الفرار من الخطايا
«1» اللَّهُمَّ يا كَافِيَ الْفَرْدِ الضَّعِيفِ ، و وَاقِيَ الْأَمْرِ الَْمخُوفِ ، أَفْرَدَتْنِي الْخَطَايَا فَلَا صَاحِبَ مَعِي ، و ضَعُفْتُ عَنْ غَضَبِكَ فَلَا مُؤَيِّدَ لِي ، و أَشْرَفْتُ عَلَى خَوْفِ لِقَائِكَ فَلَا مُسَكِّنَ لِرَوْعَتِي «2» و من يُؤْمِنُنِي مِنْكَ و أَنْتَ أَخَفْتَنِي ، و من يُسَاعِدُنِي و أَنْتَ أَفْرَدْتَنِي ، و من يُقَوِّينِي و أَنْتَ أَضْعَفْتَنِي «3» لا يُجِيرُ ، يا إِلَهِي ، إِلَّا رَبٌّ عَلَى مَرْبُوبٍ ، و لا يُؤْمِنُ إِلَّا غَالِبٌ عَلَى مَغْلُوبٍ ، و لا يُعِينُ إِلَّا طَالِبٌ عَلَى مَطْلُوبٍ . «4» و بِيَدِكَ ، يا إِلَهِي . جَمِيعُ ذَلِكَ السَّبَبِ ، و إِلَيْكَ الْمَفَرُّ و الْمَهْرَبُ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و أَجِرْ هَرَبِي ، و أَنْجِحْ مَطْلَبِي . «5» اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ صَرَفْتَ عَنِّي وَجْهَكَ الْكَرِيمَ أَوْ مَنَعْتَنِي فَضْلَكَ الْجَسِيمَ أَوْ حَظَرْتَ عَلَيَّ رِزْقَكَ أَوْ قَطَعْتَ عَنِّي سَبَبَكَ لَمْ أَجِدِ السَّبِيلَ إِلَى شَيْءٍ من أَمَلِي غَيْرَكَ ، و لَمْ أَقْدِرْ عَلَى ما عِنْدَكَ بِمَعُونَةِ سِوَاكَ ، فَاِنِّي عَبْدُکَ و فِي قَبْضَتِکَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِکَ . «6» لا أَمْرَ لِي مَعَ أَمْرِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، و لا قُوَّةَ لِي عَلَى الْخُرُوجِ من سُلْطَانِكَ ، و لا أَسْتَطِيعُ مُجَاوَزَةَ قُدْرَتِكَ ، و لا أَسْتَمِيلُ هَوَاكَ ، و لا أَبْلُغُ رِضَاكَ ، و لا أَنَالُ ما عِنْدَكَ إِلَّا بِطَاعَتِكَ و بِفَضْلِ رَحْمَتِكَ . «7» إِلَهِي أَصْبَحْتُ و أَمْسَيْتُ عَبْداً دَاخِراً لَكَ ، لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً و لا ضَرّاً إِلَّا بِكَ ، أَشْهَدُ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِي ، و أَعْتَرِفُ بِضَعْفِ قُوَّتِي و قِلَّةِ حِيلَتِي ، فَأَنْجِزْ لِي ما وَعَدْتَنِي ، و تَمِّمْ لِي ما آتَيْتَنِي ، فَإِنِّي عَبْدُكَ الْمِسْكِينُ الْمُسْتَكِينُ الضَّعِيفُ الضَّرِيرُ الْحَقِيرُ الْمَهِينُ الْفَقِيرُ الْخَائِفُ الْمُسْتَجِيرُ . «8» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و لا تَجْعَلْنِي نَاسِياً لِذِكْرِكَ فِيما أَوْلَيْتَنِي ، و لا غَافِلًا لِإِحْسَانِكَ فِيما أَبْلَيْتَنِي ، و لا آيِساً من إِجَابَتِكَ لِي و إِنْ أَبْطَأَتْ عَنِّي ، فِي سَرَّاءَ كُنْتُ أَوْ ضَرَّاءَ ، أَوْ شِدَّةٍ أَوْ رَخَاءٍ ، أَوْ عَافِيَةٍ أَوْ بَلَاءٍ ، أَوْ بُؤْسٍ أَوْ نَعْمَاءَ ، أَوْ جِدَةٍ أَوْ لَأْوَاءَ ، أَوْ فَقْرٍ أَوْ غِنًى . «9» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و اجْعَلْ ثَنَائِي عَلَيْكَ ، و مَدْحِي إِيَّاكَ ، و حَمْدِي لَكَ فِي كُلِّ حَالَاتِي حَتَّى لا أَفْرَحَ بِمَا آتَيْتَنِي من الدُّنْيَا ، و لا أَحْزَنَ عَلَى ما مَنَعْتَنِي فِيهَا ، و أَشْعِرْ قَلْبِي تَقْوَاكَ ، و اسْتَعْمِلْ بَدَنِي فِيما تَقْبَلُهُ مِنِّي ، و اشْغَلْ بِطَاعَتِكَ نَفْسِي عَنْ كُلِّ ما يَرِدُ عَلَيَّ حَتَّى لا اُحِبَّ شَيْئاً من سُخْطِکَ ، و لا أَسْخَطَ شَيْئاً من رِضَاکَ . «10» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و فَرِّغْ قَلْبِي لَِمحَبَّتِكَ ، و اشْغَلْهُ بِذِكْرِكَ ، و انْعَشْهُ بِخَوْفِكَ و بِالْوَجَلِ مِنْكَ ، و قَوِّهِ بِالرَّغْبَةِ إِلَيْكَ ، و أَمِلْهُ إِلَى طَاعَتِكَ ، و أَجْرِ به فِي أَحَبِّ السُّبُلِ إِلَيْكَ ، و ذَلِّلْهُ بِالرَّغْبَةِ فِيما عِنْدَكَ أَيَّامَ حَيَاتِي كُلِّهَا . «11» و اجْعَلْ تَقْوَاكَ من الدُّنْيَا زَادِي ، و إِلَى رَحْمَتِكَ رِحْلَتِي ، و فِي مَرْضَاتِكَ مَدْخَلِي ، و اجْعَلْ فِي جَنَّتِكَ مَثْوَايَ ، و هَبْ لِي قُوَّةً أَحْتَمِلُ بِهَا جَمِيعَ مَرْضَاتِكَ ، و اجْعَلْ فِرَارِيَ إِلَيْكَ ، و رَغْبَتِي فِيما عِنْدَكَ ، و أَلْبِسْ قَلْبِيَ الْوَحْشَةَ من شِرَارِ خَلْقِكَ ، و هَبْ لِيَ الْأُنْسَ بِكَ و بِأَوْلِيَائِكَ و أَهْلِ طَاعَتِكَ . «12» و لا تَجْعَلْ لِفَاجِرٍ و لا كَافِرٍ عَلَيَّ مِنَّةً ، و لا لَهُ عِنْدِي يَداً ، و لا بِي إِلَيْهِمْ حَاجَةً ، بَلِ اجْعَلْ سُكُونَ قَلْبِي و أُنْسَ نَفْسِي و اسْتِغْنَائِي و كِفَايَتِي بِكَ و بِخِيَارِ خَلْقِكَ . «13» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و اجْعَلْنِي لَهُمْ قَرِيناً ، و اجْعَلْنِي لَهُمْ نَصِيراً ، و امْنُنْ عَلَيَّ بِشَوْقٍ إِلَيْكَ ، و بِالْعَمَلِ لَكَ بِمَا تُحِبُّ و تَرْضَى ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ ، و ذَلِكَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ
(اللهم يا كافى الفرد الضعيف) كل فرد من افراد الانسان هو ضعيف فى نفسه و جسمه، و قد صور الامام على (ع) ضعفه الجسمى بقوله: تولمه البقه، و تقتله الشرقه، و تنتنه العرقه. و قال عن ضعفه فى نفسه: ان ملكه الياس قتله الاسف، و ان ناله الخوف شغله الحذر، و ان اصابته مصيبه فضحه الجزع، و ان عضته الفاقه شغله البلاء (و واقى الامر المخوف) اى يقى الانسان و يدرا عنه اذى الطبيعه باسباب طبيعيه، فللداء الدواء و للجوع الغذاء، و للفيضان السدود، و للعبور الجسور... الى كثير من الاسباب و من ذلك قوله تعالى: «و الله جعل لكم مما خلق ظلالا و جعل لكم من الجبال اكنانا- مساكن- و جعل لكم سرابيل تقيكم الحر و سرابيل تقيكم باسكم- 81 النحل»
(افردتنى الخطايا فلا صاحب معى) فعلت بى الخطايا فعلها حتى جعلتنى وحيدا يحمل اثقاله على ظهره لا ناصر له و لا ذاب عنه (و ضعفت عن غضبك.) و من الذى يقوى على غضب الواحد القهار و المنتقم الجبار؟ (فلا مسكن لروعتى...) ابدا لا اطمئنان و لا امان لمن هددت و توعدت، و لا معين لمن خذلت، و لا مجير لمن طردت
(لايجير يا الهى الا رب...) لا احد يجير و يحمى العبد من سيده، و ينقذ المملوك من مالكه الا السيد و المالك، و هكذا كل مغلوب، لا بد و ان ينزل على حكم الغالب و امره
(و بيدك يا الهى جميع ذلك...) انت وحدك الطالب و الغالب، فمنك اخاف، و اليك افر، و اياك ارجو، و بك اثق، و عليك اتوكل.
معنى الفرار من الله
و معنى الفرار منه تعالى ان نفر من معصيته الى طاعته، و من الضلال الى الهدى و من الشيطان الى الرحمن، و لا نجاه لاحد الا بهذا الفرار... فالكل مسيئون و خاطئون، و ان رايت احدا يبرى ء نفسه و يزكيها فتعوذ منه، لان الشيطان نطق بلسانه، و قاده الى الهاويه بعنانه. و فى نهج البلاغه: فروا من الله الى الله، و امضوا فى الذى نهجه لكم، و قوموا بما عصبه بكم- اى كلفكم به- فعلى ضامن لفلجكم- لفوزكم- آجلا، ان لم تمنحوه عاجلا.
(اللهم انك ان صرفت عنى...): اعرضت عنى، و الجسيم: العظيم و حظرت: منعت، و سببه تعالى: توفيقه و رحمته (لم اجد السبيل الى شى ء من املى غيرك) لا فاتح لما اغلقت، و لا مغلق لما فتحت، و لا ميسر لما عسرت و لا ناصر لمن خذلت، كما سبق فى الدعاء السابع (و لم اقدر على ما عندك بمعونه سواك) لا حول و لا قوه لاحد الا بك و منك، فكيف استعين بغيرك على نوال فضلك و خيرك؟ (و انا عبدك) و لولاك لا اثرلى و لا خبر (و فى قبضتك) تملك من نفسى ما انت املك به منى (ناصيتى بيدك) عبدك بين يديك خاضع و راغم، و فى الدعاء السادس: اصبحنا فى قبضتك يحوينا ملكك و سلطانك
(و لا امر لى مع امرك) لا شى ء لى على الاطلاق الا ما وهبت و اعطيت.
(عدل فى قضاوك) اقر و اعترف ان حكمك فى و على حق و عدل، و ان كان بعقابى و عذابى (و لا قوه لى على الخروج من سلطانك) كيف يستطيع المخلوق الهرب من خالقه و المرزوق من رازقه؟ و لا استطيع مجاوزه قدرتك) عطف تكرار (و لا استميل هواك...) لا سبيل الى حبك لى، و رضاك على، و الفوز منك بحسن الثواب و الماب (الا بطاعتك و بفضل رحمتك) هناك طريقان الى النجاه و الخلاص من غضب الله و عذابه و لا ثالث: الاول عمل صالح و نافع يحبه الله و رسوله و الناس اجمعين. و الثانى رافه و رحمه من رب العالمين، و هى قريبه من المحسنين كما فى الايه 56 من الاعراف، بعيده عن المجرمين لقوله تعالى: «ان المجرمين فى عذاب جهنم خالدون- 74 الزخرف».
و تجدر الاشاره انى ما رايت كلمه الهوى منسوبه اليه تعالى الا فى هذا الدعاء. و لا غضاضه ما دام المراد منها الثواب و الرضا.
نكتفى من الشرح هنا فيما ياتى من الدعاء- بمجرد الاشارات، لان الكلام واضح و مكرور (داخرا): ذليلا صاغرا (و قله حيلتى): قله تدبيرى و ضعفى عن التصرف (فانى عبدك المسكين...) المراد بهذه الصفات و النعوت مجرد التضرع و التبتل لله سبحانه و الرضا بامره و طلب الرحمه من فضله
(و لاتجعلنى ناسيا لذكرك فيما اوليتنى): فيما اعطيتنى، و لاتنسنى الشكر و الحمد على عطائك و آلائك (و لا غافلا عن احسانك فيما ابليتنى): فيما احسنت الى. قال الشيخ الطريحى فى مجمع البحرين: «فى الحديث: الحمد لله على ما ابلانا- اى انعم علينا و تفضل، من البلاء الذى هو الاحسان و الانعام... يقال: ابلاه بلاء حسنا- اى بكثره المال و الصحه و الشباب».
(و لا آيسا من اجابتك لى و ان ابطات عنى) قال سبحانه: «و لاتياسوا من روح الله انه لايياس من روح الله الا القوم الكافرون- 87 يوسف».
و فى اصول الكافى عن الامام الصادق (ع): «قد توخر الاجابه عشرين سنه... و حين دعا موسى و هرون على فرعون قال لهما سبحانه: «قد اجيبت دعوتكما» و بين الدعاء و الاجابه اربعون عاما» (فى سراء كنت...) او فى الحالات كلها بلا استثناء. و اللاواء: الشده و ضيق المعيشه.
(و اجعل ثنائى عليك...) بعد ان تضرع الامام لله سبحانه راجيا ان لاينسيه ذكره، و لايوئسه من فضله مهما اشتد البلاء و تفاقم- ساله ان يجعل حمده و مدحه لله وحده فى الحالات كلها (حتى لا افرح بما آتيتنى من الدنيا، و لا احزن على ما منعتنى فيها) قال صاحب مجمع البيان: سال رجل الامام السجاد (ع) عن الزهد؟ فقال له: الزهد كله فى هذه الايه: «كيلا تاسوا على ما فاتكم و لاتفرحوا بما آتاكم- 23 الحديد». و قيل لبزرجمهر: مالك ايها الحكيم لاتاسو على ما فات، و لاتفرح بما هو آت؟ فقال: ان الفائت لايتلافى بالعبره، و الاتى لايستدام بالحبره. و قال آخر: لا اقول لشى ء كان: ليته لم يكن، و لا لشى ء لم يكن: ليته كان.
(و اشعر قلبى تقواك...) اجعل شعاره و مثله الاعلى تقوى الله بالابتعاد عن معاصيه و محارمه، و تقدم فى الدعاء 20: الهمنى التقوى، و وفقنى للتى هى ازكى، و استعملنى بما هو ارضى (و اشغل بطاعتك نفسى عن كل ما يرد على) لاتشغلنى عنك بغيرك من لهو و لغو (حتى لا احب شيئا من سخطك، و لا اسخط شيئا من رضاك) لا ابتعد عن طاعتك، و لا اقترب من معصيتك،
(و فرغ قلبى لمحبتك) و ليس معنى محبه الله ان تقول له: «احبك حبين حب الهوى و حبا لانك اهل لذاكا» بل معناه ان تجاهد فى سبيل الله، و لاتخاف فيه لومه لائم (و انعشه بخوفك) اذا خاف القلب من الله دفع بصاحبه الى فعل الخيرات، و ابتعد به عن المحرمات و الشبهات، و بهذا ينمو القلب و ينتعش.
(و قوه بالرغبه اليك) ليست القوه بالجاه و المال، بل بتقوى الله و طاعته، بالصدق و الاخلاص و الاعمال الصالحات (و امله الى طاعتك) اعدل به عن الشر الى عمل الخير (و اجر به الى احب السبل اليك) و ما من شك ان احب السبل الى الله و اقربها افشاء السلام و العمل من اجل الصالح العام (و ذلله بالرغبه فيما عندك) سهل عليه مسلك المسابقه الى المبرات و فعل الخيرات كى يفوز يوم المعاد بحسن الثواب و الماب.
(و اجعل تقواك من الدنيا زادى) الى يوم القاك، و تكلمنا حول التقوى فى فقره خاصه عند شرح الدعاء رقم 16 و 17 (و الى رحمتك رحلتى) و هى الرحله الى القبر، و منه الى الحشر و النشر، الى الوقوف بين يدى الله تعالى لنقاش الحساب، و لا نجاه و خلاص الا لمن تداركته رحمه من ربه، و هو سبحانه لايرحم احدا تشهيا و جزافا، بل بموجب علمه و حكمته (و فى مرضاتك مدخلى) وفقنى الى طاعتك، و استعملنى فى مرضاتك، و تكرر ذلك مرات (مثواى): منزلى (وهب لى قوه احتمل بها جميع مرضاتك) امنن على بقوه الجسم و البصيره كى اقوى بها على العلم و العمل بدينك و شريعتك (و اجعل فرارى اليك) و معنى الفرار اليه العمل بطاعته. انظر الدعاء 21 فقره معنى الفرار الى الله.
(و رغبتى فيما عندك) فى ثوابك، و تقدم قبل لحظه (و البس قلبى الوحشه من شرار خلقك) فى صحبه الاشرار مفاسد و اضرار جمه، منها ما يعود للصاحب لانه معتبر بمن يصاحب كما فى الايه 140 من النساء: «انكم اذا مثلهم» و فى الحديث: المرء على دين خليله. و فى الاشعار:
و الريح آخذه مما تمر به
نتنا من النتن او طيبا من الطيب
و منها ما يضر بالصالح العام، لان صحبه الاشرار رضا بالمنكر و تشجيع له على الاستمرار و الانتشار... و من جالس الاخيار و صاحبهم تاثر بهم، و اخذ منهم من حيث يريد او لايريد. قال الامام على (ع) مجالسه الاشرار تورث سوء الظن بالاخيار، و مجالسه الاخيار تلحق الاشرار بالاخيار (و هب لى الانس بك) و كل من لزم الحق، و استوحش من الباطل فهو من الذين يحبون الله و يانسون بذكره، و اياهم قصد و اراد بقوله تعالى: «الا بذكر الله تطمئن القلوب- 28 الرعد»
(و لاتجعل لفاجر و لا كافر على منه) اى نعمه. لقد جبلت القلوب على حب من احسن اليها و بغض من اساء، و لا احد يستطيع ان يكره قلبا على حب من اساء اليه او بغض من احسن. و فى الحديث: «القلب بين اصبعين من اصابع الله» اى لا سلطان عليه الا لخالقه حتى صاحبه ينقاد لامره و زجره، و لاينقاد هو لحامله. و هنا يكمن السر فى دعاء الامام (ع) حيث يخشى ان يكون بقلبه و هواه مع من ضل سواء السبيل ان كان له عليه من فضل.
(بل اجعل سكون قلبى) من السكينه بمعنى الاطمئنان (و انس نفسى) الفتها و راحتها (و استغنائى و كفايتى بك و بخيار خلقك) كفايتى تفسيرا لاستغنائى. و ما من شك ان فى مقدور الانسان الفرد ان يعيش وحيدا و بعيد عن الناس بارائه و معتقداته، و لا احد يستطيع العيش مستقلا و مستغنيا عن غيره فى حياته الشخصيه و حاجاته الجزئيه... فالتعاون و تبادل المصالح بين افراد الجماعه قانون تكاملى و حتمى لحياه الانسان. قال ارسطو: «لا غنى لاحد عن القصاب و الخباز و الحذاء، و بائع انواع السلع الضروريه، و اى شخص لا يحتاج الى غيره من الناس فهو اما اله و اما وحش». و لذا لم يسال الامام (ع) الغنى و الكفايه عن جميع الناس، بل سال الكفايه بالاخيار عن الاشرار. و كل طيب و برى ء من ولد آدم يود من اعماقه ان يعيش فى مجتمع صالح تسوده العداله و المساواه فى جميع الحقوق و الواجبات... لايعرف كذبا و لا غشا و لا احتكارا و استغلالا و لا سلبا و لصوصيه.
(اللهم صل على محمد و آل محمد، و اجعلنى لهم قرينا...): موصولا بالنبى و آله واقعا لا ظاهرا فقط، و تقدم قول الصق الناس بمحمد (ص) و اقربهم نسبا له و اولادهم به: «ولى محمد من اطاع الله و ان بعدت لحمته، و عدو محمد من عصى الله و ان قربت قرابته» و تواتر عن اهل البيت (ع): «و الله ما شيعتنا الا من اتقى الله» و معنى هذا ان الرابطه الجامعه بين النبى و آله و شيعتهم هى التقوى و كفى. و ليس العمامه السوداء او الخضراء و لا المرجعيه و الرساله العمليه.