فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 47- 1

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ اياه نستعين


 الحمد لله الذى جعل لنفسه على الناس ‌حج‌ البيت ‌من‌ استطاع اليه سبيلا، واجرى لمن لبى دعوته الى دارالسلام عينا فيها تسمى سلسبيلا، والصلاه والسلام على اشرف انبيائه مله ‌و‌ قبله ‌و‌ قبيلا ‌و‌ على اهل بيته الذين احلهم ‌من‌ مراتب الشرف محلا نبيلا.
 ‌و‌ بعد: فهذه الروضه السابعه ‌و‌ الاربعون ‌من‌ رياض السالكين ‌فى‌ شرح صحيفه سيدالعابدين ‌و‌ سيدالزاهدين صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ على آبائه ‌و‌ ابنائه الراشدين، املاء راجى عفو ربه السنى على صدرالدين الحسينى الحسنى، شرح الله صدره بنور عرفانه ‌و‌ افاض عليه سجال معروفه ‌و‌ احسانه.
 
يوم عرفه: ‌هو‌ اليوم التاسع ‌من‌ ذى الحجه الحرام، ‌و‌ عرفه قيل: اسم لموقف الحاج ذلك اليوم، ‌و‌ ‌هو‌ على اثنى عشر ميلا ‌من‌ مكه، ‌و‌ يسمى عرفات ايضا، ‌و‌ ‌هو‌ المذكور ‌فى‌ التنزيل قال تعالى: «فاذا افضتم ‌من‌ عرفات».
 قال صاحب المحكم: عرفه ‌و‌ عرفات، موضع بمكه معرفه كانهم جعلوا كل موضع منه عرفه.
 ‌و‌ قال النووى ‌فى‌ التهذيب: عرفات ‌و‌ عرفه، اسم لموضع الوقوف.
 ‌و‌ قال النيسابورى ‌فى‌ تفسيره: عرفات، جمع عرفه، ‌و‌ كلاهما علم للموقف كان كل قطعه ‌من‌ تلك الارض عرفه فسمى مجموع تلك القطعه بعرفات كما قيل: ‌فى‌ باب الصفه ثوب اخلاق ‌و‌ برمه اعشار.
 
و قال المطرزى ‌فى‌ المغرب: عرفات علم للموقف ‌و‌ هى مونثه ‌لا‌ غير ‌و‌ يقال له: عرفه ايضا.
 ‌و‌ وافقهم على ذلك ابن الحاجب ‌فى‌ شرح المفصل فقال: عرفه ‌و‌ عرفات جميعا علمان لهذا المكان المخصوص.
 ‌و‌ على هذا فاضافه اليوم الى عرفه كاضافته الى حنين فى: «و يوم حنين» ‌و‌ ‌هو‌ موضع بين الطائف ‌و‌ مكه.
 ‌و‌ قيل: عرفه اسم لليوم، ‌و‌ عرفات اسم للموقف.
 قال الطبرسى ‌فى‌ مجمع البيان: عرفات اسم للبقعه المعروفه يجب الوقوف بها، ‌و‌ يوم عرفه يوم الوقوف بها.
 ‌و‌ قال صاحب القاموس: يوم عرفه: التاسع ‌من‌ ذى الحجه، ‌و‌ عرفات موقف الحاج ذلك اليوم.
 ‌و‌ على هذا فاضافه يوم الى عرفه كاضافته الى عروبه ‌و‌ ‌هو‌ اسم للجمعه. قال الشاعر:
 يوم كيوم عروبه المتطاول
 ‌و‌ هذا القول مبنى على انكار كون عرفه اسما للموقف ‌و‌ ‌هو‌ قول الفراء، قال: ‌و‌ قول الناس نزلنا عرفه شبيه بالمولد ‌و‌ ليس بعربى محض.
 قال الدمامينى: ‌و‌ هذا عجيب فقد ثبت ‌فى‌ الحديث «الحج عرفه فمن ادرك عرفه قبل ‌ان‌ يطلع الفجر فقد ادرك الحج».
 
و عرفه ‌و‌ عرفات ‌من‌ الاسماء المرتجله، لان العرفه ‌لا‌ تعرف ‌فى‌ اسماء الاجناس حتى يكون ‌من‌ الاسماء المنقوله ‌و‌ ‌لا‌ يشترط ‌فى‌ المرتجل ‌ان‌ ‌لا‌ يظهر له معنى، فلا ينافيه ‌ما‌ ذكروه ‌من‌ ‌ان‌ تسميتها بذلك لما روى ‌ان‌ جبرئيل عليه السلام عمد بابراهيم صلوات الله عليه الى تلك البقعه فقال له: بها اعرف مناسكك ‌و‌ اعترف بذنبك فسميت عرفه ‌و‌ عرفات.
 ‌و‌ قيل: بل وصفها جبرئيل له قبل ‌ان‌ يراها، فلما راها عرفها بما تقدم له ‌من‌ النعت.
 ‌و‌ قيل: سميت بذلك لان آدم ‌و‌ حواء اجتمعا فيها فتعارفا بعد ‌ان‌ كان افترقا.
 ‌و‌ قيل: انما سميت ‌به‌ لعلوها ‌و‌ ارتفاعها ‌و‌ منه عرف الديك.
 ‌و‌ قيل: لان جبرئيل كان يرى ابراهيم فيها المناسك فيقول: عرفت عرفت.
 ‌و‌ عن ابن عباس: ‌ان‌ ابراهيم عليه السلام راى ‌فى‌ المنام انه يذبح ابنه فاصبح يروى يومه اجمع، ‌اى‌ يتفكر اهو امر ‌من‌ الله ‌ام‌ لا؟ فسمى بذلك يوم الترويه، ثم راى ‌فى‌ الليله الثانيه فلما اصبح عرف انه ‌من‌ الله فسمى يوم عرفه.
 ‌و‌ هذا وجه لتسميه اليوم بعرفه ‌لا‌ المكان.
 ‌و‌ روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى: ‌من‌ جمله حديث طويل عن ابى عبدالله عليه السلام: ‌ان‌ جبرئيل انطلق بادم ‌من‌ منى الى عرفات فاقامه على المعرف فقال: اذا غربت الشمس فاعترف بذنبك سبع مرات وسل الله المغفره ‌و‌ التوبه سبع مرات ففعل ذلك آدم عليه السلام ‌و‌ لذلك سمى المعرف لان آدم اعترف فيه بذنبه ‌و‌ جعل سنه لولده يعترفون بذنوبهم كما اعترف آدم، ‌و‌ الله اعلم.
 
تعريف الحمد بلام الحقيقه ‌و‌ تعليقه اولا: باسم الذات الذى عليه مدار جميع ‌ما‌ يستوجبه ‌من‌ صفات الكمال، ‌و‌ اليه مئال جمله نعوت الجلال ‌و‌ الجمال، للايذان بانه سبحانه ‌هو‌ المستوجب له بذاته، ‌و‌ وصفه ثانيا: بما ينبى ء عن موجبه له، ‌و‌ تعليل اختصاصه ‌به‌ ‌من‌ قوله: «رب العالمين» للتنبيه على وجوب ثبوته له ‌و‌ استحقاقه اياه استقلالا اذ كان ‌هو‌ الرب ‌و‌ ‌ما‌ سواه مربوبا، ‌و‌ ‌من‌ كان بهذه الصفه كان ‌هو‌ الحقيق بالحمد ‌لا‌ احد احق ‌به‌ منه، بل ‌لا‌ يستحقه سواه، فان ترتب الحكم على الوصف يشعر بعليته ‌و‌ ‌فى‌ «رب العالمين» باعتبار اشارته الى انه الموجد لهم، ‌و‌ المربى لهم، ‌و‌ المنعم عليهم بالنعم كلها، ظاهرها ‌و‌ باطنها، دقيقها ‌و‌ جليلها، عاجلها ‌و‌ آجلها، ايجاز ‌و‌ ايراده بعد الاسم الجامع للاوصاف الجماليه ‌و‌ الجلاليه كلها، ‌و‌ ربوبيته لانواع الاشياء كلها اطناب، ففيه ايهام الجمع بين الضدين، ‌و‌ ‌هو‌ كالخاص بعد العام.
 ثم كونه رب العالمين عله للحمد، ‌و‌ الحمد عله غائيه لتربيتهم لانه ربى ليحمد، ففيه ابهام عليه الشى ء لما ‌هو‌ معلوله، ‌و‌ قد تقدم الكلام على الحمد ‌و‌ اسم الجلاله ‌فى‌ اول الروضه الاولى، ‌و‌ على الرب ‌و‌ العالمين ‌فى‌ آخر الروضه الثانيه عشره مستوفى فليرجع اليه.
 
قوله عليه السلام: «اللهم لك الحمد بديع السماوات ‌و‌ الارض» التفات ‌من‌
 
الغيبه الى الخطاب، ‌و‌ النكت التى ذكرناها ‌فى‌ شرح قوله عليه السلام ‌فى‌ الدعاء السادس: «اللهم فلك الحمد على ‌ما‌ فلقت لنا ‌من‌ الاصباح» جاريه هنا، ‌و‌ الميم ‌فى‌ اللهم عوض عن حرف النداء ‌و‌ لذلك ‌لا‌ يجتمعان، ‌و‌ هذا ‌من‌ خصائص الاسم الجليل، ‌و‌ قد استوفينا الكلام عليه سابقا، ‌و‌ «بديع السماوات ‌و‌ الارض»: ‌اى‌ مبدعهما ‌و‌ مخترعهما ‌من‌ غير مثال يحتذيه ‌و‌ ‌لا‌ قانون ينتحيه.
 فان البديع كما يطلق على المبدع اسم مفعول يطلق على المبدع اسم فاعل نص عليه اساطين اللغه.
 ‌و‌ قد جاء بدعه كمنعه انشاه كابتدعه كما ذكر ‌فى‌ القاموس ‌و‌ غيره، ‌و‌ نظيره السميع بمعنى المسمع ‌فى‌ قول عمرو ‌بن‌ معدى كرب:
 امن ريحانه الداعى السميع
 فلا عبره بمن توقف ‌فى‌ اطلاق البديع على المبدع، ‌و‌ عليه فقيل: ‌هو‌ ‌من‌ اضافه الصفه المشبهه الى فاعلها للتخفيف بعد نصبه تشبيها لها باسم الفاعل كما ‌هو‌ المشهور اى: بديع سماواته ‌من‌ بدع الشى ء اذا كان ذا شكل فائق ‌و‌ حسن رائق.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌من‌ باب الاضافه الى الظرف بمعنى انه عديم النظير فيهما ‌و‌ الاول ‌هو‌ الوجه.
 ذا الجلال ‌و‌ الاكرام: ‌اى‌ صاحب الاستغناء المطلق ‌و‌ الفضل التام.
 ‌و‌ قيل: الذى عنده الجلال ‌و‌ الاكرام، ‌اى‌ التعظيم ‌و‌ النعمه للمخلصين ‌من‌ عباده.
 ‌و‌ قيل: معناه انه اهل لان يعظم ‌و‌ ينزه عما ‌لا‌ يليق بجنابه الاقدس كما يقول الانسان لغيره: انا اجلك ‌و‌ اكرمك عن كذا كما ‌ان‌ قوله: «اهل التقوى» معناه اهل
 
ان يتقى.
 ‌و‌ قيل: الجلال: عباره عن صفات القهر، ‌و‌ الاكرام: عباره عن صفات اللطف.
 ‌و‌ رب الارباب: ‌اى‌ مالك كل مالك فان الجمع المحلى باللام يفيد الاستغراق.
 ‌و‌ الرب: ‌فى‌ الاصل مصدر بمعنى التربيه، ‌و‌ ‌هو‌ تبليغ الشى ء الى كماله شيئا فشيئا وصف ‌به‌ الفاعل مبالغه ‌او‌ صفه مشبهه ‌من‌ ربه يربه مثل: تمه يتمه بعد جعله لازما بنقله الى فعل بالضم كما ‌هو‌ المشهور سمى ‌به‌ المالك لانه يحفظ ‌ما‌ يملكه ‌و‌ يربيه، ‌و‌ قد اجمعوا على انه ‌لا‌ يقال: الرب مطلقا الا لله تعالى، ‌و‌ يقال لغيره مضافا كرب الدار ‌و‌ رب الدابه، ‌و‌ ماورد ‌فى‌ الحديث: ‌لا‌ يقل احدكم ربى بل سيدى ‌و‌ مولاى فقيل: نهى تنزيه، ‌و‌ قيل: الجواز ‌فى‌ المقيد بغير اولى العلم، ‌و‌ اما قول يوسف: «انه ربى» فملحق بالسجود ‌فى‌ زمانه.
 ‌و‌ اما الارباب: فحيث ‌لا‌ يمكن اطلاقه على الله وحده جاز تخصيصه بغيره تعالى باضافه الرب اليه كما ‌فى‌ عباره الدعاء، ‌و‌ جاز اطلاقه بحيث يشمل ذاته تعالى كما ‌فى‌ قوله تعالى: «ءارباب متفرقون».
 قال الشريف العلامه ‌فى‌ حاشيه الكشاف: لفظ الارباب حيث لم يطلق على الله وحده جاز تقييده بالاضافه ‌و‌ اطلاقه كما ‌فى‌ قولك رب الارباب ‌و‌ قوله: «ءارباب متفرقون خير».
 ‌و‌ قال الراغب: لم يكن ‌من‌ ‌حق‌ الرب ‌ان‌ يجمع اذ كان اطلاقه ‌لا‌ يتناول الا الله تعالى لكن اتى بلفظ الجمع ‌فى‌ قوله: «ءارباب متفرقون خير» على حسب اعتقادهم ‌لا‌ ‌ما‌ عليه ذات الشى ء ‌فى‌ نفسه انتهى.
 
هذا ‌و‌ لما كان الرب بمعنى المالك كما عرفت ‌و‌ كان معنى المالك يعود الى معنى القادر على الشى ء الذى تنفذ مشيته فيه باستحقاق دون غيره ‌و‌ غيره باذنه ‌و‌ قد ثبت ‌ان‌ كل موجود سواه فهو ‌فى‌ تصريف قدرته ‌و‌ مشيته اذ هما مستند وجوده ثبت انه ‌هو‌ المالك المطلق الذى ليس له مملوكيه بالقياس الى شى ء آخر، ‌و‌ ‌ان‌ كل ‌ما‌ سواه فهو مملوك له تعالى، ‌و‌ ‌ان‌ صدق عليه عرفا انه مالك بالقياس الى ‌من‌ ‌هو‌ دونه فصح انه تعالى رب الارباب ‌و‌ مالك كل مالك.
 قوله عليه السلام: «و اله كل مالوه» ‌اى‌ معبود كل معبود فان الاله اسم بمعنى المالوه كالكتاب بمعنى المكتوب، ‌و‌ البساط بمعنى المبسوط كما نص عليه الجوهرى ‌و‌ غيره ‌و‌ اشتقاقه ‌من‌ اله ياله ‌من‌ باب- ضرب- الاهه اى: عبد يعبد عباده.
 قال ‌فى‌ الصحاح: اله بالفتح الاهه، ‌اى‌ عبد عباده ‌و‌ منه قرا ابن عباس «و يذرك ‌و‌ الاهتك» بكسر الهمزه، قال: ‌و‌ عبادتك، ‌و‌ كان يقول: ‌ان‌ فرعون كان يعبد، ‌و‌ منه قولنا: «الله»، ‌و‌ اصله «اله» على فعال بمعنى مفعول لانه مالوه ‌اى‌ معبود، كقولنا: امام فعال بمعنى مفعول لانه موتم ‌به‌ انتهى.
 ‌و‌ عليه فقوله: اله كل مالوه، مثل رب كل مربوب، ‌و‌ قد ورد ‌فى‌ الدعاء القدسى: «اله كل شى ء، ‌و‌ رب كل رب»، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المعنى: اله كل ذى اله ‌من‌ الهه يالهه ‌من‌ باب- قتل- اذا صار الها له، ‌و‌ يكون اشتقاقه ‌من‌ الاله بمعنى المعبود كما اشتقوا استنوق ‌و‌ استحجر ‌من‌ الناقه ‌و‌ الحجر، ‌و‌ نظيره الامام ‌و‌ الماموم فان الامام بمعنى الماموم كما نص عليه الجوهرى، ثم اشتق منه امه ‌و‌ ‌ام‌ ‌به‌ اذا صلى ‌به‌ اماما فهو ماموم ‌و‌ ماموم به. قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: ‌ام‌ القوم امامه ‌اى‌ صلى بهم
 
و ‌فى‌ الصحاح: اممت القوم ‌فى‌ الصلاه امامه.
 ‌و‌ قال الفيومى ‌فى‌ المصباح: ‌ام‌ ‌به‌ امامه صلى ‌به‌ اماما، انتهى.
 ‌و‌ الذى يشهد على ‌ان‌ امه ‌و‌ ‌ام‌ به: ‌اى‌ صلى ‌به‌ اماما مشتق ‌من‌ الامام انه بهذا المعنى لفظ اسلامى لان العرب قبل الاسلام لم تكن تعرف الصلاه ‌و‌ ‌لا‌ الامامه فيها ‌و‌ ليس الماموم عندهم الا المقصود، ‌من‌ امه اذا قصده، ‌او‌ المشجوج ‌فى‌ ‌ام‌ راسه ‌من‌ امه اما اذا اصاب ‌ام‌ راسه.
 اذا عرفت ذلك فالمعول عليه ‌فى‌ معنى عباره الدعاء ‌هو‌ هذا المعنى ‌لا‌ المعنى الاول، ‌و‌ ‌ان‌ عول عليه بعض افاضل المترجمين اذ قد وقع ‌فى‌ بعض الاحاديث ‌ما‌ يشهد بذلك، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ رواه ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى عن ابى عبدالله عليه السلام عن اميرالمومنين عليه السلام ‌من‌ جمله حديث طويل ‌فى‌ التوحيد: كان ربا اذ ‌لا‌ مربوب، ‌و‌ الها اذ ‌لا‌ مالوه، ‌و‌ عالما اذ ‌لا‌ معلوم، ‌و‌ سميعا اذ ‌لا‌ مسموع فهذا يعين ‌ما‌ ذكرناه، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «و خالق كل مخلوق» ‌اى‌ مبدع كل مبدع فان الخلق هنا بمعنى الابداع، ‌و‌ ‌هو‌ بهذا المعنى ليس الا الله تعالى ‌و‌ لهذا قال ‌فى‌ الفصل بينه ‌و‌ بين غيره: «افمن يخلق كمن ‌لا‌ يخلق» قالوا: ‌و‌ اصل الخلق التقدير ‌و‌ ‌هو‌ التفكر ‌فى‌ الامر بحسب نظر العقل ‌و‌ بناء الامر عليه، ‌و‌ منه خلقت الاديم للنعل ‌اى‌ قدرته لها بان فكرت ‌فى‌ جعله لها على مقدار مخصوص ‌و‌ وجه مخصوص، ‌و‌ ‌هو‌ بهذا المعنى يطلق على غير الله تعالى ‌و‌ منه: «و اذ تخلق ‌من‌ الطين كهيئه الطير».
 قال العلامه الطبرسى: سماه خلقا لانه كان يقدره.
 
و اما قوله تعالى: «فتبارك الله احسن الخالقين» فقيل: معناه احسن المقدرين اذ ‌لا‌ تعدد ‌فى‌ الخالق.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ بناء على ‌ان‌ الخالق كلى ذو افراد فرضا.
 ‌و‌ قال الراغب: ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون على تقدير ‌ما‌ كانوا يعتقدون ‌و‌ يزعمون ‌ان‌ غير الله يبدع فكانه قيل: اذا حسب ‌ان‌ هاهنا مبدعين ‌و‌ موجدين فالله تعالى احسنهم ايجادا على ‌ما‌ يعتقدون كما قال: «خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم». قوله عليه السلام: «و وارث كل شى ء» ‌اى‌ الصائر اليه كل شى ء اذ كان وصفه تعالى بالوارث ‌من‌ حيث ‌ان‌ الاشياء كلها صائره اليه قال تعالى: «نرث الارض ‌و‌ ‌من‌ عليها» ‌و‌ قال: «و لله ميراث السموات ‌و‌ الارض» ‌و‌ قال: «و نحن الوارثون».
 قال الغزالى ‌فى‌ المقصد الاسنى: الوارث ‌هو‌ الذى ترجع اليه الاملاك بعد فناء الملاك، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ الله سبحانه لانه ‌هو‌ الباقى بعد فناء خلقه ‌و‌ اليه مرجع كل شى ء ‌و‌ مصيره، ‌و‌ ‌هو‌ القائل اذ ذاك: «لمن الملك اليوم» ‌و‌ ‌هو‌ المجيب: «لله الواحد القهار» ‌و‌ ‌هو‌ بحسب ظن الاكثرين اذ يظنون ‌ان‌ لهم ملكا فتنكشف لهم ذلك اليوم حقيقه الحال، ‌و‌ هذا النداء عباره عن حقيقه ‌ما‌ ينكشف لهم ‌فى‌ ذلك الوقت.
 قوله عليه السلام: «ليس كمثله شى ء» اقتباس ‌من‌ قوله تعالى ‌فى‌ سوره الشورى: «ليس كمثله شى ‌و‌ ‌هو‌ السميع البصير» ‌اى‌ ليس مثله شى ء ‌فى‌ شان ‌من‌ الشوون، فالكاف زائده لان المقصود نفى ‌ان‌ يكون شى ء مثله ‌لا‌ مثل مثله ‌و‌ انما زيدت لتوكيد نفى المثل لان زياده الحرف بمنزله اعاده الجمله ثانيا، ‌و‌ رده بعضهم
 
بان الكاف انما توكد المماثله ‌لا‌ نفيها ففى هذا التاكيد اخلال بالغرض فان نفى المماثله الموكده المحققه ‌لا‌ يستلزم اصل المماثله، ‌و‌ اجيب: بانها لتاكيد ‌ما‌ سبق له الكلام ‌من‌ حكم التشبيه ‌ان‌ اثباتا فاثبات ‌و‌ ‌ان‌ نفيا فنفى.
 قال السعد التفتازانى: ‌و‌ الاحسن ‌ان‌ ‌لا‌ تجعل الكاف زائده ‌و‌ يكون ‌من‌ باب الكنايه.
 ‌و‌ فيه وجهان:
 احدهما: انه نفى الشى ء بنفى لازمه لان نفى اللازم يستلزم نفى الملزوم كما يقال: ليس لاخى زيد اخ، فاخو زيد ملزوم، ‌و‌ الاخ لازمه، لانه لابد لاخى زيد ‌من‌ اخ ‌هو‌ زيد فنفيت هذا اللازم، ‌و‌ المراد نفى ملزومه ‌اى‌ ليس لزيد اخ اذ لو كان له اخ لكان لذلك الاخ اخ ‌هو‌ زيد فكذا نفيت ‌ان‌ يكون لمثل الله تعالى مثل ‌و‌ المراد نفى مثله تعالى اذ لو كان له مثل لكان ‌هو‌ مثل مثله اذ التقدير انه موجود.
 ‌و‌ الثانى: ‌ما‌ ذكره صاحب الكشاف ‌و‌ ‌هو‌ انهم قد قالوا مثلك ‌لا‌ يبخل، فنفوا البخل عن مثله، ‌و‌ الغرض نفيه عن ذاته، فسلكوا طريق الكنايه قصدا الى المبالغه لانهم اذا نفوه عن مماثله ‌و‌ عمن يكون على اخص اوصافه، فقد نفوه عنه كما يقولون: «قد ايقعت لذاته ‌و‌ بلغت اترابه» يريدون: ايقاعه ‌و‌ بلوغه فحينئذ ‌لا‌ فرق بين قوله: «ليس كالله شى ء» ‌و‌ بين قوله: «ليس كمثله شى ء» الا ‌ما‌ تعطيه الكنايه ‌من‌ فائدتها ‌و‌ هما عبارتان معتنقتان على معنى واحد، ‌و‌ ‌هو‌ نفى المماثله عن ذاته ‌و‌ نحوه: «بل يداه مبسوطتان» فان معناه: بل ‌هو‌ جواد ‌من‌ غير تصور يد ‌و‌ ‌لا‌ بسط، لانها وقعت عباره عن الجود ‌لا‌ يقصدون شيئا آخر حتى انهم استعملوها فيمن ‌لا‌ يدله، فكذلك يستعمل هذا فيمن له مثل، ‌و‌ ‌من‌ ‌لا‌ مثل له، انتهى.
 
قال بعضهم: المثل بمعنى الذات اى: ليس مثل ذاته ذات.
 ‌و‌ قيل: بمعنى الصفه ‌اى‌ ليس مثل صفته صفه فالمثل بمعنى المثل محركا، لان مثلا ‌و‌ مثلا ساكنا ‌و‌ متحركا سواء ‌فى‌ اللغه، كشبه ‌و‌ شبه فمثل هاهنا بمعنى مثل ‌و‌ ‌هو‌ بمعنى الصفه، قال الله تعالى: «للذين ‌لا‌ يومنون بالاخره مثل السوء ‌و‌ لله المثل الاعلى» اى: الصفه العجيبه الشان التى هى مثل ‌فى‌ العلو مطلقا، فيكون المعنى ليس مثل مثله شى ء ‌و‌ ‌هو‌ معنى صحيح.
 ‌و‌ قيل: المراد نفى شبه المثل القاصر، ‌من‌ المثل ‌فى‌ المماثله على ‌ما‌ تقتضيه قانون التشبيه فضلا عن المثل.
 ‌و‌ ذهب بعضهم: الى ‌ان‌ الزائد ‌فى‌ الايه انما ‌هو‌ مثل كما زيدت ‌فى‌ قوله تعالى: «فان آمنوا بمثل ‌ما‌ آمنتم به» ‌و‌ انما زيدت لتفصل الكاف ‌من‌ الضمير.
 قال ابن هشام: ‌و‌ قد يشهد للقائل بزياده مثل ‌فى‌ «بمثل ‌ما‌ آمنتم به» قراءه ابن عباس «بما امنتم به».
 قال الدمامينى: ‌و‌ هى شهاده ‌حق‌ ‌لا‌ كلام ‌فى‌ قبولها.
 ‌و‌ قال بعضهم: انما جمع بين الكاف ‌و‌ المثل لتاكيد النفى تنبيها على انه ‌لا‌ يصح استعمال الكاف ‌و‌ ‌لا‌ المثل فنفى بليس الامرين جميعا، ففيه نظر ظاهر.
 ‌و‌ قيل: الكاف اسم موكد بمثل مضاف اليه كما عكس ذلك ‌من‌ قال:
 بالامس كانوا ‌فى‌ رجاء مامول
 فاصبحوا مثل كعصف ماكول
 فالكاف اسم مضاف اليه مثل، ورد بان مثل هذا ‌فى‌ غايه الندور، ‌و‌ ‌لا‌ ينبغى تخريج القرآن على مثله، ‌و‌ انما لم يكن كمثله شى ء لانه لو كان ذا شبه ‌من‌ خلقه لكان مفتقرا الى موثر ‌و‌ مدبر مثله، ‌و‌ ايضا المثليه: هى الاتفاق بالكيفيه ‌و‌ ‌لا‌ كيفيه
 
له تقدس ‌و‌ تعالى، ‌و‌ الله اعلم.
 قوله عليه السلام: «و ‌لا‌ يعزب عنه علم شى ء» فيه تلميح الى قوله تعالى ‌فى‌ سوره يونس: «و ‌ما‌ يعزب عن ربك ‌من‌ مثقال ذره ‌فى‌ الارض ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ السماء ‌و‌ ‌لا‌ اصغر ‌من‌ ذلك ‌و‌ ‌لا‌ اكبر الا ‌فى‌ كتاب مبين» ‌و‌ قوله تعالى ‌فى‌ سوره سبا: «لا يعزب عنه مثقال ذره ‌فى‌ السموات ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ الارض ‌و‌ ‌لا‌ اصغر ‌من‌ ذلك ‌و‌ ‌لا‌ اكبر الا ‌فى‌ كتاب مبين»، يقال: عزب يعزب عزوبا ‌من‌ باب- قعد-: ‌اى‌ غاب ‌و‌ بعد. ‌و‌ قال العلامه الطبرسى: العزوب: الذهاب عن المعلوم ‌و‌ ضده حضور المعنى للنفس.
 ‌و‌ ‌فى‌ المحكم: عزب عنه حلمه يعزب عزوبا: ذهب ‌و‌ اعزبه الله.
 ‌و‌ قال الفيومى: عزب الشى ء عزوبا ‌من‌ باب- قعد-: بعد ‌و‌ عزب ‌من‌ بابى- قتل- و- ضرب-: غاب ‌و‌ خفى فهو عازب.
 ‌و‌ المعنى ‌لا‌ يغيب ‌و‌ ‌لا‌ يبعد ‌و‌ ‌لا‌ يخفى عن علمه الشامل، ‌او‌ عن ذاته المقدسه علم شى ء كائنا ‌ما‌ كان بلا مشوبه، ‌او‌ ليس الشى ء هنا مصدرا بمعنى المفعول كما قد يتوهم، بل ‌ما‌ يصح ‌ان‌ يعلم ‌و‌ يخبر عنه ‌او‌ ‌ما‌ يصلح له الوجود فيشمل الشائى ‌و‌ المشى ء ليدخل فيه علمه بذاته تعالى.
 قال الراغب: الشى ء اذا وصف الله تعالى ‌به‌ فمعناه شاء، ‌و‌ اذا وصف ‌به‌ غيره فمعناه المشى ء، ‌و‌ عند كثير ‌من‌ المتكلمين: ‌هو‌ اسم مشترك المعنى يستعمل ‌فى‌ الله ‌و‌ ‌فى‌ غيره، انتهى.
 
و ليس ‌هو‌ هنا ‌من‌ باب استعمال المشترك ‌فى‌ معنييه، بل المراد ‌به‌ المعنى العام ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ ذكرناه، فيكون كل ‌من‌ المعنيين فردا حقيقيا له، فان استعمال اللفظ الواحد ‌فى‌ معنيين متغايرين مما ‌لا‌ مساغ له عند المحققين.
 قال بعض العلماء: عدم عزوب شى ء عن علمه تعالى اشاره الى علمه بكليات الاشياء ‌و‌ جزئياتها ‌و‌ عليه اتفاق جمهور المتكلمين ‌و‌ الحكماء، اما المتكلمون فظاهر، ‌و‌ اما المحققون ‌من‌ الحكماء فملخص كلامهم اجمالا ‌فى‌ علمه تعالى انه يعلم ذاته بذاته ‌و‌ يتحد هناك المدرك، ‌و‌ المدرك ‌او‌ الادراك ‌و‌ ‌لا‌ يتعدد الا بحسب الاعتبارات العقليه التى تحدثها العقول البشريه، ‌و‌ اما علمه لمعلولاته القريبه منه فيكون باعيان ذواتها ‌و‌ يتحد هناك المدرك ‌و‌ الادراك ‌و‌ ‌لا‌ يتعددان الا بالاعتبار العقلى ‌و‌ يغايرهما المدرك، ‌و‌ اما لمعلولاته البعيده كالماديات ‌و‌ المعدومات التى ‌من‌ شانها امكان ‌ان‌ توجد ‌فى‌ وقت، ‌او‌ تتعلق بموجود، فيكون بارتسام صورها المعقوله ‌من‌ المعلولات القريبه التى هى المدركات لها اولا ‌و‌ بالذات، ‌و‌ كذلك الى ‌ان‌ ينتهى الى ادراك المحسوسات بارتسامها ‌فى‌ آلات مدركها قالوا: ‌و‌ ذلك لان الموجود ‌فى‌ الحاضر حاضر، ‌و‌ المدرك للحاضر مدرك لما يحضر معه، فاذن ‌لا‌ يعزب عن علمه مثقال ذره ‌فى‌ السموات ‌و‌ الارض ‌و‌ ‌لا‌ اصغر ‌من‌ ذلك ‌و‌ ‌لا‌ اكبر، ‌و‌ تكون ذوات معلولاته القريبه مرتسمه بجميع الصور، ‌و‌ هى التى يعبر عنها تاره بالكتاب المبين ‌و‌ تاره باللوح المحفوظ، انتهى.
 قوله عليه السلام: «و ‌هو‌ بكل شى ء محيط» اقتباس ‌من‌ قوله تعالى ‌فى‌ حم السجده: «الا انه بكل شى ء محيط».
 ‌و‌ الاحاطه بالشى ء: الاستداره ‌به‌ ‌من‌ جوانبه يقال: احاط القوم بالبلد اذا احدقوا ‌به‌ ‌و‌ استداروا بجوانبه، ثم استعمل تاره ‌فى‌ شمول الحفظ ‌و‌ تاره ‌فى‌ شمول
 
العلم ‌و‌ تاره ‌فى‌ استيلاء القدره ‌و‌ شمولها، ‌و‌ فسر بعضهم قوله تعالى: «انه بكل شى ء محيط» بشمول الحفظ.
 قال الراغب: ‌اى‌ حافظ له ‌من‌ جميع جهاته، ‌و‌ فسره بعضهم بشمول العلم فقال: ‌اى‌ عالم ‌به‌ ظاهرا ‌و‌ باطنا جمله ‌و‌ تفصيلا.
 ‌و‌ قيل: بل المراد احاطته علما ‌و‌ قدره معا. ‌و‌ اما قوله تعالى: «احاط بكل شى علما» فتمييزه بالعلم معين له قالوا: ‌و‌ الاحاطه بالشى ء علما ‌هو‌ ‌ان‌ يعلم وجوده ‌و‌ جنسه ‌و‌ قدره ‌و‌ كيفيته ‌و‌ غرضه المقصود ‌به‌ ‌و‌ بايجاده ‌و‌ ‌ما‌ يكون ‌هو‌ منه، ‌و‌ ليس ذلك الا الله تعالى.
 ‌و‌ اما قوله تعالى: «و الله محيط بالكافرين» فالمراد ‌به‌ شمول قدرته لهم، ‌و‌ استيلاء اقتداره عليهم.
 قوله عليه السلام: «و ‌هو‌ على كل شى رقيب» اقتباس ‌من‌ قوله تعالى ‌فى‌ سوره الاحزاب: «و كان الله على كل شى ء رقيبا»، ‌و‌ قد تقدم ‌ان‌ الاقتباس يجوز فيه التغيير، بناء على انه ليس بقرآن حقيقه بل كلام يماثله.
 ‌و‌ الرقيب: فعيل بمعنى فاعل، ‌من‌ رقبه يرقبه ‌من‌ باب- قتل-: ‌اى‌ حفظه، فالرقيب بمعنى الحفيظ.
 ‌و‌ قال الغزالى: ‌هو‌ العليم الحفيظ، فمن راعى الشى ء حتى لم يغفل عنه، ‌و‌ لاحظه ملاحظه لازمه دائمه لزوما بالاضافه الى ممنوع عنه محروس عن التناول فهو الرقيب، ‌و‌ ليس ذلك الا الله تعالى، ‌و‌ الله اعلم.
 
انت: اسم مضمر يدل على المخاطب، فذهب الفراء الى انه بكماله اسم، ‌و‌ التاء ‌من‌ نفس الكلمه، ‌و‌ قال البصريون، الضمير انما ‌هو‌ ان، ‌و‌ التاء حرف خطاب، ‌و‌ قال بعضهم: الضمير ‌هو‌ التاء كانت مرفوعه متصله فلما ارادوا انفصالها دعموها ب«ان» لتستقل لفظا، كما ‌هو‌ مذهب بعض الكوفيين ‌فى‌ اياك ‌و‌ اخواتها، ‌من‌ ‌ان‌ الكاف فيها كانت متصله فلما ارادوا انفصالها جعلوا «ايا» عمادا لها لتستقل لفظا.
 قال الرضى: ‌و‌ ‌ما‌ ارى هذا القول بعيدا عن الصواب ‌فى‌ الموضعين.
 ‌و‌ الجمله ‌من‌ قوله: «لا اله الا انت» اما موكده للجمله قبلها مقرره لمضمونها، ‌او‌ معترضه فلا محل لها ‌من‌ الاعراب، ‌او‌ خبرثان للمبتدا ‌و‌ ‌هو‌ انت، ‌او‌ بدل ‌من‌ الخبر ‌و‌ ‌هو‌ الله فمحلها الرفع، ‌او‌ حال ‌من‌ الاسم الجليل ‌و‌ العامل معنى الجمله على الصحيح فمحلها النصب.
 ‌و‌ الاحد: يحتمل ‌ان‌ يكون نعتا لله ‌و‌ ‌ان‌ يكون خبرا بعد خبر ‌و‌ ‌ان‌ يكون بدلا ‌من‌ الخبر ‌و‌ اصله «وحد» فابدلت الواو همزه.
 ‌و‌ قال مكى: اصله واحد فابدلت الواو همزه، فاجتمع الفان لان الهمزه تشبه الالف فحذفت احداهما تخفيفا.
 قال ابوحاتم: ‌هو‌ اسم اكمل ‌من‌ الواحد، الا ترى انك اذا قلت: فلان
 
لا يقادمه واحد جاز ‌ان‌ يقال: لكن يقادمه اثنان بخلاف قولك: ‌لا‌ يقادمه احد ‌و‌ ‌هو‌ مخصوص باولى العلم دون غيرهم بخلاف الواحد.
 قال بعض المحققين: الاحد اخص ‌من‌ الواحد، لان الواحد مقول بالتشكيك على ‌ما‌ ‌لا‌ ينقسم اصلا، ‌و‌ على ‌ما‌ ينقسم عقلا، ‌و‌ على ‌ما‌ ينقسم حسا بالقوه، ‌و‌ ‌ما‌ ينقسم بالفعل، ‌و‌ كل سابق اولى ‌من‌ اللاحق، ‌و‌ الاحد يختص بالاول ‌و‌ لذلك اختص ‌به‌ تعالى لاختصاصه بالاحديه فلا يشاركه فيها غيره، فهذا ‌لا‌ ينعت ‌به‌ غير الله تعالى فلا يقال: رجل احد.
 ‌و‌ المتوحد: البليغ الوحدانيه كالمتكبر البليغ الكبرياء.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الله الاوحد، ‌و‌ المتوحد ذو الوحدانيه.
 ‌و‌ ‌ما‌ ذكرناه الصق بمدلول الصيغه.
 ‌و‌ قيل: المتوحد: ‌هو‌ المستنكف عن النظير كما قيل: المتكبر: ‌هو‌ الذى تكبر عن كل ‌ما‌ يوجب حاجه ‌او‌ نقصانا، ‌و‌ معنى احديته تعالى انه ‌لا‌ ثانى له ‌فى‌ الوجود ‌و‌ الوجوب ‌و‌ ‌لا‌ كثره ‌فى‌ ذاته ‌و‌ صفاته ذهنا ‌و‌ خارجا، ‌و‌ ‌فى‌ اصطلاح ارباب الحال: الاحد ‌هو‌ اسم الذات باعتبار انتفاء تعدد الصفات ‌و‌ الاسماء ‌و‌ النسب ‌و‌ التعينات عنه تعالى ‌و‌ الاحديه اعتبار الذات مع اسقاط الجميع.
 ‌و‌ الفرد: قيل: ‌هو‌ الوتر ‌و‌ ‌هو‌ الواحد.
 ‌و‌ قال الراغب: الفرد الذى ‌لا‌ يختلط ‌به‌ غيره فهو اعم ‌من‌ الوتر ‌و‌ اخص ‌من‌
 
الواحد، ‌و‌ يقال: ‌فى‌ الله فرد تنبيها على انه خلاف الاشياء كلها ‌فى‌ الازدواج المنبه عليه بقوله تعالى: «و ‌من‌ كل شى ء خلقنا زوجين».
 ‌و‌ قيل: المستغنى عما سواه كما نبه عليه بقوله غنى عن العالمين، ‌و‌ اذا قيل: ‌هو‌ متفرد بوحدانيه فمعناه: ‌هو‌ مستغن عن كل تركيب ‌و‌ ازدواج تنبيها على انه بخلاف الموجودات كلها، انتهى.
 ‌و‌ قيل: الفرد: ‌من‌ ‌لا‌ نظير له، ‌و‌ المتفرد: البليغ الفردانيه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ الذى تفرد بخصوص وجوده تفردا ‌لا‌ يتصور ‌ان‌ يشاركه غيره فيه فهو الفرد المطلق ازلا ‌و‌ ابدا، ‌و‌ المخلوق انما يكون فردا اذا لم يكن له ‌فى‌ ابناء جنسه نظير ‌فى‌ خصله ‌من‌ خصال الخير ‌و‌ ذلك بالاضافه الى ابناء جنسه ‌و‌ بالاضافه الى الوقت، اذ يمكن ‌ان‌ يظهر ‌فى‌ وقت آخر مثله، ‌و‌ بالاضافه الى بعض الخصال دون الجميع فلا فردانيه على الاطلاق الا لله تعالى.
 
و الكريم: ذو الكرم ‌و‌ الجود.
 قال الراغب: اذا وصف الله بالكرم فهو اسم لاحسانه ‌و‌ نعمه المتظاهره انتهى.
 ‌و‌ قد يستعمل الكرم بمعنى انتفاء النقائص عن الشى ء، ‌و‌ اتصافه بجميع المحامد، ‌و‌ هذا المعنى صحيح ‌فى‌ وصفه تعالى.
 ‌و‌ المتكرم: البليغ الكرم ‌او‌ المتنزه عما ‌لا‌ يليق بجنابه الاقدس ‌من‌ قولهم: تكرم عنه بمعنى تنزه.
 ‌و‌ العظيم: الذى جاوز حدود العقول ‌ان‌ تقف على صفات كماله ‌و‌ نعوت جلاله، ‌و‌ اصل العظم ‌فى‌ الاجسام ثم استعمل ‌فى‌ مدركات البصائر، ‌و‌ هى متفاوته ‌فى‌ العظم تفاوت الاجسام، فما ‌لا‌ يتصور ‌ان‌ يحيط العقل اصلا بكنه حقيقته ‌و‌ صفته
 
منها فهو العظيم المطلق ‌و‌ ‌هو‌ الله تعالى.
 ‌و‌ المتعظم: البليغ العظمه ‌او‌ المستنكف ‌ان‌ يكون له نظير ‌فى‌ عظمته.
 ‌و‌ الكبير: ‌هو‌ الذى كل شى ء دونه لكمال وجوده ‌و‌ كمال الوجود يرجع الى شيئين:
 احدهما: دوامه ازلا ‌و‌ ابدا، فكل وجود مقطوع سابقا ‌او‌ لاحقا فهو ناقص، ‌و‌ لذلك يقال: للانسان اذا طالت مده وجوده انه كبير: ‌اى‌ كبير السن طويل مده البقاء، ‌و‌ ‌لا‌ يقال: عظيم السن، فالكبير يستعمل فيما ‌لا‌ يستعمل فيه العظيم، فان كان ‌ما‌ طال وجوده مع كونه محدودا ‌و‌ مده البقاء كبيرا، فالدائم الازلى ‌و‌ الابدى الذى يستحيل عليه العدم اولى بان يكون كبيرا.
 ‌و‌ الثانى: ‌ان‌ وجوده ‌هو‌ الوجود الذى يصدر عنه وجود كل موجود، فان كان الذى تم وجوده ‌فى‌ نفسه كاملا ‌و‌ كبيرا فالذى حصل منه الوجود لجميع الموجودات احق ‌ان‌ يكون كاملا ‌و‌ كبيرا.
 ‌و‌ المتكبر: ذو الكبرياء ‌و‌ العظمه ‌و‌ الجبروت، فهو الذى يرى الكل حقيرا بالاضافه الى ذاته، ‌و‌ ‌لا‌ يرى الكمال ‌و‌ الشرف ‌و‌ العز الا لنفسه، فان كانت هذه الرويه صادقه كان التكبر حقا محمودا ‌و‌ كان صاحبها جديرا بان يتكبر حقا، ‌و‌ ‌لا‌ يتصور ذلك على الاطلاق الا لله تعالى، ‌و‌ ‌ان‌ كان ذلك الراى باطلا ‌و‌ لم يكن ‌ما‌ يراه ‌من‌ التفرد بالعظمه كما يراه كان التكبر باطلا مذموما، ‌و‌ كل ‌من‌ راى العظمه ‌و‌ الكبرياء لنفسه على الخصوص دون غيره كانت رويته كاذبه ‌و‌ نظره باطلا الا الله تعالى.
 
و العلى: الذى رتبته اعلى المراتب العقليه ‌و‌ هى رتبه العليه فان ذاته المقدسه هى مبدء كل موجود حسى ‌و‌ عقلى، ‌و‌ علته التامه المطلقه التى ‌لا‌ يتصور فيها النقصان بوجه ‌ما‌ كما تقدم بيانه.
 ‌و‌ المتعال: المبالغ ‌فى‌ العلو، ‌او‌ المستعلى على كل شى ء بقدرته، ‌او‌ المتنزه عن
 
نعوت المخلوقات، ‌و‌ عن كل ‌ما‌ ‌لا‌ يجوز عليه ‌فى‌ ذاته ‌و‌ صفاته ‌و‌ افعاله.
 الشديد المحال: ‌اى‌ الاخذ بالعقاب، يقال: ماحله محالا ‌و‌ مماحله مثل قاتله قتالا ‌و‌ مقاتله: اذا قاواه حتى يتبين ايهما اشد ‌و‌ اقوى، ‌او‌ معناه: شديد المكر ‌و‌ الكيد لاعدائه، ‌و‌ المحال ‌و‌ المماحله: شده المماكره.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌من‌ محل ‌به‌ محلا ‌و‌ محالا اذا اراده بسوء، ‌و‌ منه محل بفلان اذا سعى ‌به‌ الى السلطان ‌و‌ قد اختلفت عبارات المفسرين ‌فى‌ قوله تعالى: «و ‌هو‌ شديد المحال » فعن على عليه السلام: شديد الاخذ، ‌و‌ قال مجاهد ‌و‌ قتاده: شديد القوه، ‌و‌ قال الحسن: شديد النقمه، ‌و‌ قال الجبائى: شديد الكيد للكفار، ‌و‌ قيل: شديد القدره، ‌و‌ قيل: شديد الحقد.
 ‌و‌ معناه راجع الى اراده ايصال الشر الى مستحقه مع اخفاء تلك الاراده عنه ‌و‌ الله اعلم.
 
الرحمن الرحيم: صفتان مشبهتان عند الجمهور بنيتا للمبالغه ‌من‌ رحم بعد جعله لازما بمنزله الغرائز بنقله الى رحم بالضم، لان الصفه المشبهه ‌لا‌ تجى ء الا ‌من‌ لازم، ‌و‌ افاده الصفه المشبهه للمبالغه لدلالتها على الثبوت ‌و‌ الاستمرار، ‌و‌ نص سيبويه: على ‌ان‌ الرحيم ليس بصفه مشبهه، بل اسم فاعل بنى للمبالغه لقولهم ‌هو‌ رحيم فلانا، ‌و‌ ‌لا‌ ينافى دعوى المبالغه ‌ما‌ اجمع عليه العلماء ‌من‌ ‌ان‌ فعالا ‌و‌ فاعلا ‌و‌ نحوهما ‌فى‌ صفاته تعالى سواء، لان مرادهم ‌ان‌ ‌لا‌ تفاوت بينها بالنظر الى اصل الصفه، ‌و‌ ذلك
 
لا ينافى حصول التفاوت باعتبار خارج عنها.
 ‌و‌ الرحمه: لغه رقه القلب ‌و‌ عطفه، ‌و‌ منه الرحم لعطفها على ‌ما‌ فيها، ‌و‌ المراد بها هنا التفضل ‌و‌ الاحسان، ‌او‌ ارادتهما بطريق اطلاق السبب بالنسبه الينا على مسببه البعيد ‌او‌ القريب، فان اسماءه تعالى توخذ باعتبار الغايات التى هى افعال دون المبادى التى هى انفعالات.
 ‌و‌ الرحمن: ابلغ ‌من‌ الرحيم لكثره حروفه مختص بالله ‌لا‌ بطريق العلميه لجريانه وصفا، ‌و‌ اطلاقه على غيره تعالى كفر، ‌و‌ مبالغته اما بالكميه لكثره افراد الرحمه، ‌او‌ افراد المرحوم، ‌او‌ بالكيفيه لتخصيصه بجلائل النعم ‌و‌ اصولها، ‌او‌ المستمره، ‌و‌ تقديمه على الرحيم لاختصاصه ‌به‌ تعالى. ‌و‌ قد تقدم الكلام على رحمته تعالى بابسط ‌من‌ هذا.
 ‌و‌ العليم: ‌اى‌ العالم بجميع المعلومات ‌و‌ ‌هو‌ مبالغه العالم.
 قال سيبويه: اذا ارادوا المبالغه عدلوا الى فعيل نحو عليم ‌و‌ رحيم.
 ‌و‌ ايثار المبالغه لكمال علمه، ‌و‌ ‌هو‌ احاطته علما بكل شى ء ظاهره ‌و‌ باطنه، دقيقه ‌و‌ جليله، اوله ‌و‌ آخره، ‌و‌ هذا ‌من‌ حيث المشاهده ‌و‌ الكشف على اتم ‌ما‌ يمكن فيه بحيث ‌لا‌ يتصور مشاهده ‌و‌ كشف اظهر منه.
 ‌و‌ الحكيم: ‌اى‌ العالم بالاشياء، ‌و‌ ايجادها على غايه الاحكام.
 ‌و‌ قيل: العالم بحقائق الاشياء ‌و‌ اوصافها ‌و‌ خواصها ‌و‌ احكامها على ‌ما‌ هى عليه، ‌و‌ ضابط نظام الموجودات باحكم الاسباب ‌و‌ رابط الاسباب بالمسببات ‌و‌ جاعل الوسائط مع قدرته على الافعال ابتداء.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ بمعنى المحكم لافعاله ‌و‌ منه: «كتاب احكمت آياته» فهو فعيل
 
بمعنى مفعل.
 قال الطبرسى: ‌و‌ معناه ‌ان‌ افعاله كلها حكمه ‌و‌ صواب ‌و‌ ليس فيها تفاوت ‌و‌ ‌لا‌ وجه ‌من‌ وجوه القبيح، فان فسر بمعنى العالم فهو ‌من‌ صفات الذات، ‌و‌ ‌ان‌ فسر بمعنى المحكم فهو ‌من‌ صفات الافعال.
 
و السميع: ‌هو‌ الذى ‌لا‌ يعزب عن ادراكه مسموع ‌و‌ ‌ان‌ خفى فيسمع السر ‌و‌ النجوى، بل ‌ما‌ ‌هو‌ ادق ‌و‌ اخفى، ‌و‌ لما كان سبحانه منزها عن الجسميه ‌و‌ لو احقها فالسمع ‌فى‌ حقه عباره عن ادراكه كمال المسموعات.
 ‌و‌ البصير: ‌هو‌ الذى يشاهد ‌و‌ يرى حتى ‌لا‌ يعزب عنه ‌ما‌ تحت الثرى، ‌و‌ بصره تعالى عباره عن ادراكه كمال المبصرات، ‌و‌ ‌هو‌ اوضح ‌و‌ اجلى مما يفهم ‌من‌ ادراك البصر القاصر على ظواهر المرئيات.
 ‌و‌ ‌فى‌ حديث اهل البيت عليهم السلام: سمينا ربنا سميعا لانه ‌لا‌ يخفى عليه ‌ما‌ يدرك بالاسماء ‌و‌ سميناه بصيرا لانه ‌لا‌ يخفى عليه ‌ما‌ يدرك بالابصار
 ‌و‌ قال المحقق الطوسى: لما كان السمع ‌و‌ البصر الطف الحواس ‌و‌ اشدها مناسبه للعقل عبربهما عن العلم، ‌و‌ لاجل ذلك وصفوا البارى تعالى: بالسميع ‌و‌ البصير دون الشام ‌و‌ الذائق ‌و‌ اللامس ‌و‌ عنوابهما العالم بالمسموعات ‌و‌ المبصرات انتهى.
 ‌و‌ القديم: ‌اى‌ الموجود الذى ‌لا‌ يكون وجوده ‌من‌ غيره، ‌و‌ بعباره اخرى ‌ما‌ ‌لا‌ يحتاج ‌فى‌ وجوده ‌فى‌ وقت ‌ما‌ الى غيره، ‌و‌ ‌هو‌ يستلزم الوجوب، فهو بهذا المعنى الواجب تعالى، ‌و‌ قد يفسر بما ‌لا‌ اول لوجوده ‌و‌ ‌هو‌ صحيح ايضا ‌و‌ يرادفه الازلى، ‌و‌ بعباره اخرى ‌ما‌ لم يسبق وجوده عدمه ‌و‌ قسم المتكلمون القديم: الى قديم بالذات، ‌و‌ قديم بالزمان،
 
فالاول: ‌ما‌ كان غير محتاج ‌فى‌ وجوده الى غيره.
 ‌و‌ الثانى: ‌ما‌ كان وجوده غير مسبوق بالعدم، ‌و‌ يقابله المحدث بالزمان ‌و‌ ‌هو‌ الذى سبق عدمه وجوده سبقا زمانيا، ‌و‌ على هذا فكل قديم بالذات قديم بالزمان ‌من‌ غير عكس، فالقديم بالذات اخص ‌من‌ القديم بالزمان.
 قال المليون: ‌و‌ قد استاثر تعالى بالقدم الزمانى كما اختص بالذاتى، ‌و‌ قد يطلق القديم ‌و‌ يراد ‌به‌ الذى يكون ‌ما‌ مضى ‌من‌ زمان وجوده اكثر مما مضى ‌من‌ زمان وجود شى ء آخر، ‌و‌ ‌هو‌ بهذا المعنى ‌لا‌ يجوز اطلاقه عليه تعالى لتنزهه عن الزمان ‌و‌ توابعه.
 
 تنبيه
 
 ‌فى‌ وصفه تعالى بالقديم ‌فى‌ عباره الدعاء ‌رد‌ لما قاله الراغب ‌فى‌ المفردات: ‌من‌ انه لم يرد ‌فى‌ شى ء ‌من‌ القرآن ‌و‌ الاثار الصحيحه القديم وصفا لله تعالى ‌و‌ المتكلمون يستعملونه ‌و‌ يصفونه تعالى به، ‌و‌ ‌فى‌ المواقف ‌و‌ شرحه: يوصف بالقديم ذات الله تعالى اتفاقا ‌من‌ الحكماء ‌و‌ اهل المله، ‌و‌ توصف ‌به‌ ايضا صفاته فانهم اجمعوا على ‌ان‌ لله سبحانه صفات موجوده قديمه قائمه بذاته.
 ‌و‌ اما المعتزله: فانكروا ‌ان‌ يوصف بالقدم ‌ما‌ سوى الله، سواء كان صفه له ‌او‌ لم يكن، انتهى ملخصا.
 ‌و‌ الخبير: ‌هو‌ الذى ‌لا‌ تعزب عنه الاخبار الباطنه فلا يجرى ‌فى‌ الملك ‌و‌ الملكوت شى ء ‌و‌ ‌لا‌ تتحرك ذره ‌و‌ ‌لا‌ تسكن ‌و‌ ‌لا‌ تضطرب نفس ‌و‌ ‌لا‌ تطمئن الا ‌و‌ يكون عنده خبره، ‌و‌ ‌هو‌ بمعنى العليم، لكن العلم اذا اضيف الى الخفايا الباطنه سمى خبره
 
و سمى صاحبها خبيرا، فهو اخص ‌من‌ مطلق العليم.
 
و الاكرم: ‌اى‌ الاعظم كرما كما قال تعالى: «و ربك الاكرم».
 قال الطبرسى: ‌هو‌ الذى ‌لا‌ يبلغه كرم كريم، لانه يعطى ‌من‌ النعم ‌ما‌ ‌لا‌ يقدر على مثله غيره، ‌و‌ كل نعمه انما توجد ‌من‌ جهته تعالى اما بان يكون اخترعها ‌او‌ سببها ‌و‌ سهل الطريق اليها.
 ‌و‌ الدائم: ‌هو‌ الذى ‌لا‌ ينتهى تقدير وجوده ‌فى‌ المستقبل الى آخر، ‌و‌ يعبر عنه بانه ابدى، كما ‌ان‌ القديم ‌هو‌ الذى ‌لا‌ ينتهى تمادى وجوده ‌فى‌ الماضى الى اول، ‌و‌ يعبر عنه بانه ازلى، ‌و‌ هذا انما ‌هو‌ بحسب اضافه الوجود ‌فى‌ الذهن الى الماضى ‌و‌ المستقبل، ‌و‌ الا فهو سبحانه منزه عن الزمان ‌و‌ ليس للزمان عليه جريان.
 قال بعض المحققين: اذا ‌لا‌ حظنا صانع العالم ‌و‌ ‌لا‌ حظنا معه انه ‌لا‌ اول لوجوده تعالى ‌و‌ انه ‌لا‌ آخر له ينتزع منه العقل امرا ممتدا غير قار الذات يشبه الزمان ‌و‌ ليس بزمان حقيقه ‌و‌ بهذا الاعتبار اطلق عليه سبحانه الازليه، ‌و‌ هى اسم اشتق الماضى منه، ‌و‌ الابديه ‌و‌ هى اسم اشتق المستقبل منه ‌و‌ السرمديه ‌و‌ هى اسم لمجموع الامرين.
 ‌و‌ الادوم: ‌اى‌ البليغ الدوام، ‌و‌ افعل هنا مجرد عن معنى التفضيل اذ ‌لا‌ يقاس بدوامه سبحانه دوام دائم فيفضل عليه، ‌و‌ قد تقدم ‌فى‌ اول الروضه الاولى ‌ان‌ افعل قد يقصد ‌به‌ تجاوز صاحبه ‌و‌ تباعده عن غيره ‌فى‌ الفعل ‌لا‌ بمعنى تفضيله بعد المشاركه ‌فى‌ اصل الفعل فيفيد عدم وجود اصل الفعل فيحصل كمال التفضيل، ‌و‌ هذا ‌هو‌ المقصود بافعل ‌فى‌ صفاته تعالى ‌و‌ لك ‌ان‌ تريد بالدوام طول البقاء مطلقا فتحقق المشاركه ‌و‌ يصح التفضيل، ‌و‌ الله اعلم.
 
الاوليه ‌و‌ الاخريه: امران اعتباريان اضافيان تحدثهما العقول لذاته المقدسه، ‌و‌ ذلك انك اذا ‌لا‌ حظت ترتيب الوجود ‌فى‌ سلسله الحاجه اليه سبحانه وجدته تعالى بالاضافه اليها اول، اذ كان انتهاوه ‌فى‌ سلسله الحاجه الى غنائه المطلق، فهو اول بالعليه ‌و‌ الذات ‌و‌ الشرف، ‌و‌ اذ ليس بذى مكان فالتقدم بالمكان منفى عنه، ‌و‌ الزمان متاخر عنه اذ ‌هو‌ ‌من‌ لواحق الحركه المتاخره عن الجسم المتاخر عن علته، فلم يلحقه القبليه الزمانيه فضلا عن ‌ان‌ يسبق عليه، فكان قبل كل شى ء ‌و‌ لم يكن شى ء قبله مطلقا لامن الزمانيات، ‌و‌ ‌لا‌ ‌من‌ غيرها، ‌و‌ لما كان كل موجود سواه ممكن العدم فله ‌من‌ ذاته ‌ان‌ ‌لا‌ يستحق وجودا، فضلا عن ‌ان‌ يستحق الاخريه ‌و‌ البعديه المطلقه، ‌و‌ ‌هو‌ تعالى واجب لذاته فهو المستحق لبعديه الوجود ‌و‌ اخريته لذاته، ‌و‌ بالقياس الى كل موجود فاذن ‌هو‌ الاول المطلق الذى ‌لا‌ احد ‌و‌ ‌لا‌ شى ء قبله، ‌و‌ الاخر المطلق الذى ‌لا‌ شى ء بعده، ‌و‌ المراد بالعدد هنا المعدود ‌و‌ ‌هو‌ يشمل كل ‌ما‌ سوى الله تعالى، اذ ‌لا‌ ممكن الا ‌و‌ يلحقه العد ‌و‌ ‌هو‌ جعله مبدء كثره يصلح ‌ان‌ يعد بها ‌و‌ يكون معدودا بالنسبه اليها، لان كل ممكن مركب، اذ ‌لا‌ اقل فيه ‌من‌ الامكان ‌و‌ الوجود ‌او‌ الجنس ‌و‌ الفصل ‌او‌ الماده ‌و‌ الصوره، ‌و‌ لذلك قيل: كل ممكن زوج تركيبى، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون معنى الاخر بعد كل عدد انتهاء الممكنات اليه اذا عدت ‌و‌ رتبت سلسلتها ‌من‌ الابد الى الازل، كما تقدم بيانه ‌فى‌ الروضه الاولى ‌و‌ الله اعلم.
 
الدنو: القرب ‌و‌ اصله ‌فى‌ المسافه ‌و‌ المكان، يقال: دنوت منه دنوا اذا قربت منه مكانا، ‌و‌ اذ ليس المراد ‌به‌ هنا هذا المعنى لتقدسه سبحانه عن الجسميه التى هى ‌من‌
 
لوازم المكان، فالمراد بدنوه تعالى: دنوه ‌من‌ كل شى ء بحسب علمه الذى ‌لا‌ يعزب عنه مثقال ذره ‌فى‌ الارض ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ السماء، ‌و‌ بهذا الاعتبار ‌هو‌ ادنى الى كل شى ء ‌من‌ نفسه، لانه تعالى ‌هو‌ الموجد له ‌و‌ العالم به.
 ‌و‌ قيل: المراد بدنوه دنوه ‌و‌ قربه بالايجاد ‌و‌ التدبير ‌و‌ الحفظ ‌و‌ الكلاءه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ تمثيل لحاله تعالى ‌فى‌ سرعه اجابته لمن دعاه، ‌و‌ انجاحه حاجه ‌من‌ ساله ‌و‌ رجاه بحال ‌من‌ دنا ‌و‌ قرب مكانه، فاذا دعى اسرعت اجابته.
 ‌و‌ قال النظام النيسابورى: ‌لا‌ ذره ‌من‌ ذرات العالم الا ‌و‌ نور الانوار محيط بها، قاهر عليها، قريب منها، اقرب ‌و‌ ادنى ‌من‌ وجودها اليها، ‌لا‌ بمجرد العلم فقط، ‌و‌ ‌لا‌ بمعنى الصنع ‌و‌ الايجاد فقط، بل بضرب آخر ‌لا‌ يكشف المقال عنه، الا الخيال مع ‌ان‌ التعبير عن ذلك يوجب شنعه الجهال.
 ‌و‌ «فى» ‌من‌ قوله: «فى علوه ‌و‌ ‌فى‌ دنوه» للمصاحبه، ‌اى‌ مع علوه ‌و‌ دنوه، ‌و‌ قد سبق ‌ان‌ علوه تعالى باعتبار كونه مبدا كل موجود ‌و‌ مرجعه، فهو العلى المطلق الذى ‌لا‌ اعلى منه ‌فى‌ وجوده ‌و‌ كمال مرتبته اشرف، فعلوه علو عقلى، فلا ينافى دنوه بالمعنى المذكور، فصح انه دان مع علوه، ‌و‌ عال مع دنوه، ‌لا‌ كما ‌هو‌ حال ‌ما‌ عداه ‌من‌ استحاله اجتماع العلو ‌و‌ الدنو فيه، فان غيره اذا استعلى على شى ء كان غير دان منه، ‌و‌ اذا دنى ‌من‌ شى ء كان غير عال عليه، فلم يكن دانيا مع علوه، ‌و‌ عاليا مع دنوه، ‌و‌ ‌فى‌ تعبيره عليه السلام بذلك ايهام الجمع بين الضدين، لتنزعج النفوس السليمه عند انكار الوهم، لاجتماع العلو ‌و‌ الدنو ‌فى‌ شى ء واحد، فتتوجه الى تعميم المقصود به، ‌و‌ تطلع على عظمه الحق سبحانه، مع ‌ما‌ ‌فى‌ ذلك ‌من‌ ادماج الاشاره الى انه ليس بزمان ‌و‌ زمانى ‌و‌ ‌لا‌ مكان ‌و‌ مكانى، اذ ‌لا‌ يمكن اتصاف شى ء منها
 
بالدنو ‌و‌ العلو معا ‌فى‌ حاله واحده.
 
و البهاء: ‌ما‌ يملا العين ‌من‌ الحسن ‌و‌ الجمال، يقال: بها يبهو مثل علا يعلو بهاء اذا ملا العين حسنه ‌و‌ جماله، ‌و‌ قد يستعمل ‌فى‌ حسن الهيئه، ‌و‌ بهاء الله تعالى: عظمته لكونها ملات القلوب ‌و‌ البصائر، ‌و‌ جاوزت حدود العقول ‌ان‌ تقف على صفات جلالها، ‌و‌ نعوت كمالها.
 ‌و‌ المجد: السعه ‌فى‌ الكرم ‌و‌ الجلاله، ‌و‌ مجده تعالى: سعه فيضه، ‌و‌ كثره جوده ‌و‌ عظمه جلاله.
 ‌و‌ الكبرياء: الترفع ‌و‌ الاستنكاف عن الطاعه ‌و‌ الانقياد، ‌و‌ هى صفه ‌لا‌ يستحقها غير الله تعالى ‌و‌ لذلك ورد ‌فى‌ الحديث: الكبرياء ردائى ‌و‌ العظمه ازارى، فمن نازعنى ‌فى‌ شى ء منهما قصمته.
 ‌و‌ الحمد: الثناء بالفضيله، ‌و‌ لما كانت الكبرياء ‌فى‌ غيره تعالى مستلزمه للذم عطف عليها الحمد ايذانا بانها ‌من‌ الصفات التى ‌لا‌ تليق بغيره سبحانه، ‌و‌ ‌لا‌ يحمد على الاتصاف بها سواه، ‌و‌ الله اعلم.
 
لما كان الموصول مخبرا ‌به‌ عن ضمير المخاطب ‌فى‌ المواضع الثلاثه، جعل العائد اليه ضمير خطاب فيها حملا على المعنى، ‌من‌ حيث ‌ان‌ الموصول مخبر ‌به‌ عنه، ‌و‌ نحوه قول الفرزدق:
 ‌و‌ انت الذى يلوى الجنود رووسها
 اليك ‌و‌ للايتام انت طعامه
 فجعل العائد ضمير «اليك» حملا على المعنى، ‌و‌ ‌هو‌ كثير ‌فى‌ كلامهم، ‌و‌ ‌ان‌ كان ضمير الغيبه اكثر رعايه للموصول ‌من‌ حيث انه ‌من‌ قبيل الظاهر ‌و‌ طريقه
 
الغيبه.
 ‌و‌ الانشاء: احداث الشى ء ‌و‌ ايجاده، يقال: نشا الشى ء نشاء مهموزا ‌من‌ باب- نفع -: ‌اى‌ حدث، ‌و‌ انشاته، انشاء: احدثته، ‌و‌ الاسم النشاءه كتمره، ‌و‌ قيل: الانشاء الايجاد الذى لم يسبق غير الموجد الى ايجاد مثله.
 ‌و‌ السنخ ‌من‌ كل شى ء: اصله، ‌اى‌ ‌من‌ غير اصل يكون مبدا لانشاء الاشياء ‌و‌ ايجادها غير مخلوق له فيكون شريكا له ‌فى‌ المبدئيه، ‌و‌ فيه ‌رد‌ على الفلاسفه حيث زعموا ‌ان‌ الاجسام لها اصل قديم ازلى هى الماده، فيلزمهم القول بثبوت قديم غيره تعالى مشارك له ‌فى‌ المبدئيه، ‌و‌ ‌هو‌ محال.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: ‌من‌ غير شبح محركه بالشين المعجمه ‌و‌ الموحده ‌من‌ تحت، ‌و‌ بعدها حاء مهمله: ‌و‌ ‌هو‌ الشخص بمعنى الجسم المولف المدرك بالرويه ‌و‌ الحس، ‌و‌ كان المراد ‌به‌ مواد الجسميات ‌او‌ مطلق الماده توسعا، ‌و‌ هى ‌ما‌ يحصل الشى ء معه بالقوه، ‌و‌ مثل هذه العباره قول اميرالمومنين عليه السلام ‌فى‌ خطبه له: لم يخلق الاشياء ‌من‌ اصول ازليه، ‌و‌ ‌لا‌ ‌من‌ اوائل ابديه.
 ‌و‌ صورت الشى ء تصويرا: جعلت له صوره، ‌و‌ الصوره هيئه حاصله للشى ء عند ايقاع التاليف بين اجزائه، ‌و‌ الحكماء جعلوا الصوره نوعين:
 صوره النوعيه: ‌و‌ تسمى بالطبيعيه، ‌و‌ هى التى تختلف بها الاجسام انواعا ‌و‌ رسموها بانها جوهر بسيط ‌لا‌ يتم وجوده بالفعل دون ‌ما‌ ‌حل‌ فيه.
 
و صوره جسميه: ‌و‌ رسموها بانها جوهر ‌من‌ شانه ‌ان‌ يخرج ‌به‌ محله ‌من‌ القوه الى الفعل.
 ‌و‌ قال الراغب: الصوره ‌ما‌ تنتقش ‌به‌ الاعيان، ‌و‌ تتميز ‌به‌ عن غيرها ‌و‌ هى ضربان:
 احدهما: محسوس تدركه الخاصه ‌و‌ العامه، بل يدركه الانسان ‌و‌ كثير ‌من‌ الحيوان، كصوره الانسان ‌و‌ الفرس ‌و‌ الحمار بالمعاينه.
 ‌و‌ الثانى: معقول تدركه الخاصه دون العامه، كالصوره التى اختص بها الانسان ‌من‌ العقل ‌و‌ الرويه، ‌و‌ المعانى التى خص بها شى ء فشى ‌و‌ الى الصورتين اشار بقوله تعالى: «خلقناكم ثم صورناكم» ‌و‌ «صوركم فاحسن صوركم» «فى ‌اى‌ صوره ‌ما‌ شاء ركبك» «هو الذى يصوركم ‌فى‌ الارحام كيف يشاء».
 ‌و‌ بالجمله فالمراد بقوله عليه السلام: «و صورت ‌ما‌ صورت» ‌ما‌ يشمل انواع الصور، نوعيه كانت ‌او‌ جسميه ‌او‌ شخصيه، ‌و‌ عنصريه كانت ‌او‌ فلكيه.
 ‌و‌ المثال: بالكسر مصدر ماثله مماثله ‌و‌ مثالا، كقاتله مقاتله ‌و‌ قتالا، ‌اى‌ مشابها ثم استعمل ‌فى‌ وضع شى ء ‌ما‌ ليحتذى ‌به‌ فيما يعمل، ‌او‌ مقابله شى ء بشى ء، ‌و‌ ‌هو‌ نظيره ‌و‌ المعنى: انه تعالى افاض الصور على المصورات ابتداء ‌و‌ اختراعا ‌من‌ غير مثال احتذى عليه ‌من‌ خالق كان قبله، ‌و‌ ايثار تعريف المفعول بالموصوليه للتفخيم، ‌اى‌ صورت ‌ما‌ صورت ‌من‌ الاشياء التى ‌لا‌ يقدر على عدها ‌و‌ وصفها، كقول الشاعر:
 ‌و‌ بلغت ‌ما‌ بلغ امرو بشبابه
 فاذا عصاره كل ذاك اثام
 ‌و‌ ابتداع الشى ء: صنعته ‌و‌ ايجاده ‌و‌ احداثه.
 ‌و‌ احتذيت ‌به‌ احتذاء: اقتديت ‌به‌ ‌فى‌ فعله، ‌و‌ الظرف ‌فى‌ محل نصب حالا ‌من‌ الفاعل، ‌اى‌ احدثت المحدثات ‌و‌ اوجدت الموجودات ‌من‌ غير اقتداء منك لموجد
 
و محدث قبلك صنعت كصنعه.
 
و تقديره كل شى ء عباره عن ايجاده لجميع الاشياء على وفق قضائه كلا بمقدار معلوم، ‌او‌ اعطائه لكل موجود المقدار الذى يستحقه ‌من‌ الكمال ‌من‌ الوجود ‌و‌ لواحق الوجود كالاجل ‌و‌ الرزق ‌و‌ نحوهما على وفق القضاء الالهى.
 ‌و‌ قال الراغب: تقدير الله تعالى للاشياء على وجهين:
 احدهما: باعطاء القدره.
 ‌و‌ الثانى: بان يجعلها على مقدار مخصوص، ‌و‌ وجه مخصوص حسبما اقتضته الحكمه، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ فعل الله ضربان:
 ضرب: اوجده بالفعل بان ابدعه كاملا دفعه ‌لا‌ يعتريه الكون ‌و‌ الفساد الى ‌ان‌ يشاء ‌ان‌ يفنيه ‌او‌ يبدله كالسموات ‌و‌ ‌ما‌ فيها.
 ‌و‌ ضرب: جعل اصوله موجوده بالفعل، ‌و‌ اجزاوه بالقوه، ‌و‌ قدره على وجه ‌لا‌ يتاتى غير ‌ما‌ قدره فيه، كتقديره ‌فى‌ النواه ‌ان‌ ينبت منها النخل دون التفاح ‌و‌ الزيتون، ‌و‌ تقديره منى الادمى ‌ان‌ يكون منه الانسان دون سائر الحيوانات، فتقدير الله على وجهين:
 احدهما: بالحكم منه ‌ان‌ يكون كذا ‌او‌ ‌لا‌ يكون كذا، اما على سبيل الوجوب، ‌او‌ على سبيل الامكان، ‌و‌ على ذلك قوله تعالى: «قد جعل الله لكل شى ء قدرا».
 ‌و‌ الثانى: باعطاء القدره ‌و‌ عليه «فقدرنا فنعم القادرون» ‌و‌ قرى «فقدرنا» بالتشديد، ‌و‌ ذلك منه ‌او‌ ‌من‌ اعطاء القدره انتهى.
 ‌و‌ قوله: تقديرا: مصدر موكد لعامله باعتبار حدثه المفهوم منه مطابقه، ‌اى‌ تقديرا بليغا ‌لا‌ يكتنه كنهه، ‌و‌ ‌لا‌ يوصف شانه.
 
و تيسير الشى ء تهيته لما يراد منه يقال: يسر الفرس للركوب اذا اسرجه، ‌و‌ الجمه ليركب، ‌و‌ منه قوله تعالى: «فسنيسره لليسرى».
 ‌اى‌ فسنهيئه للطريقه اليسرى، ‌و‌ اصله ‌من‌ التيسير بمعنى التسهيل لان الشى ء اذا هيى سهل استعماله، ‌و‌ المعنى انه تعالى هيا كل شى ء لما خلق له فهيا الشمس سراجا، ‌و‌ القمر نورا، ‌و‌ النهار للنشور، ‌و‌ الليل للسكون، ‌و‌ الفلك للدوران، ‌و‌ الماء للسقيان، ‌و‌ النار للاحراق، ‌و‌ الخيل للركوب، ‌و‌ الابل للحمل، ‌و‌ البقر للحرث، الى غير ذلك، ‌و‌ ‌فى‌ هذا اشاره الى قول النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ‌و‌ سلم: «كل ميسر لما خلق له».
 ‌و‌ تدبيره تعالى: يعود الى تصريفه لجميع الذوات ‌و‌ الصفات تصريفا كليا ‌و‌ جزئيا على وفق حكمته ‌و‌ عنايته، ‌و‌ لما ثبت بالبرهان وحدانيته، ‌و‌ كمال قدرته التى ‌لا‌ يعجز عن شى ء، لاجرم ثبت انه لم يكن له شريك فيعينه على خلقه.
 
قوله عليه السلام: «و لم يوازرك ‌فى‌ امرك وزير» المراد بالامر هنا: حكم القدره الالهيه على الممكنات بالوجود، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون بمعنى الشان، ‌اى‌ لم يحاملك ‌فى‌ حكمك ‌او‌ شانك.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: الوزر ‌هو‌ الحمل الثقيل، ‌و‌ وزره يزره حمله ‌هو‌ ‌و‌ آزره ‌و‌ وازره حامله، ‌و‌ ‌هو‌ موازره ‌و‌ وزيره، كقولك مجالسه ‌و‌ جليسه، ‌و‌ ‌هو‌ وزير الملك الذى يوازره اعباء الملك ‌اى‌ يحامله، ‌و‌ ليس ‌من‌ الموازره بمعنى المعاونه، لان واوها عن همزه، ‌و‌ فعيل منها ازير.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: الموازره المعاونه ‌و‌ بالواو شاذ انتهى.
 فمن فسر الموازره بمعنى المعاونه كما وقع ‌فى‌ جميع التراجم فقد اشتبه عليه الامر.
 
هذا ‌و‌ لما كان سبحانه تام الغنى ‌و‌ القدره ‌لا‌ نقصان فيه باعتبار، فكان غنيا مطلقا ‌و‌ ‌هو‌ على كل شى ء قدير، لم يفتقر الى وزير يوازره ‌فى‌ خلقه، ‌و‌ الا كان مفتقرا اليه، فلم يكن غنيا ‌من‌ كل وجه، ‌و‌ قد ثبت بالبرهان غناه مطلقا، ‌و‌ الا كان عاجزا عن الاستقلال بالقدره ‌فى‌ امره، فلم يكن على كل شى ء قديرا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
 قوله عليه السلام: «و لم يكن لك مشاهد ‌و‌ ‌لا‌ نظير» المشاهد اسم فاعل ‌من‌ شاهدته مشاهده مثل عاينته معاينه وزنا ‌و‌ معنى، ‌و‌ انما لم يكن له سبحانه مشاهد لتنزهه عن ادراك الحواس مطلقا، ‌و‌ انما خص المشاهده بالذكر ‌و‌ هى انما تطلق على ادراك البصر لوقوع الشبهه ‌و‌ قوتها ‌فى‌ اذهان كثير ‌من‌ الخلق ‌فى‌ جواز ادراكه تعالى بهذه الحاسه، حتى ‌ان‌ مذهب اكثر العامه ‌ان‌ تنزيهه تعالى عن ذلك ضلال، بل كفر، تعالى الله عما يقول العادلون.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون تلميحا الى قوله تعالى ‌فى‌ سوره الكهف: «ما اشهدتهم خلق السموات ‌و‌ الارض ‌و‌ ‌لا‌ خلق انفسهم ‌و‌ ‌ما‌ كنت متخذ المضلين عضدا» فان الاشهاد ‌و‌ ‌ان‌ كان بمعنى الاحضار لكنه يستلزم المشاهده، بل قيل: الشهود الحضور مع المشاهده.
 قال الراغب: الشهود ‌و‌ الشهاده: الحضور مع المشاهده اما بالبصر ‌او‌ بالبصيره انتهى فيكون المعنى ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن لك مشاهد شاهد خلقك لمخلوقاتك.
 ‌و‌ عندى ‌ان‌ هذا اشد ارتباطا بسياق الكلام ‌من‌ المعنى الاول فان معنى الايه: ‌ما‌ احضرت ابليس ‌و‌ ذريته ‌او‌ الظالمين ‌او‌ الذين يزعمون انهم شركاء لى خلق
 
السموات ‌و‌ الارض ‌و‌ ‌لا‌ خلق بعضهم بعضا، فيكونوا شركاء لى ‌فى‌ تدبير العالم، ‌و‌ ‌ما‌ اعتضدت بهم ‌فى‌ تدبير الدنيا ‌و‌ الاخره، ‌و‌ تقدير امورهما، ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ ‌ان‌ التلميح الى هذا المعنى انسب بما قبله ‌من‌ تنزيهه تعالى عن ادراك البصر ‌فى‌ هذا المقام، ‌و‌ الله اعلم بمقاصد اوليائه.
 ‌و‌ ‌فى‌ نسخه: «و لم يكن لك مشابه» اسم فاعل ‌من‌ المشابهه بمعنى المماثله، ‌و‌ ‌هو‌ يناسب عطف النظير عليه، ‌و‌ ‌هو‌ المناظر ‌من‌ ناظره بمعنى ماثله كالجليس بمعنى المجالس، ‌اى‌ لم يكن لك مشابه ‌و‌ ‌لا‌ مناظر ‌فى‌ خلقك ‌و‌ امرك ‌او‌ مطلقا. اما الاول: فلانه سبحانه فاعل مطلق بالابداع ‌و‌ محض الاختراع مبرء عن نقصان الذات، منزه عن العجز ‌و‌ الرويه ‌و‌ الحركات ‌و‌ الالات، ‌و‌ ‌ما‌ سواه ليس كذلك، فلم يكن له مشابه ‌و‌ ‌لا‌ نظير ‌فى‌ فعله ‌و‌ خلقه ‌و‌ ابداعه ‌و‌ اختراعه ‌و‌ امره ‌و‌ حكمه.
 ‌و‌ اما الثانى: ‌و‌ ‌هو‌ تنزهه عن المشابه ‌و‌ النظير ‌من‌ كل وجه فلتفرده ‌فى‌ ذاته ‌و‌ صفاته، اما ‌فى‌ ذاته فلان وجود الواجب تعالى ‌و‌ تعينه عين ذاته فلم يكن له ماهيه كليه يشاركه غيره فيها فلا مثل له ‌و‌ ‌لا‌ نظير له ‌فى‌ ذاته ‌و‌ حقيقته، ‌و‌ اما ‌فى‌ صفاته فلان صفاته سبحانه ‌من‌ العلم ‌و‌ القدره ‌و‌ غير ذلك عين ذاته، ‌و‌ صفات غيره اعراض محدثات مستفاده ‌من‌ الغير فلا مشابه ‌و‌ ‌لا‌ نظير له ‌فى‌ صفاته، ‌و‌ ايضا فالمشابهه بين الشيئين اما ‌فى‌ الحقيقيه، ‌او‌ ‌فى‌ اجزائها ‌او‌ ‌فى‌ عوارضها، ‌و‌ الواجب ‌لا‌ يشابهه ‌و‌ ‌لا‌ يماثله الممكن ‌فى‌ شى ء ‌من‌ ذلك، اما الاول فظاهر ‌و‌ اما الاخيران فلانه ‌لا‌ جزء له ‌و‌ ‌لا‌ عوارض له فثبت تنزهه عن المشابه ‌و‌ النظير ‌من‌ كل وجه، ‌و‌ الله اعلم.
 
«ما» ‌فى‌ الفقرات الثلاث مصدريه، ‌اى‌ اردت فكان حتما ارادتك، ‌و‌ قضيت
 
فكان عدلا قضاءك، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون ‌فى‌ الفقره الاولى موصوله، ‌و‌ يكون حتما مصدرا بمعنى المحتوم، كقوله تعالى: «كان على ربك حتما مقضيا» ‌اى‌ محتوما، ‌و‌ احتمال ذلك ‌فى‌ الفقرتين الاخيرتين جار على تكلف.
 ‌و‌ الحتم: مصدر بمعنى احكام الامر ‌و‌ ابرامه ‌و‌ الجزم به، تقول: حتمت عليه الشى ء حتما اذا اوجبته عليه جزما بحيث ‌لا‌ يسعه خلافه.
 ‌و‌ المعنى ‌ان‌ ارادته تعالى اذا تعلقت بامر وجب وقوعه، ‌و‌ تحتم كونه ‌من‌ غير توقف على شى ء اصلا، ‌و‌ ‌لا‌ مهله ‌و‌ ‌لا‌ تراخ، فكانت ارادته ايجابا ‌و‌ ابراما ‌لا‌ يتخلف عنه، المراد بوجه ‌من‌ الوجوه، كما قال تعالى: «انما امره اذا اراد شيئا ‌ان‌ يقول له ‌كن‌ فيكون» ‌و‌ ‌هو‌ تمثيل لقدرته تعالى ‌و‌ سهوله تاتى المقدورات حسب ‌ما‌ تقتضيه ارادته ‌و‌ تصوير لسرعه حدوثها عند تعلق الاراده بها بما ‌هو‌ علم فيها ‌من‌ طاعه المامور المطيع للامر القوى المطاع.
 ‌و‌ قضيت: ‌اى‌ حكمت حكما فصلا، لان القضاء الفصل ‌فى‌ الحكم، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ فصل الامر قولا كان ‌او‌ فعلا.
 ‌و‌ العدل: عباره عن التوسط ‌فى‌ الافعال ‌و‌ الاقوال بين طرفى الافراط ‌و‌ التفريط، ‌و‌ لما كان قضاوه تعالى ‌و‌ حكم علمه بوقوع شى ء ‌او‌ عدم وقوعه جاريا على وفق الحكمه ‌و‌ النظام الاكمل الكلى، ‌لا‌ جرم لم يكن ‌ان‌ يقع ‌فى‌ الوجود شى ء ‌من‌ افعاله ‌و‌ اقواله منسوبا الى احد طرفى الافراط ‌و‌ التفريط، بل كان على حال الوسط منهما ‌و‌ ‌هو‌ العدل.
 ‌و‌ الحكم: القضاء بالشى ء بانه كذا سواء الزم ذلك غيره ‌او‌ لم يلزمه.
 ‌و‌ النصف: بالكسر ‌و‌ الفتح ‌و‌ الضم ساكنا ‌و‌ محركا، ‌و‌ النصفه اسم ‌من‌ انصف
 
انصافا اذا عدل ‌و‌ اقسط، ‌و‌ كان المراد بقضائه تعالى ‌فى‌ الفقره السابقه قضاءه الذى تعلقت ‌به‌ ارادته الحتميه، ‌و‌ مشيئته القطعيه، ‌و‌ ‌هو‌ قضاوه ‌فى‌ افعاله، ‌و‌ بحكمه ‌فى‌ هذه الفقره حكمه الذى تعلقت ‌به‌ ارادته العزميه ‌و‌ مشيئته الاختياريه، ‌و‌ ‌هو‌ حكمه ‌فى‌ افعال العباد اعنى الحكم الشرعى الذى لم يجبرهم على قبوله امرا كان ‌او‌ نهيا، كما يرشد اليه عدم التزام الالزام ‌فى‌ مفهوم الحكم، فتكون هذه الفقره تاسيسا ‌لا‌ تاكيدا لسابقتها كما توهمه بعض المترجمين، ‌و‌ الله اعلم.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^