الاخلاص لله
«1» اللَّهُمَّ إِنِّي أَخْلَصْتُ بِانْقِطَاعِي إِلَيْكَ «2» و أَقْبَلْتُ بِكُلِّي عَلَيْكَ «3» و صَرَفْتُ وَجْهِي عَمَّنْ يَحْتَاجُ إِلَى رِفْدِكَ «4» و قَلَبْتُ مَسْأَلَتِي عَمَّنْ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ فَضْلِكَ «5» و رَأَيْتُ أَنَّ طَلَبَ الُْمحْتَاجِ إِلَى الُْمحْتَاجِ سَفَهٌ من رَأْيِهِ و ضَلَّةٌ من عَقْلِهِ . «6» فَكَمْ قَدْ رَأَيْتُ يا إِلَهِي من أُنَاسٍ طَلَبُوا الْعِزَّ بِغَيْرِكَ فَذَلُّوا ، و رَامُوا الثَّرْوَةَ من سِوَاكَ فَافْتَقَرُوا ، و حَاوَلُوا الِارْتِفَاعَ فَاتَّضَعُوا . «7» فَصَحَّ بِمُعَايَنَةِ أَمْثَالِهِمْ حَازِمٌ وَفَّقَهُ اعْتِبَارُهُ ، و أَرْشَدَهُ إِلَى طَرِيقِ صَوَابِهِ اخْتِيَارُهُ . «8» فَأَنْتَ يا مَوْلَايَ دُونَ كُلِّ مَسْؤُولٍ مَوْضِعُ مَسْأَلَتِي ، و دُونَ كُلِّ مَطْلُوبٍ إِلَيْهِ وَلِيُّ حَاجَتِي «9» أَنْتَ الَْمخْصُوصُ قَبْلَ كُلِّ مَدْعُوٍّ بِدَعْوَتِي ، لا يَشْرَكُكَ أَحَدٌ فِي رَجَائِي ، و لا يَتَّفِقُ أَحَدٌ مَعَكَ فِي دُعَائِي ، و لا يَنْظِمُهُ و إِيَّاكَ نِدَائِي «10» لَكَ يا إِلَهِي وَحْدَانِيَّةُ الْعَدَدِ ، و مَلَكَةُ الْقُدْرَةِ الصَّمَدِ ، و فَضِيلَةُ الْحَوْلِ و الْقُوَّةِ ، و دَرَجَةُ الْعُلُوِّ و الرِّفْعَةِ . «11» و من سِوَاكَ مَرْحُومٌ فِي عُمْرِهِ ، مَغْلُوبٌ عَلَى أَمْرِهِ ، مَقْهُورٌ عَلَى شَأْنِهِ ، مُخْتَلِفُ الْحَالَاتِ ، مُتَنَقِّلٌ فِي الصِّفَاتِ «12» فَتَعَالَيْتَ عَنِ الْأَشْبَاهِ و الْأَضْدَادِ ، و تَكَبَّرْتَ عَنِ الْأَمْثَالِ و الْأَنْدَادِ ، فَسُبْحَانَكَ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ
(اللهم انى اخلصت...) الاخلاص فى القول ان تعبر شفتاك عما فى نفسك، و الاخلاص فى العمل ان يكون بدافع من قلبك، و الاخلاص لله ان لاترى احدا سواه تماما كما قال سيد الشهداء (ع): «ماذا وجد من فقدك، و ما الذى فقد من وجدك؟ لقد خاب من رضى دونك بدلا»
(و رايت ان طلب المحتاج الى محتاج...) ابدا لا احد يعطيك شيئا، و ان يك تقيا، حتى ياخذ ثمنه بالكامل منك او من الله او من ثناء الناس، لانه محتاج مثلك، و ان تنوعت الحاجات، و الذى يعطى و لاياخذ هو الله الغنى عن كل شى ء، و اليه يفتقر كل شى ء. و فى الامثال: «يستف التراب، و لايقف على الابواب». و تقدم مثله فى الدعاء 13 فقره لمجرد التعليم و التنوير.
(فكم قد رايت يا الهى من اناس...) اعتزوا بغيرك فذلوا، لان العزه لك و بك و منك «من كان يريد العزه فلله العزه جميعا- 10 فاطر» و لا احد ينال منها شيئا الا الاخصاء من خلقه (و حاولوا الارتفاع فاتضعوا) لا رافع لمن وضع و لا واضع لمن رفع
(فصح بمعاينه امثالهم حازم...) المراد بامثالهم نفس الذين اعتزوا بغير الله، و حازم فاعل المعاينه، و المراد به نفس الامام (ع) و المعنى ان الامام راى الذل و الهوان فى الذين توكلوا و اعتمدوا على غير الله، فوفقه اعتباره و اختياره الى طريق الحق و الصواب، و هو الاتكال على التواب الوهاب.
(انت يا مولاى دون كل مسئول...) هل من اله غيرك يسال و يجيب؟ و هل من احد سواك يملك شيئا من الكائنات حتى نرفع اليه الحاجات؟ ابدا
(انت) وحدك (المخصوص قبل كل مدعو بدعوتى... هذا تفسير و تكرار لما قبله، و خلاصته بالله وحده استعين و استغيث، لانه اقرب من دعى، و اسمع من سئل، و اسرع من اجاب، و اكرم من اعطى (و لاينظمه و اياك ندائى) لا اجمع و لا اشرك احدا فى دعائى لك و ندائى. ثم بين الامام (ع) السبب الموجب لتوحيده فى الدعاء و الرجاء قال:
(لك يا الهى وحدانيه العدد) اى انت الواحد الاحد فى ذاته و صفاته، قال الملا صدرا: لا تقسيم و لا تكثير فى الذات و الصفات، و لو لم يكن كذلك لم يكن الها، لان كل ما هو مركب فهو مفتقر الى اجزائه، و واجب الوجود غنى عن كل شى ء، و اليه يفتقر كل شى ء، و معنى هذا ان وصف الله سبحانه بالوحده هو تعظيم و تكبير، اما وصف سواه بالوحده تصغير و تقليل.
(و ملكه القدره الصمد): من يقصد فى الحوائج، و هو صفه للقدره، و يستوى فيه التذكير و التاثير، و المعنى يملك سبحانه القدره المطلقه التى ينتهى اليها كل شى ء و يعتمد عليها فى جميع الحاجات (و فضيله الحول و القوه) الحول و الطول و القوه و القدره و المناعه و المتانه كلمات متقاربه متشابكه فى الدلاله و المدلول (و درجه العلو و الرفعه) فى ملكه و عظمته، و كرمه و قدرته و علمه و عدالته، و جلاله و رحمته، ليس كمثله شى ء و هو السميع البصير
(و من سواك مرحوم...) انت الرحمن الرحيم و الواحد القهار و الغالب الجبار، و كل شى ء سواك فهو مسكين حقير، و ضعيف فقير الى فضلك و رحمتك.
(مختلف الحالات متنقل فى الصفات) يتغير الانسان من حال الى حال فى حياته و بعد مماته... حتى الجماد لايستقر على حال واحده. و قديما قال الفليسوف اليونانى الشهير هيرقليطس (575 -540 ق م): كل شى ء فى تغير متصل ذاتا لا عرضا، و من اقواله: نحن موجودون و غير موجودين، لان الفناء يدب فينا فى كل لحظه، و قال ايضا: النار تتحول الى الهواء، و الهواء الى الماء، و الماء الى التراب. و قال: افنيت عمرى فى البحث عن الروح بلا طائل حيث لم اظفر بحقيقتها لشده خفائها. و صدق الله العظيم: «و يسالونك عن الروح قل الروح من امر ربى و ما اوتيتم من العلم الا قليلا- 85 الاسراء».