فى الرزق
«1» اللَّهُمَّ إِنَّكَ ابْتَلَيْتَنَا فِي أَرْزَاقِنَا بِسُوءِ الظَّنِّ ، و فِي آجَالِنَا بِطُولِ الْأَمَلِ حَتَّى الَْتمَسْنَا أَرْزَاقَكَ من عِنْدِ الْمَرْزُوقِينَ ، و طَمِعْنَا بِآمَالِنَا فِي أَعْمَارِ الْمُعَمَّرِينَ . «2» فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و هَبْ لَنَا يَقِيناً صَادِقاً تَكْفِينَا به من مَؤُونَةِ الطَّلَبِ ، و أَلْهِمْنَا ثِقَةً خَالِصَةً تُعْفِينَا بِهَا من شِدَّةِ النَّصَبِ «3» و اجْعَلْ ما صَرَّحْتَ به من عِدَتِكَ فِي وَحْيِكَ ، و أَتْبَعْتَهُ من قَسَمِكَ فِي كِتَابِكَ ، قَاطِعاً لِاهْتَِمامِنَا بِالرِّزْقِ الَّذِي تَكَفَّلْتَ به ، و حَسْماً لِلاِشْتِغَالِ بِمَا ضَمِنْتَ الْکِفَايَةَ لَهُ «4» فَقُلْتَ و قَوْلُكَ الْحَقُّ الْأَصْدَقُ ، و أَقْسَمْتَ و قَسَمُكَ الْأَبَرُّ الْأَوْفَى و فِي السَّمَاءِ رِزْقُکُمْ و ما تُوعَدُونَ . «5» ثُمَّ قُلْتَ فَوَ رَبِّ السَّمَاءِ و الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّکُمْ تَنْطِقُونَ
(اللهم انك ابتليتنا فى ارزاقنا بسوء الظن) اختبرنا بالخوف من الفقر، و انت اعلم بانفسنا منا، و لكن لتظهر افعالنا التى نستحق بها الثواب او العقاب (و فى آجالنا بطول الامل) و ايضا اختبرتنا بالسهو عن الموت حتى كانه على غيرنا كتب، فكانت ثمره ذلك ان (التمسنا ارزاقنا من عند المرزوقين) نسترزق طالبى رزقك، و نستعين بمن لا حول له و لا قوه الا بحولك و قوتك، و انتهينا من نسيان الموت الى طمعنا (بامالنا فى اعمار المعمرين) و ما من آفه اعظم من الاغترار بالصحه و الشباب و الطمع فى طول الاجل، لان الموت اقرب شى ء الى الانسان، و قد راينا الشبان الغلمان اكثر من الشيوخ حيث يندر من يكبر، و فى الاشعار:
يعمر واحد فيغر قوما
و ينسوا من يموت من الشباب
(و هب لنا يقينا صادقا تفكينا به مونه الطلب) لا بد من طلب الرزق و السعى وراءه و الا فسدت الحياه و اختل النظام العام، و فى اصول الكافى: اذا جلس الرجل فى بيته و قال: اللهم ارزقنى. يقال له: الم آمرك بالطلب؟ و عليه يكون المراد بمونه الطلب هنا ثقلها و صعوبتها، لا نفيها من الاساس، و الدليل على اراده هذا المعنى قوله: (تعفينا من شده النصب) اى شده التعب و مشقته. و تقدم فى الدعاء 20: و لاتجعل عيشى كدا كدا.
(و اجعل ما صرحت به من عدتك فى وحيك...) العده بكسر العين: الوعد، و الحسم و القطع بمعنى واحد، و المراد بالوحى هنا قوله تعالى: «و فى السماء رزقكم و ما توعدون: فورب السماء و الارض انه لحق مثلما انكم تنطقون- 23 الذرايات» و الامام (ع) يسال الله سبحانه ان يجعل ايماننا بتقدير الرزق الحلال و قسمته عن طريق السعى و العمل- راسخا و قويا لايعترضه الريب، كى ندع التنافس و التناحر على المال و تملكه، و لا نندفع وراء الطمع و الجشع و ما من احد يشك و ينازع فى ان حب المال لسد الحاجه مندوب اليه... و لكن عن الطريق المامور به، و هو اوسع من الطريق المنهى عنه كما قال الامام اميرالمومنين (ع): «و ما احل لكم اكثر مما حرم عليكم، فذروا ما قل لما كثر، و ما ضاق لما اتسع، قد تكفل لكم بالرزق، و امرتم بالعمل، فلايكونن المضمون لكم طلبه اولى بكم من المفروض عليكم عمله» اى عليكم العمل، و على الله الرزق. و من الجهل و الحماقه ان تطلبوا الرزق و تتركوا العمل. و الى هذا اشار الامام السجاد حفيد الامام على (ع) بقوله: «للاشتغال بما ضمنت الكفايه» اى نطلب الرزق المضمون بالعمل و الاشتغال بالطريق المشروع لسد الحاجه لا للتضاهى و التباهى و غير ذلك من المحرمات.