فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 1- 4

رفع الشى ء: كمنعه فارتفع خلاف وضعه، ‌و‌ ‌من‌ المجاز رفع الله العمل قبله، فارتفاع الحمد مجاز عن قبوله، ‌او‌ ارتفاع الكتبه بصحيفته.


 ‌و‌ عليون ‌فى‌ الاصل جمع على بكسر العين ‌و‌ اللام مع تشديدها ‌و‌ تشديد الياء ‌و‌ وزنه فعيل ‌من‌ العلو.
 ‌و‌ قيل: جمع عليه بكسر العين ‌و‌ الضم لغه جمع بالواو ‌و‌ النون، ‌و‌ الحق بجمع المذكر السالم ‌فى‌ الاعراب على غير قياس لعدم العقل على القول الاول وعدمه ‌و‌ عدم التذكير على القول الثانى ثم نقل ‌و‌ سمى ‌به‌ ديوان الخير، هكذا قال غير واحد ‌من‌ النحويين.
 قال الدمامينى: فيلزم على هذا ‌ان‌ ‌لا‌ يكون فيه شذوذ، لانه يكون علما منقولا عن جمع، ‌و‌ ‌لا‌ ينفعهم ‌ان‌ يدعوا انه جعل ‌من‌ باب المسموع ‌لا‌ المقيس، لكونه لما ‌لا‌ يعقل، بخلاف نحو زيدون علما، لانه لو سمى فرس بزيدون استحق ‌من‌ الاعراب ‌ما‌ كان له قبل التسميه، الا ترى الى قنسرين ‌و‌ نصيبين، ‌و‌ ‌لا‌ ينفعهم ايضا ‌ان‌ يقولوا على ‌فى‌ الاصل غير علم ‌و‌ ‌لا‌ صفه لانهم قد صرحوا بانه اذا سمى بالجمع على سبيل النقل يعنى عن الجمع، ‌او‌ على سبيل الارتجال يعنى بصيغه تشبه صيغه الجمع، فمن لغاته الرفع بالواو ‌و‌ النصب ‌و‌ الجر بالياء، ‌و‌ يويده: انا ‌لا‌ نعرف قنسرا ‌و‌ ‌لا‌ نصيبا
 
علمين ‌و‌ ‌لا‌ صفتين، نعم لو قيل: ‌ان‌ عليين غير علم بل ‌هو‌ جمع عليه ‌او‌ على ‌و‌ صفت ‌به‌ الاماكن المرتفعه كان شاذا لعدم التذكير ‌و‌ العقل انتهى.
 ‌و‌ اختلف المفسرون ‌فى‌ المسمى به، فالمشهور انه اسم لديوان الخير الذى دون فيه كل ‌ما‌ عملته الملائكه ‌و‌ صلحاء الثقلين، لانه سبب الارتفاع الى عالى الدرجات ‌فى‌ الجنه، ‌او‌ لانه مرفوع ‌فى‌ السماء السابعه حيث تحضره الملائكه المقربون.
 ‌و‌ قال مقاتل: ‌هو‌ ‌فى‌ ساق العرش.
 ‌و‌ عن ابن عباس: ‌هو‌ لوح ‌من‌ زبرجده خضراء معلق تحت العرش اعمالهم مكتوبه فيه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ السماء السابعه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ سدره المنتهى التى اليها ينتهى كل شى ء ‌من‌ امر الله تعالى.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ اعلى الجنه.
 ‌و‌ قيل: مراتب عاليه ‌و‌ اماكن مرتفعه محفوفه بالجلاله، ‌و‌ على هذا فالمراد بقوله تعالى: «كتاب مرقوم» اماكن الكتاب.
 ‌و‌ قيل: المراد ‌به‌ اعلى الامكنه ‌و‌ اشرف المراتب ‌و‌ اقربها ‌من‌ الله تعالى، ‌و‌ له درجات كما يدل عليه قوله (عليه السلام) «الى اعلى عليين».
 روى ثقه الاسلام ‌فى‌ الكافى باسناده عن ابى حمزه الثمالى قال: سمعت اباجعفر (عليه السلام) يقول: ‌ان‌ الله تعالى خلقنا ‌من‌ اعلى عليين، ‌و‌ خلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه، ‌و‌ خلق ابدانهم ‌من‌ دون ذلك، فقلوبهم تهوى الينا لانها خلقت مما خلقنا، ثم تلاهذه الايه «كلا ‌ان‌ كتاب الابرار لفى عليين ‌و‌ ‌ما‌ ادراك ‌ما‌ عليون.
 
كتاب مرقوم يشهده المقربون»، ‌و‌ خلق عدونا ‌من‌ سجين، ‌و‌ خلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه، ‌و‌ ابدانهم ‌من‌ دون ذلك، فقلوبهم تهوى اليهم لانها خلقت مما خلقوا منه. ثم تلاهذه الايه: «كلا ‌ان‌ كتاب الفجار لفى سجين. ‌و‌ ‌ما‌ ادراك ‌ما‌ سجين. كتاب مرقوم. ويل يومئذ للمكذبين».
 قال بعض علمائنا ‌فى‌ الكلام على هذا الحديث: كل ‌ما‌ يدركه الانسان بحواسه يرتفع منه اثر الى روحه ‌و‌ يجتمع ‌فى‌ صحيفه ذاته ‌و‌ خزانه مدركاته، ‌و‌ كذلك كل مثقال ذره ‌من‌ خير ‌او‌ ‌شر‌ يعمله يرى اثره مكتوبا ثمه، ‌لا‌ سيما ‌ما‌ رسخت بسببه الهيئات ‌و‌ تاكدت ‌به‌ الصفات ‌و‌ صار خلقا ‌و‌ ملكه فالافاعيل المتكرره ‌و‌ الاعتقادات الراسخه ‌فى‌ النفوس هى بمنزله النقوش الكتابيه ‌فى‌ الالواح كما قال تعالى: «اولئك كتب ‌فى‌ قلوبهم الايمان» ‌و‌ هذه الالواح النفسيه يقال لها صحائف الاعمال ‌و‌ اليه الاشاره بقوله سبحانه: «و اذا الصحف نشرت» فمن كان ‌من‌ اهل السعاده ‌و‌ اصحاب اليمين ‌و‌ كانت معلوماته امورا قدسيه، ‌و‌ اخلاقه زكيه ، ‌و‌ اعماله صالحه، اوتى كتابه بيمينه، اعنى ‌من‌ جانبه الاقوى الروحانى، ‌و‌ ‌هو‌ جهه عليين، ‌و‌ ذلك لان كتابه ‌من‌ جنس الالواح العاليه، ‌و‌ الصحف المكرمه المرفوعه المطهره بايدى سفره كرام برره يشهده المقربون، ‌و‌ ‌من‌ كان ‌من‌ اهل الشقاء المردودين، ‌و‌ كانت معلوماته مقصوره على الجزئيات، ‌و‌ اخلاقه خبيثه، ‌و‌ اعماله سيئه، اوتى كتابه بشماله، اعنى ‌من‌ جانبه الاضعف الجسمانى ‌و‌ ‌هو‌ جهه سجين، ‌و‌ ‌هو‌ فعيل ‌من‌ السجن، سمى ‌به‌ ديوان الشر الذى دون فيه اعمال الكفره ‌و‌ الفجره ‌من‌ الثقلين
 
و قيل: ‌هو‌ النار ‌و‌ الارض السفلى، ‌و‌ ذلك لان اوراقه ‌من‌ جنس الاوراق السفليه ‌و‌ الصحايف الحسيه القابله للاحتراق، فلا جرم يعذب بالنار، ‌و‌ انما عود الارواح الى ‌ما‌ خلقت منه، كما قال تعالى «كما بداكم تعودون» فما خلق ‌من‌ عليين فكتابه يرتفع الى عليين ‌و‌ يكون فيه، ‌و‌ ‌ما‌ خلق ‌من‌ سجين فكتابه يهبط الى سجين ‌و‌ يكون فيه.
 قوله (عليه السلام): ‌فى‌ كتاب مرقوم، متعلق بيرتفع حال ‌من‌ الضمير المستتر فيه الراجع الى الحمد، اى: كائنا ‌فى‌ كتاب مرقوم، اى: مسطور بين الكتابه، رقم فيه تفاصيل احوال السعداء.
 ‌و‌ قيل: معلم، يعلم ‌من‌ رآه ‌ان‌ الخير فيه.
 ‌و‌ قيل: مختوم، لان الختم علامه.
 قوله (عليه السلام): يشهده المقربون اى: يحضره الملائكه الكروبيون المقيمون ‌فى‌ عليين ‌و‌ يحفظونه، ‌او‌ يشهدون بما فيه يوم القيامه ‌و‌ كفى بشهودهم فضيله له، ‌و‌ لمن كتب فيه اسماوهم ‌و‌ اعمالهم.
 
قرت العين: تقر ‌من‌ باب (ضرب) ‌و‌ (تعب)، قره بالضم قرورا: بردت سرورا، ‌من‌ القر بالضم ‌و‌ ‌هو‌ البرد.
 يقال: قر اليوم قرا بالفتح اى: برد.
 قال ابن الاثير: ‌و‌ حقيقته قرت دمعه العين، لان دمعه الفرح ‌و‌ السرور بارده، بخلاف دمعه الحزن فانها تكون حاره انتهى.
 قالت الحكماء: ‌و‌ وجه ذلك: ‌ان‌ الفرح كيفيه تتبعها حركه الروح الى خارج
 
البدن للوصول الى الملذ فاذا تحرك الروح الى خارج انفصلت اجزاء الشوون ‌و‌ المفاصل بعضها ‌من‌ بعض، فتخرج بعض الرطوبات البارده المحتبسه ‌فى‌ الدماغ.
 ‌و‌ الحزن: كيفيه تتبعها حركه الروح الى الداخل هربا ‌من‌ الموذى فاذا انقبض الروح متراجعا نحو الدماغ عصر شيئا ‌من‌ الرطوبات الباقيه على سخونتها السابقه، ‌و‌ لهذا يقال لمن يدعى عليه: سخنت عينه.
 ‌و‌ قيل: المراد ‌من‌ قولهم قرت العين سكونها ‌من‌ قر الشى ء يقر قرا ‌من‌ باب (ضرب ) ‌و‌ (تعب) ايضا اى: استقر، ‌و‌ القرار بالفتح اسم منه اى: سكنت ببلوغ امنيتها بحيث ‌لا‌ تطمح الى شى ء آخر ‌و‌ ‌لا‌ تطلب الفرح بما عداه، قال تعالى: «فلا تعلم نفس ‌ما‌ اخفى لهم ‌من‌ قره اعين جزاء بما كانوا يعملون».
 قوله (عليه السلام): «اذا برقت الابصار».
 برق البصر، كفرح ‌و‌ نصر، برقا ‌و‌ بروقا: تحير فزعا حتى ‌لا‌ يطرف ‌او‌ دهش فلم يبصر.
 ‌و‌ قيل: برق كفرح ‌من‌ برق الرجل اذا نظر الى البرق فتاثر بصره ‌من‌ تامله. ثم استعمل ‌فى‌ كل حيره، ‌و‌ كنصر ‌من‌ البريق ‌و‌ ‌هو‌ اللمعان اى: لمع ‌من‌ شده شخوصه كقوله تعالى: «انما يوخرهم ليوم تشخص فيه الابصار».
 ‌و‌ برق الابصار احد امارات الساعه التى ذكرها الله سبحانه ‌فى‌ قوله: «فاذا برق البصر ‌و‌ خسف القمر ‌و‌ جمع الشمس ‌و‌ القمر يقول الانسان يومئذ اين المفر».
 
قوله (عليه السلام): «و تبيض ‌به‌ وجوهنا اذا اسودت الابشار».
 ابيض الشى ء ابيضاضا: صار ذا بياض.
 ‌و‌ اسود اسودادا: صار ذا سواد.
 ‌و‌ الابشار: جمع بشر بالتحريك كسبب ‌و‌ اسباب، ‌و‌ ‌هو‌ جمع بشره، ‌و‌ هى ظاهر جلد الانسان.
 قيل: ‌و‌ غيره فالابشار جمع جمع، ‌و‌ فيه تلميح الى قوله تعالى: «يوم تبيض وجوه ‌و‌ تسود وجوه» ‌و‌ للمفسرين فيه قولان:
 احدهما: ‌ان‌ المراد بابيضاض الوجوه: اشراقها ‌و‌ اسفارها بنيل البغيه ‌و‌ الظفر بالامنيه ‌و‌ الاستبشار بما تصير اليه ‌من‌ الثواب كقوله تعالى: «وجوه يومئذ مسفره ضاحكه مستبشره»، ‌و‌ باسودادها: ظهور اثر الحزن ‌و‌ الكابه عليها لما تصير اليه ‌من‌ العقاب كقوله تعالى: «و وجوه يومئذ باسره» ‌و‌ قوله: «و وجوه يومئذ عليها غبره ترهقها قتره».
 ‌و‌ ثانيهما: ‌ان‌ البياض ‌و‌ السواد محمولان على ظاهرهما، ‌و‌ هما النور ‌و‌ الظلمه، اذ الاصل ‌فى‌ الاطلاق الحقيقه، فمن كان ‌من‌ اهل نور الحق ‌و‌ سم ببياض اللون ‌و‌ اسفاره ‌و‌ اشراقه ‌و‌ ابيضت صحيفته ‌و‌ سعى النور بين يديه ‌و‌ بيمينه، ‌و‌ ‌من‌ كان ‌من‌ اهل ظلمه الباطل ‌و‌ سم بسواد اللون ‌و‌ كمده، ‌و‌ اسودت صحيفته ‌و‌ احاطت ‌به‌ الظلمه ‌من‌ كل جانب.
 قالوا: ‌و‌ الحكه ‌فى‌ ذلك ‌ان‌ يعرف اهل الموقف كل صنف فيعظموهم
 
و يصغروهم بحسب ذلك ‌و‌ يحصل لهم لسببه مزيد بهجه ‌و‌ سرور ‌او‌ ويل ‌و‌ ثبور.
 ‌و‌ ايضا اذا عرف المكلف ‌فى‌ الدنيا انه يحصل له ‌فى‌ الاخره احدى الحالتين ازدادت نفسه رغبه ‌فى‌ الطاعات ‌و‌ عزفا عن المعاصى، ‌و‌ التحقيق ‌فى‌ ذلك ‌ان‌ الهيئات ‌و‌ الاخلاق الحميده انوار، ‌و‌ الملكات ‌و‌ العادات الذميمه ظلمات، ‌و‌ كل منها ‌لا‌ يظهر آثاره الا بعد المفارقه الى الاخره كما سبق ذكره، فابيضاض الوجوه عباره عن آثار تلك الانوار، ‌و‌ اسوداد الوجوه، ‌و‌ الابشار عباره عن آثار تلك الظلمات اعاذنا الله منها.
 
عتق العبد عتقا: ‌من‌ باب (ضرب)، ‌و‌ عتاقا ‌و‌ عتاقه بفتح: الاوائل خرج ‌من‌ الرق ‌و‌ تخلص ‌من‌ العبوديه، ‌و‌ العتق بالكسر اسم منه، فهو عتيق ‌و‌ عاتق.
 ‌و‌ يتعدى بالهمزه فيقال: اعتقته فهو معتق على القياس، ‌و‌ ‌لا‌ يتعدى بنفسه، فلا يقال: عتقته.
 ‌و‌ لهذا قال ‌فى‌ البارع: ‌لا‌ يقال عتق العبد، ‌و‌ ‌هو‌ ثلاثى مبنى للمفعول، ‌و‌ ‌لا‌ اعتق ‌هو‌ بالالف مبنيا للفاعل، بل الثلاثى لازم ‌و‌ الرباعى متعد، ‌و‌ ‌لا‌ يجوز: عبد معتوق، لان مجى ء مفعول ‌من‌ افعلت شاذ مسموع ‌لا‌ يقاس عليه.
 قال الازهرى ‌فى‌ شرح الفاظ المختصر: العتق ماخوذ ‌من‌ قولهم: عتق الفرس اذا سبق ‌و‌ نجا، ‌و‌ عتق فرخ الطائر: اذا طار، فاستقل كان العبد لما فكت رقبته ‌من‌ الرق
 
تخلص ‌و‌ ذهب حيث شاء انتهى.
 ‌و‌ الاليم: فعيل ‌من‌ الالم.
 قيل: ‌هو‌ بمعنى المولم، كالسميع بمعنى المسمع، ‌و‌ النذير بمعنى المنذر.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ بمعنى المتالم، يقال: الم كفرح فهو اليم، كما يقال: وجع فهو وجيع.
 وصف ‌به‌ العذاب ‌و‌ نحوه للمبالغه، كما ‌فى‌ قوله: تحيه بينهم ضرب وجيع على طريقه جد جده، فان الالم ‌و‌ الوجع حقيقه للمولم ‌و‌ المضروب، كما ‌ان‌ الجد للجاد، ‌و‌ هذا قول اكثر المحققين، لان مجى ء فعيل بمعنى مفعل لم يثبت ‌فى‌ اللغه ‌و‌ ‌ان‌ ورد فشاذ ‌لا‌ يقاس عليه، ‌و‌ اضافته الى النار ‌من‌ اضافه الصفه الى الموصوف، ‌و‌ مثله اضافه الكريم الى الجواد، ‌و‌ اضاف النار الى الله كما اضافها سبحانه الى نفسه ‌فى‌ قوله تعالى: «نار الله الموقده» تهويلا لامرها، ‌او‌ تلميحا الى الايه.
 قوله (عليه السلام): «الى كريم جوار الله»، متعلق بنعتق، وعداه بالى لتضمينه معنى نصير.
 ‌و‌ المعنى: صائرين ‌به‌ الى كريم جوار الله.
 ‌و‌ الكريم: العزيز، ‌و‌ الحسن المرضى ‌و‌ خلاف اللئيم.
 ‌و‌ الجوار- بالكسر- ‌فى‌ الاصل: مصدر جاوره يجاوره مجاوره، ‌و‌ جوارا بالكسر ‌و‌ الضم.
 قال الجوهرى: ‌و‌ الكسر افصح، اذا ‌لا‌ صفه ‌فى‌ السكن.
 
قال الفيومى ‌فى‌ المصباح: ‌و‌ الاسم الجوار بالضم.
 ‌و‌ الصواب: ‌ان‌ الاسم بالفتح كما ورد ‌فى‌ ديوان الادب للفارابى.
 ثم اطلق على الخفاره بمعنى الحمايه، ‌و‌ كان ‌من‌ عاده العرب ‌ان‌ يخيف بعضهم بعضا، فكان الرجل اذا اراد سفرا اخذ ‌من‌ سيد كل قبيله عهدا فيامن ‌به‌ مادام مجاورا ارضه ‌و‌ داخلا ‌فى‌ حدودها حتى ينتهى الى قبيله اخرى فيفعل مثل ذلك، فيقال: ‌هو‌ ‌فى‌ جوار فلان اى: ‌فى‌ خفارته.
 قال ‌فى‌ القاموس: الجوار- بالكسر- ‌ان‌ تعطى الرجل ذمه فيكون بها جارك فتجيره.
 ‌و‌ المراد ‌به‌ هنا امان الله تعالى ‌من‌ العذاب ‌و‌ وقايته منه ‌او‌ القرب منه ‌و‌ الرفعه عنده بواسطه نيل الثواب تشبيها بالقرب المكانى فيكون ‌من‌ المجاوره حقيقه.
 
زحمه كمنعه، زحما ‌و‌ زاحمه زحاما: ضايقه ‌فى‌ المجلس ‌و‌ غيره، ‌و‌ فلان زاحم الخمسين: قاربها.
 اى: حمدا يوجب غايه القرب منه تعالى، بحيث نزاحم ‌به‌ الملائكه لان كمال القرب ‌من‌ الشى ء مع كثره الطالبين للوصول اليه يوجب المزاحمه، ‌و‌ هذا على القول: بان الملائكه اجسام ظاهر. ‌و‌ اما على القول: بانها ارواح مجرده فهو ‌من‌ باب التمثيل.
 ‌و‌ الملائكه: جمع ملاك بالهمز، ‌و‌ اصله مالك بتقديم الهمزه ‌و‌ ضم اللام ‌من‌ الالوكه ‌و‌ هى الرساله ثم قلبت ‌و‌ قدمت اللام.
 
و قيل: ملاك، ‌و‌ جمع على فعائل مثل شمل ‌و‌ شمائل ثم تركت همزه المفرد لكثره الاستعمال ‌و‌ القيت حركتها على اللام فقيل ملك، ‌و‌ الحاق التاء لتاكيد تانيث الجماعه نحو حجاره، ‌و‌ قد ‌لا‌ تلحق، هذا قول الاكثر.
 ‌و‌ قيل: جمع ملك ‌و‌ اشتقاقه ‌من‌ ملك، لما فيه ‌من‌ معنى القوه ‌و‌ الشده، ‌و‌ جمع هذا الجمع باعتبار اصله الذى ‌هو‌ ملاك على ‌ان‌ الهمزه مزيده ‌و‌ ‌هو‌ كما ترى.
 ‌و‌ المقربون: ‌هم‌ العليون الذين شانهم الاستغراق ‌فى‌ معرفه الحق ‌و‌ التنزه عن الاشتغال بغيره كما نعتهم الله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ بقوله: «يسبحون الليل ‌و‌ النهار ‌لا‌ يفترون».
 ‌و‌ سياتى الكلام على حقيقه الملائكه ‌و‌ اقسامهم ‌فى‌ الروضه الثالثه ‌ان‌ شاء الله تعالى.
 قوله (عليه السلام): «و نضام ‌به‌ انبيائه المرسلين».
 الضم: الجمع، تقول ضممت الشى ء الى الشى ء فانضم ‌و‌ ضامه اى: انجمع اليه، ‌و‌ فلان نهض للقتال ‌و‌ ضامه قومه اى: انضموا اليه.
 ‌و‌ المعنى ننضم ‌به‌ الى انبيائه المرسلين، ‌و‌ نجتمع ‌فى‌ دار المقامه معهم.
 ‌و‌ الانبياء: جمع نبى، فعيل بمعنى فاعل ‌من‌ النباء بالهمز، اى: الخبر، لانه انبا عن الله تعالى اى: اخبر، ‌و‌ يجوز فيه تحقيق الهمز ‌و‌ تخفيفه، يقال: نبا ‌و‌ نبى ‌و‌ انبا ‌و‌ انبى.
 قال سيبويه: ليس احد ‌من‌ العرب الا ‌و‌ يقول تنبا مسيلمه بالهمز غير انهم تركوا الهمز ‌فى‌ النبى كما تركوه ‌فى‌ الذريه ‌و‌ البريه ‌و‌ الخابيه، الا اهل مكه فانهم يهمزون هذه الاحرف الاربعه ‌و‌ ‌لا‌ يهمزون غيرها ‌و‌ يخالفون العرب ‌فى‌ ذلك.
 
و قال ابن السكيت ‌فى‌ اصلاح المنطق: قال يونس: اهل مكه يخالفون العرب فيهمزون النبى ‌و‌ البريئه ‌و‌ الذريئه ‌و‌ الخابئه.
 ‌و‌ غيرهم يترك فيها الهمز لكثره الاستعمال.
 ‌و‌ نبا ‌من‌ ارض الى ارض اى: خرج، ‌و‌ هذا المعنى اراد الاعرابى بقوله: ‌يا‌ نبى ء الله بالهمزه، اى: الخارج ‌من‌ مكه الى المدينه، فانكره عليه ‌و‌ قال: «لا تنبز باسمى فانما انا نبى الله» ‌اى‌ بغير همز.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ مشتق ‌من‌ النباوه ‌و‌ هى الشى ء المرتفع لعلو شانه (عليه السلام).
 ‌و‌ المرسلين: جمع مرسل، ‌من‌ ارسله: بعثه برساله يوديها فهو مرسل، ‌و‌ رسول فعول بمعنى مفعول. ‌و‌ انما وصف الانبياء بالمرسلين، لان الرسول اخص ‌من‌ النبى، لان كل رسول نبى ‌من‌ غير عكس.
 فقيل: الرسول الذى معه كتاب ‌من‌ الانبياء، ‌و‌ النبى الذى ينبى ء عن الله تعالى ‌و‌ ‌ان‌ لم يكن معه كتاب، هكذا قال غير واحد ‌من‌ المفسرين.
 
و فيه بحث لان لوطا ‌و‌ اسماعيل ‌و‌ ايوب ‌و‌ يونس ‌و‌ هارون كانوا مرسلين كما ورد ‌فى‌ التنزيل، ‌و‌ لم يكونوا اصحاب كتب مستقله.
 ‌و‌ قيل: الرسول ‌من‌ بعثه الله تعالى بشريعه جديده يدعو الناس اليها، ‌و‌ النبى يعمه، ‌و‌ ‌من‌ بعثه لتقرير شريعه سابقه كانبياء بنى اسرائيل الذين كانوا بين موسى ‌و‌ عيسى (عليهم السلام).
 ‌و‌ يدل عليه: انه (عليه السلام) سئل عن الانبياء فقال: مائه الف ‌و‌ اربعه ‌و‌ عشرون الفا، قيل: فكم الرسول منهم؟ فقال: ثلاثمائه ‌و‌ ثلاثه عشر جما غفيرا.
 ‌و‌ قيل: الرسول: ‌من‌ ياتيه الملك بالوحى عيانا ‌و‌ مشافهه، ‌و‌ النبى: يقال له ‌و‌ لمن يوحى اليه ‌فى‌ المنام.
 ‌و‌ هذا القول مروى عن ابى جعفر ‌و‌ ابى عبدالله (عليهماالسلام) قالا: ‌ان‌ الرسول الذى يظهر له الملك فيكلمه، ‌و‌ النبى ‌هو‌ الذى يرى ‌فى‌ منامه. ‌و‌ ربما اجتمعت النبوه ‌و‌ الرساله لواحد.
 ‌و‌ عن زراره قال: سالت اباعبدالله (عليه السلام) عن قول الله تعالى: «و كان رسولا نبيا» ‌ما‌ الرسول؟ ‌و‌ ‌ما‌ النبى؟ قال: النبى: الذى يرى ‌فى‌ منامه ‌و‌ يسمع الصوت ‌و‌ ‌لا‌ يعاين الملك، ‌و‌ الرسول: الذى يسمع الصوت ‌و‌ يرى ‌فى‌ المنام ‌و‌ يعاين الملك.
 
تنبيه
 
 انما قدم (عليه السلام) الملائكه على الانبياء ‌فى‌ الذكر رعايه للترتيب الواقع، لانهم الوسائط بين الله تعالى ‌و‌ بين رسله ‌فى‌ تبليغ الوحى ‌و‌ الشريعه، ‌لا‌ لكونهم افضل ‌من‌ الانبياء، خلافا للمعتزله ‌و‌ ‌من‌ وافقهم، ‌و‌ ‌ما‌ قاله النيسابورى ‌فى‌ تفسيره: ‌من‌ ‌ان‌ الشيعه ‌و‌ افقوا المعتزله على ذلك، محض افتراء عليهم، فان الشيعه مجمعون على ‌ان‌ الانبياء افضل ‌من‌ الملائكه (عليهم السلام).
 قال الشريف المرتضى رضى الله عنه: المعتمد ‌فى‌ القطع على ‌ان‌ الانبياء افضل ‌من‌ الملائكه (عليهم السلام) على اجماع الشيعه الاماميه لانهم ‌لا‌ يختلفون ‌فى‌ هذا، بل يزيدون فيه ‌و‌ يذهبون الى ‌ان‌ الائمه (عليهم السلام) افضل ‌من‌ الملائكه. ‌و‌ اجماعهم حجه، لان المعصوم ‌فى‌ جملتهم.
 ‌و‌ قال الشيخ ابوجعفر ‌بن‌ بابويه قدس سره: اعتقادنا ‌فى‌ الانبياء ‌و‌ الرسل ‌و‌ الحجج (عليهم السلام) انهم افضل ‌من‌ الملائكه لان الحاله التى يصيرون اليها افضل ‌و‌ اعظم ‌من‌ حال الملائكه (عليهم السلام).
 المقامه: بالضم مصدر بمعنى الاقامه الحقت ‌به‌ التاء قال تعالى: «الذى احلنا دار المقامه ‌من‌ فضله» اى: دار الاقامه التى ‌لا‌ انتقال عنها ابدا.
 
و زال الشى ء: يزول زوالا ذهب ‌و‌ استحال، ‌و‌ زال عن مكانه: انتقل.
 ‌و‌ المحل: بفتح الحاء ‌و‌ الكسر لغه حكاها ابن القطاع موضع الحلول.
 يقال: ‌حل‌ بالمكان حلولا ‌من‌ باب (قعد) اذا نزل به.
 ‌و‌ الكرامه: اسم ‌من‌ الاكرام ‌و‌ التكريم، ‌و‌ هما بمعنى الاعزاز ‌و‌ التعظيم.
 ‌و‌ حال الشى ء يحول: تغير عن طبعه ‌و‌ وصفه، كاستحال.
 ‌و‌ انما كانت تلك الدار دائمه باقيه مصونه عن الانقضاء ‌و‌ الزوال آمنه ‌من‌ الانقراض ‌و‌ استحاله الاحوال، لانها خلقت لذاتها ‌لا‌ لشى ء آخر فهى محل الاقامه ‌و‌ دار القرار قال تعالى: «انما هذه الحيوه الدنيا متاع ‌و‌ ‌ان‌ الاخره هى دار القرار». بخلاف هذه الدار فانها لم تخلق لذاتها، بل لتكون وسيله الى تحصيل نشاه اخرى ‌و‌ ذريعه اليها، فلا ‌بد‌ ‌من‌ انقطاعها ‌و‌ مصيرها الى البوار.
 
 تبصره
 
 لعل المراد بدار المقامه: الجنه المحسوسه التى لاصحاب اليمين ‌و‌ هى التى ذكرها سبحانه ‌فى‌ قوله: «جنات عدن يدخلونها يحلون فيها ‌من‌ اساور ‌من‌ ذهب ‌و‌ لولوا ‌و‌ لباسهم فيها حرير ‌و‌ قالوا الحمد لله الذى اذهب عنا الحزن ‌ان‌ ربنا لغفور شكور الذى احلنا دار المقامه ‌من‌ فضله ‌لا‌ يمسنا فيها نصب ‌و‌ ‌لا‌ يمسنا فيها لغوب».
 ‌و‌ بمحل الكرامه: الجنه العقليه التى للمقربين ‌و‌ هى جوار الله تعالى ‌و‌ حضرته
 
المشار اليها بقوله سبحانه: «ان المتقين ‌فى‌ جنات ‌و‌ نهر ‌فى‌ مقعد صدق عند مليك مقتدر».
 قال صاحب عرائس البيان: وصف الله سبحانه بقوله هذا منازل المتقين الذين اقبلوا على الله بنعت المعرفه ‌و‌ المحبه ‌و‌ خرجوا مما دونه ‌من‌ البريه ‌و‌ تلك المنازل عالم الشهاده ‌و‌ مقامات العنديه جنانها رفارف الانس ‌و‌ انهارها انوار القدس اجلسهم الله على بساط الزلفه ‌و‌ المداناه التى ‌لا‌ يتغير صاحبها بعله القهر ‌و‌ ‌لا‌ يزول عنها بالحجاب ‌و‌ الستر لذلك سماه مقعد صدق ‌اى‌ محل كرامه دائمه ‌و‌ قربه قائمه ‌و‌ مواصله سرمديه ‌و‌ زلفه ابديه، انتهى.
 سئل ابوجعفر الشاشى: ‌من‌ الغريب؟ فقال: الذى يطلبه رضوان ‌فى‌ الجنه فلا يجده ‌و‌ يطلبه مالك ‌فى‌ النار فلا يجده ‌و‌ يطلبه جبرئيل ‌فى‌ السماوات فلا يجده ‌و‌ يطلبه ابليس ‌فى‌ الارض فلا يجده، فقال له اهل المجلس ‌و‌ قد تفطرت قلوبهم: ‌يا‌ اباجعفر فاين يكون هذا الغريب؟ فقال: ‌فى‌ مقعد صدق عند مليك مقتدر.
 قال بعض العارفين ‌من‌ اصحابنا المتاخرين: ‌ان‌ هولاء الاصفياء ‌و‌ ‌ان‌ كانوا ‌من‌ جهات هوياتهم العقليه مقربين منه تعالى جالسين ‌فى‌ مقعد الصدق تحت قبه الجبروت لكنهم ‌من‌ جهه نفوسهم المطيعه لامر الله المسلمه لحكمه يسرحون ‌فى‌ مراتع اللذات ‌و‌ يتنعمون بنعيم الجنات فلارواحهم التى ‌هو‌ عقول بالفعل جنان معنويه ‌من‌ المعارف ‌و‌ العلوم ‌و‌ لانفسهم الحيوانيه جنان صوريه ‌من‌ اللذات ‌و‌ الشهوات تنالها
 
من طريق قواها الحسيه العمليه ‌من‌ اكل ‌و‌ شرب ‌و‌ نكاح ‌و‌ غيرها جزاء بما صبرت عنه ‌فى‌ الدنيا ‌من‌ لذاتها ‌و‌ حبست عنه قواها ‌من‌ شهواتها ‌و‌ الملائكه يدخلون عليهم ‌من‌ كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.
 
الاختيار: الاصطفاء، ‌و‌ اصلهما اتخاذ خير الشى ء ‌و‌ صفوته.
 ‌و‌ الضمير ‌فى‌ «لنا» لنوع الانسان.
 ‌و‌ اختياره سبحانه محاسن الخلق لهم يعود الى افاضتها عليهم بحسب ‌ما‌ وهبت لهم العنايه الالهيه ‌من‌ القبول ‌و‌ الاستعداد لها.
 ‌و‌ المحاسن: جمع حسن بالضم بمعنى الجمال على غير قياس.
 ‌و‌ الخلق: بفتح الخاء المعجمه، قد يراد ‌به‌ هنا الهيئات ‌و‌ الاشكال ‌و‌ الصور المدركه بالحواس الظاهره فيكون اشاره الى قوله تعالى: «و صوركم فاحسن صوركم »، فان الانسان لما كان اشرف الحيوانات ‌و‌ خلاصه المخلوقات ركبه تعالى ‌فى‌ احسن صوره فخلقه منتصب القامه بادى البشره متناسب الاعضاء ‌و‌ التخطيطات متهيا لمزاوله الصناعات ‌و‌ اكتساب الكمالات ذا لسان ذلق ينطق به، ‌و‌ يدو اصابع يتناول ماكوله ‌و‌ مشروبه بها
 قال بعضهم: المحاسن البدنيه ثلاثه امور.
 الاول: الصوره الحسنه كما قال تعالى: «و صوركم فاحسن صوركم».
 الثانى: حسن القامه ‌و‌ التعديل كما قال تعالى: (لقد خلقنا الانسان ‌فى‌ احسن تقويم).
 الثالث: تمكينه ‌من‌ القيام ‌و‌ القعود ‌و‌ الاستلقاء ‌و‌ الانبطاح ‌و‌ الاضطجاع.
 
و ذلك انه تعالى ركب الخلق على اصناف اربعه.
 احدها: ‌ما‌ يشبه القائمين كالاشجار.
 ثانيها: ‌ما‌ يشبه الراكعين كالبهائم.
 ‌و‌ ثالثها: ‌ما‌ يشبه الساجدين كالحشرات التى تدب على وجوهها ‌و‌ بطونها.
 ‌و‌ رابعها: ‌ما‌ يشبه القاعدين كالجبال.
 ثم انه سبحانه خلق الانسان قادرا على جميع هذه الهيئات ‌و‌ مكنه ‌من‌ ذكره على جميع هذه الاحوال كما قال تعالى: «الذين يذكرون الله قياما ‌و‌ قعودا ‌و‌ على جنوبهم».
 ‌و‌ قد يراد بالخلق ‌ما‌ يعم الخلق الباطن فيكون حسن خلقه ‌من‌ حيث ‌ان‌ بارئه ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ خلقه ‌فى‌ احسن صوره كما مر، ‌و‌ ركبه ‌من‌ الاشياء المتفاوته ‌و‌ الامزجه المختلفه، ‌و‌ قسم جوهره روحا ‌و‌ بدنا ‌و‌ خصصه بالفهم ‌و‌ العقل ‌و‌ زين ظاهره بالحواس الظاهره ‌و‌ باطنه بالحواس الباطنه، ‌و‌ افاض عليه النفس الناطقه ‌و‌ زينها بالفكر ‌و‌ الذكر ‌و‌ الحفظ لتكون اميرا ‌و‌ العقل وزيره، ‌و‌ القوى جنوده، ‌و‌ الحس المشترك بريده، ‌و‌ البدن محل مملكته، ‌و‌ الاعضاء خدمه، ‌و‌ الحواس يسافرون ‌فى‌ عالمهم يلتقطون الاخبار الموافقه ‌و‌ المخالفه يعرضونها على الحس المشترك الذى ‌هو‌ بين الحواس ‌و‌ النفس على باب المدينه ‌و‌ ‌هو‌ يعرضها على قوه العقل ليختار ‌ما‌ يوافق ‌و‌ يطرح ‌ما‌ يخالف، فمن هذا الوجه قالوا: ‌ان‌ الانسان عالم صغير، ‌و‌ ‌من‌ حيث انه يتغذى ‌و‌ ينمو قالوا: انه نبات، ‌و‌ ‌من‌ حيث انه يحس ‌و‌ يتحرك قالوا: انه حيوان، ‌و‌ ‌من‌ حيث انه يدرك حقائق الاشياء قالوا: انه ملك، فصار مجمعا لهذه المعانى ‌و‌ ليس ‌فى‌ خلق الله ‌ما‌ يجمعها غيره.
 
و ‌فى‌ نسخه (محاسن الخلق) بضم الخاء فيكون المراد باختياره لها ارتضاوه لها ‌و‌ رضاه بها دون مساوى الاخلاق كما قال تعالى: «و ‌لا‌ يرضى لعباده الكفر ‌و‌ ‌ان‌ تشكروا يرضه لكم».
 ‌و‌ الخلق: هيئه راسخه للنفس تصدر عنها الافعال بسهوله ‌من‌ غير فكر ‌و‌ رويه، فان كانت بحيث تصدر عنها الافعال الجميله شرعا ‌و‌ عقلا سميت خلقا حسنا، ‌و‌ ‌ان‌ كانت بحيث تصدر عنها الافعال القبيحه شرعا ‌او‌ عقلا سميت خلقا سيئا- ‌و‌ الروايات ‌فى‌ مدح حسن الخلق ‌و‌ الحث على اكتسابه مستفيضه ‌من‌ طرق الخاصه ‌و‌ العامه.
 فمن ذلك ‌ما‌ رواه رئيس المحدثين ‌فى‌ كتاب الخصال، قال: حدثنا ابوالحسن على ‌بن‌ عبدالله ‌بن‌ احمد الاسوارى، قال: حدثنا ابويوسف احمد ‌بن‌ محمد ‌بن‌ قيس السجزى المذكر، قال: حدثنى ابومحمد عبدالعزيز ‌بن‌ على السرخسى بمرو الرود، قال: حدثنى ابوبكر احمد ‌بن‌ عمران البغدادى، قال: حدثنا ابوالحسن، قال: حدثنا ابوالحسن، قال: حدثنا ابوالحسن، قال: حدثنا الحسن، عن الحسن، عن الحسن: ‌ان‌ احسن الحسن الخلق الحسن.
 فاما ابوالحسن الاول فمحمد ‌بن‌ عبدالرحيم التسترى، ‌و‌ اما ابوالحسن الثانى فعلى ‌بن‌ احمد البصرى التمار، ‌و‌ اما ابوالحسن الثالث فعلى ‌بن‌ محمد الواقدى، ‌و‌ اما الحسن الاول فالحسن ‌بن‌ عرفه العبدى، ‌و‌ اما الحسن الثانى فالحسن ‌بن‌ ابى الحسن البصرى، ‌و‌ اما الحسن الثالث فالحسن ‌بن‌ على ‌بن‌ ابى طالب (عليهماالسلام).
 ‌و‌ بعض العامه يروى هذا الحديث بهذه الصوره: حدثنا الحسن عن الحسن عن
 
ابى الحسن عن جد الحسن: ‌ان‌ احسن الحسن الخلق الحسن. رواه المستغفرى ‌فى‌ مسلسلاته.
 ‌و‌ ابن عساكر عن الحسن البصرى عن الحسن ‌بن‌ على عليهماالسلام.
 ‌و‌ سنستوفى الكلام على ‌ما‌ يتعلق بالاخلاق ‌فى‌ شرح دعائه (عليه السلام) ‌فى‌ مكارم الاخلاق ‌ان‌ شاء الله تعالى.
 اجرى عليه الرزق: جعله جاريا ‌اى‌ دارا متصلا، ‌و‌ منه الحديث: «الارزاق جاريه» ‌اى‌ داره متصله،
 ‌و‌ اجرى عليه الف دينار: ‌اى‌ جعلها وظيفه جاريه له، ‌و‌ منه الجرايه للجارى ‌من‌ الوظائف.
 ‌و‌ الطيبات: تقع على كل ‌ما‌ يستطاب ‌من‌ الاطعمه الا ‌ما‌ ‌دل‌ الدليل على تحريمه ‌من‌ كتاب ‌او‌ سنه.
 ‌و‌ قيل: كل ‌ما‌ يستلذ ‌و‌ يشتهى عند اهل المروه ‌و‌ الاخلاق الحميده.
 ‌و‌ قيل: ‌ما‌ لم تستخبثه الطباع السليمه ‌و‌ لم تنفر عنه كما ‌فى‌ قوله تعالى: «و يحل لهم الطيبات ‌و‌ يحرم عليهم الخبائث».
 قالوا: ‌و‌ ليس الرجوع ‌فى‌ الاستطابه ‌و‌ الاستخباث الى طبقات الناس ‌و‌ تنزيل كل قوم على ‌ما‌ يستطيبون ‌و‌ يستخبثون لان ذلك يوجب اختلاف الاحكام ‌فى‌ الحل ‌و‌ الحرمه ‌و‌ ‌هو‌ يخالف موضوع الشرع بل ينبغى الرجوع ‌فى‌ ذلك الى العرب لان الدين عربى ‌و‌ ‌هم‌ المخاطبون اولا بقوله تعالى: «يسئلونك ماذا احل لهم ‌قل‌ احل
 
لكم الطيبات»، ‌و‌ ليس لهم ترفه ‌و‌ تنعم يورث تضييق المطاعم على الناس ‌و‌ لكن المعتبر استطابته سكان القرى ‌و‌ البلاد دون اجلاف البوادى.
 ‌و‌ ايضا يعتبر اصحاب اليسار ‌و‌ الترفه دون اصحاب الضرورات ‌و‌ الحاجات.
 ‌و‌ ايضا المعتبر حال الخصب ‌و‌ الرفاهيه دون حال الجدب ‌و‌ الشده.
 ‌و‌ قد تقدم الكلام على الرزق فليرجع اليه.
 
الفضيله: الشرف ‌و‌ الدرجه الرفيعه ‌فى‌ الفضل، ‌و‌ ‌هو‌ ‌ضد‌ النقص.
 ‌و‌ ملكه يملكه ‌من‌ باب (ضرب) ملكا مثلثه ‌و‌ ملكه محركه: احتواه قادرا على الاستبداد به، ‌و‌ طال ملكته محركه اى: رقه، ‌و‌ اقر بالملكه محركه بالملك، ‌و‌ له عليه ملكه محركه اى: ‌هو‌ ملكه.
 ‌و‌ يقال: فلان حسن الملكه اذا كان حسن الصنع الى مماليكه.
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: ‌لا‌ يدخل الجنه سيى ء الملكه ‌اى‌ سيى ء الصنع الى ‌من‌ يملكه، ‌و‌ هى بهذا المعنى القيام بالمماليك ‌و‌ ‌ما‌ يملك ‌من‌ ذات اليد.
 ‌و‌ منه الحديث: حسن الملكه نماء ‌و‌ سوء الملكه شوم.
 ‌و‌ الباء: للسببيه اى: بسبب الملكه، ‌و‌ هى متعلقه بالفضيله، ‌و‌ يحتمل تعلقها بجعل.
 ‌و‌ قوله (عليه السلام) «على جميع الخلق» متعلق بالملكه ‌و‌ عداها بعلى لما فيها ‌من‌ معنى التسلط ‌و‌ القدره كما قالوا له عليه ملكه.
 ‌و‌ قول بعضهم انه متعلق بالفضيله ‌و‌ تخصيصه الملكه بحسن الملكه كانه قال:
 
فضلنا على جميع الخلق بحسن الملكه.
 ‌لا‌ يخفى بعده ‌و‌ عدم ملائمته لما بعده، ‌و‌ ابعد منه، حمل بعضهم الملكه على معنى الكيفيه الراسخه القائمه بمحلها اى: جعل لنا الافضليه على جميع الخلق بالكيفيه الراسخه الذاتيه لنا ‌من‌ دون تجشم كسب ‌و‌ ‌من‌ غير امكان مباينه.
 ‌و‌ المراد بجميع الخلق: العالم باسره.
 قال الصادق (عليه السلام) ‌فى‌ كتاب التوحيد: اول العبر ‌و‌ الادله على البارى ‌جل‌ قدسه هذا العالم ‌و‌ تاليف اجزائه ‌و‌ نظمها على ماهى عليه، فانك اذا تاملته بفكرك ‌و‌ ميزته بعقلك وجدته كالبيت المبنى المعد فيه جميع ‌ما‌ يحتاج اليه عباده، فالسماء مرفوعه كالسقف ‌و‌ الارض ممدوده كالبساط ‌و‌ النجوم منضوده كالمصابيح، ‌و‌ الجواهر مخزونه كالذخائر ‌و‌ كل شى ء فيها لشانه معد، ‌و‌ الانسان كالمملك ذلك البيت ‌و‌ المخول فيه، ‌و‌ ضروب النبات مهياه لماربه، ‌و‌ صنوف الحيوان مصروفه ‌فى‌ مصالحه ‌و‌ منافعه».
 قال بعض العلماء: لما كان الغايه القصوى ‌من‌ ايجاد العالم ‌و‌ المقصد الاقصى ‌من‌ خلق بنى آدم ليس الا وجود خليفه الله ‌فى‌ ارضه ‌و‌ العالم الربانى ‌فى‌ عباده ‌و‌ ‌هو‌ الثمره العليا ‌و‌ اللباب الاصفى ‌من‌ شجره الكون المشتمله على الدنيا ‌و‌ العقبى ليس الا ‌و‌ ساير الاكوان انما خلق ‌من‌ فضالته لحاجته اليها ‌من‌ ضرورات تعيشه بها ‌و‌ استخدامه اياها.
 كما قال سبحانه ‌فى‌ الحديث القدسى مخاطبا صفوه خلقه: خلقت الاشياء لاجلك ‌و‌ خلقتك لاجلى.
 
و قال تعالى: لولاك لما خلقت الافلاك.
 ‌و‌ عنه (صلى الله عليه ‌و‌ آله): ‌يا‌ على لو ‌لا‌ نحن ‌ما‌ خلق الله آدم ‌و‌ ‌لا‌ حواء ‌و‌ ‌لا‌ الجنه ‌و‌ ‌لا‌ النار ‌و‌ ‌لا‌ السماء ‌و‌ ‌لا‌ الارض.
 جعل المخلوقات العاليه ‌و‌ السافله كلها مسخره للانسان مطيعه له كمال قال سبحانه: «و سخر لكم الليل ‌و‌ النهار ‌و‌ الشمس ‌و‌ القمر ‌و‌ النجوم مسخرات بامره» «و ‌ما‌ ذرا لكم ‌فى‌ الارض مختلفا الوانه»، ‌و‌ قال: «و سخر لكم ‌ما‌ ‌فى‌ السموات ‌و‌ ‌ما‌ ‌فى‌ الارض». فاشار سبحانه الى تسخيره لنا الكواكب ‌و‌ الحيوانات ‌و‌ النباتات ‌و‌ الجمادات فكان غير الانسان انما خلق للانسان، ‌و‌ الانسان للكامل، ‌و‌ الكامل للاكمل، ‌و‌ الاكمل لله سبحانه.
 الفاء: للسببيه ‌اى‌ بسبب ذلك كل خليقته.
 منقاده: ‌اى‌ مذعنه طائعه، يقال: انقاد فلان للامر اذا اطاع ‌و‌ اذعن طوعا ‌او‌ كرها، ‌و‌ اصله ‌من‌ قاد الرجل الدابه فانقادت اذا اخذ بقيادها ‌و‌ سار فتبعته.
 ‌و‌ الخليقه: فعليه بمعنى مفعوله، ‌و‌ التاء فيها اماره للنقل ‌من‌ الوصفيه الى الاسميه، ‌و‌ علامه لكون الوصف غالبا غير محتاج الى موصوف كالنطيحه ‌و‌ الذبيحه.
 ‌و‌ صائره: ‌اى‌ راجعه، ‌من‌ صار الامر الى كذا رجع اليه.
 ‌و‌ الطاعه: اسم ‌من‌ اطاعه اذا امتثل امره ‌و‌ نهيه.
 
و العزه: القوه، ‌عز‌ الرجل ‌من‌ باب (ضرب) عزا بالكسر ‌و‌ عزازه بالفتح: قوى، ‌و‌ ‌عز‌ يعز ‌من‌ باب (تعب) لغه فهو عزيز، ‌و‌ الاسم العزه بالكسر، فقوله بعزته اى: بقوته على جعلها منقاده طائعه بتسخيره اياها لنا، ‌و‌ التسخير على ثلاثه اقسام.
 اولها: الوضعى العرضى ‌و‌ ‌هو‌ ادناها كتسخيره سبحانه وجه الارض ‌و‌ ‌ما‌ فيها للحرث ‌و‌ الزرع ‌و‌ غير ذلك «و سخر لكم ‌ما‌ ‌فى‌ السموات ‌و‌ ‌ما‌ ‌فى‌ الارض جميعا»، ‌و‌ ‌من‌ ذلك تسخير الجبال ‌و‌ المعادن «جعل لكم مما خلق ظلالا ‌و‌ جعل لكم ‌من‌ الجبال اكنانا ‌و‌ جعل لكم سرابيل تقيكم الحر ‌و‌ سرابيل تقيكم باسكم»، ‌و‌ منه تسخير البحار «و ‌هو‌ الذى سخر البحر لتاكلوا منه لحما طريا ‌و‌ تستخرجوا منه حليه تلبسونها ‌و‌ ترى الفلك مواخر فيه ‌و‌ لتبتغوا ‌من‌ فضله ‌و‌ لعلكم تشكرون»، ‌و‌ منه تسخير الاشجار للغرس ‌و‌ اخذ الثمار ‌و‌ غير ذلك «هو الذى انزل ‌من‌ السماء ماء لكم منه شراب ‌و‌ منه شجر فيه تسيمون ينبت لكم ‌به‌ الزرع ‌و‌ الزيتون ‌و‌ النخيل ‌و‌ الاعناب» «تتخذون منه سكرا ‌و‌ رزقا حسنا». «و جعل لكم ‌من‌ الشجر الاخضر نارا فاذا انتم منه توقدون» «كلوا ‌و‌ ارعوا انعامكم» «كلوا ‌من‌ ثمره»، ‌و‌ منه تسخير الدواب ‌و‌ الانعام للركوب ‌و‌ الزينه ‌و‌ حمل الاثقال «انا
 
خلقنا لهم مما عملت ايدينا انعاما فهم لها مالكون ‌و‌ ذللناها لهم فمنها ركوبهم ‌و‌ منها ياكلون»، «و الانعام خلقها لكم فيها دف ء ‌و‌ منافع ‌و‌ منها تاكلون ‌و‌ لكم فيها جمال حين تريحون ‌و‌ حين تسرحون ‌و‌ تحمل اثقالكم الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس ‌ان‌ ربكم لروف رحيم ‌و‌ الخيل ‌و‌ البغال ‌و‌ الحمير لتركبوها ‌و‌ زينه»، ‌و‌ منه تسخير النسوان ‌و‌ الجوارى للنسل ‌و‌ التوليد «نساوكم حرث لكم».
 الثانى: التسخير الطبيعى ‌و‌ ‌هو‌ اوسطها، ‌و‌ ‌هو‌ تسخير جنود القوى النباتيه ‌و‌ مواضعها له للتغذيه ‌و‌ التنميه ‌و‌ التوليد ‌و‌ الجذب ‌و‌ الامساك ‌و‌ الهضم ‌و‌ الدفع ‌و‌ التصوير ‌و‌ التشكيل.
 الثالث: التسخير النفسانى ‌و‌ ‌هو‌ اعلاها، ‌و‌ ‌هو‌ تسخير ملكوت الحواس ‌و‌ ملك اعضائها ‌و‌ هى على صنفين، صنف ‌من‌ عالم الشهاده، ‌و‌ صنف ‌من‌ عالم الغيب.
 اما الاول: فلا يستطيعون له خلافا ‌و‌ ‌لا‌ عليه تمردا فاذا امر العين بالانفتاح انفتحت، ‌و‌ اذا امر اللسان بالتكلم ‌و‌ جزم الحكم ‌به‌ تكلم ‌و‌ اذا امر الرجل بالحركه تحركت ‌و‌ كذا سائر الاعضاء الظاهره.
 ‌و‌ اما الثانى: فكذلك الا ‌ان‌ الوهم له شيطنه بحسب الفطره يقبل اغواء الشيطان فيعارض العقل ‌فى‌ مقاصده البرهانيه الايمانيه فيحتاج الى تاييد جديد اخروى ليقهره ‌و‌ يغلب عليه ‌و‌ يطرد ظلماته، ‌و‌ لما كان خلق هذا العالم الجسمانى انما ‌هو‌ لاجل الانسان فالملائكه المدبرون له كلهم خادمون له مسخرون لاجله
 
مطيعون له سمائيين كانوا ‌ام‌ ارضيين موكلون بسائر ‌ما‌ خلق لاجله.
 قيل: ‌و‌ هذا ‌هو‌ معنى السجود المامور ‌به‌ الملائكه ‌فى‌ قوله تعالى: «و لقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملئكه اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس لم يكن ‌من‌ الساجدين».
 ‌و‌ بيان ذلك: ‌ان‌ الوجود كله مرتبط بعضه ببعض ارتباط اعضاء الانسان الا ترى ‌ان‌ حواس الانسان ‌و‌ اعضاوه المنقاده له المطيعه لامره مثلا ‌لا‌ تقوم الا بجميع البدن، ‌و‌ ‌لا‌ البدن الا بالغذاء ‌و‌ ‌لا‌ الغذاء الا بالارض ‌و‌ الماء ‌و‌ النار ‌و‌ الهواء ‌و‌ الغيم ‌و‌ المطر ‌و‌ الشمس ‌و‌ القمر، ‌و‌ ‌لا‌ يقوم شى ء منها الا بالسماوات ‌و‌ ‌لا‌ السماوات الا بالمدبرات ‌و‌ الا المدبرات الا بالملائكه العقليه ‌و‌ ‌لا‌ الجميع الا بامر الله ‌و‌ ارادته ‌و‌ قدرته ‌و‌ عزته فثبت ‌ان‌ كل خليقته منقاده لنوع الانسان بقدرته تعالى ‌و‌ صائره الى طاعته بعزته ‌جل‌ ‌و‌ علا.
 
اغلقت الباب: اذا ‌او‌ ثقته بالغلق ‌و‌ ‌هو‌ المغلاق الذى يغلق ‌به‌ الباب هذه اللغه المشهوره، ‌و‌ ‌فى‌ لغه قليله غلقت.
 قال الجوهرى: ‌و‌ هى لغه رديه متروكه.
 ‌و‌ الاستثناء مفرغ ‌و‌ جاز ذلك ‌و‌ ‌ان‌ كان الكلام مثبتا اما لاستقامه المعنى نحو قرات الا يوم كذا، ‌و‌ اما لان الاثبات ‌فى‌ قوه النفى لان المعنى لم يسمنا الحاجه الا اليه كقوله تعالى: «و انها لكبيره الا على الخاشعين» ‌اى‌ ‌لا‌ تسهل ‌و‌ ‌لا‌ تخف الا على الخاشعين.
 
و الظرف متعلق بالحاجه كتعلقه ‌فى‌ الايه بكبيره.
 ‌و‌ المعنى انه تعالى لم يزل واهبا لنا جميع ‌ما‌ نحتاج اليه ‌و‌ لم يخلقنا محتاجين الى غيره.
 قيل: ‌و‌ ‌هو‌ اما باعتبار كون الحاجه الى غيره تعالى حاجه اليه لانه المالك ‌و‌ المنعم الحقيقى.
 ‌و‌ اما لانه تعالى تكفل برزقنا المضمون فنحن محتاجون اليه دون غيره، ‌و‌ فتحنا باب الحاجه الى غيره ‌لا‌ ينافى اغلاقه الباب دوننا.
 ‌و‌ اغرب ‌من‌ خص الحاجه بالاحتياج الى التاثير ‌فى‌ الايجاد.
 قال: ‌و‌ ‌هو‌ بهذا المعنى منحصر ‌فى‌ الاحتياج اليه سبحانه ‌لا‌ بمعنى مطلق الاحتياج ‌و‌ الا فمطلق احتياجنا الى الاجزاء الماديه ‌و‌ الصوريه ‌و‌ الشروط ‌و‌ الالات ‌و‌ ماضا هاها امر يقضى ‌به‌ العقل بالضروره انتهى.
 ‌و‌ ‌لا‌ خفاء بما فيه ‌من‌ التعسف.
 الفاء: فصيحه ‌اى‌ اذا كان فضله وجوده علينا بهذه المثابه فكيف نطيق حمده، ‌و‌ سميت فصيحه لافصاحها عن المحذوف بحيث لو ذكر لم يكن بذلك الحسن مع حسن موقع ذوقى ‌لا‌ يمكن التعبير عنه، ‌و‌ منها ‌فى‌ التنزيل: «انا خير منه خلقتنى ‌من‌ نار ‌و‌ خلقته ‌من‌ طين قال فاخرج» اى: اذا كان عندك هذا الكبر فاخرج ‌و‌ قد استوفينا الكلام عليها ‌فى‌ شرح الصمديه.
 ‌و‌ اطاقه الشى ء: القدره عليه، يقال: اطقت الشى ء اطاقه فانا مطيق، اى: قدرت عليه، ‌و‌ الاسم الطاقه مثل الطاعه اسم ‌من‌ اطاع.
 
و كيف: هنا للانكار المشوب بالتعجب المتضمن للنفى ‌و‌ قد تقدم الكلام عليها ‌فى‌ شرح الاسناد.
 ‌و‌ «ام» حرف عطف ‌و‌ هى هنا منقطعه ‌و‌ معناها الاضراب المحض لان متى اسم استفهام عن الزمان ‌و‌ الاستفهام ‌لا‌ يدخل على الاستفهام فهى لمجرد الاضراب ك«بل»، ‌و‌ التقدير بل متى نودى شكره.
 ‌و‌ الاستفهام ‌فى‌ متى هنا للانكار مثله ‌فى‌ كيف على ‌ما‌ ذكرناه، ‌و‌ فيها ‌من‌ المبالغه ‌ما‌ ليس ‌فى‌ توجيه الانكار المقصود الى نفس اطاقه الحمد، ‌و‌ تاديه الشكر بان يقال افنطيق حمده ‌ام‌ نودى شكره؟ لان كل موجود يجب ‌ان‌ يكون وجوده على حال ‌من‌ الاحوال ‌و‌ ‌فى‌ زمان ‌من‌ الازمنه قطعا فاذا انتفى جميع احوال وجوده ‌و‌ ازمنته فقد انتفى وجوده على الطريق البرهانى.
 ‌و‌ ادى الامانه الى اهلها: اوصلها ‌و‌ دينه قضاه، ‌و‌ الاسم الاداء.
 ‌و‌ لما كان شكره تعالى واجبا على العبد كانه امانه ‌او‌ دين يجب عليه ايصاله ‌و‌ قضاوه استعمل فيه الاداء.
 قوله (عليه السلام): «لا متى». قال بعضهم: ‌هو‌ اما بمعنى ‌لا‌ يمكن تاديه شكره متى يمكن ذلك، ‌او‌ بمعنى ‌لا‌ يقال: متى، فانه يتوهم منه امكان وقوعه.
 ‌و‌ قيل: ‌هو‌ ‌من‌ قبيل الحكايه. كما حكى سيبويه: انه سمع رجلا يقول لاخر ‌من‌ اين يافتى؟ فقال: ‌لا‌ ‌من‌ اين يافتى. يعنى ‌لا‌ تسل فان هنا امرا اهم ‌من‌ هذا، ‌و‌ لو ‌لا‌ الحكايه ‌ما‌ صح دخول (لا) على (من) ‌و‌ ‌لا‌ فهم منه معنى صحيح.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون ‌لا‌ لنفى الجنس، ‌و‌ متى اسمها مرادا ‌به‌ هذا اللفظ الموضوع للاستفهام، ‌و‌ ‌هو‌ ‌و‌ ‌ان‌ كان حينئذ معرفه، لان الكلمه اذا قصد بها لفظها كانت
 
علما لكنه ‌فى‌ تاويل النكره كقوله «لا هيثم الليله للمطى» ‌اى‌ ‌لا‌ مسمى هذا الاسم.
 ‌و‌ المعنى ‌لا‌ استفهام بمتى ‌فى‌ هذا المقام كانه (عليه السلام) لما اورد الاستفهام على سبيل الانكار المتضمن للنفى:
 اولا: اراد التصريح بالنفى.
 ثانيا: ليكون الاقرار بالعجز عن تاديه الشكر صريحا متاكدا، ‌و‌ هذا التركيب تستعمله العرب بعد الاستفهام عن الشى ء الذى يستبعد الاستفهام عنه كقوله:
 اين جيرانك ‌لا‌ اين ‌هم‌
 احجازا ‌او‌ طنوها ‌ام‌ شا اما.
 
ركب الشى ء ‌فى‌ الشى ء تركيبا: وضعه فيه كانه راكب عليه، ‌و‌ منه ركب الفص ‌فى‌ الخاتم، ‌و‌ ركبه ايضا وضع بعضه على بعض.
 ‌و‌ الالات: جمع آله ‌و‌ هى ‌ما‌ يوثر الفاعل ‌فى‌ منفعله القريب منه بواسطته.
 ‌و‌ جعل هنا بمعنى اوجد.
 ‌و‌ الادوات: جمع اداه ‌و‌ هى الاله.
 ‌و‌ المراد بالبسط ‌و‌ القبض بسط الاعضاء ‌و‌ قبضها، ‌و‌ بالالات ‌و‌ الادوات الاعصاب ‌و‌ العضلات ‌و‌ الاوتار ‌و‌ الرباطات ‌و‌ العروق ‌و‌ الاغشيه ‌و‌ اللحوم ‌و‌ الشحوم ‌و‌ الرطوبات ‌و‌ الغضاريف التى بواسطتها تنبسط الاعضاء ‌و‌ تنقبض باراده التحريك ‌و‌ عدمها. ‌و‌ انما قدم البسط على القبض لان اصل العضو باعتبار اصل خلقته يقتضى الانبساط ‌و‌ انقباضه انما يقع باراده التحريك، ‌و‌ كون المراد بالبسط ‌و‌ القبض السرور ‌و‌ المساءه احتمال بعيد.
 متعته: اذا اعطيته متاعا، ‌و‌ ‌هو‌ كل ‌ما‌ يستمتع ‌به‌ ‌اى‌ ينتفع به، ‌و‌ تقول متعك الله بكذا تمتيعا ‌و‌ امتعك ‌به‌ امتاعا اى: اطال لك الانتفاع به.
 ‌و‌ الارواح: اما جمع روح بالضم.
 
و هى على ‌ما‌ ‌فى‌ الحديث عن اميرالمومنين ‌و‌ الباقر ‌و‌ الصادق (عليهم السلام): خمسه للمقربين، روح القدس ‌و‌ ‌به‌ علموا جميع الاشياء، ‌و‌ روح الايمان ‌و‌ ‌به‌ عبدوا الله تعالى، ‌و‌ روح القوه ‌و‌ ‌به‌ جاهدوا الاعداء ‌و‌ عالجوا معائشهم، ‌و‌ روح الشهوه ‌و‌ ‌به‌ اصابوا لذه الطعام ‌و‌ النكاح، ‌و‌ روح البدن ‌و‌ ‌به‌ دبوا ‌و‌ درجوا، ‌و‌ اربعه لاصحاب اليمين بفقد روح القدس فيهم، ‌و‌ ثلاثه لاصحاب الشمال ‌و‌ الدواب بفقد روح الايمان فيهم.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد الارواح الثلاثه المتعلقه بالاعضاء الثلاثه الرئيسه، ‌و‌ هى الروح الحيوانيه التى تقوم بها القوه الحيوانيه المنبعثه ‌من‌ القلب، ‌و‌ الروح النفسانيه التى تقوم بها القوه المدركه ‌و‌ المتحركه المنبعثه ‌من‌ الدماغ، ‌و‌ الروح الطبيعيه التى تقوم بها القوه الطبيعيه ‌من‌ التغذيه ‌و‌ التنميه المنبعثه ‌من‌ الكبد. ‌و‌ اضافتها الى الحياه لان النفس المجرده الانسانيه التى الحياه عباره عن تعلقها بالبدن تتعلق بهذه الارواح باسرها فتتعلق اولا بالروح الحيوانيه ثم بتوسطها تتعلق بالاخيرتين على ‌ما‌ ‌هو‌ الصحيح عند جمهور الحكماء.
 ‌و‌ اما جمع روح بالفتح ‌و‌ ‌هو‌ نسيم الريح، فان العروق النابضه الضوارب التى منبتها القلب ‌و‌ تسمى بالشرايين لها حركتان انقباضيه ‌و‌ انبساطيه ‌و‌ شانها ‌ان‌ تنفض البخار الدخانى عن القلب بحركتها الانقباضيه ‌و‌ تجذب بحركتها الانبساطيه نسيما طيبا صافيا يستريح ‌به‌ القلب ‌و‌ تستمد منه الحراره الغريزيه ‌و‌ بهذه الحركه تنتشر الروح ‌و‌ القوه الحيوانيه ‌و‌ الحراره الغريزيه ‌فى‌ جميع البدن، فهذا النسيم الذى يستريح ‌به‌ القلب ‌هو‌ روح الحياه فلو انقطع عن القلب ساعه ‌لا‌ نقطعت الحياه فتبارك الله احسن الخالقين.
 
قوله (عليه السلام): «و اثبت فينا جوارح الاعمال» اثبت الشى ء ‌فى‌ الشى ء: جعله ثابتا فيه ‌لا‌ يفارقه.
 ‌و‌ الجوارح: جمع جارحه ‌و‌ هى اعضاء الانسان التى يعمل بها ‌و‌ يكتسب، ‌و‌ هى ‌من‌ جرح اذا عمل بيده، تقول: بئس ‌ما‌ جرحت يداك ‌اى‌ عملتا، ‌و‌ منه جوارح الطير لانها تكسب بيدها.
 ‌و‌ الاعمال: جمع عمل ‌و‌ ‌هو‌ الفعل ‌و‌ الصنع.
 ‌و‌ فرق الراغب بين الثلاثه فقال: الفعل لفظ عام، يقال لما كان باجاده ‌و‌ بدونها، ‌و‌ لما كان بعلم ‌او‌ غير علم، ‌و‌ قصد ‌او‌ غير قصد، ‌و‌ لما كان ‌من‌ الانسان ‌و‌ الحيوان ‌و‌ الجماد.
 ‌و‌ اما العمل فانه ‌لا‌ يقال الا لما كان ‌من‌ الحيوان دون الجماد، ‌و‌ لما كان بقصد ‌و‌ علم دون ‌ما‌ لم يكن عن قصد ‌و‌ علم.
 قال بعض الادباء: العمل مقلوب عن العلم، فان العلم فعل القلب، ‌و‌ العمل فعل الجارحه ‌و‌ ‌هو‌ يبرز عن فعل القلب الذى ‌هو‌ العلم ‌و‌ ينقلب عنه.
 ‌و‌ اما الصنع فانه يكون ‌من‌ الانسان دون سائر الحيوان، ‌و‌ ‌لا‌ يقال الا لما كان باجاده. ‌و‌ لهذا يقال للحاذق المجيد، ‌و‌ الحاذقه: المجيده، صنع كبطل، ‌و‌ صناع كسلام، ‌و‌ الصنع يكون بلا فكر لشرف فاعله. ‌و‌ الفعل قد يكون بلا فكر لنقص فاعله، ‌و‌ العمل ‌لا‌ يكون الا بفكر لتوسط فاعله، فالصنع اخص المعانى الثلاثه، ‌و‌ الفعل اعمها، ‌و‌ العمل اوسطها، فكل صنع عمل ‌و‌ ليس كل عمل صنعا، ‌و‌ كل عمل فعل ‌و‌ ليس كل فعل عملا، ‌و‌ فارسيه هذه الالفاظ تنبى ء عن الفرق بينهما فانه قيل: «للفعل» كار، ‌و‌ «للعمل» كردار، «و للصنع» كنش انتهى.
 
و اضافه الجوارح الى الاعمال ‌من‌ اضافه الفاعل الى المفعول.
 ‌و‌ اغرب ‌من‌ قال: يمكن ‌ان‌ يراد بجوارح الاعمال نفس الاعمال الكاسبه للمثوبات ‌و‌ العقوبات لتكون الاضافه ‌من‌ قبيل اضافه الموصوف الى الصفه، ‌و‌ اغرب ‌من‌ ذلك قوله: ‌لا‌ يبعد ‌ان‌ يكون المراد بالجوارح الاعصاب ‌و‌ الشرايين ‌و‌ الاورده النابته ‌من‌ الاعضاء الرئيسيه الجارحه للاعمال النفسانيه ‌و‌ الطبيعيه ‌و‌ الحيوانيه انتهى.
 ‌و‌ ليت شعرى ‌ما‌ الحامل له على هذه التمحلات التى لاتثبت لغه ‌و‌ ‌لا‌ اصطلاحا خصوصا ‌و‌ ‌هو‌ بصدد شرح كلام المعصوم الذى ‌لا‌ ينطق عن الهوى نسال الله الهدايه.
 الغذاء ككتاب: ‌ما‌ ‌به‌ نماء الجسم ‌و‌ قوامه ‌من‌ الطعام ‌و‌ الشراب.
 يقال: غذا الطعام الصبى يغذوه ‌من‌ باب (علا) اذا نجع فيه ‌و‌ كفاه. ‌و‌ غذوته باللبن اغذوه ايضا فاغتذى به، ‌و‌ غذيته بالتثقيل مبالغه فتغذى.
 ‌و‌ طيبات الرزق: فنون الاغذيه اللطيفه حيوانيه كانت ‌او‌ نباتيه، ‌و‌ ضروب المستلذات مما يحصل بصنعنا ‌و‌ بغير صنعنا.
 ‌و‌ ‌فى‌ روايه: الرزق الطيب ‌هو‌ العلم.
 قوله (عليه السلام): «و اغنانا بفضله» ‌هو‌ اما ‌من‌ الغناء بالفتح ‌و‌ المد كسلام بمعنى الاكتفاء.
 يقال: غنيت بكذا عن غيره ‌من‌ باب (تعب) اذا استغنيت به، ‌و‌ الاسم الغنيه بالضم، فانا غنى، ‌و‌ اغنيته به: كفيته.
 ‌او‌ ‌من‌ الغنى بالكسر ‌و‌ القصر: ‌و‌ ‌هو‌ اليسار، تقول غنى فلان ‌من‌ المال يغنى
 
غنى كرضى يرضى رضى، ‌و‌ اغناه الله.
 ‌و‌ الفضل هنا بمعنى: الطول ‌و‌ الاحسان.
 قوله (عليه السلام): «و اقنانا بمنه»، ‌هو‌ اما ‌من‌ القنيه بالكسر ‌و‌ الضم، ‌و‌ ‌هو‌ المال الموثل المدخر الذى يقتنيه الانسان لنفسه ‌و‌ يعزم على ‌ان‌ ‌لا‌ يخرجه ‌من‌ يده، ‌او‌ ‌من‌ قنوت الشى ء اقنوه قنوا ‌و‌ قنوه بالكسر اذا جمعته ‌و‌ اكتسبته.
 ‌او‌ ‌من‌ القنى بالكسر ‌و‌ القصر كالى بمعنى الرضا.
 يقال: اقناه الله اى: ارضاه.
 ‌و‌ قال الزمخشرى: القنا ‌و‌ القنيه: ‌ما‌ اقتنى ‌من‌ شاه ‌او‌ ناقه فجعلهما بمعنى.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ الاساس: اغناه الله ‌و‌ اقناه اولاه الغنى ‌و‌ القنى، ‌و‌ تقول فلان يجتنى الغنى ‌و‌ القنى ‌من‌ اطراف السيوف ‌و‌ القنا انتهى.
 ‌و‌ الفقرتان تلميح الى قوله تعالى «و انه ‌هو‌ اغنى ‌و‌ اقنى».
 قال بعض المفسرين: اغنى الانسان بلبن امه ‌و‌ نفقه ابيه ‌فى‌ صغره ثم اقناه بالكسب بعد كبره، ‌او‌ اغناه بكل ‌ما‌ يدفع الحاجه ‌و‌ اقناه بما زاد عليه.
 ‌و‌ قال بعضهم: اغنى: مول، ‌و‌ اقنى: ارضى.
 ‌و‌ عن ابن عباس: اغنى ‌و‌ اقنى: اعطى ‌و‌ ارضى.
 ‌و‌ عن الصادق (عليه السلام): اغنى كل انسان بمعيشته ‌و‌ ارضاه بكسب يده.
 
و المن: الانعام، ‌و‌ فيه ‌رد‌ على ‌من‌ زعم ‌ان‌ الفقر ‌و‌ الغنى بكسب الانسان ‌و‌ اجتهاده، فمن كسب استغنى ‌و‌ ‌من‌ كسل افتقر.
 
«ثم» على حقيقتها ‌من‌ اقتضاء الترتيب ‌و‌ المهله فانه سبحانه بسنه حكمته ‌و‌ قاعده لطفه ‌و‌ رحمته لم يكلف عباده الا بعد ‌ان‌ خلق فيهم ‌و‌ لهم كل ‌ما‌ يتوقف عليه ‌ما‌ راد منهم ‌من‌ الالات ‌و‌ القوى ‌و‌ سائر الامور ‌و‌ الاسباب المتوقف عليها العباده ‌و‌ الطاعه، ثم امرهم ‌و‌ نهاهم ‌و‌ الا لكان خلقهم عبثا ‌و‌ ‌هو‌ محال عليه تعالى كما قال سبحانه: «افحسبتم انما خلقناكم عبثا ‌و‌ انكم الينا ‌لا‌ ترجعون».
 ‌و‌ قوله: «امرنا ‌و‌ نهانا» ‌اى‌ اوقع علينا الامر ‌و‌ النهى، ‌و‌ لذلك لم يذكر المامور ‌به‌ ‌و‌ المنهى عنه، ‌و‌ ليساهما محذوفين ‌و‌ ‌لا‌ منويين لان الغرض الاعلام بمجرد ايقاع الامر ‌و‌ النهى دون متعلقيهما.
 ‌و‌ الاختبار ‌و‌ الابتلاء بمعنى واحد ‌و‌ ‌هو‌ الامتحان، ‌و‌ ‌هو‌ فعل ‌ما‌ يظهر ‌به‌ الشى ء ‌و‌ حقيقته ‌من‌ الله تعالى اظهار ‌ما‌ كتب علينا ‌فى‌ القدر ‌و‌ ابراز ‌ما‌ اودع فينا ‌و‌ غرز ‌فى‌ طباعنا بالقوه بما يظهره ‌من‌ الشواهد ‌و‌ يخرجه الى الفعل ‌من‌ الوقائع ‌و‌ الحوادث ‌و‌ التكاليف الشاقه بحيث يترتب عليه الثواب ‌و‌ العقاب فانهما ثمرات ‌و‌ لوازم ‌و‌ تبعات ‌و‌ عوارض لامور موجوده ‌اى‌ بالقوه فينا، فاذا لم تصدر عنا ‌و‌ لم تخرج الى الفعل ‌و‌ ‌ان‌ كانت معلومه لله ‌عز‌ ‌و‌ ‌جل‌ موجوده فينا بالقوه، فكيف تحصل ثمراتها ‌و‌ تبعاتها التى هى عوارضها ‌و‌ لوازمها؟، ‌و‌ لهذا قال تعالى: «و لنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم ‌و‌ الصابرين» ‌و‌ امثالها، اى: نعلمهم موصوفين بهذه الصفه بحيث يترتب عليه الجزاء، ‌و‌ اما قبل ذلك الابتلاء فانه علمهم مستعدين للمجاهده ‌و‌ الصبر صائرين
 
اليهما بعد حين.
 اذا عرفت ذلك فقوله (عليه السلام): «ليختبر طاعتنا ‌و‌ ليبتلى شكرنا»، ‌اى‌ ليختبرنا انطيع ‌ام‌ نعصى، ‌و‌ ليبتلينا انشكر ‌ام‌ نكفر، كما قال تعالى: «هذا ‌من‌ فضل ربى ليبلونى ءاشكر ‌ام‌ اكفر».
 ‌او‌ ليختبر طاعتنا ‌و‌ ليبتلى شكرنا فيعلم حسنهما ‌من‌ قبيحهما كما قال تعالى «و نبلوا اخباركم» ‌اى‌ ‌ما‌ يحكى عنكم ‌و‌ يخبر عن اعمالكم فنعلم حسنهما ‌من‌ قبيحهما.
 فان قلت: كيف جعل النهى لابتلاء الشكر دون الطاعه مع ‌ان‌ الطاعه امتثال الامر ‌و‌ النهى؟.
 قلت: لما كان الشكر عرفا عباره عن صرف العبد جميع ‌ما‌ انعم الله عليه ‌به‌ فيما انعم لاجله كان ارتكاب المناهى منافيا للشكر فكان النهى ‌من‌ هذه الجهه لابتلاء الشكر.
 ‌و‌ الى هذا المعنى اشار الصادق (عليه السلام) بقوله: شكر النعمه اجتناب المحارم.
 خالف عن الشى ء: عدل عنه، اى: مال ‌و‌ انحرف، ‌و‌ الاصل خالفنا طريق امره بترك مقتضاه ‌و‌ الذهاب الى سمت خلاف سمته، ثم ضمن معنى العدول فعداه بعن، ‌و‌ منه قوله تعالى: «فليحذر الذين يخالفون عن امره» ‌اى‌ يخالفونه، ‌و‌ عداه بعن لتضمينه معنى الاعراض. ‌و‌ انما قلنا بتضمين معنى العدول ‌فى‌ الاول
 
لمناسبته للطريق اذ يقال: عدل عن الطريق، ‌و‌ ‌لا‌ يقال اعرض عنه.
 ‌و‌ ركبه: كسمعه ركوبا علاه، ‌و‌ اصله ‌فى‌ الدابه ثم توسع فيه ‌و‌ استعمل ‌فى‌ غيرها مجازا، فقيل ركب الطريق اذا مضى فيه، ‌و‌ ركب ذنبا اذا اقترفه، ‌و‌ ركب راسه اذا مضى على وجهه بغير قصد.
 ‌و‌ المتون: جمع متن ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ صلب ‌و‌ ارتفع ‌من‌ الارض.
 ‌و‌ الزجر: المنع، زجرته زجرا ‌من‌ باب (قتل) منعته فانزجر.
 ‌و‌ استعار الطريق للامر، ‌و‌ المتون للزجر، لان الطريق اكثر ‌ما‌ تكون سهله السلوك ممهده للسالكين، ‌و‌ متون الارض: ‌و‌ عره المسالك غير مذلله للسائرين ‌لا‌ يركبها الا المعتسف الاخذ على غير الطريق.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون المراد بالمتن: الظهر، ‌و‌ ‌ما‌ ذكرناه انسب، ‌و‌ انما افرد طريق الامر ‌و‌ جمع متون الزجر لان طريق امره تعالى هى طريق الرشد التى ‌لا‌ تختلف ‌و‌ هى واحده.
 ‌و‌ اما متون زجره فمختلفه كثيره لكثره اختلاف طرق الضلال التى نهى سبحانه عن اتباعها كما قال تعالى: «و ‌ان‌ هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ‌و‌ ‌لا‌ تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله».
 روى ‌ان‌ النبى (صلى الله عليه ‌و‌ آله) ‌خط‌ خطا ثم قال: هذا سبيل الرشد، ثم ‌خط‌ عن يمينه ‌و‌ شماله خطوطا ثم قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه ثم تلا قوله تعالى: «و ‌ان‌ هذا صراطى مستقيما» الايه.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^