فارسی
يكشنبه 17 تير 1403 - الاحد 29 ذي الحجة 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الدعاء 5

بسم الله الرحمن الرحيم ‌و‌ ‌به‌ نستعين


 الحمد لله الذى دعا الى الطاعه لنفسه ‌و‌ اهل ولايته، ‌و‌ الصلاه ‌و‌ السلام على ‌من‌ انقذ عباده ‌من‌ الضلال بهدايته، ‌و‌ على اهل بيته القائمين باعباء وصايته، العاملين بروايه حكمه الشريف ‌و‌ درايته.


 ‌و‌ بعد: فهذه الروضه الخامسه ‌من‌ رياض السالكين تتضمن شرح الدعاء الخامس ‌من‌ ادعيه صحيفه سيد العابدين املاء العبد الفقير الى ربه الغنى على الصدر الحسينى الحسنى، اصلح الله اعماله، ‌و‌ بلغه ‌فى‌ الدارين آماله.
 
النفس: ذات الشى ء ‌و‌ حقيقته، ‌و‌ قد يقال للروح لان نفس الحى به، ‌و‌ للقلب ايضا لانه محل الروح ‌او‌ متعلقه، ‌و‌ للدم ايضا لان قوامها به، ‌و‌ للماء ايضا لشده حاجتها اليه. ‌و‌ المراد هنا ‌هو‌ المعنى الاول لان المقصود ‌ان‌ الدعاء مختص ‌به‌ عليه السلام ‌و‌ باهل ولايته الذين اشركهم معه فيه.
 ‌و‌ اصل الاهل: القرابه ثم اطلق على ‌من‌ اختص بشى ء ‌و‌ اتصف ‌به‌ كاهل البلد ‌و‌ اهل العلم، ‌و‌ ‌هو‌ هنا كذلك، اذ المراد باهل ولايته ‌من‌ اتصف بها.
 ‌و‌ الولايه بالفتح ‌و‌ الكسر: المحبه ‌و‌ النصره.
 ‌و‌ قيل: هى بهذا المعنى بالفتح ‌و‌ اما بالكسر فهى بمعنى الاماره.
 
انقضى الشى ء: فنى ‌و‌ تصرم كتقضى.
 ‌و‌ العجائب: اما جمع عجيبه اسم ‌من‌ العجب. قال صاحب المحكم: «العجب ‌و‌ العجب انكار ‌ما‌ يرد عليك لقله اعتياده. ‌و‌ الاسم: العجيبه ‌و‌ الاعجوبه».
 
و اما جمع عجيب، بمعنى معجب عند ‌من‌ قال انه يجمع على عجائب. ‌و‌ قيل: ‌لا‌ يجمع.
 قال الجوهرى: «العجيب» الامر يتعجب منه، ‌و‌ ‌لا‌ يجمع عجب ‌و‌ ‌لا‌ عجيب، ‌و‌ قيل: جمع عجيب عجائب مثل افيل ‌و‌ افائل ‌و‌ تبيع ‌و‌ تبائع. انتهى.
 ‌و‌ عرف العجب بانه تحير النفس فيما خفى سببه ‌و‌ خرج عن العاده مثله.
 ‌و‌ قال الراغب: «العجب» حيره تعرض للانسان عند جهل سبب الشى ء ‌و‌ ليس ‌هو‌ شيئا له ‌فى‌ ذاته حاله بل ‌هو‌ بحسب الاضافات الى ‌من‌ يعرف السبب ‌و‌ الى ‌من‌ ‌لا‌ يعرفه، ‌و‌ لهذا قال قوم: كل شى ء عجب، ‌و‌ قال قوم: ‌لا‌ شى ء بعجب. انتهى.
 ‌و‌ عظمته تعالى: عباره عن كمال ذاته ‌و‌ علو شانه ‌و‌ جلاله قدره ‌و‌ كمال شرفه ‌و‌ شده غنائه عن الخلق ‌و‌ نهايه افتقارهم اليه ‌فى‌ كل حال، ‌و‌ دوام تسلطه ‌و‌ جريان حكمه على جميع ‌ما‌ سواه لكونه مبدا شان كل ذى شان، ‌و‌ منتهى سلطان كل ذى سلطان، فلا شان ارفع ‌من‌ شانه ‌و‌ ‌لا‌ سلطان اعظم ‌من‌ سلطانه.
 ‌و‌ اعلم: ‌ان‌ العظيم يطلق على كل كبير محسوسا كان ‌او‌ معقولا عينا كان ‌او‌ معنى، ‌و‌ اذا استعمل ‌فى‌ الاعيان فاصله ‌ان‌ يقال ‌فى‌ الاجزاء المتصله، ‌و‌ الكبير يقال ‌فى‌ المنفصله.
 ثم قد يقال: ‌فى‌ المنفصل عظيم نحو قولهم: جيش عظيم ‌و‌ مال عظيم. ‌و‌ العظيم المطلق ‌هو‌ الله سبحانه لاستيلائه على جميع الممكنات بالايجاد ‌و‌ الافناء، ‌و‌ ليست عظمته عظمه مقداريه ‌و‌ ‌لا‌ عظمه عدديه لتنزهه عن المقدار ‌و‌ المقداريات ‌و‌ الكم ‌و‌ الكميات، بل هى عباره عن كمال الذات ‌و‌ الصفات، ‌و‌ معنى عدم انقضاء
 
عجائبها ‌ان‌ كلما تاملها الانسان ‌و‌ اجال فيها النظر يجد ‌فى‌ كمال قدرته ‌و‌ آثار حكمته الداله على جليل عظمته امورا معجبه لم يكن وجدها ‌فى‌ بادى النظر، فان عظمته ‌جل‌ شانه ‌لا‌ تتناهى قدرا ‌و‌ عرفانا، بل كلما غاص العارف المتقرب اليه ‌فى‌ البحر الزاخر ‌من‌ عظمته، ‌و‌ عبر منزلا ‌من‌ منازلها ازدادت عظمته ‌فى‌ نفسه، ‌و‌ علم منها فوق ‌ما‌ علم اولا، ‌و‌ هكذا حتى يكمل عقد يقينه بذلك، ‌و‌ يبلغ الى غايه ‌ما‌ يتصور له ‌من‌ منازلها فينادى بالعجز عن معرفته مقرا بعلو عظمته كما نطق ‌به‌ لسان سيد الانبياء ‌و‌ اشرف الاوصياء صلوات الله عليهما ‌و‌ على ابنائهما الطاهرين.
 ‌و‌ بدا الدعاء بالصلاه على النبى ‌و‌ آله صلوات الله ‌و‌ سلامه عليهم اجمعين لما روى عن اميرالمومنين عليه السلام انه قال: «اذا كانت لك الى الله حاجه فابدا بمساله الصلاه على النبى صلى الله عليه ‌و‌ آله ثم سل حاجتك، فان الله اكرم ‌من‌ ‌ان‌ يسال حاجتين فيقضى احداهما ‌و‌ يمنع الاخرى».
 ‌و‌ حجبه حجبا- ‌من‌ باب قتل-: منعه، ‌و‌ منه قيل للستر: حجاب لانه يمنع ‌من‌ المشاهده. ‌و‌ قيل للبواب: حاجب لانه يمنع ‌من‌ الدخول. اى: امنعنا عن الالحاد بحسم اسبابه ‌و‌ عدم الاعداد له ‌و‌ الا فقد وقع المنع عنه بالنواهى. ‌و‌ اصل الالحاد: الميل ‌و‌ العدول عن الشى ء، ‌و‌ منه: «لسان الذى يلحدون اليه اعجمى» اى: يميلون ‌و‌ يشيرون اليه، ثم خص بالطعن ‌فى‌ الدين يقال: لحد الرجل ‌فى‌ الدين لحدا ‌و‌ الحد الحادا: اذا طعن كانه مال ‌و‌ عدل الى غيره فطعن فيه.
 ‌و‌ قال ابوعبيده: «الحد الحادا»: جادل ‌و‌ مارى. ‌و‌ «لحد»: جار ‌و‌ ظلم. ‌و‌ «الحد ‌فى‌ الحرم» بالالف: استحل حرمته ‌و‌ انتهكها.
 
و الالحاد ‌فى‌ عظمته تعالى: اما بمعنى الميل ‌و‌ العدول عن الحق فيها، ‌او‌ بمعنى المماراه ‌و‌ المجادله فيها، ‌او‌ انتهاك حرمتها بارتكاب المعاصى ‌و‌ الاعراض عن مراقبتها، ‌و‌ الله اعلم.
 
انتهى الامر: بلغ النهايه ‌و‌ هى اقصى ‌ما‌ يمكن ‌ان‌ يبلغه.
 ‌و‌ المده- بالضم-: البرهه ‌من‌ الزمان، تقع على القليل ‌و‌ الكثير، ‌و‌ الجمع: مدد كغرفه ‌و‌ غرف.
 ‌و‌ الملك- بضم الميم-: اسم ‌من‌ ملك على الناس امرهم اذا تولى السلطنه فهو ملك بكسر اللام، ‌و‌ تخفف بالسكون، ‌و‌ الجمع: ملوك.
 ‌و‌ ملكه سبحانه: عباره عن سلطانه القاهر ‌و‌ استيلائه الباهر ‌و‌ غلبته التامه ‌و‌ قدرته على التصرف الكلى ‌فى‌ الامور العامه بالامر ‌و‌ النهى. ‌و‌ نفى الانتهاء عن مدته ‌من‌ باب نفى الشى ء بنفى لازمه مبالغه ‌فى‌ النفى، ‌اى‌ ‌لا‌ مده لملكه فلا انتهاء لها، كقوله: ‌و‌ ‌لا‌ ترى الضب بها ينجحر اى: ‌لا‌ ضب فلا انجحار. ‌و‌ قد تقدم بيان ذلك ‌فى‌ دعاء التحميد عند قوله عليه السلام: «حمدا ‌لا‌ منتهى لحده، ‌و‌ ‌لا‌ حساب لعدده» فليرجع اليه.
 ‌و‌ اعتق العبد اعتاقا: حرره فهو معتق على قياس الباب، ‌و‌ ‌لا‌ يتعدى بنفسه فلا يقال: عتقته، ‌و‌ ‌لا‌ يجوز عبد معتوق لان مجى ء مفعول ‌من‌ افعلت شاذ مسموع ‌لا‌ يقاس عليه.
 ‌و‌ الرقاب: جمع رقبه ‌و‌ هى موخر اصل العنق.
 ‌و‌ قيل: ‌ان‌ اشتقاقها ‌من‌ المراقبه، ‌و‌ ذلك ‌ان‌ مكانها ‌من‌ البدن مكان الرقيب
 
المشرف على القوم، ‌و‌ لهذا يقال للمملوك رقبه كانه يراقب العذاب، ‌و‌ ‌لا‌ يقال له عنق.
 ‌و‌ قال ابن الاثير: «قد تكررت الاحاديث ‌فى‌ ذكر الرقبه ‌و‌ عتقها ‌و‌ تحريرها ‌و‌ فكها، ‌و‌ هى ‌فى‌ الاصل العنق فجعلت كنايه عن جميع ذات الانسان تسميه للشى ء ببعضه، فاذا قال: اعتق رقبه فكانه قال: اعتق عبدا ‌او‌ امه، ‌و‌ منه قولهم: «دينه ‌فى‌ رقبته» انتهى.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: «و ‌من‌ المجاز هذا الامر ‌فى‌ رقابكم ‌و‌ ‌فى‌ رقبتك، ‌و‌ الموت ‌فى‌ الرقاب، ‌و‌ اعتق الله رقبته ‌و‌ اوصى ماله ‌فى‌ الرقاب» انتهى.
 قال بعضهم: ‌و‌ انما اقيمت الرقبه مقام جميع ذات الانسان لموته بضربها، كما اقيم الراس مقامه ‌فى‌ قولهم: فلان يملك كذا راسا ‌من‌ الرقيق لموته بقطعه ايضا، ‌و‌ ‌لا‌ يلزم ‌من‌ ذلك اطلاق العنق عليه لانه ‌من‌ قبيل وجه المناسبه للتسميه ‌و‌ ‌هو‌ ‌لا‌ يلزم اطراده.
 ‌و‌ النقمه: على وزن كلمه ‌و‌ تخفف باسكان العين مع كسر الفاء فيقال: نقمه كسدره: ‌و‌ هى اسم ‌من‌ انتقمت منه اذا عاقبته ‌و‌ المراد باعتاق الرقاب منها: اطلاقها ‌و‌ تخليصها منها كما يطلق العبد ‌من‌ قيد الرق بتحريره، ‌و‌ الله اعلم.
 
فنى المال يفنى ‌من‌ باب تعب، ‌و‌ ‌فى‌ لغه ‌من‌ باب منع: عدم، ‌و‌ يعدى بالهمزه فيقال: افنيته.
 ‌و‌ الخزائن: جمع خزانه ‌و‌ هى ‌ما‌ يخزن فيه الشى ء كالمخزن، ‌و‌ خزنت الشى ء خزنا ‌من‌ باب قتل: احرزته بحيث ‌لا‌ تصل اليه الايدى ‌و‌ جعلته ‌فى‌ المخزن.
 
شبه رحمته تعالى بالشى ء النفيس الذى يحرز ‌و‌ يحزن استعاره بالكنايه فاثبت له الخزائن استعاره تخييليه، ‌و‌ جاء بالخزائن بلفظ الجمع اشعارا بان رحمته لوفورها ‌لا‌ يكفى ‌فى‌ احرازها خزانه واحده، بل لابد فيه ‌من‌ خزائن متعدده.
 قال المفسرون ‌فى‌ تفسير قوله تعالى: «قل لو انتم تملكون خزائن رحمه ربى» اى: ارزاقه ‌و‌ سائر نعمه على خلقه، ‌و‌ قد تقدم معنى الرحمه لغه ‌و‌ وجه اطلاقها عليه سبحانه ‌فى‌ شرح الدعاء الاول فليرجع اليه.
 ‌و‌ النصيب: الحصه ‌و‌ الجمع: انصبه ‌و‌ انصباء ‌و‌ نصب ايضا بضمتين اى: اجعل لنا حصه ‌فى‌ رحمتك ‌و‌ انما سال نصيبا منها لحصول الغرض ‌به‌ اذ ادنى حصه منها يستغرق العالم نعمه ‌و‌ عفوا كما قيل:
 قليل منك يكفينى ‌و‌ لكن
 قليلك ‌لا‌ يقال له قليل
 ‌و‌ «فى»: ‌من‌ قوله عليه السلام «فى رحمتك» اما للظرفيه المجازيه ‌او‌ بمعنى «من»، نحو قوله تعالى: «و يوم نبعث ‌فى‌ كل امه شهيدا» اى: منهم بدليل الايه الاخرى.
 
تنقطع: ‌اى‌ تقف فلم تمض. قال صاحب المحكم: «انقطع كلامه»: وقف فلم يمض.
 ‌و‌ دون رويته اى: قبل الوصول اليها، ‌و‌ منه: اذا ركع المصلى دون الصف: ‌اى‌ قبل وصوله الى الصف كره.
 ‌و‌ قد تقدم الكلام على امتناع رويته سبحانه، ‌فى‌ شرح الدعاء الاول عند قوله
 
عليه السلام: «الذى قصرت عن رويته ابصار الناظرين» فليرجع اليه.
 ‌و‌ دنا منه ‌و‌ دنا اليه يدنو دنوا: قرب، ‌و‌ يتعدى بالهمزه فيقال: ادناه يدنيه.
 ‌و‌ قربك اى: القرب منك، ‌و‌ ليس المراد القرب المكانى لتنزهه تعالى عن المكان بل قرب المنزله ‌و‌ الرتبه منه. ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: «من تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا».
 قال ابن الاثير: «المراد بقرب العبد الى الله تعالى: القرب بالذكر ‌و‌ العمل الصالح ‌لا‌ قرب الذات ‌و‌ المكان لان ذلك ‌من‌ صفات الاجسام، ‌و‌ الله يتعالى عن ذلك ‌و‌ يتقدس. ‌و‌ المراد بقرب الله ‌من‌ العبد: قرب نعمه ‌و‌ الطافه منه ‌و‌ بره ‌و‌ احسانه اليه ‌و‌ ترادف مننه عنده ‌و‌ فيض مواهبه عليه» انتهى.
 
صغر الشى ء على وزن كرم صغرا وزان عنب: خلاف عظم، ‌و‌ صغر ‌فى‌ عيون الناس ككرم ايضا ذهبت مهابته فهو صغير، ‌و‌ منه يقال: جاء الناس صغيرهم ‌و‌ كبيرهم اى: ‌من‌ ‌لا‌ قدر له ‌و‌ ‌لا‌ منزله ‌و‌ ‌من‌ له قدر ‌و‌ جلاله، ‌و‌ هذا المعنى ‌هو‌ المراد هنا.
 ‌و‌ اما المعنى الاول فهو مختص بالجرم، ‌و‌ اما الصغار بمعنى الذل ‌و‌ الهوان فهو ‌و‌ ‌ان‌ ناسب معناه ‌فى‌ هذا المقام الا ‌ان‌ المسموع ‌فى‌ فعله صغر ‌من‌ باب تعب. ‌و‌ الروايه ‌فى‌ الدعاء تصغر بالضم فلا تساعد هذا المعنى.
 ‌و‌ خطر الرجل بالتحريك: قدره ‌و‌ منزله، ‌و‌ الجمع: اخطار كسبب ‌و‌ اسباب، يقال منه: خطر الرجل خطرا كشرف شرفا اذا ارتفع قدره ‌و‌ منزلته فهو خطير، ‌و‌ الخطر ايضا: الاشراف على الهلاك ‌و‌ خوف التلف، ‌و‌ الجمع: اخطار ايضا، ‌و‌ ياتى بمعنى العوض، ‌و‌ منه الحديث: «الجنه ‌لا‌ خطر لها» اى: ‌لا‌ عوض لها. ‌و‌ المراد
 
- هنا: المعنى الاول، ‌و‌ القول باحتمال غيره تعسف ‌لا‌ داعى اليه.
 ‌و‌ كرمه: عظمه ‌و‌ عززه، يقال: كرم علينا فلان كرامه. اى: عز، ‌و‌ له علينا كرامه اى: عزازه اى: ‌و‌ اجعلنا مكرمين عليك عزيزين لديك.
 ‌و‌ «على»: للاستعلاء مجازا، اذا الحقيقى انما ‌هو‌ الحسى، مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «كتب على نفسه الرحمه». اى: اوجبها بطريق التفضل ‌و‌ الاحسان على ذاته المقدسه، فكانه عليه السلام قال: ‌و‌ اوجب كرامتنا عليك تفضلا ‌و‌ احسانا.
 ‌و‌ الظاهر ‌ان‌ هذا التكريم المطلوب غير التكريم المذكور ‌فى‌ قوله تعالى: «و لقد كرمنا بنى آدم» اذ ذلك واقع بل المراد ‌به‌ تكريم اخص منه عاجلا ‌و‌ آجلا، ‌او‌ ‌هو‌ ‌من‌ قبيل بسط الكلام مع المحبوب، فليس الغرض حصول مضمونه فلا يضركون مضمونه واقعا كما ‌فى‌ قوله تعالى: «ربنا ‌لا‌ تواخذنا ‌ان‌ نسينا ‌او‌ اخطانا» فانه حاصل بقوله تعالى: «لا يكلف الله نفسا الا وسعها» ‌و‌ حيث ‌ان‌ الكلام مع المحبوب امر لذيذ مطلوب اقتضى الكلام تطويله كما قاله علماء المعانى ‌فى‌ قول موسى عليه السلام: «هى عصاى اتوكوا عليها ‌و‌ اهش بها على غنمى ولى فيها مارب اخرى».
 
ظهر الشى ء يظهر ظهورا: تبين.
 ‌و‌ البواطن: جمع باطن اسم فاعل ‌من‌ بطن الشى ء يبطن ‌من‌ باب قتل خلاف ظهر.
 ‌و‌ الاخبار: جمع خبر ‌و‌ ‌هو‌ اسم لما ينقل ‌و‌ يتحدث به.
 
قال بعض العلماء: ظهور الاشياء: ‌هو‌ انكشافها للحس ‌او‌ للعقل انكشافا بينا، ‌و‌ يقابله بطونها اى: خفاوها عن احدهما.
 ‌و‌ لما ثبت انه تعالى منزه عن الجسميه ‌و‌ لواحقها علم ‌ان‌ المراد بظهور الاشياء عنده علمه بها، اذ كل ممكن ‌و‌ ‌ان‌ خفى على غيره فهو ظاهر ‌فى‌ علمه. فظهور البواطن عنده عباره عن علمه سبحانه بخفيات الامور ‌و‌ مضمرات السرائر، فعلمه نافذ ‌فى‌ كل مستتر ‌و‌ غائب بحيث ‌لا‌ يستره ساتر ‌و‌ ‌لا‌ يحجبه حاجب حتى انه يعلم ‌ما‌ دق ‌من‌ عقائد القلوب ‌و‌ اسرار الصدور ‌و‌ خطرات الخواطر.
 ‌و‌ انما عبر عن علمه تعالى بعدم الخفا، ‌فى‌ قوله: «ان الله ‌لا‌ يخفى عليه شى ء ‌فى‌ الارض ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ السماء» ‌و‌ قوله: «و ‌ما‌ يخفى على الله ‌من‌ شى ء ‌فى‌ الارض ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ السماء» ايذانا بان علمه تعالى بمعلوماته ‌و‌ ‌ان‌ كانت ‌فى‌ اقصى الغايات الخفيه ليس ‌من‌ شانه ‌ان‌ يكون على وجه يمكن ‌ان‌ يقارنه شائبه خفاء بوجه ‌من‌ الوجوه كما ‌فى‌ علوم المخلوقين بل ‌هو‌ ‌فى‌ غايه الوضوح ‌و‌ الجلاء.
 ‌و‌ انما خص البواطن بالذكر دون الظواهر لان ‌من‌ ظهر عنده الباطن فظهور الظاهر اولى، ‌او‌ لان ‌ما‌ ‌من‌ شى ء يظهر الا ‌و‌ ‌هو‌ ‌او‌ مباديه قبل ذلك باطن، فكان الباطن اصلا للظاهر، فذكر الاصل ‌و‌ ‌ان‌ كان علمه تعالى بهما ‌فى‌ الحقيقه على السواء فان علمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول صورها بل وجود كل شى ء ‌فى‌ نفسه علم بالنسبه اليه تعالى، فاذا كان علمه بهذا المعنى ‌لا‌ تختلف الحال بين الاشياء البارزه ‌و‌ الكامنه.
 ‌و‌ فضحته فضحا ‌من‌ باب نفع: كشفته.
 قال الفيومى ‌فى‌ المصباح: ‌و‌ ‌فى‌ الدعاء: «لا تفضحنا بين خلقك» اى: استر
 
عيوبنا ‌و‌ ‌لا‌ تكشفها، ‌و‌ يجوز ‌ان‌ يكون المعنى: اعصمنا حتى ‌لا‌ نعصى فنستحق الكشف انتهى.
 ‌و‌ ‌فى‌ القاموس: «فضحه كمنعه: كشف مساويه فافتضح، ‌و‌ الاسم: الفضيحه».
 ‌و‌ ‌لا‌ ‌شك‌ ‌ان‌ المراد بسوال عدم الفضيحه هنا سوال العصمه عنها ‌و‌ حسم اسبابها ‌و‌ عدم الاعداد لها، ‌و‌ قوله: «عندك» يعين هذا المعنى.
 
اغننا: ‌من‌ الغناء بالفتح ‌و‌ المد على وزن كلام بمعنى الاكتفاء يقال: غنيت بكذا عن غيره ‌من‌ باب تعب اذا استغنيت به، ‌و‌ الاسم: الغنيه بالضم فانا غنى به، ‌و‌ يتعدى بالهمزه فيقال: اغنيته.
 ‌و‌ الهبه: العطيه بلا عوض، اصلها وهب، حذفت الواو ‌و‌ عوضت الهاء عنها.
 قال بعض العلماء: الهبه هى العطيه الخالصه عن الاعواض ‌و‌ الاغراض، فاذا كثرت العطايا ‌و‌ الصلات سمى صاحبها وهابا. ‌و‌ ‌لا‌ يتحقق معنى الهبه الا ‌فى‌ الله تعالى لانه وهب كل محتاج ‌ما‌ يحتاج ‌من‌ غير عوض.
 كفى: تستعمل متعديه لواحد ‌و‌ متعديه لاثنين، فالاولى بمعنى: اجزا ‌و‌ اغنى تقول: كفانى الشى ء اى: اغنانى، ‌و‌ الثانيه بمعنى: وقى كقوله تعالى: «و كفى الله المومنين القتال» اى: وقاهم.
 ‌و‌ قيل: هى ‌فى‌ الايه بمعنى اغنى ايضا اى: اغناهم عن القتال، ‌و‌ تستعمل بهذا المعنى متعديه لواحد ‌و‌ متعديه لاثنين، ‌و‌ كلا المعنيين صحيحان هنا، اذ يصح ‌ان‌ يفسر قوله عليه السلام: «اكفنا» بمعنى: اغننا عن وحشه القاطعين، ‌و‌ بمعنى: قنا وحشه القاطعين.
 
و الوحشه: الانقطاع ‌و‌ بعد القلوب ‌من‌ المودات، ‌و‌ ‌هو‌ المراد هنا.
 ‌و‌ قال الجوهرى: «الوحشه: الخلوه ‌و‌ الهم».
 ‌و‌ المعنى الثانى صحيح هنا ايضا دون الاول ‌و‌ هى ‌من‌ الوحش ‌و‌ ‌هو‌ ‌ما‌ ‌لا‌ يستانس ‌من‌ دواب البر.
 ‌و‌ القاطعين: جمع قاطع ‌من‌ القطيعه ‌ضد‌ الصله، يقال: قطع فلان صديقه قطيعه: اذا هجره، ‌و‌ قطع رحمه قطيعه: اذا هجرها ‌و‌ ‌صد‌ عنها، ‌و‌ ذلك بترك البر ‌و‌ الاحسان اليها.
 ‌و‌ الصله: ‌ضد‌ القطيعه. ‌و‌ الباء ‌فى‌ الفقرتين ‌من‌ قوله عليه السلام: «بهبتك ‌و‌ بصلتك»: للسببيه. ‌و‌ المراد بصلته تعالى: بره ‌و‌ احسانه، ‌و‌ رحمته ماخوذ ‌من‌ صله الرحم.
 قال ابن الاثير: «و هى كنايه عن الاحسان الى الاقربين، ‌من‌ ذوى النسب ‌و‌ الاصهار، ‌و‌ التعطف عليهم ‌و‌ الرفق بهم، ‌و‌ الرعايه لاحوالهم، ‌و‌ كذلك ‌ان‌ بعدوا ‌او‌ اساءوا، ‌و‌ قطع الرحم ‌ضد‌ ذلك كله يقال: وصل رحمه يصلها وصلا وصله، ‌و‌ الهاء فيها عوض ‌من‌ الواو المحذوفه، فكانه بالاحسان اليهم قد وصل ‌ما‌ بينه ‌و‌ بينهم ‌من‌ علاقه القرابه ‌و‌ الصهر» انتهى.
 «حتى» هذه بمعنى «كى» التعليليه اى: ‌كى‌ ‌لا‌ نرغب، مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «هم الذين يقولون ‌لا‌ تنفقوا على ‌من‌ عند رسول الله حتى ينفضوا» ‌و‌ قولك: اسلم حتى تدخل الجنه.
 ‌و‌ رغب اليه رغبا محركه: ساله.
 
و البذل: العطاء.
 ‌و‌ استوحش: وجد الوحشه. ‌و‌ مع بذلك: متعلق بنرغب ‌و‌ مع فضلك: متعلق بنستوحش.
 ‌و‌ الفضل: الخير ‌و‌ الاحسان ‌و‌ الافضال.
 
الكيد ‌و‌ المكر: الخديعه ‌و‌ هى ‌ان‌ ترى غيرك انك تفعل شيئا ثم تفعل خلافه.
 قال بعض العلماء: «الكيد اراده مضره الغير خفيه ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ الخلق الحيله السيئه، ‌و‌ ‌من‌ الله تعالى التدبير بالحق بمجازات اعمال الخلق، ‌و‌ المكر ‌من‌ جانب العبد ايصال المكروه الى الانسان ‌من‌ حيث ‌لا‌ يشعر، ‌و‌ ‌من‌ جانب الحق ‌هو‌ ارداف النعم مع المخالفه ‌و‌ ابقاء الحال مع سوء الادب ‌و‌ اظهار الكرامات ‌من‌ غير جهد» انتهى.
 ‌و‌ قيل: المراد بكيده تعالى ‌و‌ مكره: صرف الكيد ‌و‌ المكر ‌او‌ جزاء اهلهما. ‌و‌ التسميه ‌من‌ باب المشاكله.
 ‌و‌ قال المفسرون ‌فى‌ قوله تعالى: «و كذلك كدنا ليوسف» اى: علمناه الكيد ‌و‌ اوحينا ‌به‌ اليه.
 قال بعضهم: ‌و‌ الكيد مبداه السعى ‌فى‌ الحيله ‌و‌ الخديعه، ‌و‌ نهايته القاء الانسان ‌من‌ حيث ‌لا‌ يشعر ‌فى‌ امر مكروه ‌لا‌ سبيل الى دفعه. ‌و‌ امثال هذه الالفاظ ‌فى‌ حقه تعالى محموله على النهايات ‌لا‌ على البدايات، انتهى.
 ‌و‌ قال ابن الاثير ‌فى‌ حديث الدعاء «اللهم امكر لى ‌و‌ ‌لا‌ تمكر بى»: مكر الله: ايقاع بلائه باعدائه دون اوليائه، ‌و‌ قيل: ‌هو‌ استدراج العبد بالطاعات فيتوهم انها مقبوله ‌و‌ هى مردوده ‌و‌ المعنى: الحق مكرك باعدائى ‌لا‌ ‌بى‌ انتهى.
 
و كل ‌من‌ هذه المعانى المذكوره للكيد ‌و‌ المكر منه سبحانه يمكن حمل معنى الدعاء عليه كما ‌لا‌ يخفى.
 ‌و‌ «على»: ‌من‌ قوله: «علينا» للاستعلاء المعنوى.
 قال ابن مالك: «و منه المقابله للام المفهمه ‌ما‌ يحب كقوله: فيوم علينا ‌و‌ يوم لنا» انتهى.
 ادل لنا: ‌من‌ الدوله بالفتح.
 قال الجوهرى: «الدوله ‌فى‌ الحرب: ‌ان‌ تدال احدى الفئتين على الاخرى، يقال: كانت لنا عليهم الدوله، ‌و‌ الجمع: الدول، ‌و‌ الدوله بالضم، ‌فى‌ المال. يقال: صار الفى ء دوله بينهم يتداولونه يكون مره لهذا ‌و‌ مره لهذا، ‌و‌ الجمع: دولات ‌و‌ دول، ‌و‌ قال ابوعبيد: الدوله بالضم: اسم الشى ء الذى يتداول ‌به‌ بعينه، ‌و‌ الدوله بالفتح: الفعل، ‌و‌ قال بعضهم: الدوله ‌و‌ الدوله لغتان بمعنى. ‌و‌ قال محمد ‌بن‌ سلام الجمحى: سالت يونس عن قول الله تعالى: «كى ‌لا‌ يكون دوله بين الاغنياء منكم» فقال: قال ابوعمرو ‌بن‌ العلاء: الدوله بالضم ‌فى‌ المال، ‌و‌ الدوله بالفتح ‌فى‌ الحرب. ‌و‌ قال عيسى ‌بن‌ عمر: كلتاهما تكون ‌فى‌ الحرب ‌و‌ المال سواء، ‌و‌ قال يونس: اما انا فو الله ‌ما‌ ادرى ‌ما‌ بينهما. ‌و‌ ادالنا الله ‌من‌ عدونا ‌من‌ الدوله. ‌و‌ الاداله: الغلبه، يقال: اللهم ادلنى على فلان ‌و‌ انصرنى عليه» انتهى كلام الجوهرى.
 ‌و‌ قال ابن الاثير: الاداله: الغلبه، يقال: اديل لنا على اعدائنا اى: نصرنا عليهم، ‌و‌ كانت الدوله لنا. ‌و‌ الدوله: الانتقال ‌من‌ حال الشده الى حال الرخاء، ‌و‌ منه حديث ابى سفيان ‌و‌ هرقل: «ندال عليه ‌و‌ يدال علينا» ‌اى‌ نغلبه مره ‌و‌ يغلبنا
 
اخرى انتهى.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الفائق ‌فى‌ حديث الحجاج: «يوشك ‌ان‌ تدال الارض منا» اى: يجعل للارض الكره علينا، تقول: ادال الله زيدا ‌من‌ عمرو مجازه نزع الله الدوله ‌من‌ عمرو فاتاها زيدا ‌و‌ ‌فى‌ امثالهم: «يدال ‌من‌ البقاع كما يدال ‌من‌ الرجال» اى: توخذ منها الدول انتهى.
 ‌و‌ قال ‌فى‌ الاساس: «ادال الله بنى فلان ‌من‌ عدوهم»: جعل الكره لهم عليه.
 اذا عرفت ذلك، فمعنى الدعاء: اجعل الدوله ‌و‌ الكره لنا على عدونا، ‌و‌ ‌لا‌ تنزعها منا فتوتيها غيرنا، ‌و‌ الله اعلم.
 
وقيت الشى ء اقيه وقيا ‌و‌ وقايه: اذا صنته ‌و‌ حفظته ‌من‌ الاذى.
 قيل: معناه وقنا ‌من‌ عذابك ‌و‌ سخطك، ‌و‌ ‌هو‌ مثل قوله صلى الله عليه ‌و‌ آله: «اعوذ بك منك».
 ‌و‌ قال بعض العارفين ‌فى‌ قوله عليه السلام ‌فى‌ سجوده: «اعوذ بعفوك ‌من‌ عقابك، ‌و‌ اعوذ برضاك ‌من‌ سخطك، ‌و‌ اعوذ بك منك» انه حين امر بالقرب ‌فى‌ قوله تعالى: «و اسجد ‌و‌ اقترب» قال ‌فى‌ سجوده: «اعوذ بعفوك ‌من‌ عقابك» ‌و‌ ‌هو‌ كلام عن مشاهده فعل الله، فاستعاذ ببعض افعاله ‌من‌ بعض، ‌و‌ العفو كما يراد ‌به‌ صفه العافى قد يراد ‌به‌ الاثر الحاصل عن صفه العفو ‌فى‌ المعفو عنه كالخلق ‌و‌ الصنع، ثم لما قرب فغنى عن مشاهده الافعال ‌و‌ ترقى الى مصادرها ‌و‌ هى
 
الصفات قال: «و اعوذ برضاك ‌من‌ سخطك» ‌و‌ هما صفتان متضادتان، ثم لما راى ذلك نقصانا ‌فى‌ التوحيد اقترب ‌و‌ ترقى عن مشاهده الصفات الى ملاحظه الذات فقال: «و اعوذ بك منك» ‌و‌ هذا فرار اليه منه مع قطع النظر عن الافعال ‌و‌ الصفات فهذه ثلاث مراتب ‌و‌ المرتبه الثالثه هى اول مقام الوصول الى ساحه العزه ثم للسباحه ‌فى‌ لجه الوصول درجات اخر ‌لا‌ تتناهى، ‌و‌ لذلك لما ازداد صلى الله عليه ‌و‌ آله قربا قال: «لا احصى ثناء عليك» فكان ذلك حذفا لنفسه عن درجه الاعتبار ‌فى‌ ذلك المقام، ‌و‌ اعترافا منه بالعجز عن الاحاطه بما له ‌من‌ صفات الجلال ‌و‌ نعوت الكمال، ‌و‌ كان قوله بعد ذلك: «انت كما اثنيت على نفسك» كمالا للاخلاص، ‌و‌ تجريدا للكمال المطلق الذى ‌به‌ ‌هو‌ هو، عن ‌ان‌ يلحقه حكم لغيره ‌و‌ همى ‌او‌ عقلى انتهى.
 فعلى هذا ليس هناك مضاف مقدر كسخطك ‌و‌ عقابك، بل ‌هو‌ ‌من‌ باب الترقى الى المرتبه الثالثه ‌من‌ المراتب الثلاث المذكوره التى هى ملاحظه الذات دون الافعال ‌و‌ الصفات، ‌و‌ الله اعلم.
 ‌و‌ قس على ذلك قوله عليه السلام: «و احفظنا بك ‌و‌ اهدنا اليك ‌و‌ ‌لا‌ تباعدنا عنك» فلا حاجه الى تقدير مضاف ‌فى‌ شى ء ‌من‌ ذلك، كما قيل ‌ان‌ معناه: ‌و‌ احفظنا بحفظك ‌و‌ اهدنا الى صراطك المستقيم المدلول عليه بالاوامر الشرعيه، ‌و‌ ‌لا‌ تباعدنا عن رحمتك، ‌و‌ ‌ان‌ كان هذا المعنى ‌فى‌ نفسه صحيحا ظاهرا الا ‌ان‌ حمله على ذلك التحقيق اليق بمقام الداعى صلوات الله عليه.
 هذا تعليل لما قبله ‌من‌ طلب الوقايه ‌و‌ الحفظ ‌و‌ الهدايه ‌و‌ القرب على طريقه اللف ‌و‌ النشر المرتب، ‌و‌ ادرج الحفظ ‌فى‌ الوقايه لانهما بمعنى.
 
و بيان التعليل: انه لما كان حصول الوقايه ‌و‌ الحفظ مانعا ‌من‌ دواعى التفريط ‌و‌ الافراط كان العبد مستقيم الحركات على سواء الصراط، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ السلامه ‌من‌ الزيغ ‌و‌ الوقوع ‌فى‌ هوى المهالك، ‌و‌ كذلك لما كان حصول الهدايه مانعا ‌من‌ الضلاله عن الصراط المستقيم كان العبد عالما بسلوك جاده سبيل الحق ‌و‌ ذلك ‌هو‌ العلم. ‌و‌ كذلك لما كان حصول القرب مستلزما للفوز بالسعاده الابديه كان العبد فائزا بالغنى الحقيقى ‌و‌ الملك الابدى، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ الغنيمه التى ‌لا‌ يقاس بها مغنم، فكانه قال: «اسالك الوقايه ‌و‌ الحفظ» المستلزمين للسلامه ‌و‌ الهدايه المستلزمه للعلم ‌و‌ القرب المستلزم للغنم.
 ‌و‌ «من» هنا شرطيه، مثلها ‌فى‌ قوله تعالى: «من يعمل سوء يجز به» ‌و‌ محلها الرفع على الابتداء فيكون اسم ‌ان‌ ضمير شان محذوفا ‌و‌ الاصل: انه ‌من‌ تقه يسلم، كقوله: «ان ‌من‌ يدخل الكنيسه يوما يلق فيها جاذرا ‌و‌ ظباء»، ‌و‌ انما لم نجعل «من» اسمها لانها شرطيه بدليل جزمها الفعلين، ‌و‌ الشرط له الصدر فلا يعمل فيه ‌ما‌ قبله.
 ‌و‌ سلم يسلم ‌من‌ باب تعب سلامه: خلص ‌من‌ الافات ‌و‌ المراد: السلامه ‌من‌ الافات النفسانيه ‌و‌ الاراء الفاسده ‌و‌ العقائد الباطله مثل: الكفر ‌و‌ الكبر ‌و‌ الحسد ‌و‌ النفاق ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ ‌من‌ العقوبات ‌فى‌ الاخره.
 ‌و‌ الهدايه: مطلق الارشاد ‌و‌ الدلاله على المطلوب بلطف، سواء كان معها وصول اليه ‌او‌ لا، ‌و‌ سواء تعدت الى ثانى المفعولين بنفسها ‌او‌ بالحرف. هذا ‌هو‌ الحق ‌فى‌ تفسير الهدايه. ‌و‌ هدايته ‌جل‌ شانه للعباد على اربعه انواع مرتبه:
 الاول: الهدايه الى جلب المنافع ‌و‌ دفع المضار بافاضه المشاعر الظاهره ‌و‌ المدارك الباطنه، ‌و‌ اليه الاشاره بقوله تعالى: «اعطى كل شى ء خلقه ثم هدى».
 
 
و ثانيها: نصب الدلائل العقليه الفارقه بين الحق ‌و‌ الباطل، ‌و‌ اليه يشير قوله تعالى: «و هديناه النجدين».
 ‌و‌ ثالثها: الهدايه بارسال الرسل، ‌و‌ اليه ينظر قوله تعالى: «و اما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى».
 ‌و‌ رابعها: الهدايه الى حظائر القدس ‌و‌ مقامات الانس بانطماس آثار التعلقات البدنيه ‌و‌ اندراس اكدار التعلقات الهيولانيه، ‌و‌ الاستغراق ‌فى‌ ملاحظه اسرار الجلال ‌و‌ مطالعه انوار الجمال، ‌و‌ هذا النوع ‌من‌ الهدايه يختص ‌به‌ الاولياء ‌و‌ ‌من‌ يحذو حذوهم، ‌و‌ ‌هو‌ المقصود هنا كما يدل عليه قوله عليه السلام: «و اهدنا اليك» على ‌ما‌ مر تحقيقه، ‌و‌ لان هذه الهدايه هى التى يترتب عليها العلم ترتب الجزاء على الشرط اذ المعنى: ‌و‌ ‌من‌ تهده يحصل له العلم.
 فان قلت: ‌ما‌ المراد بهذا العلم الذى يحصل بهدايته اليه سبحانه؟.
 قلت: المراد ‌به‌ العلم الالهى ‌و‌ الحكمه اللدنيه المشار اليها ‌فى‌ الذكر الحكيم بقوله تعالى: «و ‌من‌ يوت الحكمه فقد اوتى خيرا كثيرا» فمن حصل له هذا العلم انتقش قلبه بالاسرار الغيبيه ‌و‌ الصور الكليه ‌و‌ الجزئيه ‌و‌ كيفيه انشعابها ‌و‌ تفاصيلها، ‌و‌ استفاد بذلك الاحكام ‌و‌ الوقائع ‌و‌ الاخلاق ‌و‌ احوال المبدا ‌و‌ المعاد ‌و‌ غيرها ‌من‌ الفضائل الشرعيه ‌و‌ مقاصدها ‌من‌ الكتاب ‌و‌ السنه. ‌و‌ كان المتصف ‌به‌ ‌هو‌ العالم الذى ‌هو‌ على هدى ‌من‌ ربه المالك للحقيقه الانسانيه بالعقل ‌و‌ هى الوصول الى ‌ما‌ خلق الانسان لاجله ‌من‌ المعارف الالهيه ‌و‌ الطاعات البدنيه ‌و‌ الطهاره القلبيه الموجبه لكمال قربه ‌و‌ رفع درجته عنده تعالى ‌و‌ الخلوص عن كل ‌ما‌ يوجب البعد عنه ‌جل‌ شانه.
 ‌و‌ قربه- بالتضعيف-: ادناه.
 
و غنمت الشى ء: اغنمه كعلمته اعلمه، غنما بالضم: فزت ‌به‌ بلا مشقه. ‌و‌ الغنيمه: اسم لما يغنم.
 ‌و‌ ‌فى‌ التهذيب: الغنيمه ‌فى‌ اللغه: الفائده.
 ‌و‌ قيل: هى ‌فى‌ الاصل ‌ما‌ اصيب ‌من‌ اموال اهل الحرب ‌و‌ اوجف عليه المسلمون بالخيل ‌و‌ الركاب، يقال: غنم يغنم اذا اصاب غنيمه ‌و‌ مغنما، ثم استعمل ‌فى‌ كل امر نفيس شريف.
 ‌و‌ منه الحديث: «الصوم ‌فى‌ الشتاء الغنيمه البارده».
 قال ابن الاثير: «انما سماه غنيمه لما فيه ‌من‌ الاجر ‌و‌ الثواب».
 ‌و‌ المعنى: ‌ان‌ ‌من‌ تقربه اليك تحصل له الغنيمه ‌او‌ يتصف بكونه غانما، فان «غنم» ‌و‌ ‌ان‌ كان متعديا ولكنه نزل منزله ‌ما‌ ‌لا‌ مفعول له، لان القصد الاعلام بمجرد اسناد الفعل الى الفاعل لابايقاعه على مفعول.
 ‌و‌ كذلك قوله: «يعلم» ‌من‌ قوله عليه السلام: «و ‌من‌ تهده يعلم» فهو مثل قوله تعالى: «هل يستوى الذين يعلمون ‌و‌ الذين ‌لا‌ يعلمون» اى: ‌من‌ يتصف بالعلم ‌و‌ ‌من‌ ينتف عنه العلم.
 قال بعض المحققين: ‌و‌ القرب المذكور ليس بالمكان ‌و‌ ‌لا‌ بالزمان بل انما ‌هو‌ بحسب الذات قربا معنويا لاجل الشرافه ‌و‌ البراءه عن الدنيا ‌و‌ سرورها ‌و‌ نقائص المواد ‌و‌ آفاتها. ‌و‌ الله اعلم.
 
حد الشى ء ‌و‌ حدته: باسه ‌و‌ شدته.
 ‌و‌ النوائب: النوازل جمع نائبه ‌و‌ هى ‌ما‌ ينوب الانسان اى: ينزل ‌به‌ ‌من‌ الحوادث
 
و المصائب نابه ينوبه نوبا: اذا نزل به، ‌و‌ اضافه النوائب الى الزمان يحتمل ‌ان‌ تكون بمعنى ‌فى‌ نحو: «مكر الليل» ‌و‌ «تربص اربعه اشهر» اى: النوائب الواقعه ‌فى‌ الزمان اى: ‌فى‌ زماننا، ‌و‌ الا فكل نائبه لابد لها ‌من‌ زمان تقع فيه. ‌و‌ الاظهر انها بمعنى اللام اى: النوائب التى للزمان.
 قال بعض العلماء: ‌ان‌ نسبه الشر الى بعض الازمنه كالخير الى بعض آخر نسبه صحيحه لما ‌ان‌ الزمان ‌من‌ الاسباب المعده لحصول ‌ما‌ يحصل ‌فى‌ هذا العالم ‌من‌ الامتزاجات ‌و‌ ‌ما‌ يتبعها مما يعد خيرا ‌او‌ شرا. ‌و‌ الله اعلم.
 الشر: السوء ‌و‌ الفساد.
 ‌و‌ المصايد بغير همز: جمع مصيده بكسر الميم ‌و‌ سكون الصاد ‌و‌ فتح الياء، ‌او‌ مصيد بحذف الهاء، ‌و‌ هى آله الصيد، ‌و‌ انما لم تهمز لان الياء فيها اصليه كما تقدم بيانه ‌فى‌ ضابط هذا الجمع ‌فى‌ شرح السند عند ذكر الخزائن. ‌و‌ وقع ‌فى‌ بعض نسخ الصحيفه همزها، فان صح فهو على لغه ‌من‌ همز معائش ‌و‌ منائر تشبيها للاصلى بالزائد.
 ‌و‌ المراد ب«مصايد»: الشهوات ‌و‌ اللذات الدنيويه التى يغر الشيطان بها الخلق فيوقعهم بها ‌فى‌ الهلاك، ‌و‌ استعار لها لفظ المصايد لمشابهتها اياها ‌فى‌ استلزام الحصول فيها للبعد عن السلامه ‌و‌ الحصول ‌فى‌ العذاب، ‌و‌ هى استعاره تبعيه.
 ‌و‌ يمكن ‌ان‌ يقال: انه شبه الشيطان بالمصايد ‌فى‌ احتياله ‌و‌ اغتياله ‌و‌ هى استعاره بالكنايه ثم اثبت له المصايد التى ‌لا‌ يكمل الاحتيال ‌و‌ الاغتيال الا بها تحقيقا للمبالغه ‌فى‌ التشبيه ‌و‌ هى استعاره تخييليه كقوله:
 ‌و‌ اذا المنيه انشبت اظفارها
 ‌و‌ اضافه الشر الى المصايد الشيطانيه ‌من‌ باب اضافه النتيجه الى المقدمات.
 
و ‌فى‌ مواعظ ابى عبدالله عليه السلام لعبدالله ‌بن‌ جندب: «يا ابن جندب ‌ان‌ للشيطان مصائد يصطاد بها فتحاموا شباكه ‌و‌ مصائده، قلت: ‌يا‌ ابن رسول الله: ‌و‌ ‌ما‌ هى؟ قال: اما مصائده فصد عن ‌بر‌ الاخوان، ‌و‌ اما شباكه فنوم عن قضاء الصلاه التى فرضها الله تعالى» ‌و‌ الحديث طويل اخذنا منه موضع الحاجه.
 المراره: اسم ‌من‌ مر الشى ء يمر ‌من‌ باب تعب ‌و‌ قتل ‌ضد‌ حلا، ‌و‌ هى حقيقه ‌فى‌ الكيفيه المخصوصه للاجسام استعارها عليه السلام لما يوجد ‌من‌ التالم بسبب صوله السلطان.
 ‌و‌ الصوله: الحمله ‌و‌ الوثبه ‌و‌ السطوه ‌و‌ الاستطاله، يقال: صال الفحل يصول صولا: وثب، وصال على قرنه: سطا ‌و‌ استطال.
 قال السرقسطى ‌و‌ ‌من‌ العرب ‌من‌ يقول: «صول» مثل قرب بالهمزه للبعير، ‌و‌ «صال» بغير همز على قرنه.
 ‌و‌ المراد بصوله السلطان: قهره ‌و‌ باسه ‌و‌ سطوته، ‌و‌ السلطان هنا بمعنى الملك اى: صاحب السلطنه ‌و‌ الولايه، ‌و‌ قد يطلق على الولايه نفسها، ‌و‌ يحتمل حمله هنا على هذا المعنى ايضا، ‌و‌ الاول اظهر.
 
انما: للحصر اى: ‌لا‌ يكتفى المكتفون الا بفضل قوتك.
 ‌و‌ الفضل: هنا بمعنى الزياده، يقال: فضل فضلا ‌من‌ باب قتل اى: زاد.
 ‌و‌ القوه: تطلق على كمال القدره ‌و‌ على شده الممانعه ‌و‌ الدفع ‌و‌ يقابلها الضعف.
 ‌و‌ لما كان سبحانه مستند جميع الموجودات ‌و‌ المفيض على كل قابل ‌ما‌ يستعد له
 
و يستحقه كان ‌هو‌ المعطى لكل مكتف كماله ‌و‌ قوته، فصح ‌ان‌ كل مكتف انما يكتفى بسبب قوته الزائده على كل قوه بالمعنيين المذكورين لها.
 ‌و‌ روى ‌ان‌ الحسن قال: ‌و‌ اعجبا لنبى الله لوط اذ قال: «لو ‌ان‌ لى بكم قوه ‌او‌ آوى الى ركن شديد» اتراه اراد ركنا اشد ‌من‌ الله تعالى.
 المعطون: جمع معطى: اسم فاعل ‌من‌ اعطى يعطى اعطاء ‌و‌ الاصل: المعطيون بكسر الطاء ‌و‌ ضم الياء، حذفت ضمه الياء للاستثقال ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، ‌و‌ حذفت الكسره التى كانت قبل الياء لئلا يلزم قلب الواو ياء لوقوعها ساكنه اثر كسره، ثم عوض ‌من‌ الكسره الضمه لمناسبه الواو. ‌و‌ ‌ان‌ شئت قلت: استثقلت الضمه على الياء فنقلت منها الى ‌ما‌ قبلها بعد سلب حركه ‌ما‌ قبلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، ‌و‌ قس على ذلك كل اسم منقوص يجمع جمع المذكر السالم.
 ‌و‌ الجده: بكسر الجيم ‌و‌ فتح الدال المهماه مخففه كهبه الغنى.
 قال ابن الاثير: «فى اسمائه تعالى الواجد ‌هو‌ الغنى الذى ‌لا‌ يفتقر، ‌و‌ قد وجد يجد جده: ‌اى‌ استغنى غنى ‌لا‌ فقر بعده» انتهى.
 ‌و‌ اصلها: وجد بالواو حذفت الواو ‌و‌ عوض منها الهاء كما ‌فى‌ عده وهيه ‌و‌ صله. ‌و‌ انما حصر اعطاء المعطين ‌فى‌ كونه فضل جدته لما علمت انه تعالى مستند جميع الموجودات، ‌و‌ كل ممكن فهو مفتقر ‌فى‌ طرفيه، منته ‌فى‌ سلسله الحاجه اليه، فكل معط غيره مجاز ‌لا‌ حقيقه.
 
النور: ‌هو‌ ‌ما‌ تنكشف ‌به‌ الاشياء، ‌و‌ يظهر وجودها عند الحس، ‌و‌ ‌هو‌ اما جسم كما ذهب اليه جماعه ‌من‌ المحققين، ‌او‌ عرض كما قيل. ‌و‌ على التقديرين فليس ‌هو‌ المراد هنا، بل المراد: اما الهدايه ‌او‌ العلم على سبيل الاستعاره ‌و‌ تشبيه المحسوس بالمعقول لجامع عقلى ‌و‌ ‌هو‌ الايصال الى المطلوب.
 ‌و‌ ‌فى‌ كلام اميرالمومنين عليه السلام: «و مضيت بنور الله حين وقفوا» قال شارحو كلامه اى: كان سلوكى لسبيل الحق على وفق العلم ‌و‌ ‌هو‌ نور الله الذى ‌لا‌ يضل ‌من‌ اهتدى ‌به‌ انتهى.
 ‌و‌ الوجه: بمعنى الذات. ‌و‌ المعنى: ‌لا‌ يهتدى المهتدون الا بهدايتك ‌او‌ بعلمك كما قال سبحانه: «قل ‌ان‌ الهدى هدى الله» ‌و‌ قال سبحانه: «من يهدى الله فهو المهتدى».
 ‌و‌ ‌فى‌ الحديث القدسى: «يا عبادى كلكم ضال الا ‌من‌ هديته، فاستهدونى اهدكم».
 
والاه ولاء ‌و‌ مولاه: نصره. قال الفيومى ‌فى‌ المصباح: الولاء: النصره لكن خص ‌فى‌ الشرع بولاء العتق. ‌و‌ يقال: والاه ايضا بمعنى تابعه.
 ‌و‌ قال الفارابى ‌فى‌ ديوان الادب: «و الموالاه نقيض المعادات».
 ‌و‌ الخذلان بالكسر: اسم ‌من‌ خذله يخذله ‌من‌ باب قتل اى: ترك نصره ‌و‌ اعانته ‌و‌ تاخر عنه، ‌و‌ مفعول «واليت» محذوف اى: واليته، ‌و‌ حذف المفعول يكثر عائدا على
 
الموصول نحو: «و ‌من‌ يهد الله فما له ‌من‌ مضل» اى: يهده. ‌و‌ نحو: «اهذا الذى بعث الله رسولا» اى، بعثه.
 ‌و‌ المعنى: ‌ان‌ ‌من‌ تنصره ‌لا‌ يبال بمن تاخر عنه ‌و‌ ترك نصره ‌و‌ لم يعنه، ‌و‌ هذا يستلزم تمام قدره الله ‌جل‌ شانه ‌و‌ كمال سلطانه تعالى لان امره ‌و‌ قضاءه واقع ‌لا‌ محاله اذ كان ‌ما‌ علم وجوده فلا ‌بد‌ ‌من‌ وجوده سواء كان مكروها للخلق ‌او‌ محبوبا لهم كما قال الله تعالى: «و يابى الله الا ‌ان‌ يتم نوره ‌و‌ لو كره الكافرون» «و ‌ان‌ يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا ‌هو‌ ‌و‌ ‌ان‌ يمسسك بخير فهو على كل شى ء قدير».
 اى: ‌من‌ اعطيته كما مر.
 ‌و‌ نقص: ياتى لازما ‌و‌ متعديا فيقال: نقص الشى ء ‌من‌ باب قتل نقصا ‌و‌ نقصانا بالضم اى: ذهب منه شى ء بعد تمامه، ‌و‌ نقصه اى: اذهبت منه شيئا، هذه اللغه الفصيحه ‌و‌ بها جاء القرآن ‌فى‌ قوله تعالى: «ننقصها ‌من‌ اطرافها». ‌و‌ ‌فى‌ لغه ضعيفه يتعدى بالهمزه ‌و‌ التضعيف ‌و‌ لم يات ‌فى‌ كلام فصيح. ‌و‌ يتعدى ايضا الى مفعولين فيقال: نقصت زيدا حقه.
 ‌و‌ منعه يمنعه بفتح النونين منعا: ‌ضد‌ اعطاه. ‌و‌ المعنى: ‌ان‌ ‌من‌ جدت عليه ‌و‌ انلته فضلك لم ينقص ‌من‌ حظه حرمان غيرك له اذ ‌لا‌ مانع لما اعطيت ‌و‌ ‌لا‌ معطى لما منعت.
 غوى يغوى غيا ‌من‌ باب ضرب، ‌و‌ اغواه: غيره. ‌و‌ الاسم: الغوايه بالفتح اى: ‌من‌ هديته لم يضله مضل يصرفه عن مقصده، ‌او‌ يصيبه بسوء يخل بسلوكه اذ ‌لا‌ راد
 
لفضله ‌و‌ ‌لا‌ معارض لارادته سبحانه كما قال تعالى: «و ‌من‌ يهد الله فما له ‌من‌ مضل اليس الله بعزيز ذى انتقام»، اى: اليس ‌هو‌ بغالب ‌لا‌ يغالب، منيع ‌لا‌ يمانع ‌و‌ ‌لا‌ ينازع.
 
«الفاء»: فصيحه، اى: اذا ثبت انك ‌من‌ واليت لم يضرره خذلان الخاذلين، ‌و‌ هذا الوصف يقتضى انك لعزك تمنع ‌من‌ تشاء ‌من‌ كل احد، ‌و‌ ‌لا‌ يمنع منك احد، فامنعنا بعزك ‌من‌ عبادك. ‌و‌ المنع ‌و‌ ‌ان‌ كان ‌فى‌ الاصل تحجير الشى ء الا انه يستعمل بمعنى الحمايه.
 قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: «و ‌من‌ المجاز فلان يمنع الجار: يحمينه ‌من‌ ‌ان‌ يضام».
 ‌و‌ العز ‌و‌ العزه: الامتناع ‌و‌ الشده ‌و‌ الغلبه، ‌و‌ رجل عزيز: منيع ‌لا‌ يغلب ‌و‌ ‌لا‌ يقهر.
 اى: احمنا بغلبتك ‌و‌ شدتك ‌من‌ عبادك الذين يريدون بنا سوءا.
 ‌و‌ الباء ‌فى‌ «بعزك»: للسببيه، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ تكون للاستعانه.
 ‌و‌ اغرب ‌من‌ قال ‌ان‌ المعنى: امنعنا بافاضه ‌عز‌ منك نستغنى ‌به‌ عن الالتجاء بعبادك.
 الارفاد: الاعطاء ‌و‌ الاعانه، يقال: ارفده ‌و‌ رفده كضربه بالهمزه ‌و‌ بدونها بمعنى.
 قال الجوهرى: الرفد بالكسر: العطاء ‌و‌ الصله، ‌و‌ الرفد بالفتح: المصدر، تقول: رفدته ارفده اى: اعطيته، ‌و‌ كذلك اذا اعنته. ‌و‌ الارفاد: الاعطاء ‌و‌ الاعانه انتهى.
 ‌و‌ قال الزمخشرى ‌فى‌ الاساس: رفد فلانا ‌و‌ ارفده: اعانه بعطاء ‌او‌ قول ‌او‌ غير ذلك.
 
و هذه الفقره مرتبه على قوله عليه السلام: «و ‌من‌ اعطيت لم ينقصه منع المانعين» اى: اذا كان الامر هكذا فاغننا عن غيرك باعطائك لانها معطوفه على مدخول الفاء الفصيحه.
 ‌و‌ مما يناسب ايراده هنا ‌من‌ الحكايات ‌ما‌ حكى عن بعضهم قال: كنت جالسا ‌فى‌ جماعه، فوقف علينا سائل ‌و‌ سال شيئا، فلم يعطه احد شيئا، فبكى ذلك الرجل بكاء شديدا، فرق له قلبى فقلت له: تعال حتى اعطيك شيئا. فقال: انى لم ابك لما توهمت ولكنى تذكرت ذل ‌من‌ يفتقر الى رحمه الله كيف يكون حاله! فلما كان بعد ايام اذا نحن بانسان عليه ثياب حسنه فوقف علينا ‌و‌ قال: اتعرفونى؟ فقلنا: ‌و‌ ‌لا‌ ننكرك فمن انت؟ قال: انا السائل الذى رددتموه ذلك اليوم رجعت بمسالتى الى ربى فوهب لى انعاما ‌و‌ اغنانى عن غيره.
 سلكت الطريق سلوكا، ‌من‌ باب قعد: ذهبت فيه، يتعدى بنفسه، ‌و‌ بالباء ايضا، ‌و‌ ‌هو‌ الاكثر استعمالا، فيقال: سلكت زيدا الطريق، ‌و‌ سلكت ‌به‌ الطريق.
 ‌و‌ السبيل: الطريق، يذكر ‌و‌ يونث.
 ‌و‌ الارشاد: خلاف الاضلال، ‌و‌ منه الحديث: «و ارشاد الضال» اى: هدايته الطريق ‌و‌ تعريفه.
 ‌و‌ هذه الفقره مرتبه على قوله عليه السلام: «و ‌من‌ هديت لم يغوه اضلال المضلين» اى: اذا كان ‌من‌ شانك ذلك فاجعلنا ممن يسلك طريق الحق بهدايتك ‌و‌ تعريفك.
 ‌و‌ المراد ب«سبيل الحق»: الطريق الموصله اليه تعالى، ‌و‌ هى التى تطابقت على
 
الهدايه اليها السنه الرسل ‌و‌ الانبياء.
 
السلامه: الخلوص ‌من‌ الافات، ‌و‌ المراد بسلامه القلوب: سلامتها ‌من‌ الامراض الروحانيه كالجهل ‌و‌ سائر الاخلاق الذميمه، ‌و‌ يندرج ‌فى‌ سلامه القلب سلامه سائر الجوارح لانه رئيسها.
 ‌و‌ «فى»: اما للظرفيه المجازيه كقوله تعالى: «و لكم ‌فى‌ القصاص حياه» ‌و‌ انما سال ‌ان‌ يجعل سلامه قلوبهم ‌فى‌ ذكر عظمته فيكون ذكر عظمته ظرفا لها، لان المظروف اذا احتواه الظرف ‌لا‌ يصيبه ‌ما‌ يفرقه، ‌و‌ ‌لا‌ ‌هو‌ بنفسه يتفرق، ‌و‌ يتلاشى خصوصا اذا كان الظرف حصينا منيعا، فيكون ذكر عظمته حينئذ حاميا لسلامه القلوب ‌من‌ الافات التى تتطرق اليها. ‌او‌ يكون المعنى اذا سلمت قلوبنا ‌من‌ الافات فاجعل سلامتها ‌فى‌ ذكر عظمتك ‌لا‌ ‌فى‌ غيره لتتوفر على ذكرها ‌و‌ الاشتغال ‌به‌ دون غيره.
 ‌او‌ للسببيه كقوله تعالى: «لمسكم فيما افضتم». ‌و‌ ‌فى‌ الحديث: «ان امراه دخلت النار ‌فى‌ هره» اى: اجعل سلامه ‌فى‌ قلوبنا متسببه عن ذكر عظمتك بحيث كلما ذكرت عظمتك سلمت ‌من‌ كل آفه، حتى يكون ذكر عظمتك حجه لها ‌لا‌ عليها.
 ‌و‌ الذكر باللسان ‌و‌ القلب، يكسر ‌و‌ يضم، يقال: ذكرته بلسانى ‌و‌ بقلبى، ذكرى بالتانيث ‌و‌ كسر الذال، ‌و‌ الاسم: الذكر بالضم ‌و‌ الكسر، نص عليه جماعه منهم ابوعبيده ‌و‌ ابن قتيبه. ‌و‌ انكر الفراء الكسر ‌فى‌ القلب ‌و‌ قال: اجعلنى على ذكر منك، بالضم ‌لا‌ غير، ‌و‌ لهذا اقتصر عليه جماعه.
 
و الصحيح ‌ما‌ ذكرناه اولا، ‌و‌ كفاه شاهدا وروده ‌فى‌ كلام سيد العابدين عليه السلام، فان نسخ الصحيفه متطابقه على ضبطه بالكسر هنا، ‌و‌ الله اعلم.
 ‌و‌ قد تقدم بيان معنى عظمته سبحانه فليرجع اليه.
 
 تنبيه
 
 القلب: ‌فى‌ اللغه صرف الشى ء الى عكسه، ‌و‌ منه القلب، سمى ‌به‌ لكثره تقلبه. قال الشاعر:
 قد سمى القلب قلبا ‌من‌ تقلبه
 فاحذر على القلب ‌من‌ قلب ‌و‌ تحويل
 ‌و‌ له ظاهر: ‌و‌ ‌هو‌ المضغه الصنوبريه المودعه ‌فى‌ التجويف الايسر ‌من‌ الصدر، ‌و‌ ‌هو‌ محل اللطيفه الانسانيه، ‌و‌ لذا ينسب اليه الصلاح ‌و‌ الفساد.
 ‌و‌ باطن: ‌و‌ ‌هو‌ اللطيفه الربانيه النورانيه العالمه التى هى مهبط الانوار الالهيه ‌و‌ بها يكون الانسان انسانا، ‌و‌ بها يستعد لامتثال الاحكام، ‌و‌ بها صلاح البدن ‌و‌ فساده، ‌و‌ يعبر عنها بالنفس الناطقه «و نفس ‌و‌ ‌ما‌ سواها فالهمها فجورها ‌و‌ تقواها»، ‌و‌ بالروح «قل الروح ‌من‌ امر ربى».
 ‌و‌ لذا كانت معرفته كما هى متعذره، ‌و‌ الاشاره الى حقيقته على ارباب الحقائق متعسره، ‌و‌ ‌هو‌ مقر الايمان «اولئك كتب ‌فى‌ قلوبهم الايمان»، كما ‌ان‌ الصدر محل الاسلام «افمن شرح الله صدره للاسلام»، ‌و‌ الفواد مقر المشاهده «ما كذب الفواد ‌ما‌ راى»، ‌و‌ اللب مقام التوحيد «انما يتذكر اولوا الالباب» اى:
 
الذين خرجوا ‌من‌ قشر الوجود المجازى ‌و‌ بقوا بلب الوجود الحقيقى، فافهم فانه ‌من‌ نفائس الرموز ‌و‌ بدائع الكنوز.
 
 تتمه
 
 قال بعض العارفين: القلوب هدف سهام القهر ‌و‌ اللطف ‌و‌ هى متقلبه ‌فى‌ قبضه خالقها، فاذا وقعت ‌فى‌ بحار النكرات مالت ‌من‌ تاثير القهريات الى عالم الشهوات ‌و‌ افاضت على الجوارح مباشره الاثام، ‌و‌ اذا وقعت ‌فى‌ بحار المعارف مالت ببعث المحبه ‌و‌ الشوق الى مشاهده الله فاستنارت بنورها فنورت العقل ‌و‌ الحس ‌و‌ الروح ‌و‌ الصوره، ‌و‌ يتولد ‌من‌ حسن جوارحها خشوع الصوره ‌و‌ صلاح الجوارح ‌فى‌ خدمته.
 الفراغ: اسم ‌من‌ فرغ ‌من‌ الشغل فروغا ‌من‌ باب قعد: اذا تخلى منه، اى: ‌و‌ اجعل فراغ ابداننا اذا تخلت عن كل ‌ما‌ يشغلها مصروفا ‌فى‌ شكر نعمتك ‌لا‌ ‌فى‌ غيره.
 ‌و‌ الشكر: يحتمل ‌ان‌ يكون المراد ‌به‌ هنا اللغوى، ‌و‌ ‌هو‌ الوصف بالجميل على جهه التعظيم ‌و‌ التبجيل ‌من‌ اللسان ‌و‌ الجنان ‌و‌ الاركان، ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يراد ‌به‌ العرفى، ‌و‌ ‌هو‌ صرف العبد جميع ‌ما‌ انعم الله عليه ‌من‌ السمع ‌و‌ البصر ‌و‌ غيرهما الى ‌ما‌ خلق الله لاجله.
 ‌و‌ بين الشكرين عموم ‌و‌ خصوص مطلق، ‌و‌ ذكر الابدان يرجح اراده الثانى، ‌و‌ الله اعلم.
 يقال: رجل طلق اللسان ‌و‌ طلقه ‌و‌ طليقه اى: ماضى القول سريع النطق،
 
كذا ‌فى‌ النهايه.
 ‌و‌ ‌فى‌ المصباح: «طلق لسانه» بالضم طلوقا ‌و‌ طلوقه فهو طلق اللسان ‌و‌ طليقه اى: فصيح عذب المنطق.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس: رجل منطلق اللسان ‌و‌ طلقه ‌و‌ طليقه انتهى.
 ‌و‌ الحاصل: انه متى وصف اللسان بالانطلاق فالمراد: جريانه ‌و‌ امضاوه ‌و‌ ذلاقته بحيث ‌لا‌ يعترضه لكنه، ‌و‌ ‌لا‌ تقف ‌به‌ حبسه عند الكلام ‌و‌ بسط المقال، ‌و‌ ‌هو‌ ‌من‌ لوازم الفصاحه.
 ‌و‌ وصفته وصفا: ‌من‌ باب وعد: نعته بما فيه. ‌و‌ الوصف ‌و‌ الصفه مترادفان عند اهل اللغه، ‌و‌ الهاء عوض ‌من‌ الواو كالوعد ‌و‌ العده.
 ‌و‌ عند بعض المتكلمين: الوصف ‌هو‌ الكلام الواصف، ‌و‌ الصفه هى المعنى القائم بالموصوف.
 قال بعضهم: ‌و‌ التحرير ‌ان‌ الوصف لغه كما ذكر ‌فى‌ الموصوف ‌من‌ الصفه، ‌و‌ الصفه هى ‌ما‌ فيه، ‌و‌ ‌لا‌ ينكر انه يطلق الوصف ‌و‌ يراد الصفه، ‌و‌ بهذا ‌لا‌ يلزم الاتحاد لغه، اذ ‌لا‌ ‌شك‌ ‌فى‌ ‌ان‌ الوصف مصدر، ‌و‌ صفه اذا ذكر ‌ما‌ فيه. انتهى، فتامل.
 ‌و‌ المنه: النعمه الثقيله، ‌من‌ عليه: اثقله بالنعمه، ‌و‌ منه «لقد ‌من‌ الله على المومنين».
 ‌و‌ المعنى: اجعل جريان السنتنا ‌و‌ ذلاقه منطقنا مصروفه ‌فى‌ ذكر ‌ما‌ ‌فى‌ نعمتك الجليله ‌من‌ الصفات الجميله. ‌و‌ الله اعلم.
 
الدعاه بالضم: جمع داع، ‌من‌ دعاه يدعوه بمعنى: ناداه ‌و‌ طلب اقباله، ‌و‌ اصله:
 
دعوه بضم اوله ‌و‌ فتح ثانيه، قلبت الواو الفا لتحركها ‌و‌ انفتاح ‌ما‌ قبلها.
 ‌و‌ قيل: اصله فعله بفتح الفاء، ‌و‌ ‌ان‌ الفتحه حولت ضمه للفرق بين معتل اللام ‌و‌ صحيحها، ‌و‌ هذا الجمع مطرد ‌فى‌ وصف العاقل على زنه فاعل معتل اللام كهاد ‌و‌ قاض ‌و‌ غاز.
 ‌و‌ الداعين: جمع داع ايضا بالمعنى المذكور الا ‌ان‌ الاول جمع تكسير ‌و‌ هذا جمع سلامه، ‌و‌ قد سبق اعلال نظيره فليقس عليه.
 ‌و‌ وصف دعاته بالداعين اليه:
 اما للتخصيص ‌ان‌ اراد بالدعاه طالبى احسانه ‌من‌ دعا الله: اذا طلبه ‌و‌ ابتهل اليه بالسوال.
 ‌او‌ للتوضيح ‌ان‌ اراد بهم معنى الداعين اليه فوصفهم بذلك لرفع احتمال اراده المعنى الاول.
 ‌و‌ المعنى: اجعلنا ‌من‌ المبتهلين اليك بالسوال، الطالبين اقبال الناس الى طاعتك ‌و‌ عبادتك، ‌و‌ اجعلنا ‌من‌ طالبى اقبال الخلق الى جنابك.
 ‌و‌ اضافه الدعاه الى كاف الخطاب على المعنى الاول ‌من‌ اضافه الفاعل الى المفعول فهى لفظيه، ‌و‌ على الثانى معنويه كغلام زيد.
 وصف الهداه بالدالين عليه: اما للتخصيص ‌او‌ للتوضيح ايضا كما مر آنفا.
 ‌و‌ على الاول فالمعنى: ‌و‌ اجعلنا ‌من‌ الهداه المنسوبين اليك الدالين على طاعتك.
 ‌و‌ على الثانى: اجعلنا ‌من‌ الهداه اليك الدالين على سبيلك. ‌و‌ الاضافه على الوجهين معنويه.
 ‌و‌ الفرق بين المعنيين: ‌ان‌ الهداه على الاول اعم منه على الثانى.
 ‌و‌ يحتمل ‌ان‌ يكون «الهداه» جمع هاد ‌من‌ هدى بمعنى اهتدى.
 
قال الجوهرى: هدى ‌و‌ اهتدى بمعنى.
 ‌و‌ قرا حمزه ‌و‌ الكسائى: «افمن يهدى الى الحق احق ‌ان‌ يتبع ‌ام‌ ‌من‌ ‌لا‌ يهدى الا ‌ان‌ يهدى» بفتح الياء ‌و‌ سكون الهاء ‌و‌ كسر الدال ‌من‌ يهدى الاول، ‌و‌ الثانى لازم بمعنى يهتدى.
 ‌و‌ على هذا فالمعنى ‌و‌ اجعلنا ‌من‌ المهتدين المنسوبين اليك الهادين غيرهم الى سبيلك، فيكون الوصف للتخصيص على هذا المعنى ايضا.
 الخاصه: خلاف العامه، ‌من‌ خص الشى ء يخص ‌من‌ باب قعد، خلاف عم فهو خاص، ‌و‌ الهاء فيها للتاكيد.
 ‌و‌ عن الكسائى: «الخاص ‌و‌ الخاصه» واحد.
 ‌و‌ ‌فى‌ الاساس للزمخشرى: له ‌بى‌ خصوص ‌و‌ خصوصيه ‌و‌ هذا خاصتى ‌و‌ ‌هم‌ خاصتى.
 ‌و‌ المراد بخاصته تعالى: اولياوه المخلصون له ‌فى‌ المحبه ‌و‌ الطاعه، الذين لهم ‌به‌ خصوصيه دون غيرهم لاختصاصه اياهم لنفسه. ‌و‌ وصفهم بقوله: «الخاصين لديك» للتخصيص ‌او‌ الايضاح ‌او‌ المدح لما فيه ‌من‌ الاشاره الى الاعتناء بهم اذ المراد عنديه الشرف ‌و‌ الرتبه.
 ختم الدعاء عليه السلام بهذا النداء توقعا لحصول المطلب ‌و‌ استعطافا بوصفه الدال على انه الجواد المطلق الذى ‌لا‌ يرحم لمنفعه تعود اليه ‌و‌ ‌لا‌ لمضره يدفعها عنه، ‌و‌ كل رحيم سواه فرحمته لغرض ‌من‌ الاغراض: اما ثناء دنيويا، ‌او‌ ثوابا اخرويا، ‌او‌ للرقه الناشئه ‌من‌ الجنسيه ‌او‌ نحو ذلك، على ‌ان‌ تلك الرحمه ايضا تتوقف على داعيه
 
يخلقها الله تعالى فيه. ‌و‌ الافات ‌و‌ الالام التى تراها ‌فى‌ هذا العالم ‌لا‌ تنافى رحمته سبحانه لان كلها مستتبعه لمصالح ‌و‌ غايات ‌لا‌ يعلمها الا هو، ‌و‌ انها ضروريه ‌فى‌ الوجود لاشتمالها على خيرات اكثر ‌من‌ الشرور.
 ثم اطلاق الراحم عليه تعالى ‌و‌ على غيره انما ‌هو‌ ‌من‌ باب الاشتراك اللفظى دون المعنى، اذ ‌لا‌ شركه بينه ‌و‌ بين غيره ‌فى‌ المعنى اصلا، فان رحمته تعالى تناسب ذاته المقدسه، ‌او‌ هى عباره عن احسانه ‌و‌ لطفه بعباده. ‌و‌ رحمه غيره رقه ‌و‌ انعطاف يقتضى الشفقه ‌و‌ اللطف بالخلق. ‌و‌ ‌هو‌ سبحانه منزه عن هذا المعنى، ‌و‌ قد سبق بيان ذلك ‌فى‌ الروضه الاولى فلا وجه لاعادته.
 ‌و‌ مما يناسب ايراده هنا ‌ما‌ رواه اصحاب السير انه اوقف صبى ‌فى‌ بعض الغزوات ينادى عليه بمن يزيد ‌فى‌ يوم صائف شديد الحر، فبصرت ‌به‌ امراه ‌و‌ ‌هو‌ ينادى عليه، فعدت مسرعه اليه ‌و‌ اخذته ‌و‌ الصقته الى بطنها، ثم القت ظهرها على البطحاء ‌و‌ اجلسته على بطنها تقيه الحر ‌و‌ تقول: ابنى ابنى، فبكى الناس ‌و‌ تركوا ‌ما‌ ‌هم‌ فيه. فاقبل رسول الله صلى الله عليه ‌و‌ آله حتى وقف عليهم فاخبروه فقال: اعجبتم ‌من‌ رحمه هذه ابنها، ‌ان‌ الله ارحم بكم جميعا ‌من‌ هذه بابنها. فتفرق المسلمون ‌و‌ ‌هم‌ فرحون مستبشرون.
 اللهم انا نسالك ‌يا‌ ارحم الراحمين برحمتك التى وسعت العالمين ‌ان‌ ترحمنا رحمه تغنينا بها عن رحمه ‌من‌ سواك، ‌و‌ ‌ان‌ تجعلنا ممن وسعه رحمتك ‌و‌ رضاك، انك اجود مسوول ‌و‌ اكرم مامول.
 قال مولفه عفا الله عنه: وفق الله لاتمام هذه الروضه صبح يوم الجمعه الاغر لست بقين ‌من‌ شوال المبارك احد شهور سنه سبع ‌و‌ تسعين، ‌و‌ الحمد لله رب العالمين.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

الدعاء 47- 5
الدعاء 16
الدعاء 2- 1
الدعاء 1- 2
اسناد الصحیفه السجادیه- 2
الدعاء 53
الدعاء 45- 1
الدعاء 52
الدعاء 20- 1
الدعاء 1- 5

بیشترین بازدید این مجموعه

الدعاء 47- 5

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^