عند الشدة
«1» اللَّهُمَّ إِنَّكَ كَلَّفْتَنِي من نَفْسِي ما أَنْتَ أَمْلَكُ به مِنِّي ، و قُدْرَتُكَ عَلَيْهِ و عَلَيَّ أَغْلَبُ من قُدْرَتِي ، فَأَعْطِنِي من نَفْسِي ما يُرْضِيكَ عَنِّي ، و خُذْ لِنَفْسِکَ رِضَاهَا من نَفْسِي فِي عَافِيَةٍ . «2» اللَّهُمَّ لا طَاقَةَ لِي بِالْجَهْدِ ، و لا صَبْرَ لِي عَلَى الْبَلَاءِ ، و لا قُوَّةَ لِي عَلَى الْفَقْرِ ، فَلَا تَحْظُرْ عَلَيَّ رِزْقِي ، و لا تَكِلْنِي إِلَى خَلْقِكَ ، بَلْ تَفَرَّدْ بِحَاجَتِي ، و تَوَلَّ كِفَايَتِي . «3» و انْظُرْ إِلَيَّ و انْظُرْ لِي فِي جَمِيعِ أُمُورِي ، فَإِنَّكَ إِنْ وَكَلْتَنِي إِلَى نَفْسِي عَجَزْتُ عَنْهَا و لَمْ أُقِمْ ما فِيهِ مَصْلَحَتُهَا ، و إِنْ وَكَلْتَنِي إِلَى خَلْقِكَ تَجَهَّمُونِي ، و إِنْ أَلْجَأْتَنِي إِلَى قَرَابَتِي حَرَمُونِي ، و إِنْ أَعْطَوْا أَعْطَوْا قَلِيلًا نَکِداً ، و مَنُّوا عَلَيَّ طَويِلاً ، و ذَمُّوا کَثيِراً . «4» فَبِفَضْلِكَ ، اللَّهُمَّ ، فَأَغْنِنِي ، و بِعَظَمَتِكَ فَانْعَشْنِي ، و بِسَعَتِكَ ، فَابْسُطْ يَدِي ، و بِمَا عِنْدَكَ فَاكْفِنِي . «5» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و خَلِّصْنِي من الْحَسَدِ ، و احْصُرْنِي عَنِ الذُّنُوبِ ، و وَرِّعْنِي عَنِ الَْمحَارِمِ ، و لا تُجَرِّئْنِي عَلَى الْمَعَاصِي ، و اجْعَلْ هَوَايَ عِنْدَكَ ، و رِضَايَ فِيما يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكَ ، و بَارِكْ لِي فِيما رَزَقْتَنِي و فِيما خَوَّلْتَنِي و فِيما أَنْعَمْتَ به عَلَيَّ ، و اجْعَلْنِي فِي كُلِّ حَالَاتِي مَحْفُوظاً مَكْلُوءاً مَسْتُوراً مَمْنُوعاً مُعَاذاً مُجَاراً . «6» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و اقْضِ عَنِّي كُلَّ ما أَلْزَمْتَنِيهِ و فَرَضْتَهُ عَلَيَّ لَكَ فِي وَجْهٍ من وُجُوهِ طَاعَتِكَ أَوْ لِخَلْقٍ من خَلْقِكَ و إِنْ ضَعُفَ عَنْ ذَلِكَ بَدَنِي ، و وَهَنَتْ عَنْهُ قُوَّتِي ، و لَمْ تَنَلْهُ مَقْدُرَتِي ، و لَمْ يَسَعْهُ مَالِي و لا ذَاتُ يَدِي ، ذَكَرْتُهُ أَوْ نَسِيتُهُ . «7» هو ، يا رَبِّ ، مِمَّا قَدْ أَحْصَيْتَهُ عَلَيَّ و أَغْفَلْتُهُ أَنَا من نَفْسِي ، فَأَدِّهِ عَنِّي من جَزِيلِ عَطِيَّتِكَ و كَثِيرِ ما عِنْدَكَ ، فَإِنَّكَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ ، حَتَّى لا يَبْقَى عَلَيَّ شَيْ ءٌ مِنْهُ تُرِيدُ أَنْ تُقَاصَّنِي به من حَسَنَاتِي ، أَوْ تُضَاعِفَ به من سَيِّئَاتِي يَوْمَ أَلْقَاکَ يا رَبِّ . «8» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و ارْزُقْنِي الرَّغْبَةَ فِي الْعَمَلِ لَكَ لآِخِرَتِي حَتَّى أَعْرِفَ صِدْقَ ذَلِكَ من قَلْبِي ، و حَتَّى يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَيَّ الزُّهْدَ فِي دُنْيَايَ ، و حَتَّى أَعْمَلَ الْحَسَنَاتِ شَوْقاً ، و آمَنَ من السَّيِّئَاتِ فَرَقاً و خَوْفاً ، و هَبْ لِي نُوراً أَمْشِي به فِي النَّاسِ ، و أَهْتَدِي به فِي الظُّلُمَاتِ ، و أَسْتَضِي ءُ به من الشَّكِّ و الشُّبُهَاتِ «9» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و ارْزُقْنِي خَوْفَ غم الْوَعِيدِ ، و شَوْقَ ثَوَابِ الْمَوْعُودِ حَتَّى أَجِدَ لَذَّةَ ما أَدْعُوكَ لَهُ ، و كَأْبَةَ ما أَسْتَجيِرُ بِکَ مِنْهُ «10» اللَّهُمَّ قَدْ تَعْلَمُ ما يُصْلِحُنِي من أَمْرِ دُنْيَايَ و آخِرَتِي فَكُنْ بِحَوَائِجِي حَفِيّاً . «11» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آل مُحَمَّدٍ ، و ارْزُقْنِي الْحَقَّ عِنْدَ تَقْصِيرِي فِي الشُّكْرِ لَكَ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فِي الْيُسْرِ و الْعُسْرِ و الصِّحَّةِ و السَّقَمِ ، حَتَّى أَتَعَرَّفَ من نَفْسِي رَوْحَ الرِّضَا و طُمَأْنِينَةَ النَّفْسِ مِنِّي بِمَا يَجِبُ لَكَ فِيما يَحْدُثُ فِي حَالِ الْخَوْفِ و الْاَمْنِ و الرِّضَا و السُّخْطِ و الضَّرِّ و النَّفْعِ . «12» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و ارْزُقْنِي سَلَامَةَ الصَّدْرِ من الْحَسَدِ حَتَّى لا أَحْسُدَ أَحَداً من خَلْقِكَ عَلَى شَيْ ءٍ من فَضْلِكَ ، و حَتَّى لا أَرَى نِعْمَةً من نِعَمِكَ عَلَى أَحَدٍ من خَلْقِكَ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا أَوْ عَافِيَةٍ أَوْ تَقْوَى أَوْ سَعَةٍ أَوْ رَخَاءٍ إِلَّا رَجَوْتُ لِنَفْسِي أَفْضَلَ ذَلِكَ بِكَ و مِنْكَ وَحْدَكَ لا شَريِکَ لَکَ . «13» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و ارْزُقْنِي التَّحَفُّظَ من الْخَطَايَا ، و الِاحْتِرَاسَ من الزَّلَلِ فِي الدُّنْيَا و الآْخِرَةِ فِي حَالِ الرِّضَا و الْغَضَبِ ، حَتَّى أَكُونَ بِمَا يَرِدُ عَلَيَّ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ ، عَامِلًا بِطَاعَتِكَ ، مُؤْثِراً لِرِضَاكَ عَلَى ما سِوَاهُمَا فِي الْأَوْلِيَاءِ و الْأَعْدَاءِ ، حَتَّى يَأْمَنَ عَدُوِّي من ظُلْمِي و جَوْرِي ، و يَاْيَسَ وَلِيِّي من مَيْلِي و انْحِطَاطِ هَوَايَ «14» و اجْعَلْنِي مِمَّنْ يَدْعُوكَ مُخْلِصاً فِي الرَّخَاءِ دُعَاءَ الُْمخْلِصِينَ الْمُضْطَرِّينَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
(اللهم انك كلفتنى من نفسى ما انت املك به منى). امرتنى و زجرتنى و انا سميع مطيع، و لكن الطاعه الكامله تستدعى اولا القدره على فعل الواجب و ترك الحرام. ثانيا التغلب على النفس الاماره. ثالثا ان يكون الترك و الفعل خالصا لوجهك الكريم. و قدرتى و نفسى و قصدى، كل ذلك، بيدك لانك السبب الاول لكل وجود و موجود، فهبنى هذه الصفات و الادوات لاقوم بما اوجبت من طاعتك على اكمل وجه (و قدرتك عليه): على ما كلفتنى به (و على اغلب): اقوى (من قدرتى) هذه الجمله بكاملها من قدرتك الى قدرتى هى تكرار و توضيح لقوله: «انت املك به منى» (فاعطنى من نفسى ما يرضيك عنى) اعطنى القدره و التوفيق لتطهير نفسى و قصدى كاداه و وسيله لفعل الطاعه التى طلبتها منى، و لا ترضى بغيرها (و خذ لنفسك رضاها من نفسى) المراد بخذ هنا اعطيك تماما كقول القائل : اعطنى بذرا و خذ زرعا... و عدل الامام (ع) عن كلمه اعطيك الى كلمه «خذ» تادبا لان الله يعطى و لا ياخذ، و المعنى منك يا الهى العون و القدره، و منى السمع و الطاعه (فى عافيه): فى صحه العمل و اخلاص النيه.
و تسال: و اى فضل للعبد على طاعه الله مادام كل شى ء منه تعالى؟.
الجواب: اجل، ان الله سبحانه منح العبد القدره و سائر الادوات و المعدات و لكن منحه ايضا الحريه فى ان يختار الطاعه او المعصيه، اذ لا طاعه و ثواب بل و لا حلال و حرام و لا خطا و صواب بلا حريه و اختيار. و باسلوب آخر ان الله سبحانه يعاقب العاصى غدا محتجا عليه بالبيان الذى سمعه و وعاه، و بالقدره التى خانها و وضعها فى غير موضعها، و يثيب سبحانه المطيع، لانه ادى الامانه بنصح و اخلاص.
و بعد، فنحن لا نملك مع الله شيئا الا ما ملكنا، و قد ملكنا الحريه و القدره ليقول لنا: هذا حلال و هذا حرام، و يحملنا مسووليه الاخذ او الرفض... و الامام (ع) يقول باسلوب الدعاء: لكل عاقل: ما دمت حرا فى نفسك و افعالك فاعط قلبك و كلك لخالقه، فانه ياخذ بيدك، و يمنحك الهدايه و التوفيق لما فيه صلاح دنياك و آخرتك.
(اللهم لا طاقه لى بالجهد): بالكدح المضنى من اجل لقمه العيش (و لا بالصبر على البلاء). و ما من احد على وجه الارض صبر على الذبح و السبى و السجن و التشريد كاهل البيت (ع) بخاصه الامام السجاد (ع) الذى «تحمل من ارزائها محنا لم يحتملها نبى او وصى نبى» و مع ذلك يقول: لا صبر لى على الفقر، و السر ان تلك المصائب صبر عليها اهل البيت (ع) و رضوا كل الرضا، لانها فى سبيل الله و الصالح العام، اما مصيبه الفقر فلا مصلحه فيها لدين و لا دنيا، بل هو كفر و موت و مفسده (و لا قوه لى على الفقر) و من يقوى على مقاومه المعده و ثورتها، و مجنون من يقول للجائع: اصبر ان الله مع الصابرين (فلا تحظر...) وسع و لا تضيق، و يسر و لا تعسر (و تكلنى) لا تتركنى الى صدقات الناس و فتات موائدهم (بل تفرد...) سهل السبيل الى كفايتى
(و انظر الى) اتجه الى برحمتك، و اقبل على بعنايتك (و انظر لى) اختر لى ما تراه خيرا لدنياى و آخرتى (فانك ان وكلتنى) ان تركتنى الى نفسى تمردت و طغت (و لم اقم ما فيه مصلحتها) ابدا حتى الانبياء لايكبحون النفس الجامحه الا بحبل من الله (تجهمونى): استقبلونى بوجه عابس و قول غليظ (نكدا): عسرا (و منوا): شمخوا على و تطاولوا باحسانهم
(فبفضلك اللهم فاغننى) الغنى بفضله تعالى و الانتعاش بعظمته و البسط بسعته، كل اولاء الفاظ مترادفه، معناها تيسير السبل الى الاكتفاء الذاتى.
و بعد، فان هذا الجزء من الدعاء واضح و تقدم، و خلاصته الرغبه الى الله ان يمهد السبيل لمعيشه هادئه و ادعه لا فضل فيها لاحد الا الله الذى يسر و سهل. و فيه اشاره الى ان الفقر رذيله تفسد الحياه و وسيله الى الجرائم و الماثم.
(و خلصنى من الحسد): نجنى من آفاته، و ابعدنى عن كل حاقد و حاسد. و تكلمنا حول الحسد فى الدعاء 7 و 8 (و احصرنى عن الذنوب) هب نفسى قوه تمنعها عن كل ذنب، و بتعبير ثان: اعنى على نفسى (و ورعنى عن المحارم...) هذا و ما بعده عطف تكرار (و رضاى فيما يرد على منك) الرضا بما قسم الله سبحانه بلا تافف و تحاسد و تباغض و تنافس على الدنيا و حطامها هو اصل الاصول للورع و التقوى... و روى الرواه عن المتقين اذا نزلت بهم نازله قالوا: هذه خير لا شر، و لنا لا علينا (و بارك لى فيما رزقتنى) و الله سبحانه لايبارك المال و يزيده الا اذا وضع فى واجب او مستحب. انظر الدعاء 16 فقره لايوضع المال الا فى واجب (و فيما خولتنى...) هذا و ما بعده عطف تكرار.
(و اجعلنى فى كل حالاتى محفوظا) من كل سوء (مكلوءا): محروسا (مستورا) حسن السيره (ممنوعا): من المناعه بمعنى القوه و الحصانه (معاذا) معتصما بالله لا بسواه (مجارا): عطف تكرار
(فاقض عنى كل ما الزمتنيه و فرضته على...) حررنى من مسووليه ما اهملت و تركت مما على من حقوق و فروض لله او للناس (و ان ضعف عن ذلك...) اشاره الى كل ما ثبت و وجب اداوه و القيام به، و الوهن عطف تفسير على الضعف، و مثله عدم القدره و السعه (و لا ذات يدى): كنايه عن الفقر و العجز المالى. و تجدر الاشاره ان العجز ينفى التكليف ببديهه العقل و صريح النص: «لايكلف الله نفسا الا وسعها- 285 البقره». اجل، اذا ثبت الحق المالى لله او للناس، و اهمل المكلف الاداء و الوفاء مع القدره عليه و دون اى مبرر ثم طرا العجز- استحق العقاب و العذاب على الاهمال و التقصير.
(ذكرته او نسيته... احصيته) انت يا الهى
(على و اغفلته انا من نفسى) يشير الامام (ع) بهذا الى ما نحن فيه و عليه من الغرور و الجهل بجهلنا حيث نظن او نعتقد بانه قمنا و ادينا كل ما علينا من حق مادى و ادبى، و انه لايسوغ لاحد ان يسالنا عن شى ء.
(فاده عنى...) ضمير الغائب فى اده يعود الى كل ما الزمتنيه و فرضته على، و المراد بالاداء هنا ترك المقاصه على الوجه الاتى عند تفسير «تقاصنى» هذا ان كان الحق المغصوب للناس، و ان يك الحق المتروك لله تعالى فالمراد بالاداء العفو و الصفح (فانك واسع) برحمتك (كريم) بعطائك (تريد ان تقاصنى به من حسناتى او تضاعف به من سيئاتى يوم القاك) هذه اشاره خاطفه الى صوره المقاصه من الغاصب و الظالم يوم القيامه. و اليك توضيح ما اراده الامام (ع) باشارته هذه: قال سبحانه: «اقرا كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا- 14 الاسراء». و جاء فى تفسير هذه الايه ان الظالم يرى غدا فى كتابه سيئات و محرمات لم يقترفها، و ايضا لايرى حسنات و خيرات كان قد فعلها، فيعجب و يقول: ما لى ارى ما فعلت من حسنات، و ارى ما لم افعل من سيئات؟ فيقال له: اعطينا حسناتك لفلان الذى اعتديت عليه بكذا و كيت، و القينا عليك سيئاته قصاصا لك على ظلمك له و جرمك.
و الامام (ع) يسال الله سبحانه ان يعصمه من الاساءه الى مخلوق، و ان حدث من ذلك شى ء ان يرضى سبحانه المظلوم من فضله و كرمه، و يبقى على حسناته، و لايلقى عليه شيئا من سيئات من اساء اليه.
و بعد، فاذا كان الادباء و الشعراء و اهل السير و الفن و التاريخ، يصورون الحياه الدنيا بشتى موضوعاتها و مشكلاتها- فان الامام السجاد (ع) بادعيته و مناجاته يرسم حياه الاخره نعيمها و جحيمها، و يهدى الى سواء السبيل، و يحذر من كل مكروه يعكر صفو الحياه دنيا و آخره. و هو العليم الخبير بذلك كله.
(و ارزقنى الرغبه فى العمل لك) طهر قلبى من كل ما يصرفه عنك، و استعمله فيما تحب و ترضى، و تقدم مثله فى الدعاء 21 (لاخرتى) اشاره الى ان البعض يعبد الله على حرف اى للدنيا لا للاخره، و الامام يسال الله سبحانه ان تكون جميع اعماله لاخرته لا العباده فقط (حتى اعرف صدق ذلك من قلبى) حتى احس من الاعماق بان عملى لله لا لسواه. و سئل النبى (ص) عن معنى البر؟ فقال للسائل: استفت قلبك، البر: ما اطمانت اليه النفس، و اطمان اليه القلب... و ان افتاك الناس و افتوك. و مراد الرسول الاعظم (ص) النهى عن الهوى و التقليد، و من اخطا مع التحرى و التجرد فما عليه من سبيل
(و حتى يكون الغالب على الزهد فى دنياى) قيل: الدنيا و الاخره ضرتان، و ان ما بينهما من البعد ما بين المشرق و المغرب. و هذا الوصف قائم بين دنيا الحرام و الاخره، اما دنيا الحلال الطيب فهى من الدين فى الصميم، لان الهدف الاول و الاساس من دين الاسلام، سعاده الانسان دنيا و آخره، و الشى ء الواحد لايكون سببا للشى ء و ضده. انظر الدعاء: فقره مطالب الروح و الجسد.
(و حتى اعمل الحسنات شوقا) الى مرضاه الله و ثوابه لا بقصد الربح و الاتجار (و آمن السيئات) اى من فعلها و القرب منها (فرقا): فزعا من غضب الله و عذابه (و هب لى نورا): علما (امشى به فى الناس) اقيم العلاقات و الروابط معهم على اساس الحق و العدل لا على اساس التعصب و الجهل و الربح و الهوى (و اهتدى به فى الظلمات...) اذا تعددت الاراء و المعتقدات و تضاربت استطيع بما املك من العلم ان اميز بين المحق منها و المبطل
(و ارزقنى خوف غم الوعيد) المراد بالوعيد التهديد بالشر، و بغمه ما يترتب على مخالفته من الحزن و الكرب، و ما من شك ان الخوف من سوء العاقبه يستدعى التحفظ و الاحتياط.
(و شوق ثواب الموعود) بالخير على عمل الخير (حتى اجد لذه ما ادعوك...) اذا وهبت لى العلم شعرت باللذه و الفرح و انا اسالك النعيم، و بالحزن و الالم اذا استجرت بك من عذاب الجحيم، و مثله تماما قول الامام على فى وصف المتقين: «فهم و الجنه كمن قد رآها فهم فيها منعمون، و هم و النار كمن قد رآها فهم فيها معذبون»
(اللهم قد تعلم...) «قد» للتحقيق لان الله بكل شى ء عليم (حفيا) من الحفاوه بمعنى العنايه.
(و ارزقنى الحق عند تقصيرى فى الشكر لك...) تدل قرينه السياق و هى قوله: «حتى اتعرف من نفسى روح الرضا...» ان المراد بالحق هنا الرضا بحكم الله و قضائه فى حال البلاء كالعسر و المرض تماما كالرضا فى حال الرخاء يسرا و عافيه. و من معانى الشكر الثناء على المنعم، و على العبد ان يجمع بين الرضا و الشكر معا،- و على الاقل- ان يرضى عن الله و بحكمه عليه فى حال اليسر و العسر اذا قصر فى الثناء عليه تعالى بلسانه، لان الرضا بما امر و قسم من ثمرات الايمان بعدله و حكمته و جلاله و كماله (حتى اتعرف من نفسى روح الرضا) الروح بفتح الراء الراحه و سكون القلب الذى اشار اليه بقوله: (و طمانينه النفس منى بما يجب) اى يهمنى قبل كل شى ء و اكثر من كل شى ء ان اعلم ان نفسى راضيه تمام الرضا بكل ما يرد عليها من الله كى تكون من المومنين به حقا و المتوكلين عليه و العاملين له.
(و ارزقنى سلامه الصدر من الحسد...) نهى سبحانه عن الحسد فى كتبه و على لسان رسله، و تكلم الناس كثيرا عن شره قديما و حديثا... و نشير هنا الى ان فئه من الصائمين المصلين يتقون نجاسه الثوب، اما صدورهم فحاقده واغره على كل ذى فضل و نعمه من الله تعالى بخاصه اذا كان من الزملاء و الرفاق و نحن لا ننكر ان التنافس فى المهنه طبيعه فى الانسان، و لكن المومن حقا يتكلف الصبر، و يتناسى انانيته حرصا على دينه... و فيما قرات ان تلميذا كان له فى المدرسه اصدقاء مخلصون، و بعدها اشتهر و انتشر صيته من دونهم فغلا الحقد فى صدورهم، و انقلبوا اعداء الداء!.
قال ابن الجوزى فى صيد الخاطر: «نظرت فرايت ان الانسان لايحب ان يرتفع عليه احد، فاذا راى صديقه قد علا عليه تاثر و ود لو لم ينل صديقه ما نال، و هذا معجون فى الطين، و لا لوم انما اللوم ان يعمل بمقتضاه من قول او فعل». و على هذا جميع العلماء.
و بعد، فان المومن او العاقل اذا عرض له اى خاطر، يقف و لايتحرك بل ينظر و يتامل: هل هو للرحمن، او للشيطان، و للخير او للشر؟ فان كان للاول عمل بموجبه، و ان يك للثانى احجم و تعوذ بالله من الشيطان، و اى انسان ينطلق مسرعا و بلا رويه مع كل خاطر يمر به فهو ارعن يقيم الحجه من نفسه على نفسه: انه ليس بشى ء على الاطلاق.
(و ارزقنى التحفظ من الخطايا...) هذا توكيد و تكرار لقوله السابق فى هذا الدعاء: «و احصرنى عن الذنوب، و ورعنى عن المحارم، و لا تجرئنى على المعاصى» (حتى اكون بما يرد على منهما): من الرضا و الغضب (بمنزله سواء) من حيث السمع و الطاعه لله سبحانه. و تقدم قول الامام الصادق (ع): المومن اذا غضب لم يخرجه غضبه عن حق، و اذا رضى لم يدخله رضاه فى باطل (عاملا بطاعتك موثرا رضاك على سواهما) لا اتصرف بدافع من سخطى و مرضاتى، من ذاتى و مصلحتى، بل من طاعتك و مرضاتك يا الهى.
(فى الاولياء و الاعداء حتى يا من عدوى من ظلمى و جورى، و يياس وليى من ميلى و انحطاط هواى) اى انحدارى نحو من اهوى. هذا هو التحديد السديد للمومن الحق: العمل بطاعه الله و تقواه لا بوحى من الاصهار و الاولاد او نكايه بالاعداء و الانداد. و لا اعرف محكا لمن يلبس لباس الدين او ينتمى اليه اصدق و ادق من المحك هذا، و مثله ما قيل فى تعريف الحاكم العادل: هو الذى يثق به البرى ء، و لا يامنه المجرم.
(و اجعلنى ممن يدعوك مخلصا...) المخلص فى الدعاء و غير الدعاء هو الذى يسير على و تيره واحده فى جميع احواله و اطواره، فى سره و علانيته، و شبابه و هرمه، و رضاه و غضبه، و حزنه و سروره، و ضيقه وسعته، اما من يتقلب و يتذبذب فهو ناكب عن الطريق، قد غلبت عليه شهوته و شقوته، و بها يقاس و يعامل.