فى قضاء الدين
«1» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و هَبْ لِيَ الْعَافِيَةَ من دَيْنٍ تُخْلِقُ به وَجْهِي ، و يَحَارُ فِيهِ ذِهْنِي ، و يَتَشَعَّبُ لَهُ فِكْرِي ، و يَطُولُ بِمُمَارَسَتِهِ شُغْلِي «2» و أَعُوذُ بِكَ ، يا رَبِّ ، من هم الدَّيْنِ و فِكْرِهِ ، و شُغْلِ الدَّيْنِ و سَهَرِهِ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و أَعِذْنِي مِنْهُ ، و أَسْتَجِيرُ بِكَ ، يا رَبِّ ، من ذِلَّتِهِ فِي الْحَيَاةِ ، و من تَبِعَتِهِ بَعْدَ الْوَفَاةِ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و أَجِرْني مِنْهُ بِوُسْعٍ فَاضِلٍ أَوْ كَفَافٍ وَاصِلٍ . «3» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و احْجُبْنِي عَنِ السَّرَفِ و الِازْدِيَادِ ، و قَوِّمْنِي بِالْبَذْلِ و الِاقْتِصَادِ ، و عَلِّمْنِي حُسْنَ التَّقْدِيرِ ، و اقْبِضْنِي بِلُطْفِكَ عَنِ التَّبْذِيرِ ، و أَجْرِ من أَسْبَابِ الْحَلَالِ أَرْزَاقِي ، و وَجِّهْ فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ إِنْفَاقِي ، و ازْوِ عَنِّي من الْمَالِ ما يُحْدِثُ لِي مَخِيلَةً أَوْ تَاَدِّياً اِلَي بَغْيٍ أَوْ ما أتَعَقَّبُ مِنْهُ طُغْيَاناً . «4» اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيَّ صُحْبَةَ الْفُقَرَاءِ ، و أَعِنِّي عَلَى صُحْبَتِهِمْ بِحُسْنِ الصَّبْرِ «5» و ما زَوَيْتَ عَنِّي من مَتَاعِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ فَاذْخَرْهُ لِي فِي خَزَائِنِكَ الْبَاقِيَةِ «6» و اجْعَلْ ما خَوَّلْتَنِي من حُطَامِهَا ، و عَجَّلْتَ لِي من مَتَاعِهَا بُلْغَةً إِلَى جِوَارِكَ و وُصْلَةً إِلَى قُرْبِكَ و ذَرِيعَةً إِلَى جَنَّتِكَ ، إِنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ، و أَنْتَ الْجَوَادُ الْکَرِيمُ
(و هب لى العافيه من دين تخلق به وجهى) اخلق الثوب: بلى، و خلق الوجه: ذهب رونقه و نضاره، و فى نهج البلاغه: «ماء وجهك جامد، يقطره السوال، فانظر عند من تقطره» و المراد بماء الوجه النضاره، و الدين مال الناس عندك و فى ذمتك، و له اهميته البالغه عند الكبار و الصغار، و لا شى ء يوازيه الا اللحم و الدم. و فى الحديث: دماوكم عليكم حرام، و اموالكم عليكم حرام. و من هنا كان لباذل المال و دائنه اجر عند الله و فضل على المدان و المبذول له، و الامام (ع) يرجو الله سبحانه ان يعافيه و يغنيه من فضله عن مال الناس دينا كان او بذلا، لان كلا منهما ثقيل و وبيل.
(و يحار فيه ذهنى...) فى سفينه البحار عن النبى (ص): الدين هم بالليل و ذل بالنهار... ما الوجع الا وجع العين، و لا الهم الا هم الدين... اعوذ بالله من الكفر و الدين. فقيل له: يا رسول الله ايعدل الدين الكفر؟ قال نعم» يريد الدين المغصوب (و من تبعته بعد الوفاه) اى من الحساب و العذاب لعدم الاداء و الوفاء مع القدره. قال الامام الباقر (ع): «كل ذنب يكفره القتل فى سبيل الله الا الدين، فانه لا كفاره له الا ان يودى و يقضى او يعفو الذى له الحق» قال الصادق (ع): مات رجل من الانصار عليه دين، فلم يصل عليه النبى (ص) و قال للصحابه: «لاتصلوا على صاحبكم حتى يقضى عنه الدين» (و بوسع فاضل): زائد عن مقدار الحاجه (او كفاف) مقدار الحاجه من غير زياده او نقصان.
و جاء يهودى الى رسول الله (ص) يتقاضاه دينا عليه لم يحل اجله بعد، فجذب ثوب النبى و قال: انكم مطل يا بنى عبدالمطلب. فانتهره عمر، و شدد له فى القول: فالتفت الرسول (ص) الى عمر و قال: انا و اليهودى كنا الى غير هذا منك احوج يا عمر. كان عليك ان ترغب الى اليهودى فى حسن التقاضى، و الى بحسن سداد الدين. و كان هذا السلوك من رسول الله (ص) سببا فى اسلام اليهودى.
(و احجبنى عن السرف...) و هو التبذير و تجاوز الحد المعقول، قال سبحانه : «ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين- 27 الاسراء» و الزياده عطف تكرار، و اجرى عليه الرزق: افاصه عليه (و وجه فى ابواب البر) اى فى جهه البر، و اوزعنى: امنعنى و مخيله بفتح الميم من الخيلاء بمعنى الكبر و العجب، و التادى الى الشى ء: الوصول اليه، و اتعقب منه طغيانا: ارتكب بسببه حراما و طغيانا.
و مضمون هذا المقطع من الدعاء بجمله مجتمعه ان المال وحده لايغنى عن الدين اذا لم يكن معه تدبير و حسن تقدير، فقد يكون للمرء املاك طائله، و لكن يبذرها فى سبيل الشيطان، فيضطر الى الدين و الرهونات. لذا سال الامام ربه سبحانه ان يقومه بالبذل و الاقتصاد، اى يجعله معتدلا فى بذله و انفاقه، فياتيه المال من حلال و يصرفه فى الحلال، فلاياخذ درهما من غير حق، و لايضع درهما كما ساله ان يزوى عنه من المال ما يوجب الخيلاء و الكبرياء، و يودى الى البغى و الطغيان.
(اللهم حبب الى صحبه الفقراء) يتعوذ الامام (ع) من الفقر، لانه كفر، و يحب صحبه الفقراء تواضعا لله و طاعه لامره تعالى حيث قال لنبيه الكريم (ص) و هو يوصيه باهل الفقر و المسكنه: «و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوه و العشى يريدون وجهه، لاتعد عيناك عنهم- 28 الكهف» و ايضا قال لنجيه الاعظم: «و اخفض جناحك للمومنين- 88 الحجر» قيل: المراد المستضعفون منهم. و قال نبى الرحمه (ص): اللهم احينى مسكينا، و امتنى مسكينا، و ابعثنى مع المساكين. و فى نهج البلاغه: ما احسن تواضع الاغنياء للفقراء، و احسن منه تيه الفقراء على الاغنياء اتكالا على الله.
(و اعنى على صحبتهم بحسن الصبر) الفقر ماساه، و يعانى الفقراء من كفره و جوره ما يعانون... فيتذمرون و يشكون، لان اكثر الناس لا اصطبار لهم على المراره، و الكثير منهم لايانفون من كشف الحالات و الكربات... و لا مناص من الاصغاء و الدعاء و الا زدتهم كربا على كرب... و فى شتى الاحوال فان مجالسه الفقراء اسلم دينا و دنيا من مجالسه الاغنياء. قال الهادى البشير (ص): لاتجالسوا الموتى. قيل: و من هم يا رسول الله؟ قال: كل غنى مترف. و قال وصى النبى (ع): مجالسه الاشرار تورث سوء الظن بالاخيار. و قال باقر العلوم (ع): اياكم و مجالسه الاغنياء، فان الانسان يجالسهم و هو يرى ان لله عليه نعمه، فما يقوم حتى يرى ان ليس لله عليه نعمه.
و فى كتاب الامتاع و الموانسه لابى حيان التوحيدى: ان ابابكر بن عبدالرحمن بن الحارث كان لا يلى لمعاويه عملا، و لايقبل منه نائلا. فقال له معاويه: عملا، و لا يقبل منه نائلا. فقال له معاويه: هى الدنيا، فاما ان ترضع معنا، و اما ان ترتدع عنا.
(و ما زويت عنى من الدنيا الفانيه... و اوضح تفسير لهذه الجمله و ابلغ قول الامام على (ع) جد الامام السجاد (ع): و اعلموا ان ما نقص من الدنيا و زاد فى الاخره خير مما نقص من الاخره و زاد فى الدنيا. فكم من منقوص رابح و مزيد خاسر.