقوله «ان يدعون ‌من‌ دونه الا اناثا».
 روى النعمان ‌بن‌ بشير ‌ان‌ رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله قال: الدعاء: العباده ‌و‌ قرا هذه الايه.
 ‌و‌ جوز آخرون ‌ان‌ يكون الدعاء ‌و‌ الاستجابه على ظاهر هما ‌و‌ يراد بعبادتى دعائى ‌اى‌ سوالى، لان الدعاء باب ‌من‌ العباده، ‌و‌ يصدقه قول ابن عباس افضل
 
العباده الدعاء، ‌و‌ ‌هو‌ المروى عن اهل البيت عليهم السلام.
 روى زراره، عن ابى جعفر عليه السلام قال: ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ يقول: «ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين» قال: ‌هو‌ الدعاء ‌و‌ افضل العباده الدعاء.
 ‌و‌ روى حماد ‌بن‌ عيسى، عن ابى عبدالله عليه السلام قال، سمعته يقول: «ادع ‌و‌ ‌لا‌ تقل قد فرغ ‌من‌ الامر فان الدعاء ‌هو‌ العباده ‌ان‌ الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ يقول: «ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين» «و قال ادعونى استجب لكم».
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه عنه عليه السلام قال: الدعاء ‌هو‌ العباده التى قال الله ‌عز‌ ‌و‌ جل: «ان الذين يستكبرون عن عبادتى» الايه، ادع الله ‌و‌ ‌لا‌ تقل ‌ان‌ الامر قد فرغ منه.
 ‌و‌ قد تواترت الاخبار عنهم عليهم السلام ‌فى‌ هذا المعنى ‌و‌ سبق ذكر كثير منها فيما تقدم ‌و‌ ‌هو‌ صريح قوله عليه السلام ‌فى‌ متن الدعاء: «فسميت دعائك عباده».
 ‌و‌ معنى قوله «داخرين»: اذلاء صاغرين.
 قال بعض اهل التحقيق: كل ‌من‌ دعا الله ‌و‌ ‌فى‌ قلبه مثقال ذره ‌من‌ حب المال ‌و‌ الجاه ‌و‌ غير ذلك فدعاوه لسانى ‌لا‌ قلبى ‌و‌ لهذا قد ‌لا‌ يستجاب، لانه اعتمد على غير الله، ‌و‌ فيه بشاره هى ‌ان‌ دعاء المومن وقت حلول اجله يكون مستجابا البته لانقطاع تعلقه حينئذ عما سوى الله تعالى.
 قوله عليه السلام: «فسميت دعائك عباده» «الفاء» للترتيب الذكرى ‌و‌ انما سماه عباده لانه افضل ابوابها كما مر، فان العباده اظهار غايه التذلل ‌و‌ ‌لا‌ اعظم ‌فى‌ ذلك ‌من‌ الدعاء ‌و‌ السوال المحقق للحاجه ‌و‌ الافتقار ‌و‌ الخضوع ‌و‌ الانكسار ‌و‌ انما سمى
 
تركه استكبارا لما فيه ‌من‌ التعظم ‌و‌ عدم الاذعان له بالفاقه اليه ‌عز‌ ‌و‌ جل، كان التارك له اظهر ‌من‌ نفسه ‌ما‌ ليس له ‌و‌ ‌هو‌ الغنى عن ربه سبحانه ‌و‌ هذا حقيقه الاستكبار المذموم.
 قال الراغب: الاستكبار على وجهين:
 احدهما: ‌ان‌ يتحرى الانسان ‌و‌ يطلب ‌ان‌ يكون كبيرا ‌و‌ ذلك متى كان على ‌ما‌ يجب، ‌و‌ ‌فى‌ المكان الذى يجب، ‌و‌ ‌فى‌ الوقت الذى يجب فمحمود.
 ‌و‌ الثانى: ‌ان‌ يتشبع فيظهر ‌من‌ نفسه ‌ما‌ ليس له ‌و‌ هذا ‌هو‌ المذموم، ‌و‌ على هذا ‌ما‌ ورد ‌فى‌ القرآن ‌و‌ الله اعلم.
 
«بمنك»: ‌اى‌ بانعامك ‌من‌ «من عليه يمن منا» ‌من‌ باب- قتل- ‌اى‌ انعم عليه.
 ‌و‌ الفضل: ‌ما‌ ‌لا‌ يلزم المعطى اعطاوه، ‌و‌ لما كان ذكر العباد ‌و‌ شكرهم لباريهم تعالى بامره اياهم ‌و‌ هدايته لهم منه منه تعالى ‌و‌ فضلا كان ذلك متسببا عن منه ‌و‌ فضله سبحانه ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون «الباء» للملابسه لكن قوله: «و دعوك بامرك» يرجح السببيه.
 ‌و‌ تصدق: اعطى صدقه، ‌و‌ هى ‌ما‌ يخرجه الانسان ‌من‌ ماله على وجه القربه كالزكاه، لكن الصدقه ‌فى‌ الاصل تقال للمتبرع به، ‌و‌ الزكاه للواجب، ‌و‌ يسمى
 
الواجب ايضا صدقه اذا تحرى صاحبه الصدق ‌فى‌ فعله، ‌و‌ منه قوله تعالى: «خذ ‌من‌ اموالهم صدقه».
 ‌و‌ «طلبا»: مفعول لاجله ‌اى‌ لاجل الطلب لمزيدك، ‌و‌ ‌هو‌ اما مصدر ميمى بمعنى الزياده، ‌او‌ اسم مفعول كالمبيع.
 ‌و‌ قوله عليه السلام: «لك»: ‌اى‌ لاجلك ‌لا‌ لغرض ‌من‌ اغراض النفس ‌و‌ حظ ‌من‌ حظوظها كالرياء، ‌و‌ السمعه، ‌و‌ فيه ظاهرا تاييد لقول ‌من‌ قال: بان اراده الفوز بثواب الله تعالى ‌و‌ السلامه ‌من‌ سخطه ليست امرا مخالفا لاراده وجه الله سبحانه، فانه عليه السلام جعل التصدق له سبحانه لغرض طلب مزيده، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون طلب المزيد عله للتصدق المعلل على معنى انهم تصدقوا لوجهك لانهم طلبوا مزيدك، ‌و‌ ‌من‌ طلب مزيدك لازم الاخلاص ‌فى‌ التصدق لك، نبه على مثل ذلك صاحب الكشف ‌فى‌ قوله تعالى: «انما نطعمكم لوجه الله ‌لا‌ نريد منكم جزاء ‌و‌ ‌لا‌ شكورا انا نخاف ‌من‌ ربنا يوما عبوسا قمطريرا».
 قال صاحب الكشاف: «انا نخاف» يحتمل ‌ان‌ احساننا اليكم للخوف ‌من‌ شده ذلك اليوم ‌لا‌ اراده مكافاتكم ‌و‌ يحتمل انا ‌لا‌ نريد منكم المكافاه لخوف عقاب الله على طلب المكافاه.
 قال صاحب الكشاف: فيكون على الاحتمال الثانى تعليلا لعدم اراده الجزاء ‌و‌ الشكور ليبقى قوله لوجه الله خالصا غير مشوب بحظ النفس ‌من‌ جلب نفع ‌او‌ دفع ضر ‌و‌ لو جعل عله للاطعام المعلل على معنى انما خصصنا الاحسان لوجهه تعالى لانا نخاف يوم جزائه ‌و‌ ‌من‌ خافه لازم الاخلاص لكان وجها، انتهى.
 
قوله عليه السلام: «و فيها كانت نجاتهم ‌من‌ غضبك» قيل: الضمير عائد الى الامور المذكور ‌من‌ الذكر ‌و‌ الشكر ‌و‌ الدعاء ‌و‌ التصدق.
 ‌و‌ قيل: الى الزياده المطلوبه ‌من‌ التصدق، ‌و‌ يحتمل عوده على الصدقه المدلول عليها بقوله: «فتصدقوا لك» ‌و‌ اظهر ‌من‌ ذلك كله عوده الى الدلاله التى تضمنها قوله عليه السلام ‌فى‌ صدر هذا الفصل ‌من‌ الدعاء: «و انت الذى دللتهم بقولك ‌من‌ غيبك» كما يقتضيه بلاغه النظم، ‌و‌ يقضى ‌به‌ الذوق السليم، ‌و‌ قد تقدم الكلام على معنى غضبه ‌و‌ رضاه سبحانه.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5
اسناد الصحیفه السجادیه- 1
الدعاء 1- 3
الدعاء 3- 1
الدعاء 31- 2

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 53
اسناد الصحیفه السجادیه- 2

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^