العافية و شكرها
«1» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و أَلْبِسْنِي عَافِيَتَكَ ، و جَلِّلْنِي عَافِيَتَكَ ، و حَصِّنِّي بِعَافِيَتِكَ ، و أَكْرِمْنِي بِعَافِيَتِكَ ، و أَغْنِنِي بِعَافِيَتِكَ ، و تَصَدَّقْ عَلَيَّ بِعَافِيَتِكَ ، و هَبْ لِي عَافِيَتَكَ و أَفْرِشْنِي عَافِيَتَكَ ، و أَصْلِحْ لِي عَافِيَتَكَ ، و لا تُفَرِّقْ بَيْنِي و بَيْنَ عَافِيَتَكَ فِي الدُّنْيَا و الآْخِرَةِ . «2» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و عَافِنِي عَافِيَةً كَافِيَةً شَافِيَةً عَالِيَةً نَامِيَةً ، عَافِيَةً تُوَلِّدُ فِي بَدَنِي الْعَافِيَةَ ، عَافِيَةَ الدُّنْيَا و الآْخِرَةِ . «3» و امْنُنْ عَلَيَّ بِالصِّحَّةِ و الْأَمْنِ و السَّلَامَةِ فِي دِينِي و بَدَنِي ، و الْبَصِيرَةِ فِي قَلْبِي ، و النَّفَاذِ فِي أُمُورِي ، و الْخَشْيَةِ لَكَ ، و الْخَوْفِ مِنْكَ ، و الْقُوَّةِ عَلَى ما أَمَرْتَنِي به من طَاعَتِكَ ، و الِاجْتِنَابِ لِمَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ من مَعْصِيَتِكَ . «4» اللَّهُمَّ و امْنُنْ عَلَيَّ بِالْحَجِّ و الْعُمْرَةِ ، و زِيَارَةِ قَبْرِ رَسُولِكَ ، صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ و رَحْمَتُكَ و بَرَكَاتُكَ عَلَيْهِ و عَلَى آلِهِ ، و آل رَسُولِكَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَبَداً ما أَبْقَيْتَنِي فِي عَامِي هَذَا و فِي كُلِّ عَامٍ ، و اجْعَلْ ذَلِكَ مَقْبُولًا مَشْكُوراً ، مَذْكُوراً لَدَيْکَ ، مَذْخُوراً عِنْدَکَ . «5» و أَنْطِقْ بِحَمْدِكَ و شُكْرِكَ و ذِكْرِكَ و حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْكَ لِسَانِي ، و اشْرَحْ لِمَرَاشِدِ دِينِكَ قَلْبِي . «6» و أَعِذْنِي و ذُرِّيَّتِي من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، و من شر السَّامَّةِ و الْهَامَّةِ و الْعَامَّةِ و اللَّامَّةِ ، و من شر كُلِّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ، و من شر كُلِّ سُلْطَانٍ عَنِيدٍ ، و من شر كُلِّ مُتْرَفٍ حَفِيدٍ ، و من شر كُلِّ ضَعِيفٍ و شَدِيدٍ ، و من شر كُلِّ شَرِيفٍ و وَضِيعٍ ، و من شر كُلِّ صَغِيرٍ و كَبِيرٍ ، و من شر كُلِّ قَرِيبٍ و بَعِيدٍ ، و من شر كُلِّ من نَصَبَ لِرَسُولِكَ و لِأَهْلِ بَيْتِهِ حَرْباً من الْجِنِّ و الْإِنْسِ ، و من شر كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ، إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . «7» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و من أَرَادَنِي بِسُوءٍ فَاصْرِفْهُ عَنِّي ، و ادْحَرْ عَنِّي مَكْرَهُ ، و ادْرَأْ عَنِّي شَرَّهُ ، و رد كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ . «8» و اجْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُدّاً حَتَّى تُعْمِيَ عَنِّي بَصَرَهُ ، و تُصِمَّ عَنْ ذِكْرِي سَمْعَهُ ، و تُقْفِلَ دُونَ إِخْطَارِي قَلْبَهُ ، و تُخْرِسَ عَنِّي لِسَانَهُ ، و تَقْمَعَ رَأْسَهُ ، و تُذِلَّ عِزَّهُ ، و تَكْسِرَ جَبَرُوتَهُ ، و تُذِلَّ رَقَبَتَهُ ، و تَفْسَخَ كِبْرَهُ ، و تُؤْمِنَنِي من جَمِيعِ ضَرِّهِ و شَرِّهِ و غَمْزِهِ و هَمْزِهِ و لَمْزِهِ و حَسَدِهِ و عَدَاوَتِهِ و حَبَائِلِهِ و مَصَايِدِهِ و رَجِلِهِ و خَيْلِهِ ، إِنَّكَ عَزِيزٌ قَدِيرٌ
(و البسنى عافيتك...) البسنى و جللنى و حصنى و اكرمنى، كل هذه و ما بعدها كلمات متشابكه مترادفه تعبر عن معنى واحد، و هو طلب العافيه و السلامه فى الدين و العقل و القلب و الجسم، اما القصد من هذا الترادف و التكرار فهو التضرع و الالحاح تماما كما يفعل الذين يسالون الناس الحافا مع الفرق «بان الله سبحانه كره الحاح الناس بعضهم على بعض فى المساله، و احب ذلك لنفسه» كما فى اصول الكافى عن الامام الصادق (ع) و سبقت الاشاره فى الدعاء 6 ان التكرار فى الدعاء بالخصوص مالوف و معروف.
(و النفاذ فى امورى) المراد بالنفاذ هنا النجاح (و الخشيه لك): لجلالك و هيبتك (و الخوف منك): من التقصير فى طاعتك بدليل قوله بلا فاصل (و القوه على ما امرتنى به...) و فى الدعاء 51: «فانا الظالم المفرط الاثم المقصر» و هكذا كل مومن عالم بالله و عظمته يرى نفسه مقصرا فى طاعته تعالى مهما جد و اجتهد... و الجهول المغرور هو الذى يرى نفسه قد بلغت الغايه و النهايه طاعه و عباده و تقى و سعاده.
(اللهم، و امنن على بالحج و العمره) و اهم الفروق بينهما ان وقت العمره المستقله موسع يعم و يشمل ايام السنه كلها بالاتفاق، و افضل اوقاتها عند الشيعه شهر رجب، و عند غيرهم شهر رمضان المبارك، اما الحج فقد حدد الاسلام له اشهرا معلومات: شوال و ذا القعده و الشطر الاول من ذى الحجه، بل جعل لبعض مناسكه ساعات محدوده. و التفصيل فى كتب الفقه.
بالاثار توزن الاقوال و الافعال
و تحدثوا و اطالوا الكلام عن منافع الحج و فوائده، بخاصه عن الجوانب الاجتماعيه. و ما من شك ان الحج ظاهره او مظاهره دينيه تضخم و تعظم من شان الاسلام و نبيه (ص) و المسلمين، و ايضا ما من شك ان الحاج المومن يزداد ايمانا فى مهبط الوحى، و يتزود من التقوى باداء المناسك و بخشوعه و شعوره بالهيبه و الرهبه حين يطل على الحرم الامين، و يرى ما يرى من افواج الطائفين و العاكفين... و ما عدا ذلك من الامتزاج و التعارف بين فرد و آخر فهو قليل النفع و الجدوى مادام المسلمون شيعا و احزابا، لا تجمعهم وحده، و لا تربطهم صله.
و فى سنه 1963 م اديت فريضه الحج، و مكثت بمكه المكرمه 19 يوما، و كان جارى فى الشقه شيخ من كشمير، فتعارفنا بالاسماء، و ائتلفنا بالارواح و سالنى عن مشكلات فى علم الكلام و الفلسفه الاسلاميه. و الان لا يعرف احدنا شيئا عن صاحبه، بل نسيت اسمه و غابت صورته عن ذهنى حتى كان لم يكن شى ء تماما كرفيق سياره الاجره و الجليس صدفه فى مقهى.
ان الاقوال و الافعال بل و المبادى ء و الاديان توزن و تقاس بما لها من تاثير ان خيرا فخير، و ان شرا فشر، و من هنا كان التعاون و المعاهدات الثقافيه و الاقتصاديه و السياسيه و غيرها بين دوله و دوله، و شعب و شعب، فهل شى ء من ذلك بين المسلمين؟ و هل للدين، اى دين، من مكانه و مهابه الا بقوه اهله و ذويه؟ و هل من قوه مع النزاع و الشتات؟
(و زياره قبر رسولك صلواتك عليه...) قال الرسول الاعظم (ص): «من اتى مكه حاجا، و لم يزرنى فى المدينه جفوته يوم القيامه... من زارنى حيا او ميتا و زار عليا و الحسن و الحسين، كان حقا على ان ازوره يوم القيامه، و اخلصه من ذنوبه» قف- ايها القارى ء- مليا، و تمثل فى عقلك و قلبك المعنى الحقيقى الظاهر من قول نبيك الصادق الامين (ص): «كان حقا- لا تفضلا- على ان اخلصه من ذنوبه». و اى فوز و نصر و خير و غنى و كرامه و سعاده تعادل الخلاص من عذاب النار و غضب الجبار؟ فان كنت قد اهملت، فاعزم من الان على شد الرجال (الرحال) قبل فوات الاوان.
(فى عامى هذا و فى كل عام) متعلق بامنن على بالحج و العمره و الزياره و كان السلف يتساءلون و يقولون: من يستطيع ذلك؟ الا ان يترك كل عمل الا السفر للحج و العمره و الزياره حتى انتقلت المواصلات من الجمل الى الطائره و اصبح تكرار الحج و الزياره ميسورا للكثره الكاثره، هذا الى ان الامام السجاد (ع) كان يقيم فى المدينه الى جوار القبر الشريف، و بالقرب من مكه المكرمه.
(و اجعل ذلك) اشاره الى الحج و العمره و الزياره (مقبولا): مرضيا و مثابا عليه، و مشكورا و مذكورا و مذخورا توكيد و تكرار لمقبول
(و انطق بحمدك...) لله الحمد و الشكر (و اشرح لمراشد...) الشرح: الفتح، و المراشد: الطرق المستقيمه، و المعنى: اهدنا الى كل ما يودى الى طاعتك و مرضاتك
(السامه): كل ذات سم غير قاتل (العامه) اى النكبه العامه كما هو المتبادر، و قيل غير ذلك (اللامه): كل ما يخاف منه (مريد): متمرد على الحق (عنيد) يعاند الحق مكابره لا جهلا (مترف حفيد) المترف: المنعم، و الحفيد: من له خدم و اتباع و انصار، و ما ذكرت كلمه مترف فى كتاب الله و كلام اهل البيت الاطهار الا مقرونه بالذم، لان اكثر الناس اذا اخضرت دنياهم فسدوا و افسدوا.
(كل ضعيف و شديد) و شر الضعيف الغيبه و الكذب و النميمه، و ما اشبه، قال الامام على (ع): الغيبه جهد العاجز، و الشديد: القوى (و من شر كل من نصب لرسولك و لاهل بيته حربا...) الناصبى: من دان ببغض الامام اميرالمومنين، و هو كافر و جاحد لما ثبت بضروره الدين، و بالاولى من نصب العداء لسيد الكونين (ص) (انت آخذ بناصيتها): مالك لها، و قادر على ردعها (انك على صراط مستقيم) اى الحق و العدل، و انه تعالى لا يضيع ظلامه مظلوم، و لايفوته ظالم.
(و من ارادنى بسوء فاصرفه عنى...) لما تعوذ الامام (ع) من شر كل ذى شر عاد و كرر الدعاء و الرجاء ان يصرف الله عنه كل من و ما يوذى و يسى ء، و الدحر: الطرد، و الدرا: الدفع، و عطفهما على الصرف تفسير و تكرار (ورد كيده فى نحره) اصنع به المكروه الذى بيته و دبره لى فى الخفاء
(و اجعل بين يديه سدا...) و قد اوضح الامام (ع) مراده من هذا السد، و انه عمى البصيره و البصر عنه، و صمم الاذن عن سماع ذكره، و خرس اللسان عن النطق باسمه.
(و تقمع راسه) كنايه عن قهره و اذلاله، و فى نهج البلاغه: «رحم الله رجلا نزع عن شهوته، و قمع هوى نفسه» اى قهر هواه (و تذلل عزه) اجعله ذليلا صاغرا (و تكسر جبروته): شموخه و كبرياءه (و تذل رقبته) اى هو بالذات، من باب تسميه الكل باهم اجزائه، و قال العدوى:
و ان قتيل الطف من آل هاشم
اذل رقاب المسلمين فذلت
(و تفسخ كبره...) تنقض كبرياءه، و المراد بالغمز و اللمز و الهمز: الطعن فى العرض بالقول او بالفعل. و هذا داب الوضيع اللئيم، يحقد على كل نبيل، لشعوره بالنقص من نفسه، فيحاول تغطيته بالنيل من كرامه الشرفاء (و حبائله و مصائده): حيله و خدائعه (و رجله) بفتح الراء: جمع راجل (و خيله): فرسانه، و المراد بالجميع الاتباع و الانصار.