فى استقبال شهر رمضان
«1» الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِحَمْدِهِ ، و جَعَلَنَا من أَهْلِهِ لِنَكُونَ لِإِحْسَانِهِ من الشَّاكِرِينَ ، و لِيَجْزِيَنَا عَلَى ذَلِكَ جَزَاءَ الُْمحْسِنِينَ «2» و الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَبَانَا بِدِينِهِ ، و اخْتَصَّنَا بِمِلَّتِهِ ، و سَبَّلَنَا فِي سُبُلِ إِحْسَانِهِ لِنَسْلُكَهَا بِمَنِّهِ إِلَى رِضْوَانِهِ ، حَمْداً يَتَقَبَّلُهُ مِنَّا ، و يَرْضَى به عَنَّا «3» و الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ من تِلْكَ السُّبُلِ شَهْرَهُ شَهْرَ رَمَضَانَ ، شَهْرَ الصِّيَامِ ، و شَهْرَ الْإِسْلَامِ ، و شَهْرَ الطَّهُورِ ، و شَهْرَ الَّتمْحِيصِ ، و شَهْرَ الْقِيَامِ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ، هُدًى لِلنَّاسِ ، و بَيِّنَاتٍ من الْهُدَى و الْفُرْقَانِ «4» فَأَبَانَ فَضِيلَتَهُ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ بِمَا جَعَلَ لَهُ من الْحُرُمَاتِ الْمَوْفُورَةِ ، و الْفَضَائِلِ الْمَشْهُورَةِ ، فَحَرَّمَ فِيهِ ما أَحَلَّ فِي غَيْرِهِ إِعْظَاماً ، و حَجَرَ فِيهِ الْمَطَاعِمَ و الْمَشَارِبَ إِكْرَاماً ، و جَعَلَ لَهُ وَقْتاً بَيِّناً لا يُجِيزُ جل و عز أَنْ يُقَدَّمَ قَبْلَهُ ، و لا يَقْبَلُ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ . «5» ثُمَّ فَضَّلَ لَيْلَةً وَاحِدَةً من لَيَالِيهِ عَلَى لَيَالِي أَلْفِ شَهْرٍ ، و سَمَّاهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ ، تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ و الرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ من كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ ، دَائِمُ الْبَرَكَةِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ عَلَى من يَشَاءُ من عِبَادِهِ بِمَا أَحْكَمَ من قَضَائِهِ . «6» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و أَلْهِمْنَا مَعْرِفَةَ فَضْلِهِ و إِجْلَالَ حُرْمَتِهِ ، و التَّحَفُّظَ مِمَّا حَظَرْتَ فِيهِ ، و أَعِنَّا عَلَى صِيَامِهِ بِكَفِّ الْجَوَارِحِ عَنْ مَعَاصِيكَ ، و اسْتِعْمَالِهَا فِيهِ بِمَا يُرْضِيكَ حَتَّى لا نُصْغِيَ بِأَسْمَاعِنَا إِلََى لََغْوٍ ، و لا نُسْرِعَ بِأَبْصَارِنَا إِلَي لَهْوٍ «7» و حَتَّى لا نَبْسُطَ أَيْدِيَنَا إِلَى مَحْظُورٍ ، و لا نَخْطُوَ بِأَقْدَامِنَا إِلَى مَحْجُورٍ ، و حَتَّى لا تَعِيَ بُطُونُنَا إِلَّا ما أَحْلَلْتَ ، و لا تَنْطِقَ أَلْسِنَتُنَا إِلَّا بِمَا مَثَّلْتَ ، و لا نَتَكَلَّفَ إِلَّا ما يُدْنِي من ثَوَابِكَ ، و لا نَتَعَاطَى إِلَّا الَّذِي يَقِي من عِقَابِكَ ، ثُمَّ خَلِّصْ ذَلِكَ كُلَّهُ من رِئَاءِ الْمُرَاءِينَ ، و سُمْعَةِ الْمُسْمِعِينَ ، لا نَشْرَكُ فِيهِ أَحَداً دُونَكَ ، و لا نَبْتَغِي فِيهِ مُرَاداً سِوَاكَ . «8» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و قِفْنَا فِيهِ عَلَى مَوَاقِيتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِحُدُودِهَا الَّتِي حَدَّدْتَ ، و فُرُوضِهَا الَّتِي فَرَضْتَ ، و وَظَائِفِهَا الَّتِي وَظَّفْتَ ، و أَوْقَاتِهَا الَّتِي وَقَّتَّ «9» و أَنْزِلْنَا فِيهَا مَنْزِلَةَ الْمُصِيبِينَ لِمَنَازِلِهَا ، الْحَافِظِينَ لِأَرْكَانِهَا ، الْمُؤَدِّينَ لَهَا فِي أَوْقَاتِهَا عَلَى ما سَنَّهُ عَبْدُكَ و رَسُولُكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ و آلِهِ فِي رُكُوعِهَا و سُجُودِهَا و جَمِيعِ فَوَاضِلِهَا عَلَى أَتَمِّ الطَّهُورِ و أَسْبَغِهِ ، و أَبْيَنِ الْخُشُوعِ و أَبْلَغِهِ . «10» و وَفِّقْنَا فِيهِ لِأَنْ نَصِلَ أَرْحَامَنَا بِالْبِرِّ و الصِّلَةِ ، و أَنْ نَتَعَاهَدَ جِيرَانَنَا بِالْإِفْضَالِ و الْعَطِيَّةِ ، و أَنْ نُخَلِّصَ أَمْوَالَنَا من التَّبِعَاتِ ، و أَنْ نُطَهِّرَهَا بِإِخْرَاجِ الزَّكَوَاتِ ، و أَنْ نُرَاجِعَ من هَاجَرَنَا ، و أَنْ نُنْصِفَ من ظَلَمَنَا ، و أَنْ نُسَالِمَ من عَادَانَا حَاشَى من عُودِيَ فِيكَ و لَكَ ، فَإِنَّهُ الْعَدُوُّ الَّذِي لا نُوَالِيهِ ، و الْحِزْبُ الَّذِي لا نُصَافِيهِ . «11» و أَنْ نَتَقَرَّبَ إِلَيْكَ فِيهِ من الْأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ بِمَا تُطَهِّرُنَا به من الذُّنُوبِ ، و تَعْصِمُنَا فِيهِ مِمَّا نَسْتَأْنِفُ من الْعُيُوبِ ، حَتَّى لا يُورِدَ عَلَيْكَ أَحَدٌ من مَلَائِكَتِكَ إِلَّا دُونَ ما نُورِدُ من أَبْوَابِ الطَّاعَةِ لَکَ ، و أَنْوَاعِ الْقُرْبَةِ إِلَيْکَ . «12» اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذَا الشَّهْرِ ، و بِحَقِّ من تَعَبَّدَ لَكَ فِيهِ من ابْتِدَائِهِ إِلَى وَقْتِ فَنَائِهِ من مَلَكٍ قَرَّبْتَهُ ، أَوْ نَبِيٍّ أَرْسَلْتَهُ ، أَوْ عَبْدٍ صَالِحٍ اخْتَصَصْتَهُ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و أَهِّلْنَا فِيهِ لِمَا وَعَدْتَ أَوْلِيَاءَكَ من كَرَامَتِكَ ، و أَوْجِبْ لَنَا فِيهِ ما أَوْجَبْتَ لِأَهْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي طَاعَتِكَ ، و اجْعَلْنَا فِي نَظْمِ من اسْتَحَقَّ الرَّفِيعَ الْأَعْلَي بِرَحْمَتِکَ . «13» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و جَنِّبْنَا الْإِلْحَادَ فِي تَوْحِيدِكَ ، و الْتَّقْصِيرَ فِي تَمْجِيدِكَ ، و الشَّكَّ فِي دِينِكَ ، و الْعَمَى عَنْ سَبِيلِكَ ، و الْإِغْفَالَ لِحُرْمَتِكَ ، و الِانْخِدَاعَ لِعَدُوِّكَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ «14» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و إِذَا كَانَ لَكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ من لَيَالِي شَهْرِنَا هَذَا رِقَابٌ يُعْتِقُهَا عَفْوُكَ ، أَوْ يَهَبُهَا صَفْحُكَ فَاجْعَلْ رِقَابَنَا من تِلْكَ الرِّقَابِ ، و اجْعَلْنَا لِشَهْرِنَا من خَيْرِ أَهْلٍ و أَصْحَابٍ . «15» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و امْحَقْ ذُنُوبَنَا مَعَ امِّحَاقِ هِلَالِهِ ، و اسْلَخْ عَنَّا تَبِعَاتِنَا مَعَ انْسِلَاخِ أَيَّامِهِ حَتَّى يَنْقَضِيَ عَنَّا و قَدْ صَفَّيْتَنَا فِيهِ من الْخَطِيئَاتِ ، و أَخْلَصْتَنَا فِيهِ من السَّيِّئَاتِ . «16» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و إِنْ مِلْنَا فِيهِ فَعَدِّلْنَا ، و إِنْ زُغْنَا فِيهِ فَقَوِّمْنَا ، و إِنِ اشْتَمَلَ عَلَيْنَا عَدُوُّكَ الشَّيْطَانُ فَاسْتَنْقِذْنَا مِنْهُ . «17» اللَّهُمَّ اشْحَنْهُ بِعِبَادَتِنَا إِيَّاكَ ، و زَيِّنْ أَوْقَاتَهُ بِطَاعَتِنَا لَكَ ، و أَعِنَّا فِي نَهَارِهِ عَلَى صِيَامِهِ ، و فِي لَيْلِهِ عَلَى الصَّلَاةِ و التَّضَرُّعِ إِلَيْكَ ، و الْخُشُوعِ لَكَ ، و الذِّلَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ حَتَّى لا يَشْهَدَ نَهَارُهُ عَلَيْنَا بِغَفْلَةٍ ، و لا لَيْلُهُ بِتَفْرِيطٍ . «18» اللَّهُمَّ و اجْعَلْنَا فِي سَائِرِ الشُّهُورِ و الْأَيَّامِ كَذَلِكَ ما عَمَّرْتَنَا ، و اجْعَلْنَا من عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هم فِيهَا خَالِدُونَ ، و الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا و قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ، أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ، و من الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ و هم لَهَا سَابِقُونَ . «19» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، فِي كُلِّ وَقْتٍ و كُلِّ أَوَانٍ و عَلَى كُلِّ حَالٍ عَدَدَ ما صَلَّيْتَ عَلَى من صَلَّيْتَ عَلَيْهِ ، و أَضْعَافَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْأَضْعَافِ الَّتِي لا يُحْصِيهَا غَيْرُكَ ، إِنَّكَ فَعَّالٌ لِمَا تُرِيدُ
(الحمد لله الذى هدانا لحمده) الحمد على الحمد تماما كالشكر على الشكر، يتسلسل الى ما لا نهايه، و تقدم الكلام عنه فى الفصل الاول فقره الحمد (و جعلنا من اهله) لنتفرغ الى صيامه و قيامه، و الى التوبه و العمل الصالح، و يجزينا سبحانه على ذلك جزاء المحسنين
(و الحمد لله الذى حبانا بدينه): خصنا به (و اختصنا بملته) عطف تكرار، لان المراد بالمله الدين (و سبلنا): سيرنا.
(و الحمد لله الذى جعل من تلك السبل شهره شهر رمضان...) ما اكثر سبل الخير لمن يريده و ينشده! و يكون بالقصد و القول و الفعل، و ايضا بالمكان و الزمان، و من فعل خيرا فى مكان كريم او زمان مبارك فهو نور على نور، و شبه الشيخ محمد عبد الله دراز فضل رمضان على الشهور بفضل الربيع و فضله على سائر الفصول، قال بكتاب «فى الدين و الاخلاق و القوميه»:
«ان الربيع يورق فيه الشجر، و يتفتح فيه الزهر، و تطيب فيه التربه، و تبارك فيه الحبه، فتوتى اكلها اضعافا كثيره... و هكذا رمضان هو ربيع الارواح، كل ما ازلفت فيه النفس من خير يزكوا و ينمو: صيامه و قيامه و صدقاته و غدواته و روحاته كلها مباركه مضاعفه الاجر، و حسبه ان فيه ليله القدر، و ما ادراك ما ليله القدر». و لا ادرى: هل قرا الشيخ دراز قول الامام الباقر (ع): «لكل شى ء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان»؟
(فابان فضيلته على سائر الشهور...) خطب رسول الله (ص) فى شهر رمضان، فقال فى خطابه من جمله ما قال: «قد اقبل اليكم شهر الله بالبركه و الرحمه و المغفره، هو عند الله افضل الشهور، و ايامه افضل الايام، و لياليه افضل الليالى، و ساعاته افضل الساعات، و قد دعيتم فيه الى ضيافه الله، و جعلتم فيه من اهل كرامه الله... فاسالوا الله بنيه صادقه و قلوب طاهره... من فطر منكم صائما كان له بذلك عتق رقبه- قالوا: يا رسول الله ليس كلنا يقدر على ذلك- قال: اتقوا النار و لو بشق تمره... و لو بشربه ماء... من كف شره عن الناس كف الله غضبه عنه يوم القيامه» اقرا فقره كف الاذى فى الدعاء 39.
(فحرم فيه ما احل...) قال سبحانه: «كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون- 183 البقره» فقوله تعالى لعلكم تتقون بيان لحكمه الصيام، و ان الهدف منه ان يملك الانسان الصائم زمام شهوته، و ينتصر عقله على طيشه و حمقه، و دينه على عاطفته و نزقه (و جعل له وقتا بينا...) للصوم حد و للصلاه حد، و لكل حكم من احكامه حدلا يتقدم عليه، و لايتاخر عنه. و فى اصول الكافى عن الامام الباقر (ع): «جعل سبحانه لكل شى ء حدا، و جعل عليه دليلا يدل عليه، و جعل على من تعدى على الحد حدا».
(ثم فضل ليله واحده من لياليه على ليالى الف شهر، و سماها ليله القدر...) لا احد من المسلمين يشك فى فضل ليله القدر و بركاتها قال سبحانه: «انا انزلناه فى ليله مباركه- 3 الدخان» و ايضا لا شك انها من ليالى رمضان، لان اول آيه هبط بها جبريل (ع) على قلب محمد (ص) كانت فى شهر رمضان بنص الايه 185 من البقره: «شهر رمضان الذى انزل فيه القرآن» فاذا عطفنا عليها الايه الاولى من القدر: «انا انزلناه فى ليله القدر» جاءت النتيجه ان ليله القدر هى احدى ليالى رمضان، و تعددت الاقوال فى تعيين هذه الليله من الشهر المبارك، و سكت القرآن الكريم عن تعيينها لحكمه لاتبدلها الاقوال و لاتدركها الافهام. سبحانك لا نعلم من احكامك و حكمتك الا ما علمتنا.
و قال الشيخ محمد عبده: «ليله القدر هى ليله عباده و خشوع و تذكر بنعمه الحق و الدين، و لكن المسلمين فى هذه الايام يتحدثون فيها بما لا ينظر الله اليهم، و يسمعون شيئا من كتاب الله لا ينظرون فيه، و لا يعتبرون بمعانيه، بل ان اصغوا انما يصغون الى نغمه تالى القرآن... و لهم خيالات فى ليله القدر لا تليق بعقول الاطفال فضلا عن الراشد من الرجال».
(و الهمنا معرفه فضله...) اعنا و سهل لنا طريق العلم و العمل الذى افترضته علينا فى شهرك هذا، و لا تجعلنا فيه من الكسالى و المقصرين (و اعنا على صيامه بكف الجوارح عن معاصيك...) و الجوارح: الاعضاء، قال الامام الصادق (ع): «ليس الصيام من الشراب و الطعام وحده، و ان على كل جارحه حقا للصيام، فاذا صمت فليصم سمعك و بصرك و جلدك و لسانك و بطنك و فرجك و احفظ يديك عن الاذى. ان النبى (ص) سمع امراه تسب جارتها و هى صائمه، فدعاها و جاء بطعام و قال لها: كلى فقالت: انى صائمه. فقال: كيف تكونين صائمه، و قد سببت جارتك، ان الصوم ليس من الطعام و الشراب فقط».
(ثم خلص ذلك كله من رياء المرائين...) من قدر على الحرام، و تركه لوجه الله لا رياء و لا خوفا من الناس- فهو ماجور، ما فى ذلك ريب، و هو مراد الامام (ع) من دعائه هذا، و من ترك الحرام عن عجز او خوف مع قدرته عليه، فما هو بماجور و لا مازور. قال الامام اميرالمومنين (ع): «من العصمه تعذر المعاصى، و من قدر على الحرام و تركه رياء او خوفا فليس بماجور، بل هو مذموم و ملوم، و لكنه لا يعاقب، لان الرياء كالحسد و غيره من النوايا الخبيثه لا يتبعها شى ء الا ان يكون معه قول او فعل.
يختص هذا المقطع من الدعاء بالصلاه و اجزائها و شروطها و احكامها و مستحباتها، و كل ذلك و ما اليه معروف و مسطور فى كتب الفقه من الرسائل العمليه الى جواهر النجفى و وسائل العاملى، اما مكانها من الدين فهى عموده، و اما سرها فالامر بالمعروف و النهى عن المنكر: من الله اكبر الى الصلاه على محمد و آله و السلام على عباد الله الصالحين المتقين... و تكلمت عن حكمه الصلاه و فوائدها فى التفسير الكاشف و فى ظلال نهج البلاغه، و سبقنى الى ذلك العشرات من الاولين و الاخرين، و كتبوا افضل و اجمل مما كتبت فى الصلاه احكاما و تفصيلا و اسرارا و تعليلا، و لكن ما قرات لواحد من الشيوخ الذين كتبوا و نشروا عن الصلاه- ايه اشاره الى السر الموجب لتهاون شباب الجيل بالصلاه علما بان توضيح هذا السر هو الاهم لان العديد من الشباب يومنون- نظريا- بالله و رسوله و اليوم الاخر. بل البعض من هولاء يغارون على الاسلام و المسلمين غيره الشيوخ و زياده، و ربما كتب من كتب، و لم اقتص اثره.
واقع الشباب المولم
و من قراءتى الصحف و غيرها تبين لى ان الصهيونيه العالميه بتضامنها و تلاحمها مع الاستعمار تهدف الى السيطره و التغلب على العالم كله، بخاصه العالم الاسلامى و العربى، اما التصميم و المخطط للوصول الى هذا الهدف فهو زرع الشقاق و بذور الانحلال و الفساد فى عقول و افكار الشباب عن طريق الصحف و الاذاعات و الكتب و التدريس فى المدارس و الجامعات الاجنبيه و غير ذلك من الدعايات المضلله، و فيما يلى اذكر بعض الامثله مما قرات:
نشرت جريده الاهرام بتاريخ 1978/4/14 مقالا بعنوان «الصهيونيه مع الغزو الفكرى و الثقافى» جاء فيه: «بدا التخطيط الصهيونى للغز و الفكرى و الثقافى فى العالم الاسلامى بالموتمر المشهور الذى تراسه هيرتزل عام 1877... و من هذا التخطيط تقديم نظريات علميه فى مجال الطبيعه و النفس و الاقتصاد و السياسه على نحو ما يراه (دارون) فى التطور و (فرويد) فى الدراسات النفسيه و (ماركس) فى التفسير المادى للتاريخ و (مكيا فيللى) فى السياسه، و ان لم يقل هولاء: ان القصد من نظرياتهم هو معاداه الاسلام و كل هولاء يهود، و لايمكن ان يكون هذا من باب الصدفه».
و فى يومى هذا قرات مقالا فى مجله الكفاح العربى البيروتيه بتاريخ 1978/11/27، بعنوان «ديانه الشر الصهيونيه» جاء فيه: «الصهيونيه تزرع الشقاق و بذور الانحلال و الفساد فى خفاء و نفاق و غدر لاضعاف الروح القوميه و افساد الوطنيه فى ابناء الشعوب كى يتحولوا فريسه سهله بين فكى السياسه الصهيونيه... و هناك ارقام تثبت ممارسه هذا النشاط المدمر فى مختلف البلاد بخاصه العربيه منها تسهيلا لاخضاعها عن طريق محق التقاليد و كل موروث تماما كما فعلت فى الولايات المتحده».
هذا غيض من فيض، و اتمنى ان لايجهل ذلك اى مسلم و عربى ليعرف عدوه الاصيل و عدو الله و الانسانيه قبل ان يسال عن الحكمه فى وجوب الصلاه لله «فى ضوء معطيات العلم الحديث»!...
(و وفقنا فيه لان نصل ارحامنا) قال سبحانه: «و اتقوا الله الذى تساءلون به و الارحام- 1 النساء» اى و صلوا الارحام، و فى الايه 22 من سوره محمد «فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا فى الارض و تقطعوا ارحامكم» (و ان نتعاهد جيراننا بالافضال) فى الايه 36 من النساء: «و الجار ذى القربى و الجار الجنب» اى يوصيكم الله بالجار سواء اكان رحما ام اجنبيا (و ان نخلص اموالنا...) «و الذين فى اموالهم حق معلوم للسائل و المحروم- 22 المعارج (و ان نراجع من هاجرنا) ان نصل من قطعنا، و تقدم فى الدعاء 20 و قال الامام الصادق (ع): «من قال لك: ان قلت واحده سمعت عشرا، فقل له: ان قلت عشرا تسمع واحده».
(و ان ننصف من ظلمنا) «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم و اتقوا الله- 194 البقره» افعلوا بالظالم مثل فعله بكم، و من زاد فى القصاص تشفيا ينتقم الله منه. و تقدم فى الدعاء 22 و 39 (و ان نسالم من عادانا حاشا من عودى فيك و لك...) حاشا من عودى: الا من عاديناه و المعنى نحن نصفح عمن اساء الى شخصنا بالخصوص و نسامحه طاعه لقولك يا الهنا: «و ان تعفوا اقرب للتقوى- 237 البقره» و لكن لا هواده عندنا اطلاقا لمن عاديناه فيك و من اجلك. ايضا طاعه لقولك: «لاتتخذوا عدوى و عدوكم اولياء- 1 الممتحنه».
(و ان نتقرب اليك فيه من الاعمال...) ضمير «فيه» لشهر رمضان و المعنى تكرم و تفضل يا الهى علينا بالتوفيق فى شهرك العظيم الى اعمال تطهرنا من الذنوب، و تحفظنا من العيوب، و تقربنا من مرضاتك، و تبتعد بنا عن سخطك. و تقدم فى الدعاء 20 (حتى لا يود عليك احد من ملائكتك...) كتاب الاعمال لا يغادر صغيره و لا كبيره الا احصاها بنص الايه 49 من الكهف، و عليه يكون المعنى المراد: حتى نكون بصالح الاعمال اقرب اليك من الملك الذى جعلته رقيبا علينا، و رفع لعظمتك كتابا و تقريرا مفصلا عن اعمالنا.
(اللهم انى اسالك بحق هذا الشهر... العظيم) من بدايته الى نهايته و بحق كل من رضيت عن اعماله فيه و بكل من له شان لديك نبيا كان او ملكا او عبدا تقيا (ان تصلى على محمد و آله و اهلنا فيه...) اجعلنا اهلا لكرامتك و رحمتك و نيل الدرجات الرفيعه لديك. و هذا تكرار او تلخيص لمضمون ما تقدم فى اسلوب آخر.
(و جنبنا الالحاد...) و اين الالحاد من زين العباد! و اذن فالمعنى ما نحن من الذين عنيتهم بقولك لنجيك الحبيب: «يمنون عليك ان اسلموا- 17 الحجرات» بل من الذين يشكرون الله ان هداهم للايمان (و الشك فى دينك) اى فى الاسلام لقوله تعالى: «ان الدين عند الله الاسلام- 19 آل عمران» (و العمى عن سبيلك): عن كتابك و سنه نبيك (و الاغفال لحرمتك): لحلالك و حرامك (و الانخداع لعدوك الشيطان الرجيم) بطاعته و معصيتك.
(و اذا كان لك فى كل ليل...) من هنا الى آخر الدعاء واضح بنفسه، و توضيح الواضح محال تماما كقتل المقتول او كلام فارغ كتفسير الماء بالماء، فلم يبق الا الاشاره الى بعض الاحاديث، قال الرسول الاعظم (ص): «ان لله عز و جل فى كل ليله من شهر رمضان عتقاء و طلقاء من النار الا من افطر على مسكر، فاذا كان آخر ليله منه اعتق مثل ما اعتق فى جميعه». و ما من شك ان عتقاء شهر الصيام كلهم من الصائمين، و لا احد منهم مفطر بلاعذر، بدليل قوله (ص): الا من افطر على مسكر.
(و امحق ذنوبنا مع امحاق هلاله) ليالى المحاق ثلات من آخر الشهر القمرى لذهاب نوره، و السعيد من تذهب ذنوبه بذهاب يومه او شهره او سنته، و اسعد منه من لا ذنب له (و اسلخ عنا تبعاتنا): خطايانا، و العطف للتكرار
(و ان زغنا فيه فقومنا) و قد تسال: ان الله سبحانه يعامل العبد تبعا لعمله كما قال فى الايه 5 من الصف: «فلماذا زاعوا ازاغ الله قلوبهم» و الامام يقول لله: اذا زغنا فلا تزغ قلوبنا، الا يومى ء هذا الى ما يشبه الاعتراض؟.
الجواب: يسال الامام فى دعائه هذا ان يعامله سبحانه بفضله لا بعدله، و لا يكله الى نفسه ان بدرت منه بادره، بل يشمله بعنايته، و يهديه الى التوبه و الانابه تماما كما قال فى اول الدعاء التاسع: «اللهم صيرنا الى محبوبك من التوبه، و ازلنا عن مكروهك من الاصرار».
(اللهم اشحنه) الضمير لرمضان، و اشحنه: املاه (و زين اوقاته بطاعتنا لك) عطف تكرار (و اعنا فى نهاره...) احسن معونتنا على الجد و الاجتهاد حتى نبلغ من طاعتك فى ليل رمضان و نهاره ما يرضيك (لايشهد نهاره علينا بغفله) عن وعيدك و تهديدك (و لا ليله بتفريط) فى شكرك و طاعتك.
(اللهم و اجعلنا فى سائر الشهور و الايام...) فى حصن حصين من الذنوب و اليعوب حتى نلقاك بسلام آمنين (الذين يرثون الفردوس...): الجنه، و هى للذين آمنوا و عملوا الصالحات، و كرر سبحانه ذلك فى العديد من الايات دون ان يبين المراد من هذه الاعمال الصالحه، ثم انزل سوره خاصه حدد فيها عدد صفات المومنين و اعمالهم فى بيان لا لبس فيه و ابهام و هى سوره «المومنون» و اشار الامام (ع) فى دعائه هذا الى ما جاء فى الايه 60 و 61 من السوره المذكوره و هما «و الذين يوتون ما اتوا و قلوبهم وجله انهم الى ربهم راجعون. اولئك يسارعون فى الخيرات و هم لها سابقون،» اى ينفقون مما اعطاهم الله، و مع ذلك يخافون ان لايتقبل منهم، و ايضا يسرعون الى كل خير و لايتوانون، و من اجل هذا يسبقون الناس الى الجنه
(اللهم صل على محمد و آله...) صلاه لايحصيها الا انت. و تقدم مرارا منها فى الدعاء 2 و 6 و 20 و 32.