فى عيد الفطر و الجمعه
«1» يا من يَرْحَمُ من لا يَرْحَمُهُ الْعِبَادُ «2» و يا من يَقْبَلُ من لا تَقْبَلُهُ الْبِلَادُ «3» و يا من لا يَحْتَقِرُ أَهْلَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ «4» و يا من لا يُخَيِّبُ الْمُلِحِّينَ عَلَيْهِ . «5» و يا من لا يَجْبَهُ بِالرَّدِّ أَهْلَ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ «6» و يا من يَجْتَبِي صَغِيرَ ما يُتْحَفُ به ، و يَشْكُرُ يَسِيرَ ما يُعْمَلُ لَهُ . «7» و يا من يَشْكُرُ عَلَى الْقَلِيلِ و يُجَازِي بِالْجَلِيلِ «8» و يا من يَدْنُو إِلَى من دَنَا مِنْهُ . «9» و يا من يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ من أَدْبَرَ عَنْهُ . «10» و يا من لا يُغَيِّرُ النِّعْمَةَ ، و لا يُبَادِرُ بِالنَّقِمَةِ . «11» و يا من يُثْمِرُ الْحَسَنَةَ حَتَّى يُنْمِيَهَا ، و يَتَجَاوَزُ عَنِ السَّيِّئَةِ حَتَّى يُعَفِّيَهَا . «12» انْصَرَفَتِ الآْمَالُ دُونَ مَدَى كَرَمِكَ بِالْحَاجَاتِ ، و امْتَلَأَتْ بِفَيْضِ جُودِكَ أَوْعِيَةُ الطَّلِبَاتِ ، و تَفَسَّخَتْ دُونَ بُلُوغِ نَعْتِكَ الصِّفَاتُ ، فَلَكَ الْعُلُوُّ الْأَعْلَى فَوْقَ كُلِّ عَالٍ ، و الْجَلَالُ الْأَمْجَدُ فَوْقَ كُلِّ جَلَالٍ . «13» كُلُّ جَلِيلٍ عِنْدَكَ صَغِيرٌ ، و كُلُّ شَرِيفٍ فِي جَنْبِ شَرَفِكَ حَقِيرٌ ، خَابَ الْوَافِدُونَ عَلَى غَيْرِكَ ، و خَسِرَ الْمُتَعَرِّضُونَ إِ لا لَكَ ، و ضَاعَ الْمُلِمُّونَ إِلَّا بِكَ ، و أَجْدَبَ الْمُنْتَجِعُونَ إِلَّا من انْتَجَعَ فَضْلَکَ «14» بَابُكَ مَفْتُوحٌ لِلرَّاغِبِينَ ، و جُودُكَ مُبَاحٌ لِلسَّائِلِينَ ، و إِغَاثَتُكَ قَرِيبَةٌ من الْمُسْتَغِيثِينَ . «15» لا يَخِيبُ مِنْكَ الآْمِلُونَ ، و لا يَيْأَسُ من عَطَائِكَ الْمُتَعَرِّضُونَ ، و لا يَشْقَى بِنَقِمَتِكَ الْمُسْتَغْفِرُونَ . «16» رِزْقُكَ مَبْسُوطٌ لِمَنْ عَصَاكَ ، و حِلْمُكَ مُعْتَرِضٌ لِمَنْ نَاوَاكَ ، عَادَتُكَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْمُسِيئِينَ ، و سُنَّتُكَ الْإِبْقَاءُ عَلَى الْمُعْتَدِينَ حَتَّى لَقَدْ غَرَّتْهُمْ أَنَاتُكَ عَنِ الرُّجُوعِ ، و صَدَّهُمْ إِمْهَالُكَ عَنِ النُّزُوعِ . «17» و إِنَّمَا تَأَنَّيْتَ بِهِمْ لِيَفِيؤُوا إِلَى أَمْرِكَ ، و أَمْهَلْتَهُمْ ثِقَةً بِدَوَامِ مُلْكِكَ ، فَمَنْ كَانَ من أَهْلِ السَّعَادَةِ خَتَمْتَ لَهُ بِهَا ، و من كَانَ من أَهْلِ الشَّقَاوَةِ خَذَلْتَهُ لَهَا . «18» كُلُّهُمْ صَائِرُونَ ، إِلَى حُكْمِكَ ، و اُمُورُهُمْ آئِلَةٌ إِلَى أَمْرِكَ ، لَمْ يَهِنْ عَلَى طُولِ مُدَّتِهِمْ سُلْطَانُكَ ، و لَمْ يَدْحَضْ لِتَرْكِ مُعَاجَلَتِهِمْ بُرْهَانُكَ . «19» حُجَّتُكَ قَائِمَةٌ لا تُدْحَضُ ، و سُلْطَانُكَ ثَابِتٌ لا يَزُولُ ، فَالْوَيْلُ الدَّائِمُ لِمَنْ جَنَحَ عَنْكَ ، و الْخَيْبَةُ الْخَاذِلَةُ لِمَنْ خَابَ مِنْكَ ، و الشَّقَاءُ الْأَشْقَى لِمَنِ اغْتَرَّ بِكَ . «20» ما أَكْثَرَ تَصَرُّفَهُ فِي عَذَابِكَ ، و ما أَطْوَلَ تَرَدُّدَهُ فِي عِقَابِكَ ، و ما أَبْعَدَ غَايَتَهُ من الْفَرَجِ ، و ما أَقْنَطَهُ من سُهُولَةِ الَْمخْرَجِ عَدْلًا من قَضَائِكَ لا تَجُورُ فِيهِ ، و إِنْصَافاً من حُكْمِكَ لا تَحِيفُ عَلَيْهِ . «21» فَقَدْ ظَاهَرْتَ الْحُجَجَ ، و أَبْلَيْتَ الْأَعْذَارَ ، و قَدْ تَقَدَّمْتَ بِالْوَعِيدِ ، و تَلَطَّفْتَ فِي التَّرْغِيبِ ، و ضَرَبْتَ الْأَمْثَالَ ، و أَطَلْتَ الْإِمْهَالَ ، و أَخَّرْتَ و أَنْتَ مُسْتَطِيعٌ لِلمُعَاجَلَةِ ، و تَأَنَّيْتَ و أَنْتَ مَلِيءٌ بِالْمُبَادَرَةِ «22» لَمْ تَكُنْ أَنَاتُكَ عَجْزاً ، و لا إِمْهَالُكَ وَهْناً ، و لا إِمْسَاكُكَ غَفْلَةً ، و لا انْتِظَارُكَ مُدَارَاةً ، بَلْ لِتَكُونَ حُجَّتُكَ أَبْلَغَ ، و كَرَمُكَ أَكْمَلَ ، و إِحْسَانُكَ أَوْفَى ، و نِعْمَتُكَ أَتَمَّ ، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ و لَمْ تَزَلْ ، و هو كَائِنٌ و لا تَزَالُ . «23» حُجَّتُكَ أَجَلُّ من أَنْ تُوصَفَ بِكُلِّهَا ، و مَجْدُكَ أَرْفَعُ من أَنْ يُحَدَّ بِكُنْهِهِ ، و نِعْمَتُكَ أَكْثَرُ من أَنْ تُحْصَى بِأَسْرِهَا ، و إِحْسَانُكَ أَكْثَرُ من أَنْ تُشْكَرَ عَلَى أَقَلِّهِ «24» و قَدْ قَصَّرَ بِيَ السُّكُوتُ عَنْ تَحْمِيدِكَ ، و فَهَّهَنِيَ الْإِمْسَاكُ عَنْ تَمْجِيدِكَ ، و قُصَارَايَ الْإِقْرَارُ بِالْحُسُورِ ، لا رَغْبَةً يا إِلَهِي بَلْ عَجْزاً . «25» فَهَا أَنَا ذَا أَؤُمُّکَ بِالْوِفَادَةِ ، و أَسْأَلُكَ حُسْنَ الرِّفَادَةِ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و اسْمَعْ نَجْوَايَ ، و اسْتَجِبْ دُعَائِي ، و لا تَخْتِمْ يَوْمِي بِخَيْبَتِي ، و لا تَجْبَهْنِي بِالرَّدِّ فِي مَسْأَلَتِي ، و أَكْرِمْ من عِنْدِكَ مُنْصَرَفِي ، و تُرِيدُ مُنْقَلَبِي ، إِنَّكَ غَيْرُ ضَائِقٍ بِمَا تُرِيدُ ، و لا عَاجِزٍ عَمَّا تُسْأَلُ ، و أَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ ، و لا حَوْلَ و لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ
(يا من يرحم من لايرحمه العباد) الله سبحانه رب العالمين جميعا، و لايختص بفئه دون فئه او شعب دون شعب او بالاقوياء دون الضعفاء و الاتقياء دون الاشقياء، و هو سبحانه الرحمن الرحيم اى له رحمتان: عامه تشمل المستحق و غير المستحق من بنى الانسان، و ايضا تعم كل ما فى الكون و لولاها لم يكن شى ء على الاطلاق. و قيل: هذه الرحمه العامه يدل عليها اسم الرحمن الذى وسعت رحمته كل شى ء، و لايسمى به غيره. الرحمه الثانيه خاصه كاصطفاء الانبياء و الائمه الاوصياء، و التوفيق الى العلم و الاجتهاد و اعمال الخيرات و الحسنات، و الذريه المومنه الباره و الزوجه المطيعه الصالحه. و قيل: تدل على هذه الرحمه الخاصه، كلمه الرحيم، و اليها الاشاره بقوله تعالى: «يختص برحمته من يشاء- 74 آل عمران... ذلك فضل الله يوتيه من يشاء- 54 المائده». و العبد الضعيف الذى لايقدر على شى ء، و لا راحم له من العباد و معين- يشمله سبحانه برحمته العامه و الخاصه، و بالاخص اذا توسل بالله، و توكل عليه.
(و يا من يقبل...) عطف تكرار
(و يا من لايحتقر اهل الحاجه اليه) قال سبحانه: «فاما اليتيم فلا تقهر. و اما السائل فلا تنهر- 10 الضحى... قول معروف و مغفره خير من صدقه يتبعها اذى- 264 البقره» و محال فى حقه تعالى ان يفعل الشى ء الذى نهى عنه. و فى نهج البلاغه: فوت الحاجه اهون من طلبها الى غير اهلها، هذا الى انه تعالى هو الذى خلق الانسان مفتقرا اليه اكثر من اى كائن بنص الايه 15 من فاطر: «يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله و الله هو الغنى» فكيف يحتقر من ساله مضطرا الى فضله و رحمته؟
(و يا من لايجبه بالرد اهل الداله عليه) يجبه: يستقبله بمكروه، و الداله: ما تدل على ما لك من منزله و مكانه عند من تثق به، و حطم موسى (ع) الالواح فى سوره من سورات غضبه، و اخذ براس اخيه يجره، و لكنه استدرك فورا و قال: رب اغفر لى و انت ارحم الراحمين، فغفر له، و انزل سبحانه غضبه على الذين عبدوا العجل من دون الله.
(و يا من يجتبى صغير ما يتحف به) الله سبحانه يتقبل القليل من عبده، و يثيب عليه، شريطه ان يكون لوجهه الكريم. و فى الحديث: تصدقوا و لو بشق تمره. و فى نهج البلاغه: لايقل عمل مع تقوى، و كيف يقل ما يتقبل... لا تستح من اعطاء القليل، فان الحرمان اقل منه... افعلوا الخير و لا تحقروا منه شيئا، فان صغيره كبير، و قليله كثير، و لايقولن احدكم: ان احدا اولى بفعل الخير منى، فيكون و الله كذلك (و يشكر يسير ما يعمل له) عطف تكرار
(و يا من يشكر على القليل، و يجازى بالجليل) يكافى ء القليل بالكثير، بل يعطى ابتداء. و تقدم فى الدعاء 12 و غيره.
(و يا من يدنو الى من دنا...) فتح سبحانه بابه الكريم لكل راغب، و رحب بالمقبل، و دعا المدبر الى مائده عرضها السموات و الارض، و فيها ما تشتهى الانفس، و تلذ الاعين و ما لايخطر على قلب، من دون تغيير و لا زوال
(و يا من لايغير النعمه...) شريطه ان لايستعين المرء بنعمه الله على معصيه الله «ذلك بان الله لم يك مغيرا نعمه انعمها على قوم حتى يغيروا ما بانفسهم- 53 الانفال». و فى الايه 7 من ابراهيم: «لئن شكرتم لازيدنكم و لئن كفرتم ان عذابى لشديد». و تقدم فى الدعاء 45
(و يا من يثمر الحسنه حتى ينميها) اشاره الى قوله تعالى: «من جاء بالحسنه فله عشر امثالها- 160 الانعام» و غير ذلك من الايات (و يتجاوز عن السيئه...) اشاره الى قوله سبحانه: «و يعفو عن كثير- 15 المائده». و تقدم فى الدعاء 31 و 45.
(انصرفت الامال دون مدى كرمك بالحاجات) قضيت حوائج المحتاجين، و حققت آمال الاملين من جودك و كرمك الذى لا منتهى لحده، و لا حساب لعده، و لا انقطاع لامده (و امتلات بفيض جودك اوعبه الطلبات): الحاجات، و العطف للتكرار. و تقدم فى الدعاء 13 باسلوب اجمع و اوسع
(و تفسخت دون بلوغ نعتك الصفات) تفسخت: عجزت، و المعنى عجزت عن نعته تعالى اوهام الواصفين و السنه الذاكرين. و تقدم فى الدعاء 32 (فلك العلو...) و الكمال المطلق وحدك لا شريك لك. و فى نهج البلاغه: «سبق فى العلو فلا شى ء اعلى منه، و قرب فى الدنو فلا شى ء اقرب منه» اى علا بكماله، و قرب بعلمه.
(كل جليل عندك صغير...) لانك غنى عن كل شى ء، و لا غنى لاى شى ء عنك (خاب الوافدون على غيرك...) لان كرمك لايضيق بسوال السائلين، و ان يدك بالعطايا اعلى من كل يد (و ضاع الملمون الا بك) الملمون: النازلون، و فى دعاء آخر: اللهم بك انزلت فقرى و فاقتى و مسكنتى (و اجدب المنتجعون) اجدب المكان: انقطع عنه المطر، و انتجع: طلب المعروف
(و اغاثتك قريبه من المستغيثين) الغوث: النصره و المعونه. و تقدم فى الدعاء 16 و غيره.
(لايخيب منك الاملون...) واضح، و تقدم قبل قليل (و لايشقى بنقمتك المستغفرون) التائبون. و فى الحديث: لا صغيره مع الاصرار، و لا كبيره مع الاستغفار. و فى الايه 33 من الانفال: «و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون ».
(رزقك مبسوط لمن عصاك) بل و يقوى به على المعصيه، و فى نهج البلاغه: الحذر الحذر، فو الله لقد ستر حتى كانه قد غفر. و تقدم فى الدعاء 37 (و حلمك معترض لمن ناواك) معترض: متصد او موجود، و ناواك: عاداك. و تقدم فى الدعاء 45 (عادتك الاحسان الى المسيئين) تكرار لقوله قبل قليل: «يتجاوز عن السيئه» (و سنتك الابقاء...) جرت حكمتك البالغه ان لاتعاجل المسى ء و المعتدى بالعذاب كى يستبدل المعصيه بالتوبه. و تقدم فى الدعاء 37.
(و امهلتهم ثقه بدوام ملكك) الذى لايفوته المقيم، و لايعجزه الهارب، و فى دعاء آخر: انما يعجل من يخاف الفوت (فمن كان من اهل السعاده) الذين عملوا عمل السعداء، قال سبحانه: «و الذين اهتدوا زدناهم هدى و آتاهم تقواهم- 17) محمد» (و من كان من اهل الشقاوه) الذين عملوا عمل الاشقياء قال تعالى: «فى قلوبهم مرض فزادهم مرضا- 10 البقره» و باسلوب آخر: الاعتقاد و العمل يتركان لحريه الانسان، لا لشى ء الا ليتحمل تبعه سلوكه و مسووليه اختياره
(كلهم صائرون الى حكمك...) ابدا، لا مفر منك الا اليك. و تقدم فى الدعاء 21 (لم يهن على طول مدتهم سلطانك...) المراد بالسلطان هنا حجه الله على عباده، و المعنى ان امهاله تعالى للعتاه لايبطل حجته عليهم، و لاتضعف بمرور الزمن، بل هى قائمه و لازمه مدى الدهر، بل الامهال حجه اخرى او تكون به اقوى و ابلغ. و تقدم فى الدعاء 45، و ايضا ياتى بعد قليل.
(فالويل الدائم لمن جنح عنك) الويل: الهلاك و الهوان: و جنح، مال و انحرف، و من انحرف عن ارادته تعالى فقد مال الى الشر و الباطل و الضلال و الفساد (و الخبيه الخاذله لمن خاب منك) اخيب الناس سعيا من تخلت عنه عنايه الله و وكلته الى نفسه (و الشقاء الاشقى لمن اغتر بك) اشقى الشقاء لمن عصاك غير خائف من غضبك و عذابك
(ما اكثر تصرفه...) اى تقلبه و تردد فى انواع من عذاب جهنم خالدا فيها الا ما شاء ربك (و ما ابعد غايته من الفرج) اى لا فرج له و لا مخرج (و ما اقنطه من سهوله المخرج) يئس من النجاه و الخلاص (عدلا من قضائك...) قضاوك العدل و حكمك الفصل. و تقدم فى الدعاء 45.
(فقد تظاهرت الحجج، و ابليت الاعذار...) تظاهرت الحجج: تكاثرت و تعاضدت حتى اعجزت و افحمت المنكر و الجاحد، و ابليت الاعذار: بينتها كامله واضحه على وجه لايدرى الطرف الاخر بماذا يعتذر و يتعلل. و للحجه الدامغه القاطعه شروط، و اهمها:
1- ان تدل على المعنى المقصود دلاله واضحه، لايبقى معها احتمال للتاويل او للتخصيص.
2- ان تكون الحجه على مستوى الخصم و عيا و ثقافه بحيث يتمثلها و يهضمها بيسر و سهوله.
3- ان تكون مقنعه بذاتها و طبيعتها، يستجيب لها الضمير الحى و العقل الخالص، و لاينكرها الا معاند و مكابر بشهاده كل عالم منصف.
و قد دعا القرآن الناس الى التعقل و التبصر فى كل شى ء ابتداء من انفسهم و ما ياكلون و يشربون و ما يزرعون و يمارسون، و انتهاء بافاق الكون و اشيائه من الذره الصغيره الى المجره الكبيره، و حشد العديد من الايات الكونيه، و ضرب الكثير من الامثال، و تقدم بالعبر و العظات ترغيبا و ترهيبا و تبشيرا و انذرا، و ما ابقى لاحد من حجه يتعلل بها و معذره يلجا اليها.
(و اطلت الامهال...) و لو تعجل ما ترك على ظهرها من دابه. و تقدمت هذه الحقيقه او الجمله و ما يتبعها مرات، منها فى الدعاء 1 و 16 و 45
(كل ذلك كان) ذلك: اشاره الى ما تقدم من الوعيد و الترغيب و الانتظار (و لم تزل) حججك يا الهى قائمه لازمه الى ابد الدهر (و هو كائن) ضمير الغائب يعود الى كلمه «ذلك» و المعنى «سنه الله... و لن تجد لسنه الله تبديلا- 62 الاحزاب» (و لاتزال حجتك اجل من ان توصف) و صفا كاملا و جامعا مانعا و (و مجدك ارفع ان يحد) بحقيقته، و انما يتجلى بخلقك و آثارك و المراد بمجده تعالى عزته و جلاله، و ما من شك ان المخلوق يعجز عن الاحاطه بالخالق (و نعمتك اكثر...) واضح، و تقدم فى الدعاء 37 و غيره.
(عن تحميدك) اى تكرار الحمد لك، انظر الدعاء الاول فقره الحمد (و فههنى): عجز لسانى عن النطق (و قصاراى الاقرار بالحسور لا رغبه يا الهى، بل عجزا) قصاراى: غايه جهدى و كل ما عندى، و الحسور: الضعيف او المتلهف، و المعنى كل ما لدى هو الاعتراف بانى ما سكت عن التحميد و التمجيد الا عن ضعف و عجز لا عن قصد و عمد
(فها انا ذا اومك): اقصدك (بالوفاده) بالقدوم و التوجه اليك طلبا لفضلك (و اسالك حسن الرفاده): العطاء و المعونه (و اسمع نجواى): استجب دعائى، و ما بعده تكرار (و لاتختم يومى بخيبتى) اسعدنى فى يومى هذا بقبول دعوتى و مسالتى (و اكرم من عندك...) من على بالسلامه و الكرامه فى ذهابى و ايابى (انك غير ضائق...) بل واسع الاحسان، و باسط اليدين بالرحمه، و قادر على كل شى ء، ما شئت كان، و ما لم تشا لم يكن.